ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 30/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقاتل الستة : المقتلة الثانية

(الحلقة الثانية)

الدكتور منير الغضبان

أما المقتلة الثانية التي تقود إلى النار فهي معصية الله والرسول :

أيها المجاهدون العظام . يا قادة المجاهدين لكم من عوامل النصر ثلاثة .

الثبات : وهذا ما تقدمونه للعالم كله

(( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ))

ذكر الله كثيرا : فلا نراكم يا سادة الأمة وقادتها إلا وأنتم تكبرون مع كل نصر ومع كل محنة . وتعلنون للبشرية أن لا ناصر لكم إلا الله . ولن تركعوا إلا لله . وتجيبون نداء ربكم في الاستعداد للموت .

لبيك يا الله

وتعلنون كلمة التوحيد : لا إله إلا الله محمد رسول الله

الصبر :

على كل معاناة النظام وتدميره وجرائمه وتعلمون أن العالم كله قد تخلى عنكم وهو يتلهى بكم . وأنتم صامدون صابرون تعلنون للدنيا أن لا تراجع عن إسقاط نظام الكفر ولو خسرتم أقصى غاية الجود أولادكم وأهلكم وأبناءكم ونساءكم .

فإذا ضحيتم بالروح فماذا يغلو عن الروح ؟

والجود بالنفس أغلى غاية الجود .

هذه عناصر النصر الثلاثة قد استكملتموها بحمد الله .

(( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ))

(( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم تفلحون ))

وهناك ثلاثة أخر من عوامل النصر :

(( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ))

(( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ))

إذن امتلكتم ثلاثة عناصر من عناصر النصر . الثبات , ذكر الله كثيرا , الصبر

ولا تزالوا بحاجة إلى ثلاثة أخرى

طاعة الله والرسول , وعدم التنازع , والخروج الخالص لله

وإذا امتلكتم هذه العناصر الثلاثة فسترون نصر الله قريب . وتفرحون بنصر الله

وهذه المقدمة تقودنا إلى

المقتلة الثانية : معصية الله والرسول

فالله تعالى امتحن جنده حزب الله وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت المحنة بالجيش كله لخطيئة عشرات من الأفراد في الجيش المصطفى مع الرسول المصطفى .

(( وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين )) سورة آل عمران / الآية 151 ,

لقد كانت أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم للرماة بالثبات على الجبل لا تحتمل التأويل والاجتهاد وتذكير قائدهم عبد الله بن جبير . بها حجة على المتذرعين منهم بالجهل (( من حديث البراء رضي الله عنه قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً – عبد الله بن جبير . قال : ووضعهم موضعاً وقال لهم (( إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم , وإن رأيتمونا ظهرنا على عدونا وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)) قال : فهزموهم , لقد فات النصر على المسلمين ووقعت المحنة . وقتل سبعون صحابياً استشهدوا في سبيل الله . لمعصية قليل من الرماة اجتهدوا وقالوا : (قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت سوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن . فقال أصحاب عبدالله بن جبير : الغنيمة , أي قوم الغنيمة . ظهر أصحابكم فماذا تنظرون ؟

قال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة . فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين . فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً , فأصابوا منا سبعين رجلاً--) وهذه المحنة القاسية , وهؤلاء الشهداء السبعون هم بعد عفو الله عن المؤمنين وإلا لكانت هزيمة لا تنتهي إلا باحتلال المدينة ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) , حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائد الجيش . وهو سيد البشر . والجيل الذين معه هم خيرة الخلق وصفوته فقد نزلت بهم المحنة .

ومن حديث أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد , وشج في رأسه . فجعل يسلت الدم عنه وهو يقول : ( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله عز وجل . فأنزل الله عز وجل : (( ليس لك من الأمر شي )) صحيح البخاري .

إنها المقتلة الثانية : معصية الله تعالى ورسوله . والتي تؤخر النصر أو نقضي عليه أو تدخل المقاتل النار وهو يضحي بحياته , ويحسب نفسه أنه من الشهداء المجاهدين , وتحوله من الجنة إلى النار (( وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان . يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ) سورة آل عمران /الآية – 196 – 197

وإلى اللقاء يا سادة الأمة في حديثنا عن المقتلة الثالثة

======================

فتح مكة(2و3)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

(2)

لما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة، وخزاعةُ في عقده وعهده، خرج عمرو بن سالم الخزاعى، ثم أحد بني كعب، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان ذلك مما هاج فتح مكة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس، فقال‏:‏

يـا رب إنـي نـاشد iiمحمدا      حـلف أبـينا وأبـيه iiالأتلدا
قـد  كـنتمُ ولـدا وكنا والدا      ثـمّتَ أسـلمنا فلم ننزِع iiيدا
فانصر هداك الله نصراً أعتدا      وادعُ  عـباد الله يـأتوا مددا
فـيهم رسـول الله قد iiتجردا      إن  سـيم خسفا وجهه iiتربّدا
في فيلق كالبحر يجري iiمزبدا      إن  قـريشا أخلفوك iiالموعدا
ونـقضوا مـيثاقك iiالـموكدا      وجـعلوالي  في كداء iiرصدا
وزعموا أن لست أدعوا iiأحدا      وهــم  أذلُّ وأقـلُّ iiعـددا
هـم بـيتونا بـالوتير iiهُجَّدا      وقـتـلونا ركـعـا iiسـجدا

يقصد أن خزاعة أسلمتْ

قال ابن إسحاق:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ نصرت يا عمروُ بنَ سالم ‏.‏ ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنانٌ من السماء، فقال:‏ إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب‏.‏ ‏

ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأخبروه بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس‏:‏ كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العَقد، ويزيد في المدة‏.‏

ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليشد العقد، ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذين صنعوا.‏

فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء، قال‏:‏ من أين أقبلت يا بديل‏؟‏ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال‏:‏ تسيرت في خزاعة في هذا الساحل، وفي بطن هذا الوادي؛ قال‏:‏ أو ما جئت محمداً؟‏ قال: ‏لا؛ فلما راح بديل إلى مكة، قال أبو سفيان‏:‏ لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففتّه، فرأى فيه النوى، فقال‏:‏ أحلف بالله لقد جاء بديلٌ محمداً.‏

إضاءة:

1- إن اعتداء بني بكر حلفاء قريش على بني خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ومساعدة قريش لهم على هذا الاعتداء ينقض العهد بين الطرفين ويجعل الطرفين في حل منه إلاّ إذا كانوا جميعاً راغبين في استمرار العهد فإنهم يوثّقونه ويؤكدونه. وهذا يستدعي لقاء ممثلين عن الطرفين لإصلاح ما فسد.

2- يلجأ الطرف الضعيف المعتدى عليه إلى حليفه يستصرخه ويوضح ما حصل من إخلال بالاتفاق، لقد مضى على إبرام العهد عامان من السنوات العشرة – مدة الاتفاق- نقضت فيه قريشٌ وحليفتها بنو بكر صلح الحديبية حين اعتدت بنو بكر على خزاعة حليفة المسلمين فكان لا بد من اللجوء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتخذ قراره.

3- ينطلق أحد زعماء خزاعة من بني كلب " عمرو بن سالم الخزاعي "إلى المدينة المنوّرة للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبَسْطِ الأمر بين يديه، فما إن يصل إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني الناس حتى بستصرخه – كعادة العرب- بقصيدة وضّح فيها اعتداء قريش وحليفتها على قبيلته، ويطلب النجدة.

4- فصّل عمرو بن سالم الشكاة حين ناشد رسولَ الله الوفاء بالحلف وذكّره بالعلاقة الوطيدة بينهما قبل الإسلام، ثم أعلن أن بني خزاعة أسلمت فزاد على الحلف قوةُ العقيدة التي جمعت بين خزاعة والمسلمين (والمؤمنون إخوة) وطلبَ النصرَ والمدد حين شكّت قريشٌ أن ينتصر رسولُ الله – وهو في المدينة - لمسلمي خزاعة - وهم في مكة بين ظهراني المشركين.

5- كان الإيجاب النبوي سريعاً حين قال النبي صلى الله عليه وسلم (نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم) والمسلم أخو المسلم لا يخذله فاستعمل الفعل "نُصِرَ" بصيغة الماضي المبني للمجهول. قالها على ملأٍ من المسلمين الذين يملأون المسجد، فترتاح نفس عمر بن سالم، ويحمل البشرى إلى قومه في مكة.

6- وينظر النبيُّ الكريم إلى السماء فيرى سحاباً يمتد في أفق المدينة المنوّرة، فيتفاءل برضى رب السماء عن نصرة المظلوم وما السحاب إلى عنوان الغيث والنُّصرة، وينقل تفاؤله هذا إلى أصحابه يشجعهم ويستنهض هممهم حين يقول مبشراً بفتح الله تعالى (إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب).

7- كانت هذه الجملة إيذاناً بانتهاء صلح الحديبية واستهلال فتح مكة، وكأنه يقول لهم: أوقعَتْ قريش نفسها بحبائلها. وفتحت لنا طريقاً إلى مكة كان قبلُ مغلقاً.

8- ولتأكيد خزاعة ما استصرخ له عمرو بن سالم قام وفد من خزاعة بزيارة المدينة بقيادة شيخها "بديل بن ورقاء الخزاعي" يشرح للرسول صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ما فعله بنو بكر بمظاهرة قريش حليفتها من اعتداء صارخ على خزاعة فسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما يُرَطب خاطرهم ويأسو جراحهم.

9- حين يكون القائد عليماً ببواطن الأمور، خبيراً بحال عدوّه وإمكاناته،بصيراً بردة فعله يستشف ما يمكن أن يفعله الطرف الآخر. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قرشيٌّ مُطّلع على خبايا زعماء قريش وتفكيرهم وقد آتاه الله تعالى الحكمة وحسن تقدير الأمور. فاستشرف ما قد يفعله أبو سفيان زعيم مكة للحفاظ على العهد وتلافي الخطأ الذي وقعت فيه قريش وحليفتها، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه (كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشدّ العَقد، ويزيد في المدة).

10- وكان ما توقعه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم،فقد التقى وفد خزاعة بقيادة بديل بن ورقاء – وهم عائدون - بأبي سفيان بن حرب زعيم مكة منطلقاً إلى المدينة المنوّرة ليشد العقد، ويزيد في المدة، وقد رهب المشركون ما صنعوه في لحظة انفعالية لم يحسبوا عواقبها، التقوه في (عسفان على طريق المدينة قريبة من ساحل البحر).

11- خاف أبوسفيان بن حرب أن يكون وفد خزاعة سبقه إلى المدينة يؤلب المسلمين على قريش، فأحب ان يتأكد حين سأل بُديل بن ورقاء عن المكان الذي جاء منه، فكانت الاستعانة على قضاء الحوائج تستدعي الكتمان والسرية، فكان جوابُ بديل أنه كان وأصحابُه في بعض بيوت خزاعة على الساحل، فلما صارحه أبو سفيان بظنه قائلاً: أوَ ما جئت محمداً؟ قال: لا. والحربُ كما نعلم خُدعة، وتأزُّمُ الموقف بين خزاعة وقريش حرب خفية تنبئ القلوبُ والألسنة عن خباياها.

12- التحرّي عن الحقيقة مطلب يعين على اتخاذ الموقف الأقرب للواقع، فلما لم يقتنع أبو سفيان بِردّ بديل ولم يكن بين الاثنين سوى اللقاء العابر، ثم مضى بديل بوفده إلى خزاعة يقول أبو سفيان:لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى. فنزل أبو سفيان عن ناقته يستجلي حقيقة الأمر، فأتى مبرك ناقة بديل،ففتّتَ بعرها فصدق حدسه إذ رأى نوى المدينة واستيقن أن القوم كانوا عند محمد صلى الله عليه وسلم يشكون قريشاً وبني بكر.

13- انطلق أبو سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدّة وهو يعلم أن المهمّة شاقة، ولا أشق من خطأ جسيم يرتكبه المرء حماقة ثم يحاول رتقه، ولا أصعب من موقف فيه ضعف يقفه المرء دون أن يحسب له حساباً.

 

(3)

ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ؛ فقال ‏:‏ يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ‏؟‏

قالت ‏:‏ بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر ‏.‏

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه ، فقال ‏:‏ أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ‏.‏

ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها حسن بن علي ، غلام يدب بين يديها ، فقال ‏:‏ يا عليُّ ؛ إنك أمَسُّ القوم بي رحماً ، وإني قد جئت في حاجة ، فلا أرجعن كما جئت خائباً ، فاشفع لي إلى محمّد ؛ فقال ‏:‏ ويحك يا أبا سفيان ‏!‏ والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه ‏.‏

فالتفت إلى فاطمة ، فقال ‏:‏ يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بُنَيَّك هذا فيجيرَ بين الناس ، فيكونَ سيد العرب إلى آخر الدهر ‏؟‏

قالت ‏:‏ والله ما بلغ بُنَيَّ ذلك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني ؛ قال ‏:‏ والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك شيئاً ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ؛ قال ‏:‏ أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ‏؟‏

قال ‏:‏ لا والله ، ما أظنه ، ولكني لا أجد لك غير ذلك ‏.‏ فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال ‏:‏ أيها الناس إني أجرت بين الناس ‏.‏ ثم ركب بعيره فانطلق ، فلما قدم على قريش ، قالوا ‏:‏ ما وراءك ‏؟‏

قال ‏:‏ جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى العدو ، ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ، وقد أشار عليَّ بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئاً أم لا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ وبم أمرك ‏؟‏ قال ‏:‏ أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلتُ ؛ قالوا ‏:‏ فهل أجاز لك محمد ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، قالوا ‏:‏ ويلك ‏!‏ والله إن زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغني عنك ما قلت ‏.‏ قال ‏:‏ لا والله ، ما وجدت غير ذلك ‏.‏

إضاءة:

1-        أبو سفيان زعيم مكة يشعر أن صلح الحديبية شابه النقصانُ إن لم يكن قد انهدّ كاهله وانتهى مفعوله . ومن الذي عمل على نقضه ؟ إنها قريش التي أعانت حليفتها بني بكر على استباحة بني خزاعة أحلافِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان عليه أن يتدارك الأمر قبل استفحاله. وليس له إلا أن ينطلق إلى المدينة يرتق الخرق قبل اتساعه. وهكذا فعل.

2-        مرت سنتان كاملتان على صلح الحديبية ، ظلت مكة فيهما تنمّي ثروتها وتهتم بتجارتها ليس غير. أما المسلمون فقد وثبوا وثبات جبارة في تقوية الدولة الإسلامية في المدينة وإثبات وجودها وزرع هيبتها ودعوتها في قلوب الجوار ، ففتح المسلمون ( خيبر) شمال المدينة في العام التالي لهدنة الحديبية ، وقضوا على قوة اليهود فيها ، ثم قطعوا الطريق عل قبيلة غطفان – الحليف القوي لمكة حول المدينة فاشتدّ ساعد المسلمين وهابتهم القبائل .

3-        أثبت المسلمون في أول العام الثامن للهجرة قوتهم حين انطلق جيشهم الصغير عدداً ( ثلاثة آلاف ) القوي مبدأً وعقيدة وثباتاً إلى مؤتة في الأردن ليبسطوا هيبتهم في قلوب عرب الشام وإمبراطورية الروم . وقاتلوا جيش الروم وكان عدده مئة ألف – وشتان ما بين العددين - وعلى الرغم من استشهاد القادة الثلاثة في معركة مؤتة ، فقد انسحب الجيش المسلم بقيادة القائد الجديد خالد بن الوليد إلى قلب الجزيرة العربية بسلام مخلفاً في نفوس العرب هيبة وجلالاً ، وجعل الروم يحسبون حساب هذه القوة العربية الناشئة ، ويحذرون منها.

4-        كان أبو سفيان يعلم تمام العلم أن أعداءه المسلمين تتنامى قوتهم ، وتتعاظم هيبتهم ، وقد يفجأون أهل مكة بما ليس في حسبانهم ، فما عليهم إلا أن يصلحوا خطأهم مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان إسراع زعيمهم واضحاً إلى المدينة يشد عرى الصلح ويزيد في المدة . هذا ما عقد الأمر عليه.

5-        ولعل من السياسة أن يطرق الباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن أعين الرقباء ، فيلج إليه من ناحية الرَّحِم والنسب فيستعطف قلبه الرحيم ، فليدخل على ابنته رملة (أم حبيبة) – زوج النبي صلى الله عليه وسلم - يصل رَحمها ويطمئن عليها ، ولعلها ترقق قلب زوجها المصطفى فيصل أبو سفيان إلى غايته من أقرب الطرق. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها.

6-        استقبلته ابنته استقبالاً يليق بأبيها واحتفت به ، فلما أن أراد أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ومنعته أن يجلس عليه،وأشارت إلى مكان آخر يجلس عليه ، ورأى الوالد عمل ابنته هذا فلم يدرِ السببَ ،فسألها مستفسراً : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ‏؟‏ إن جوابها يقطع الظن باليقين ويبيّن مدى الفائدة من وساطتها، ولعل سرعة طيّها لفراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يجلس أبوها عليه يرجّح أنه رغبت به عنه، وأن دخوله على ابنته لن يؤتيّ أكُلًه.

7-        وشتان ما بين الإيمان والكفر والنهار والليل ، شتان ما بين سيد البشر رسول الله وزعيم كفار مكة – آنذاك- ولو كان أباها ، فلن تسمح لمشرك أياً كان أن يطأ طهارة فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالتها دون مماراة ولا مواربه ، قالت كلمة خلّدها الزمان وسارت بها الأيام عنواناً للمفاصلة بين الخير والشر . قالتها بلهجة المؤمن المطمئن بما يعتقد" بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحبَّ أن تجلسَ على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم.

8-        يُفاجأ الرجل بقوة جوابها لا بصدق عملها ، فهو يعلم أن حبها لزوجها ونبيها أكبر من حبها لأبيها بما لا يُقارن ، لكنه ما كان يتوقع أن يكون جوابها فيصلاً هكذا ولا جابهاً بهذا الوضوح وهذه القوة. فيقول متعجباً : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر. هذا مبلغ علمه ، وأنّى لرجل ملك الكفرُ عليه – إذ ذاك – مساربَ الإيمان أن يفقه حقيقة الأمر ؟!

9-        ثم يخرج من عندها وهو يعلم أن الأمر شاقٌّ وأن المهمّة صعبة ، فما رآه من ابنته التي ظن أنها قد تتوسط له عند زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قمينٌ أن يفهم منه ذلك ..

10-      وينطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكلمه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقوله ، حتى إذا انتهى مما يريد لم يسمعْ من النبي صلى الله عليه وسلم إجابة ، بل كان السكوت أبلغَ ردّ وأنصعَه. وتصوّرْ معي دخول زعيم مكة على رسول الله ثم خروجه دون أن يكلمه الرسول صلى الله عليه وسلم ،فكأنه لم يدخل ولم يخرج ، إنها إهانة ليس بعدها إهانه ، وجواب ليس أبلغَ منه جواب .

11-      كان يكفيه هذا ، وعليه أن يُسرع إلى مكة يُعدّ العُدة لمواجهة الهجوم الذي يتوقعه من المسلمين، ويحصّن بلده من الهجوم المحتمل بل المؤكَّد. لكن أهل مكة مشغولون بأموالهم وتجارتهم، وما أشبه اليومَ بالأمس فأموال المسلمين وكنوزهم مشاع لغيرهم ، تؤخذ منهم دون أن يحركوا ساكناً ، ولا حرج أن يكون جيش الغرب أو الشرق بين ظهرانَيهم ما داموا يعيشون كما تعيش الأنعام.

12-      المسلمون يد واحدة ورأي واحد في اتخاذ القرار : قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن سالم : " نُصرت يا عمرو بن سالم" فهل يُجيرُ أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قد قال القائدُ قوله وحسم الأمر ، والمسلمون رهنُ امره وهو جنود مخلصون لنبيهم ودينهم ، لن يخترقهم أحد . هذا ما ينبغي أن يكون المسلمون عليه في كل زمان ومكان.

13-      هذا ما فعله الصدّيق رضي الله عنه حين طلب إليه أبو سفيان أن يشفع له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له: " ما أنا بفاعل" كلمتان لخّصتا موقف الصدّيق أبي بكر وعضّدتا موقف الحبيب صلى الله عليه وسلم. والاختصارُ دليل الحزم والقوة.

14-      أما عمر فلم يكن أكثر صلابة من الصديق في ردّه إلا أنه أبان عن مكنون نفسه حين قال :" أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏" فوضّح هذا الاستفهامُ الإنكاري ما يعتمل في نفسه ثم صرّح بقسمه أنه سيجاهدهم بما يستطيع ولو كان قليلاً " فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به" رحم الله الشيخين أبا بكر وعمر ورضي عنهما (فنِعْمَ الوزيران هما) .

15-      وكذلك كان علي رضي الله عنه، إن أبا سفيان حين جاءه ملتمساً شفاعته لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له بقوة المؤمن بربه ونبيه " ويحك يا أبا سفيان ‏!‏ والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه" ولا أدري لماذا أبان أبو سفيان عن ضعفه حين ذكر الرحم والقرابة وتناسى أن قريشاً قاتلت المسلمين في السنوات الست الأولى من الهجرة قتالاً شرساً ينبئ عن كره شديد ومقت كبير للمسلمين ، ولكنّ الله تعالى يمهل ولا يُهمل ، وليفضحنّ أعداءه وليمكننّ للمسلمين ولو بعد حين.

16-      وكان على أبي سفيان أن ينطلق إلى مكة خاليَ الوفاض، فلما استيئس تصرّف بما لا يليق بزعيم ولا رئيس حين دفعه يأسه أن يطلب من أم الصغير ( الحسن ) ولم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره ان يجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جواب أمه فاطمة رضي الله عنها عينَ الجواب وغاية الفهم والنجابة.

17-      كيف يجير بين الناس من يطلب الجيرة؟! ولا تُقبل الإجارة إلا حين يرضى الطرفان المتخاصمان جيرةَ المصلح بينهما ، وأبو سفيان رأس أحد الفريقين المتخاصمين ، فكيف يجير ، وعلام يُجير ، وممّ يجير؟! ولكنّ الغريق يتعلّق بقشة .. لقد قال له قومه : ويلك ‏!‏ والله إنْ زادَ الرجلُ على أنْ لعبَ بك ، فما يغني عنك ما قلت....

 ولقد سبق السيفُ العذلَ.

 

=========================

تحت الرماد جذوة من نار وغضب

محمد ناصر نصار

تمر علينا الذكرى السنوية الثانية عشر لإندلاع إنتفاضة الأقصى ، التي إشتعلت شراراتها بدخول المجرم شارون الأقصى الشريف في زيارة إستفزازية ربما كانت لتأجيج الصراع أو نوعا من المخطط الإسرائيلية ، أو على الأقل نوعا من الدعاية الإنتخابية لشارون ، لكن الإنتفاضة التي إنطلقت بقذف الأحذية والحجارة على الجنود الإسرائيليين في المسجد الأقصى تطورت بمرور الزمن لقذف الصواريخ وكافة أشكال العمل المسلح والمظاهرات والفعاليات السلمية والتضامنية ، قدم خلال الإنتفاضة شعبنا آلاف الشهداء والجرحى وآلاف من الأسرى في السجون يقبعون ، وتكبد شعبنا أضراراً لحقت في البنية التحتية والإقتصادية ، ولا يخفى على الجميع الدور الفصائلي والتنظيمي في إشعال الإنتفاضة فلكل تنظيم سببه الخاص ، وحتى الشهيد أبو عمار كان له سببه في إيجاد ورقة الضغط على إسرائيل لإنتزاع حقوق شعبنا من براثنه وكلنا نذكر هبة النفق في العام 1996 ، فكان يبحث أبو عمار عن ورقة ضغط حقيقة ليستثمرها في أي مفاوضات أو حل سلمي ،لكن الأمور خرجت عن سيطرته بسبب ردة الفعل الإسرائيلية وأيضا القرار الإسرائيلي بقتل أبو عمار ، لكن التساؤل المطروح بعد هذه السنوات من جولات العنف الإسرائيلي وتعديات جيشها المستمر على مدننا وقرانا في الضفة الغربية وقطاع غزة ، هل فعلا أن شوكة الإنتفاضة خبت وتضاءلت جذوتها مع مر الزمن ؟

لا أحد يتجادل في أن الإنقسام ساهم في تقطيع أوصال الوحدة الوطنية فانعكس ذلك على الإنتفاضة سلبا ً ، فالضفة الغربية بعد إعادة إحتلالها بعد عملية السور الواقي بعدما أنهكت العمليات الإستشهادية إسرائيل وضعضعت تماسكها الداخلي ، إتخذت السلطة الوطنية الفلسطينية سياسة تفكيك البنى الهيكلية للمقاومة وبدأت فعلا بتفكيك المجموعات المسلحة منها كتائب شهداء الأقصى بكافة تشكيلاتها وهذا الأمر واقع وحاصل على الأرض إيمانا منها بالحل السلمي والتفاوضي الذي للأسف ثبت فشله في ظل عدم وجود أداة الردع النسبية للمقاومة ، كذلك الأمر في غزة فحكومة حماس أحجمت المقاومة لإيمانها أن الإعداد والتجهيز شرط من شروط المقاومة والظروف الإقليمية والدولية لا تساهم في دفع أي تكاليف لأي جولة مع العدو الصهيوني وكما يجب أن لا نوجد لإسرائيل ذريعة لتدمير إنجازات شعبنا ، وبالمناسبة كلا الحكومتين تتقاطعان بنفس المبررات غير إختلافها في الصيغة أو الشكليات ، كذلك الأمر إن تراجع جذوة الإنتفاضة يرجع لفقدان الفلسطينيون الثقة بقياداتهم وتنظيماتهم وفقدوا شخصيات تاريخية وقيادية إما بإستشهادهم أو إعتقالهم ، كذلك فقدوا البوصلة الحقيقية نحو الثوابت الوطنية ويرجع السبب لقياداتنا وتنظيماتنا بلا شك من خلال ضعف التعبئة الفكرية وفقدان التواصل مع القاعدة الجماهيرية وحقيقة ضعف تمثيل صوت الشعب أو رويته في التنظيمات ، لكن من يعرف الشعب الفلسطيني يعلم جيداً أن يجيد صنع الثورة والتحرير فأي وقت شاء ، ولا يمكن أن يهدأ هذا الشعب في ظل وجود إحتلال أو ظلم ، فالإنتفاضة أصبحت شيئاً ملاصقا لحياة الإنسان الفلسطيني الذي ينغص عليه الإحتلال حياته ، فالانتفاضة مستمرة ولو تضاءل نشاطها فأعلم ان تحت الرماد جذوة من نار وغضب .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ