ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 04/07/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مؤتمر القاهرة، و نتائجُه المرتقبة على المشهد السوري

محمد عبد الرازق

 يبدو أن الحلول المقترحة للخروج من الحالة الراهنة التي يمر بها المشهد السوري باتت تأخذ زخمًا من الحراك أكثر؛ سواءٌ منها ما كان على الصعيد الدولي، أو الاقليمي، أو المحلي.

 و الدافع الأهم في قاطرة هذه الحلول هو ما باتت تشهده الساحة السورية من حراك ربما يقلب الطاولة، و يأتي بحلول لا ترغب بها الدول الفاعلة في المنطقة؛ و ذلك أنه قد بات من المؤكد أن التحرك على الأرض آخذٌ في الميل لصالح الثورة من خلال المتغيرات التي فرضتها إنجازات ( كتائب الجيش الحر، و المجالس العسكرية ) في عموم سورية.

 فحسب التقرير الذي أعده جهاز المخابرات الوطني التركي، و نشرته وسائل إعلام تركية ( يوم الجمعة 29 حزيران ) أن نحو ثلث أفراد الجيش السوري قد انشقوا عنه منذ اندلاع الاضطرابات في البلاد في آذار عام 2011.

 فقد نشرت صحيفة ( الصباح) مقتطفات من هذا التقرير الذي قدمخلال اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي انعقد في أنقرة ( يوم الخميس28 حزيران )، وجاء فيه أن نحو (100 ألف ) عنصر من الجيش السوري الذي كان يبلع عدد أفراده قبل اندلاع الاضطرابات (300 ألف ) شخص، انشقوا، وانضموا الى الجيش السوري الحر،وأشار التقرير الى أن المعارضة المسلحة باتت تسيطر في الوقت الراهن على نحو 60% من أراضي سورية،وذكرت الصحيفة أن أكثر من (50 ) ضابطًامنشقًا موجودين حاليًا في الأراضيالتركية، بينهم (20 ) جنرالاً.

 هذا فضلاً على أمور أخذت تشهدها الساحة لم يأت عليها التقرير، تتمثل في عمليات نوعية قام بها الجيش الحر في الأيام القليلة الماضية، مثل قطع طريق الإمداد لقوات النظام المتجهة إلى منطقة حلب، حيث تم تدمير أكثر من (19) مجنزرة، و عدد من الباصات العسكرية، و قتل جل من فيها، و إسقاط مروحية، و كذلك قيامه بتدمير مطارين عسكريين الأول في ( منغ ) بريف حلب، و الثاني ( مرج السلطان ) في ريف دمشق، و أخذ العديد من مضادات الطائرات منهما ( مدافع م 23). و السيطرة على سبع دبابات بكامل عتادها، و أطقمها، و الاستيلاء على حاجز عسكري بكل ما فيه من عتاد في منطقة ( الصورة ) في دير الزور، و وصول العمليات العسكرية إلى قلب مدينة ( حلب ) التي شهدت في الأيام الماضية ضرب عدة حواجز أمنية فيها ( جسر الحج، الحمدانية، العامرية، الراموسة، بستان القصر)، و هناك اشتباكات دارت قرب المخابرات الجوية فيها، و قيام كتائب ( الأسد ) بالانسحاب من مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، و على الرغم من وجود بعض الحواجز له في محيطها إلاَّ أن شهود العيان أفادوا بسيطرة الجيش الحر على عموم المنطقة. يضاف إلى ذلك استيلاء الجيش الحر على مخازن العتاد في أكثر من منطقة في مناطق الاشتباك في المدن السورية، و حرق بعضها الآخر كما حصل في ( حرستا ) البارحة ( 1: تموز ).

في ظل هذه المتغيرات الميدانية يأتي انعقاد مؤتمر القاهرة لتوحيد المعارضة السورية برعاية من الجامعة العربية، و هو يشكل نقلة نوعية في تطورات المشهد السوري لسببين اثنين فيما نرى:

 الأول: في مسعى الجامعة العربية لتوحيد مواقف، و رُؤى المعارضة السورية استعدادًا للتعامل مع المتغيرات التي بات يشهدها الملف السوري على صعيد التحركات الدولية التي نتج عنها مؤتمر ( جنيف )، و ما سيتبعه من مواقف نحو حلحلة الأزمة، و السعي لإيجاد مخرج سياسي لها من جانب الدول المعنية بالشأن السوري.

الثاني منهما: المستجدات السياسية لدى عدد من الدول الداعمة لهذا المؤتمر؛ و لا سيما الموقفين: المصري، و العراقي، اللذين شهدا تغيرًا نوعيًّا، و ملحوظًا في الانحياز إلى مطالب الشعب السوري، و الابتعاد عن نظام ( الأسد )، هذا فضلاً على موقف الجامعة العربية الذي بات أكثر وضوحًا لعزل النظام، و السير نحو مرحلة انتقالية ما زالت ملامحها لم تتضح بعد، و كذلك مواقف الدول الأخرى الحاضرة؛ التي باتت أكثر مساندة للشعب السوري في مطالبه بالتخلص من ( الأسد ) و أركانه المشاركين في أعمال القتل، و العنف؛ الذين أكدت كلماتهم على استبعادهم من أية تسوية سياسية انتقالية، مع الدعوة لمحاسبتهم على أفعالهم تلك في ظل المصالحة الوطنية القادمة.

 إنَّ هذه التغيرات في المواقف السياسية لهذه الأطراف هي نتاج لما أسفر عنه مؤتمر ( جنيف ) من مناقشات، و قرارات بخصوص الأزمة السورية؛ التي باتت الأطراف الدولية كلها مجبرة على الشروع في إيجاد حلٍّ لها قبل أن تخرج على السيطرة، و تفرض إحدى الجهات حلاً لها لا ترغب فيه تلك الدول، و الأطراف المعنية بما يحصل هناك.

 و المقصود بالطرف الذي قد يفرض هذا الحلّ، هو الحراك الشعبي بشقه العسكري على وجه الخصوص، فلقد سبق القول إلى المتغيرات التي بات يفرضها على الأرض في الآونة الأخيرة؛ و هو ما استدعى من كلٍّ من هذه الأطراف أن يتحرك في اتجاه الحلحلة، و السعي لإيجاد خارطة طريق تنقل سورية من حالتها الراهنة إلى مرحلة انتقالية تشارك فيها أطراف من النظام، و المعارضة، تكون موضع اتفاق وطني من الشعب السوري، و تبقى نقطة الخلاف الظاهرة بين هذه الدول، و الأطراف المجتمعة هي وجود ( الأسد )، أو رحيله في هذه المرحلة الانتقالية.

 بالطبع هذا هو المعلن من مقررات مؤتمر ( جنيف )، و لا شك أن هناك مالم يعلن عنه ممَّا دار بين الولايات المتحدة، و روسيا، قبل المؤتمر في لقاء ( كلينتون لافروف ) في ( سان بطرس برغ )، و ما شهدته جلسات المؤتمر المغلقة من نقاشات، و تفاهمات لم يتم الافصاح عنها.

 و هو الأمر الذي جعل هذه الأطراف، و الدول تنظر إلى هذه النتائج من خلال الزاوية التي تريحها، و تضمن لها مصالحها المستقبلية في سورية ( ما بعد الأسد )؛ لدرجة أن هناك من ظنها علامة على فشله.في حين أننا نرى أن القضية لا تعدو تباينًا في الرؤية بما تحقق لهذه الدول من مكاسب على حساب الشعب السوري.

و حتى لا يظهر على صورته الحقيقة؛ جاءت جملة من التفاهمات العائمة المستجيبة لهذا الفريق، أو ذاك من أطراف النزاع في المشهد السوري؛ فالمعارضة منقسمة على نفسها في تقييم نتائج المؤتمر، ففي الوقت الذي يرى رئيس المكتب السياسي للمجلس الوطني ( د. برهان غليون ) أنه لا شيء تحققللشعب السوري في هذا المؤتمر، فهو أفشل المؤتمرات التي عقد بخصوص سورية على الإطلاق؛ يرى عضو المكتب التنفيذي فيه ( سمير نشار ) أن فيه نقاطًا إيجابية لم تتضح معالمها بعد.

 أمَّا في الجهة المقابلة فيرى النظام أنه في غاية الفشل؛ لعدم قيامه في تبني وجهة نظر من يطالب بيمننة الحل، أو فرض تدخل عسكريخارجي؛ فالحل كما أبلغتهم روسيا سيقرره الشعب السوري من خلال الحوار الداخلي الوطني؛ و هو ما يعني للنظام رعايته لأيِّ حل ستشهده سورية، و برعاية من النظام نفسه. و أما ( إيران ) فإنها ترى فيه الفشل؛ لأنها،وحليفها ( الأسد ) لم يحضراه.

هذه المواقف التي أبدتها كل من ( روسيا )، و ( إيران ) تجاه نتائج مؤتمر جنيف، لا تعدو أن تكون لتحسين شروط تفاوضهما في المستقبل عندما تبدأ ملامح هذا الحل بالظهور، و قد حدد لها ( ناصر القدوة ) نائب ( عنان ) فترة ( سنة ) من الآن.

فهذه الحكومة الانتقالية هي ما كانت قد طالبت به كلٌّ منهما من قبل في إطار سعيهما لحل الأزمة؛ و بالتالي لا يفسر موقف ( إيران ) الحالي إلاَّ من هذه الزاوية.

 و أمّا النظام فإنه ليس في ذهنه حتى مجرد التفكير بمشاركة المعارضة له في هذه الحكومة المقترحة، فهو ماضٍ في سعيه إلى الحسم العسكري للأزمة بغض النظر عن الآثار المترتبة عليه من دمار، و قتل لأفراد شعبه؛ فهو في حالة حرب معه، و له حرية التصرف في هذه المواجهة المفتوحة على شتى أنواع الاحتمالات.

 و عليه فإن الأمور على الأرض ماضية في اتجاه آخر، غير ما تريده تلك الدول، و الأطراف الراعية لمؤتمر (جنيف )؛ و لذلك على أطراف المعارضة المجتمعين في القاهرة اليوم ( 2 تموز ) أن يحسموا أمرهم باتجاه حل يضمن للشعب حقوقها المشروعة، المتمثلة في الحربة، و انهاء نظام الاستبداد بكل أشكاله، و مؤسساته، آخذين في الحسبان أن الشعب السوري لم يعد يقبل بأنصاف الحلول؛ فما كان مقبولاً منه في بداية الأمر قد تغير الآن؛ و لاسيما بعد أن أخذ النظام قراره في حسم الأمر ( عسكريًّا ) من دون الحلول الأخرى.

قد قالها اليوم ( ناصر القدوة ): " الحسم في الحياة لا يأتي من خلال العمل السياسي ".

فهل تعي قوى المعارضة المجتمعة في القاهرة اليوم مرامي ذلك، أو أنها سترضى من ( الحُبِّ بلَعْقِ الأصابع )؟.

==========================

خالد أبو صلاح أيقونة الثورة السورية

محمد فاروق الإمام

لا أبالغ إن قلت أن البطل خالد أبو صلاح هو أيقونة الثورة السورية، وهو يستحق أكثر من هذا الوصف، ولكن العبارات خانتني والكلمات تاهت عبر دروب أفكاري فلم تسعفني في إيجاد كلمة أو عبارة تصف هذا الرجل العملاق، الذي كان على الدوام، رغم ما تعرض له من مواقف تشيب لهولها الأطفال، شجرة باسقة لا تعرف الانحناء إلا للواحد القهار.

لا أعتقد أن هناك إنسان شاهده على شاشات التلفاز ولم يتفاعل مع القضية التي نذر نفسه لها وخاض أنهار الموت حتى الحناجر في سبيلها، كان مقاتلاً شجاعاً، ومسعفاً مغامراً، وصنديداً لا تلين له قناة، ورجلاً كبيراً في ساحات الصمود قل نظيره.

دموعه في مؤتمر الأمة الإسلامية في اسطنبول يوم الأول من تموز كانت مداداً لقلمي، وحشرجة كلماته كانت وحي لروحي، وبحة صوته المدمي ستبقى اللحن الخالد يصدح في فضاء بلدي.

لقد كان البطل خالد أبو صلاح الصورة المعبرة عما يجري في حمص وسورية قاطبة وما يرتكبه هذا السادي المتوحش من جرائم بحق البشر والحيوان والشجر والحجر.

لقد تعرض خالد أبو صالح لمحن لا تحتملها رواسي الجبال، وقد ضُرب عليه وعلى إخوانه وأخواته أحرار وحرائر حمص في حي باب السباع حصار خانق، منع النظام السادي عنهم الماء والغذاء والدواء وأفسد عليهم حتى الهواء بما لوثه من غازات سامة لشهور وقد أخطأه الموت ولم يصل إليه، متحدياً مع من كان معه في هذا الحي البطل من أطفال ونساء وشيوخ ومقعدين وأحرار ومقاتلين آلة القتل الأسدية وجهنمية نيران أسلحته الروسية والإيرانية الفتاكة لنحو شهر، في تحدٍ لم يرو لنا التاريخ مثيلاً له في كل الحروب والحصارات والمعارك التي ملأت صحافه وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل.

البطل خالد أبو صلاح فاجأ العالم وخرج من حمص المحاصرة متخطياً كل حواجز النظام وترسانة أسلحته الفتاكة ورصاص قناصته المنتشرين في أعالي ما تبقى من أبنية لم يطالها التدمير الكامل، مغادراً حي الخالدية الذي تحاصره ترسانة من الدبابات والمدرعات والمدافع والرشاشات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة الروسية الصنع، وجيوش النظام السادي وشبيحته، مغادراً حي الخالدية إلى تركيا ليحضر مؤتمر الأمة الإسلامية؛ لنصرة الشعب السوري باسطنبول، ليحمل إلى علماء الأمة صورة حية لما يعانيه أهل حي الخالدية حيث هناك 800 عائلة محاصرة تعيش على الرعب والخوف بلا ماء أو كهرباء أو غذاء أو دواء أو اتصالات، وقد مُنع من دخول هذا الحي كل المنظمات الإنسانية السورية والعربية والدولية التي تريد إجلاء النساء والأطفال والشيوخ والمقعدين والمرضى والجرحى إلى أماكن آمنة تبعد عنهم شبح الموت وشيطان القتل.

وقف هذا البطل بكل الشموخ والكبرياء ليلقي كلمة أمام شيوخ المسلمين وعلمائهم ليضعهم أمام مسؤولياتهم تجاه ما يقترف سفاح سورية بشار الأسد من جرائم وموبقات لم يسلم منها لا حيوان ولا بشر ولا شجر ولا حجر.

وقف هذا البطل يلقي كلمته ببحة الرجال ودموع تسيل على خديه تعكس صورة دموع الأرامل والثكالى والأيتام.

وقف منتصب القامة يروي للحضور الحالة البئيسة والمفجعة التي يعيشها أهل حمص المحاصرين في أبنية منهارة أو آيلة للسقوط، يستنهضهم للوقوف إلى جانب حرائر سورية وأحرارها الذين استباح نظام دمشق السادي حياتهم وأعراضهم ومقدساتهم وحرماتهم ودور عبادتهم وبيوتهم، مطالباً العلماء وورثة الأنبياء أن يقفوا إلى جانبهم ويتحملوا المسؤولية التي أناطها الله في أعناقهم.

كانت دموع خالد أبو صلاح الصادقة تسيل من قلبه مروراً بعينيه، ثم تنساب على خده المحترق قهراً على ما أصاب سورية، وسط هتافات الحضور وتكبيراتهم.

أي بطل أنت يا خالد؟ أي رجل أنت يا خالد؟ وقد أعدت وأحرار سورية إلى قلوبنا نبضها وإلى صدورنا خفقها وإلى جوارحنا ارتعاشها.. وقد ظننا أن الموت السريري قد أصابنا وأصاب أهلنا بعد كل هذا الليل الطويل الذي طوى أعمارنا، فكنت وأحرار سورية الأمل الذي أعاد الروح فينا، وقد غدت أحلامنا حقيقة تزهر قناديل وتورق مصابيح تنير درب الحرية والكرامة، تسير بنا عليه بخطىً ثابتة وإيمان راسخ وعزيمة لا تلين، وفجر صبوح يلوح لنا وهو يطوي ظلمة الليل وعتمته.. حفظك الله يا خالد وحفظ أحرار سورية، وأقر أعينكم وأعيننا بالنصر المبين على هذا العدو الغاشم قريباً بإذن الله تعالى.

=========================

ماذا تبقى في جعبة الحاوي

د. ضرغام الدباغ

كنت قد تنبأت في مقالة سابقة قبل عدة شهور، أن الموقف في سوريا يزداد وضوحاً وأن هامش المناورة يتقلص تدريجياً، فبعد كانت لشهور طويلة ورائنا، صارت أمامنا، وأخيراً وهكذا بصراحة يحسد النظام عليها، أعلنها حرباً حقيقية، وشكل حكومة حرب وأعلنها حرباً سافرة لا تبقي ولا تذر، وبآخر ذرة من حسن النية نقول أن النظام أنزلق إلى هذا الموقف تدريجياً، ومرة أخرى نقول أن القرارات لا تتخذ كلها في دمشق، بل الأخطر منها يأتي بصيغة نصيحة / أمر، فالنظام مغلوب على أمره واليوم غادرت الابتسامة الوجوه، ولم تعد التهديدات تجدي فتيلاً، سنشعلها حرباً ضروس، حريق سيلتهم المنطقة، صراع دولي خطير يصل الحرب العالمية الثالثة. كلها ذهبت مع الريح مع الاعتذار لفضاضة التشبيه لمرغريت ميتشل كاتبة الرواية هذه.

 

ما يميز المسرح السوري في أحدث ظواهره، هو تزايد الوضوح في المواقف والأبعاد التي لم يعد بالامكان تغطيتها، فغدت المرامي والألوان مفهومة أكثر حتى للمتابع العادي وليس المتخصص. فعلى المسرح السوري تدور صفحات جديدة للثورة، ببطء ولكنها تفرز نتائج متوقعة تتطابق مع تحليلنا وتوقعاتنا إلى درجة كبيرة. وأن الأمر خرج بنسبة غير بسيطة من يد حكام دمشق، وأن الشأن السوري يتجه لأن يكون ملفاً دولياً خاضعاً لبورصة السياسة الدولية صعوداً وهبوطاً وليس إلا القليل من نقاط المساجلة الاستراتيجية هي بيد النظام، حين يحلو له أن يعاند التاريخ والتطور ويخالف أبسط أحكام اتخاذ القرارات السياسية، فهناك قرارات كبيرة اتخذت بناء على أحكام الهوى والغضب، والشعور بعقدة الضعف وإعطاء انطباعات خاطئة، كان لها نتائجها الوبيلة.

 

وبوضوح لا لبس فيه، أن للملالي الإيرانيين أيادي طويلة في مرافق سورية حكومية كثيرة، وهو شأن لم تفعله أية حكومة عربية من قبل، أن تتحالف استراتيجياً مع نظام معاد للأمة العربية، بل هذا ما لم تفعله حتى حكومة كحكومة نوري السعيد أثناء إبرامها لمعاهدة حلف بغداد حيث نصت أنه غير موجه لأي دولة عربية، فماذا تبقى للنظام السوري من هوية سياسية / وطنية / قومية يطرحها كغطاء محتمل لشرعية هي ناقصة بمقتضى القانون أصلاً ؟

 

اليوم فقد النظام الخط السياسي الذي على أساسه قام الحكم على يد الاسد الوالد، عندما كان النظام يلتزم خطاً قومياً، ويلتزم خط القرارات العربية، وإن زاغ عنها قليلاً أو كثيراً، كان يفعل ذلك بدهاء شديد ولا يبدو ابتعاده بما ينفي الخط العروبي عنه، أما اليوم فالنظام نسف كل المقومات النظرية والعملية، وقذف بنفسه في لعبة التوازنات بما أفقده السيطرة على مجرى الاحداث وتطورها، وليس سراً أن الروس يتفاوضون عوضاً عن النظام، بل ويمتلكون القدرة على القول أنهم لا يدعمون أسماً أو شخصاً بالذات، وهم قادرون على وضع الاسد في إحدى جزر البحر الاسود لا يرى فيها سوى الماء والسماء، هكذا يقولون، ونظام الملالي الإيراني يرى أنه قادر على التفاوض قي الشأن السوري بل ويطالب بذلك، والأدهى هناك من يعتبر (تعتقد روسيا ذلك) أن هذه المطالبة محقة ومشروعة، بأي حق وبأي صلاحية ؟

 

وبعد مراجعة شاملة لمستويات الواقع السياسي، فإن النظام اليوم هو ابعد ما يكون عن نظام سياسي له رؤية سياسية شاملة للموقف، تحتم عليه أن يضع حلول ليس من ضمنها تشغيل مكثف لألوية الجيش النظامي المدرعة والميكانيكية واستعداء دموي للشعب ولكل من يعارضه لدرجة اعلان حرب صريحة على لسان رئيس النظام وتلك هفوة كبيرة، فهذه سياسة سوف تقصيه نهائياً عن أي مكانة أو دور في الاجتماع السياسي السوري اليوم وفي المستقبل، ليس بسبب سياسة الاستبعاد، التي يتبعها النظام، فليس هناك نظام سياسي في العالم يعلنها صريحة : إما أنا أو الحرب والموت الزؤام، ذلك ببساطة لأن العمل السياسي يفترض أن يكون الحوار هو مادة العمل السياسي وليس القوات المسلحة، وعناصر مصابة بسعار القتل.

 

النظام يضيف كل يوم أسباب جديدة على ضرورة إزاحته عن السلطة، لدرجة بلوغه مرحلة الحتمية التاريخية، فهو لم يعد يمثل شيئاً له مشروعيته السياسية والقانونية والدستورية والاخلاقية. والأمر بأسره لا يعدو اليوم أن يكون ضرباً من ممارسة قرصانية للسلطة قائمة على مبدأ اختطاف الحزب والسلطة، ولم يعد الجيش وطنياً بحكم أنه يواجه الشعب كعدو منذ خمسة عشر شهراً، وهو اليوم عالة ثقيلة وغمامة سوداء حتى على مستوى العشيرة التي زجها النظام في معركة حياة أو موت بدون داع حقيقي، إذ لا تمثل هذه المعركة الدموية الطاحنة سوى رغبه عائلية ذاتية في الهيمنة والتسلط.

 

ولكن الغريق يتشبث بقشة، وكنا قد سمعنا كلاماً كثيراً عن خلايا نائمة تهب عند ساعة الصفر لتحرق الأخضر واليابس، وإن كنا قد سمعنها من هذه التهويلات عبر الدعاية الإيرانية، والحديث كله يدور بالمليونية وليس أقل من ذلك، وسمعنا عن تهديداتهم بغلق البحار والمحيطات، ومن يعيش يسمع ويرى.

 

وندرك أيضاً أن من هذه الخلايا النائمة، رهط من الكتاب والمطرودين من حركاتهم السياسية ومرتزقة القلم، ومن يحلو له أن يمنح رأسه وفكره بالإيجار، وهؤلاء أمرهم مشهور في الصحافة العربية، وإن كنا نفاجأ بين الحين والآخر بقلم طالما نفخ في الأبواق وتسلق المناصب، وتزلف للقيادات، وفعل في ذلك ما لم يفعله أي انتهازي عريق، ولكن يبدو أن أجهزة المخابرات السورية والإيرانية، قد اشتغلت وعملت على كسب عناصر تعمل وتكتب بالقطعة، وهم اليوم اكتشفوا أمراً فريداً فات عليهم خلال عقود طويلة من الزمن.

 

في سوريا يسخر الناس بأن هناك أشخاص، وربما أحزاب وحركات تعطي الإشارة لليسار، ولكن السيارة تنعطف يميناً، ومن يبحث عن شيئ في السوق يجده حتماً، والفجل هو أحمر قاني من الخارج، ولكنه أبيض كالثلج من الداخل، وهكذا حال حركات وأفراد.

 

اليوم يروجون للتيار القومي وهذا لوحدة ليست مشكلة بالطبع، ولكن من يتصدى لهذه المهمة تفوح رائحة العملات الصعبة منهم ومن كتاباتهم، ويدافعون عن القائد القومي الفذ القذافي، وسوريا التي تتعرض إلى عدوان امبريالي ...؟ وبعد سنة من القتل وتدمير المدن وحرب ضد الشعب أعلنها رئيس النظام صراحة، لا يوجد لليوم قرار دولي ضد هذا النظام الذي شعبه العربي والمسلم كما لم يفعل أي مستعمر في أمتنا العربية لا الإنكليز ولا الفرنسيين ولا حتى الصهاينة.

 

قبلها بأسابيع، روجت أقلام للنظام ويا للعجب، (حقاً كما أعلن رئيس النظام، أنها حرب وكل شيئ حلال)، فإذا بالأقلام المأجورة تكتب أن الدين أفيون الشعوب، وأن التيار الديني السياسي هو كارثة، وانظروا كيف تتعرض قلعة اليسار والثورية لعدوان إمبريالي. حقاً هذه هي خلايا المخابرات النائمة اليوم لم يعد أي شيئ عار، وطالما ولغوا في دماء الشعب وتحولوا من ممانعين وثوريين احتياط إلى آلة تحصد الشعب دون تميز وتغتصب بنات شعبهم.. حقاً لم يبق شيئ أسمه العيب أو العار.

 

ليس بوسعي الجزم كم تبقى للنظام السوري من مساحة أو هامش للمناورة، ولا شك أنه فقد الكثير منها، فهذا نظام بطريركي قائم على تكريس ولاءات شخصية محضة داخلياً، وأخرى غير معلنة تدخل في إطار علاقات عشائرية ومناطقية متخلفة، وأخرى دولية مبهمة غامضة، بل هو يبتعد كل يوم عن احتمال أي تسوية ممكنة للموقف، باستثناء الاذعان لمبادرة المبعوث الدولي كوفي عنان، وعدا ذلك فليس أمام النظام سوى المجهول وبألوان قاتمة.

 

ربما هناك خيار أخير قد تبقى، أن يقبل النظام الحقيقة التاريخية، وليس هو أول نظام صرفته الجماهير ولن يكون الأخير، القبول بالحقيقة المادية هي ربما آخر خيار يحفظ لسورية الشعب الوطن، النسيج الاجتماعي الوطني الذي تآخى عبر مئات من السنين، ولابد أن يبقى كذلك، وهو هدف ينبغي أن لا يتخلف عنه أحد بما في ذلك النظام الذي فقد فرص بقاؤه كنظام حكم ديمقراطي للشعب السوري بأسره.

فماذا تبقى في جعبة الحاوي ........!

____________

المقال جزء من مقابلة مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 2/ تموز / 2012

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ