ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

هجوم السفاح المعاكس سيتحطم على صخرة صمودكم أيها الثوار الأبطال

مازن حلواني

لقد أثبتم ببطولتكم و بسالتكم أن الحسم العسكري لصالح الثورة يتحقق يوما بعد يوم على الأرض. و أثبت الواقع أن الأرض التي تحررون تلفظ السفاح و تمتنع عليه بعد طهرها بكم. و ما خبر قلعة الصمود "داريا" عن أحد ببعيد. لذا شعر السفاح و شياطينه أن شيئا ما يجب فعله قبل أن ينهار نظامهم و يسقط السفاح المجرم.

فبعد أن عرف الجميع أن السفاح بشار قد انتهى. و وصل الإبراهيمي إلى دمشق ليصدر شهادة الوفاة عن طريق مطار بيروت لأن مطار دمشق تحت نيران الثوار. جن جنون الشيطان الفارسي. فوسوس إلى السفاح أن دمار سوريا لم يكتمل بعد. و تم وضع خطة الهجوم المعاكس.

و التي تهدف بشكل أساس إلى إستعادة أية أرض محررة. أو تحقيق أي نجاح و لو ظاهري. تدفع في مقابل ذلك إيران مبلغ مليار دولار للسفاح. تقوم أثناءها روسيا المجرمة بإستعراض عضلاتها و قوتها. وقد قبلت روسيا بكل إمتنان كما يقول المثل الشامي: يهودي ضربوه بنعارة لبن فقال: بديني مشتهيها.

فروسيا منذ فترة طويلة تحاول أن تظهر للعالم أنها قوة ذات وزن. و لا أحد يصدقها. حتى بلغ الحد بيوتن أن صنع منذ سنين مسرحية ليقول إن روسيا لديها أسلحة نووية من جيل جديد. و مع ذلك لم يلتفت له أحد! فجاءت هذه المناسبة لمناورات بحرية روسية كبرى و مع ذلك لم يلتفت لها أحد أيضا!

فلا عليكم أيها الثوار الأبطال. إن رفع وتيرة القتل على يدي المجرم و إشعال جبهة حمص العدية لن يثني عزائمكم التي ينحني لها العالم كله إجلالا و إكبارا. فالتاريخ البشري كله لا يعرف أن مجرما قصف بلده و مدنه كما يفعل السفاح اليوم. و "نيرون" الذي أحرق مديننته "روما" مات و لم تمت "روما".

و التاريخ البشري كله لم يشهد مؤامرة عالمية على شعب أعزل يقتل و يدمر و يعذب أطفاله حتى الموت و تغتصب نساؤه و يمنع عنه الطعام .... و مع ذلك كله يصمد صمودكم. حتى مع منع السلاح و الطعام عنكم صمدتم و استبسلتم و أخذتم سلاحكم من عدوكم و حققتم نصركم بتوفيق الله ثم ببطولتكم.

فمثلكم لا يمكن إلا أن ينتصر. و نحن اليوم في ربع الساعة الأخير. فلا يغرنكم تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل. و مليار إيران لا يكفي لتغطية تكاليف آله القتل أكثر من شهر أو شهرين على أقصى حد. ثم ماذا يفعل السقاح و أولياؤه بعدها؟

لقلد ألقى المجرم بشار خطابه الذي وصفه الجميع بأنه الأخير لرفع معنويات أنصارة. فأضعفها بل قتلها و أثبت فيه بعده عن الواقع و خروجه من التاريخ. و حتى عملية مبادلة المعتقلين مع الأسرى الإيرانيين لم تكن مفاوضاتها معه! بل كانت المفاوضات مع أساده الفرس. و لم يكن هو إلا عبدا مأمورا.

و لذلك لم تشمل الصفقة إلا الفرس حصرا لم يشاركهم حريتهم و لا حتى كبار الضباط العلويين الأسرى! و قد جاءت أخبار الميدان تتحدث عن تعمده قصف أتباعه لقتلهم حتى لا يقعوا أسرى في يد الثوار فيشكلون عبئا جديدا عليه لتحريرهم و هو غير قادر على ضمانة حماية نفسه.

فهو نفسه يقيم على متن بارجة روسية كما تحدثت الأخبار. و تقدمت 57 دولة تقودهم سويسرا تطالب مجلس الأمن إحالة ملفة لمحاكمته بتهمة: جرائم حرب و تهمة: جرائم ضد الإنسانية. صحيح أن المجرمة روسيا أوقفت المشروع لكن تقدم 57 بالطلب لا يمكن الإستهانة به.

فإذا كانت قيادات العالم أجمع سجدت للإجرام الطائفي العلوي و تكاتفت معه و منعت عنكم السلاح و الغذاء ومع ذلك صمدتم بل و تحققون إنتصاراتكم يوما بعد يوم فهذا يعني أنكم ستكونون قادرين على فرض إرادتكم على العالم أجمع بعد إنهاء السفاح. فإصبروا و صابروا و هنيئا لكم إنتصاركم و نجاح سعيكم. وفقكم الله و حماكم.

===================

بسط حياتك

الشيخ عايض القرني

آخر ما قرأت من الكتب كتاب (بسط حياتك) للمؤلف فرنرتيكي كوستنمخر بروفسور دكتور لوثر زايفرت، وهو كتاب عجيب يصل إلى أعماق النفس بقوة، وملخص رسالته أن عليك أن تتخلص من الحياة المعقدة وتبدأ حياتك السهلة البسيطة بلا كلفة ولا مشقة وأقربها جيبك فتبدأ بتنظيفه من الأوراق الزائدة والفواتير التالفة، ثم تأتي إلى مكتبك فتقوم بعملية ترتيب وتنظيم من جديد فتتخلّص من الأجهزة المعدومة والصكوك القديمة والعقود المنتهية والملفات المحفوظة من عهد عادٍ وثمود وتعود إلى بيتك فتتخلّص من الأثاث القديم المركون تحت الدرج وجنبات الأسياب وتعطيه الفقراء الذين يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء وتخفف من الأثاث الفخم الذي أشغلت به نفسك وأهلك وضيوفك وتضع كل شيء في محلّه وتخفف من التحف والصور والبراويز والمزهريات والهدايا والخرائط وشجر الأنساب الذي يلحقك بحمير ومضر الحمراء ومعد بن عدنان، ثم تعود إلى معدتك فتحاول أن تحجمّها ما استطعت ولا تهدد بها عباد الله عند السلام والعناق والضم والاحتضان بقلّة الأكل وترتيب الوجبات وتناول الفواكه والخضروات، ثم تمر على طريقك بجسمك المرهّل فتشدّه بالرياضة والمشي؛ لتعيش الحياة في أبهى صورها، ثم تنظّم علاقاتك الاجتماعية فلا تفتح ديوان الصداقة على مصراعيه وكلما لقيت شخصاً ولو كان ثقيلاً بارداً سامجاً مهبولاً مخبولاً اتخذته صديقاً وطلبت التواصل به لتضيف لحياتك هماً إلى هم وغماً إلى غم؛ فمن أكثر من الأصدقاء فقد أكثر من الغرماء، ثم تنتهي من الفوضى الاجتماعية التي نعيشها نحن السعوديين في أبهى صورها وهي حضور كل مناسبة وحفل وعزاء وزواج وعقيقة وتميمة ومهرجان حتى لو كان بمناسبة افتتاح مدرسة ابتدائية ليلية بمحو الأميّة بالصمّان أو بالربع الخالي وحضور الدوريات والاجتماعات التي لا تنتهي والتي تثمر الضغط والسكري والجلطة ونزيف الدماء والشلل النصفي مع ضياع الوقت طبعاً والعقل والصحة والمال والراحة، إن فكرة كتاب (بسط حياتك) هي حلٌ لمشكلاتنا الاجتماعية ويا له من كاتب بسّط لك الحياة وعرض لك الفكرة في أعذب أسلوب وأجمل طريقة وكنت قبل سنة كتبتُ كتاب (خارطة الطريق) وجئتُ ببعض هذه الأفكار وظننت أنني اكتشفت النظرية النسبيّة وإذا بالرجل يأتي بهذه الأفكار ويضرب الأمثلة ويذكر الشخصيات اللامعة المرموقة في التاريخ التي عاشت الحياة ببساطة، وأقول لك: كلما ترفّه الجسم تعقّدت الروح، حتى إن الكاتب يدخل معك في دولاب ملابسك ويقول: ما الداعي لتجميع عشرات البدلات والفنايل والقبّعات والأحذية؟ ولماذا تجمع لباس الصيف والشتاء والخريف والربيع مرةً واحدة وصاحب الثوب أسعد بالحياة من صاحب الثوبين؟ ونحن نظن أننا إذا أكثرنا من الملابس والكنبات والأحذية والغتر والتحف أننا سوف نسعد أنفسنا ونبهج خواطرنا، والصحيح أننا نعقّد حياتنا وندخل الهم والغم على أرواحنا وقد اكتشف الصديق العزيز أبو الطيب المتنبي هذه النظرية فقال:

ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته

ما قاته وفضول العيش أشغالُ

والشاهد: (وفضول العيش أشغالُ) فكل زائد على حاجتك همٌ وغمٌ ونكد وقبل عشر سنوات رأيت الرئيس الأمريكي السابق بوش الأب العجوز العاقل المحنّك وقد سافر إلى جزيرة بشرق آسيا ومعه حقيبة ملابسه يحملها على كتفه يقول المعلّق: هذا كل ما لديه في هذا السفر، وهذا دليل على أن هذا الداهية الدهياء الذي حكم الولايات المتحدة الأمريكية بل قاد العالم قد اكتشف الحياة وعرف كيف يعيش، لكن المصيبة عند الذين لم يكتشفوا الحياة المادية والمدنية والرقي الحضاري الدنيوي ثم دخلوا في هذا العالم فجأة فصاروا كما قال أحد الفلاسفة العباقرة الكبار: (عنز بدو طاحت في مريس) مشكلتنا أننا طبينا في التمدّن فجأة ودخلنا في التحضر بغتة كالجائع المهبول الذي أشرف على الموت ثم أُدخل على مأدبة فيها كل ما لذّ وطاب فأخذ يأكل باليمين والشمال، نحن بحاجة ماسة إلى ترميم حياتنا من جديد كما اكتشف صاحب كتاب (بسّط حياتك) وقد قرأتُ بشغف وهزّني بأفكاره الرائعة وإقناعه الباهر وأسلوبه المحبب للنفس حتى أنه يقترح دورات تدريبيّة لتبسيط الحياة وليت عندنا مادة تُدرّس بعنوان (الحياة البسيطة) ولقد عدتُ إلى مكتبتي فوجدتُ أن أوراقاً كثيرة وملفات وخطابات شكر قديمة لا داعي لبقائها فقد أصبحت بلا قيمة وإنما تأخذ حيّزاً في المكان والذاكرة والنفس ومثل ذلك قل: عن دولاب الملابس والمكتب والمجلس، وأشرف وأكرم ولد آدم هو رسولنا صلى الله عليه وسلم كان بسيطاً في حياته وبيته وكلامه ولباسه حتى نهانا عن التكلف والتعمق والتشدّق وقال له ربه: (ونيسرك لليسرى)، وقال هو: «يسروا ولا تعسروا»، «وإن الدين يسر»، ولهذا انظر كيف اكتشف أساطين الغرب الحياة البسيطة وكنتُ قبل سنة أتعالج في باريس وبينما نتناول طعام الغداء في أحد المطاعم وإذا بصاحبي المترجم المصري يشير إلى رجل جالس قريباً منا على طاولة أخرى وإذا هو الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يتناول الغداء مع صاحبه بلا مرافقين ولا خدم ولا حشم ولا حراسة بل ببساطة وهدوء مع العلم أنه كان يحكم دولةً كبرى نووية تعطّل متى شاءت قرار مجلس الأمن وكانت تحكم ثلث الكرة الأرضيّة، بينما تجد عندنا من تعقيد الحياة والتكلّف في المعيشة وفي الطرق الاجتماعية ما يفوق الوصف لأننا لم ندخل في الحضارة المادية الدنيويّة كما دخلوا، والحضارة ترقق الطباع وتهدئ النفوس وتلطّف المشاعر ولهذا انظر لكثير من الفقراء عندنا إذا ملك أحدهم مالاً فجأة بنى عمارة من خمسة طوابق وليس معه إلا امرأته العجوز لكن منها أنه يشخص بالعمارة ويغيظ الحسّاد ويرضي الأنساب ويدحر العدو ويرفع رؤوس القبيلة إلى آخر تلك المعتقدات، فيا إخوتي الكرام تعالوا لحياةٍ بسيطة سهلة ميسّرة فالعمر قصير والزمن يطوينا طياً والوقت ليس بأيدينا والمال ليس معنا دائماً والظروف قد تكون ضدنا ونحن في رحلة استجمام في هذه الحياة وقريباً سوف نغادر فقد حُجزت المقاعد وأُعلن موعد الإقلاع واقترب الوعد الحق ويكفيك ما تراه في آبائك وأجدادك من كثرة توديع الأحياء، فهيا نخفف على أنفسنا من التعقيد والتشديد والتكلّف والتشخيص ويسروا ولا تعسروا والله معكم.

=====================

نظرية حزمة المصالح

د. ضرغام الدباغ

يستحق عالم السياسة الدولية المعاصر ليس المتابعة اليومية سواء من المثقفين، أو الأخصائيين فحسب، بل والتأمل عميقاً فيما هو أعمق وأبعد من المظاهر السطحية والعلاقات التي تبرزها وسائل الإعلام التي هي خاضعة بدرجة كبيرة لسيطرة هذه القوى العظمى ولا تخرج من تأثيراتها، والغوص في أبعاد المستجدات التي تطرحها الحياة، والتفاعلات اليومية بين القوى الدولية العظمى، والتأثيرات المتبادلة لعناصر كثيرة سياسية ديموغرافية، اقتصادية وثقافية.

والقوى الدولية الفاعلة اليوم على مسرح العلاقات الدولية هي:

  الولايات المتحدة: ولا زالت تتمتع بتفوق في القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وإن كان هذا التفوق قلقاً وغير مستقراً(بالنظر لنشاط وتطور القوى الأخرى ولمصاعب سياسية واقتصادية)، إلا أنها بتحالفها مع أوربا بهذه الدرجة أو تلك من تلبية شروط المصالح المشتركة، تصبح قوة عالمية حقيقية، تمتلك قدرة تدخل مؤثرة في أي بقعة في العالم خلال فترة وجيزة.

  روسيا: تحاول بدأب استعادة دور القوة الدولية العظمى، وهي تدرك أن من مستلزمات هذا الدور انتشار سياسي عالمي، وطرح صورة ذات ملامح متكاملة للدولة العظمى، ولذلك هي تتفاعل وتؤثر وتتأثر مع مجموعة من الدول ذات التأثيرات المحدودة أو الواسعة النطاق في مناطقها: كوريا الشمالية، كوبا، فنزويلا، ومؤخراً تتضح صورة إيران ومجموعتها(العراق، لبنان، سوريا) في صورة العلاقات, وتتمتع روسيا بتأييد مرن من الصين لكنه لا يرتقي لدرجة التحالف.

  الصين: وهي دولة اشتراكية ولكنها تعمل بمبادئ السياسة الرأسمالية، وهدفها غير المعلن حالياً هو الوصول بصمت ودون ضجيج ودون أن تمثل استفزازاً لا ضروري له لأي طرف، ولا ترتبط بتحالف وثيق مع أي قوة أو كتلة، شعارها لتكن الصين أولاً دولة اقتصادية عظمى أولاً، ومن تلك أيضاً مزايا الدول العظمى العسكرية، وبعد ذلك يأتي الحديث عن الدور العالمي المؤثر والفعال.

  أوربا: ونقطة ضعفها تكمن في أنانية أطرافها، والسعي لموقع الصدارة، فلا يمكن الحديث عن قوة أوربا العسكرية بعيداً عن حلف الأطلس (الناتو) الواقع تحت نفوذ الولايات المتحدة بدرجة رئيسية. لذلك لا يمكن أن تظهر فاعليتها لا سيما في الصفحات الاستراتيجية إلا بالعمل تحت مظلة القدرات العسكرية للولايات المتحدة.

وهناك عدد من القوى المهمة، الفاعلة في مناطقها، لكنها لا ترتقي لدرجة أن تلعب دوراً عالمياً مؤثراً، وفي عداد ذلك: الهند، تركيا، جنوب أفريقيا، استراليا، البرازيل.

في أروقة السياسة الدولية اليوم في عصر العولمة(الإمبريالية الجديدة) تدور المفاوضات في كل شيئ، بما في ذلك مصائر دول وشعوب. صحيح أن الحقب الاستعمارية والإمبريالية الماضية كانت بشعة، إلا أنها لا تقارن ببشاعة ما يدور اليوم في كواليس السياسة الدولية بين القوى العظمى في ظل نظام العولمة، التي تجعل من أعتي الاستعماريين وزعماء الأنظمة التوتالية، في العصور الماضية تحمر وجوهم خجلاً وحياء.

فقد حدث في مؤتمر يالطا فبراير/ 1945، وكان فيها الود متبادلاً بين الزعيم السوفيتي ستالين، والرئيس الأمريكي روزفلت الذي أيقن بواقعية أن السوفيت سيكون لهم شأن كبير في السياسة الدولية شاء ذلك أم أبى، ولكن ستالين كان خصماً لدوداً للزعيم الاستعماري تشرشل، ولكن هذه الخصومة والكراهية المتبادلة لم تمنع قيام صفقة لا أدري كيف يبررها أيديولوجيوا الحقبة السوفيتية، ففي خضم المناقشات عن مستقبل أوربا بعد النازي(وكانت مقدمات هذه المرحلة تلوح في الأفق القريب، وما أشبه الأمس باليوم) كانت هناك ثورة شيوعية ظافرة في اليونان، مقابل سكون وهدوء نسبي في بلغاريا، فما كان من تشرشل إلا أن كتب على قصاصة ورق صغيرة، أربعة كلمات فحسب, مررها لستالين بهدوء وصمت وكانت الورقة تحتوي على الجملة التالية ( بلغاريا لكم، واليونان لنا) وبينما كان ستالين يدخن غليونه بهدوء قرأ القصاصة، وهز رأسه لتشرشل موافقاً، وحسم أمر اليونان، ومصير الثورة الشيوعية العارمة فيها حتى دون مناقشة، لسبب بسيط، أن ستالين فضل أن يكون مخلصاً للتاريخ والجغرافية وللثقافة المشتركة مع بلغاريا، على أن يكون مخلصاً لمبادئ أيديولوجية خاضعة للتغير والتبدل. هذا ما فعله السوفيت المتشددين عقائدياً أسلاف الروس الحاليين، فما بالك اليوم ..؟

ومن معطيات الوصفة الجديدة هي أن الأمريكان بدؤا يقرون بالوزن الجديد للقوى الدولية ومنها روسيا اليوم كدولة عظمى، وان ذكريات الحقبة السوفيتية أصبحت من الماضي الذي لا يريد أحد أن يتذكره، فروسيا اليوم دولة رأسمالية إمبريالية ولكن من طراز ما زال كمشروع يشكل هويته وملامحه الخاصة ومشروعه السياسي والاقتصادي والثقافي، ولكن هذا الطراز لم يتمكن حتى اليوم أن يكون بعيداً عن بدائية ونكهة الطغيان الشرقية والنظام التوتالي. وإذ يتهكم قادة روسيا اليوم على شعارات السوفيت، وعلى سذاجة مواقفهم العقائدية /السياسية ولنا في ذلك حديث. فهم اليوم يعملون بمبدأ مصالح روسيا قبل اعتبارات الأخلاق وحقوق الإنسان والطغيان والديكتاتورية وسواها من المصطلحات السياسية التي قلما يأتي ذكرها في محادثات القوى العظمى.

لقد شاهدت بنفسي لقطة صورة وصوت، للرئيس الروسي بوتين، يقول فيها لأحد رؤساء الدول في مؤتمر دولي من منتقدي سياسته الدموية في الشيشان: " أنتظر الاصوليون ليقطعوا لك رأس عضوك حتى تتعلم خطر الأصوليين الإسلاميين ".

اليوم تسود على مسرح السياسة الدولية المعاصرة سياسة حزمة(صفقة) مصالح " تعني في المقام الأول أن من الممكن أن نواصل العمل في موقف مشترك، ونتعاون في ظل ظروف لا يشترط أن نكون متفقين تماماً، فلسعة حجم هذه الساحة أو غيرها، وتداخل أطراف عديدة وعناصر مختلفة، حيث لا يمكن النظر إلى النتيجة النهائية بصورة الحسم التام، فنحن نكسب هنا جزئياً، لنكسب في مكان آخر بصورة حاسمة، فليس من الضروري أن تكون رابحاً تماماً، أو خاسراً تماماً، فنصف انتصار هو انتصار في بعض الحالات. والحلول الحاسمة قد تكون باهضة التكاليف، ينوء اللاعبون تحت ثقل تحملها.

وتتلخص نظرية حزمة المصالح بإيجاد نقطة أو نقاط مشتركة تضمن لقاء المصالح، أو في بعض فقراتها. وحتى في ذروة التشاؤم باستحالة الحل وازدحام الساحة باللاعبين الرئيسيين والثانويين وحتى الكومبارس ممن لهم أدوار متواضعة، يمكن التفاوض بهدوء وباستخدام عامل الوقت لتطوير ساحة وميدان الفعاليات. ففي القوى العظمى يتطلعون للنتائج النهائية، وقلما يهمهم حجم القتلى والخسائر لدى الأطراف المحلية، القوى العظمى ما زالت تواصل لعب دور الهيمنة والتوسع، واستخدام القوة المسلحة، ولكن بأساليب ربما متفاوتة.

ومن نافلة الكلام القول أن لا مكان هنا للأخلاق والقانون الدولي أو للمبادئ والايديولوجيات مهما كانت براقة وجذابة، ويستوي في ذلك حقوق الشعوب والمبادئ الإنسانية التي كان الاتحاد السوفيتي يرفعها كشعارات، أو الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ما برح الغرب والولايات المتحدة يعتبرها مقياساً للدعم أو للإدانة، ورغم ذلك فقد مارس الغرب هذه السياسة بازدواج المعايير والكيل بمكيالين طيلة عقود وكان لها ضحاياها من الدول والشعوب.

ومن تطبيقات وصفة حزمة المصالح في سياسات الشرق الأوسط الحالية، توافر مجموعة لاعبين، وقد يكون هناك تفاوت في المصالح، إلا أن الروس نجحوا بإقناع الأمريكان أن المكونات التي تبدو حيناً متناقضة شكلاً، إنما تحمل في جوهرها نقطة يمكن أن تحمل في ثناياها فهماً جديداً لها وفي إمكانية تعايش المصالح(coexistence) في ظلالها، ومن أبدع من الروس في التنظير لسياسة التعايش ؟

إسرائيل، الأسد، إيران، حزب الله، الوضع في العراق، أفغانستان، الباكستان، مصر، هذه مكونات قد تبدو في نيجاتيف الصورة مكونات متنافرة حيناً وغير ذلك حيناً، متصالحة حيناً آخر في ميزان العلاقات الأمريكية / الروسية، إلا أن نظرة عميقة وتدقيقاً في بوزتيف الصورة وخلفياتها وعواقبها المستقبلية وتأمل ملامحها وتفاصيلها المعقدة غالباً، وما هو عليه الحال الآن، واحتمالات تطوره في المستقبل القريب أو البعيد، فهناك معطيات تظهر ملامحها في عالم الشرق الأوسط تحمل القوى الدولية القديمة الجديدة على التمعن في زوايا قد لا تبدو واضحة في الصورة من الوهلة الأولى. هذه القوى العظمى لا تنظر إلى صورة إمرأة ثكلى، ولا إلى بناية مهمة، بل إلى أية محاور وقوى ستنشأ إذا ما تمت ملامح اللقطة (س)، أو اللقطة (ص) والكل يعمل في غمار أنشطة تدور معظم أنشطتها في الخفاء وراء الكواليس، في حسابات المستقبل وليس في حسابات اليوم.

الغرب، الولايات المتحدة تحديداً، تعمل بنهج براغماتي دون شك، وهو دون أدنى ريب يقبل (في ظل العلاقات الدولية المعاصرة) بالحلول البديلة لتجنب وقائع صعبة، وباهضة الثمن مالياً وسياسياً، وهي تدرك تمام الإدراك أن المعطيات على مسرح السياسة الدولية تتغير كثيراً وباستمرار، فهم يراقبون القوى بشتى قدراتها، أو حتى تلك الواعدة منها بدقة كبيرة، ويضعون لكل شيئ حساباته.

ولا يهم الغرب في الشرق الأوسط شيئ قدر اهتمامه بأمن ومصير ومستقبل دولة إسرائيل، وهذا الاهتمام لم يشاد على أسس عاطفية أو أخلاقية أو حتى مبدأيه أو قانونية رغم أدعاهم ذلك، بل هو قائم لأن دولة إسرائيل هي دولة شبه رأسمالية شبه إمبريالية، بنظام ديمقراطي تعددي، السلطة يجري تتداولها، تمثل نقطة ارتكاز مثالية، حليف مضمون للولايات المتحدة والغرب بصفة عامة في الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وسوف يتخلى عنها إذا أكتشف يوماً أو في مرحلة ما عكس ذلك. ويمكن القول بدرجة كبيرة من اليقين، أن سائر السياسات الأمريكية الشرق أوسطية إنما تنبع من هذا الجذر، وتفرعاته.

وبادئ ذي بدء، في حوار القوى العظمى، لا أحد يسأل عن حقوق الإنسان والديمقراطية، فهذه مصطلحات مطاطة تحتمل شتى التأويلات وجدلاً لا ينتهي، فمثلاً توصل الغرب والروس إلى قناعة مشتركة، أن بقاء النظام في سورية هو في صالح الطرفين، فهو الأضمن من بين جيرانها العرب لمصير إسرائيل، هذا ما أظهره تاريخ أربعون عاماً من الجيرة المسالمة، ولا علينا من الكلام والتصريحات اللفظية التي لا تعني شيئاً مادياً البتة.

الروس والغربيون يتفقون بهموم وهواجس الإسلام السياسي، ولربما هاجس الروس أكبر، فعندما قام الأتراك قبل عقد من السنوات بتأسيس جامعة الشعوب التركية، أثارت بذلك قلقاً غربياً قبل الروس، وتدريجياً بدأت تتضح ملامح موقف في تلك المنطقة(أواسط آسيا) تحمل الروس قبل الغربيين على القلق، فالحزام المؤلف من الدول: أذربيجان، أوزبكستان، كازاخستان، تركمانستان، طاجكستان، قرغيزستان، (بالإضافة إلى تركستان الشرقية الواقعة تحت الاحتلال الصيني)هي دول تدين بالإسلام، وتضم حركات دينية بلغ بعضها اليوم درجة مهمة من التطور، ناهيك عن نفوذ تركي في كثير من الجمهوريات والكيانات المنضوية ضمنها، وهو ما يفسر المواقف الروسية الحديثة حيال العرب والمسلمين.

أما الغرب، فهو يعتقد لأسباب كثير، أنه يحمي إسرائيل، ولأسباب سياسية أيضاً مر ذكرها، وتتفرع سائر السياسات الغربية من هذا الاتجاه الرئيسي في السياسة الخارجية الأمريكية، رغم أن وزارة الخارجية الأمريكية تقدم النصح دائماً إلى الإدارات الأمريكية بأتباع سياسة أفضل حيال الدول العربية، انطلاقاً من حسابات عقلانية، إلا أن مصادر أخرى ضمن عملية صياغة القرار السياسي تقدم نصائح في الاتجاه المضاد.

الولايات المتحدة بلغت(حتى الآن) اليأس من إيجاد طرف معارض سوري يعمل على طمأنة هواجسها، وهي تعلم أن ذلك ليس بيسير، والأشكال السياسية التي سيتاح لها أن تنشأ وتتكون في المراحل اللاحقة، ستعمل على بلورة مواقف ستزيد من صعوبة تحرك الولايات المتحدة في منطقة كانت تتحرك فيها بسهولة إلى الماضي القريب، لذلك فالحل الأمثل في نظر السياسة الأمريكية، أن تتواصل المعارك حتى تفرز واقعاً سياسياً جديداً، وإذا كان دعم النظام علناً سيمثل فضيحة على كافة المستويات فليتحمل الروس وحدهم وزر ذلك، وقد عبروا عن ذلك صراحة، إلا أن القبول بنظرية سقوط نظام آل الأسد سيعني تداعي أحجار دومينو أخرى في المنطقة، وصعود قوة غير مضمونة في سوريا وما ستمثله من تأثيرات في الساحات المجاورة (لبنان، إسرائيل، العراق، الأردن) وهو ما يمثل مجازفة يصعب القبول بها، وهو ما يفسر المواقف المائعة للغرب والولايات المتحدة خاصة.

أما الروس، فهم كانوا بصدد بناء حائط دفاعي جديد، فوجدوا في قيام محور إيراني، عراقي، سوري، لبناني تدعمه موسكو هو باكورة مشروع القوة الروسية العظمى، الذي يفتقر لليوم إلى قوة المثال الذي يطرحه، وإذا خسر هذا المشروع أحد أضلاعه المتمثل في النظام السوري، فسوف يمثل لها خسارة آخر موقع لها في الشرق الأوسط، وهو ما يعبر عنه الدفاع المستميت عن نظام يفتقر إلى كل شيئ، بأعتراف الرئيس بوتين نفسه، كما سيتعين على موسكو أن تعيد النظر بجدوى التحالف مع نظام الملالي الأكرليكي في طهران، القائم على قوة القمع ليس إلا، وثقافياً على أوهام تبلغ درجة الخرافات.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ