ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 28/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

تأملات في تفجير خلية الأزمة وعملية تحرير حلب

بقلم الباحث: صلاح الدين الزبير

من طبيعة الثورات التي تسقط الأنظمة المتجذرة في شعوبها بقوة الرعب والدم، أن لها لحظات عصيبة يختلط فيها الحابل بالنابل، تكون في الغالب لحظات الحسم لصالح الطرف الثائر مادام متشبثا بمصداقية مبادئه وأحقيته ومشروعيته على الأرض، أمام نظام متجبر يفقد في كل لحظة موقعا وهيبة ومكانة لا تعمل إلا على طرق المسامير الأخيرة في نعشه.

النظام السوري انهار تماما، ولا يزال يكابر عن سقطته الأخيرة بدعم روسي إيراني صيني مفضوح فوق الطاولة، وأخر أمريكي إسرائيلي عربي من تحت نفس الطاولة.

كيف ذلك؟

إسرائيل يشكل بالنسبة لها النظام الأسدي درعا واقيا في جبهة الجولان ومجمدا على درجة عالية من البرودة لحركات المقاومة الفلسطينية، وفي نفس الوقت اتخاذهم ألية للضغط في محاورة الكيان الصهيوني.

أما الولايات المتحدة فلا تحيد عن مصلحة الكيان الصهيوني حيث كانت، ولا ننسى الدور الذي لعبه النظام الأسدي في غزو العراق لصالح المعسكر الأمبريالي من خلال عمليات التفجير الدموية وزعزعة الاستقرار بالمنطقة من خلال الترويج للبعبع المسمى بالقاعدة.... ناهيك عن أدوار أخرى تخضع للمد والجزر.

النظامين الروسي والصيني يذودان عن النظام الأسدي لمصلحة تخضع لحسابات الجغرافيا السياسية والسيطرة على مربع مهم من خارطة الشرق الأوسط، أما النظام الإيراني فتجمعه مع سوريا أواصر الطائفية الصفوية المقيتة من جهة، وأواصر الحقد على السنة من جهة أخرى..

أما الدول العربية فلا تعدو أن تكون إلا منفذة لأجندات المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، ولا يحق لها تحريك الساكن إزاء ما يحدث ما لم تأخذ الضوء الأخضر من البيت الأبيض.

المهم من هذا، هو أن الزيارات المكوكية بين الشرق والغرب والسجال بين موسكو وواشنطن وبكين وطهران حول الموقف من العمليات في سوريا لا يعدو أن يكون إلا مسرحية متقنة بعناية فائقة، الغرض منها تسكين الضمير الإنساني، ومحاولة التفاعل مع الإجرام الأسدي بما لا يقتل معه الإنسانية العالمية، ويسقط أركان المنتظم الدولي. بمعنى أخر؛ الحيلولة دون تفجر الوضع بما لا يفتح معه أبواب الجهاد في العالم الإسلامي كما حدث في غزو الروس لأفغانستان.

ولعلي متأكد أن الشعب السوري بكافة ألوانه وأطيافه وطوائفه لم تعد تهمه أوهام الدعم العربي ولا مرادفات التنديد الغربي، ولا حتى سراب العقوبات الاقتصادية على النظام الأسدي بالصورة التي عليها الآن، والتي تدع للنظام الأسدي متنفسا حرا ليقتني أثاثه من أرقى البوتيكات في لندن وباريس.

أمام هذا الوضع المنفصل عن حقيقة ما يدور على الأرض، وفي سياق تطور متدرج لعمليات الجيش الحر على مجموع التراب السوري، شمل انشقاقات متنوعة الطوائف والرتب، وبات بيت الأسد الخرب متداعيا جراء اتساع الهزائم الميدانية ومقابر كبرى للدبابات في إدلب ودير الزور حمص والرستن من جهة، وأراء المعسكر الغربي والشرقي لانسحاب الأسد وفق أي صورة يرتضيها تحمي دم وجهه العفن، وذلك في إطار مساعي كوفي عنان ورحلاته المكوكية بين دمشق وطهران وموسكو والبيت الأبيض للبحث عن صيغة للمرحلة الانتقالية.

في هذا السياق، جاء انسحاب وليس انشقاق الابن البار للنظام الأسدي العميد مناف طلاس ضد مجرى اللعب على أرضية المعركة، وقدمه الإعلام الغربي على أساس أنه رجل المرحلة الانتقالية بداعي سلامة يده من الدم، وأصله السني كذلك. والأهم من هذا، هو أنه رجل الثقة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة من جهة، كما سيحافظ للروس والصينيين عن مصالحهم وفق المحافظة على خط الاتصال مع طهران.

لهذا لم يعلن مناف طلاس عن انشقاقه بعد الانسحاب كورقة يلعب بها في الحالتين، إذا نجحت فكرة المرحلة الانتقالية فسيكون رجل المرحلة وفق ما روج له ميشيل كيلو ورحبت به الأطراف الدولية للصراع ضد الشعب السوري. أما الحالة الثانية، فهي فشل خيار المرحلة الانتقالية والذي سيدفعه لإعلان الانشقاق عن النظام الأسدي وفق متطلبات الخطة 2.

لكن ما علاقة ذلك بتفجيرات مقر خلية الأزمة بدمشق؟

حقيقة هذه التفجيرات لا تخرج عن سيناريو واحد، هو أن النظام الأسدي هو صاحبها، لثلاث أهداف واضحة، وهي:

1. قطع الطريق على محاولات أصف شوكت التي نسق فيها مع كوفي عنان وفق مشورة طهران وموسكو والبيت الأبيض لإعداد مرحلة انتقالية تكون عائلتي الأسد ومخلوف خارج أسوارها، وهذا ما لم يستسغه الأسد فحرق الأرض ومن عليها بما فيها عمر سليمان رئيس الاستخبارات المصري السابق وبن عويز شامير قائد جهاز المعلومات الخارجية في الشاباك إضافة لنائب رئيس الاستخبارات التركي الذين كانوا يعدون لمرحلة ما بعد الأسد وهم رجال التجربة والخبرة الذين لم يذكر حول مقتلهم في يوم واحد خبر يقين. غير أن موعد اللقاء الذي أخر لقاء مجلس الأمن وتباين تصريحات الجيش الحر في تبني الحادث الذي لم يأتي في أي سياق عسكري يكون أساسه ساعة الصفر، كما أن التأخر في الإعلان يطرح أكثر من علامة استفهام، يضاف لها شهادة السكان المجاورين للمنطقة حول سيارات الإسعاف التي سبقت الحادث وأنهم لم يسمعوا بالانفجار إلى ما هنالك من ملابسات...

2. تجديد البنية العقائدية للحرب ضد الشعب السوري عبر استهداف ثلاث رموز بين سنة {الشعار} وشيعة {بختيار} ومسيحيين {راجحة} وشوكت {العلويين}، واستجماع شتات جيشه المتبقي على نيران الطائفية.

3. إظهار قوة الضبط واختراق المعلومة التي تحاول الإطاحة بالأسد يظهر لباقي الألوية والكتائب من الجيش الأسدي مدى قوة النظام وتحكمه في زمام الأمور.

ما يضاف للأسباب التي تقدمت، هو محاولة استدراج الجيش الحر لمعركة دمشق من خلال تفجيرات خلية الأزمة، وتمويه المقاومة بانهيار الأسد لارباك ساعة الصفر التي لا يزال النظام يجهل طبيعتها وهويتها وتاريخها، وزحف الكتائب المقاتلة لمعركة لم يتم الإعداد لها، وخوض سيناريو معركة أُحُد التاريخية، ليتم الانقضاض على الجيش الحر في كافة محاور الجبهات، وهذا ما لم يحدث ولله الحمد إلا في نطاق ضيق من معارك دمشق.

لكن النظام الأسدي فشل في محاولة استدراج الجيش الحر لمعركة دمشق، وإن كان هذا الأخير كسب نقاط مهمة من خلال ارتقاء مؤشرات الانشقاق لتشمل السلك الدبلوماسي وألوية وعمداء ومجموعات بكامل عتادها وصلت لاكتساب عدد مهم من المرحيات التي غيرت في مناطق عدة أرقام المعادلة لصالح المقاومة، ناهيك عن السيطرة على عدة معابر حدودية.

الجيش الحر كان ذكيا عندما لم ينجر وراء تداعيات التفجير، وإن عمل على استغلاله من خلال تبنيه ليحسب له مادام النظام تبرأ منه، إضافة لدعوات الانشقاق والسيطرة على عدة مناطق في إدلب وجبل الزاوية ودير الزور والمناطق المتاخمة لتركيا والعراق. لكن مناط الذكاء والنباهة الميدانية هي إعلان مخطط تحرير حلب الذي قطع أشواطا مهمة، دفعت بالنظام الأسدي إلى حشد ما تبقى من كتائبه لحلب، حتى تلك المرابطة على تخوم الجولان المحتل دفاعا على الكيان الصهيوني.

لكن في اعتقادي أن معركة حلب هي كلمة السر لساعة الصفر، فتحريرها سيشكل نقطة فارقة في تاريخ الثورة السورية، شرط أن يتم التحرير في الأيام القليلة المقبلة، لأن أي تأخير سيكون وبالا على أهل حلب من خلال زحف بري "كاميكازي" يحرق الأخضر واليابس، مادام النظام الأسدي لم يستجمع قواه من ضربته الداخلية التي قطعت رجليه وأقعدته، كما أن الحسم في حلب سيشرع الباب للعملية الكبرى لتحرير دمشق التي سينتهج فيها سيناريو غير مسبوق من عمر الثورة السورية المباركة.

المعركة الكبرى الأكيد أنها ستأخذ عدة جبهات، أولها التسلل للساحل السوري وخصوصا طرطوس واللاذقية وتنفيذ عمليات استخبراتية على مستوى عال من الدقة تكسر الحائط الخلفي للنظام الأسدي حتى لا يهرب من الباب الوراني، ثم تحريك لواء حوران والكتائب المرافقة له من الجيش الحر في دمشق لحسم الأمور بالعاصمة من خلال السيطرة على مباني الإذاعة والفضائيات والمباني الحكومية والمركبات السجنية ومباني أجهزة الأمن، ثم يتبعها تحرير الأحياء الراقية التي تضم نخبة الأسد، وفي نفس السياق إغلاق الحدود اللبنانية قطعا للمدد المرتقب ومنعا لتسلل عناصر حزب اللات الذي أعلن إمكانية تجنيد عناصره للدفاع عن النظام الأسدي، إضافة لإغلاق الحدود العراقية منعا لتسلل عناصر المهدي والحرس الثوري الإيراني وما تبقى من فيلق بدر.

وتبقى نقطة الضعف التي يجب على الجيش الحر ألا ينساها هي تحرير درعا لما تحوزه من مكانة استراتيجية ضاغطة على الكيان الصهيوني.

أما نقطة القوة الوحيدة التي يجب أن يستثمرها الجيش الحر، فهي سرعة الحسم واستغلال الارتباك والمعنويات المنهارة للنظام الأسدي، كما يجب إقحام كافة الضباط المنشقين الذي أووا لتركيا في معركة التحرير.

رهان القوة في يد الجيش الحر، مادام بعيدا عن التسويات السياسية التي تحاول أن تفقد الثورة السورية عذريتها، وتدخلها لمناط التجربة الضبابية وعديمة الأفق على غرار النموذج اليمني.

========================

الثورة السورية ومسارات التدويل -8 .. هوية الثورة وخياراتها

د. أكرم حجازي

 لعل أطرف ما في واقعة « خلية الأزمة» أن النظام هو الذي أعلن عنها قبل أن تسارع قوى عديدة في الثورة إلى تبنيها!!! ولما نقول واقعة فإننا لا نستثني منها الوفاة الغامضة لرأس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان وكذا مدير وحدة المعلومات في جهاز « الشين بيت » « الإسرائيلي». وإذا تتبعنا ردود الفعل السورية والدولية فلن نقع على أية خيوط يمكن ملاحقتها للوقوف على حقيقة الواقعة المثيرة بكل ما في الكلمة من معنى. لكننا سنقع على تصريحات من بان كيمون ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وهي تصف الواقعة ب « الإرهاب» تماما مثلما وصفها فلاديمير بوتين وإيران!!! كل هذا المكر والغموض والتناقضات أفسح المجال لكثير من التكهنات لكن دون جدوى.

 

 واقع الأمر؛ لو أن نظاما آخر خسر هذا الكم والنوع كالذي خسره النظام لما استطاع الصمود دقيقة واحدة!!! لكن النتيجة مع النظام السوري كانت معاكسة تماما وهو يحصل على حماية دولية فورية عبر الفيتو الروسي - الصيني المزدوج، والثالث في مجلس الأمن!!! والسؤال: إذا كانت الثورة السورية شأنا محليا؛ فلماذا يحظى النظام بكل هذه الحماية الدولية؟

 

« العائلة الأسدية» والنظام

 

 ثمة قناعة لدى بعض السوريين ترى بأن المشكلة واقعة فيما يسمونه بهيمنة « العائلة الأسدية» على الحكم والطائفة. فإذا ما تخلص الشعب السوري من هذه العائلة سيكون سهلا عليه التخلص من النظام. لكن واقع الأمر أن النظام في سوريا ليس نظاما عائليا يماثل النظام الليبي أو اليمني، ولا نظاما مافياويا كما كان الحال في تونس أو مصر .. بل هو نظام طائفي بامتياز، أسسته فرنسا منذ اللحظة الأولى للانتداب سنة 1920. وفي تلك اللحظة من الزمن لم تكن « العائلة الأسدية» واردة في الحسبان بقدر ما كانت المسألة تتعلق بتأمين طائفة على البلاد لحماية النظام الدولي الجديد الذي بني على أشلاء العالم الإسلامي. وعليه فإذا كانت الطائفة امتيازا استعماريا فإن « العائلة الأسدية» لم تكن إلا امتيازا في إطار الطائفة وليس خارجها. فما الذي يعنيه هذا التوصيف بالنسبة لهوية الثورة؟

 

 يعني أن « العائلة الأسدية» لا يمكن أن تكون امتيازا دوليا في مثل هذه اللحظات العاصفة والخطرة بقدر ما تحظى به الطائفة العلوية، وبالتالي فمن الممكن إزاحة « العائلة » مع الاحتفاظ بالطائفة بوصفها الثابت الاستراتيجي الوحيد الذي يمكن ائتمانه، حتى اللحظة، على سلامة النظام الدولي الإقليمي وأمنه واستقراره.

 

 ضمن هذا التوصيف يمكن استحضار كافة التصريحات الدولية والمحلية والإقليمية التي استعملت تعبير « الحرب الأهلية» وهي تحذر من وقوعها وتمددها في المنطقة. كما يمكن استحضار تصريحات بشار الأسد، بداية الثورة، وهو يهدد « المركز» ب « إشعال الشرق الأوسط في ست ساعات»!!! تهديد أقرب إلى العتاب الشديد من أي أمر آخر. إذ أن « المركز» هو الذي أطلق يد الطائفة، طوال عقود، ضد السنة في المنطقة، وخاصة ضد المجتمع السوري. وهو الذي صمت، إن لم يكن شجع، على أبشع مذابح النظام الطائفي في سوريا ولبنان. كما صمت على فرض النظام علاقة طائفية دموية وأمنية مرعبة، طالت الدولة ومكوناتها، والمجتمع بمدنه وقراه وأحيائه، والمؤسسات المدنية والإثنيات التي تشكل قوام المجتمع السوري بما يزيد عن 25 إثنية، وكافة الطبقات والشرائح والفئات العمرية، إلى الحد الذي لم يفلت من بطش هذه العلاقة المتوحشة طفل أو شيخ أو امرأة أو شاب أو معارض أو سياسي أو ناشط أو مثقف ..

 

 لا ريب أن « العائلة الأسدية» تستند إلى الطائفة التي تحظى بحماية دولية وإقليمية خاصة من إيران ذات المشروع الصفوي الذي يستعمل الطائفة جسرا للعبور إلى المنطقة. ولا ريب أيضا أن الطائفة تعلم جيدا أنها أوقعت في المجتمع السوري، لاسيما أهل السنة منه، من الأذى ما لا يمكن التسامح معه بقدر ما يبدو اليوم مبررا يسمح بالانتقام منها .. انتقام أصلته وقائع السياسة الدموية المتوحشة التي انتهجها النظام ضد الثورة. وبالتالي فقد صار حال الطائفة كمن يسائل « المركز»: ما هو مصيرنا بعد كل الدم الذي سفكناه، والأعراض التي انتهكناها، والأجساد التي مزقناها، والوحشية التي تغنينا بها؟

 

 ما هو المصير؟ ليس سؤالا طائفيا محليا فحسب، بل هو في الأساس سؤال دولي!!! وتبعا لذلك فالثورة السورية، شاء السوريون أم أبوا، ليست شأنا محليا أبدا رغم أنها تبدو كذلك بالمقارنة مع الثورات الأخرى. والأطروحة التي تحاول، عبثا، التأكيد على محلية الثورة والنأي بنفسها عن أية صدامات دولية، لم تقرأ الثورة جيدا أو أنها تتهرب من لحظة الحقيقة.

 

النظام برؤية دولية

في الجوهر لا وجود لفرق يذكر بين جناحي « المركز»، الشرقي والغربي، فيما يتعلق بالثورة السورية إلا في إدارتها والبحث عن أفضل السبل في وقف تهديدها للنظام الدولي. ففي حين يبدو الغرب شديد التخوف من أن تفلت الثورة من طوق السيطرة والتحكم يبدو الروس ومعهم الصينيون أكثر ثقة فيما يفعلون، وأحوج إلى احترام الغرب لدورهم ول « ذكائهم» وقدراتهم في التحكم والسيطرة، خاصة أن روسيا هي من تولى الملف السوري تاريخيا بعد حرب العام 1956، فضلا عن صراع النفوذ بين القوى الكبرى.

 

 التصريحات الدالة على كون الثورة السورية شأن دولي رافقت الثورة منذ لحظاتها الأولى. بل أن بعض التصريحات المجردة من الأغطية الدبلوماسية كتعبير « الحرب الأهلية» صارت صريحة بصراحة قائليها. ويكفي التذكير ببعضها.

 

 فحين صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لإذاعة « كومرسانت إف إم – 21/3/2012» قائلا: « إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي في سوريا، ولا تراودني أي شكوك بهذا الصدد»، إنما كان في واقع الأمر يخاطب زملاءه في « المركز» لاسيما أمريكا وبريطانيا وفرنسا وليس العرب أو السوريين كما توهم البعض وهو يرد على لافروف ببلاهة عجيبة متهما إياها ب « الطائفي»!!!! وكأن هذا ما ينقص لافروف. فالثلاثي الملطخة أيديه بالدماء في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين والجزائر ولبنان .. والذي اعترض الثورات العربية بوحشية .. استغلها بمكر شديد وهو يحاول على حساب الروس تحسين صورته الدموية عبر التباكي على الحرية وحقوق الإنسان والمذابح المروعة، فما كان من لافروف إلا وفضح الموقف الغربي ولسان حاله يقول: « أتريدون حكما سنيا في سوريا»؟

 

 هذا التصريح الذي ألجم انتهازية الغرب أدلى به لافروف ليذكّر الغرب بأن الاتحاد السوفياتي البائد، وقلبه روسيا، هو الذي تَسلَّم من الفرنسيين حماية الطائفة في سوريا بعد حرب السويس سنة 1956 وإيصالها إلى منصة الحكم، وهو الذي حافظ على أمن النظام الدولي الإقليمي بعد تبنيه حركات التحرر في العالم، وهو الذي حال دون إحداث أي فارق في الصراع مع « إسرائيل»، وهو الذي سحب مستشاريه من مصر وأبقى عليهم في سوريا عشية حرب تشرين أول / أكتوبر 1973!!!

 

 في مقالة له نشرتها صحيفة الواشنطن بوست 19/7/2012 بعنوان: « دعوة واشنطن للتخطيط لما بعد الأسد» كتب ديفيد إغناتيوس يقول: « إن واشنطن لا تزال ترغب في مساعدة موسكو في إدارة انتقال سوريا»، وإن الرئيس باراك أوباما يسعى ل « انتقال للسلطة مسيطر عليه»، عبر (1) « الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بأسرع وقت ممكن»، و (2) « إنجاز ذلك بدون تبخر سلطة الدولة». لذا فإن: « المسؤولين الأميركيين يحذرون من أنه كلما أصبح الوضع أكثر عنفا فإن الباب لتعاون دولي فعال ربما يتم إغلاقه»

 

 إذن الروس أمناء على أمن النظام الدولي وشركاء في حمايته وخبراء في التعامل معه وليسوا هواة أو انتهازيون أو بلهاء أو طائفيون كما يحلو للبعض أن يثرثر!!! ورغم ما بدا مراوغات سياسية وإعلامية، فيما يتعلق بمصير الأسد، إلا أن الروس، كما الغرب، أعلنوا أكثر من مرة أنهم لا يأبهون لبقاء الأسد من عدمه في السلطة. وصاروا، ولمَّا يزالوا، أشد وضوحا من الغرب فيما يتعلق بمصير النظام الدولي وليس بمصير الأسد. فبعد تصريح لافروف قال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية، الكسندر لوكاشيفيتش، في مؤتمر صحفي عقده بموسكو 21/6/2012: « من الواضح تماما أن الوضع السوري مرتبط بأسس النظام العالمي المستقبلي، وكيفية تسوية الوضع ستحدد إلى حد كبير كيف سيكون هيكل نظام الأمن الدولي الجديد والوضع في العالم عموما». وردا على التصريحات الغربية التي أعقبت بيان مؤتمر جنيف في 30/6/2012، واتهام روسيا بالتمسك بالأسد قال ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في باريس(20/7/2012)،: } إن ما تدافع عنه روسيا ليس نظام بشار الأسد، « لكنه النظام الدولي»{. فهل تصمد الثرثرة والأيديولوجيات أمام هكذا توصيفات؟ عجبا!!!!

 

 من باب التذكير نشير إلى اللحظات الأخيرة قبل التصويت على مشروع القرار الذي اصطدم بالفيتو الروسي – الصيني (24/2/2012). فقد تناقلت وسائل إعلام عديدة التحذير القطري للمندوب الروسي فيتالي تشوركين من مغبة استعمال الفيتو، فما كان من هذا الأخير إلا التهديد بمحو قطر عن الخريطة مذكرا وزير الخارجية القطري بأنه هنا ( في مجلس الأمن) مجرد ضيف. وذات الأمر تكرر في مؤتمر جنيف ( 30/6/2012)، وهو ما أشارت إليه الصحفية راغدة ضرغام (6/7/2012) نقلا عن أحد المصادر التي حضرت المؤتمر قوله:} إن الروس بالذات استاؤوا جداً من تركيا وقطر على أساس أنه » لا يحق« لهما التدخل في نص لمشروع قرار يخص مجلس الأمن وأن عليهما ألا يتصرفا وكأنهما عضوان في المجلس{. ومن باب التذكير أيضا فقد نفى السفير الروسي صحة الواقعة الأولى في مؤتمر صحفي، إلا أن أحدا لم ينف أو يعلق على واقعة جنيف!!!

 

 لكن الخشية الغربية من خروج الأمر عن السيطرة ربما تكون دفعت الروس إلى التعجيل بانتقال السلطة. ويبدو أن الروس توصلوا إلى تفاهم ما حول تنحي الأسد. فحين صرح ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في فرنسا، بأن بشار الأسد وافق على التنحي عن السلطة (20/7/2012)، سارعت الخارجية السورية إلى النفي. وبحسب السفير الروسي، فإن فكرة « انتقال السلطة في سوريا» طرحت في البيان الختامي لمؤتمر جنيف، وأن الأسد وافق عليها، « وعين مبعوثا له ليقود المفاوضات مع المعارضة من أجل هذا الانتقال»، وأضاف السفير: « هذا يعني أنه قبِل أن يرحل لكن بطريقة منظمة»، مشيرا إلى أنه: « من الصعب عليه البقاء بعد كل ما حدث، لكنه قبِل أساسا أن عليه أن يرحل». لكن الغرب تحفظ على مثل هذه التصريحات التي أثارت غضبا سوريا عارما. وفي السياق نقلت وكالة « رويترز» عن دبلوماسي غربي القول: « لم نسمع الأسد يقول من قبل إنه مستعد للتنحي، لكن ماذا يقصد هل يقصد الآن، أو في غضون عامين .. علينا توخي الحذر». ومن الواضح للمراقبين أن « التحفظ» الغربي يحيلنا إلى مهلة العام التي منحها مؤتمر جنيف للروس لإدارة الملف السوري .. والتي قد ترتقي إلى عامين بحسب التحفظ الغربي مذكرة، من طرف خفي، ب « عامي روبرت فيسك» عشية مؤتمر جنيف!!!!

 

إيران وإسرائيل: مخاوف مشتركة

أما ساسة « إسرائيل» الذين استفاقوا فجأة ( 10/6/2012) على ما وصفوه ب « الفضيحة التي لا يمكن تصديقها .. الإبادة الجماعية .. صمت قوى العالم يتناقض مع المنطق الإنساني .. الوجه القبيح لمحور الشر .. المجازر ... » فلم تكن إلا تعبيرا عن صراع القوى الدولية حول الملف النووي الإيراني انطلاقا من سوريا. إذ أن كل ما أراده قادة « إسرائيل» من الدخول العلني المفاجئ على خط الثورة السورية هو ليّ ذراع إيران التي صارت بنظر « المركز» أجدر من « إسرائيل» في حماية النظام الدولي والحفاظ على أمنه واستقراره، ولا ريب أن صعود الدور الإيراني سيعني بالمحصلة تراجع في مكانة « إسرائيل» لدى « المركز» .. تراجع يثير فزعا في « إسرائيل»، ويستثير فيها « عقلية الغيتو»، التي تؤشر على الشعور بخطر الزوال .. « عقلية» تجد تعبيراتها في سلسلة القوانين العنصرية، والرغبة الجامحة في الانزواء بدولة يهودية الطابع!!! ولعل التاريخ يشهد بأنه كلما اتجه اليهود نحو « الغيتو» كلما دل ذلك على الشعور بقرب الخطر وفداحته!!!

 

 إذا كان هذا التوصيف مغاليا؛ فلنقرأ تصريحات يئجال بلمور، الناطق بلسان الخارجية « الإسرائيلية»، في تعليقه ( 21/7/2012) على حادثة مقتل خمسة يهود في بلغاريا (18/7/2012)، واتهام « إسرائيل» لإيران وحزب الله بارتكابها. فقد اعترف بلمور بوجود « توتر بين إسرائيل وإيران»، وهذا لا يخفى على أحد، لكنه أفصح بصريح العبارة عن مخاوف مشتركة تجاه سقوط الأسد، حين قال: « إن التوتر بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى كبير ومنذ سنوات, ( لكن ) الجانبين يخشيان جدا سقوط بشار الأسد ... »، أما المصدر الأوحش ل « الخشية الإسرائيلية - الإيرانية» بحسب يئجال بلمور فهي: « من إرادة الشعب السوري» .. خشية تصل إلى حد الشعور بالخطر المصيري الذي يتهدد وجود المشروعين الصهيوني والصفوي في المنطقة.

 

البأس والعصبية والخيارات

لا شك أن بأس الثورة السورية أصابت العالم بالصداع والعصبية الشديدة، فلا « المركز» قادر حتى اللحظة على احتواء الثورة السورية وتجنيب النظام الدولي خطر الانهيار، ولا غزارة الدماء ووحشية الاعتراض دفعت السوريين إلى الانكفاء. ولقد كانت لفتة بالغة الخطورة ذلك التصريح الذي أدلى به مصدر في البحرية الروسية. فمن المعروف أن البريطانيين اعترضوا في الشهر الماضي سفينة الشحن الروسية « ألايد»، التي تحمل طائرات مروحية هجومية كانت متوجهة إلى سوريا، ورفعوا عنها غطاء التأمين الدولي، مما اضطرها للعودة. لكنها عادت للإبحار مجددا تحت العلم الروسي بدلاً من علم جزيرة كوركاو في البحر الكاريبي.

 

 وبحسب صحيفة « ميل أون صندي - 15/7/2012» فإن مصدراً بارزاً في البحرية الروسية أكد أن أوامر رسمية ستصدر في القريب العاجل لسفن البحرية الروسية لتأمين المرافقة الوثيقة للسفينة التي قد تبحر على مقربة من الجزر البريطانية، مما يثير مخاوف من احتكاك دولي مسلح. وتعقيبا على ذلك نقلت الصحيفة أيضا عن مصدر في البحرية الروسية قوله: « نأمل ألا يُطلق أحد شرارة الحرب العالمية الثالثة بسبب ذلك، فنحن لم نتلق أوامر حتى الآن لمرافقة السفينة ألايد، لكننا نتوقع صدورها في أي وقت بعد أن تم التخطيط للعملية»!!!

بهذا المنطق الدولي المتوتر تغدو الثورة السورية مسألة دولية صرفة، وبالغة الخطورة. ولا يمكن لها أن تفلت من خيارين لا ثالث لهما:

  إما أن تقبل بالحل الدولي القائم على بقاء الطائفة في الحكم بوصفها البنية المركزية للنظام، والأمينة على مصالح النظام الدولي. وفي السياق تجدر الإشارة إلى أن ضربة « خلية الأزمة» تقع في سياق التمهيد للحل الدولي. فإذا لم تكن الضربة من فعل القوى الثورية فستبدو استجابة لما احتوته وثيقة جنيف، التي حرصت على استبعاد عناصر التوتر من أية حكومة انتقالية قادمة. وفي كل الأحوال فإن الفشل الذريع سيكون حليف الثورة السورية. إذ أن ما سيحصل بالضبط هو، في المحصلة، بقاء الصيغة التاريخية للحكم « النظام – الطائفة» بقطع النظر عن التكوينات الأخرى للسلطة الانتقالية، مع بعض التحسينات الشكلية التي لا تلبث أن تنفجر في أية لحظة، وقبل أن تتبلور.

 

  وإما أن تدخل في مواجهة صريحة مع « المركز» بكافة تشكيلاته وأطروحاته وأدوات النفوذ فيه. وهذا يعني مواجهة « المركز» والمشروع الصفوي والمشروع الصهيوني. لكن في هذه الحالة ينبغي ملاحظة أن الثورة السورية التي انتقلت من الحالة الشعبية السلمية إلى الحالة الشعبية المسلحة ستحتاج إلى (1) قيادة موحدة وصارمة، تلملم شتات المجموعات المقاتلة، وإلى (2) خطاب صريح يجمعها لا غبار عليه البتة. أي أنه لا مفر من مواجهة المشاريع العقدية الثلاثة بمشروع عقدي صريح، بعيدا عن كل الدعوات التي تدور في فلك الأيديولوجيات أو السقف الدولي مثل الدولة المدنية أو الديمقراطية أو الحرية أو العدالة ..... ، والتنصل من الأطروحات العلمانية واللبرالية التي حرصت على إرضاء « المركز» واستبعدت كل مرجعية إسلامية دون أن تظفر بأي مكسب يذكر إلا ما يعرضه عليها المركز.

يتبع ...

===========================

متى ستتخذ الطائفة قرارها بالانفضاض عن الأسد

محمد عبد الرازق

لقد بات من المعلوم حجم التدخل الطائفي في أعمدة الحكم في سورية (أبًا، وابنًا)؛ فالأسد (الأب) على الرغم من سطوته التي عرف بها لم يكن مستأثرًا بالحكم وحده. فقد كان عليه مشاركة واسترضاء القادة العلويين للفرق المدرعة. ولم يأمن شرورهم إلا عندما أنشأ الأجهزة الأمنية المخيفة؛ التي سلطها على المدنيين والعسكريين؛ فحيد بذلك النُّخب العسكرية.

وعندما خطط للتوريث، ولا سيما لابنه غير المؤهل (بشار) سرح قادة النُّخب الأمنية الكبار، وترك له، ولماهر التوسع في تشكيل نُخب أمنية أكثر شبابًا، وموالاة. وكلهم من أبناء العمومة، والخؤولة، والأقارب.

هذه النخبة العائلية المافيوية التي تمسك بمفاصل الأمور، تدير عمليًا (الأزمة) التي تمر بها سورية اليوم، بوحشية تعيد إلى الأذهان ما كان من المجازر التي قامت بها الخمير الحمر، في كمبوديا. مهددةً في ذلك النسيج الاجتماعي الذي تفتخر به سورية على مدى عقود طويلة من الزمن.

لقد كان مبررًا للرئيس الطبيب أن يلجأ إلى بعض الحلول (الجراحية)؛ لو أن الأمر بقي أزمة عابرة. أما، وأنه يتحول إلى ثورة عامة؛ فإن الأمور تقتضي منه وقفة تأمّل وتفكير. فالوضع الحالي غير ما كان في الثمانينات.

صحيح أن الثورة قد بدأت في إطار ضيق (في الحريقة، ودرعا)؛ غير أنها قد عمَّت سورية أجمع، بقراها، وبلداتها، ومدنها، وقد مالت إلى العنف كردة فعل طبيعية جراء ما أقدم عليه النظام من الزج بفائض القوة لديه (أمنيًّا، وعسكريًّا)، والوضع آخذ في التطور مع استمرار سقوط مدن، ومواقع، وأحياء جديدة في قبضة الجيش السوري الحر؛ الذي بات يتمتع بدعم شعبي متزايد، فضلاً على انضمام أعداد متزايدة إليه من الجنود المنشقين عن الجيش النظامي بسلاحهم وعتادهم وذخيرتهم.

إن خطورة المشهد اليوم على النظام، تكمن في أن (المعارك الكبرى) وصلت إلى أهم مدينتين: (دمشق العاصمة)، و(حلب الشريان الاقتصادي للبلاد)، فطوال الفترة الماضية من الثورة كانت مناطق أخرى غير دمشق وحلب، هي التي تشهد المواجهات المسلحة، وكانت هاتان المدينتان المذكورتان لا تعرفان سوى المظاهرات والاحتجاجات، بيدَ أن الوضع الآن قد تبدّل.

فالنظام بات يشعر بفداحة الأزمة، وخطورة تطورها؛ ولا سيما بعد التفجير الكبير الذي أصاب أعضاء مؤثرين في النظام، في (الثامن عشر من تموز) خلال اجتماع ما يعرف باسم خلية إدارة الأزمة. وهو الحدث الذي أصاب النظام بزلزال لم يستفِق من تبعاته حتى الآن؛ فاضطر إلى الزجّ برصيده الاحتياطي من القوات، والعتاد، وسحب قواته من حدود الجولان، واستدعى أعضاء الفرقة الرابعة المهمة في النظام، التي يقودها شخصيًّا ماهر الأسد، وكذلك تم الاستعانة بقوات الحرس الجمهوري؛ للمساهمة في القضاء على الثورة داخل دمشق.

لقد جُنّ جنونه، وهو يتلقى اللطمات والصدمات من الجيش الحر في كل موقع ممكن في سورية، وبدا واضحًا أنه غير قادر على ملاحقة نجاحاته؛ وخسر بالتالي مواقع حدودية مهمة جدًا، وكذلك فقد أحياء بأكملها في المدينتين الكبيرتين.

ومع فداحة المشهد، وتدهور الأوضاع؛ ازدادت حدة الحديث عن تنحي الأسد، وتأمين الخروج الآمن له، ولعائلته. فمرة يتمّ التسريب لهذه الفكرة عن طريق سفير روسيا (أهم حلفائه) في باريس، ومرة عن طريق مؤتمرات الجامعة العربية التي رعتها الدوحة.

لقد أفلس الأسد تمامًا، ولا أدلَّ على ذلك من انفضاض حلفاء أساسيين عنه، لا أظنَّ أنه كان يظن أن يصحو ذات صباح وقد انكشف ظهره السُّني العسكري من جهة عائلة طلاس، أو الديني من جهة علماء دمشق، وحلب، أو الاقتصادي من جهة انفضاض تجار حلب، ودمشق عنه، أو السياسي، والدبلوماسي من جهة انفراط عقد من كان يطمئن إلى ولائهم من أعضاء مجلس الشعب (محمد حبش)، والسفراء الذين صنعهم على عيني فاروق الشرع.

لقد أفلس تمامًا، ولم يعد بجعبته شيء سوى أن يطلق حِممَ ترسانته الهائلة من الغازات السامة، وهو الأمر الذي سيقضي على مجرد التفكير بمنحه حقّ الحياة بعد ذلك، ولا ندري بما تتفتق عنه نصائح المقدسي في هذا الصدد.

لقد باءت كلُّ حملاته للحسم إلى الفشل، وأصبح مشكوكًا في قدرته على السيطرة على كامل البلد. ف (المناطق العازلة) بدأت ترتسم، وهي في طريقها لأن تكون (مناطق آمنة)، ثم إنّه دخل مرحلة تدمير العاصمة دمشق التي كان يباهي بهدوئها، و( ولائها) له، وبالحياة الطبيعية التي تعمّها. ولم يسبق تاريخيًّا لأيّ حاكم أنه استطاع البقاء بعد انقلاب العاصمة عليه.

لقد قصف العاصمة (دمشق) دونما حساب للعواقب الوخيمة؛ التي ستبقى سُبَّة في جبينه مدى الدهر. إنه بفعلته هذه قد تجاوز الخطوط الحُمر في التعدي على حرمتها، وهو الأمر الذي تحاشاه أبوه في الثمانينات.

لقد أصبحت مقار النظام فيها في قلب المعركة، وتحت خط النار، وقريبًا تحت مرمى الصواريخ، ولم يعد كبار المسؤولين فيها قادرين على أخذ قسط هنيء من الراحة.

اتصلت بصديق لي من الطائفة، يقيم في حي موالٍ للنظام في أطراف العاصمة، جمعتني به صداقة أيام الطلب الجامعي؛ أطمئنّ على أخباره في هذه الأيام. فكان ردّه:

(إن الضباط، والسياسيين المواليين للنظام بدأوا يرحّلون عائلاتهم. هؤلاء الذين كانوا طوال الشهور الماضية يتحدّون الداخل والخارج بأن لديهم شعبية واسعة، هاهم اليوم لا يسألون عن أحد. العلويون يقصدون مناطق الساحل، وبعضهم استقل الطائرة إلى موسكو، وهناك من وصل إلى طهران، السُّنة وبعض المسيحيين، والدروز ينزحون إلى لبنان. فهم لا يستطيعون المغادرة إلى موسكو أو طهران، ولا رغبة لهم في ذلك. أحياء العلويين في العاصمة صارت مهجورة. الأحياء الأخرى ينزح أهلها في كل اتجاه. لم تعد هناك مناطق آمنة. القتال يمتد من حي إلى حي. خلال بضعة أيام تبدّلت الحال. لم نعد نستطيع مغادرة بيوتنا، لم يعد النظام يعني لنا شيئًا. ولا أحد هنا ليحمينا؛ طالما أن العائلة والطائفة اللتين تسيطران على السلطة قد أصبحتا مهتمتين بمصيرهما أكثر من حرصهما على الشعب والدولة والجيش، القتال مرشح لأن يطول، وليس هناك من يملك منهم القدرة لوضع حدٍّ لما يجري. الوضع هنا أشبه ما يكون بحفلة مجانيين).

هذه هي عينة من المشهد الذي تعيشه سورية اليوم؛ وبالتالي فإنَّا نتوجه بالقول إلى المجلس المِلّي في الطائفة، وإلى الضباط العسكريين المهنيين فيها، وإلى شريحة المثقفين، وإلى أرباب الشهادات الأكاديمية، لا بل إلى كل فرد منها:

إلى متى سترهنون مصيركم، ومصير الطائفة عمومًا مع مصير هذا النظام، الذي بات العالم أجمع (حليفًا، ومناوئًا) يستشعر نهايته المأساوية، في زمن أقلّ ممَّا مضى من عمر هذه الثورة.

===========================

مصيبة الثورة السورية -1-

الدكتور خالد الرفاعي

قليلون هم من نظر إلى واقع الثورة السورية بعين النسر التي تكشف الآفاق وتستبق الأحداث فتتهيأ لها وتعد لها العدة بصدق نية ورؤية ثاقبة . وإن فقدان الثورة لقائد يتحلى بهذه الصفات هو سبب تأخر النصر ولا ريب

فمنذ أن استعر وطيس الثورة كان هناك رجال قلائل ربما لا يتجاوزون عدد أصابع يد كان لهؤلاء رؤيتهم الثابته والواضحة من النظام ومن كيفية التعامل معه للتخلص منه وللأسف لم يلق هؤلاء من الثورة والثوار ولا من المعارضة آذانا صاغية . وقد كلفنا هذا برأي ثمنا باهظا جدا نحن لسنا إلا في رقراق منه ونبتهل إلى العناية الإلهية أن تهون علينا وتخفف صولته ونهايته

كمراقب للوضع السوري سأذكر على سبيل المثال بعض المواقف لبعض أعلام المعارضة السورية من غير تسميتهم وكل ما يصدر مني إنما يصدر من باب التوضيح للحقيقة وليس من باب النقد الجارح أو التحقير أو السخرية بل إن بعض الذين أتعرض لمواقفهم لا أشك في إخلاصهم وصدقهم ولكن الإخلاص والصدق لا يعنيان الإصابة والصحة دائما فكم من مخلص صادق دمر بسوء نظره حتى نفسه

إبتداء بمن عارض الثورة في بدايتها بحجة حرصه على أرواح شبابها لعلمه بشدة بطش النظام ثم سرعان ما تحول رأيه إلى مساندتها واعتذر عن موقفه بما أسلفت ولكنه كان يدعو إلى السلمية ويرفض كل عمل عسكري ويرفض التدخل الأجنبي ثم ما لبث أن صار يطالب بالتدخل ثم بالجهاد والقتال لدفع العادية والدفاع عن النفس ثم زهد في التدخل الخارجي وهاجم الغرب بعد أن كان يستدعيه بالرغم من أن موقف الغرب في ظاهره نظامي ولا يستحق عليه أي شجب إذا أنصفنا وقد لخصته كلينتون بقولها احترمنا رغبة المعارضة في عدم التدخل!؟

ثم إلى رجل يعتبر مثال التأرجح في الرأي المتابع للحدث فبعد أن كتب لا للسلاح ولا للتدخل داعيا إلى السلمية التي تضاهي سلمية المسيحية المفتراه ثم راح يكتب ملمحا إلى قبوله في التدخل ولكن يشترط فيه شروط والله لا يشترطها رئيس الولايات المتحدة نفسه فيما لو خول الناتو بالتدخل ! وإن هذا مما يطول منه عجبي ولا أرى له تفسيرا إلا النرجسية الفكرية البعيدة عن الواقعية فتراه يشترط على الغرب فيما لو تدخل الغرب شروطا تجعل من الغرب وكأنه خادما بين يدي أمنياته .وجهل هذا الفاضل الغر في السياسة أن الغرب حين يقرر عملا لا يفعله إلا على النحو الذي يضمن منه نجاح العمل الذي سيباشره والغرب أكثر مهنية من أن يقوم بأعمال لا تنتهي بالنجاح والظفر وتحقيق الهدف . فهو في اشتراطه لا يزيد عن مريض متعصب يشترط على الطبيب شروطا شرعية بزعمه في عدم الكشف عن العورة مثلا والقيام بالعملية من تحت الغطاء أو وفقا لشروطه وهو الجاهل بالطب والجراحة كما الآخر جاهل في السياسة وشؤون الحرب !ثم ما لبث هذا الرجل أن رفض التدخل جملة واحدة بأول بارقة ظن أن من ورائها النصر وزور حقائق تاريخية حول كوسوفو والتدخل الغربي فيها فخلط حقا بباطل.ودونه أهل كوسفو جميعهم يكذبون ما استنتجه فليسألهم .فلم يكتفي أن يتقدم بنصحه للثورة حتى حكم على أمة أخرى أجمعت على موافقتها على التدخل بأنها كانت مخطئة وتراه يدندن حول تغليط الشعب الليبي أيضا ثم عاد فحذر من السلاح الكيماوي وذكر الغرب بواجباته التي لم يقم بها .ثم حذر من دولتين ونصح أهالي المناطق المعرضة لمجازر محتملة بالمكث في دارهم والتجلد لعدوهم وكأنه يقول لهم وهم العزل اشددوا حيازيمكم للموت تجلدا بينا أنا أدعو لكم على فراشي ناعما وآمنا!!؟ .

أحد أعلام المعارضة وصف الثورة الليبية بالثورة الفاشلة وحذر من المثال الليبي فبرأيه كان يحسن بالليبيين في بنغازي أن ينتظروا حتفهم ولا يستعينوا بالناتو .ثم جعل من التدخل الأجنبي خطا أحمر وطالب بالوقت نفسه بحماية المدنيين . وجدتي في سوريا تعلم أن السماء كما لا تمطر ذهبا لا تمطر جندا وأنك مهما حاولت أن تنصح ذئبا يقطر فمه من دم ضحيته فإن النصح لا ينفع فيه ولا بد من القوة . فكيف يوفق بين الدعوتين حماية المدنيين من الذئاب المسعورة وجعل كل تدخل خارجي خطا أحمر!!؟ ثم وبعد اشتداد الوطيس وكثرة المجازر صاروا يطالبون بالمراقبين العرب وأيدوهم حتى ظهر فشلهم فطالبوا بالأجانب وكذلك كان الحال معهم فعنان وكذلك كان الحال فمجلس الأمن واشترطوا أن لا يتعداه القرار ثم الفصل السابع ثم أخيرا خارج مجلس الأمن وهكذا سياستهم كسياسة مريض الإزهايمر وصيانته لنفسه والسعي لها

إني أتساءل فيما لو لا سمح الله واستعمل النظام المجرم السلاح الكيماوي أو البكتيري ما يكون موقف هؤلاء الاهثون وراء الوقائع والأحداث . ألا يحاولون ولو مرة واحدة استباق الحدث والإعداد له بعمل جاد فاعل وليس بنصائح بنفسجية مجردة عن الواقعية والإنصاف .فأن تنصح رجلا أن يقوم بصدره لدبابة ولمجرم سفاح بيده بندقية هذا يعني أحد أمرين إما أنك لا تعرف ما البندقية ولا الدبابة أو أنك مجرد من كل إحساس وواقعية

إني لا أعرف للسياسي دورا أهم من إعداده للمستقبل سواء في التحذير من خطر أو الإعداد لنصر مرتقب أما أن يكون السياسي يسير من وراء الشعب ولا يطالب إلا بما وصل إليه الشعب مما أدت إليه الأحداث ودفعت الأزمة نحوه فهذا سواء كان يدعي نفسه سياسيا أم مفكرا حري عليه أن يعتزل ويستحي على نفسه .إن السياسة كلمة مولدة من فعل السائس والسائس هو من يقوم على الأنعام بما يصلحها فيرتاد لهم الماء والكلأ ويصلح من حالها ويجنبها مواطن الذئاب وهجومها ومن هذا المعنى السياسي الذي يقوم على الناس بما يصلحهم ويؤمن لهم أمنهم وعافيتهم وسعادتهم كأب رحيم نشيط عاقل يقوم على أسرته فيكف وجهها ويسد عورتها ويهيء لمستقبلها .أما أن يكون السياسي والمفكر والمعارض في الثورة السورية يسير من وراء رعيته ومصابها ومن وراء الأحداث وليس استباقها واستقبالها بالإعداد والحذر والانتباه فهذا والله هو الطامة الكبرى على أقل تقدير في الحكم

يتبع في مقالة تالية ذكر من هم كانوا فعلا ساسة ولكن لم يكن الأمر إليهم ولا طلبوه

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ