ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 01/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الجيوش العربية بين السياسة و الربيع العربي

الدكتور عادل عامر

الجيش في كل من تونس ومصر حسم الموقف لصالح قوى التغيير. في هذا، يمكن اعتبار الجيش في مصر وفي تونس جزءاً من قوى الثورة، لكن الجيش في كلا البلدين جزء من النظام القديم في الوقت نفسه. في كلا البلدين انقلب الجيش على النظام القديم في لحظة تاريخية وساهم في انقاذ كل من تونس ومصر من مجزرة وكارثة وطنية. أما الجيوش في كل من اليمن وليبيا وسورية، فلها أدوار مختلفة. في ليبيا، تحوَّل الامر الى مواجهة عسكرية، حيث قام الجيش وقواته بتصفية الكثير من المتظاهرين مما دفع قطاعات من الجيش للانضمام الى الثوار، ففي ليبيا وقعت سلسلة انشقاقات في صفوف الجيش (إن صحت التسمية) بينما بقيت قطاعات رئيسية منه مع القذافي وأبنائه الى ان حسم الوضع بفضل تدخل دولي وقتال قادته المعارضة الليبية. وفي اليمن، وقع توازن بين قطاعات من الجيش المؤيدة للرئيس علي عبدالله صالح وأخرى مؤيدة للثورة، وقد حشدت الثورة ملايين الناس في محاولة لحسم الموقف، ورغم ذلك مازالت القطاعات العسكرية حول صالح مصرّة على بقائه.

 إن التوازن في اليمن لم يحسم رغم تقدم المعارضة على أصعدة كثيرة ورغم عدالة قضيتها ومطالبها وتضحياتها. أما في سورية، فالشعب السوري يقاتل وحيداً في معركة يستخدم فيها الجيش السوري قدراته النارية لقتل المعارضين والمتظاهرين السلميين. وبينما يزداد الجيش السوري بطشاً، تزداد الانشقاقات في صفوفه من قبل الرافضين لهذا البطش، هذا قد يؤدي مع الوقت الى بناء جيش بديل يتولى مهمة الدفاع عن الشعب السوري. في كل مكان، في ظل الربيع العربي، نجد اختلافاً في ردود الفعل على التعامل الأمني مع المتظاهرين، وذلك حسب طبيعة النظام السياسي وطبيعة الجيش والمجتمع، ففي المجتمعين المصري والتونسي الأكثر تجانساً، بحكم تكون الطبقة العاملة والاتحادات والمجتمعات المدنية، من الصعب زج الجيش في الحرب والقتال ضد الشعب، فالتكوين النفسي للجيش المصري مرتبط بكونه انعكاساً للمجتمع، فهو جيش وطني مثله في هذا مثل الجيش التونسي، لا يقوى على مواجهة شعبه، بحكم ارتباط قادته بمهمته التاريخية وهي حماية الوطن والحدود. وبينما الجيش العربي السوري ذو التاريخ القديم جيش وطني، إلا أنه مر بتحولات كثيرة، من أهمها تسييسه بصورة كبيرة وهدم روحه الاحترافية في ظل حكم حزب البعث منذ ستينات القرن العشرين. الجيش السوري أصبح ملاذاً لطائفة علوية كانت مهمشة قبل انقلاب الأسد عام ١٩٧٠، ثم تعزز هذا الملاذفي زمن الرئيس السابق حافظ الأسد عبر تهميش طوائف أخرى، من أهمها الطائفة السنية التي تمثل أغلبية السوريين. وقد أدى هذا الوضع الى إضعاف الجيش السوري وجعله أكثر ارتباطاً بتوجهات عائلة الأسد. إن قتال الجيوش ضد الشعوب مدمر للجيوش ولقدراتها الوطنية، وهو في النهاية مدمر للنسيج الوطني. هذا ما أمكن تفاديه في مصر وتونس ولم يتم تفاديه في سورية وليبيا واليمن. «عندما تتشكل الجيوش في ظل الخوف من الآخرين من أبناء الوطن، أكانوا أغلبيات او أقليات ستفقد هذه الجيوش حتماً الروح الوطنية» وعندما تتشكل الجيوش في ظل الخوف من الآخرين من أبناء الوطن، أكانوا أغلبيات او أقليات ستفقد هذه الجيوش حتماً الروح الوطنية. من هنا، يتحول الجيش الى قوة تحمي نظاماً وفئة أو قبيلة أو طائفة وليس بالضرورة الوطن والأرض والمستقبل.

 إن الجيوش الخائفة تتحول مع الوقت الى حالة من الكراهية لفئات رئيسية في المجتمع، مما يخلق نظرة مشوهة لدورها في الحماية الوطنية. لهذا، فالقول ان الجيش السوري جيش عقائدي فيه الكثير من المبالغة، فحزب البعث في سورية سقط منذ ان اصبح الحكم السوري وراثياً عائلياً، تماماً كما سقط الحزب نفسه في العراق في ظل سيطرة أقلية عائلية سنية على أغلبية شيعية وأقلية كردية غير عربية. لقد استمرت حالة الخوف من كل شيء ومن معظم الشعب متحكمة بالوضع السوري، الى ان وقعت الثورة السورية في شهر مارس مطالبة بتغيير قواعد الوطن والوطنية. لهذا، يعيش الجيش السوري حالة انشقاق نفسي ومعنوي واخلاقي وضميري تنعكس على حالات تمرد وانسحاب وهروب من الجيش باتجاه مناطق اخرى.

 إن علاقة الجيش بالثورة في سورية سوف تتطلب حتماً ملاذاً آمناً للعناصر المنشقة عن الجيش السوري، وفي هذه الحالة ستكون عملية بناء جيش بديل عن الجيش الراهن عملية ضرورية. تنصرف المهمة الرئيسية للقوات المسلحة أساسا إلى حماية الدولة، برا وبحرا وجوا، ضد العدائيات الخارجية، كما تسهم في حماية الشرعية الدستورية الداخلية للدولة ومكتسبات الشعب، فيما يزيد على طاقة الشرطة المدنية، في حالة عدم وجود قوات حرس وطني (National Guard) وفي إدارة الأزمات، خاصة في حالة الكوارث الطبيعية والحوادث الكبيرة. ولكن لابد أن يعرف الجميع أن طبيعة تنظيم وتسليح القوات المسلحة -والمتناسب مع مهامها القتالية الرئيسية في ميدان القتال، برا وبحرا وجوا- لا تسمح لها بأن تقوم بالأعمال والمهام الشرطية البوليسية، أو بمهام قوات فض الشغب. وإذا اضطرت لذلك، فإنه يكون لفترات محدودة.

 أما في حالة زيادة هذه الفترات إلى أكثر من عام -في بعض الدول- فإنه ينتج عنه إشكاليات متعددة، سواء في الشارع، أو التأثير السلبي في جبهات القتال، أو اشتراك قياداتها في إدارة سياسية، بعيدة نسبيا عن خبراتها التراكمية النوعية الأصلية، وما لذلك من آثار وإشكاليات، داخلية وإقليمية ودولية. تنصرف المهمة الرئيسية للقوات المسلحة أساسا إلى حماية الدولة، برا وبحرا وجوا، ضد العدائيات الخارجية، كما تسهم في حماية الشرعية الدستورية الداخلية للدولة ومكتسبات الشعب، فيما يزيد على طاقة الشرطة المدنية، في حالة عدم وجود قوات حرس وطني (National Guard) وفي إدارة الأزمات، خاصة في حالة الكوارث الطبيعية والحوادث الكبيرة. ولكن لابد أن يعرف الجميع أن طبيعة تنظيم وتسليح القوات المسلحة -والمتناسب مع مهامها القتالية الرئيسية في ميدان القتال، برا وبحرا وجوا- لا تسمح لها بأن تقوم بالأعمال والمهام الشرطية البوليسية، أو بمهام قوات فض الشغب. وإذا اضطرت لذلك، فإنه يكون لفترات محدودة.

أما في حالة زيادة هذه الفترات إلى أكثر من عام -في بعض الدول- فإنه ينتج عنه إشكاليات متعددة، سواء في الشارع، أو التأثير السلبي في جبهات القتال، أو اشتراك قياداتها في إدارة سياسية، بعيدة نسبيا عن خبراتها التراكمية النوعية الأصلية، وما لذلك من آثار وإشكاليات، داخلية وإقليمية ودولية. ولتحليل واستكمال ما سبق من تقديم، سنتناول التحديات التي واجهت القوات المسلحة في مراحل ما بعد الثورات بشيء من التفصيل في النقاط التالية: القوات المسلحة والأمن القومي، الميزانيات العسكرية في عصر التقشف، المعونات العسكرية الخارجية، الجيوش والتنمية العسكرية والسياسية، العلاقات الخارجية بعد تغير نظم الحكم، الجيوش وحكومات التيار الديني، إعادة بناء وتأهيل الجيوش بعد صدامات الشارع. أما في بقية الدول العربية، وعلى الأخص في الدول الملكية، فالعلاقة مع الجيوش مرت بمراحل، وهي تبدو ساكنة في ظل الربيع العربي، فكما يبدو على السطح، يبدو أن الجيوش في تلك البلدان تخضع لشرعية السياسيين، وهذا يعني انها تقبل بشرعية الاسر الحاكمة. والجيوش لم تكن أساسية في تشكيل الدول الملكية، ففي السعودية كان الأساس مرتبطاً بأسرة آل سعود، وفي الكويت بأسرة الصباح، وفي الأردن بالهاشميين. إن أجنحة من الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون بالتحديد، بإمكانها ان تلعب دور الجيوش في الدول الجمهورية، فللأسر الحاكمة شرعية تاريخية، تضعف وتقوى.

 هذا الإجماع على الشرعية الملكية حدَّد دور الجيوش. الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون لم تكن بحاجة الى شراكة مع الجيش لتقوّي شرعيتها وتحافظ عليها، وقد ساهم النفط وحالة التوزيع والرفاه الذي نتج عنه في تعزيز هذا الوضع. ومع ذلك، لا يشترط ان تبقى هذه المعادلات، في ظل تحديث الجيوش وزيادة ميزانياتها وتطور الحراك الشعبي المحلي، في مكانها، فالبحرين على سبيل المثال مثَّلت حالة جديدة أصابها التوتر في ثالوث العلاقة بين الجيش والشعب والنظام. وهناك من جهة أخرى دور للجيوش في بلدان كالأردن والمغرب، وقد عُرف عن الجيوش هناك مشاركتها بانقلابات كبرى خاصة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ويجب ان نلاحظ أن الجيوش في الدول العربية عموماً، وخاصة بعد موجة الانقلابات العسكرية قد جرى تهميشها بصورة كبيرة لصالح الامن والاستخبارات والاجهزة، وهذا يعني امتلاك الجيوش لدور أقل على كل صعيد، نسبة إلى الأجهزة الأمنية وتأثيرها. لكننا في مرحلة مفاجآت، فالجيش المصري المهمش نسبة إلى الأمن والاستخبارات استطاع تفعيل دوره في لحظة تاريخية، لهذا نستنتج بأنه لم يعد هناك من ضمان للأنظمة في علاقتها بالجيوش وحتما بالشعوب، سوى السعي للإصلاح العميق والتحاور مع القوى المختلفة والمعارضة في سبيل بناء حياة سياسية ديموقراطية تكون إحدى نتائجها إبقاء الجيوش في ثكناتها. لقد غيّر الربيع العربي وضع الشعوب، لكنه أيضاً غير موضع الجيوش في المعادلة العربية. الربيع أبرز دوراً جديداً لقوى جماهيرية لم تكن فاعلة حتى الأمس القريب. الربيع العربي يعكس تفجر السياسة على المستوى الشعبي بينما يدفع بلا توقف بجيل جديد يطالب بدور وحقوق وعلاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم وبين العسكريين والسياسيين. نمر في مخاض كبير يتجاوز لعبة الشطرنج التي تحكم علاقة السياسيين بالجيوش. إننا نشهد الآن تغيراً كبيراً يساهم في تأسيس قواعد جديدة للعبة.

========================

حقوق الإنسان بين الإنشاء الجميل والواقع المخيف؟

فراس حج محمد

لا بد من أن نسأل أنفسنا من أين انطلقت الأسس التي وضعت على أساسها اتفاقية وبنود حقوق الإنسان وما هي الفلسفة التي يقوم عليها؟ ليس رغبة في النقض والمعارضة ولكن لبيان الحقيقة التي يماري فيها بعض الناس والذين قد يقفون موقف المتشكك في تلك الاتفاقيات وتلك الأعراف الدولية المستقرة عرفا في السياسة الدولية المعاصرة.

لا شك بأن الإجابة عن هذين السؤالين لا تعجز أي واحد له خبرة ولو قليلة في هذا الموضوع، بل إنني أزعم أن هذا الموضوع وغيره يشكل ركنا من أركان الثقافة السياسة السائدة في المجتمعات، والتي قد يدلي برأيه فيها، وكأنها أضحت من المعلوم من السياسة بالضرورة، فقد كانت مشكلة لوعي جماهير المثقفين والمتعلمين ناهيك عن المفكرين والسياسيين.

 ولعله من نافلة القول المعاد والمكرور أن نذكر بأن هذه الحقوق قد استندت إلى مجموعة من الأعراف والقيم الأخلاقية العامة الإنسانية التي يشترك فيها الناس جميعا، وهدفت فلسفتها إلى تحقيق المساواة والعدالة في التعامل بين الناس، تاركة وراء ظهرها كل تمييز عنصري أو ظلم أو محاباة لأي كان قويا أو ضعيفا. ولكن لو بحثنا في حقيقة هذه المسألة، سيكون واضحا أن تلك الحقوق لها جانبان؛ نظري جميل برّاق يستهويك ويمنيك الأماني في الحرية والعدالة وعدم التمييز، وتمنحك الحقوق الإنسانية كاملة بغض النظر عن دينك وموطنك وعرقك ولونك أسودَ كنت أم أبيض، عربيا أم أمريكيا، مواطنا أم لاجئا سياسيا أو زائرا غير مقيم، ولا شك بأن هذه الصورة البراقة موجودة ومطبقة في بلدان كثيرة، وخاصة في تلك الدول التي نجحت في تذويب العرقيات والاختلافات الثقافية في بوتقة المواطنة الواحدة، وتواضع الناس بعقدهم الاجتماعي الضمني أو المكتوب أن يلتزموا بالقانون العام ليطبق عليهم النظام بالتساوي وبالعدالة البشرية الممكنة.

ولكنه، ومن جانب آخر، فإن معايير حقوق الإنسان استخدمت كذريعة للتدخل في الشؤون السياسية والاجتماعية وحتى الثقافية للدول الضعيفة، وقد جرّت على العالم وليس العربي والإسلامي وحسب مصاعب وعراقيل جمة، فتركيا على سبيل المثال اشترط عليها جملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها بطبيعة الحال ما يتعلق بحقوق الإنسان من أجل الموافقة على دخولها في الاتحاد الأوروبي، وما زالت تناضل من أجل ذلك، مع غلبة ظني أن المسألة لم تكن أكثر من ذريعة؛ ففي المسألة أمور أكثر تعقيدا وأبعد تأويلا من إصلاحات مهشمة هنا وهناك!!

فالدول الاستعمارية الكبرى وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، ما زالتا تستخدمان هذه الحقوق من أجل السيطرة والتدخل، فالعيب ليس بتلك المعايير والحقوق بصفة عامة، ولكن العيب كل العيب فيمن نصّب نفسه راعيا لها، وهو أول من ينتهكها، وشبيه بذلك ما تدعيه الدول الكبرى من رعايتها لحقوق المدنيين وقت الحرب ضمن ما عُرف بالقانون الدولي الإنساني (القانون الدولي الخاص)، فإننا ما زلنا نرى ونسمع ازدواجية المعايير عند سياسيي تلك الدول، وانتهاكاتها في هذا المجال لا تعد ولا تحصى، بل على العكس من ذلك فإن تلك بعض الدول تعربد من أجل أن تنفذ سياساتها وتحمي مصالحها الاقتصادية والسيادية السياسية، ولتبتلع الحرب الناس جميعا، وما سوريا عنا ببعيدة، ونحن ننظر كيف اختلفت الدول الكبرى حيال مسألة إنسانية لا يختلف عليها عاقلان، فلولا المصالح المرتجاة من ذلك التصرف لما رأيت هذا الشرخ في الموقف الدولي حيال قضية إنسانية كبرى يعاني فيها الناس أشد أنواع التنكيل والبطش.

فما الذي يمنع الدول الكبرى راعية تلك الحقوق أن تحمي المدنيين وحقوقهم والفقراء ومتطلباتهم في شرق العالم وغربه، إنها أشبه بمقولة الحق التي أرادوا بها باطلا، فكم من مظلوم ظهرت براءته وظل حبيسا في سجنه، وكم من مجرم جرمه كعين الشمس في رابعة النهار ظل طليقا حرا يسبح في نعماء تلك الدول لا يمسه مكروه، ويلغ في الدماء صباح مساء والعالم يغض عنه الطرف، ولا أستبعد أنه يشجعه في الخفاء!!

أي عالم مجرم هذا العالم!! وأخير ا نقول "حقوق الإنسان"، فأين حقوق الإنسان التي لم تفلح كل البنود بحماية امرأة أو مواطن من القتل أمام عدسات الكاميرا، ولم تساهم برسم بسمة على وجه طفل مات أبوه ظلما في سجون الطغاة أو سحلا على غير ما جريمة سوى أنه قال: لا للظلم والاستعباد والديكتاتورية، وأي حقوق إنسان وما زالت شعوب بكاملها خاضعة لإرادة الغير لا يحق لها تقرير مصيرها في فلسطين وكشمير وغيرها الكثير؟

فلا يخدعنكم بهرج القول وزينته، ولكن انظروا ماذا فعل أصحاب تلك المواثيق، تأملوا كل ذلك أيها الكرام، جعلت فداءكم!!

=================

قصص قصيرة جدا

بقلم : يوسف فضل

أفكار سوداء

انشغلوا وتشاغلوا بمقدم الربيع المؤقت. خُطف الرسام . قُتل السياسي. اختفى الأديب. هُجر الشاعر . زمجرت الريح على البشر. اغتيلت الثقافة ليعيش ربيع وطن بلا هوية .

دردشة

القيل والقال مصدر سرور ودغدغه لهم عند مبرد المياه. وحين يفترقوا إلى مكاتبهم يبحثوا عما يوحدهم في العمل من التهامس والنميمة والضحك.

نظافة

 أوقف المركبة . ألقى علبة مشروب خارج صندوق القمامة . : عيب عيب يا صديق" : تذمر عامل النظافة الآسيوي. تلقى العامل موجة تسوماني من السب والشتم . رفع بصره إلى السماء وأرسل دعوة مظلوم .

خارج السرب

دخل معترك الحياة. انتابه شعور بعدم الأمانة في كل تعامل حياتي . اكتفى بذاته وحمل معه عالمه الخاص .سكن الكهف ..... وعض على أصل شجرة .

طيران

بحث عن المغامرة والشجاعة.

حلق بشراع هوائي،

تذوق الهواء بحرية .

حين هبط ،

سلا روحة طائرة في السماء .

=========================

نظامُ الأسد، و إسرائيلُ، و إيران: متلازمةٌ أمنيّةٌ ثلاثية

محمد عبد الرازق

في وقت مبكر من الثورة السورية تحدث رجل مال العائلة ( رامي مخلوف ) إلى إحدى الصحف الأمريكية، و أوصل رسالة سريعة إلى الجارة الجنوبية، راجيًا منها أن تفي بتعهداتها بحماية نظام العائلة من أية أخطار تتهدده؛ ف ( أمنُها من أمنه ). و هي تدرك هذا الأمر جيدًا، فهذه حدودها الشمالية قد شهدت أفضل حالة استقرار على مدى أربعين عامًا؛ الأمر الذي يناقض تمامًا حالة العداء الكلامي التي عُرِف بها هذا النظام.

و قد وصلت الرسالة سريعة، و كان الردّ في غاية الوضوح: ليست إسرائيل مستعدة للتفريط بهذا الجار الوديع حاليًّا، و أنها إذا ما اضطرت على ذلك؛ بسبب تغير الوقائع الميدانية، فلا أقلَّ من تدمير سورية: شعبًا، و مُقَدَّرات. الأمر الذي يجعلها في شغل عنها لعَقد من الزمن؛ تكون خلاله إسرائيل قد قطعت شوطًا كبيرًا، حصنت فيه نفسها من الأخطار المتوقعة من النظام القادم.

و قد طار بهذا الرسالة ( بنيامين نتنياهو ) إلى أمريكا، و من بعدها أخذت التصريحات الأمريكية طريقها إلى الانكفاء، و أصبحت لا تتمايز عن الموقف الروسي كثيرًا. و اصبح الموقفان يتبادلان الأدوار في إعطاء الضوء الأخضر للنظام في زيادة جرعة البطش اليومية تجاه الشعب السوري.

و من بعدها حطَّ الرئيس الروسي ضيفًا على إسرائيل لينقل لها رسائل التطمين من أنها ستكون بمنجاة من تداعيات تردي الأوضاع في سورية؛ فالأسلحة الاستراتيجية ستكون تحت السيطرة، ولاسيما البايولوجي و الكيماوي منها. و هو الأمر نفسهالذي جعل الرئيس الأمريكييضع دونه الخطوط الحمراء الغليظة.

هذا فيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي، و أمَّا فيما يتعلق بالمواقف الإيرانية تجاه ما يجري في سورية؛ فإنها هي الأخرى قد تعدت الأطر الدبلوماسية منذ وقت مبكر أيضًا، و أصبحت مكشوفة بشكل لافت للنظر، و تعددت أوجه الدعم الإيراني للنظام: عسكريًّا، و اقتصاديًّا، و ماليًّا، و أمنيًّا. لا بل وصلت بها الحال أن زجت بخبرائها، و رجالها في مناطق البؤر الملتهبة في عموم سورية. و حديث الخبراء الثمانية و الأربعين، الذين أُلقي القبض عليهم مازال حديث العهد.

 و قد طالعتنا صحف اليوم بتصريح عن إحدى قيادات الحرس الثوري؛ يقرَّ فيه بأن إيران قد أرسلت القناصة، و المسلحين إلى سورية. و هو أمر لا يضيف جديدًا إلى ذاكرة السوريين المشحونة بالكثير من الأدلة الملموسة حول ذلك.

الأمر الذي جعل المواطن السوري يشعر أنه ينازل ( الاستعمار الإيراني ) في هذه الأيام، في معركة التحريرالتي سيبني من خلالها ( جمهوريته الثانية ).

و اللافت للنظر في هذا أمر التدخل الإيراني السافر في الشأن السوري ما صرح به مؤخرًا علاء الدينبروجردي ( رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني ):إنَّ أمن سورية من أمن إيران. و هذا يعيد إلى الأذهان تصريح رامي مخلوف ( رجل مال العائلة ) من أن أمن إسرائيل من أمن سورية

 و عليه فإنَّ مسألة الأمن في هذه الكيانات الثلاث قد باتت متلازمة تلازمًا عضويًّا، لا انفصام فيه؛ فكلٌّ منها يضمن للكيان الآخر أن يدفع عنه مصيره المشؤوم وفق هذه المتلازمة الثلاثية التي يكون فيها نظام الأسد واسطة العقد؛ في إشارة واضحة إلى أهمية المكانة التي يشغلها هذا النظام ( المقاوم، و الممانع): ( أمن سورية من أمن إيران، و أمن إسرائيل من أمن سورية ).

و هذا يفسر سياسة التغاضي عن جرائمه، التي يحظى في شتى المحافل، و من الدول كافة؛ بغض النظر عن حجم التصريحات الكلامية التي تصدر بحقه من هنا، و هناك، و هي في مجمله لا تتعدى الإشارات التطمينية له، و هو يتعامل معها باحترافية مذهلة.

غير أن الذي فات هؤلاء جميعهم أن السوريين أصبحوا يتعاملون مع الأمور باعتبار أن نظام الأسد قد أصبح من الماضي، و هو في حكم الزائل، و هم يسعون إلى إسقاطه سياسيًّا، بعد أن أسقطوه من نفوسهم، و من حقهم على من يدَّعي صداقتهم أن يمكنوا من وسائل إسقاطه ميدانيًّا فيما تبقى له من المناطق التي يحتمي فيها. و هو أمر تقرّه الشرائع و النظم الدولية، و هم ليسوا بدعًا من الأمم حتى يحرموا من هذا الحق؛ فمن حقهم أن يدفعوا عن رقابهم حدّ السكين، و يقرروا ماهية النظام السياسي الذي يرضونه في سورية الشعب، لا سورية الأسد.

 

============================

الصفعة

رضا سالم الصامت

club_sfax@yahoo.fr

عاش فقرا مدقعا ، تتكون أسرته من تسعة أنفار ، مات والده و هو في سن الثالثة ربيعا ، فكانت والدته هي الأم و هي الأب ، كدت و عملت و كافحت من اجل تربية أبنائها و تعليمهم .

تلقى محمد تعليمه في مدرسة مكونة من غرفة واحدة في قرية سيدي صالح ، واضطر للعمل منذ العاشرة من عمره .

كان هادئ الطبع بشوشا ، يحب الخير للغير أمينا و صادقا ، شديد الحساسية يساعد الناس قدر المستطاع...يعرف باسم بسبوسة

 

يعرفه الداني و القاصي ، وكل الناس تحترم شخصه المتواضع و يحبونه كثيرا .

حلمه أن ينجح في دراسته و ينال شهادته العليا و يصبح محاميا ، ليدافع على المظلومين ،و المقهورين ، لكن " ليس كل ما يتمناه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن "

 

ذات يوم زاره أهالي القرية لتهنئة البوعزيزي بالعربة التي نالت إعجابهم و اقترح البعض تزيينها و تزويقها

و دهنها لتزداد بهاء و جمالا ... أما والدته فقد وزعت المشروبات على الحاضرين و قرر الجميع اقتناء حاجياتهم من عنده و اتفق الجميع أن يكون موقع العربة في وسط المدينة قرب السوق المركزية .

********

كان البوعزيزي سعيدا جدا بعربته التى تحمل علم تونس و مخطوط " يا فتاح يا رزاق " و قرر أن يخرج بها إلى السوق القريب لاقتناء خضرا و غلالا و يبيعها للعموم .

عم محمد الرجل المقعد المريض ، و الذي يعتبر في مقام والده المتوفي ، كان يراقب تحركات " البوعزيزي " من بعيد و هو فخور به .

- البوعزيزي : يا عمي ، الله يخليك لنا ، أتحتاجني في شيء ؟

أجاب العم محمد: لا ابني ، إني فقط أريد أن أعطيك آلة الوزن هذه - الميزان ..

فلا تستطيع أن تبيع و تشتري إلا بآلة وزن ... انت تعرف ان نظام حكمنا قاس و عليك ان تحترم كل قوانين البلاد و مع ذلك ربنا يستر!

فرح البوعزيزي بهذا " الميزان" و قرر أن يشتغل بناء على قوله تعالى : وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ...

وبدأ العمل و اكتسب تجربة على مدى السنين .

نجح في عمله و طوره و أصبح بائعا ممتازا بفضل أخلاقه العالية و كرمه و ثقته و حسن تصرفه ، كان محمد يعيل عائلته ويقبض أموالا أغلبها من بيع الخضار والفاكهة في شوارع قرية سيدي بوزيد ...

كان سعيدا بعمله الذي يسترزق منه ليعيل عائلته من عرق جبينه و بشرف .

و في ذات يوم ،و بينما هو منهمك في أداء عمله اعترضت دورية شرطة عربة الفاكهة التي كان يجرها محمد البوعزيزي في بعض الأزقة محاولا شق طريقه إلى سوق الفاكهة وحاولوا مصادرة بضاعته.

عم البوعزيزي هرع على كرسي متحرك لنجدة ابن أخيه وحاول إقناع عناصر الشرطة بأن يدعو " الولد و شأنه " يكمل طريقه إلى السوق طلبا للرزق. ثم ذهب العم إلى مأمور الشرطة وطلب مساعدته، واستجاب المأمور وطلب من الشرطية فادية حمدي التي استوقفت البوعزيزي برفقة شرطيين آخرين أن تدعه وشأنه.

الشرطية استجابت ، ولكنها استشاطت غضبا لاتصال عم البوعزيزي الرجل المريض المقعد بالمأمور.

********

بعد أيام ، عاودت الشرطية الذهاب إلى السوق مرة أخرى ، وبدأت في مصادرة بضاعة البوعزيزي و وضعت أول سلة فاكهة في سيارتها وعندما شرعت في حمل السلة الثانية اعترضها البوعزيزي، فدفعته وضربته بهراوتها. ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان البوعزيزي، وحاول مرة أخرى منعها، عندها كانت «الصفعة» التي أهانت البوعزيزي وأطاحت بنظام حكم بن علي الجائر

دفعته الشرطية فادية هي ورفيقاها فأوقعوه أرضًا ونكلوا به و ضربوه ثم أخذوا الميزان بالقوة ...

كان الشاب البوعزيزي يتمتم بكلمات غير مفهومة ، .بعد أن أحس بالقهر و الظلم وحاول جاهدا الدفاع عن نفسه حتى انهارت قواه، ولم يعد قادرا على الوقوف على قدميه.

انفجر يبكي من شدة الخجل و الظلم و القهر و أحس بالاهانة وبحسب الباعة وباقي الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية

قائلا: " لماذا تفعلين هذا بي؟

أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل عملا شريفا ، اكتسب به قوتي و قوت عائلتي ...

لماذا تهينني هكذا ...ماذا فعلت ؟ ...

و أمام هذا الظلم تمالك نفسه الى ان وصل الى مقر المحافظة ليروي للمسؤولين تفاصيل الحادثة ، تم طرده و ابتعاده عنهم بصورة تعسفية وحاول أن يلتقى البوعزيزي بأحد المسؤولين لكن دون جدوى.

********

ظل صامتا ولم يخبر أحدا لما حدث له ، فكر جيدا كيف ستكون ردة فعله فأخذ قلما و كتب وصية لوالدته و الدموع تنهمر من عينيه ، يبكي فيها حظَّه التعيس من هذا ‘الزمان الغدّار في بلاده غريب و كأنه يعيش في بلاد الناس’… رسالته الحارقة هذه والرافضة للذل والمهانة أكثر من رفضها للفقر والبطالة، وهي التي تلقاها نمرود قرطاج بالقول " فَلْيَمُتْ "، وفق ما ذكره في ما بعد أحد المقربين منه، هذه الرسالة انتقلت في الشارع التونسي مثل شحنة كهربائية صاعقة أتَتْ على اليابس من النظام القائم الحاكم ولم تأت على الأخضر من أحلام شعبه، هذا الشعب الذي كان لسنوات طويلة يتوق إلى الانعتاق من سلطة غريبة الأطوار إذ تجمع بين اللصوصية والقبضة الحديدية

من ‘حظ البوعزيزي أنه ترك وراءه عائلة تمكنت من أن ترى بدلا عنه ما لم ولن يراه بعد غيابه، ليس فقط وصول لهيب جسده إلى قرطاج، التي سبق أن أحرقها الرومان قديما، بل وأيضا إلى مفاصل النخب السياسية والثقافية الجامدة والمُجمَّدة بفعل سنوات الخوف والتخويف… هذه العائلة التي تتقدمها الأم الثكلى التي رددت مع ابنتيها في جنازة ابنها باللغة العامية التونسية التي يفهمها الشعب : يا ناري على وليدي* يا ناري على خويا *، رأت أيضا كيف انتقل لهيب نار البوعزيزي وكأنه شعلة أولمبية، من بلد عربي هو تونس إلى آخر، لتلتهم عشرة أجساد عربية أخرى حاول أصحابها إعادة إنتاج معجزة النار، أملا منهم في استنساخها عربيا

لم يكن البوعزيزي السباق في تاريخ الإنسانية، والانتحار بالنار احتجاجا ضد أمرٍ ما، هي ظاهرة عرفها التاريخ القديم والحديث. وكان آخرها على مدى قرن مضى، انتحار الموسيقي الأميركي ملاتشي ريتشر سنة 2006 في شيكاغو احتجاجا على غزو العراق. وقبله انتحار الراهب الفيتنامي ثيك كانغ دوك سنة 1963 عن عمر تجاوز السبعين سنة، احتجاجا على قمع البوذيين، مرورا في ما بعد بانتحار الأستاذ البولولني ريزارد سيوياك عام 1968 و التشيكي، الطالب في الفلسفة، جان بالاش والليتواني روماس كالانتا سنة 1972 وثلاثتهما انتحروا احتجاجا على الهيمنة السوفياتية. ثم ذاك الرجل الياباني تَكَاوِي هِيمُورِي عمره 54 عاماً الذي قرَّرَ أن يموت من أجل العرب، احتجاجا على جرائم إسرائيل وعلى حصار الرئيس عرفات، وذلك بإحراق نفسه في حديقة عامة في طوكيو سنة 2002 غير أن كلَّ حالات الانتحار حرْقا هذه، وأخرى غيرها لم تكن تُسفر عن ثورة كالتي حدثت في تونس وكان احتراق البوعزيزي ثورة رجال، فتيلَ لهيبها من صنع تونسي

********

سميت بثورة الياسمين. صحيح أن نزوع الغرب الحديث إلى إضفاء نوع من الشاعرية على أحداث جسيمة كالثورات، ليس جديدا. فقد سميت الثورة البرتغالية في السبعينات بثورة القرنفل، ومثيلتها في أوكرانيا بالثورة البرتقالية، واتخذ من الورد شعارا لصعود اليسار في فرنسا، وها هي فرنسا تطلق اسم ثورة الياسمين على تونس ويتلقفها بعض التوانسة الفرانكفونيين بلا تردد. صحيح أن الياسمين زهر رائج في ربوع تونس وخصوصا في مدن سواحلها. وهو تقريبا الزهر الوحيد الذي كان ولا زال رجال تونس، ومنهم شباب تونس، يهدونه إلى أمهاتهم وكم نام البوعزيزي و هو صغيرعلى رائحة الياسمين، و في حضن والدته التي بقيت إلى اليوم تشتاق الى رائحة فلذة كبدها و الى رائحة الياسمين الزكية … لكن وفي رأي أكثر التوانسة فإن نعومة هذه الزهرة وموسميتها الصيفية، وذبولها صباحا بعد يُنوعٍ قصير وارتباطها بالسّياحة والسُّياح، كل ذلك يتعارض مع ثورة تونس الحارقة والخارقة والجارفة… كان ممكنا استعارة الزيتون الذي يعد بالملايين في تونس، ومنه يستخلص زيت القناديل.. أو النخيل، وهو أيضا بالملايين، على اعتبار أن النخلة شجرة سامقة، مثل قامة الثائر والشهيد.. غير أن للقيروانيين رأيا آخر أكثر إفحاما: إنها ثورة الصَّبار. وهي نبتة معروفة بصبرها على العطش مع احتفاظها بنضارة خضراء دائمة وبشوكٍ لا يرحم قاطِفَها… وهي سمات تستقيها من مخزونها الشّمسي المُرَكّز. وها أنا أعود من جديد إلى عنصر النار التي منها بدأ كل شيء و أنهى كل شيء

********

وقف البوعزيزي أمام مبنى البلدية وسكب على نفسه مخفف الأصباغ وأضرم النار في جسده.

اشتعلت النيران، وأسرع الناس وأحضروا مطفايات الحريق ولكنها كانت فارغة.

اتصلوا بالشرطة، لكن لم يأت أحد. ولم تصل سيارة الإسعاف إلا بعد ساعة ونصف من إشعال البوعزيزي النار في نفسه.

كان المسكين يصيح و يتلوي يمنة و يسرة و النار تأكل جسده النحيف ، و لا احد يستطيع إنقاذه ...

كان منظرا مخيفا ، رهيبا و مرعبا .

 

أدى حادث " البوعزيزي " إلى احتجاجات من قِبل أهالي بلدته في اليوم التالي، حيث قامت مواجهات بين مئات من الشبان في منطقة سيدي بوزيد وقوات الأمن. المظاهرة كانت للتضامن معه والاحتجاج على ارتفاع نسبة البطالة، والتهميش والإقصاء في هذه الولاية الداخلية. سرعان ما تطورت الأحداث إلى اشتباكات عنيفة و انتفاضة شعبية شملت معظم مناطق تونس احتجاجاً على ما اعتبروه أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. خرج السكان في مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة في الفرص والتنمية .

********

كانت سيارتنا تتجه بحذر نحو مدينة سيدي بوزيد معقل ثورة الياسمين و الرجال ، كان السائق يتمهل أحيانا لتفادي الحفر المنتشرة هنا و هناك على الطريق ، رغم الأجواء المتوترة والتحليق المتواصل للطائرات العمودية في الأجواء التونسية ، و انتشار رجال الجيش التونسي في كل الأماكن ، و الوضع خطير جدا على اثر سقوط نظام الدكتاتور بن علي فكانت سيارتنا محل تفتيش في كل محطة عبور

وقف الجندي وسط الطريق و أشار لنا بيده بالتوقف

توقفنا و أسكتنا محرك العربة ، ثم تقدم نحونا و حيانا وقال مبتسما " تريدون زيارة منزل البوعزيزي ؟

- قلنا : نعم نريد تصوير العربة التي كان يستعملها في بيع الخضار و الفاكهة .

ابتسم الجندي ثم أخذ يفتش السيارة في كل مكان

قال له السائق :

- يا أخي نحن صحفيون ، ربنا يكون في عونكم

رد عليه قائلا : نحن مع أبناء شعبنا .

أجاب السائق :

- الجيش في خدمة الشعب.

- و هو كذلك .

التفتت نحوه لجره إلى الحديث ، فقلت له : هل أنت متزوج ؟

قال بعد تفكير و هو ينظر الي محدقا : نعم و زوجتي حامل في شهرها التاسع و قريبا ستضع مولودا ؟

قلت له : أكيد انك ستسميه بوعزيزي !

ظل صامتا وراح يتمتم في سره :

- ماذا ؟، سأطلق على المولود اسم البوعزيزي .

- و لكن هل يوافق أهل زوجتي على اسم كهذا ؟

- ابتسم ثم التفت إلي و قال : سأسميه تونس

- تونس ، و قد ولدت من جديد

و سمح لنا بالعبور ....

********

وصلنا البلدة فوجدنا هناك أناس طيبون ، بأيديهم لافتات مكتوب عليها ارحل و أعلام تونس ترفرف عاليا ، فرحوا بنا و أدخلونا بيوتهم و أكرمونا فكنا سعداء بالحديث معهم

دخلنا باب منزل متواضع جدا ، و رأينا في فناء المنزل عربة البوعزيزي مغطاة بلحاف أسود كدلالة عن الحزن ، و توجهنا نحو بيته فوجدنا على سريره الخاص صورته ، تقدم من عائلته أحدهم و قال لنا : " البقية بحياتك " لم نجبه ، و بقينا صامتين ، و على كرسي جلست مذهولا أقرأ سورة الفاتحة ترحما على روحه ، سألت أمه : " كيف انتحر و ما السبب ؟

فأجابتني و الحسرة تملأ عينيها : بسبوسة " لم ينتحر ، كان يريد إبلاغ صوته للمسؤولين فاستخدم البنزين و سكبه على جسده النحيل و أضرم فيه النار

- ألم ينتبه إليه أحد ؟

- وقعت هذه الحادثة أمام مرأى و مسمع الجميع من بوليس بن علي

- أين عمه ؟

- منهار تماما و هو في المستشفى .

- و هل أصابته صدمه ؟

- كلنا أصبنا بصدمة ، بل الشعب التونسي كله صدم

التفت إلى مرافقي فسمعته يقول : " تبا لحاكم ظالم مستبد مثل بن علي !

لقد أضر البلاد و العباد لا بد من محاكمته ؟

- نعم فالشعب يريد المخلوع !

يريد محاكمة من نهب أموال الشعب و عاث فسادا في البلاد !

********

نظرت في وجه والدة البوعزيزي الشاحب و قلت لها : أرجوك كفي عن البكاء ، لقد مات البوعزيزي و انتهى ، و لكن تأكدي انه لم يمت لأنه وهب حياته لميلاد تونس الجديدة ، تونس الديمقراطية ، تونس الكرامة

و فجأة أطلقت زغرودة : ري ري ري ثم قالت مفتخرة :

إن ابني استشهد من اجل تونس التي تنتهج مسارا جديدا نحو الديمقراطية ، و ثلة من شباب تونس استشهدوا ابان ثورة الكرامة - ابني أوصل رسالة الى الشعوب المقهورة و المضطهدة

الرئيس المخلوع، بن علي، لا سامحه الله ، ظل يحكم تونس طوال 23 عاماً، وكان ينظر إليها بوصفها دولة بوليسية راسخة. بعد أن غدر بالزعيم الروحي الحبيب بورقيبة و استلم في السابع من نوفمبر 1987 مقاليد الحكم بدعوى ان بورقيبة مريض و لم يعد قادرا على تحمل أعباء الدولة ...

كان يضحك علينا و يستفزنا و لكنه فهمنا و نحن ايضا فهمناه !!!!!

ولكن في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2010، أشعل ابني امحمد (26 عاماً) النار في نفسه احتجاجاً على قيام الشرطة بمصادرة عربة الفاكهة التي كان يبيع بواسطتها في الشارع للحصول على لقمة عيشه، وأيقظ هذا التصرف الرمزي غضباً مكبوتاً لدى سكان البلاد، من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها فيما بات يعرف لاحقاً بين التونسيين ب" ثورة الياسمين "

بن علي قام بزيارة البوعزيزي في المستشفى، وعاش خريج الكلية لمدة ثلاثة أسابيع قبل أن يقضي متأثراً بالحروق التي أصيب بها، وذلك في الرابع من يناير/ كانون الثاني، غير أن هذه الزيارة لم تتمكن من تهدئة الغضب العارم في البلاد بعد عقود من الفساد وتدني مستويات المعيشة والقمع.

وبعد أسابيع من الاحتجاجات، التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 300 شخص، فرّ حاكم تونس المخلوع بن علي من البلاد في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2011. متجها الى السعودية ...

غادرنا و لسان حالهم يقول " البوعزيزي كجسد مات و كروح لم يمت "

حين ثار الشعب التونسيّ على الدكتاتور بن علي كان اسم محمّد البوعزيزي مرادفا للشرارة التي أشعلت نار الغضب، و عندما انتشر الحريق ليطال الوطن العربيّ الكبير اتسعت دلالة الاسم ليتجاوز المدلول البسيط من بائع متجوّل يدفع عربته أمامه و يتحدّى أعوان التراتيب البلديّة إلى ثائر جوّال عابر للبلدان يدفع العرب ليتحدّوا جبروت الحكّام و يطالبوا بإسقاط أنظمة الفساد و القمع...

إنها الصفعة المؤلمة التي كانت كافية لاهانة البوعزيزي و كافية لنهاية مأساوية لشاب ما يزال في مقتبل العمر أشعل النار في جسده فكانت نهاية حكم بن علي الجائر.

=================

سلطة العار ونظام بشّار

د. إبراهيم حمّامي

DrHamami@Hotmail.com

Twitter: @drhamami

تحدثوا كثيراً، زاودوا بشدة، انتقدوا وهاجموا وصرّحوا واسترجعوا كل مفردات القواميس تحت شعار "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" للدول العربية.

لكن ما أن لمحوا وليد المعلم في طهران، حتى تسابقوا ووقفوا طابوراً واحداً لتقبيله ومعانقته بحرارة، لتنكشف مواقفهم المعروفة أصلاً بأنهم ضد الثورات العربية وضد الشعوب، هذا هو حال سلطة رام الله، والصورة بألف كلمة.

والتم المنحوس على خايب الرجا(مركز الشرق)

 

لا غرابة ولا عجب فمن يحتضن المحتل ويعتبره شريكاً، ومن ينسق معه لإعادة "المستوطنين" سالمين وفي المقابل يعتقل شرفاء شعبنا ويزج بهم في معتقلاته، ومن يعتبر أن شعبه سخيف ومقاومته حقيرة وكرتونية وعبثية، وفي المقابل يقول بالفم الملآن بلا خجل أن "اسرائيل وجدت لتبقى" – وهذه لنا وقفة أخرى معها، من يقوم بكل ذلك لا نستغرب أن يقف في صف النظام السوري المجرم ضد شعب بطل يطالب بحريته.

من يتفهم موقف النظام السوري المجرم أكثر من سلطة عبّاس القمعية، من يتفهم قمع المظاهرات واعتقال الشرفاء أكثر منهم وهم يفعلون ذلك صباح مساء، من سيعرف معنى أن يكون غير شرعي ويتغنى بالشرعية المزعومة؟ ما أشبه سلطة العار بنظام بشار!

جعلوا غزة وقيادتها "شيعة" و"متشيعون"، قالوا أنهم مرتمون في أحضان طهران وتابعون لإيران، ارجعوا كل موبقاتهم لأوامر نجاد وخامنئي التي تُفشل المصالحة، ثارت ثائرتهم عن كل زيارة ولقاء مع "إيرانيين"، بل وصل بهم الحال للقول أن الحرس الثوري الايراني متواجد في قطاع غزة، فعلوا ذلك وأكثر.

أما اليوم وبمجرد أن وُجهت الدعوة لإسماعيل هنية للمشاركة في قمة عدم الانحياز، أصبحت إيران لدى السلطة وبقدرة قادر شقيقة وداعمة و"سمن على عسل"، انتفضت السلطة واستنفرت مع "جمهورية إيران الاسلامية" لمنع هنية من الحضور، بحجة الشرعية المزعومة، متمنين على إيران "الشقيقة" الوقوف مع "الشرعية" و"الحق" كما "فعلت دائماً" – تصوروا!.

أما إعلامهم ف"طنطن" للزيارة الأولى من نوعها "للسيد الرئيس" منذ "انتخابه" ل"جمهورية إيران الاسلامية"، وبأن "فخامته" سيعقد إجتماعاً مغلقاً هو الأول من نوعه مع الرئيس الايراني نجاد، وبأن وفد السلطة سيكون على مستوى عال ورفيع، ثم انطلقوا ليتحدثوا أن إيران "صفعت" حماس وسحبت دعوتها لهنية، وزادوا أنه لم توجه له دعوة أصلاً، مرجعين ذلك ل"معاقبة" إيران لحركة حماس لموقفها من الثورة السورية – في هذه فقط صدقوا وهو ما أكده موسى أبو مرزوق.

المبرر الأخير هو وسام فخر لكل من يقف مع الثورة السورية أفراداً وحركات، ونأي حماس بنفسها عن أنظمة الإجرام لا يدينها، لكنه يدين من تراكض لاسترضاء إيران بعد أن انكشفت مواقفها المعادية للشعوب، ومن اصطف ليعانق وزير خارجية نظام مجرم وبضحكات تملأ "أفواههم".

لا مباديء ولا أخلاق، كلام الليل يمحوه النهار، وسلطة العار تفضل نظام بشار على النظام المصري الجديد برئاسة محمد مرسي، وتفضل خامنئي على الغنوشي، وغير الشرعي على الشرعي، هم هكذا وهذا دورهم ومكانهم، وما يجمع عبّاس وبشار ونجاد أنهم جميعاً مغتصبون للسلطة باسم الشرعية، وبأنهم قامعون لشعوبهم باسم القانون، فكان الاصطفاف بين المجرم وأخيه، وبين السفاح وشريكه.

ملاحظة أخيرة: يُساوي بعض الغوغاء بين مصافحة محمد مرسي ونجاد وبين اصطفاف رموز السلطة لمعانقة وليد المعلم، ونقول أن محمد مرسي كان يصافح بصفته الرسمية أي استلام وتسليم لرئاسة القمة، ومع ذلك فقد وجه لطمة قوية جداً لنجاد وغيره في كلمته سواء بالترضي على الصحابة رضي الله عنهم أو الوقوف المطلق مع الثورة السورية، أما رموز سلطة العار فلم يكن هناك اضطرار في اصطفافهم لمعانقة وزير في نظام مجرم إلا مواقفهم المعروفة.

قلنا أن الثورة السورية العظيمة هي الثورة الكاشفة، هي الثورة الفاضحة، حتى للمفضوحين أصلاً في رام الله وغيرها، واليوم تتضح الصورة أكثر: من يقف مع نظام الاجرام ومن يقف مع ثوار سوريا، ومن يتعب نفسه في البحث عن صورة هنا أو هناك لشخص آخر يبرر فعلتهم في طهران للمساواة بين الحدثين مسكين وواهم، لأن مواقف ما قبل الثورة السورية تختلف عن المواقف بعدها.

لا نامت أعين الجبناء.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ