ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/09/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

من بلاد العم ( سام ) إلى بلاد الغم ( شام )

الرسالة وصلت ..شكراً

د. هشـام الشـامي

بعد ظهر يوم الثلاثاء 12 أيلول/ سبتمبر الماضي ؛ عدت إلى منزلي قافلاً من عملي ؛ فوجدت زوجتي ( إيمان )  تتابع نشرة أخبار إحدى القنوات الفضائية الإخبارية - على غير عادتها - فسارعت إلى استقبالي قائلة : هل رأيت ؟ ، لقد أفشلوا الهجوم الإرهابي على السفارة الأمريكية و الحمد لله . فسألتها : أين و متى حصل ذلك ؟ . فقالت : في دمشق ؛ هذا الصباح . فقلت لها : لم أسمع هذا الخبر بعد ؛ و لكن خبرتي و تجربتي تقول إنها تمثيلية  مفبركة . فقالت : كيف وقد قُتل العديد من الأشخاص منهم رجال أمن . فقلت : و ما الغريب في ذلك ؟ ؛ إنها لزوم السيناريو و الإخراج ، ثم متى كان للنفس البشرية قيمة عند النظام الحاكم في دمشق؟ .

ثم أخذت أركّز ناظري و مسمعي و جميع حواسي على نشرة الأخبار ، بينما انطلقت زوجتي لتحضير طاولة الغداء ، و قد بدت الحيرة في ملامحها بين ما سمعته في نشرات الأخبار و ما سمعته مني .

و في مساء ذلك اليوم زارنا أخو زوجتي ( رشيد ) و زوجته ( عبير) ، و أثناء السهرة كنا نستمع إلى أخبار قناة الجزيرة ؛ فعرضت خبر الهجوم على السفارة الأمريكية في دمشق ، فأسرع أسامة إلى التعليق قائلاً : تمثيلية سيئة الإخراج . مما لفت انتباه زوجتي التي لا تهتم بالسياسة إلا نادراً ، فسألت:

- ما الذي يدعوكما إلى الاعتقاد أن العمل مدبر و مفبرك ؟ .

فأجاب رشيد : - إننا نعيش في سوريا الأسد!! ، البلد الذي حصل بجدارة على بطولة العالم في عدد  فروع المخابرات ، و الذي يصرف النسبة العظمى من ميزانية الدولة على أمنه و حماية سلطته ، و أنتم تعلمون أن أكثر من نصف الميزانية و لأكثر من أربعين سنة تصرف على الجيش ، و حوالي نصف هذه الميزانية تصرف على أمن النظام و مخابراته ، و يوجد أكثر من 250000عنصراً أمنياً لديهم حوالي 75 ألف مركوبة ، هذا عدا الحرس الجمهوري و الصاعقة و الوحدات الخاصة و المغاوير و غير ذلك من الجيوش التي لا هدف لها سوى حماية النظام ، فالنظام مخابراتي بامتياز .

 قلت : - و أريد أن أضيف على ما أسلفت ، إن المنطقة التي حدثت فيها هذه المسرحية ، أمنية من الدرجة الحمراء و ليس البرتقالي أو الأصفر ( حسب التعبير الأمريكي ) ، فهذه المنطقة التي تقع فيها السفارة الأمريكية منطقة أمنية من الدرجة الأولى وتقع في الشارع الخلفي للقصر الجمهوري ( قصر الروضة ) وعلى بعد حوالي 200 متر منه ؛ حيث يوجد سكن الرئيس بشار و من قبله أبيه – باني النظام الأمني – حافظ ، كما إنها قريبة جداً من مقر مكاتب رئيس الجمهورية و من مراكز المخابرات السورية في حي المالكي المجاور ، و تعلمون أن المنطقة متخمة بمساكن المسؤولين الكبار في الأمن و الدولة ، و مراكز البعثات الدبلوماسية و السفارات الدولية ؛ كالقنصلية الإيطالية ,والسفارة العراقية ,والسفارة الصينية ,والملحقية الثقافية الفرنسية ,والملحقية التجارية الإيطالية ,و المجلس الأعلى السوري اللبناني , ومنزل السفير المغربي.

كما أن الوقت الذي حصل فيه الهجوم صباحاً ، هو وقت ذروة الازدحام و الكثافة الأمنية في المنطقة .

رشيد : ألم تلاحظوا من الصور التي عرضت على قناة الجزيرة أن الكميونات المغلقة التي استعملها المهاجمون بدون لوحات؟ ، وأنتم تعلمون أن السيارات المغلقة ممنوع مرورها من هذا الشارع ويوجد دوريات أمنية في بداية الشارع لإيقاف السيارات ومنعها من التوجه إلى ساحة عدنان المالكي .

فقلت : سيارتان مغلقتان بدون لوحات في مثل هذا المكان الأمني ، يستقلاهما أربعة شباب منقبين بأشمخة حمراء ، و يصلون بهما إلى قرب السفارة الأمريكية الحصن الحصين ، ألا يثير ذلك مئة سؤال و سؤال ؟!!.

عبير : و لكن هذا لا يمنع أن الناس مشحونون غضباً من السياسة الأمريكية في المنطقة و العالم ، و خصوصاً مما يحصل يومياً في فلسطين و العراق و أفغانستان ؛ و مما حصل أخيراً في لبنان ، مما يشكل الأرضية المناسبة لإستثارة الشباب المتحمس و الذي يريد أن ينتقم من أمريكا و سياساتها الظالمة بشتى الوسائل و حسب الإمكانيات المتاحة .

رشيد : هذا صحيح ، و نحن لم نتكلم عن دوافع هؤلاء الشباب المتحمس ، فأغلب الظن أنهم من المغرر بهم ، و الذين اُستغل حماسهم و نقمتهم على السياسة الأمريكية ، و تم رسم الخطة في الدوائر الضيقة جداً ، بحيث لا تخرج عن نطاق السيطرة ، و تخدم سياسة النظام المخابراتي الدموي .

إيمان : و لكنهم لماذا ينفذون مثل هذه العمليات ؟ أو حتى يخططون لها و يشرفون على تنفيذها ، و هم بحدوث مثل تلك العمليات يكشفون عن تقصيرهم الأمني ، و ضعفهم في كشف مثل تلك المخططات الإرهابية ، مما يضعف هيبتهم الأمنية التي هي رأسمالهم الوحيد المتبقي للاستمرار في السلطة ، ولطالما تفاخروا بقبضتهم الحديدية التي أحكموها بقوة و عنف على أعناق العباد و أحصوا عليهم أنفاسهم و أرزاقهم و أعمالهم وما تنبس شفاههم ، حتى نشروا ثقافة الخوف و الرعب بين المواطنين .

فقلت : لقد أصبح همّ السلطة الوحيد في دمشق ، و أوليتها الملحة ، هي لفت نظر العم سام الأمريكي إليهم بعد أن أصبحوا معزولين في هذا الكون ، و لم تُبق سياستهم الصبيانية الطائشة ؛ و خطابهم الخشبي المتحجر ؛ لهم صاحباً أو صديقاً ؛ اللهم إلا المهمشين أمثالهم ؛ كالإيرانيين و الكوريين الشماليين ، و هم يظنون أن العم سام الذي رعاهم و مدهم بنسق الحياة على مدى العقود السابقة إذا ما رضي عنهم فستحل كل مشاكلهم التي تراكمت فوق رؤوسهم و صدورهم كالجبال الثقيلة ، بداية بتبرئتهم من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، و ليس انتهاء من إنهاء عزلتهم القاتلة بعد أن قُصقصت أجنحتهم و نتف ريشهم مما أفقدهم أي دور محلي أو إقليمي و لو بسيط ، و أُحرقت كل أوراقهم التي كانوا يتاجرون بها ، و بحسهم الأمني العالي جداً ؛ يعلمون أن عقدة أمريكا اليوم ( و معظم العالم الغربي ) هي الإرهاب ؛ و بالتحديد تنظيم القاعدة و الإرهاب الإسلامي كما يسمونه ؛ و هم بهكذا مسرحيات يقولون للعم سام أنهم مستهدفون مثله تماماً و من الإرهاب ذاته ؛ فهم بالتالي في صف محاربي الإرهاب و ليسوا في صف الإرهاب كما تصنفهم أمريكا و أغلب دول العالم ، و أيضاً يبرهنون بقوة السلاح و بالمثال العملي المشاهد ، و بالدماء المسفوحة على الإسفلت ، و بالأرواح المزهقة إلى بارئها ،  أنهم ما زالوا مستعدين لحماية المصالح الأمريكية كما كانوا بالسابق ، و كما قدّموا خدماتهم الجليلة في كشف عدة عمليات كانت ستتعرض لها المصالح الأمريكية في الخليج العربي و المنطقة بل و في العالم أجمع ، و هذا ما دفع رايس إلى تجديد امتنانها و شكرها للنظام و رجال الأمن على حمايتهم للسفارة و الرعايا الأمريكيين ، و لذلك أسرع الإعلام السوري إلى نشر الخبر – على غير عادته – و حرص على إظهار صبغة دينية على الشباب المهاجم ، فهم – كما أظهرهم الأعلام السوري - ملثمون بأشمخة حمراء ؛ و يكبرون و يهللون و يطلقون شعارات دينية ؛ و الأبلغ من ذلك كان مكان و زمان الهجوم فهذه المرة هو مباشر على المصالح الأمريكية ؛ و ليس على بناء مهجور في أوتستراد المزة ( مبنى الأمم المتحدة المهجور ) أو على بناء مهجور في ساحة الأمويين ( في محيط مبنى الإذاعة و التلفزيون ) ؛ و في وضح النهار بل في وقت ذروة الازدحام ( و ليس صباح يوم الجمعة وقت الهجوم الأخير على مبنى الإذاعة و التلفزيون ) ؛ و الأكثر من ذلك أنه حدث في الوقت الذي كانت تحتفل فيه الولايات المتحدة الأمريكية بالذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر .

كل هذه المؤشرات المقصودة يريد منها مؤلفو السيناريو أن يوصلوا رسالتهم أنهم مقصودون و مستهدفون من الإرهاب العالمي كالأمريكيين تماماً .

عبير : و لكن الأمريكيين يقولون: " أن السوريين قد أبدوا استعدادهم للتعاون في التحقيق لكشف ملابسات هذا الهجوم " ، و هناك شخص من المهاجمين قد أعتقل جريحاً ، و قد أعلنت مصادر مسؤولة سورية ، أن هذا الشخص مهم جداً في كشف حقيقة هذه المجموعة و أهدافها و دوافعها .

رشيد : الحقيقة هذا الموضوع حيّرني ، و قد تساءلت قبلك كيف تركوا أحد المهاجمين حيّاً و لم يقتلوه ؟ ، و هل سيمكنون المحققين الأمريكيين من التحقيق معه ؟ .

فقلت : لا ، لن يحدث هذا أبداً ، فكل الحوادث السابقة  التي اتهم بها أشباح جند الشام - الذين حتى الآن لم نعرف اسم ولو واحد منهم ؛ و هل هم من البشر أم من غير البشر  ؟ و هل هم من كوكب الأرض أم من المريخ مثلاً ؟ - كانت ( بروفا ) كما يطلق عليها أهل التمثيل ؛ لهذه العملية المباشرة و المدروسة بعناية ، و غداً أو بعد غد في أبعد وقت ، ستسمع خبر وفاة هذا المهاجم الجريح قبل أن يستطيع الأمن من التحقيق معه ، لأن الأمن عندنا رحيم جداً !! و يتعامل بمنتهى الإنسانية مع البشر!! ، و يلتزم بأوامر الأطباء المعالجين تماماً !! ، و سوف تذكرون كلامي هذا عندما سيعلن نبأ وفاته ، و بالتالي انقطاع خبر الأشباح من جند الشام دون أية معلومات يمكن أن توصل إلى حقيقة هذه الأشباح .

إيمان : و هل من أهداف أخرى لهذه العملية ؟ .

رشيد : نعم هناك أهداف كثيرة ، فهي كما ستخدم السياسيين ستخدم أيضاً الأمنيين الحكام الفعليين للبلد ، فقانون الطوارئ الجاثم على صدورنا منذ أكثر من أربعة عقود ، و أعداد فروع الأمن الأخطبوطية الكثيرة ، و مئات الموظفين من رجال الأمن ، و الميزانية الضخمة المخصصة للأمن كلها مبررة بوجود هكذا إرهاب .

قلت : و هناك رسالة موجهة أبعد من الولايات المتحدة ، و تصل إلى المجتمع الدولي بأكمله ، و هي حالة الفوضى التي ما فتئ يحذر منها المسؤولين السورين باستمرار ، و كأنهم هم صمام الأمان لهذا المجتمع المهيأ في حال سقوطهم لعرقنة أو جزأرة سوريا الحبيبة ، أما الرسالة الأهم فهي موجهة إلى الدولة الصهيونية الداعم الأساسي لبقاء هذا النظام حتى الآن ؛ و تقول هذه الرسالة : أن البديل لهذا النظام ( الحارس الأمين لحدود الجولان المحتل على مدى عقود عديدة ) هم هؤلاء الإرهابيون الانتحاريون الذين سيشعلون جبهة الجولان الهادئة ، و يحوّلون جليد جبل الشيخ  جحيماً فوق رؤوس المستوطنين الأمنيين  .

إيمان : و هل هذا التحليل هو التفسير الوحيد لهذا الهجوم ؟ .

قلت: هناك تفسيرات و تحليلات أخرى ، لكنها أقل قوة من التفسير السابق بكثير ، منها التفسيران التاليان :

الأول : نستطيع أن نلخصه بأن السحر قد انقلب على الساحر ؛ بمعنى أن التنظيمات الإرهابية التي رباها هذا النظام الأمني و رعاها لتكون يده التي يبطش بها في دول الجوار كالعراق و لبنان و الأردن ؛ قد خرجت عن الخط الذي رسمه لها ، و انقلبت عليه و نفذت هذه العملية ،  و لم تعد تقتنع بازدواجية و فصامية علمائها المخابراتيين كالعالم العلامة و الخطيب المفوه و المجاهد الكبير !!! أبو القعقاع الأسدي !!! (رضيت المخابرات عنه و أرضته ) ، تماماً  كما انقلب تنظيم القاعدة على الأمريكان بعد أن ساعدوه ضد السوفييت .

و الثاني :  أن إيران التي سلمها الأسد الصغير سوريا العظيمة لقمة سائغة في فم حوت فارسي شره ، قد نقلت ساحة الصراع من لبنان إلى سوريا بعد أن قطع القرار 1701 الدولي عليها طريق لبنان ، و هي تريد أن تبقي العراق و سوريا و لبنان ساحتها لمواجهة أمريكا و الغرب .

عبير : و هل سينجح النظام في تحقيق أهدافه الخبيثة ؟ .

رشيد : الحقيقة أن النظام فقد مصداقيته عند الجميع ، فلطالما حذرت المعارضة الوطنية من هذا النظام الدموي و أساليبه الوضيعة ، و الآن ، و بعد عقود طويلة من الإجرام و إرهاب الدولة المنظم ، بدأ زعماء العالم الحر يعرفون حقيقة هذا النظام ، و بات كل زعماء العالم الكبار و قادة العالم العربي يقولون صراحة و دون مواربة : أن هذا النظام مخادع و لا يمكن الوثوق به .

قلت : هل تعرفون الفرق بين هذه المسرحيات الدموية المفبركة  ، و بين المسرحيات الفنية الحقيقية ؟ . سأجيبكم :

أولاً - أن أبطال هذه المسرحيات دائماً غير معروفين ، و كأنهم أشباح خلقوا لينفذوا هذه العملية فقط ، و ليس لهم اسم و مكان ولادة و مكان إقامة و تاريخ أبداً .

ثانياً - أن أبطال هذه المسرحيات يقتلون دوماً ؛ و قبل تنفيذ مهامهم المرسومة .

ثالثاً - أن السيناريو دائما متشابه ، و الإخراج دائماً سيء ، و أسوأ ما يعتقده المخرج المتعجرف أن الجمهور دائماً غبي و مخدوع . و لا يريد أن يفهم الحكمة القائلة :" قد تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ؛ لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت ".

إيمان : دعونا نرى ما سيقوله النقاد عن هذا المسلسل الدموي الرهيب ، و تفضلوا الآن فالعشاء  جاهز .

و في اليوم التالي : اتصل بي رشيد قائلاً : لقد أعلنت السلطات الأمنية موت المهاجم الرابع الذي كان جريحاً ؛ دون أن تتمكن من استجوابه .

و إلى حلقة قادمة من مسلسل أشباح جند الشام ، و تصبحون على وطن ....

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ