ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

ياسمين آذار المخضب بالدم - (الحلقة الخامسة)

الحلقة الخامسة

المذبحة المبيتة

18 تموز 1963

بينما كانت تجري المحادثات في القاهرة بين عبد الناصر والوفد السوري. كان الناصريون - مدنيون وعسكريون - يعدون العدة للانقضاض على البعثيين مستهدفين حصنهم الحصين.. الجيش.

وكانت سلطات البعث على علم بكل تفاصيل خطط وتحركات الناصريين. (استطاع البعثيون اختراق الناصريين من خلال زرع أحد عناصرهم المقدم محمد نبهان - أحد منظري التحركات الناصرية - ليكون عينهم بين صفوف الناصريين، وكان يقدم المعلومات كاملة وتفصيلية عن خطط وتحركات الناصريين إلى أعضاء اللجنة العسكرية. مما أفشل كل تحركاتهم).

وفي 18 تموز في وضح النهار.. وفي الساعة الحادية عشرة صباحاً.. احتل ما يقرب من ألفين من المسلحين مواقعهم.. في الحدائق العامة المحيطة بمبنى القيادة العامة للأركان.. يقودها من العسكريين كل من: (اللواء راشد القطيني نائب رئيس الأركان السابق، والعقيد جاسم علوان - زعيم الحركة - واللواء محمد الجراح رئيس قوى الأمن الداخلي في عهد الوحدة، والمقدم أدهم مصطفى نائب عبد الحميد السراج رئيس الشعبة الثانية، والعقيد مروان السباعي رئيس الشعبة الثانية بعد السراج، والمقدم رائف المعرّي) ومن المدنيين: (جهاد ضاحي أحد قادة حركة القوميين العرب وزير المواصلات السابق، وعبد الصمد فتيّح أحد مسؤولي الجبهة العربية المتحدة ونائب رئيس المجلس السابق، وعبد الوهاب حومد أحد قادة الجبهة العربية المتحدة ووزير المالية السابق، ويوسف مزاحم أحد الوزراء السابقين في الجمهورية العربية المتحدة). وهاجموا الأركان من جبهتين في نفس الوقت، وكذلك مبنى الإذاعة، وحرس أركان القوات المسلحة. على أن ردّة فعل السلطات البعثية - العالمة مسبقاً بهذا التحرك الناصري - كانت أكثر عنفاً.. وكانت معركة من أكثر المعارك دموية تعرفها دمشق. وكانت نتيجتها مئات من القتلى وإعدام فوري لثمانية عسكريين واثنا عشر مدنياً. واحتل الجيش - الذي بات بعثياً - النقاط الإستراتيجية في العاصمة. وأخذ (الحرس القومي) - ميليشيا حزب البعث - يطارد الناصريين في كل أرجاء البلاد السورية.

فقد توزع هذا الحرس على شكل حواجز ثابتة وطيارة في العاصمة دمشق، وكان في مقدمة المشرفين على هذه الحواجز اللواء أمين الحافظ وزير الداخلية والعديد من القيادات الحزبية المتقدمة، الذين كانوا يستفزون المواطنين ويتعاملون معهم بقسوة وفوقية وينظرون إلى الجميع كأنهم متهمون بالعمالة والخيانة ومتآمرون على الوطن، كما انتشرت فرق من هذا الحرس في كافة المدن السورية لملاحقة الناصريين ومؤيديهم.

وقد يتساءل البعض لماذا لم تقم السلطات البعثية في دمشق بإلقاء القبض على قادة الحركة.. طالما أنها تعرفهم بأسمائهم وتعرف خططهم قبل أن يقدموا على تنفيذ العملية؟ والجواب بسيط: لأن البعث يريد ان يرهب كل معارضيه.. كما كان يريد أن يقضي عسكرياً على تنظيمات الناصريين السرية وعلى عناصرهم الأكثر نشاطاً.. ويزيد بالتالي من شقة الخلاف وقطع الجسور نهائياً ما بين دمشق والقاهرة.

مهما يكن من أمر.. فإن هذه هي المرة الأولى التي تُقمع فيها حركة انقلابية في سورية بكثير من العنف وإسالة الدماء الغزيرة التي لا مبرر لها.. وهي المرة الأولى أيضاً منذ الاستقلال التي يدافع فيها نظام عن بقائه في الحكم بالسلاح وإسالة الدماء. وبذلك يكون البعثيون في سورية أول من استنّوا هذه السنة السيئة.. والتي تشبه إلى حد بعيد السنة التي استنها قابيل عندما قتل أخاه هابيل.

بعد كل هذه الأحداث خرج عبد الناصر عن صمته ليعلن الحرب ضد البعث السوري.. معلناً في نفس الوقت انسحاب القاهرة من (ميثاق 17 نيسان) حول الوحدة الاتحادية الثلاثية بين مصر وسورية والعراق. وأعلن عبد الناصر: (أن السلطات التي تحكم اليوم في سورية لا تمثل الشعب السوري. لهذا فإنني أعلن قطع العلاقات مع الحكومة الفاشية التي تقيم في دمشق).

أما البعث السوري فقد اعتبر أن نقض ميثاق 17 نيسان هو بمثابة جريمة ترتكب ضد الوحدة العربية.. وانعطاف تاريخي خطير لا يختلف في شيء عن 28 أيلول 1961م، عند وقوع الانفصال السوري.. ولكنه بنفس الوقت يعلن (تمسكه) الذي لا يحيد عنه بهذا الاتفاق ويطلب تطبيق بنوده في الوقت المحدد.

لابد أن يتساءل المرء: هل البعثيون جادّون فعلاً ويسعون لعقد وحدة مع مصر؟ ولابد لنا قبل الإجابة أن نذكّر بأن البعثيين لا يؤلفون تكتلاً سياسياً موحداً أو منسجماً. وبالتالي، فليس لديهم برنامج واضح المعالم والخطوات العملية في هذا الميدان. فسياستهم سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد العربي كانت عبارة عن سلسلة من ردّات الفعل بالنسبة للأحداث التي كانت تجري في سورية منذ 8 آذار. ومن جهة أخرى فإن الحزب كحزب، حتى استلام السلطة في دمشق، لم يكن منظماً بعد، ووجوده هو أقرب إلى الوجود الاسمي منه إلى الوجود الفعلي. أي أنه نوع من (اليافطة السياسية) إذا صحت التسمية أو صح التعبير.

فقيادة الحزب القومية - كما نوهنا سابقاً - لم تكن على علم رسمياً بالتحضير للحركة، ولا باليوم الذي سينفذ فيه الانقلاب. وعلى أية حال، فإن الغالبية العظمى من قادته وعلى رأسهم ميشيل عفلق كانوا في بغداد قبل أسبوعين من وقوع الحركة العسكرية في دمشق في 8 آذار. وكذلك فإن صلاح الدين البيطار لم يكلف بتأليف حكومة (اتحاد وطني) إلا قبل وقت وجيز جداً من بدء عملية التنفيذ.

وبكلمة صريحة ومختصرة.. ليس حزب البعث بقيادته القومية.. ولا قيادتيه القطريتين.. ولا حكومة البيطار.. ولا المجلس الوطني لقياد الثورة.. ولا حتى اللجنة العسكرية من يحكم سورية!! إن الذي يحكم سورية هو الثلاثي (صلاح جديد، ومحمد عمران، وحافظ السد). فهم وحدهم هم من يسيطر على الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية بأيد أخطبوطية.. ويمسكون بكل مفاصل الجيش والقوات المسلحة.

المؤتمر القومي السادس لحزب البعث

القيادة القومية

الواقع أن الاتجاه البعثي الذي يوصف بـ(الاتجاه القومي).. أي الاتجاه الذي تقوده القيادة القومية للحزب، كان في حقيقة الأمر يسعى إلى إيجاد جو من التفاهم مع القاهرة.. ويميل أيضاً إلى تحقيق شكل من الوحدة الاتحادية بين مصر وسورية والعراق.. على أن تضمن هذه الوحدة الاستقلال السياسي لكل قطر من الأقطار الثلاثة، وكذلك حرية تشكيل الأحزاب السياسية. وهذا الاتجاه يتمثل عملياً بالأمين العام للحزب ميشيل عفلق وبرئيس الوزراء صلاح الدين البيطار.

بالرغم من اعتدال هذا الاتجاه وصدقه في نواياه الوحدوية.. إلا أن القاهرة كانت تتهم القيادة القومية بالطريقة التي تقدم بها الوزراء البعثيون استقالاتهم من الحكومة سنة 1959م، والتي اعتبرها عبد الناصر من مقدمات الانفصال، بل ذهب إلى ابعد من ذلك باتهامهم بمسؤوليتهم عن حدوث الانفصال. ومن جهة ثانية استياء عبد الناصر من موقف القيادة القومية اللامبالي عند حدوث حركة الانفصال وتوقيع صلاح الدين البيطار على بيان السياسيين السوريين الانفصالي، أضف إلى ذلك الأحداث الأخيرة التي وقعت بين الناصريين والبعثيين، وتصفية البعثيين لكل الناصريين.

هنا وجدت القيادة القومية أنها جرَّت نفسها إلى مواقع الاتهام سواء من الناصريين الذين يتهمونهم بالخيانة، أم من بعض قواعد الحزب والضباط البعثيين الذين يتهمونهم بأنهم باعوا الحزب لعبد الناصر. يقول منيف الرزاز: (إن تهمة الناصرية توجه للبعثيين الوحدويين للتخلص منهم وإبعادهم) _ الاتهام كان من قبل القطريين.

ويضيف الرزاز قائلاً: (ويبدو أن خطيئة صلاح الدين البيطار في توقيع وثيقة الانفصال، وفي سعيه حتى يقبل الحزب الاشتراك في وزارة الدكتور بشير العظمة أيام الانفصال، قد جرحته أمام الحزبيين الوحدويين جرحاً لم يسهل عليهم نسيانه، بالرغم من أنه قاد بعد ذلك الحملة الوحدوية في الحزب، وكان له كبير الأثر في الضغط من أجل البدء في مباحثات الوحدة الثلاثية بعد الثورة. ولكن هذه الحملة الوحدوية قد أساءت إليه عند الحزبيين القطريين والعسكريين والحاقدين على عبد الناصر، ففقد بذلك عطف الطرفين معاً).

ويتضح لنا من كل هذا أن علاقة القيادة القومية بحكم البعث السوري، وتحديدا بالعسكريين، بقيت عائمة وغير واضحة. فضعف القيادة القومية وعدم جدارتها منعاها من أن تقيم تنظيماً قوياً وأن تفرض سلطتها على الضباط البعثيين، وبالتالي من أن تمسك بيدها زمام الحكم، كذلك لم تستفد القيادة القومية من الدعم غير المحدود الذي منحتها إياه القيادة البعثية في العراق. مما دفع العديد من كوادر الحزب وأكثرية أعضائه تستنكر أبوتها، وترفض وصايتها.

ويقول منيف الرزاز حول هذا الموضوع: (فقد كان من عادة القيادة القومية أن تترك الأمور تسير، ثم تشكو من انها سارت في طريق خاطئ. وتحاول أن تبادر إلى الإصلاح حين يكون وقت الإصلاح قد فات، تركت للجنة فرعية منها زمن الانفصال، أن تعيد تنظيم الحزب. ثم شكت من أن اللجنة قد أساءت استعمال صلاحياتها.. أشركت العسكريين في قيادة الحزب دون أن تعطي نفسها حق الإشراف على الحزب في الجيش، ثم شكت من أن العسكريين قد استولوا على الحزب. ولكن أكبر خطيئة ارتكبتها قيادة الحزب في هذه المرحلة، انقطاعها التام عن قواعد الحزب.. فلا اتصال ولا اجتماعات ولا نشرات. حتى جريدة الحزب لم يكتب فيها أحد من قيادة الحزب.. وتركوها جريدة لا تمثل رأي الحزب في شيء).

وفي تقرير حزبي، وصف أمين المكتب التنظيمي العسكري لحزب البعث الحالة التي وصل إليها الحزب فقال: (لقد وصل التنظيم إلى حالة من التشويه، لم يعد من الممكن تحملها من قبل الرفاق، وحل الولاء الشخصي والتكتلي محل الولاء الحزبي).

يتبع

=======================

بطاقات إلى الجيش الحر المجاهد (7)

أبو بشر الجسري

أيها الإخوة الأحبة

رأيتم و رأى العالم كله كيف أن جيش العصابة و شبيحته يهينون كتاب الله تمزيقا و إحراقا و استهزاء بآياته ، و يدمرون مساجد أَذِن الله أن تُرفع ؟! و كأنهم لا يَمتّون إلى هذه الأمة بصلة ، فهم غرباء عن شعوبها ! حاقدون على تاريخها ، جاحدون بكتابها ، لم يتأدبوا بأدب و لم يوقروا مقدسا ، خلت قلوبهم من التقوى [ و مَنْ يُعَظّمْ شعائرَ الله فإنها من تقوى القلوب ]

أما أنتم يا أبناء الأمة ، و يا حماة عقيدتها ، و يا رافعي لواء العزة و الكرامة ، فإنكم تُعظّمون كتابها ، و تقرؤون حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأهله ]

و تعلمون أّنّ مَنْ قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة ، و الحسنة بعشر أمثالها و رسولكم يوضح بقوله : لا أقول الم حرف ، و لكن ألف حرف و لام حرف و ميم حرف !!

فكل صفحة تتلونها من كتاب الله بستة آلاف حسنة ! و كل ختمة له بثلاثة ملايين من الحسنات .

و قد كان سلفكم الصالح منهم مَنْ يختم في شهرين .. و في شهر و في أسبوع و في أقل من ذلك [ فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ، علم أن سيكون منكم مرضى ، و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ، و آخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه ]

فطوبى لكم و قد جمعتم بين الجهاد ، و تلاوة الكتاب و إنكم - بعون الله - لمنتصرون

=======================

ياسمين آذار المخضب بالدم - (الحلقة السادسة)

العسكريون يمسكون بقيادة البعث

محمد فاروق الإمام

بعد نجاح حركة 8 آذار بوقت قليل، جرت الانتخابات الحزبية في سورية، وانتخب على أثرها قيادة قطرية للحزب، مرتبطة رسمياً بالقيادة القومية, وكانت تتألف من خمسة أعضاء مدنيين: (حمودي الشوفي - أمين سر القيادة القطرية - ومحمود نوفل وخالد الحكيم ومحمد بصل ونور الدين الأتاسي، إضافة إلى أربعة أعضاء عسكريين: حافظ الأسد ومحمد رباح الطويل وحمد عبيد وأحمد أبو صالح). وهذه القيادة ممثلة في المجلس الوطني لقيادة الثورة بشخص واحد هو أمين سر قيادة القطر حمودي الشوفي. وهذه هي المرة الأولى التي يحتل فيها الضباط البعثيون مراكز قيادية في الحزب.

ومع وقوع القطيعة بين حكم البعث في دمشق ونظام عبد الناصر، عادت ودخلت إلى الحزب أعداد كبيرة من أعضاء وكادرات التيار البعثي السابق لرياض المالكي أو حتى لأكرم الحوراني. ويوصف هؤلاء بالقطريين ويحملون لواء خط متطرف ومعاد لعبد الناصر.

لقد تبنى بعض أعضاء القيادة القطرية الجديدة، وفي مقدمتهم حمودي الشوفي اتجاهاً سياسياً يسارياً أو متطرفاً. وأخذوا يظهرون معارضتهم لبعض القادة البعثيين وفي مقدمتهم عفلق والبيطار.. ويرفضون سلطتهم الأبوية عليهم. كما أقاموا علاقات وثيقة الصلة بالتيار البعثي اليساري في العراق، الذي يقوده علي صالح السعدي. ومن جهة ثانية، أخذوا يتقربون في نفس الوقت من بعض أعضاء اللجنة العسكرية الذين عرفوا بمواقفهم السياسية المتطرفة.

اللجنة العسكرية

كان معظم أعضاء اللجنة العسكرية ليسوا مع القيادة القومية، ولا مع القيادة القطرية. وهذا يعني في الحقيقة بأنهم لم يكونوا لا من اليمين ولا من اليسار. وهم في الواقع ليسوا سوى عسكريين، وما يسعون إليه ويبحثون عنه هو السلطة، أولاً في الجيش ومن ثم في الدولة والحزب. فكل الوسائل جيدة لديهم إذا كانت توصل إلى الهدف. وتكتيكهم يتلخص في إبعاد خصومهم وحلفاء الطريق مجموعة بعد أخرى، وعدم الدخول في معارك على جبهات متعددة في نفس الوقت. حتى يبقوا ويستمروا (سادة الموقف)، فقد حددوا هدفهم منذ البداية بصورة واضحة: أبغض الناس إليهم والذي يجب إسقاطه، كان وسيبقى جمال عبد الناصر. وعليه فإن أعضاء اللجنة العسكرية في الحقيقة هم حجر عثرة في طريق كل تقارب بين البعث السوري وعبد الناصر. واعتبروا أن كل وحدة مع مصر الناصرية هي طعنة توجه لمبادئ الحزب الوحدوية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق أيضاً إلى أن أي عضو من أعضاء اللجنة العسكرية لم يشترك في المباحثات الثلاثية المصرية-السورية-العراقية في القاهرة. بل اقتصر عملهم في هذه الناحية على إرسال عسكريين غير بعثيين أمثال: اللواء لؤي الأتاسي واللواء زياد الحريري واللواء فهد الشاعر. أما فيما يخصهم هم، فإنهم حذرون إلى ابعد حدود الحذر، فقد بقوا قابعين في دمشق، يراقبون أو يقمعون أية حركة معارضة.. عسكرية كانت أو شعبية.

وهم في حربهم لعبد الناصر، قد استعملوا نفس أسلوبه وتكتيكه. وفي هذا المجال فإنهم كانوا تلامذته الأذكياء. فهم يدركون تمام الإدراك أن من يملك الجيش، يملك في نفس الوقت القوة والسلطة.

منذ نجاح حركة 8 آذار وخلال خمسة أشهر، نجح البعثيون في تصفية وإبعاد خطر كل السياسيين، المدنيين والعسكريين الذين كانت توجه إليهم تهمة الانفصال.. ومن ثم الناصريين.. وأخيراً حلفاؤهم من الضباط المستقلين: لؤي الأتاسي وزياد الحريري.

على أثر اندلاع الصراع مع القوى الناصرية وانسحاب ممثليهم في شهر أيار من الحكم، أخذ زياد الحريري يدافع عن الرأي الذي يقول بأن العهد الجديد يجب أن يمد يده إلى زعيم حماة أكرم الحوراني.. أو على الأقل إلى أنصاره ومؤيديه للاستفادة من القاعدة الشعبية التي تحيط بالحوراني، خاصة بين فئات الفلاحين. ويظهر أن الحريري كان يُشجع في هذا الاتجاه من قبل اللواء أمين الحافظ وزير الداخلية، فقد كان معروفاً لدى الجميع بتعاطفه مع أكرم الحوراني.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحريري، كان يبدي معارضته لأية فكرة وحدوية، خاصة عسكرية مع حكم البعث العراقي. وهكذا جُرّد حليف الأمس - بعد أن صار بالنسبة للبعث السوري مزعجاً - من جميع مسؤولياته وابعد عن الحكم في شهر تموز 1964م في أثناء رحلته إلى الجزائر، أيضاً صفي أنصاره في الجيش.

أما اللواء لؤي الأتاسي، فقد اعترض على تنفيذ أحكام الإعدام الكيفية وعمليات القمع الدموية الواسعة التي استهدفت الناصريين. وعليه فقد أقيل من منصبه كقائد للجيش وكرئيس للمجلس الوطني لقيادة الثورة. وحلَّ محلّه اللواء أمين الحافظ، الرجل القوي آنذاك - كما صوره أعضاء اللجنة العسكرية - ليلعب دوراً مرسوماً له بدقة وإتقان سواءً أعرف أم لم يعرف.

يلاحظ بوضوح أن سياسة سورية البعثية أخذت تتطور بصورة سريعة، على الصعيد الداخلي والعربي في ثلاثة اتجاهات:

1-النهج الاشتراكي.

2-الوحدة السورية العراقية.

3-القضية الفلسطينية.

بعد حصول القطيعة بين البعث السوري وبين الناصريين، اتجه نظام البعث في سورية، في نهج اقتصادي-اجتماعي، أطلق عليه اسم (الاشتراكية). وأول المؤشرات لهذا الاتجاه هو نشر الإصلاح الزراعي في حزيران 1963م، والذي بموجبه حددت الملكية بين (15 و40) هكتاراً من الأراضي المروية وبين (80 و 100) من الأراضي غير المروية.

لقد تصدرت نشرات وصحف البعث مقالات حول إظهار الفرق بين الخطوات الجذرية (لإصلاحهم الزراعي) وبين الخطوات التي طبقت في سورية في عهد الوحدة. في آب من نفس العام كتبت جريدة الحزب أن الاشتراكية، بعد انسحاب عبد الناصر من الوحدة الثلاثية، يجب أن تصبح الهدف الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الوحدة العربية. و(الطريق الاشتراكي) هذا، إنما هو أحسن السبل لإقامة الحواجز في وجه (الديكتاتورية الفردية).

أما بالنسبة للنقطة الثانية فقد أعلن المسؤولون البعثيون في مناسبات عديدة منذ نجاح حركتهم العسكرية في 8 آذار، عن تضامن وتقارب (الثورتين) البعثيتين في دمشق وفي بغداد. وذلك بهدف الوقوف ومجابهة الضغوطات المستمرة للقوى الناصرية على الصعيد الداخلي أو العربي.

بعد انسحاب مصر من ميثاق 17 نيسان، كتبت جريدة الحزب في هذا السياق قائلة: (على المسؤولين في سورية أن يسعوا إلى توثيق العلاقات الاقتصادية بين سورية والعراق.. وإزالة كل العقبات التي تقف حجر عثرة أمام قيام وحدة اقتصادية بين البلدين).

وبالفعل فقد تم في أيلول 1963م، توقيع اتفاقيات ثنائية اقتصادية وثقافية. وبعد مضي شهر، في تشرين الأول، أعلن عن توحيد القوات العسكرية بين سورية والعراق. وأنشئ لهذا الغرض (مجلس الدفاع الأعلى) مركزه دمشق، وسمي اللواء صالح مهدي عماش وزير الدفاع في الحكومة العراقية، في منصب القائد الأعلى للجيش الموحد.

أما بالنسبة لسياسة البعث السوري تجاه القضية الفلسطينية فقد التزم مع البعث العراقي في شهر أيلول، بأن يعدَّ العدة لتحرير فلسطين العربية من الصهيونية وأن يساعد الفلسطينيين لتكوين (جيش التحرير الوطني) - ومن هنا بدأت مأساة الفلسطينيين على يد البعث بعد وضع يده كوصياً على القضية الفلسطينية - على نسق (جيش التحرير الوطني الجزائري).

يتبع

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ