ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 19/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

64 عاماً والنكبة مستمرة وقصور الأمم المتحدة في تعاظم

معتصم عوض

تطل علينا ذكرى النكبة الفلسطينية بعامها الجديد لتذكرنا بجرح عميق وقع في جسد هذه الامة قبل 64 عاماً وما زال ينزف حتى يوما هذا، بل ويتعاظم يوماً بعد يوم. يعد عام 1948 هو عام النكبة بسبب حجم الكارثة التي ألّمت بالشعب الفلسطيني، فقد تم تهجير 750 ألف فلسطيني من قراهم وبلداتهم ليصبحوا لاجئين في مناطق مختلفة من فلسطين وبعض الدول العربية، ويُحرموا فيما بعد من العودة إلى ديارهم، وتم تدمير حوالي 500 قرية وبلدة فلسطينية. لقد كانت حرب عام 1948 بمثابة زلزال اجتماعي للفلسطينيين سويّت على أثرها الطبقات الاجتماعية، وأصبحت طبقة واحدة هي طبقة اللاجئين، تعيش في مخيمات اللجوء، وتتشارك في كثير من الخصائص الاجتماعية والاقتصادية. لم تنتهِ النكبة عند العام 1948 فالهزات الارتدادية لذلك الزلزال ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا من خلال السياسات والممارسات الإسرائيلية اليومية على الأرض. فقد احتلت إسرائيل باقي الأرض الفلسطينية، 22% منها، في العام 1967، ومنذ ذالك الحين والاستيطان مستمر، ومصادرة الأراضي في ازدياد، وتهجير الفلسطينيين في تعاظم.

مع ذلك فإن للنكبة الفلسطينية تاريخاً يسبق 15/15/1948، حيث تعود جذورها إلى ثمانينات القرن التاسع عشر، عندما بدء المهاجرين اليهود إلى بالقدوم إلى فلسطين والاستيطان فيها بدعم سخي من الصندوق القومي اليهودي الذي أنشئ عام 1901 ليكون الأداة الصهيونية الرئيسية لاستعمار فلسطين. وأدّت الحرب العالمية الأولى إلى تغيير النظام الدولي، فصعدت دول وسقطت دول أخرى. وكانت نتائج تلك الحرب إيجابية لبعض الشعوب، وكارثية بالنسبة لشعوب أخرى. وقدرنا كفلسطينيين أننا كنا من تلك الشعوب التي تأثرت سلباً بنتائجها. فبعد الحرب سارعت الدول المنتصرة إلى توزيع مغانمها، وقسِّمت المنطقة العربية إلى حصص تقاسمتها تلك الدول الاستعمارية، وعملت على نهب مواردها وخيراتها لتطوير بنيتها الاقتصادية والعسكرية على حساب شعوب تلك الدول. كذلك عملت الدول الاستعمارية على حل مشاكلها الداخلية على حساب الشعوب والأمم الأخرى، وهذا ما حدث في الواقع مع الشعب الفلسطيني.

 لم يكترث الاستعمار إلى طبيعة المجتمعات، واختلافاتها الدينية، والثقافية، والاجتماعية، والعرقية، فضمت بعض الأقطار الجديدة عناصر غير متجانسة دينياً، ولغوياً، وتاريخياً، ولا حتى في المشاعر. وفي هذا السياق شجّع الاستعمار هجرة اليهود إلى فلسطين ليس حباً بهم، بل من أجل محاولة حل مشكلتهم داخل المجتمعات الأوروبية بطريقة جذرية، وتصدير الفاتورة ليدفعها شعب آخر، فكان قدر الشعب الفلسطيني أن يدفع ذلك الثمن. من ناحية أخرى لم يكترث الاستعمار إلى التقسيم العادل للثروة بين المناطق المقسمة، وشتت هذا التقسيم القوة العسكرية والاقتصادية للدول التي وقعت فريسة الاستعمار، فانغمست في حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية وأصبح التحكم بالأمور المصيرية المتعلق بها بيد القوى الخارجية، وأضحت التبعية هي الإطار النظري الذي يحكم هذه الدول بالمستعمر بأساليب ووسائل مختلفة.

يعد إعلان وعد بلفور عام 1917 "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" من خلال الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد والتي أكد فيها تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، إحدى أهم المحطات في التاريخ الفلسطيني، لما تلا هذا الإعلان من نتائج مأساوية على الشعب الفلسطيني، والتي ما زال يعاني منها حتى يومنا هذا. وقد بني على هذا الوعد، فيما بعد، العديد من المحاولات الدولية لإيجاد حل للصراع العربي اليهودي، ومن الأمثلة على ذاك فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع تحديد منطقة دولية حول القدس في تقرير لجنة پيل عام 1937 وتقرير لجنة وودهد عام 1938، وصدر هذان التقريران عن لجنتين تم تعيينهما عن طريق الحكومة البريطانية لبحث قضية فلسطين إثر اندلاع الثورة الفلسطينية التي دارت خلال العامين 1933 و1939.

استحدثت هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت بالمطالبة بإعادة النظر في صكوك الانتداب التي منحتها عصبة الأمم لدول الاستعمار الأوروبية، ومنها الانتداب البريطاني على فلسطين. وقامت هيئة الأمم بتشكيل لجنة الامم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP) والتي ضمت دولاً متعدّدة باستثناء الدّول دائمة العضوية. وقامت اللجنة بطرح مشروعين لحل النزاع، تمثّل المشروع الأول بإقامة دولتين مستقلّتين، واحدة للعرب وأخرى لليهود، على أن تُدار مدينة القدس من قِبل إدارة دولية. وتمثّل المشروع الثاني في تأسيس فيدرالية تضم كلا من الدولتين اليهودية والعربية.

في نوفمبر تشرين الثاني من العام 1947 صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 181 على قرار تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، وإبقاء القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية. وقد صوتت مع القرار 33 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي بلغ عددها في تلك الفترة 57 دولة، في حين صوّتت 13 دولة ضد القرار، وامتنعت 10 دول عن التصويت، وتغيبت دولة واحدة. ووافقت الدول العظمى (الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وفرنسا) على خطة التقسيم، باستثناء بريطانيا التي كانت حينها سلطة الانتداب وبالتالي فضلت الامتناع عن التصويت.

وبموجب قرار التقسيم كان ينبغي على الأمم المتحدة أن تقوم بالإشراف على تنفيذ خطة السلام، حيث تعهدت في قرارها بأن تمنع أي محاولة من الطرفين (العرب واليهود) لمصادرة أراض تعود ملكيتها إلى مواطني الدولة الأخرى. لكن عملياً لم تقم بعثات الأمم المتحدة، وما زالت، سوى بالمراقبة وإرسال التقارير إلى مقراتها في نيويوك وغيرها. وتخلّت الأمم المتحدة عن وعودها، ولم تحترم قراراتها، ووقفت موقف المتفرج بعد 15 أيار 1948 على الفلسطينيين الذين سلبوا أرضهم، وديارهم، وهجروا منها، ومنعوا من العودة إليها.

ويعد القرار 194 الصادر في كانون أول 1948 من أهم القرارات الصادرة عن الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة والخاصة بالقضية الفلسطينية. فقد أوجب القرار عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجّروا منها وتعويضهم. كذلك دعا القرار إلى وجوب حماية الأماكن المقدسة، والدينية خاصة في منطقة القدس، وأن توضع تحت مراقبة الأمم المتحدة الفعلية. وعلى الرغم من صدور العديد من القرارات الهامة الخاصة بفلسطين عن الجمعية العامة، إلا أن تلك القرارات بقيت حبراً على ورق، ولم يتم تطبيقها إلى يومنا هذا. كذلك من الملاحظ عدم صدور أي قرار جوهري من قبل مجلس الأمن خاص بالقضية الفلسطينية منذ العام 1948 وحتى العام 1967.

أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات (233، 234، 235، 236،237، 240، 242) جراء العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في العام 1967. وقد تميز القرار 242 عن بقية القرارات المذكورة والتي لم تهتم سوى بقضية وقف إطلاق النار، فيما أشار قرار 242 إلى عدم جواز الإستيلاء على الأراضي بالحرب، كما طالب القرار إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي التي احتلتها، وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. وقد دعا قرار مجلس الأمن رقم 338 والصادر بتاريخ 23/10/1973 في أعقاب حرب أكتوبر إلى تنفيذ القرار 242 بالكامل. وتعد مشكلة تلك القرارات (242، 338 وغيرها) على الرغم من إلزاميتها كونها صادراً عن مجلس الأمن، أنها لم تصدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما جعل إسرائيل تعتبرها مجرد توصيات، كونه لا تحمل صبغة تنفيذية، أو برنامجاً زمنياً للتنفيذ.

على الرغم أن العرف الدولي أقر بالطبيعة الإلزامية لقرارات مجلس الأمن، وإن لم تصدر بموجب الفصل السابع، إلى أن ما يميز أي قرار صادر بموجب الفصل السابع هو إعطاء الضوء الأخضر لأعضاء الأمم المتحدة صراحة في اتخاذ ما يجب اتخاذه من تدابير، من بينها وقف الصلات الاقتصادية، والمواصلات الحديدية، والبحرية، والجوية، والبريدية، والبرقية، واللاسلكية، وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كلياً، وقطع العلاقات الدبلوماسية. وإذا رأى مجلس الأمن أن تلك التدابير لا تفي بالغرض، أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية، والبحرية، والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال الحصار، والعمليات العسكرية للقوات الجوية، أو البحرية، أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة.

بعد العام 1967 صدرت عشرات القرارات عن الجمعية العامة، ومجلس الأمن، وكانت في معظمها عبارة عن أسف، وشجب، وإدانة، ودعوة لنبذ العنف، أو لوقف الاستيطان، أو لحماية الأماكن المقدسة، وتأكيد على بطلان الإجراءات الإسرائيلية في القدس، ودعوة لاحترام اتفاقية جنيف الرابعة. كما أكد بعضها على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني (من ضمنها قرارات الجمعية العامة رقم 2535، 2649، 2672، 2792، 2993، 3089، 3236، 3375، 3376 وغيرها). لكن ما ميز هذه القرارات جميعاً أنها بقيت حبراً على ورق، وضربت إسرائيل بها عرض الحائط. ولعل من أحد الأسباب الرئيسة التي أفقدت هذه القرارات قيمتها، خاصة تلك الصادرة عن مجلس الأمن، هو عدم ربطها بموجب الفصل السابع من الميثاق، ما جعل إسرائيل تدعي أنها عبارة عن توصيات غير ملزمة، كونها لا تحمل صبغة تنفيذية، أو جدولاً زمنياً للتنفيذ، وبالتالي كان الادعاء الإسرائيلي دوماً أن تلك القرارات لا يمكن تنفيذها دون التفاوض عليها.

وقد أنشأت الأمم المتحدة العديد من اللجان الدولية خاصة بالقضية الفلسطينية، ومنها إنشاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف في قرار الجمعية العامة رقم 3376 في تاريخ 10 تشرين ثاني 1975، وإنشاء اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأرض المحتلة في قرار الجمعية العامة رقم 2443 ( د – 23 ) المؤرخ في 19 كانون الأول 1968 ، ناهيك عن العديد من اللجان التي تم تكليفها من قبل الأمم المتحدة لمراقبة الوضع في الأرض المحتلة، أو لتقصي الحقائق، والتي كان آخرها لجنة غولدستون لتقصي الحقائق حول العملية العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر العام 2008، وقد خلص تقرير غولدسون أن جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية يمكن أن تكون قد ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين في القطاع نتيجة الحصار المفروض على القطاع، وأثناء العملية العسكرية.

لكن السؤال الرئيس الذي يسأله الكثير من شعوب الأرض، ماذا كانت نتيجة كل هذه القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ولجان المراقبة وتقصي الحقائق وغيرها؟ والجواب: لا شيء. لم تؤدِ هذه القرارات إلى نتائج ملموسة على الأرض، فإسرائيل ما زالت تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني الأساسية يومياً على مرأى ومسمع وكالات الأمم المتحدة المنتشرة فروعها في الضفة العربية، وقطاع غزة. فالاستيطان مستمر، بل ويتزايد يوماً بعد يوم، ومصادرة الأرض مستمرة، وهدم البيوت في القدس ومناطق "ج" في الضفة الغربية مستمرة، وسياسات تهجير المواطنين من تلك المناطق في ازدياد، ناهيك عن نهب المياه لصالح المستوطنات، والقصف الدوري لقطاع غزة، والاعتقال التعسفي،...إلخ. وما تقوم به الأمم المتحدة هو توثيق لتلك الانتهاكات المستمرة منذ أكثر من 64 عاماً، وإرسال التقارير ذات العلاقة إلى مقراتها لتنتهي بالدرج، أو بجلسة للجمعية العامة، أو لمجلس الأمن، أو لمجلس حقوق الإنسان كأبعد تقدير، وتنتهي تلك الجلسات أيضاً بقرار، أو بيان يشجب، ويستنكر، ويدعو، ولا يسمن ولا يغني من جوع.

لقد حصلنا على عضوية اليونسكو مؤخراً، فهل ستحمي هذه العضوية الأماكن المقدسة والتاريخية الفلسطينية من التهويد والتخريب؟ أم أن هذه العضوية ستكون هي الأخرى حبراً على ورق، وستكتفي اليونسكو هي الأخرى ببيانات الشجب والاستنكار والدعوة إلى احترام القانون الدولي؟

بقي أن نعرف أن الدولة هي اللاعب الأساسي في العلاقات الدولية، وأن المنظمات الدولية ما هي إلى أماكن تجتمع فيها تلك الدول لتنفيذ مصالحا الذاتية، حتى لو كانت على حساب حقوق ومكتسبات الشعوب الأخرى. وفي هذه الأماكن توضع القيم والأخلاق على الهامش في حال تعارضها مع مصلحة الدولة. فكما قال توفيق الحكيم " المصلحة الشخصية هي الصخرة التي تتحطم فوقها أقوى المبادئ". وهذا ما علمنا إياه التاريخ وتجربة 64 عاماً من الظلم والهوان. وهذا ما يفسر أيضا التناقض في مواقف الأمم المتحدة نفسها خاصة بين الجمعية العامة ومجلس الأمن الذي لم يصوت لصالح قبول الدولة الفلسطينية عضواً في الأمم المتحدة، على الرغم من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.

هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى الأمم المتحدة لنصرة قضيتنا العادلة، لكن المهم أن نعرف كيف نوجهها لتحقيق نتائج عملية على الأرض بعيداً عن العاطفة والشعارات. إن قرار التوجه للأمم المتحدة لنيل عضوية دولة فلسطين هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ويجب مواصلة هذا المشوار الصعب والمعقد. من ناحية أخرى فإن طلب إصدار أي قرار جديد من الأمم المتحدة خاص بالقضية الفلسطينية، مثل قضية الاستيطان، أو الأسرى يجب أن نناضل من أجل أن يصدر بموجب الفصل السابع من الميثاق، ولو كان ذلك حلماً بعيد المنال بسبب وجود الفيتو الأمريكي. مع ذلك يجب أن نضمن على الأقل أن يكون هناك وضوح لعملية تنفيذ القرار وإطار زمني لتنفيذه. نحن لا نريد إصدار قرار من أجل إصداره، فهناك مخزون جيد من قرارات الأمم المتحدة التي أكدت على ضرورة تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق العودة، ووقف الاستيطان ولكن للأسف لم تحرك هذه القرارات ساكناً لعدم جدية الدول بتنفيذها.

كذلك نحن بحاجة إلى مراجعة جدوى وجود بعض هيئات الأمم المتحدة في فلسطين، أو على الأقل مراجعة وظيفتها وكيفية عملها. فهذه الهيئات تعمل وتأخذ ميزانيتها من الموازنات التي ترصدها الدول للشعب الفلسطيني، وبالتالي من حقنا مراجعة عملها للتأكد من ضرورة وجودها من عدمه. ولنكون عمليين بعيدين عن العاطفة يجب أن نعمل على الاستفادة من وكالات الأمم المتحدة العاملة في فلسطين في تنفيذ خطط السلطة الوطنية الفلسطينية خاصة في المناطق التي لا تستطيع السلطة الوصول اليها مثل القدس، ومناطق "ج" في الضفة الغربية من أجل تعزيز ودعم صمود المواطن للبقاء على أرضه، وهذا أضعف الإيمان.

=====================

الأزمة السورية.. وفرص الحل السياسي

المحامي : محمد سليمان خليل

رئيس المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا DAD

لقد أوصل نظام الحكم في سوريا البلاد إلى حافة الهاوية بسبب تمسكه بالحل الأمني دون التفكير بأية حلول أخرى سبيلاً لحل الأزمة السورية ، أن تعنت النظام وتمسكه بالحل الأمني سبيلاً وحيداً للرد على المطالب الشعبية في الحرية والكرامة والمساواة ومشاركة القرار والسلطة واستخدام النظام للعنف المفرط في رده على تلك المطالب في خطوة لردعهم وتخويف بقية الشعب لثنيهم على المشاركة في تلك المطالب لم يزد الشعب السوري إلا بسالة في تصعيد احتجاجاته السلمية في مواجهة ذلك العنف الغير مبرر وقتل الشعب. إن هذه البسالة من الشعب السوري وضع النظام أمام مفترق طرق أما أن يرضخ لمطالب الشعب والذي أرتفع سقفها بعد الرد العنيف على مطالبها الأولية من قبل السلطة ليطال قمة هرم السلطة وتبدأ في إصلاحات سياسية حقيقية تطال كافة مفاصل السلطة ، وأما أن تستمر في خيارها الأول وهو مواجهة تلك المطالب بالعنف والقتل عسى أنها تنجح في مسعاها وتثني الشعب عن مطالبه. وأمام ذلك نجد أن النظام استبعد الخيار الأنسب والأصلح والأقل كلفة وتوجه إلى الخيار الثاني في التعامل مع الأزمة وأستبدل الأسلحة الخفيفة التي استخدمها في بداية الأزمة ضد المحتجين بالأسلحة الثقيلة والفتاكة مرتكبا أبشع الجرائم بحق الشعب السوري ، وكلما زاد النظام من بطشه أزداد الشعب إصراراً وتمسكاً بمطالبه المشروعة وأمام هذه المعادلة وقف النظام الدولي ومؤسساته التي يفترض بها ان تكون صمام الأمان للشعوب من جور الأنظمة الموقف المتفرج بل السلبي في حماية الشعب السوري الأعزل على مدار أشهر طويلة وثقيلة على الشعب السوري مما دفع بها إلى خيار حماية نفسها بنفسها خيار التسليح خيار الثورة المسلحة منذرة لدخول البلاد في منعطف خطر ونفق مظلم وفوضى شعبية تطول أمدها. إلا أن النظام وحده من يتحمل نتائج تلك الخيارات وما تؤل أليه الأوضاع في سوريا فالنظام هو من استهلك الفرصة تلو الأخرى والحل المناسب تلو الآخر بدءً من مبادرات الشعب السوري لحل الأزمة رافضاً أي حل سوى التي يضعها هو منهجاً للعمل فلا حوار إلا مع نفسه ولا صوت يعلو فوق صوت دباباته ومجنزرا ته ولا رأي بعد أراء قياداتها الأمنية ، مستنفذاً كل طرق حل الأزمة السورية بيد السوريين أنفسهم لينتقل الملف السوري إلى يد العرب الذين أدلو بدلوهم لحل الأزمة السورية سلميا وبعد طول صبر ونزيف دم لا يتوقف توصل القادة العرب والنظام إلى حل للأزمة السورية أسموها المبادرة العربية نسبة لهم والتي اقتنعت بها النظام حلا لتطويل أمد أللا حل عسى أن تستطيع لفائح ولهيب مدفعيتها أن تحرق ما تبقى من إرادة السوريين وليبدأ من جديد لعبة المراوغة واصطياد مبررات الهروب والتنصل من الالتزامات ، إلى أن توصل أبناء جلدته أن لا حل سلمي مع هذا النظام ، لينتقل الملف السوري إلى اليد الطولى... مجلس الأمن الدولي ، وها هو الأخير أيضاً يستنفذ الورقة الأخيرة لحل الأزمة السورية سلمياً. خطة كوفي أنان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية على سواء والتي أبصرت النور بعد موافقة النظام على بنودها الستة بتاريخ 27 / 3 / 2012 ملتزمة على نفسها ان توقف جميع العمليات العسكرية بغية الوصول إلى وقف جميع أعمال العنف من جانبها بتاريخ لا يتجاوز الثاني عشر من شهر نيسان من هذا العام والتي صعدت فيها النظام من عملياتها العسكرية بشكل جنوني في الفترة الواقعة بين تاريخ توقيع الاتفاقية ووقف العمليات العسكرية وكأنها أرادت أن تقصم ظهر المعارضة خلال تلك المقترة مستفيدة من المواقف الدولية والإقليمية التي تآزرها وما كان من السوريين إلا أن يقولوا بفاجعتهم لعل بعد الضيق الفرج ، وبعدها حان ساعة الالتزام ... البنود الستة التي تضمنتها خطة كوفي أنان في ثناياها ، الالتزام بوقف إطلاق النار للوصول إلى وقف فعال للعنف ولتحقيق هذه الغاية على الحكومة السورية وقف تحرك القوات العسكرية باتجاه التجمعات السكنية وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة وسحب المظاهر العسكرية من داخل وحول التجمعات السكنية . وكذلك ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين ولكل المناطق المتضررة والإفراج عن المعتقلين وخاصة المشاركين في أنشطة سلمية وتقديم قائمة بكل المناطق التي تتواجد فيها المحتجزين ، إضافة إلى ضمان حركة الصحفيين في أنحاء البلاد دون شروط وأخيراً احترام حرية التجمع وحق التظاهر . ودون أن تتعرض الخطة إلى تنحي الرئيس بشار الأسد عن السلطة وفق مطالب جامعة الدول العربية ومطالب السوريين الذين استمروا بالمطالبة على مدار أكثر من سنة بضرورة تنحيه عن السلطة لفقدانه شرعية الاستمرار في الحكم ، إلا إن طبيعة النظام لا تسمح له الالتزام بخطة كوفي أنان التي تعني فيما تعنيه أن يوقف العنف ويتم سحب الآليات من المدن والمناطق السكنية ويسمح بالتظاهر والاحتجاجات السلمية الأمر الذي يعني نهاية النظام بيد السوريين أنفسهم إضافة إلى أن طبيعة النظام في سوريا وطريقة تشكيله لا تسمح له القيام بأية إصلاحات حقيقية لأن أي أصلاح حقيقي سوف يطول النظام نفسه بكل أركانه ومرتكزاته لكل ذلك نجد أن تعاطي النظام مع خطة كوفي عنان لا تختلف عن تعاطيه مع المبادرة العربية التي سبقته وأن كان واضحاً تماماً مقاصد النظام من قراراته تلك أنما هي لكسب عامل الوقت فبعد موافقته على الخطة ويظهر للعالم بأنه حسن النية وانه لا يمانع من حل هذه الأزمة بالطرق والوسائل السلمية وبعد موافقته على خطة العمل يبدأ بالمراوغة ووضع العقبات أمام تطبيق الخطة مثلما حدثت تماماً مع مبادرة الجامعة العربية وبالنتيجة لا حلول لا تقدم لا إصلاح ، من الواضح تماماً عدم التزام النظام السوري بأي بند من بنود خطة كوفي أنان فلا أطلاق لسراح المعتقلين ولا تسهيل لدخول المساعدات للمحتاجين لها ولا موافقة لدخول الصحافيين ولا سحب للآليات من التجمعات السكنية وما حولها ولا وقف لأعمال العسكرية وبحسب رئيس لجنة المراقبين الدوليين فأن وقف إطلاق النار هش وغير مستقر وبحسب نائب الأمين العام للأمم المتحدة فأن النظام السوري لم يسحب آلياته الثقيلة من المناطق السكنية ورفضت لطائرات تحمل علم الأمم المتحدة من التحليق وأن وجود الآليات الثقيلة في المناطق السكنية دليل على عدم التزام النظام السوري بالخطة سيما وجود مدفعية الميدان لأنها ليست ضمن الاتفاقية التي تنص على وجود أسلحة خفيفة للشرطة وقوات حفظ النظام وأن مدفعية الميدان ليست ضمن هذه الأسلحة ولا أحد يمكن أن يقبل بوجود مدفعية الميدان داخل المناطق السكنية ، وكأن خطة كوفي أنان أختزل في دخول المراقبين وتنقلهم في سوريا وحتى هذه وبحسب المراقبين فأن زيارة هؤلاء المراقبين عادة لا تستغرق سوى دقائق وفي أغلب الأحيان فأن المراقبين لا ينزلون من آلياتهم وما أن يغادرون المكان حتى تبدأ القصف والعنف في المكان وأن النظام يبدأ بقصف المناطق التي يزورها المراقبين فور مغادرتهم لتلك المناطق وكذلك فأن النظام لم يعطي تأشيرات دخول لمراقبين ينتمون لدول أصدقاء سوريا ولم تسمح لهم بدخول الأراضي السورية ، وأن كان لوجود المراقبين في بعض المناطق بعض التأثير في تقليص معدل العنف مع بدأ سريان تطبيق الخطة وأن كان المراقبين قلقون من انتهاك المعارضة وعدم التزامها بالخطة بشكل دقيق إلا أن الانتهاك الأكبر وخرق الهدنة أنما تأتي من الحكومة السورية بحسب المراقبين. وبالتالي لا نلاحظ وجود أية مؤشرات على أن هناك نهاية في الأفق وذلك يظهر من سلوك النظام وطريقة تعاطيه مع الأزمة وطرق حلها ومن الطريق المسدود لحل الأزمة في الأمم المتحدة واستخدام الفيتو والتلويح به من قبل روسيا والصين وتصريح روسيا المتكرر بأنها ترفض أي قرار ضد سوريا حتى قبل الإطلاع عليه الأمر الذي يغلق الباب على أي سبيل لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية فالنظام لن يلتزم بخطة كوفي أنا أو بأية خطة أخرى مثلما لم يلتزم بالمبادرة العربية وهذا أمر واضح لأي مراقب للوضع في سوريا وأن النظام لن يغير شيئاً من سياسته فمن شب على شيء شاب عليه لا يمكن لنظام يستخدم العنف في أعمال سيادته على الشعب أن يتوافق مع عصر الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وأن يقتنع بان السلطة هي للشعب التي هي مصدر كل سلطة وأن يرضخ لقرار الشعب في ممارسة السلطة ويحفظ البلاد من الفوضى ويحقن دماء السوريين.

===============

يا ثوار سورية اتحدوا -5 .. الحد الفاصل بين اختطاف الثورة الشعبية ووحدة المخلصين من ثوار وسياسيين

نبيل شبيب

إنّ الدعوة المتكرّرة إلى إيجاد شكل من أشكال التوحيد القائم على التنسيق والتكامل بين القوى الثورية في سورية، مع الحفاظ على الاستقلال الذاتي الميداني لكل منها، والدعوة المتكررة إلى شكل من أشكال التوحيد القائم على التنسيق والتكامل بين القوى السياسية المخلصة للثورة الشعبية في سورية، مع الحفاظ على الاستقلال الذاتي لكل منها.. هي دعوة صادرة عن اليقين بأن هذا أصبح شرطا بالغ الأهمية في المرحلة الراهنة، مرحلة وصول جهود اختطاف هذه الثورة إلى منعطف حاسم بين "الإعداد والحسم".

ولا تنفرد الثورة الشعبية في سورية بتعرّضها في هذه المرحلة لخطر الاختطاف لمصلحة هيمنة أجنبية تقوم على صيغة حكم جديدة، استبدادية المضمون، ديمقراطية العنوان، ولن يقف في وجه هذا الخطر إلاّ التقاء عناصر البطولة والتضحية الشعبية الواعية، مع ارتفاع وعي القادة الثوار سياسيا وليس في صناعة الفعاليات الميدانية فقط، وفي تلاقيهم على نهج مشترك، وتحوّل خارطة المعارضة السياسية الحالية من خارطة صراع بين قوى تقليدية إلى خارطة تعاون بين قوى سياسية ناهضة.

. . .

بعيدا عن الطرح التضليلي المستهجن للعصابات الاستبدادية المتسلّطة في سورية تحت عنوان معروف: "المؤامرة الدولية"، وبعيدا عن قابلية تصديق أنّ هذه المؤامرة تجري ضد "النظام" الذي اعتبر نفسه "مالك مزرعة"، أو ضدّ خدماته الجلّى لصالح من يزعم أنه يحمل راية "المقاومة والممانعة" ضدّهم.. بعيدا عن هذا وذاك لا ينبغي التهاون مع حقيقة وجود "مطامع هيمنة أجنبية" و"مطامع سيطرة فئوية سياسية محلية"، وصلت درجة خطرها الآن إلى مرحلة متقدمة، بقدر ما اقتربت ساعة "سقوط العصابات المتسلّطة" وبقدر ما بلغ قمع التضحيات والبطولات الشعبية مبلغه في "إنهاك" القوى الشعبية المخلصة الثائرة.

ونعلم أنّ الخطر الخارجي لاختطاف الثورات، خطر مرئي، مصدره معروف ومرفوض، بل إنّ بلادنا عموما مختطفة عبر التبعية الطوعية أو الاضطرارية من جانب الأنظمة الاستبدادية لهيمنة القوى الدولية، وجاءت ثورات الربيع العربي فبدأت عملية "استرجاع" بلادنا من الارتهان لتلك التبعية الأجنبية، وعندما تنطلق الشعوب في ثوراتها من قلب هذا "الاحتلال الاستبدادي/ الأجنبي" الجاثم فوق الأوطان منذ عشرات السنين، لن يتوقف مسار ثوراتها مهما بلغ شأن التحرّك المضاد: العمل على اختطاف الثورات بتدبير أجنبي.

أما الخطر الداخلي لاختطاف الثورات فهو الخطر الأكبر لأنه خطر مموّه متنكّر، فمن يعمل له يمارسه في الدرجة الأولى تحت عنوان "الوطنية" وليس سهلا التمييز بينه وبين من يعمل للثورة صادقا تحت العنوان ذاته، بل ليس من مصلحة مسار الثورة -آنيّا- الدخول في معركة جانبية مع فئة تريد تجيير ما يحققه الشعب الثائر لصالحها.

إنّ الخطر الراهن الأكبر لاختطاف الثورات هو التقاء هذين الخطرين معا، فالقوى الدولية الحريصة على استمرار هيمنتها عالميا، أدركت استحالة تحقيق مطامعها عبر حروب مباشرة كما كان في العراق وأفغانستان، وأدركت استحالة التمويه على ما تصنع بنفسها ولكن عبر استنساخ الاستبداد على شكل فئات تأتي -كما بات معروفا- على ظهر دبابات أجنبية عدوانية.. البديل هو الاعتماد على أصحاب لباس وطني منهم من ليس له من الوطنية سوى "اللباس"، ومنهم من يحسبون -وساء ما يحسبون- استحالة النصر إلا عبر ربط عجلة الثورة بعجلة أجنبية.

. . .

تكاد مساعي اختطاف ثورات الربيع العربي حاليا تمثل نماذج مشهودة مباشرة على أساليب الاختطاف المتبعة بتلاقي هذين الخطرين، الداخلي والخارجي معا. ومن ذلك باختصار شديد وعلى سبيل المثال دون الحصر:

لم تصل الثورة الشعبية في اليمن إلى تغيير جذري شامل يستأصل الاستبداد المحلي بمختلف أشكاله المتغلغلة في مفاصل الدولة لبناء دولة جديدة، صادرة بمختلف دعاماتها الأساسية -دستورا وبنى سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية- عن الثورة.. وقوى الثورة الشعبية.

ولا تزال الثورة الشعبية في مصر "مستمرّة" رغم سقوط العصابات الحاكمة من قبل، ولا تزال سلامة مسارها في المراحل القادمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى قدرة القوى المخلصة في الثورة الشعبية على الوصول بنفسها إلى الإمساك بزمام السلطة على كل صعيد سياسي وعسكري واقتصادي وأمني.

أمّا الثورة الشعبية التاريخية في سورية فتخوض مثل هذه الجولة "الآن"، أي قبل استكمال إسقاط العصابات المتسلّطة، ولم تنقطع جهود اختطاف الثورة وجولاتها السابقة على المسرح السياسي الخارجي لحظة واحدة منذ اندلاعها، ويوجد كثير من المؤشرات على أنّها بلغت المرحلة الحاسمة، وعلى أنّ جهود اختطاف الثورة استنادا إلى الخطرين الخارجي والداخلي معا، أصبحت في هذه الأيام جهودا مكثقة منسّقة مضاعفة، واقتربت ساعة الحسم بمنظور من يقف من ورائها.

. . .

لا يزال كثير من الثوار يرون في كل مبادرة من "المبادرات" المتتابعة أثناء الثورة ورغم ثقل التضحيات فيها ما يسمّونه "مهلة القتل" لصالح "النظام". والأرجح أنّ هذا "نصف المشهد" والنصف الثاني أنّ كل مبادرة وما تعنيه من "فترة زمنية" تعطي في الوقت نفسه "مهلة المقاومة" لتوجيه مزيد من الضربات لما يسمّى "النظام"، أو بتعبير مبسط هي "مبادرات متتابعة" لإنهاك الطرفين في وقت واحد.. فالمطلوب إضعاف قوة العصابات المتسلّطة وإضعاف القوى الشعبية الثورية في وقت واحد -ويتزامن ذلك مع تهيئة المسرح السياسي الدولي لتدخل أجنبي- كي توجد "الثغرة" المطلوبة أمام قوى "متسلّقة" ضعيفة ذاتيا في الأصل فيتكامل تلميع وجودها تحت عناوين "ثورية ووطنية وسياسية" ويجري العمل على وصولها هي بدعم أجنبي إلى مفاصل صناعة مستقبل البلاد في المرحلة المقبلة.

هذا ما يدفع إلى النداء المتكرّر:

يا قادة الثوار في سورية اتحدوا.. اتحدوا الآن قبل فوات الأوان، اتحدوا أيها المخلصون فأنتم تصنعون التاريخ، ومن يصنعون التاريخ لا يكتبون أحداثه -رغم كل جهد مضادّ- متفرّقين.. تصنعون المستقبل، ولا يمكن بناء المستقبل إلا عبر توحيد الرؤى والأهداف والجهود وتلاقيها على قواسم مشتركة وتكامل الوسائل المؤدية إليها.. اتّحدوا.

وهذا ما يدفع إلى النداء المتكرر أيضا:

يا أيها المخلصون على الساحة السياسية المواكبة للثورة الشعبية.. اتحدوا، فكل مجموعة صغيرة منكم كبيرة بتلاقيها مع سواها، وكل رؤية منفردة من رؤاكم تجد طريقها إلى الواقع بقدر تكاملها مع سواها، وكل وسيلة من وسائلكم تحقق أضعافا مضاعفة ممّا تريدون تحقيقه بجمع مردودها إلى مردود سواها.. اتّحدوا.

إنّ معيار الإخلاص لسورية وثورة سورية وشعب سورية وشهداء سورية والجرحى والمصابين والمعذبين والمعتقلين والمشردين، ومعيار الإخلاص لأبنائكم وأحفادكم.. هو اتحادكم، فكونوا على مستوى هذه اللحظة التاريخية الفاصلة من تاريخ شعبكم ووطنكم وأمتكم، وكونوا على مستوى الأمانة الملقاة على عواتقكم.. اتحدوا.

=======================

العقول التي نريد

انس الخطيب

نريد عقولاً تملك الشجاعة الكافية لكي تواجه المتخلفين في مجتمعاتها حتى لو قدمت حياتها كرت دخول لتلك القضية لا ان تقف في طابور الخيال لتنتظر المخلص الاكبر ليواجههم نريد عقولاً لا ترفض الأفكار الجديدة المُطوره وان كانت مخالفة لعاداتها , بل تستطيع بكل قوة ان تقحمها داخل مجتمعها المتخلف .

نريد عقولا تقرأ التاريخ لكي تستفيد من تجارب الناجحين والفاشلين فيه لا ان تقرأ التاريخ لكي تؤنس وقتها , وتعلم ان القداسة منزوعة من كل انسان في تاريخها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

نريد عقولا ترفض قضية التحمير عليها "كالحمار يحمل اسفارا " فلا تقبل كل شيء إلا بمنطق الدليل والبرهان مهما كانت مكانته , فلا يوجد في قاموسها تقديم الاشخاص على الأفكار بل الأفكار هي مقدمة على الاشخاص .

نريد عقولاً تحرص على تطوير ذاتها لتصل إلى ما تريد , لا ان تتعرف على مسئولين لتحصل على ما تريد , تؤمن ان من اسباب فشل المجتمعات دخول " الواسطة " فيها , ومن اسباب تطور المجتمعات انتشار الكفاءات في مؤسساتها .

 عقولاً تستحي من الاخرين عندما تخالف القانون , لا ان تتفاخر امام بعضها بمخالفته , تحب دائما مهما كانت مكانتها ان يطبق عليها القانون ان هي خالفته , وتكره ان تتفاضل على غيرها في تطبيقه .

عقولاً تؤمن بقول الله تعالى " بل هو من عند أنفسكم ", وتكفر بقول الناس بل هو مؤامرة.

=======================

النخب الحاكمة وحق المواطنة

الدكتور عادل عامر

هذا ولا تزال نظمُنا الحاكمةُ بعيدةً كلّ البعد في فكرها وسلوكها عن المعنى الحقيقي لفكرة الوطن والمواطن والمواطنة والمتمثلة في الاشتغال على بناء الحكم المدني الصالح من خلال وجود المواطن السليم المعافى القادر على العمل والإنتاج واستخدام طاقاته النفسية والمعنوية في بناء وطنه الحر وإنشاء المؤسسات المدنية الفاعلة، وربط المواطنة الحقيقية للفرد بحقوق وواجبات ومصالح ومسؤوليات والتزامات تخص الجميع بما فيها النخب الحاكمة وبمعنى آخر تتأسس الوطنيةُ الحقيقيةُ على بنيةٍ مجتمعيةٍ مدنيةٍ تعاقديةٍ يترتب عليها منظوماتٌ حقوقيةٌ وثقافيةٌ ومؤسساتيةٌ ديمقراطيةٌ وتمثيليةٌ قادرةٌ على الانتقال بالأمة من مجرد سديم بشري هائم وغائم وعائم إلى مستوى كتلة تاريخية منسجمة مندمجة وموحدة الرؤية في وعيها لذاتها ودورها الحضاري الرائد المناط بها حاضراً ومستقبلاً.

وقد أفضت كل تلك الأسباب مجتمعةً إلى جعل إنساننا العربي المعاصر طبعاً بعد مرور عقود طويلة صعبة ومريرة من السيطرة والهيمنة والسحق والإلغاء المتواصل إنساناً مشلول التفكير والإرادة، وعاجزاً عن الحركة الذاتية بأي اتجاه.. كما أنه لا غرابة في ظل تلك الأجواء التناقضية المتوترة على الدوام أن يعيش الإنسان العربي مغرّباً ومغترباً عن ذاته، مستباحاً ومعرضاً لمختلف المخاطر. فهو على الهامش تشغلُهُ لقمةُ العيش، لا يجد مخرجاً سوى "الخضوع أو الامتثال القسري"، يجتر هزائمه الخاصة والعامة وهو مغلوب على أمره، عاجز عن التغيير أو تحدي قوى الاستبداد.. إذ أنه (كما نراه حالياً) يعاني من الأمراض والتشوهات الاجتماعية والنفسية بشكل يجعله غير قادر على التفكير المنطقي السليم، والحركة العقلانية النوعية الهادفة والخالية من الشطط.. وبالنتيجة فقد أصبحنا أمام إنسان مقصي مهمش، وغير متفاهم مع ذاته ومحيطه، الأمر الذي انعكس تناقضاً واضحاً في سلوكه اليومي، وفي وعيه لحياته وطريقة تعامله مع همومه الخاصة والعامة..

وقد رأينا كيف أن المواطن العربي كثيراً ما يتصرف بشكل مضاد لمصالحه ومصالح وطنه وأمته، وهو يفعل هذا بدافع شحنة التشوهات والمتناقضات والعاهات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها، والقصور الذاتي الذي هو واقع فيه نتيجة سيطرة مفاهيم وثقافة الاستبداد على حركته الوجودية ككل، كالضبط والردع والأمر والنهي وووالخ.. من هنا يأتي تأكيدنا على ضرورة تغير الطبائع والنفوس، كأساس لتغيير الواقع الخارجي، أي تغيير الواقع الثقافي والمعرفي السائد حيث أن جذر العطالة وعلة الأزمة كامن هنا.. لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وفاقد الإرادة والحيوية والتضحية وكل قيم الفاعلية والحركية والنشاط والاندفاع العقلاني باتجاه العمل المنتج والمبدع لا يمكن أن ينطلق مبدعاً ومنتجاً في أي موقع أو مجال من المجالات، بل يبقى في موقع المتلقي والمتأثر والمستهلك لمنجزات وإبداعات الآخرين .. ومجتمعاتنا العربية حالياً تقدّم لنا أفضل مثال ونموذج حي على ذلك الارتكاز الحضاري والتقهقر المعرفي الإبداعي على الرغم من بعض النقاط المضيئة هنا وهناك، وهي على كلٍ بسيطة وقليلة لا تشكل حالة فريدة متميزة يمكن الاعتماد عليها.. حيث أنها حضارة لا تنتج شيئاً على الإطلاق تقريباً، وتستهلك كل شيء مما ينتجه ويصنعه الآخرون.. حتى سياساتها الداخلية المحلية، لا يرسمها أو يخططها قادة وزعماء تلك الدول إلا بما يتناسب مع مصالح الدول والقوى الكبرى.. إنها مجرد مجتمعات خاملة مستهلكة تعبة لا تقدم شيئاً للحضارة ولا لنفسها، يتحكم فيها مجموعة حكام يفكرون بعقليات بدائية، ويحكمون بلدانهم من زمن بعيد على أسس عشائرية عائلية عاطفية هوجاء، بعيدة كل البعد عن أي منطق أو مبرر عقلي صحيح، سوى تكريس مكاسبهم ومصالحهم، والبقاء الدائم في الحكم واستمرار الوجود على رأس النظام والدولة. وبالنتيجة نؤكد أن الاستبداد والتسلط (القهر القائم على العنف العاري) وهو ركن الحكم العربي على وجه العموم بمختلف ألوانه وأشكاله هو شيء أعمى يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية.. وهو قانون قسري ظالم، والقسر استثناء لا يدوم، لأنه يقف على طرفيْ نقيض من فطرة الإنسان، ومن حريته، ومن قدرته على تحقيق الاختيار السليم، بل إنه يشل طاقة التفكير واستخدام العقل والفطرة الصافية عند الإنسان، ويرهن مصائره للمجهول، ويجعله أسيراً بيد الجهل والتخلف..وهنا تقع الكارثة الكبرى عندما يفقد هذا الإنسان حريته.. لأنه يفقد معها كل شيء جميل في الحياة.. إنه يفقد العزة والكرامة والأخلاق والعلم، وبالتالي يكون مصيره الموت المحتم أو العيش على هامش الحياة والوجود كأي كائن آخر، وقديماً قالوا إن الإنسان حيوان سياسي.

أي أنه يختلف عن الحيوان في عقله الذي أكرمه الله تعالى به بما يجعله قادراً على التخطيط والتفكير وتنظيم حياته وحاضره ومستقبله، وعندما يفقد هذا الإنسان حريته ومشاركته في تدبير سياساته وشؤونه المختلفة يصبح مجرد حيوان يأكل ويشرب وينكح، هذا إن استطاع إلى ذلك سبيلاً وهنا نطرح سؤالنا الدائم: هل من حل أو علاج لهذا لمرض المستشري، وهو مرض الاستبداد واحتكار السلطة الذي يعد هو نفسه السبب الرئيسي في عرقلة وتعثر نمو "الدولة" في الواقع العربي، لأنه حرمها (ويحرمها) حيوية التجدد ويمنع عنها أسباب التطور والنمو والارتقاء إلى مراحل أعلى؟!..في الواقع لا يوجد لدى أحد فرداً كان أم حزباً أم دولة أي حل سحري لأزمة الاستبداد الشاملة التي تلف بظلالها السوداء الفضاء الأوسع من عالم الإسلام والمسلمين حالياًً.. ولا شك بأن للثقافة النقدية أهمية قصوى في تسليط الضوء على مكامن الخراب والدمار التي أنتجتها استراتيجيات الاستبداد في عالمنا العربي، في محاولةٍ منها لتقديم رؤية حقيقية عن الأوضاع المتخلفة السائدة عندنا مرتبطةً بتصور "سيء ثقافي" ما للخروج من الأزمة المقيمة كما أن للتربية العائلية والاجتماعية دوراً أساسياً في بناء الإنسان الحر السليم في بنيته التفكيرية والسلوكية.. ولكنَّ عمقَ الأزمة وضخامةَ سلبياتها، وأسسَ معالجتها لا ينطلق فقط من العائلة والثقافة والفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة في عملية تثقيف وتربية ونهضة متوازية، وإنما أيضاً من خلال وجود نخبة سياسية عقلانية واعية تقود عمل وجهد كل أفراد المجتمع والأمة، بحيث يتوقف على نوعية وأخلاقية وعدالة وتوازن تلك النخب (وطبيعة معرفتها وخبرتها بواقع مجتمعاتها والبيئة الإقليمية والدولية التي تعمل فيها، وتقدمها في تطوير الصيغ وقواعد العمل التي تساعد على حل النزاعات المحتملة أو القائمة فيما بينها للحفاظ على أكبر قدر من التعاون والتفاهم)

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ