ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 24/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الشبهات والشهوات والهوى

ومنهج المعالجة

د. محمد سعيد حوى

 عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ " (صحيح البخاري)

 

مما يعين على فهم هذاالحديث ؛ حديث الحسن بن علي قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» (الترمذي ، صحيح) وسبب ورووده أن الحسن مَرَرْ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْهِ فِي جُرُنٍ مِنْ جُرُنِ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَخَذْ تَمْرَةً وَطَرَحْهَا فِي فيه، فَأَخَذَ النبي بقفاه، ثُمَّ أَدَخَلَ يَدَهُ فِي فيه فَانْتَزَعَهَا، ثُمَّ طَرَحَهَا فِي الْجُرُنِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: لَوْ تَرَكْتَ الْغُلَامَ فَأَكَلَهَا، فَقَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ الحسن : وَعَلَّمَنِي كَلِمَاتٍ أَدْعُو بِهِنَّ فِي آخِرِ الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ قَالَ أَبُو الْحَوْرَاءِ: فَدَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَحَدَّثْتُهُ بِهَا عَنِ الْحَسَنِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّهُنَّ كَلِمَاتٌ عُلِّمْنَاهُنَّ نَدْعُو بِهِنَّ فِي الْقُنُوتِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الدُّعَاءَ مِثْلَ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ

ويساعد على فهمه حديث النواس بن سمعان (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نفسك، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ») (رواه مسلم)

وحديث وابصة وفيه (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ ، قال: استفت قلبك، البر ما طمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).

قال النووي: حديث حسن رويناه في مسندي الإمامين أحمد والدارمي بإسناد حسن.

 وإنما يحسن الحديث بالشواهد فقد ضعف العلماء سند حديث وابصة.

وبناء على ما مضى نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هنالك ثلاثة مراتب :

مرتبة الحلال الواضح .

ومرتبة الحرام الواضح .

وبينهما مرتبة مشتبهة ووضع أسسا للحكم فيها، فمن هذه الأسس:

اطمئنان النفس ، واطمئنان القلب ، فيترجح فيها جانب الإباحة وبالمقابل ما حاك في النفس وتردد في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس فيترجح جانب الإثم ، وكذا ما يوقعك في الشك والقلق والريبة ، وهذا يبين أنه لا بد أن يكون المؤمن صاحب قلب نقي حتى يستشعر هذه المعاني وإلا فأصحاب القلوب المريضة لا يميزون في هذه الأمور ، لكن الأصل كله مبني على الدليل العلمي الشرعي الصادر عن أهل الاجتهاد ، وبناء عليه يمكننا القول

إن معرفة الحق يتضافر عليه :

1-        الوحي .

2-        العقل ، في ميدانه ومجالاته وقياساته الصحيحة،بعيدا عن الهوى والكبر.

3-        القلب السليم.

4-        الفطرة النقية .

أما من تلوثت فطرته وقسا قلبه واستحكم الهوى على قلبه وعقله حتى لو جاءته كل الأدلة لا يخضع للحق.

مصطلحات

1-        الحلال : هو ما أذن به شرعا قطعا أو حكما دلالة وثبوتا (الطيبات من الطعام والنكاح واللباس )

2-        الحرام : ما نهي عنه قطعا أو حكما دلالة وثبوتا (الكذب، الخمر ، الزنا ، الخنزير)

3-        المشتبهات: وهي ما يقابل الواضحات أو ما وقع فيه التشاكل والتماثل ما أشبه الحلال من جهة والحرام من جهة أو اختلط الأمر بينهما.

اسباب وقوع المشتبه:

أولا:

أن الألفاظ منها الواضح ومنها غير الواضح وكلها على مراتب

 الألفاظ الواضحة وأعلاها المحكم وهو ما اتضح معناه بنفسه ولم يحتمل نسخا ولا تأويلا ولا تخصيصا كألفاظ التوحيد.

1-        التأويل: صرف اللفظ عن معناه الظاهر لقرينة .

2-        التخصيص: اخراج بعض أفراد العام.

3-        النسخ: رفع حكم متقدم بحكم متأخر.

4-        المفسر : ما دل على معناه من سياق آخر ، ولا يحتمل تأويلا ولا تخصيصا ولا نسخا كالدية .

النص: ما دل على معناه ويحتمل نسخا أو تخصيصا ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء: 11] ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38]

 

5-        الظاهر: ما دل على معناه ولم يكن مقصودا في الاصل(أحل الله البيع وحرم الربا)

فهذه أربع مراتب في الألفاظ الواضحة فنجد أن بعضها قد يقع الاختلاف فيه بين العلماء .

الألفاظ غير الواضحة:

1-        المجمل: ما ازدحمت فيه المعاني (الحج، الصلاة )

2-        المشكل: ما خفي معناه بسبب اللفظ (القوء ، المحصنات، فمتعوهن)

3-        الخفي: ما اشتبه معناه بعارض غير الصيغة (ليس لقاتل ميراث) (من القاتل؟ )

فأمام كل هذه القضايا لا يستبعد أن يقع اشتباه في بعض الأحكام واحتمال.

ثانيا: تعارض الأدلة في الظاهر (خمس رضعات معلومات يحرمن)

ثالثا: الاختلاف في علة الحكم (الربا)

رابعا: كون الدليل ظنيا دلالة أو ثبوتا ( صفة الحجاب ، الموسيقى ، المصافحة للنساء )

خامسا: كونه مما يستجد (الرحم المستأجرة ، تحديد جنس المولود ، التأمين)

سادسا: المكروه (مقاومة الاخبثين)

سابعا: ما يطرء عليه الشك (لحوم ذبائح الغرب)

ثامنا: ما يطرء عليه الاختلاط (كمال المرابي الذي له بعض الحلال)

تاسعا: اقتران المباح بمحرم (بيع أدوات التجميل ، بيع العنب للخمار ، عمل الفنادق )

عاشرا: ادعاء شبهة الدليل من بعض (روايات في نكاح المتعة )

الحادي عشر: ادعاء عدم وجود الدليل المحرم (التدخين)

الثاني عشر: موافقته للأحكام ظاهرا ومخالفته للأخلاق و للمقاصد حقيقة ، زواج المسيار (زواج بنية الطلاق)

الثالث عشر: الإكثار من المباح الذي قد يوقع في الحرام (كثرة الطعام وكثرة الكلام)

كيف يكون من يقع في الاشتباه واقعا في الحرام ؟

1-        الاكثار من المباح قد يؤدي إلا ما لا ينبغي .

2-        الاكثار من المباح أو المكروه قد يؤدي إلى الجرأة والاستخفاف بالأحكام.

3-        من تعود المشتبهات يضعف إيمانه فتزول الحواجز بينه وبين الحرام.

4-        أن يكون بعض ما يدعى الاشتباه فيه هو حرام فعلا كالتدخين ونكاح المتعة وعمل البنوك.

5-        التمسك بالآراء الضعيفة والشاذة عن بعض أهل العلم.

كيف نتعرف إلى الحلال والحرام ؟

1-        الرجوع إلى الراسخين في العلم ، الربانيين ، الذين عرفوا بالتقوى والصلاح وشهد لهم أهل العلم بالعلم والعدالة وعرفوا من مواقفهم الإيجابية وأثرهم الطيب.

2-        النظر في أدلتهم لمن كان يستطيع ذلك .

3-        تحرير القلب من الهوى والكبر والقسوة والغفلة .

4-        استحضار الموازين التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وسبقت في بداية النص (ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس).

كيف نوفق بين كون الدين قد بين لنا ووجود المشتبه

قال تعالى:﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]

﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]

نقول: الأحكام على ثلاثة مراتب:

1-        ما علم ضرورة وهذا لا يعذر أحد في مخالفته إلا في الضرورة.

2-        ما علمه العلماء.

3-        ما اختلف فيه أهل العلم المعتبرين فهذا يعذر المسلم إذا تبع فقيها مجتهدا معتبرا عند العلماء وجعله الله كذلك من باب التيسير ولا يحاسب إلا بما علم واستطاع، فهو بهذا مبين إذ لا حساب فوق الطاقة والتكليف، المهم أن لا يكون الهوى والتشهي والعبث واتباع الجهلة في الأحكام قال صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا , وَحَّدَ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا , وَسَكَتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ فَاقْبَلُوهَا )(في سنده ضعف) وقال بعض أهل العلم أنه موقوف

كيف نبرأ من الوقوع في المتشابه:

1-        الحرص على معرفة الادلة .

2-        سلامة القلب من الهوى .

3-        سلامة الفطرة من التلوث.

4-        حسن استخدام العقل في ميدانه بعيدا عن التشهي والهوى والكبر والقياس الخاطئ.

5-        إذا ترجح لدينا حكم باجتهاد سائغ من مجتهد تقي عالم فتبعناه فلا حرج.

6-        في حال عدم معرفة الحكم الشرعي يكون التبرأ بترك المشتبه.

(أما من علم الحكم الشرعي أو ترجح لديه المنع ثم وجد قولا غير مقنع وهو غير مقتنع به وأخذ به فقد وقع في الحرام ، وكذا من يقدم على المشتبهات دون سؤال أهل العلم أو يسأل من ليس بثقة فقد وقع في الشبهة).

القلب السليم:

ما هو القلب الذي يصلح أن يُرجع إليه في هذا الشأن ولماذا ختم به النبي صلى الله عليه وسلم الحديث

إنه القلب السليم وسنذكر نهاية البحث جملة عنه

كيف نتعامل مع المتشابه في القرآن.

برد المتشابه إلى المحكم وليس العكس

كيف نرد على العلمانيين في ادعاء عدم العمل بالقرآن في كونه متشابه

المتشابه البعض،نرضى منهم أن يعملوا بالواضح القطعي.

خطورة الهوى في التعامل مع المتشابه والمشتبه : الهوى ميل نحو حظوظ النفس وشهواتها لا يستند إلى دليل (فلذا فإنه يهوي) ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 71]

 ﴿ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ ﴾ [الشورى: 15]

أفرأيت من اتخذ الهه هواه,

أسباب الهوى

1-        مرض القلب ومن مظاهره الغفلة والقسوة ثم الطبع والختم

2-        ثم الكبر .

3-        الجهل المتعمد .

4-        القياس الفاسد وادعاء العلم وكلها وقع في إبليس.

5-        حظوظ النفس والشهوات والطمع في الدنيا.

طرق معرفة الحق:

1-        العلماء الربانيون الذين ذكرنا .

2-        طلب الهداية من الله والصدق في الطلب .

3-        الاستعانة بالله .

4-        الإخلاص .

5-        ذكر الله.

6-        تذكر الأخرة (وكلها ذكرتها سورة الفاتحة).

7-        الكينونة مع الأمة والجماعة .

8-        ترك الملتبس.

9-        الصدق مع الله في طلب الحق.

متى يعذر الإنسان في المخالفة:

1-        الخطأ.

2-        النسيان .

3-        الإكراه.

4-        الاحتمال المبني على دليل المجتهد المعتبر.

5-        قصد الحق صادقا وإن لم يوافقه.

كيف نميز بين الهوى والاجتهاد:

1-        فيما يخص نفسك فأنت أدرى بنفسك (بل الإنسان على نفسه بصيرا) وهل وضعت الجواب مسبقا أم لا وهل سمع قلبك وعقلك لدليل الحق فرفضته ،هل سألت الثقات، هل بحثت بحق.

2-        أما إذا كان الموقف صادرا عن غيرك فتميزه :

1-        هل العالم الذي قال بالقول صاحب علم واجتهاد وتقوى.

2-        هل الأدلة معتبرة

3-        هل سيرة العالم سليمة

إذ أن الموقف الواحد قدي كون من بعض الناس مبنيا على الهوى ومن آخرين مبنيا على اجتهاد محتمل .

ملحق علم القلوب :

وسائل تزكية النفس:

رأينا كثرةَ الآيات التي حدثتنا عن إصلاح القلب وتزكية النفس، و أن السر في ذلك كله هو بمقدار ما نملأ القلبَ نوراً وعندها يوجه القلب نوره إلى النفس، فيزيل ظلماتِها وشَّرها، لينقلها إلى النفس المطمئنة، ويصبح القلب نفسه مطمئناً.

وهكذا نجد أن المؤمن قلبه منور مجرد من الشر متجرد لله، بحسب إمداده بأسباب الإيمان والشفاء، قال تعالى: ﴿ وننَزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ﴾ [الإسراء: 82].

 ورأينا أن سورة النور حدثتنا عن منهج التزكبة ووسائلها بعد ذكر النور الذي يجب أن نبحث عنه في قوله تعالى: ﴿ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلب والأبصار ﴾ [النور: 36-37].إضافة إلى قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾ [ص: 46]، فهذا طريق الإيمان والشفاء من الأمراض القلبية كلها وهذا طريق التزكية: بيئة صالحة صحيحة متمثلة بالمسجد وما في معناه، قائم على الإخلاص ومنهج العلم والأذكار والصلوات والعبادات والتذكر للآخرة والصدقاتٌ، مع ضرورة التذكير هنا على أهمية المربي المرشد ، كما قال تعالى:﴿ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِياًّ مُّرْشِداً ﴾ [الكهف: 17].

ويؤكد هذا حديث حنظلة الْأُسَيِّدِيِّ، وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(1).

فإن هذا الحديث يبين أثر التربية النبوية وأثر القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثر الوعظ وتذكر الآخرة، وأثر الذكر الكثير، ولعلّ من أعظم الذكر؛كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) ومن أسباب صلاة الله علينا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصبر.

كما أن للتفكر والتدبر أثره الكبير في التزكية: (الذين يذكرونالله قياماً وقوعوداً ويتفكرون في خلق السموات والارض)(2).

وإذا تنوَّر القلبُ وجَّهَ النورَ إلى النفس، فتزكُو وتتطهرُ، فلا تأمر القلب إلا بخير، فيحصل الاطمئنان، فتكون النتيجة: ﴿ قد أفلح من زكاها ﴾ [الشمس: 9]، وعندها نكون سلكنا طريق التربية الروحية، أي سيطرة الروح بسموها ورُقِيِّها وعُلُوِّ مصدرها، على مادية الجسد وترابيته وشهوانيته، وهذا طريق السعادة حقاً.

ولأجل ذلك كله جاء الأنبياء ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].

أنواع القلوب:

يفهم مما سبق أن المعوَّل عليه في الإصلاح الكلي الشامل للإنسان هو هذا القلب، فإن صح وصلح؛ صح كل شيء، ومن ثم فإصلاح القلب هو الثمرة الكبرى للتحقق الكامل بهذا الدين، مما يقتضي أن نعرِّف بإيجاز بأنواع القلوب وأمراضها وأحوالها.

إن القلوب على أنواع ثلاثة:

أولاً: القلب الصحيح:

وهذا القلب الذي سلم من الأمراض وتحقق بالعبودية لله، فكان متحققاً بالإحسان في كل شيء، متحققاً بثمرة هذا الدين؛ قد ارتقى في تعامله مع الخلق والخالق.

ولقد وُصِف هذا القلب بجملة من الأوصاف في كتاب الله، وما يزال المؤمن يرتقي فيها حتى يتحقق بها جميعاً، فيكون قد تحقق بكمال الصحة القلبية، وهو الذي جاء فيه: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وقد يضعف في بعضها لكن لا يفتقدها وإلا كان مريضاً.

صفات القلب الصحيح:

ويمكننا استخلاص صفات القلب الصحيح المؤمن من آيات القرآن على النحو التالي، مرتبة وفق ترقِّيها:

1- قلب ذاكر: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

2- قلب منيب: وهي كمال التوبة والأوبة والعودة إلى الله ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴾ [هود: 75]، ﴿ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾ [ق: 33].

3- قلب تقي: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201] ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

4- قلب وجل: وهي استشعار الخوف عن بعد: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60].

5- قلب خاشع: وهو الخضوع مع الحب والتعظيم مع استشعار الوحدانية: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

6- قلب مخبت: غاية الخضوع والانكسار والتذلل لله: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54].

7- قلب لين: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].

8- قلب منوَّر: ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].

9- قلب منشرح: ﴿ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]، ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الزمر: 22]، ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1].

10- قلب مطمئن: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

11- قلب سليم: ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88-89].

12- قلب حي: ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122].

 

13- قلب مبصر: ﴿ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]، ﴿ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ [الصافات: 179].

14- قلب مهتد: ﴿ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].

15- قلب شاكر: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وكما في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: « أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَبَدَنًا عَلَى الْبَلاءِ صَابِرًا، وَزَوْجَةً لا تَبْغِيهِ خَوْنًا فِي نفسها ولا ماله »(3).

هذه أهم أوصاف القلب الصحيح التي وردت في كتاب الله أو سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهي كما ترى مراتب يرتقي فيها المؤمن مع كونه في كل حال له نصيب من كل صفة، ولولا خشية الإطالة لكان من الواجب أن نقوم بتفسير الآيات تفسيراً دقيقاً، ونشرح معاني هذه الصفات لنرى التدرج في هذه الآيات، ومع ذلك فقد يكون في ترتيب بعض الصفات اجتهاد آخر.

مقامات العبودية:

فإذا ما تحقق الإنسان بصفات القلب الصحيح ارتقى بمقامات العبودية لله؛ فيتحقق بالإخلاص لله ثم يتجقق بكمال التوبة والأوبة إلى الله، وهذا كله يستوجب صبراً عن المعصية وصبراً على الطاعة وصبراً على الآلام والمجاهدات والمصائب، فيتحقق بمقام الصبر، ثم يرتقي ليكون من المتقين ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

ثم يرتقي ليكون من المتحققين بالورع والرضا والزهد والشكر ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، ثم ليكون من المتحققين بالصدق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، ثم ليكون متحققاً بالحب الأعظم لله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54].

وكل ذلك لا بد أن يثمر العلاقات الأحسن مع الخلق ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ [البقرة: 84]، ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُّبيِناً ﴾ [الإسراء: 53].

فتلكم بعض ثمرات هذا الدين.

وإلى جانب ذلك فلا بد أن يتطهر القلب من أمراضه وصفاته السلبية، ولذا نبين حال القلب المريض.

ثانياً: القلب المريض:

لا يأتي المرض مرة واحدة، بل يتدرج حتى يتمكن من الإنسان؛ إنْ لم يعالَج فيقضِي عليه، ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10].

وأمراض القلوب: ما يعتريها من عُجْب وغرور وحسد وشك وظن سيء ورياء ونفاق وحقد، وكِبْر، وتعلُّق بالدنيا، واعتماد على الأسباب، وأمن من مكر الله، ويأس من رحمة الله، وغير ذلك، وكل ذلك أثر عن الأعمال السيئة من معاصي الفواحش ومعاصي اللسان كالغيبة والنميمة والغفلة عن ذكر الله أو السرقة والكذب، ومِنْ ثَمَّ استحواذُ الشيطان على أصحابها: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].

وأول مرض القلب: ضعف الإرادة والغفلة واللهو، ثم تبدأ المعاصي تتراكم؛ فتؤثر على قلبه بحسب تراكمها عليه، قال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَهُ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ، ﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ »(4)، لكن مهما مرض قلب الإنسان فإنه قابل للشفاء، إذا قرر ذلك، واتخذ سبيل العلاج، بالإقلاع عن هذه المعاصي، وسلوك طريق العبادات والعمل الصالح، شيئاً فشيئاً حتى يجلو هذا القلب كاملاً، فيصبح صاحب القلب السليم، والبداية قرار إرادي حازم وتوبة.

ثالثاً: القلب الميت:

أما من استسلم لأمراض قلبه ولم يعالجها فإن مصير قلبه أن يموت هذا القلب بعد أن يمر في مراحل:

المرحلة الأولى: الغفلة؛ فتجد هذا القلب في غفلة كاملة عن الله واليوم الآخر ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1]، ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 92].

المرحلة الثانية: من مراحل السير نحو موت القلب المريض: الضيّق والحَرَج والانزعاج من كل ما لَه صلة بالله: ﴿ فَمَن يُرِدِ اللَّه أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

المرحلة الثالة: الصدأ الكامل الذي يطبق على القلوب، فلا يصدر عنها خير بسبب أعمالها ومعاصيها وإصرارها: ﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].

المرحلة الرابعة: القلب القاسي: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74]، ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].

المرحلة الخامسة: الخَتْم: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7].

المرحلة السادسة: الطَّبْع: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 155].

المرحلة السابعة: مرحلة القلوب المقفلة، وهي استحكام الختم والطبع بسب شدة غفلتهم وإصرارهم على الكفر وكبائر المعاصي، ورفض كل خير مطلقاً: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ [الأنعام: 25]، ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً ﴾ [الإسراء: 46]، ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً ﴾ [الكهف: 57]، ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴾ [فصلت: 5].

المرحلة الثامنة: القلب الميت ؛ فمن أصرّ على ما سبق واستمر عليه مع كل البراهين والآيات والعبر فلا يهتدي إلى خير ولا ينتفع بخير؛ فقد غدا ذا قلب ميت.

تلكم جولة موجزة في عالم القلوب.

إن الثمرة العظمى لهذا الدين: التطهر من أمراض القلوب ووقايتها، ومن ثمّ اضاءتها وتنويرها بأعمال الخير وعبادة الله، ليتحقق السلوك بمراد الله، ويحقق الإنسان من خلال ذلك أنظمة الإسلام الكاملة، وبمقدار تحقيق أنظمة الإسلام في المجتمع يعان الإنسان على التحقق بثمرات الدين الحق الكاملة؛ الإحسان: ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88].

-----------------

(1) أخرجه مسلم 2750

(2) يمكن الإفادة في موضوع التزكية ووسائلها من كتاب: المستخلص في تزكية الأنفس، لسعيد حوّى، دار السلام، ص3-145.

(3) المعجم الكبير للطبراني، 11111.

(4) سنن ابن ماجة، 4385، ومسند أحمد، 8172.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ