ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 16/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

السياسة الدولية :وموقع الازمة السورية في الخريطة الدولية الجديدة ...!!!

د.خالد ممدوح العزي*

الصراع الدولي والتغير المنتظر :

الصراع الاقتصادي يتصاعد في كل الدول الكبرى ، وخاصة الاقتصادية منها، والسبب يعود لعدم وجود خطة اقتصادية إنقاذيه شاملة لدى هذه الدول ، بالطبع الشرق الاوسط مكان مفعول به في سياسة هذه الدول ، ومرحلة انتقالية للمعارك الجديدة القادمة في خريطة العالم الدولي الجديد التي تراهن على بناءه بعض الدول ، وبالتالي الروس والصينين شأ من شأ وابا من ابا ، فانهم خرجوا من الشرق الاوسط، وساهموا بدخول امريكا واوروبا على المنطقة ، بسبب تقاعس هذه الدول وعدم تعاملها الجدي مع شعوب دول هذه المنطقة، ووضعهم لعدو وهمي ومجهول لهم ، هو صعود الاسلام السياسي الى السلطة .

فاليوم المعركة القادمة للسيطرة هي معركة اسيا الوسطى وافريقيا...وليست منطقة الدول العربية التي يتم تغير انظمة الحكم فيها تدرجيا . المشكلة العربية وقعت اذا اسيرة لمصالح دولية ، لم تحل ولم تخرج نتائجها بعد، ولن تحل اليوم وخاصة السورية منها . الجميع يحاول انتاج نظام دولي جديد يحاول ان يكون له دور اكبر واكثر فعلية من خلال التمسك بملفات وايجاد تحالفات جديدة ،لطرح او اطلاق دبلوماسية اوسع واكبر، ومن نوع جديد يكون فيها تعدد الاقطاب هو السائد والحاكم . فاوروبا اليوم تعاقب زعمائها واحزابها ،الذين وافقوا على سياسة التقشف، علهم يسيطرون على زمام الازمة الاقتصادية، لكن الشعب قرر معاقبتهم واستبدالهم باليسار . ان نمو اليسار في اوروبا اليوم ، لا خوف منه لأنه ليس هذا اليسار القديم ولا الجديد الجدي والقوي، ولا يتمتع ببرنامج واديولوجية جديدة مميزة ،ولكن سيطرت اليسار اليوم في اوروبا سوف ينمي اليمين المتطرف، وهذا هو الجوع الحقيقي لأوروبا والخطر القاتل لها ،ويذكرنا هذا الوضع بالعام 1930 عندما وصلت النازية في المانيا الى سدة الحكم بواسطة الانتخابات الشعبية وبالطريقة الديمقراطية ، طبعا هذا حال اليمين المتطرف في فرنسا الذي ساهم باسقاط حزب سركوزي مما ساهم بفوز الحزب الاشتراكي ،لكي يتمكن حزب اليمين المتطرف ،من ان يكون هو الحزب المعارض ، الوحيد والقوي والذي يضمن له مستقبل زاهر في فرنسا بظل تأزم الحياة الاقتصادية والاجتماعية ،وهذا وضع اليونان وايطاليا و صربيا الخ . فالانتخابات في الغرب لم تدل عن استقرار في القارة الاروبية او في الغرب بشكل عام ،وانما تدل على ازمة وليدة ولا تحمل اي حلول حقيقية للازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهم، فالغرب سيغرق في المزيد من المشاكل في المرحلة المقبلة.

روسيا والورقة السورية :

تتحمل روسيا ، جزء ليس بسيطا من الكارثة ،فقد تمادت كثيرا في تازمها، ولم يعملوا على ضبط الازمة بل اطلقوا لها العنان، لقد ساهمت بالكارثة الفعلية ،واطلقت زئيرالاسد ،ومدته بالسلاح والمال والمعلومات والحصانة الدولية فرفعت الفيتو ضد العرب لحماية ايران وليس سورية، روسيا عينها على ايران، ولكن التقدير الروسي يمتاز بالغباء وضعف الرؤية فروسيا لازالت حبيسة اوهام قديمه بانها الدولة الثانية الكبرى في العالم . طبعا ان مسرحية تدور السلطة الروسية ، هي مهزلة للشعب الروسي واليوم التداول يتم في حلقة ضيقة ولكن اضحينا امام القيصر الحقيقي في ادارة الملافات الدولية العالقة، وخطابه السياسي هو خارطة طريق من قبله للتعامل مع الملفات السياسية والتي بدأها باشارة واضح للتقارب مع امريكا بلهجة تصعيدية. لروسيا وامريكا مصالح مشتركة في ترتيب وتهدئة العلاقات بينهما من خلال ادارة العلاقات بطريقة جيدة تخدم البلدين ،وايضا كل الملفات العالقة هي محصورة اذا بين موسكو وواشنطن. هناك ملفات كبيرة ومتازمة بين البلدين وهي بحاجة للحل الجيد وبادارة حكيمة ،:"ومنها ملف جورجيا الدرع الصاروخية العلاقات في القوقاز الانسحاب الامريكي من افغانستان في عام 2014 ، مصير ومستقبل حركة طالبان القادمة للسلطة ومدى تاثيرها على دول اسيا السوفياتية ،ملف سوريا ،ملف ايران ،منظمة التجارة العالمية ،الانتخابات الداخلية الروسية والسكوت عن حكم بوتين وعدم دعم المعارضة الروسية بالاضافة الى مشاكل اخرى مفتاح الحل موجود مع واشنطن"، وبالتالي موسكو تعلم بانها لاتستطيع الدخول في حرب "اعلامية او سياسة او عسكرية او دبلوماسية مع واشنطن فالحرب الناعمة ليست لصالح روسيا.

المشهد السياسي العالمي :

فالانتخابات في روسيا ،اسبانيا ،فرنسا ،اليونان واميركا عقدت المشهد السياسي العام .لذلك سوف يينتج تقارب بعد الانتخابات الامريكية القادمة من خلال اعطاء روسيا بعض الامتيازات البسيطة التي تعلنها روسيا نصرا دوليا. ففي فرنسا -المانيا المشكلة الاوروبية الاجتماعية الاقتصاية ومشكل النمو هي مشاكل ذات ابعاد ذاتيه داخلية الى حد ما وكذلك المشكل في روسيا صعود الطبقة المتوسطة وصعوبة تجاهلها وفي اميركا البطالة والتضخم الاقتصادي .فاخر تقرير للتنمية البشرية لايبشر بخير. ان هذا الصراع الدولي لايزال ينظر الى المنطقة العربية على انها مفتعل او مفعول به وليس فاعل .

الربيع العربي لاشك عقد المشهد الدولي الى حد كبير وزاد من اعباء كافة القوى الدولية في البداية كانت المشكلة مع اميركا والان نتيجة قلة الخبرة الدبلومسية روسيا لم تستفد من التغيرات، وجعلت من نفسها طرفا وهي رؤية بنيت على تصور خاطئ اي ان ارتكاب الاخطاء سمة من سمات النظام الروسي.وبالتالي الازمة الاقتصادية العالمية التي يدفع ثمنها الزعماء القدامة في العالم الغربي ،لا يعني ابتعاد دور روسيا عن هذه الازمة، و هي ليست بعيدة عن مدار هذه الازمة العالمية.لكن ذلك لم يحل مشاكل الطرفين لان المشاكل عميقة جدا من الجانب الاقتصادي والسياسي اجتماعي ،بظل صعود واضح لتيارات يمينية ويسارية اكثر تطرفا.المشكلة السياسية لم تحل والجميع يحاول ويعمل على انتاج نظام دولي جديد ، يكون له دور اكبر واكثر فعلية من خلال التمسك بملفات عالقة ،وايجاد تحالفات دولية جديدة ،لطرح او اطلاق دبلوماسية واسعة كما اشارة اليه وكالة وكيكليكس في العام 2010 .

الازمة السورية و الانتخابية العالمية:

الازمة السورية تتراوح اليوم ما بين انتخابات في الصين، ورئيس جديد في ألمانيا، ودخول القيصر بوتين إلى الكرملين مرة أخرى، وخروج ساركوزي من الإليزيه ودخول أولاند والحزب الاشتراكي إلى كرسي الحكم لأول مرة منذ عام 1994، يبدو العالم كله كأنه يتقلب على صفيح ساخن! واليوم هناك حيرة في واشنطن حول الرئيس المقبل، وسخونة في إيران حول الانتخابات التشريعية، وغموض وقلق وخوف في مصر حول شخص الرئيس الآتي من ضمن 13 منافسا. كل ذلك له معنى سواء كنت معه أو ضده، سواء كنت جمهوريا أو ديمقراطيا، سواء كنت مع ساركوزي أو ضده، سواء كنت إسلاميا أو محافظا أو ليبراليا في الحالة المصرية، لكن الانتخابات الوحيدة التي لا معنى لها، هي الانتخابات البرلمانية في سوريا التي جرت على وقع قنابل المدفعية الثقيلة وطلقات الهاون والنشاط الدموي لشبيحة النظام.وهنا لبد من التوافق مع مقالة ل "رجا طلب في جريدة الرأي الاردنية بتريخ 7 مايو "ايار"2012 تحت عنوان :" مهمة عنان.. إلى متى؟ والتي تتحدث على ذمة كاتبها وذمة الجريدة :" بان المعلومات الاكثر خطورة تتحدث عن صفقة تمت عبر وسيط اميركي - لبناني الاصل بين دمشق وواشنطن واسرائيل وحزب الله بشان تقاسم حصص وكميات من الغاز اللبناني المكتشف مقابل بقاء النظام واطلاق يده في انهاء الثورة الشعبية في سوريا. من ابرز المؤشرات على احتمالية تلك الصفقة هو الفتور الواضح الذي طرأ فجأة على التعاطي الدولي مع الملف السوري وكأنه اصبح ملفا منسيا او في طريقه الى الدخول في حالة النسيان".

مهمة عنان رصاصة الرحمة للسياسة العالمية :

العالم اليوم كله يؤكد على ضرورة نجاح مهمة كوفي عنان ،والسبب الاساسي الذي جمع بين مختلف السياسات العالمية والتوجهات المختلة هو الغيب العلي لعدم الاتفاق على مبادرة سياسية قبلة للتنفيذ من قبل مجلس الامن والشكوت الامريكي على كل جرائم الاسد التي تؤشر على روائح صفقة خاصة بين الغرب والروس ونظام الاسد من خلال ضغط اسرائيلي على حساب استسلام الثورة السورية .هذا الذي يجعل خطة عنان المتق عليها دوليا دون تحديد مهمة التنفيذ وربطها بالية محددة ،اضافة الى غياب اي ضغوط على الاسد عسكريا .

ومن هنا فان فشل المهمة يعني فشل مجلس الامن كليا في ايجاد حل سلمي للازمة السورية وبالتالي العالم ترك سورية ورفع يد المجتمع الدولي عنها وتركها للنظام ليكي يسكت صوتها بقوة القتل والذبح كالخراف .وخاصة ان الازمة السورية التي فقدت اي حل سلمي وعربي ودولي لها بسبب استخدام النظام لقبضة الحديدية الامنية والعسكرية ،وبالتالي هذا الملف الذي استخدمه في فرض مصالحه الخاصة لتحسن شروطه في التفاوض شلت ايضا ي تحسين شروط تفاوضها ،وبالتالي سوف يعمل الشعب السوري في تحصين حاله في مواجهة النظام للدفاع عن نفسه،من خلال الاتجاه نحو التطرف الشعبي السلفي ،وبالتالي امام عجز المجتمع الدولي ي حل الازمة سوف يسمح في تدفق القاتلين الاجانب التي سوف تجتدبهم قضية جديدة لمقاتلين مجهولين وباحتضان الشعب السوري الذين باتوا بامس الحاجة للمساعدة دون النظر من اين هذه المساعدة .وهنا يعيدنا التاريخ الى العام 1993 عندما ترك العالم اهل البوسنة عرضة للقتل والتنكيل الى حيث قدوم المجاهدين العرب والمسلين الى سراييفوا والدفاع عن اهلها وفرض توازن رعب حقيقية ،ادت بالشعب البوسني بالالتفاف نحو هذه الشريحة المدافعة عن الشعب .عندها قرر الغرب الدخول في معركة ضد الصرب والوقوف الى جانب الشعب الاعزل بعد الخوف الفعلي من تدفق المجاهدين الى دولة في جنوب اوروبا .

مابين البوسنة وسورية امن اسرائيل :

واليوم هل سورية سوف تكون البوسنة في الشرق الاوسط بعد 20 عاما من الماساة التي عاشها الشعب البوشناقي ،واليوم يعيشها الشعب السوري بكافة فئته بكل مدنه ونواحيه .

فالعالم بوادي والربيع العربي بوادي اخر ،فلماذا يكون التغير في بلاد العرب غير طبيعي ،فالاسلام ليس بجديد على بلاد العرب لان عمره اكثر من 1400 سنة ،ولكن اسرائيل هي الجديدة ،العالم هو القلق عليها والعدو الوهمي ليس بجديد،لكن الحرية والديقراطية والعدالة الاجتماعية سوف تفرض انظمة جديدة في الدول العربية ، بعيدة عن حماية امن اسرائيل ،فالانظمة العربية الفاشلة الحالية هي شريكة في جريمة اغتصاب دولة فلسطين العربية ،واسرائيل لن تجد افضل من هذه الانظمة الحاكمة في حماية امنها لكونها انظمة دكتاتورية وقمعية .

*كاتب إعلامي، ومختص بالإعلام السياسي والدعاية.

dr_izzi2007@hotmail.com

=========================

انتفاضة القلب

فراس حج محمد

ربطت العرب المشاعر الإنسانية بالقلب، وأعدته مكانا للمشاعر وتقلباتها، ومحلا للأمان والاطمئنان والشك والقلق، وانعكس ذلك في التعبيرات الشعبية، فقالوا: "قلبي يطمئن لفلان، ويرتاح معه أو قلبي يأكلني عليه" فكان القلب دليلا على الأمان والشعور بالرضا، كما وأنه دليل على عدم الشعور بالمسؤولية فقد جاء في المثل الشعبي "قلبي على ولدي، وقلب ولدي على الحجر.

وجاءت النصوص الدينية تؤكد ذلك، فقال الله سبحانه وتعالى "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، ويعد القلب موضع اليقين فقال سبحانه: "إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، وقد عبر الحديث المشهور عن صلاح الفرد بصالح قلبه "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، ألا وهي القلب".

ومن ناحية ثانية فإن القلب هو العقل عند العرب، وهو الدليل على التفكير، فقال الأخطل الشاعر الأموي:

"إن الكلام لفي الفؤاد وإنما   جعل اللسان على الفؤاد".

وقد تفرع عن ذلك مسائل متعددة في الاعتقاد وأنواع الكلام، فجاءت تعبيرات فلاسفة العرب وعلماء الكلام باعتبار الكلام النفسي، وأن الله يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وما الذي تخفيه الصدور غير الكلام؟ وما هي الصدور غير الأفئدة من باب المجاز المرسل؟

وعلى ذلك فإن الأفئدة هي موضع التغيير، وانتفاضتها على كل باطل وعدم رضاها عن الواقع هو المهم، ولذلك ارتبطت القناعة بالقلب، والتغيير كذلك، فقال جل في علاه: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وما هو ذلك الذي بالأنفس أليس التفكير والقناعة التي محلها القلب؟

وعليه:

فإن من أراد التغيير والتلبس بقناعات جديدة لا بد من أن يغير ما نفسه من اعتقادات وأفكار لتنسجم الأفئدة والألسنة معا مظهرا ومخبرا، وقد جاء التشنيع في القرآن الكريم على من لا يتوافق فكره وسلوكه مع قوله، ألم يقل تباركت أسماؤه وتقدست صفاته: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما تفعلون".

فلنكن حصنا منيعا في قلوب مرهفة تنصاع للحق وترضى به، ليحدث الاطمئنان، فالحق أحق أن يتبع أيها الأفاضل؟؟

============================

البحث عن دور فوق الاقليمي

د.مهند العزاوي*

تؤكد الوقائع التاريخية ان الدول الطامحة والتي تحتكم على فائض من القوة تبحث عن اهداف ورقع حربية لتشغل منظوماتها الحربية المترهلة , وتسعى على الدوام لصناعة العدو وشيطنة الاخر لتبرير الاستمرار بحمى التسلح والتمدد خارج الحدود , وقد شهد العقد الايراني الماضي بتنوع المسالك الحربية والشبحية والحروب بالوكالة التي خاضتها ايران ضمن خط الصدع العربي الايراني ودورها المحوري في غزو العراق وأفغانستان .

تنهمك ايران منذ عقدين بالحرب الباردة لتفكيك المحاور الجيوسياسية العربية الهامة (حرب الازاحة) , وبعد خروج العراق من معادلة التوازن شهدنا التمدد الطائفي السياسي والشبحي باتجاه الجوار العربي اقليميا , وليبراليا باتجاه مصر والسودان والصومال , وبأسلوب الكماشة ضمن حرب المشاطئة بغية التأثير على الممرات البحرية الاستراتيجية الثلاث.

سياسة الوصول

يجد المتتبع للإستراتيجية الايرانية وملامح سياسة الوصول انها تستهدف البحرين والكويت ومضيق هرمز , وبنفس الوقت تديم الاضطراب في اليمن عبر خطوط الامداد المنتشرة في الصومال والسودان وإريتريا , ويلاحظ دور واضح في مصر والسعودية عملاقي القدرة العربية , وبذلك تعمل ايران على عسكره الاسلام من جهة وطوئفة المجتمعات وتمزيقها من جهة أخرى عبر اذكاء الفتن المذهبية , لتثبت للدول المتمركزة انها لاعب فوق الاقليمي وتستطيع ان تحدث التأثير في غالبية الدول العربية دون استثناء , مما يجعل منها دولة باحثة عن الحروب بالوكالة .

منافذ خضراء

تعاظمت وسائل القدرة الحربية الايرانية , وقد احتكمت على خزين سلاح يفوق قدرات الدول العربية المتاخمة , وأضحت تخرق النسق السلمي للمنطقة وتمارس الشغب السياسي , وتستخدم استعراض العضلات العسكري في مسارح الحركات البحرية , وتعدت ذلك بنشر غواصات في البحر الأحمر , وتلك المسالك تؤسس لدور الشرطي الشرير الذي يطوع القانون والوسائل والمسالك الأيديولوجية والدعاية لتحقيق الغايات الاستراتيجية , وقد سعت لفتح منافذ خضراء للاضطراب السياسي والأمني في العالم العربي وانتهكت بذلك السلامة الوطنية والقومية.

توازن مفقود

تؤكد الوقائع السياسية أن القوة عندما تتوسع وتترهل تبحث عن رقع حرب وشيكة وعدو محتمل تمارس فيها القوة والنفوذ وتصدر أزماتها الداخلية لحروب ومواجهات , لو أخذنا بنظر الاعتبار القدرة العربية المتاخمة لإيران وأجراء مقارنة وفق قاعدة المقارنة العسكرية "قوات الطرفين " سنجد أن هناك فرق كبير بالقدرات الاستراتيجية والعملياتية وعديد القوات والأسلحة الفتاكة ناهيك عن التأثير الإيديولوجي ووسائل الدعاية المضادة , ولم نشهد سلوكيات توازن عربية تقابل التفوق الايراني الذي استكمل : مكننة الحرب – النووي – المعلومات - الفضاء وكذلك وسائل الاضطراب السياسي والأمني , وبذلك لا رادع لإيران وهي تملئ الفراغ العربي , وتعمل بقوة على تغيير ديموغرافية المنطقة لغرض اندثار المحاور الجيوسياسية العربية .

حرب المشاطئة

تتفوق إيران على الدول العربية بمنظومة القدرة الاستراتيجية كالأسلحة النووية ,أسلحة الدمار الشامل , القدرة الصاروخية , الالكترونية ,المعلوماتية , الفضائية , البحرية , القوة اللامتماثلة , وتلك القدرات العظمى جعلتها قوة سائبة منفلتة تمارس البلطجة السياسية , وقد حققت تمدد كبير في البر العربي , وترجم على شكل نفوذ ليبرالي سياسي واقتصادي وعسكري في لبنان وغزة واليمن والصومال والسودان , ونفوذ إقليمي اخطر في العراق والكويت والبحرين.

تمارس إيران بحريا الجس والتوغل في حرب المشاطئة عبر الخليج العربي والبحر الأحمر والمتوسط وأعالي البحار , ولو استعرضنا المسارح البحرية سنجد أن مناطق الجس والنفوذ متعددة وكثيرة واتسعت مؤخرا بعد غزو العراق , وأضحت تسيطر بقوة على ساحل لبنان وتنشر غواصاتها عبر الأحمر وتمارس التواجد في المتوسط بذرائع مختلفة .

 سياسة "لي الأذرع"

يعد نفوذ ايران في العراق أكثر خطورة وتأثير لأنه الممر البري العربي , وقد أصبح العراق نقطة الانطلاق والقاعدة المحورية للاختراق الأطلسي والخليجي العربي , والأحداث الأخيرة في الكويت والبحرين ومصر والسعودية ولبنان تثبت ذلك , ناهيك عن القدرة الصاروخية المتطورة والتي تشكل تهديد خطير لدول الجوار العربي , حيث يجري نقل هذه الصواريخ إلى رقع النفوذ الليبرالي والإقليمي ليجري استخدامها ضمن سياسة "لي الأذرع " .

يبحث البعض عن منطقة رمادية في وصف وتقييم القوة وتقدير التهديد الحالي , ولا مكان للتطمينات والوعود السياسية والمجاملات الدبلوماسية لتبرير سلوكيات حربية مثيرة للجدل , ويلاحظ خلال العقد الايراني الحربي الفائت ومنذ عام 2001 كانت ايران المطرقة الصلبة في تهديم منظومة الدول العربية وتفكيك مجتمعاتها "العراق أنموذجا " ويفترض ان يكون هناك كوابح صارمة لانفلات القوة الاقليمية , ومخففات صدمة دولية تعالج التمدد الاقليمي والاضطراب الامني والسياسي الذي ينتج عنه , ولعل الانفراط العربي ترك اثرا سلبيا في كبح جماح الاخرين , كما ان السلوكيات الجماهيرية والحزبية الضيقة وعدم التفكير بقيمة الدولة وأهمية القوة النظامية القت بظلالها على توازن القوى العربي الاقليمي وخلف مفاصل لينة يسهل اختراقها , ويتحمل النخب والمفكرون والمثقفين العرب ووسائل الاعلام المعنية مسئولية كبرى لتثقيف الشعوب بأهمية نظرية الدولة والاستثمار المؤسساتي الذي يحقق الامن والسلم في عالم مضطرب يبحث عن الفوضى وهدم الدول .

*مفكر عربي عراقي

saqarc@yahoo.com

=======================

الذكرى الرابعة والستون للنكبة

د. غازي حسين

تحل الذكرى الرابعة و الستون والاستيطان يجري على قدم وساق في الاراضي العربية المحتلة في حربي عام 1948 و1967 العدوانيتين وبشكل خاص في القدس والجليل والنقب .

وفي الوقت نفسه تتركز المساعي الاميركية والإسرائيلية بالتعاون والتنسيق الكاملين مع من اسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى راسهم السعودية وقطر والاردن لبيع ما تبقى من فلسطين وتصفيتها عن طريق خطة اوباما لتسوية الصراع العربي – الصهيوني برعاية امريكا الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني .

وتعتمد خطته على اربعة مبادئ اساسية :-

الاول : قبول "اسرائيل" بدويلة فلسطينية كمصلحة اسرائيلية لحل مشكلتها وتخليد وجودها وليس لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين وذلك على اساس حدود عام 1967 ، وتبادل الاراضي لضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة الى الكيان الصهيوني.

الثاني : تخلي الفلسطينيين مقابل الدويلة المنقوصة الارض والشعب والسيادة عن حق عودة اللاجئين الى ديارهم.

الثالث : ضمان امن "اسرائيل" باعتباره مقدسا عند الرئيس الاميركي اوباما .

الرابع : اعتبار مدينة القدس ، مدينة الإسراء والمعراج واولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بشطريها المحتلين مدينة موحدة وعاصمة ابدية للكيان الصهيوني .

وبالتالي البس اوباما خطة "اسرائيل" للتسوية النهائية وتصفية قضية فلسطين بلباس اميركي لكي ينجح في تسويقها للمفاوض الفلسطيني غير الشرعي والمروّض والهزيل ، والذي تخلى عن قدسية فلسطين وعن الوطن والمواطن والعروبة والاسلام .

توجه محمود عباس الى المصالحة برعاية مصر بعد ان وصل الى الطريق المسدود في مفاوضاته العبثية خلال عشرين عاما مع قادة الكيان الصهيوني . واستجاب في مطلع هذا العام 2012 الى الدخول في مفاوضات استكشافية في عمان برعاية الاردن في ظل اقتراب موعد الانتخابات العامة في الكيان الصهيوني واحتمال عقد انتخابات مبكرة وفي ظل المزيد من تراجع الاهتمام الامريكي بملف قضية فلسطين لانشغال ادارة اوباما بالتحضير للانتخابات الرئاسية الاميركية . فالرئيس الاميركي يحتاج الى الهدوء في الساحة الاميركيةحتى تمر الانتخابات بسلام ، كما يحتاج محمود عباس الى انجاز سياسي يدعمه في الانتخابات الفلسطينية وفي العودة الى المفاوضات العبثية .

وكعادة "اسرائيل" في الكذب والتضليل والمراوغة لتحقيق الاستعمار الاستيطاني تستغل الاوضاع الفلسطينية والعربية والاميركية لمواصلة فرض الحقائق الاستيطانية على الارض وتصعّد من مسيرة التهويد وبناء المستعمرات للقضاء على الهوية العربية الاسلامية لفلسطين العربية .

وتعتقد بعض الاوساط الاسرائيلية ان نتنياهو يستطيع تلبية حاجة اوباما وعباس ولكنه لا يريد ، لأنه يتمنى خروج اوباما من البيت الابيض ومجيء رئيسجمهوري في الانتخابات القادمة ليدعمه للاستمرار في الاستيطان ، واحتلال الاراضي العربية .

اما بالنسبة الى محمود عباس فهو لا يزال يراهن على مفاوضاته العبثية ، وهو سعيد لعدم تضرره من الحراك الشعبي العربي ، ويأمل في اعادة انتخاب اوباما للعودة الى المفاوضات لإنهاء الصراع ضمن تصور اوباما المذكور للحل .

وتعتقد اوساط صحفية اسرائيلية ان على "اسرائيل" اذا كانت جادة في احلال السلام اعطاء فرصة للمصالحة الفلسطينية . فوجود ممثل واحد للشعب الفلسطيني بحسب رأيها هو في مصلحة "اسرائيل" ، لان برأي هذه الاوساط ان اتفاق الحل النهائي يجب ان توقعه فتح وحماس ، لان حماس مقبولة في الاوساط الشعبية الفلسطينية اكثر من فتح التي ينخرها الفساد .

وتعتقد اوساط اسرائيلية ان اتفاق المصالحة ينطوي على فرصة حقيقية للعملية السياسية . فتوحيد الجهة الفلسطينية هو مصلحة اسرائيلية ، لأنه بمجرد وجود هذه الجهة تستطيع "اسرائيل" تقديم مبادرة سياسية جادة على حد زعمهم ، وخاصة اذا قبلت بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة مع "اسرائيل" ومنها اتفاق اوسلو وبأقل من شروط الرباعية .

قبل توقيع المصالحة كانت "اسرائيل" تتحجج بعدم اهلية محمود عباس للتفاوض ، لأنه لا يمثل الفلسطينيين .

اذا كان عباس في نظر نتنياهو لا يصلح شريكا للتفاوض بسبب حالة الانقسام ، ولأنه لا يصلح اليوم بعد توقيع اتفاق المصالحة ، فماذا يريد نتنياهو (شايلوك تاجر البندقية) ؟ .

قدم نتنياهو شروطا جديدة لعباس كي يتراجع عن استحقاق ايلول أي يتراجع عن توجهه للجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاعتراف بيهودية "اسرائيل" والتنازل عن حق اللاجئين في العودة الى ديارهم وضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة في الضفة الغربية ، وابقاء القدس بشطريهاالمحتلين عاصمة الكيان الصهيوني الابدية. ويعمل في الوقت نفسه على تصعيد حمى الاستيطان في الضفة الغربية وبشكل خاص في مدينة القدس القديمة ، مدينة الاسراء والمعراج. وعلى الرغم من هذه المواقف التي تلحق افدح الاضرار بالحقوق الوطنية القابلة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني لا يزال محمود عباس ينتظر اشارة من نتنياهو للهرولة مجددا الى طاولة المفاوضات العبثية للتوصل الى حل لمشكلة "اسرائيل" وليس لحل لقية فلسطين وبمباركة من جامعة الدول العربية التي باعت فلسطين .

ان عودة اللاجئين الى ديارهم جوهر قضية فلسطين ، ولاسلام واستقرار في منطقة الشرق الاوسط الا بعودة اللاجئين الى ديارهم واستعادة ارضهم وممتلكاتهم .

ان الذكرى الرابعة والستون للنكبة والمصائب والويلات والمعاناة والقتل والتدمير الذي يلحق بالشعب الفلسطيني ، والتمييز الذي يعانيه في العديد من البلدان العربية يزيد من تمسكه بحقه في العودة الى وطنه اكثر من أي وقت مضى.

لقد نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مقررات مؤتمر بازل عام 1897 العلنية والسرية (المعروفة ببروتوكولات حكماء صهيون ) وعن تقرير كامبل عام 1907 وعن وعد بلفور الاستعماري عام 1917 ، ونظام الانتداب عام 1922 وعن مخطط لجان الترحيل التي شكلتها الوكالة اليهودية والحكومة الاسرائيلية ، وعن الحربين العدوانيتين التي اشعلتهما في عامي 1948 و1967 ، والتطهير العرقي الذي نفذته الحكومة والجيش واجهزة المخابرات الاسرائيلية ، واستغلال معزوفتي الهولوكوست واللاسامية لتبرير الابادة الجماعية لشعبنا العربي الفلسطيني وترحيله عن وطنه وزرع ملايين المستعمرين اليهود محله . وحدثت نكبة 1948 ونكسة 1967 ، ومنذ نكبة 15 ايار 1948 ونكسة حزيران 1967 اصبحت عودة اللاجئين الى ديارهم انطلاقا من القانون الدوليوالقرارات والمواثيق الدولية واسوة بالتعامل الدولي جوهر قضية فلسطين . وهذا ما دفع بالشعب الفلسطيني والدول العربية الى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28 ايار عام 1964 في مدينة القدس ، وتأسيس فصائل المقاومة فيما بعد بدمشق .

ان حق عودة اللاجئين الى ديارهم الذين هجرتهم منها "اسرائيل" حق اساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان ينبع من قدسية حق المواطن في وطنه ومن حرمة حق العودة الذي لا يزول بزوال الدول او بتغيير السيادة ، وهو حق غير قابل للتصرف و لا تجوز فيه الانابة او التمثيل ، وهو حق مقدس وعادل و لا يسقط بالتقادم ، وحق فردي وجماعي ايضا انطلاقا من الحقوق التاريخية للعرب في فلسطين ، ومن حق الشعوب والامم في تقرير المصير . ويملك هذا الحق المقدس اللاجئ نفسه وليس منظمة التحرير او مؤتمرات القمم العربية .

ان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم حق اساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان ينبع من قدسية حق المواطن في وطنه . فالفانون الدولي يؤكد على ان العودة للأشخاص الذين يرغمون على مغادرة منازلهم بسبب قوة قاهرة كالحرب ملزمة ، و لا مجال للطعن في حقهم في العودة إلى منازلهم . وثبتت الامم المتحدة هذا الحق في قرارها رقم 194 . وقبُلت "اسرائيل" في عضوية الامم المتحدة شريطة تنفيذ القرارين 181 و194 .

ان "اسرائيل" هي التي اجبرت اللاجئين الفلسطينيين على الترحيل واغتصبت ارضهم وممتلكاتهم ودمرت مدنهم وقراهم والتي بلغت حوالي 530 بلدة وقرية . واقامت على انقاضها المستعمرات اليهودية .

وتعمل على ترحيل الفلسطينيين حتى اليوم ، واحلال مستعمرين يهود من اصقاع الدنيا كافة محلهم .

وزعم الكيان الصهيوني قبل 64 عاما ورسخ في كتب التاريخ والمناهج الدراسية ان القادة العرب هم الذين طلبوا من الفلسطينيين مغادرة وطنهم ، وذلك كذبا وبهتانا كعادة اليهود بالكذب .

وجاء المؤرخون الجدد الاسرائيليون واعلنوا " ان ترحيلا جماعيا قسريا قد ارتكبته "اسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني عام 1948 " .

ان اللاجئين الفلسطينيين يصرون على حقهم في العودة إلى ديارهم لأنه حق اساسي وعادل ومقدس وجزء من العقيدة القومية والاسلامية وتؤكده مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والاتفاقات والقرارات الدوليةوالتعامل الدولي . ان الشعب العربي الفلسطيني وبعد مرور 64 عاما على النكبة مصّر على التمسك بحقه في العودة الى وطنه وزوال كيان الاستعمار الاستيطاني الصهيوني اكثر من اي وقت مضى ، ولن يسلّم ابدا باغتصاب ارضه وحقوقه ومقدساته لمستعمرين صهاينة جاؤوا من وراء البحار .

ويصّر على اجبار الكيان الصهيوني على تحمّل المسؤولية التاريخية والقانونية والمادية على نكبته ، ويؤكد على ان مصير الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني وكآخر نظام عنصري وارهابي في العالم الى الزوال تماما كما زال الاستعمار الفرنسي من الجزائر ، وكما زالت النازية من المانيا والفاشية من ايطاليا والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الفصل العنصري (الابارتايد) من جنوبافريقيا.

========================

المؤسسة العسكرية في دساتير العالم

الدكتور عادل عامر

زاد الجدل خلال الفترة الماضية حول دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وحول وضع هذه المؤسسة في الدستور الجديد للبلاد الذي من المفترض أن يؤسس لمصر الديمقراطية، وفى ظل هذا الجدل الدائر، جاءت أهمية بحث أوضاع المؤسسات العسكرية في دساتير العالم واخترنا عدداً من النماذج التي تغطى مساحة واسعة من البدائل، بدءاً بالدول الراسخة في الديمقراطية، وهى الدول التي تحولت ديمقراطياً في فترات سابقة وظلت على احترام قيمها والالتزام بإجراءاتها وعملياتها حتى تصبح القيم الديمقراطية جزءاً أصيلاً من الثقافة السياسية للمجتمع، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والهند للتعرف على وضع المؤسسة العسكرية فيهما. ومع الموجة الثالثة للديمقراطية التي بدأت في سبعينات القرن الماضي، خرجت عدة دول من عباءة الاستبداد تحت حكم عسكري مباشر إلى ساحة الديمقراطية وكان على هذه الدول أن تعالج قضية العلاقة الشائكة بين المؤسسة العسكرية والقوى المدنية التي قادت عملية التحول الديمقراطي.. ومع مقدمات انهيار الاتحاد السوفيتي ثم انهياره الفعلي، خرجت الدول الاشتراكية من عباءة نظم كانت تجمع بين الحزب الواحد المسيطر والمؤسسة العسكرية التابعة له. ومن هنا قدمت هذه الدول نموذجاً ثالثاً للترتيبات المؤسسية.. كما شهدت دول العالم حالة من الديمقراطية تحت الوصاية العسكرية أو ما وصفته بعض الدراسات بالديمقراطية العسكرية. ورغما عن التناقض الكامن في تركيب المصطلح فإن عدداً من الدول أفردت وضعاً خاصاً للقوات المسلحة، كي تقوم بمهام الوصاية على القوى السياسية المتنافسة التي كان يخشى من عدم التزامها بقيم الديمقراطية. ومن هنا أصبحت المؤسسة العسكرية ليست كياناً سياسياً محايداً، وإنما هي طرف أصيل في العملية السياسية إلى أن ينجح تحالف الأحزاب في خلق فضائها السياسي الطارد للعسكر من الحياة السياسية بما يتطلبه ذلك من تعديلات تشريعية ودستورية. ويعد نموذجا تركيا وباكستان الأولى بالدراسة في هذا الصدد

تجربة تركيا في المؤسسة العسكرية

اليوم تغير الحال، حيث لم يعد الجيش التركي اليوم هو نفسه ذلك الجيش الذي تمرس على ضبط إيقاع الحياة السياسية في تركيا لأسباب عده أدت في مجمله إلى أن تقل سطوة الجيش في تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم. ولعل أهم الأسباب: انتهاء الحرب الباردة وسقوط الإتحاد السوفيتي أدى لانخفاض مستوى الحماس لأي انقلاب على المستوى الغربي الذي كان يؤيد الانقلابات خوفاً على نظام الحكم التركي إبان الحرب الباردة. كان وضع الجيش مستقراً بلا ضغوط حقيقية من الخارج لوقف الانقلابات غير مبرره حتى بدأ الحديث عن ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي في قمة هلسنكي نهاية العام 1998 هناك فقط وجد الجيش نفسه أمام ضرورة وضع تنازلات عده وتقييد حركته في سبيل الحلم الأوروبي مما أضعفه سياسياً. الحزب الحاكم في تركيا (العدالة والتنمية) حزب ليبرالي وإن سمى نفسه إسلامي فهو متوافق مع الاتجاه الغربي 100% حيث أرسل قواته لأفغانستان بعد الاحتلال الأمريكي في إطار الناتو وكذلك يحافظ على الأجندة الرأسمالية في إطار التعاقد مع صندوق النقد الدولي وتعليماته، أيضاً كافة سياساته قائمه على أسس المصلحة دون أي تطرف ديني بالمرة أو حتى اقتراب من الأسس العلمانية للدولة. انضمامه لحزب الشعب الأوروبي في تسليم واضح بارتباطه بالغرب سياسياً على المستوى الحزبي. تلخيصاً، هم ليسوا إسلاميين مثلنا. استطاع حزب العدالة ضم العديد من أقطاب الصناعة إلى صفوفه للاستفادة من كونه حزب حاكم مما أعطى زخم مالي وإعلامي (نصف المؤسسات الإعلامية الخاصة بتركيا تابعه لرجال أعمال منضمين للحزب) وبالتالي توفر غطاء إعلامي ومالي للحزب. مجلس الأمن القومي: نص دستور 1961 على تشكيل مجلس الأمن القومي، ويتألف من عسكريين ومدنيين. ونص دستور 1982 على زيادة عدد الأعضاء العسكريين في المجلس بإضافة قادة قوات أفرع القوات المسلحة بغية زيادة الثقل العسكري على المدني داخله. كما تم تغيير صفة قرارات المجلس من كونها توصيات يدفع بها إلى مجلس الوزراء إلى قرارات يُعلن بها مجلس الوزراء. ونص دستور 1982 على تشكيل الأمانة العامة لمجلس الأمن الوطني. وقد أوضح القانون المنظم لهذا النص الدستوري وجوب أن يتولى أمانتها فريق أول ترشحه رئاسة الأركان العامة كما تم تحديد مهام الأمانة لتشمل شئون تركيا جميعها، العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية فضلاً عن مسئوليتها عن حماية المبادئ الكمالية. كما أنها مخولة بمراقبة الجهاز التنفيذي وتوجيه فعالياته والتدخل في إدارته. وللأمانة العامة الحق الصريح في الحصول على المعلومات والوثائق السرية على كل درجاتها وبشكل مستمر عند طلبها من الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات والأشخاص. وبهذه الصلاحيات أصبحت الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي تشكل ذاكرة الدولة ومركز عملياتها. وأصبح مجلس الأمن القومي مرتبطا بعلاقات مباشرة بمؤسسات الدولة مثل مؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركية، والمجلس الأعلى للتعليم، وجهاز تخطيط الدولة، والمحافظات والوزارات ويقوم بتوجيهها. من أجل تنفيذ هذه المهام ضمت الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي عددًا كبيرًا من الوحدات التخصصية المعنية بكل من الشئون الاجتماعية، والاقتصادية، والتعليمية والثقافية، والعلمية والتكنولوجية، والإعلامية، ومنظمات المجتمع المدني، ومتابعة شبكة المعلومات الدولية، ودراسة الحالة النفسية للمجتمع. ويشير ذلك التنوع الجليّ والتخصصية الدقيقة إلى مدى النفوذ والسلطات التي حازتها المؤسسة العسكرية بعد انقلاب 1980، ما جعلها أشبه بجهاز مخابراتي يُعنى بكافة شئون المجتمع التركي وتوجهاته. الوضع الحالي: يمكن القول إن تقليص سيطرة العسكر على الحياة السياسية التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية أحد أهم وأبرز التغيرات التي طرأت على بنية الدولة في تركيا منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، وكانت لها انعكاسات مهمة على التطور الديمقراطي الذي يشهده هذا البلد. ولقد تناولت التعديلات الدستورية التي أجراها الحزب عام 2010، والخاصة بمجلس الأمن القومي وأمانته العامة محورين يفضي كلاهما إلى تقليص وضعية المؤسسة العسكرية داخل الحياة السياسية التركية؛ وهما إلغاء هيمنة المؤسسة العسكرية على بنية مجلس الأمن القومي، وتقليص سلطات المجلس التنفيذية. ولفهم أهمية هذه التعديلات تجدر الإشارة إلى أن سيطرة العسكر على الحياة الدولة والمجتمع التركي تركزت في النقاط التالية: تعيين المؤسسة العسكرية جنرالات داخل عدد كبير من مجالس إدارات مؤسسات الدولة مثل المجلس الأعلى للتعليم، واتحاد الإذاعة والتليفزيون؛ ليكونوا رقباء لها على هذه المؤسسات. توسيع مجال إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية بما يحقق للمؤسسة العسكرية هيمنة كاملة على الحياة السياسية، وإيجاد المبرر الدائم لأي تدخل عسكري بدعوى تحقيق الأمن والحيلولة دون قيام حركات العنف والإرهاب. وسريعاً، فقد تناولت التعديلات إلغاء البند الخاص بوجوب تعيين الأمين العام لمجلس الأمن القومي من بين أعضاء القوات المسلحة لتنص على إمكانية تولي شخصية مدنية للمنصب، وانعقاد المجلس الدوري مرة كل شهرين بدلاً من مرة كل شهر، وتحديد مهمته واقتصارها على رسم وتطبيق سياسة الأمن الوطني، والقيام بإخبار مجلس الوزراء بآرائه ثم ينتظر ما يسند إليه من مهام ليقوم بتنفيذها ومتابعتها، وتحديد مهام الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي لتفقد دورها الرقابي ومبادرتها في إعداد قرارات مجلس الأمن القومي ووضع الخطط والمشروعات للوزارات والهيئات والمؤسسات، لتصبح مهمتها قاصرة على تنفيذ ما يكلفها به المجلس من مهام. كما تم سحب حق الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي في الحصول على المعلومات والوثائق السرية بكل درجاتها عند طلبها من الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات ورجال القانون، بالإضافة إلى تعديل قانون الجهاز المحاسبي لإلغاء إعفاء الكوادر العسكرية من الخضوع للرقابة المالية، لتصبح المؤسسة العسكرية وكوادرها خاضعين لإشراف ومراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات. وكذلك السماح برفع الدعاوى القضائية لاستجواب ومقاضاة الجنرالات القدامى بشأن قضايا الفساد، وإلزام العسكريين بالإدلاء بالتصريحات الإعلامية فقط في المجالات التي تتناول الشأن العسكري والأمني، وتحت إشراف السلطة المدنية أيضًا، وكذلك تم إلغاء إمكانية محاكمة المدنيين داخل المحاكم العسكرية. هذا وقد تم إلغاء عضوية الجنرال العسكري في كل من مجلس إدارة المجلس الأعلى للتعليم واتحاد الإذاعة والتليفزيون ليصبحا مؤسستان مدنيتان دون وجود أي رقيب عسكري. أن القوات المسلحة تخصص لها 5 % فقط من ميزانية الدولة !، وهي أقل موازنة تخصص لأي وزارة أخري في الدولة، ونصف ما تخصصه دول أخري للإنفاق علي بند الدفاع!، وبافتراض مصداقية سيادة اللواء لماذا الإصرار علي إخفاء الرقم كقيمة مطلقة والتعبير عنه بنسبة مئوية؟ وما جهات الرقابة؟ وملاحظاتها إن وجدت؟.. وذلك في ظل معرفة أن للجيش اقتصادًا داخل اقتصاد الدولة بما يملكه من شركات ومشروعات إنتاجية، وبافتراض طهارة يد الجميع، لماذا حتى تجنبا للشبهات أن تعلن كقيم إجمالية خاضعة لرقابة خاصة فعلا؟!..أنه بعد الاطلاع علي دساتير الدول الاخري، فمن المرجح أن يتم تطبيق النموذج الأمريكي في مصر، بأن تقوم لجنة متخصصة من البرلمان بدراسة موازنة المؤسسة العسكرية بكل تفاصيلها في سرية تامة ثم تقوم بالإعلان عن الأرقام الإجمالية لها لباقي نواب مجلس الشعب، وبالتالي يجمع بين الشفافية وسرية حسابات الجيش.. أنه لا يوجد نص في دساتير معظم دول العالم يعتبر أن القيادة العليا للقوات المسلحة فوق المساءلة، وإنما تخضع للقيادة التنفيذية وفي الغالب لوزير مدني، ومن المفترض أن قيادة الجيش أمينة علي الأموال وبالتالي تخضع للرقابة.

========================

يا ثوار سورية اتحدوا!.. (4) .. فرض واجب قبل فوات الأوان

نبيل شبيب

لا يعبر عن الوفاء للشهداء والجرحى والمشردين والمعتقلين والمفقودين.. عن الوفاء لليتامى والثكالى والمصابين والمكلومين والمحرومين أحدٌ مهما بلغ موقعه التنظيمي في الثورة الشعبية في سورية إلا بقدر ما يسبق سواه إلى وضع نفسه وفصيله على طريق وحدة الكلمة والمنهج

بين يدي الثورة الشعبية في سورية من يقول:

تعدّدت الأسماء فيما يوصف بالمعارضة السياسية بلا نهاية.. فأصبح يوجد المجلس.. والهيئة.. والحزب.. والتيار.. والتجمع.. والكتلة.. والجبهة.. والجماعة.. والاتحاد.. وكل فريق صغير أو كبير يجتهد ليميّز نفسه بتسمية جديدة..

وأمام واقع الإنجاز السياسي الضعيف ينطلق السؤال بمرارة: حتى متى هذه التفرقة وثورة شعب سورية ثورة شعب واحد، لهدف واحد، ومستقبل مشترك؟..

لو كان حجم الإنجاز بقدر هذا التعدّد لما مضى شهور وشهور.. دون أن توجد الطاقة السياسية القيادية القادرة على صناعة الحدث..

ولكن.. نعلم أيضا أنّ بين يدي هذه الثورة الشعبية البطولية التاريخية في سورية من الأسماء في الساحة الثورية ما لم يعد يسمح بمزيد.. فلدينا التنسيقيات في كل حي وبلدة، ولا غنى عنها في العمل الميداني المباشر.. ولدينا أيضا اتحادات التنسيقيات.. ولجان التنسيقيات.. والمجالس الثورية.. المحلية والعليا.. والهيئة العامة والكتائب الحرة.. فهل يستطيع أحد تعدادها وحصرها؟..

هل نستغرب إذن أن يتردّد في صفوف الثوار.. والثوار هم الشعب الواحد: حتى متى هذه التفرقة ولثورة شعب سورية هدف واحد، ومستقبل مشترك؟..

لو كان حجم إنجاز إدارة الثورة وقياداتها، بقدر هذا التعدّد الكبير من التشكيلات الثورية لما مضى شهور وشهور.. دون أن يستقر مسار الثورة على طريق النصر الحاسم.

بين يدي الثورة من يقول:

لم يطرح من تصدّى من السياسيين للتكلم باسم الثورة منهجا مشتركا فعالا، ولم يتمكّن من فرض إرادة الثورة في المحافل العربية والدولية..

هل نستغرب قول من يقول أيضا: أين طرح القيادات الثورية للمنهج الثوري السياسي، برؤى قريبة وبعيدة، ومخطط عمليّ مدروس، وآليات تنسيق وتكامل كافية، ليتحقّق من موقع قيادة الثورة، وعلى وجه الدقة من موقع قياداتها الميدانية المتعددة.. ما لم يتحقق عبر موقع المعارضة السياسية التقليدية.. أو المعارضات المتعدّدة؟..

بين يدي الثورة من يقول مفسرا ومنظرا:

تعدّد التنظيمات السياسية المعارضة أمر فرضته معطيات واقع تاريخي، ونسمع من يجيب: هذه مبررات مرفوضة فقد آن الأوان أن يتجاوز الساسة أنفسهم ويرتفعوا إلى مستوى الثورة الشعبية البطولية التاريخية.

ألا يوجد من يقول أيضا بين يدي الثورة: إن تعدّد التنظيمات الثورية أمر فرضته معطيات واقع تاريخي، وهل نستغرب أن نسمع هنا أيضا من يجيب: هذه مبررات مرفوضة فقد آن الأوان أن تتجاوز هذه القيادات نفسها وأن ترتفع إلى مستوى الثورة الشعبية البطولية التاريخية؟..

إنّ وحدة المنهج والكلمة وانعكاسَها في مواقف وخطوات وإجراءات سياسية، وإن لم تتحقق الوحدة التنظيمية، مسؤولية كبرى على عاتق السياسيين.. ومن يتحوّل إلى عقبة في طريق ذلك لن يدخل في سجل التاريخ بصفة قائد سياسي مهما بلغ حجم الفصيل السياسي الذي يقف على رأسه، فالعبرة في الإنجاز.. وليس في العدد ولا الكلام..

ولكن.. أيها القادة الثوار في التشكيلات الميدانية:

إنّ وحدة المنهج والكلمة وانعكاسها في مواقف وخطوات وإجراءات ثورية ميدانية وسياسية مدروسة، وإن لم تتحقق الوحدة التنظيمية، مسؤولية كبرى على عاتقكم أنتم في مواقع قيادة التنسيقيات والمجالس والهيئات واللجان.. ومن يتحوّل إلى عقبة في طريق ذلك لن يدخل في سجل التاريخ بصفة قائد ثوري ميداني مهما بلغ حجم الفصيل الثوري الذي يقف على رأسه، فالعبرة في الإنجاز.. وليس في العدد ولا الكلام..

يا أيها القادة الثوار.. اتحدوا.. قبل فوات الأوان، فالثورة ماضية إلى النصر الحاسم بإذن الله، وسيصنع الشعب الثائر قادته السياسيين وقادته الميدانيين على السواء، وستشهد سورية جيلا جديدا من القادة مثلما شهدت جيلا جديدا من الثوار صنع نفسه بنفسه.. وفي هذا الوطن الثائر لا يعبر عن الوفاء للشهداء والجرحى والمشردين والمعتقلين والمفقودين.. عن الوفاء لليتامى والثكالى والمصابين والمكلومين والمحرومين أحدٌ مهما بلغ موقعه التنظيمي إلا بقدر ما يسبق سواه إلى وضع نفسه وفصيله على طريق وحدة الكلمة والمنهج، وتنسيق الفعاليات المحلية والشاملة، ليكون مع الشعب الثائر يوم نصره المؤزر بإذن الله.

==========================

إذ كان حزب الله يعتبر أن الصراع مع إسرائيل أولوية على الصراع مع نظام سوريا فكيف يكون العكس في البحرين...؟؟

بقلم حسان القطب

مدير المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات

اشتباكات طرابلس الأخيرة وهي المدينة اللبنانية الداعمة لثورة سوريا وشعبها والرافضة لسيطرة حزب الله على لبنان رغم انقلاب بعض نوابها إلى محور سوريا وإيران، ليست عفوية عل الإطلاق، وليست نتيجة عملية خطف مواطن قامت بها مجموعة من مؤسسة أمنية رسمية من داخل مكتب وزير مؤيد لنظام سوريا وقوى حزب الله في لبنان..فقد سبق أن اعتقل العديد من الشبان الناشطين سياسياً ودينياً في طرابلس ومناطق لبنانية مختلفة وتحت أعذار متعددة وواهية حتى أن بعضها مفبرك ومع ذلك لم تقع حادثة إطلاق نار واحدة أو تم افتعال خلل امني من قبل أي فريق لبناني إسلامي اعتراضاً رغم الامتعاض والشعور العميق بالغبن والاستهداف والانحياز من قبل المؤسسات الأمنية الرسمية لقوى الأمر الواقع المسلحة والمهيمنة على الدولة ومؤسساتها وكذلك على مناطق متعددة من لبنان....الاشتباكات الأخيرة هذه هي حادثة متوقعة ومفترضة، والتعبئة الإعلامية التي أطلقتها منذ فترة قوى شكراً سوريا ضد مدينة طرابلس والشمال بشكل عام إلى جانب قرى البقاع المؤيدة للثورة السورية مهدت لما جرى اليوم حتى تدفع بالمنطقة نحو الصدام الداخلي للجمهور اللبناني مع الجيش اللبناني فيخسر الشعب السوري صديقاً وداعماً، وتؤكد سوريا بذلك وبعد التفجيرات المفتعلة في مدينة دمشق أن الإرهاب بدأ يتمدد نتيجة ارتخاء منظوماتها الأمنية في سوريا ولبنان.. لذا من الممكن أن تقع وتتكرر هذه الحوادث الأمنية في أي حين، وعند الطلب من المجموعات المسلحة التابعة لهذا المحور من قبل المرجع السياسي الإقليمي السوري - الإيراني الذي يرى ويحدد الوقت مناسب لإشعال نار الفتنة ولو بشكل محدود، فهذه الاشتباكات لن تكون الأخيرة كما لم تكن الأولى، ولكن القاسم المشترك فيما بينها جميعها هو محدوديتها وانتهائها بعد تدخل وتداخل وإعلان انتشار للجيش اللبناني وكأنه لم يكن منتشراً قبلاً، وبعد أن تكون الضجة الإعلامية المرجوة قد أخذت مداها المطلوب ووصلت أصداءها لمن يجب أن تصل..، ولو رجعنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء أيام وأسابيع قليلة لنتذكر أنه قد تم إطلاق النار على تظاهرة مؤيدة للشعب السوري المظلوم والمضطهد من قبل نظامه والعالم بأسره بأيدي من قبل من تم تسليحهم وتمويلهم من قوى الأمر الواقع باسم المقاومة...كما وقعت اشتباكات متعددة دون سبب ظاهر أو معلن اللهم سوى إبقاء حالة القلق موجودة ومتوافرة في الساحة اللبنانية ليرتاح النظام السوري وليتغلغل المشروع الإيراني في المنطقة..

الصراع المسلح يتطلب وجود فريقين متصارعين ولكن في الحالة اللبنانية لا يوجد سوى فريق مسلح واحد ومدعوم من قبل سوريا وإيران وبغض طرف بارز ومعلن من قوى رسمية لبنانية.. لذلك فعملية التصارع وإطلاق النار تسبقها حملات إعلامية وتحضيرات صحفية وخطابات حماسية تبرر ما قد يحصل لاحقاً أو ما قد حصل سابقاً... ولهذا السبب فقد دافع نعيم قاسم نائب نصرالله وممثل حزب الدعوة في لبنان كما يقال عن اجتياح ميليشيا حزب الله وأمل لمدينة بيروت في عام 2008، بالقول : (ما حدث في 7 أيار/مايو، اشتباك بين فريقين، وكان لحزب المستقبل 3000 مسلح منتشرين في بيروت في الشقق والمباني، وبادروا إلى إطلاق النار بعد تهديد مسيرة الاتحاد العمالي العام من السير على طريق المزرعة بضربها بقذائف الآر بي جي، وقد أبلغتنا القوى الأمنية وأبلغت الاتحاد بذلك، فأُلغيت المسيرة. ثم فوجئنا بإطلاق النار من بعض الزواريب، وكان لا بد أن نتخذ موقفاً، وكنا حريصين على ألا تتسع الفتنة، فانتهت الاشتباكات بعد ساعات) يؤكد قاسم هنا أن الصراع يجب أن يكون بين فريقين فكان لا بد من الإشارة إلى وجوده، ويؤكد أيضاً أن ميليشياته قد اتخذت أو لعبت بكل وقاحة وإجرام دور القوى الأمنية الرسمية اللبنانية التي وقفت شاهداً على عمليات القتل والتخريب دون أن تحرك ساكناً فأين كانت مؤسسات الدولة الأمنية وأين القضاء بل وأين هم المسلحين وأين السلاح...؟؟؟؟

ويخرج نصرالله في خطابه الأخير ليتحدث في قضايا محلية، إقليمية ودولية مهدداً متوعداً مؤيداً ومعارضاً في سوريا والبحرين ودول الخليج، وهي الهدف الحالي للمشروع الإيراني في المنطقة..

- محلياً: يقول نصرالله، (تيار المستقبل لا يمكن أن يدعي أحادية التمثيل لطائفة (السنة) لأن 35 في المائة من الناخبين السنة صوتوا للخط المعارض لتيار المستقبل". وسأل: "هؤلاء كيف يعبرون عن حالهم في انتخابات وفق قانون النسبية؟ تفضلوا إلى النسبية لنقول كل واحد من يمثل في طائفته. "تيار المستقبل" يريد أن يخطف الطائفة السنية، ولهذا يرفض النسبية".وأبدى تفهمه لرفض النائب وليد جنبلاط النسبية "فالحزب التقدمي الاشتراكي يمكن أن نتفهم موضوعه، لكن "تيار المستقبل" يريد أن يبقى مهيمناً على الطائفة"). كيف يتفهم نصرالله موقف جنبلاط الرافض للنسبية ولكنه لا يستطيع تفهم موقف تيار المستقبل، وكيف يكون المستقبل متهماً بمحاولة خطف الطائفة السنية، ووليد جنبلاط غير متهم بمحاولة خطف الطائفة الدرزية.. والسبب بسيط وهو أن المستهدف حقيقةً هم أهل السنة في لبنان، وعندما ينجز نصرالله عملية الإجهاز عليهم سياسياً بعد أن ضمن حضوره وسلطته الأمنية على الجميع بواسطة المؤسسات الرسمية، يصبح وليد جنبلاط تفصيل بسيط في المعادلة اللبنانية فلا بأس من إعطاءه المزيد من الوقت، وكان سبق لنعيم قاسم أن طالب وليد جنبلاط بلعب دور يتناسب مع حجمه الحقيقي..؟؟ أما الموضوع المالي الذي لا ينفك يتحدث فيه نصرالله باستمرار وعن إنفاق مليار ونيف من الدولارات لشراء الأصوات في الانتخابات الماضية، فأحد المصادر الإسلامية يعلق بانفعال على هذا بالقول: (إنه اتهام مباشر للمواطن اللبناني وبالتحديد لأهل السنة في لبنان بأنهم يرتشون ولا يملكون ذمة ولا حس وطني أو ديني مع اعترافه بان 35% من السنة لم يصوتوا للمستقبل، وهذا أمر مرفوض واتهام مردود عليه.. فالحاج صلاح عزالدين هو إنتاج حزب الله وكذلك العشرات من أمثاله.. ومن يمول ويشتري ذمم بعض المعممين ليعلنوا له ولإيران الولاء على المنابر ومن يمول بعض التنظيمات والسياسيين ماليا؟ً ولماذا لم يعد نصرالله يطالب بإعدام العملاء بعد فضيحة قضية فايز كرم واكتشاف العشرات من كوادره متورطين بالعمالة مقابل مبالغ مالية، وهل يتجرأ نصرالله على ذكر ونشر أسمائهم ومواقعهم التنظيمية، وهل يجرؤ على محاسبة المرتكبين داخل حزبه؟).

- سورياً: يخاطب نصرالله الشعب السوري مباشرةً مخالفاً الدعوة إلى النأي بالنفس التي يطلقها وزير خارجيته عدنان منصور في حكومته التي يرأسها نجيب ميقاتي فيقول للشعب السوري: (أنتم أمام منهجين: «منهج بحل الأمور سياسياً من جهة، وعقل تدميري وجهات مستعدة لتقديم الانتحاريين، وليس بالضرورة أن يكونوا سوريين، من جهة أخرى»). هو عملياً يخير الشعب السوري بين الامتثال والخضوع لنظام الأسد وإيران أو التعرض للتدمير ويبرر هذا بالقول مؤكداً: («أننا نزداد قناعة بأن هناك من يريد تدمير سوريا، وذلك فقط لأنهم يريدون التخلص من الداعم الأساس للمقاومة في فلسطين، وللمقاومة في لبنان)..وإذا كان الحفاظ على نظام الأسد ضرورة لخدمة القضية الفلسطينية وإسقاطه مؤامرة، فكيف يكون العكس في البحرين ولماذا لا يطالب نصرالله شيعة البحرين بالتزام الوجهة السياسية عينها واعتبار أن الصراع مع إسرائيل هو أولوية على الصراع مع نظام آل خليفة كما وصفه...؟؟

- البحرين: وفي حين يتجاهل نصرالله المجازر اليومية التي يرتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري ويدين المعارضة السلمية والمسلحة لأن الصراع مع كيان إسرائيل أولوية فإنه يؤيد حراك شيعة البحرين وتطرق إلى ما يجري في البحرين، مشيراً إلى أن السلطة تعمل على دفع الأمور إلى مواجهات مسلحة ومتهماً نظام البحرين بارتكاب المجازر..التي لم يسمع بها احد ولم تذكرها حتى القوى الشيعية البحرينية؟؟ ( داعياً المعارضة إلى الصبر والمحافظة على حراكها السلمي. وكان سابقاً قد وصف أزمة البحرين ب"المأساة الوطنية" حيث يقتل الشعب في كل يوم والغازات التي تستخدمها القوات البحرينية قاتلة)..

المشهد العام والأداء السياسي لحزب الله وسلوكه بكل ما يتعلق بالقضايا اللبنانية المحلية وتلك المرتبطة بالشأن السوري والبحريني وغيرها يؤكد مذهبية حزب الله وانغماسه في تأجيج الصراع المذهبي، فهو يتفهم من يريد ومتى يريد وحين يريد ويحدد أين وكيف يجب ممارسة الصراع السياسي أو المسلح ومع من ومتى.. ولكن بجرده حساب بسيطة نرى أن سقوط نظام البحرين بيد شيعة البحرين يخدم المشروع الإيراني الهادف للتواصل مع شيعة المنطقة الشرقية في المملكة السعودية وتغيير معالم المنطقة السياسية والجغرافية والدينية،.. فلذلك الصراع مبرر وحزب الله وأمينه العام يؤيد هذا الصراع.. أما سقوط النظام السوري فيؤدي لانهيار مشروع إيران الهادف إلى ربط بيروت بدمشق عبر بغداد بغرفة عمليات الولي الفقيه في طهران، لذلك فالصراع في سوريا كما يراه نصرالله وفريقه مؤامرة على نظام الأسد، والقتل لأبناء الشعب السوري جزاء مبرر من قبل أقلية طائفية مذهبية حاكمة، وتأييدها واجب ديني كما ذكر احد المراجع الدينية الإيرانية، ومع ذلك يحدثك نصرالله ونعيم قاسم ومحمد يزبك ونبيل قاووق وهاشم صفي الدين وغيرهم من قادة حزب الله، وهم جميعاً معممين ومؤيدين لفكر ولاية الفقيه ومرجعيته الدينية التي تتجاوز الحدود وتعلو على كل شعور وطني أو قومي، عن مذهبية غيرهم وعن مدى بعدهم عن الروح المذهبية، وعن التعصب الديني والروح الأصولية التي تغمر فريق لبنان أخر (السنة)، وعن مدى انفتاحهم وتعاونهم واعتدالهم ووسطيتهم وقبولهم بالرأي الأخر..وهذا ما يخالف منطق الشكل والمضمون والنهج والتربية التي يمارسها حزب الله وفريقه.. إن مواقف حزب الله في حقيقة الأمر إنما تخدم مشروع إيران في المنطقة وما يقوله أمينه العام أو يحاول تبريره باسم فلسطين والمقاومة هو نهج معتمد لتغطية المشروع الحقيقي لدولة إيران والمقارنة بين الواقع السوري والبحريني ومواقف حزب الله منها تكشف حقيقة هذا المشروع وعمق مذهبيته...

=========================

تصدعات في الهوية العربية المعاصرة

أ.د.علي أسعد وطفة

مقدمة:

يأخذ مشهد الانهيار والتراجع مكانا مميزا في تضاريس الحياة العربية المعاصرة. ويؤسس هذا المشهد لوضعية تصدع وانشطار في بنية الوعي وفي مشاعر الهوية والانتماء. وإزاء هذه التصدع قد يفقد مفهوم الأزمة قدرته على توصيف هذه الوضعية التراجيدية إلى حدّ كبير، لأن حجم المعاناة التي تعيشها الأمة العربية يتجاوز حدود هذا المفهوم وقدراته التصويرية. وقد يكون مفهوم الانهيار أكثر قدرة على توصيف هذه الوضعية والتعبير عن مضمونها الحقيقي. ويمكن لمفهوم التصدع بوصفه تعبيرا يقع بين مفهومي الأزمة والانهيار أن يساعدنا في التحرك بين مضموني هذين المفهومين. فالتصدع الذي يتبدى أفقيا وعموديا في مختلف اتجاهات الحياة الثقافية العربية يتبلور ويأخذ مداه في معالم الهوية العربية وصورتها. فالهوية تعبير ثقافي يجسد أعمق مكنونات الحياة الثقافية والاجتماعية. وبالتالي فإن تحليل مضامين هذه الهوية وتفكيك مقوماتها بالتحليل يشكل منطلقا منهجيا في تفسير الواقع العربي باختناقاته وأزماته وصيروراته.

هذا المشهد المأساوي للحالة العربية يطرح اليوم نفسه تحديا علميا وفكريا على الباحثين والمفكرين العرب حيث يتوجب عليهم استنفار الطاقات والقدرات العلمية لتحليل عمق هذا المشهد ومظهره وتشخيص وضعياته المختلفة عبر التحليل والبحث والتنقيب العلمي.

إن الدراسة المنهجية للتصدع الذي تعانيه الهوية العربية تشكل واحدا من التحديات الفكرية التي تواجه الباحثين والمفكرين في مجال فهم حركة الواقع الاجتماعي العربي وتكويناته. فالذات العربية تعاني من وضعية الأزمة والتصدع والانهيار وبالتالي فإن “دراسة هذه الذات العربية الممزقة تشكل تحديا رئيسيا بين التحديات التي تواجه الباحث في مجال فهم حركة الواقع الاجتماعي العربي واستيعاب تعرجاته وتداخلاته بعيدا عن التصورات النظرية المجردة، والقوالب الفكرية الجامدة"([1]).

لقد بينت الأبحاث الجارية في هذا الميدان اهتزاز صورة الهوية العربية عند العرب. وبينت أيضا تراجعا في الصورة الإيجابية للإنسان العربي التي تجسدت عبر الجغرافيا والتاريخ والحضارة. فالإنسان العربي يكاد يخجل اليوم من صورته، والعروبة أصبحت بالنسبة لكثير من العرب لعنة أبدية تصب مشاعر الخزي والعار على أصحابها وأحبابها. حتى أن إحساس الانتماء إلى الشخصية الإسلامية كوجه من وجوه العروبة بدأت تفقد تألقها وبدأت تشهد تراجعا خفيا مضمرا يتسلل خلسة إلى أعماق الوعي واللاشعور.

هذا التراجع في الصورة الإيجابية للهوية واهتزاز في مرجعية الانتماء يتم تحت تأثير عوامل متنوعة ومختلفة أهمها اليوم الضخ الإعلامي الغربي الذي يشوه صورة العرب والإسلام ويعمل بكل الفعاليات النفسية على تدمير هذه الصورة وإدانتها. وقد اشتد سعير الحملة الإعلامية الغربية ضد صورة العرب ووجودهم فيما بعد أحداث سبتمبر. والأدهى من ذلك كله أن الشعوب المستضعفة أيضا - حتى الإسلامية منها - بدأت تنظر إلى العنصر العربي بوصفه عنصرا إرهابيا يجب تجنبه والحذر منه. وباختصار يعيش الإنسان العربي أزمة هوية وانتماء ويعاني حالة تصدع في المشاعر الوطنية والقومية إنه يعيش وضعية الزمن الصعب زمن التراجع والانهيار والسقوط.

فالإنسان العربي المعاصر، وبحكم انتمائه إلى المشهد التراجيدي للحياة العربية، يعاني أزمة هوية وانتماء تتصف بطابعي العمق والشمول. وتعود هذه الأزمة في بعض جوانبها إلى وجود الإنسان العربي في ظل كيانات اجتماعية متعددة ومتعارضة، تبدأ بالقبيلة والطائفة حينا وتنتهي بالدين وبالقومية أحيانا. فالوطن العربي كما تعلن إحدى الدراسات العربية “كيان مركب معقد، تتداخل فيه عناصر الولاءات المحلية بالولاءات الوطنية، ولا تتطابق فيه حدود الجغرافيا مع حدود المشاعر، ولا حدود السياسة مع حدود الأمة" ([2]). وبالتالي فإن تعددية الانتماء وتناقضاته التناحرية تؤدي إلى حالة من الانشطار في الهوية الاجتماعية، وإلى حالة من التمزق الوجداني الداخلي عند الإنسان العربي، الذي تتخطفه، وفي الآن الواحد، مشاعر انتماء اجتماعية متعارضة ومتنافرة في مختلف المستويات والاتجاهات.

إن تنامي مشاعر الانتماء الطائفي والقبلي أدى إلى ولادة موجة عارمة من مشاعر الولاء والتعصب بمستوياته المختلفة، فأغلب المجتمعات العربية تعيش تحت تأثير موجة من القيم التعصبية والتمييز الطائفي والإقليمي والعشائري والعرقي، الذي ينخر عظام الوجود الثقافي في الحياة العربية المعاصرة. وفي غمرة هذا النمو الكبير لهذه الولاءات الضيقة بدأ الإنسان العربي المعاصر يتعرض لكل أشكال الاضطهاد والتمييز والتسلط، ويعاني مختلف ألوان التعصب والقهر، حيث بدأت قيم التسامح تسجل غيابا كاملا وتترك مكانها لقيم التعصب الطائفي حينا والعشائري أحيانا.

فإشكالية الهوية والانتماء تطرح نفسها بين القضايا الساخنة في المجتمع العربي المعاصر. وتتداخل حدود هذه المسألة مع منظومة القضايا الفكرية والاجتماعية الحيوية في المجتمعات العربية. وتبدأ هذه الإشكالية بأسئلة قديمة متجددة حول أولوية الهوية والانتماء: هل نحن عرب أم مسلمون؟ هل نحن أبناء الوطن أم أبناء العشيرة؟ هل نحن أبناء الطائفة أم أبناء الدين؟ وعلى الرغم من البساطة التي تأخذها صيغة هذه الأسئلة، فإن الإجابة عنها بوضوح يمكن أن تؤسس لرؤية سوسيولوجية بالغة الأهمية والخصوصية في المجتمع، كما أنه يمكنها أن تقدم صورة موضوعية لصورة الهوية التي يحتكم إليها الوجود الاجتماعي والسياسي في المجتمعات العربية. ويتأسس على هذا أيضا أن الصورة الواضحة لمعالم الهوية الاجتماعية يمكنها أن تلقي الضوء على جوانب أخرى هامة في مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي المعاصر.

في هذه المقالة سنتعرض إلى وضعية الهزيمة التي يشهدها الإنسان العربي والتي تتجلى في إحساسه بالهوية ومشاعر الانتماء. ومن أجل تقصي هذه الوضعية سنقدم جهدا منهجيا يعرف بالهوية وملابساتها أولا، ثم ينتقل إلى تحديد طبيعة العلاقة بين الهوية والثقافة، بعدها تتم معالجة مفهوم أزمة الهوية، ونقوم على أثر ذلك بتحليل العوامل الداخلية والخارجية التي تعزز وضعية التصدع في الهوية العربية الإسلامية المعاصرة.

في مفهوم الهوية:

يتميز مفهوم الهوية بطبيعته الميتافيزيائية التي تدفعه خارج دائرة التحديد والتعريف. من هذا المنطلق يتجنب كثير من الباحثين استخدامه، ويتهيب بعضهم توظيفه، وهم إن وظفوه يتجنبون تعريفه. ومع هذه الصعوبة المعلنة فإن هذا المفهوم يمتلك قابلية سحرية للظهور في مختلف المقولات وذلك لأن عموميته ودرجة تجريده عالية جدا وتفوق عمومية أغلب المفاهيم المقابلة والمعارضة له. فمفهوم الهوية من المفاهيم الشبحية أي أنها تبتعد كلما اشتد المرء في طلبها.

سؤال الانتماء: والمدخل المبسط جدا في تعريف الهوية هو الإجابة على سؤال الانتماء: من نحن؟ هل نحن عرب أم مسلمون؟ هل نحن قبائل أم عشائر أم طوائف.

وفي دائرة هذا المدخل يشار إلى سؤال الماهية: ما هي السمات والخصائص التي تعبر عن هوية الإنسان وكيفية الشعور بها كأن أقول: من أنا: إنني كائن يمتلك شروط القوة والاقتدار أثق بنفسي وأبدع في مجال الحياة. وهذا السؤال يحدد لنا بينة الهوية ومكوناتها.

فالهوية بالتعريف البسيط أيضا هي: نسق من الخصائص والسمات التي تعطي للفرد أو الجماعة وحدتها وتميزها ودرجة تكاملها وماهيتها واتجاهات انتمائها.

فالهوية هي وحدة من المشاعر الداخلية التي تتمثل في الشعور بالاستمرارية والتمايز والوحدة والديمومة. والهوية تأسيسا على ذلك هي وحدة من العناصر المادية والنفسية المتكاملة التي تجعل الشخص يتمايز عما سواه ويشعر بتباينه ووحدته الذاتية ويورد جان فريمون تعريفا للهوية قوامه “إن الهوية إحساس متماسك بالذات وهي تعتمد على قيم مستقرة وعلى قناعة بأن أعمال المرء وقيمه ذات علاقة متناغمة فالهوية شعور بالكلية وبالاندماج وبمعرفة ما هو خطأ وما هو صواب" ([3]).

وباختصار فإننا نميز في مفهوم الهوية بين ثلاثة مستويات:

- موضوع الهوية الكينونة الموضوعية للهوية: ويتجلى في كينونة اجتماعية تتبدى خارجيا بصورة مستقلة عن وعي الناس وإرادتهم وتجري حركة هذه الكينونة على أساس الوحدة والانسجام والتكامل. فالمجتمع العربي يشكل وحدة اجتماعية مستقلة عن وعينا وإرادتنا بصورة موضوعية شئنا أم أبينا وذل في المستوى الثقافي فهناك روابط جغرافية وثقافية وتاريخية تربط بين أطراف هذا الوطن وتحقق وحدته.

- بنية معرفية المعرفة بالهوية أو الوعي الموضوعي بالهوية: قد يجد موضوع الهوية في نسق من المفاهيم المجردة التي يبدعها العقل الإنساني وهذه المفاهيم تشكل ما يسمى بوعي الهوية. الأفكار التي تتصل بالمجتمع العربي الذي يشكل وحدة ثقافية تاريخية وجغرافية. والوعي الموضوعي يمثل معرفة بالهوية ومكوناتها.

بنية وجدانية مشاعر الهوية الشعور الوجداني بالهوية: قد يكون الوعي بالهوية موضوعيا بمعناه المعرفي. فمعرفة الشيء لا تفرض ولادة مشاعر نحوه. وبمثالنا السابق فإن بعض العرب يدركون عناصر الوحدة الثقافية التي تربط العرب ببعضهم البعض تاريخيا وجغرافيا ولكنهم لا يحملون أية مشاعر سلبية كانت و إيجابية نحو هذا الموضوع.

وعلى خلاف ذلك فإن الوعي بالهوية قد يولد شعورا وجدانيا وانفعاليا بها. إي إحساس إيجابي بالانتماء إلى هذه الهوية والدفاع عنها وتمثلها وجدانيا. ونعني بالتمثل الوجداني عندما يتم تغذية الوعي الموضوعي بالهوية بمشاعر المحبة والولاء والانجذاب والإيمان.

بين الهوية والانتماء:

يتشاكل مفهوما الهوية والانتماء في تقاطعات عدة تطرح نفسها منذ زمن بعيد على بساط البحث العلمي. إذ غالبا ما يستخدم أحدهما في مكان الآخر في الأدبيات الاجتماعية المعاصرة. يدخل مفهوم الانتماء في تكوين مفهوم الهوية ويشكل عنصرا من عناصره.

ويشكل الانتماء جذر الهوية الاجتماعية وعصب الكينونة الاجتماعية. فالانتماء هو إجابة عن سؤال الهوية في صيغة من نحن؟ والانتماء أيضا هو صورة الوضعية التي يأخذها الإنسان إزاء جماعة أو عقيدة، كما أنه يشكل مجموعة الروابط التي تشد الفرد إلى جماعة أو عقيدة أو فلسفة معينة، وقد يأخذ صورة شبكة من المشاعر، ومنظومة من الأحاسيس التي تربط بين الفرد والمجتمع، وهذا بدوره يؤسس أيضا لمجموعة من العلاقات الموضوعية التي تتجاوز حدود المشاعر إلى منظومة من الفعاليات والنشاطات التي يتبادلها الفرد مع موضوع انتمائه. فالفرد في القبيلة يشكل صورة مطابقة لصورتها إذ يحمل روحها ويجسد معانيها ويستلهم عاداتها وتقاليدها، إنه صورة مصغرة لقبيلته بكل ما تنطوي عليه من معاني ومشاعر وقيم وعادات. وهذا يعني أنه يطابقها ويعبر عنها، وتلك هي صورة الهوية لأن مفهوم الهوية يعني المطابقة بين شيئين في نسق وحدة واحدة.

ويميل الباحثون، في مجال علم الاجتماع التربوي، إلى تحديد الانتماء الاجتماعي للفرد وفقا لمعيارين أساسين متكاملين هما: العامل الثقافي الذاتي الذي يأخذ صورة الولاء لجماعة معينة أو عقيدة محددة، ثم العامل الموضوعي الذي يتمثل في معطيات الواقع الاجتماعي الذي يحيط بالفرد أي الانتماء الفعلي للفرد أو الجماعة. فالولاء وهو الجانب الذاتي في مسألة الانتماء يعبر عن أقصى حدود المشاركة الوجدانية والشعورية بين الفرد وجماعة الانتماء فالولاء حالة “دمج بين الذات الفردية في ذات أوسع منها، وأشمل، ليصبح الفرد بهذا الدمج جزءا من أسرة أو من جماعة، أو من أمة، أو من الإنسانية جمعاء"([4]).

فقد ينتمي الفرد بالضرورة إلى قبيلة ولكنه لا يشعر بالولاء لها، وعلى خلاف ذلك فقد لا ينتمي المرء إلى قبيلة محددة ولكنه قد يكون قبليا بمفاهيمه وتصوراته. فالانتماء الفعلي يفرض نفسه ويتجاوز حدود وأبعاد العامل الذاتي وذلك كله مع اعتبار إمكانية التطابق بين العنصرين، فقد يكون المرء عربيا ومؤمنا بعروبته، أو مسلما مؤمنا بإسلامه في الآن الواحد، وهذه هي حالة التطابق بين الانتماء والولاء. وإذا كان الفصل بين هذين العاملين يعود إلى اعتبارات منهجية سوسيولوجية ضرورية، لتحليل ودراسة الانتماء الاجتماعي للأفراد، فإن الباحثين يدركون بعمق مدى التأثير المتبادل القائم بين العاملين في تحديد هوية الانتماء الاجتماعي للفرد. فالانتماء هو شعور الفرد بالارتباط بالجماعة وميله إلى تمثل أهدافها والفخر بحقيقة أن الفرد جزء منها، والإشارة الدائمة إلي الانتماء ولا سيما في لحظات الخطر"([5]).

وفي هذا السياق يمكن التمييز أيضا بين الانتماء وشعور الانتماء، فالانتماء هو حالة موضوعية يفرضها واقع الحال كأن ينتمي الإنسان إلى قومية معينة كالقومية العربية فمن يتكلم العربية ويعيش على أرض العرب هو عربي بالضرورة ولا يمكنه الخروج من دائرة هذه الهوية. أما شعور الانتماء فقد يتطابق مع البعد الموضوعي لانتماء وقد يخالفه أو يتناقض معه فالعربي الذي يتكلم العربية ويعيش على أرض العرب قد تأخذه مشاعر الانتماء إلى العروبة حبا وافتداء واقتداء وعلى خلاف ذلك قد تغيب لديه هذه المشاعر وتضعف لديه روابط العروبة وأحاسيسها فتحدث المفارقة بين واقع الانتماء ومشاعره.

وإذا كان الواقع الموضوعي يفرض على الإنسان مجموعة من الانتماءات فإن هذه الانتماءات تأخذ نسقا تتكامل فيها أو قد تتعارض. فنسق الانتماء يعني الوضعية التي يأخذها الإنسان إزاء وضعيات انتماءات متعددة، والتي تأخذ سلما ترتسم على مدرجاته اتجاهات الانتماء المختلفة. فالإنسان محكوم بعدد من الانتماءات التي قد تتعارض أحيانا وتتناسق أحيانا أخرى. فالإنسان العربي اليوم تتخطفه مجموعة من مشاعر الانتماء كالعروبة والإسلام والقبيلة والطائفة والوطن، وإزاء هذه التعددية قد يقع في صراع الهوية والانتماء، لأن بعض هذه الانتماءات يعارض بعضها الآخر كالتعارض بين انتماء القبيلة وانتماء الوطن. ومن هذه الزاوية يتحدث زكي نجيب محمود عن نسق الانتماء في صورة متكاملة تبدأ بالوطن وتنتهي بالإسلام حيث يعلن بأنه مصري، عربي، مسلم، ثم لا يهمه بعد ذلك أن تضاف إلى هذه الأبعاد الثلاثة أبعاد أخرى كالانتماء الأفريقي وغيره([6]). وتأسيسا على مفهوم نسق الانتماء زكي نجيب محمود بين العروبة والإسلام “فالمصري مصيب إذا قال أنه ينتمي إلى العروبة وإلى الإسلام معا (…) لأنه عربي بمعنى أنه يتجانس مع سائر العرب في نمط ثقافي واحد متعدد الجوانب والفروع. أما المصري المسلم فهو ينتمي إلى الأمة الإسلامية بجانب واحد وهو جانب العقيدة، وليس بالضرورة إن تكون بقية جوانب الحياة الثقافية مشتركة بين المصري والباكستاني والإندونيسي من المسلمين غير العرب([7]).

وانطلاقا من هذه الإشكالية فإن درجة الشعور بالانتماء قد تأخذ مسارات متباينة حيث تتباين درجات شدتها بين شخص وآخر. وهذا يعني أنه يمكن تحديد سلم انتماء كل فرد وفقا لأولوية انتماءاته. فقد يشعر الإنسان بعروبته أولا ودينه ثانيا وقبيلته ثالثا وطائفته رابعا ووطنه في الدرجة الخامسة. وهنا يمكن القول بأن سلم الانتماء قد يتحدد ويتشكل في بوتقة من الظروف والفعاليات الإنسانية والاجتماعية التي تحدد للشخص انتماءاته ونسق أولويات المشاعر الخاصة بهويته. ومن هنا يمكن التمييز بين موضوعية الانتماء وصورته الذاتية التي تتعلق بمشاعر الانتماء الذاتية.

لقد شكلت قضية أولويات الانتماء واحدة من القضايا التي عالجها زكي نجيب محمود بعمق واهتمام كبير حيث يرى أن نسق الانتماء لا يتكامل مع نسق الأهمية، حيث يقول "فربما كانت العقيدة الإسلامية من حيث الأهمية أهم جوانب حياته، لكن انتمائي لأسرتي ولقريتي ولوطني وللعروبة وللإنسانية جمعاء يجيء فيه ترتيب الدرجات على أساس آخر غير أساس الأهمية، وقد يكون هذا الأساس هو المشاركة الوجدانية، فهذه المشاركة الوجدانية بيني وبين مسلم الصين أو روسيا، دون أن يغير هذا الموقف الوجداني من حقيقة كون إسلامي أهم جانب من جوانب حياتي"([8]).

جدل الهوية والثقافة:

يعد مفهوم الثقافة Culture من أكثر المفاهيم تداولاً وشيوعاً ومن أكثرها غموضاً وتعقيداً" [9]. فالثقافة في بعدها الأنتروبولوجي ليست مجموعة من المعارف فحسب بل تشتمل على القيم وطرق الحياة والتفكير الخاص بأفراد المجتمع كافة. إنها “كل شيء يتم إنتاجه عن طريق الخبرة الرمزية المشتركة وله القدرة على مساندتها"[10]. وتشكل الثقافة أداة الإنسان في مواجهة المشكلات التي تعترضه وهي بالتالي نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة حول المآزق التي يواجهها الكائن في بيئته.

وتتحدد السمات الأساسية للهوية في مجتمع ما بطابع الثقافة السائدة في المجتمع. فالهوية تغتذي من نسغ القيم الثقافية وتنمو في الوسط لثقافي وتتبلور صورتها في مرآة الحياة والمعايير والتصورات الثقافية السائدة في المجتمع. فالإحساس بالهوية بما يتضمنه هذا الإحساس من نظرة إلى الكون وإلى الوجود ومن مواقف تتعلق بمعطياته تنضج وتتشكل في بوتقة الحياة الثقافية للمجتمع، وهذا يعني أن الهوية الفردية والاجتماعية كيان متشبع بالثقافة ومتبلور بقيمها. وهذا يقتضي أن فهم الهوية وإدراك أبعادها ومراميها مرهون بإدراك الثقافة وتحديد مضامينها واتجاهاتها. فكل نظام اجتماعي ثقافي يتميز بشخصية مرجعية كما يرى كاردينر Kardiner "، فالأنا ترسب ثقافي، وبالتالي فالشخصية الثقافية (المطابقة للهوية) تتباين من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر. فالأمريكيون على سبيل المثال يعطون أهمية للكمال أكثر من الألمان بينما يعطون أهمية اقل منهم على المحافظة" ([11]). وهذا يعني أن الهوية تقوم على مبدأ أن “القيم والعناصر الثقافية للنظام الثقافي تستبطن بأمانة من قبل الفرد وهي تشكل نوعا من البرمجة الناظمة لسلوكه"([12]).

وبعبارة أخرى تعكس الهوية السمات الثقافية لمجتمع الانتماء، ويبرز هذا في التباين السلوكي الذي يظهر بين شخصين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين، حيث يمكن تمييز رجل فرنسي عن رجل إنكليزي من خلال بعض أنماط السلوك التي يقوم بها كل منهما. وهذا يعني أن الهوية تنطوي على السمات العامة للثقافة السائدة في مجتمع ما أن أعضاء مجتمع ما، غالبا ما، يحملون نسقا مشتركا من السمات الثقافية لمجتمعهم والتي تحدد نمط الشخصية أساسية لهذه الثقافة ([13]).

ويترتب على ما سبق أن لكل ثقافة شخصية أساسية مرجعية تعكس صورة القيم السائدة أو الصيغة النفسية للحياة الاجتماعية والثقافية القائمة، كما يمكن أن يشار إلى وجود شخصيات مرجعية ثقافية لكل ثقافة فرعية أو مجتمع فرعي في إطار المجتمع الكبير.

إن أي تناقض داخل العناصر الثقافية يجد صداه داخل شخصيات الأفراد... وبالتالي فإن التناقض بين قيمتين داخل النمط الثقافي يجد صداه داخل الجهاز النفسي للفرد والإنسان ويظهر على شكل تصرفات سلوكية وردود فعل متناقضة وعصابية، ويبقى الصراع مستمرا حتى يستطيع الشخص تعديل وظائف القيمتين داخل جهازه النفسي([14]).

والهوية عطاء ثقافي بكل المقاييس والمعايير. الهوية تنشأ وتتكون في عمق الثقافة. وهوية الفرد هي تشبعات ثقافية بالدرجة الأولى. فالمشاعر والوعي والتفكير وطريقة التفكير تتحدد على نحو ثقافي. وهذا يعني أن هوية الفرد نتاج لتكثيف ثقافي ونتاج عملية بلورة ثقافية. ومن هنا لا يمكن الفصل بين الهوية (فردية أو اجتماعية) عن معطيات الثقافة الأم. وهذا يعني أن الانتماء إلى ثقافة ما يشكل القالب الذي تتشكل فيه الهوية. وهذا يعني أن الثقافة بمضامينها وحدودها تشكل مضمون الهوية التي تميزنا وتحقق لنا مشاعر الاستمرارية والأمن والوجود. وعندما تكون هذه الثقافة متماسكة ومرنة ومنفتحة ومتكاملة فإن الهوية تتشبع بطابع هذا التكامل والتماسك. ولكن عندما تكون موجهات هذه الثقافة متناقضة متضاربة فإن هذا يؤدي إلى التضارب وإلى التصدع في الهوية وهذا يدوره يؤدي إلى فقدان الأمن الوجودي.

وفي هذا الخصوص يمكن القول أن المجتمعات الحديثة تتكون «من ثقافات فرعية ميدانية لكل منها طائفة من المعايير والقيم الخاصة بها، التي ترسم أهداف الحياة لأفرادها» [15]. وتحدد الثقافات الفرعية شأنها في ذلك شأن الثقافات العامة نمط السلوك الذي يتوجب على أفرادها وتحدد لأفرادها على المستوى القيمي ما يجب فعله وما لا يجب.

أزمة الولاء:

قد يطرح تعدد الانتماء والهويات في المجتمع الواحد إشكاليات وتصدعات ولا سيما في الوضعية التي تتصادم فيها هذه الانتماءات أفقيا أو عموديا. ونقصد بالتصادم العمودي الحالة التي تتنافر فيها هوية فرعية من الهوية الأساسية في المجتمع: مثال ذلك كأن يكون الولاء للقبيلة أكثر أهمية من الولاء للوطن أو القومية. أما التصادم الأفقي فيتمثل في الصراع الذي قد ينشأ بين هوية فرعية وأخرى ومثال ذلك التعصب الذي قد يفرض نفسه بين طائفتين أو بين قبيلتين أو بين ثقافتين إقليميتين. ومع ذلك كله يمكن القول بأن وجود تنوع ثقافي في دائرة المجتمع لا يعني بالضرورة وجود أزمة أو تصدع وهذا يكون في الحالة التي يختفي فيها التعصب ويكون أشد الولاء وأعظمه موجها للثقافة الأساسية في المجتمع.

في مفهوم الأزمة:

يشير مفهوم الأزمة في المستوى الفردي إلى محنة علاقة وجودية بين الإنسان وشروط وجوده. والأزمة هي الوضعية المأزقية التي يوجد فيها الإنسان دون الحلول المطلوبة والتي تستثير صراعات وجدانية ونفسية عنيفة قد تؤدي إلى الخلخلة بوحدة الشخصية وتكاملها وذلك في المستوى الفردي وفي المستوى الاجتماعي. وتشير الأزمة أيضاً إلى المواجهة الإشكالية للفرد إزاء معضلة أو مشكلة تستعصي على الحل. ويشار إلى الأزمة أحياناً بكلمة تدهور وانهيار وتصدع كأن يقال تدهور أخلاقي أو تدهور ثقافي وعلى المنوال نفسه يقال انهيار نفسي واجتماعي أو تصدع ثقافي أو تداع أخلاقي، ومثل هذه الكلمات تصب جميعاً في مفهوم الأزمة سواء أكانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية سواء أكانت أيضاً في مستوى الفرد أو في مستوى الجماعة والمجتمع.

ينطوي مفهوم الأزمة على تناقض بين أمرين أو أكثر وينطوي هذا التناقض بدوره على صراع يفترض به أن يكون على درجة عالية من الشدة. وعلى المستوى الأخلاقي تبرز الأزمة عندما يقع الفرد ضحية واجبين متكافئين من حيث الأهمية مثل الصراع بين واجب التضحية للوطن وواجب التضحية للأسرة بين حب الأسرة وحب الوطن مثلا في آن واحد والأمثلة هنا أكثر من أن تعد وتحصى([16]). ولكن عندما تتوازن قيمتان عند الفرد أو الجماعة فإن ذلك يؤدي إلى صراعات عنيفة يعبر عنها بالأزمة. وعندما يتبنى المرء نظامين مختلفين من القيم فإن ذلك يؤدي أيضاً إلى أزمة قيمية.

ويمكن تحديد مجموعة من مظاهر الأزمة الثقافية أهمها:

الحالة التي تعاني فيها الثقافة من غياب الوحدة الثقافية والتي تؤدي إلى تصدع الهوية أي عندما تنطوي الثقافة على عناصر واتجاهات متناحرة تفقد الثقافة وحدتها وهويتها.

 الأداء الوظيفي أي عندما لا تستطيع المنظومة الثقافية أن تؤدي الوظائف الأساسية المنوطة بها في تحقيق التكيف مع الحياة وعندما لا تستطيع أن تقدم لأفرادها هذه المنظومة المتكاملة من الإجابات عن الأسئلة التي يطرحا العصر والتغيرات.

- حالة الجمود الثقافي حيث تتحجر الثقافة وتتصلب وتفقد مرونتها المطلوبة في الاستجابة لمعطيات الحياة والوجود. وتتجسد هذه الحالة في غياب الإبداع الفردي والاجتماعي وعدم قدرة الثقافة على احتواء التغيرات الجارية.

 عندما تعاني الثقافة من خلل زمني أي عندما تفقد معادلة التوازن بين الأزمنة بين المستقبل والماضي والحاضر. فالثقافة التي تتخندق في الماضي بصورة كلية تعاني من أزمة والثقافة التي لا تستطيع أن توازن بين متطلبات المستقبل والحاضر والماضي وفق رؤية تكاملية حضارية تحاصر نفسها في أزمة وجودية خانقة.

التناقضات القيمية وأزمة الهوية

تقتضي المنهجية التي حددناها منذ البداية بأن التناقضات الثقافية الحادة توجد في أصل أزمة الهوية وانشطاراتها. ومن يعاين وضعية الثقافة العربية المعاصرة سيجد بأن هذه الثقافة متشبعة بالتناقضات الفارقة التي تؤسس لحالة الأزمة التي تعيشها الهوية العربية.

إن تخلخل القيم يؤدي في مجتمعات الوطن العربي والعالم الثالث إلى “ما أسماه علماء الاجتماع المعاصرون بالشخصية المضطربة، وبالتالي فإن الشخصية المضطربة تصبح بنيتها أكثر تفككاً واستعداداً لتشرب القيم الأجنبية الوافدة وذلك بدوره يؤدي إلى حالة من التذبذب على مستوى الانتماء الثقافي. وهذا الوضع يقود صاحبه إلى ما سمته عالمة الانتربولوجيا الأمريكية مارغريت ميد (M. Mead) عهر الهوية (Identity Prostitution)" ([17]).

فالثقافة العربية تشكل مسرحاً للتناقضات الشاملة بين القيم والمبادئ، بين الشعارات والانجازات، بين التصرفات والممارسات. وهذه هي الحقيقة التي يشير إليها زكي نجيب محمود حيث يقول “تترامى الثقافة العربية في نظام تتعايش داخله وبشكل تقاطعي شبكة من النزعات والاتجاهات التي يعوزها الائتلاف ويسودها الاختلاف. فهناك الثقافة العربية الكلاسيكية التي تمجد الماضي وتقدسه، وهناك الثقافة العربية الحديثة التي يعيش فيها الفرد وبفعل ازدواجيتها في ضياع شبه تام لأن زمنها الثقافي بعيد كل البعد عن ذاتية الفكر العربي وخصوصياته الحضارية والثقافية"([18]).

تعرف القيم الثقافية بأنها قواعد السلوك والقوانين التي يرى أنها تتطابق مع مثل أعلى يرجع إليه([19]). ففي جدل العلاقة بين الإنسان والثقافة تتصدع الشخصية تحت تأثير التصدع الثقافي الذي يعتري الثقافة السائدة. ويتمثل تصدع الهوية الشخصية وأزمتها في نسق من الأمراض والعقد النفسية وحالات الوهن والضعف والقصور التي تنال من الشخصية الإنسانية. وإذا كان تصدع الثقافة يتمثل في أزمة القيم أو ازدواجيات القيم فإن أزمة الهوية تتمثل في نماذج من الازدواجيات السلوكية التي تؤدي بتماسك الشخصية وتخل بتوازنها وتثقل على إمكانيات تكيفها واستمرارية توافقها مع الوسط والوجود الثقافي.

وعلى خلاف ذلك كله كلما كانت الثقافة متكاملة في معاييرها القيمية كلما كانت الشخصية مرنة وانسيابية ومتكاملة في حركة تكيفها واستمرارها. وهذا يعني بالضرورة أن التكامل القيمي في الثقافة يؤدي إلى التكامل النفسي والعقلي والاجتماعي في الشخصية الإنسانية.

لقد بينت الدراسات الجارية في مجال غسل الدماغ أن بناء التناقض في الوسط يؤدي إلى بناء التصدع في الشخصية ويؤدي إلى انهيارها. وعلى هذا الأساس تقوم تجارب علم النفس الفيزيولوجي عند بافلوف ولا سيما في تجاربه حول العصاب عند الكلاب. فالعصاب يتشكل عند الحيوانات عندما يتعرض الكائن لحالات في منتهى التناقض وفي لحظة واحدة ومثال ذلك تعريض الكلاب في وقت واحد للثواب والعقاب مثل قطعة اللحم التي تترافق بصدمة كهربائية. وبعبارة أخرى تعريض الحيوانات لمثيرين متنافرين متناقضين في آن واحد حيث يستثير أحدهما تعزيزا بنما يستثير الثاني إحباطا. ومثال ذلك أن يتعرض كلب جائع لمثيرين متناقضين في آن واحد يتمثل الأول في رنين جرس يعقبه تعزيز بقطعة لحم بينما يتمثل الثاني في ضوء يعقبه صدم كهربائية وعندها تتمازج استجابتان متناقضتان وفي آن واحد عند الكلب وهما: استجابتا الإحساس بغامر السعادة لحضور قطعة اللحم، بينما تتمثل الاستجابة الأخرى في إحساس بالرعب والخوف الشديد من وقع الصدمة الكهربائية. وفي هذه اللحظة يقع الكلب فريسة إحساسين متناقضين كليا قوامهما الفرح والخوف ويبدأ بالعواء والرقص وتتداخل استجاباته بصورة غريبة يفقد بعدها تماسكه وتناغم استجاباته، ويصاب بحالة من العصاب الشديد الذي يفقده توازنه ويؤدي به إلى حالة من الجنون التي وصفها بالعصاب الكلبي.

ويستنج مما سبق أن الثقافة التي تفيض بالتناقضات الثقافية والقيمية تؤدي إلى بناء شخصيات متصدعة وضعيفة تعاني من مختلف أوجه القصور والضعف والانهيار. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو مستوى التناقضات التي توجد في منطق الثقافة العربية السائدة. فالثقافة ظاهرة اجتماعية نفسية تحتل مكانها في عقول الأفراد وتتجلى في سلوكهم وتصرفاتهم اليومية وفي نمط معيشتهم([20]). وبالتالي فإن التناقض بين قيمتين داخل النمط الثقافي يجد صداه داخل الجهاز النفسي ويظهر على شكل تصرفات سلوكية وردود فعل متناقضة وعصابية ويبقى الصراع مستمرا حتى يستطيع الشخص تعديل وظائف القيمتين داخل جهازه النفسي([21]).

تفيض الكتابات العربية المعاصرة بالتلميحات والتصريحات التي تعلن من الثقافة العربية ثقافة نموذجية للتناقض القيمي ومرتعا للازدواجيات والانشطارات القيمية التي تخل بالشخصية العربية وتضعف شأنها وتدفع بها إلى دائرة أزمة في الهوية وفي مقومات الوجود.

" فالوطن العربي كيان ثقافي معقد مركب، تتداخل فيه عناصر الولاءات المحلية بالولاءات الوطنية، ولا تتطابق فيه حدود الجغرافيا مع حدود المشاعر، ولا حدود السياسة مع حدود الأمة، ولا تستقيم فيه وفرة السكان مع ندرة الموارد، ولا وفرة الموارد مع ندرة السكان([22]). والوطن العربي “وطن تتحرق شعوبه إلى الوحدة، بينما تكرس أنظمته التربوية والتعليمية الانفصال، وطن تتشوق فيه شعوبه إلى الديمقراطية، ولكن أنظمته تكرس كل قيم القهر والاستبداد. وهذه هي ملامح الصورة الثقافية للثقافة العربية التي تفيض بالتناقض وتمور بالقيم المتنافرة المتضاربة. فالثقافة العربية تشكل مسرحاً للفوضى القيمية وساحة للتناقضات بين القيم والمبادئ، بين الشعارات والإنجازات، بين التصرفات والممارسات.

وتترامي هذه الثقافة كما يقول أحد الكتاب العرب في نظام تتعايش داخله وبشكل تقاطعي شبكة من النزعات والاتجاهات التي يعوزها الائتلاف ويسودها الاختلاف. فهناك الثقافة العربية الكلاسيكية التي تمجد الماضي وتقدسه، وهناك الثقافة العربية الحديثة التي يعيش فيها الفرد وبفعل ازدواجيتها في ضياع شبه تام لأن زمنها الثقافي بعيد كل البعد عن ذاتية الفكر العربي وخصوصياته الحضارية والثقافية([23]). يقول علي حرب في وصفه للأزمة الثقافية والقيمية كما يلي “إننا نعيش خصوصياتنا حتى البداوة... وننغمس في عالميتنا حتى الثمالة، إننا نستخدم أحدث الأدوات ولكننا نرفض أحدث الأفكار والمناهج، نتشبث بالأصول حتى العظم على صعيد الخطاب والكلام، ولكننا نخرج عليها ونطعنها بالفعل والممارسة" ([24]). فنحن “عرب أو مسلمون فيما يتصل بالمقدسات والمحرمات؛ ولكننا غربيون فيما يتعلق باستيراد الأدوات والسلع والصور والمتع التي توفرها أجهزة الفيديو وأفلام البورنو... أي في كل ما يتصل بمادة الحياة وأسباب الحضارة “([25]). وتقول الدكتورة ملكة أبيض “تكمن الأزمة القيمية في شعور الفرد العربي بالتمزق لأنه أصبح يعيش في عالمين كلاهما غريب عنه. عالم الثقافة التقليدية التي لا تستطيع أن تضمن حاجاته، وعالم الثقافة الصناعية الحديثة التي تشعره في كل لحظة بالنقص لأنه يستهلك منتجاتها دون أن يسهم في بنائها"([26]). ويرى دياب أن “الثقافة التقليدية العربية التقليدية تنطوي على تناقضات صارخة فإلى جانب حرية المرأة توجد عناصر عبوديتها، وإلى جانب القانون يوجد الثأر([27]). فالثقافة العربية تمتلك منظومة متغايرة من القيم المتنافرة والمتعارضة حيث يلاحظ على سبيل المثال أن الإيمان بقدرات العلم يترافق مع الإيمان بالخرافة والشعوذة، وحب الأم يترافق مع فكرة عبودية المرأة،، والانتماء إلى الحزب السياسي يترافق مع الانتماء إلى العشيرة. يشير عبد الله عبد الدايم في هذا الصدد إلى الضياع الأخلاقي والقيمي الذي يعاني منه المجتمع العربي فهناك «الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة والثقافة المتطلعة إلى الماضي والثقافة المشرئبة نحو المستقبل»([28]). ويرجع عبد الله عبد الدايم الأزمة الثقافية والقيمية في الوطن العربي إلى عوامل تتمثل في سلطان الماضي والعصبية والتعصب “([29]).ويرى حليم بركات التعصب للرأي والقبيلة والعائلة والطائفة الدينية وسيطرة الغريزة على العقل والانفعال على الفكر أن الازدواجية تسيطر على مختلف جوانب الثقافة العربية وهي تتجلى في التعارض بين" القيم القدرية وقيم الإرادة الإنسانية، بين القيم السلفية والقيم المستقبلية، بين قيم العقل وقيم القلب، بين قيم المضمون وقيم الشكل، بين قيم الانغلاق وقيم الانفتاح، بين القيم الجمعية والقيم الفردية، بينقيم الطاعة وقيم التمرد، بين القيم العمودية والقيم‏ الأفقية، بين قيم العدالة وقيم الرحمة والتسامح"([30]). ويعتقد أنطونيوس كرم أن الثقافة العربية تعاني من أزمة قيمية فالقيم العربية على حد تعبيره «هي مزيج غريب من قيم الحضارة الزراعية القديمة وقيم البداوة المتأصلة وقيم عصور الانحطاط وقيم الاستهلاك التي يصدرها الغرب لكل الأبواب المشرعة"([31]). وتجد الأفكار السابقة صداها عند المفكر العربي أحرشاو الغالي وهو من المهتمين بالمسألة الثقافية في الوطن العربي إذ يعتقد “بأن الثقافة العربية ثقافة تتأرجح فيها قيم الماضي والمستقبل، وقيم الأصالة والمعاصرة، وقيم الثوابت والمتغيرات وهي فوق ذلك كله “ثقافة مسالمة لا تحب المغامرة عاجزة عن الإبداع والابتكار حيث تعاني من وضعية مأزومة وهي في حالة انحطاط وانحدار ([32]). ويؤكد غالي شكري على طابع الازدواجية التي تتميز بها الثقافة العربية فالثقافة العربية بالنسبة إليه سلسلة من الازدواجيات التي لا تنتهي وهي ثنائيات اقتصادية واجتماعية وسياسية ومعرفيه وهذا كله يؤدي إلى حالة من الانفصام داخل المثقف الواحد([33]).ويرى الجابري أن الثقافة الجماهيرية مشبعة بالأمراض والنكوص والتهميش والثنائيات الزائفة وهو وأن التناقض والتنابذ والصراع وغياب التواصل والحوار هي سمات أساسية في الثقافة العربية عامة ([34]). يؤكد بأن امتلاك الهوية أمر مرهون بالخروج من إطار ثنائيات ثقافية عربيه لا حصر لها وهي ثنائيات: الإسلام والعروبة، الأصالة والمعاصرة، الوحدة والتجزئة، الدين والدولة([35]). يشير توفيق الناصر إلى واقع الازدواجيات الكبرى التي في الثقافة العربية والتي تتمثل في التناقضات القائمة بين الباطن والظاهر، بين القول والفعل، والتي تؤدي إلى صراع ضمن نظام القيم والمفاهيم الاجتماعية ([36]).وينوه محمد زياد حمدان إلى واقع أزمة القيم في ازدواجيات تتجلى في إطار الحياة الثقافية اليومية فازدواج القيم على حد تعبيره “عادة يوميه يمارسها الأفراد والجماعات عموما في البيت والشارع وأثناء العمل وذلك دون انتباه لخطورتها والعمل على معالجتها أو الحدّ منها كظاهرة سلبية، ومثال ذلك الأب الذي يدخن بشراهة وينهي أبناءه عن التدخين والأب الذي يكذب دون خجل أو وجل وينهي في الوقت نفسه أولاده عن الرياء والكذب “([37]). تلك هي صورة الثقافة العربية بتناقضاتها اللامحدودة والتي يشير إليها الكتاب العرب من مختلف المشارب والأصول الثقافية والاجتماعية. فالثقافة العربة تعاني من التمزق وهي على حد تعبير زكي نجيب محمود لم تلتئم في شخصية واحدة فنحن لدينا أفراد منعتقون ولكن لا أظن أن لدينا روحا ثقافية موحدة حتى نستطيع أن نحكم عليها ([38]). إن أهم ما تتميز به الثقافة العربية وبصورة منفردة هو درجة الدمج بين العملية العقلية والنبضة الوجدانية في كيان واحد ([39]).

مفارقات الداخل والخارج:

تعبير عن مفارقة بين الحياة الداخلية للإنسان وبين حياته الخارجية وهي وضعية يتصف بها الشرق عموما وتسجل غيابها في المجتمعات الغربية([40]). وهذا يعني أن المحرمات والممنوعات لم تعد مصدر تناقض وجداني في المجتمعات الغربية ويلاحظ أن دائرة الممنوعات تتقلص مع تطور المجتمعات الغربية بينا تأخذ اتجاها متزايد الاتساع في حضارتنا الشرقية وهذا بدوره يشكل منبعا لأورام الازدواجية القيمية والوجدانية.

يقول سويد في هذا الخصوص" لقد تجاوزت المجتمعات الغربية الموقف المزدوج وضيقت دائرة المحرمات، فأصبح الداخل خارجا، وقضي على مصدر التناقض الوجداني لحساب الجانب العقلي ([41]). وهنا يحذّر الباحث من أن تذوب الشخصية العربية في بوتقة هذا التناقض وتخسر مقومات وجودها.، وهذا وضع يمثل رداءة الحياة العربية وينذر بانهيار الشخصية العربية.

التغير السريع:

نحن نعيش بين سندان مفاهمينا الثقافية الساكنة وبين مطرقة العالم المعاصر وحركته السريعة كما يقول تركي الحمد ([42]). يتحول العالم أمام أعيننا تحولاً سريعاً متواتراً ويقدم صيغاً تتغير كل يوم حول المستقبل وصورة المستقبل ونحن مازلنا أسرى الفتنة الكبرى وصفين وكربلاء وحطين وعين جالوت ([43]). نحن أمة تنتمي إلى الماضي ذهنيا، ونعيش في الحاضر ماديا ونريد السيطرة على المستقبل أملاً وحلماً، دون أن نمتلك مفاتيح هذا المستقبل، كيف يكون ذلك لست أدري؟ ([44]).

التقليد والحداثة:

" أصبحت مجتمعاتنا تعاني ازدواجية صميمية في مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية، والإدارية، والثقافية، ازدواجية تتمثل في وجود قطاعين أو نمطين من الحياة الفكرية والمادية: أحدهما عصري مستنسخ من النموذج الغربي، مرتبط به ارتباط تبعية. وثانيهما تقليدي (أصلي أو أصيل)، وهو استمرار النموذج التراثي في صورته المتأخرة المتحجرة المتقوقعة، ونجد القطاعين معا متوازيين أو متداخلين بعض التداخل، يتصادمان ويتنافسان في حياتنا اليومية على صعيد واقعنا الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي، كما على صعيد وعينا ونمط تفكيرنا([45]). فالمشكلة التي تواجهنا ليست في أن نختار بين هذين النموذجين، بل المشكلة هي مشكل الازدواجية الذي تطبع مرافق حياتنا المادية والفكرية، وهي ازدواجية مفروضة على وجودنا وحياتنا([46]).

التهديد الخارجي:

التهديد الخارجي يدفع الذات المغلوبة إلى حالة تكون نكوص واحتماء ولجوء إلى الماضي، من أجل حماية الوجود. أما ميكانزم النهضة فهو العملية التي تبحث في الماضي عن أصول حضارية تعمل على تطويرها وبنائها، فميكانزم النهضة لا يطلب الماضي لذاته بل يختزله في أصول ويعيد إحياءه «([47]).

يقول جابر عصفور “هذا الزمن العربي المتعين بحكم شروطه التاريخية هو زمن يجمع بين أزمة متعددة في واقع الأمر أو زمن تتقاطع فيه الأزمان وتتصارع دون أن يكون أقربها إلى القرن الواحد والعشرين أكثرها تأثيرا أو حضورا أو قوة، فالزمن العربي النوعي زمن يجاور ما بين أقصى مظاهر التقدم، وأقسى درجات التخلف. زمن من المتعارضات المتصادمة أفقيا ورأسيا في أبنية الثقافة والمجتمع والاقتصاد والدولة بكل مسمياتها العربية ([48]).

أصبحت مجتمعاتنا “تعاني ازدواجية صميمية في مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية،والإدارية، والثقافية، ازدواجية تتمثل في وجود قطاعين أو نمطين من الحياة الفكرية والمادية: أحدهما عصري مستنسخ من النموذج الغربي، مرتبط به ارتباط تبعية. وثانيهما تقليدي (أصلي أو أصيل)، وهو استمرار النموذج التراثي في صورته المتأخرة المتحجرة المتقوقعة، ونجد القطاعين معا متوازيين أو متداخليين بعض التداخل، يتصادمان ويتنافسان في حياتنا اليومية على صعيد واقعنا الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي، كما على صعيد وعينا ونمط تفكيرنا([49]).

فالمشكلة التي تواجهنا ليست في أن نختار بين هذين النموذجين، بل المشكلة هي مشكل الازدواجية الذي تطبع مرافق حياتنا المادية والفكرية، وهي ازدواجية مفروضة على وجودنا وحياتنا([50]).

ومن مظاهر أزمة الهوية الثقافية هذا الانشطار الكبير بين معطيات الثقافة العربية التقليدية والثقافة الحديثة التي تأخذ طابعا عالميا. فالإنسان العربي يعيش زمنين منفصلين ومتعارضين تماما يعش الإنسان العربي أحدث معطيات الثقافة العالمية الحديثة ويوظف أحدث ابتكاراتها ولكنه وفي الوقت نفسه يعيش في عالم ذهني وفكري وعقائدي لا يختلف مع عطاءات الحاضر العالمي بل يتناقض معه على نحو شمولي.

ومن مظاهر التناقض الأزمي في هوية الثقافة العربية هذا التناقض الذي يتبدى أيضا في عمق الثقافة ومظاهر الحياة الثقافية. ففي عمق الثقافة العربية تنمو المتناقضات التاريخية “فإلى جانب حرية المرأة توجد عناصر عبوديتها، وإلى جانب القانون يوجد الثأر، وإلى جانب الفستان والبنطلون توجد عقلية الحريم عند النساء، وإلى جانب السيارة يوجد الحمار، وإلى جانب الأحياء الحديثة توجد الأحياء الضيقة وإلى جانب الإصلاح الزراعي والفكر الاشتراكي يوجد الاستغلال والرشوة. والثقافة العربية المعاصرة مليئة بالعناصر القمعية والاضطهادية فهي تشبع الديمقراطية كلاماً وتبخل عليها جداً في التطبيق، تتكلم عن حرية المرأة وتستعبدها في الآن الواحد “([51]). ومن أشكال هذا الصراع وهذا التفكك يشار إلى هذا الصراع الشامل بين قيم الغرب الثقافية والقيم التقليدية. “لقد أدى انتشار قيم الغرب في مجتمعاتنا إلى تلاشي بعض القيم التقليدية من جهة وإلى وجود صراع مع هذه القيم الغربية من جهة أخرى[52].

ولا بد من الإشارة في هذا السياق أن الثقافة العربية تمتلك منظومة متغايرة من القيم والعناصر الثقافية المتنافرة والمتعارضة حيث يلاحظ على سبيل المثال أن الإيمان بقدرات العلم يترافق مع الإيمان بالخرافة والشعوذة، وتترافق قيم عبودية المرأة مع قدسيتها، والانتماء إلى الأحزاب السياسية مع الانتماء إلى العشيرة، كما يترافق الإيمان بالقانون مع الإيمان بالثأر في آن واحد. فهناك “الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة والثقافة المتطلعة إلى الماضي والثقافة المشرئبة نحو المستقبل" [53]

فالازدواجية كما يعتقد حليم بركات تسيطر على مختلف جوانب الثقافة العربية وهي تتجلى في التعارض بين« القيم القدرية وقيم الإرادة الإنسانية بين القيم السلفية والقيم المستقبلية، بين قيم العقل وقيم القلب، بين قيم المضمون وقيم الشكل، بين قيم الانغلاق وقيم الانفتاح، بين القيم الجمعية والقيم الفردية،بين قيم الطاعة وقيم التمرد، بين القيم العمودية والقيم‏ الأفقية بين قيم العدالة وقيم الرحمة والتسامح"[54]. ويختصر كلامه كله بالقول «بأن الثقافة العربية تتمحور حول قوى متناقضة وأن الثابت فيها هو الصراع نفسه"[55].

ويعتقد أنطونيوس كرم أن الثقافة العربية تعاني من أزمة قيمية فالقيم العربية على حد تعبيره «هي مزيج غريب من قيم الحضارة الزراعية القديمة وقيم البداوة المتأصلة وقيم عصور الانحطاط وقيم الاستهلاك التي يصدرها الغرب لكل الأبواب المشرعة"[56]. ويصور الباحث هذه الأزمة في صياغة أخرى مفادها أن العرب غير قادرين على الانصهار في حضارة العصر لأنهم يحلمون بالحصول على إنجازات العلم والتكنولوجيا منفصلة عن النظام القيمي الذي سمح بتطويرها. وأن العرب غير قادرين على تقديم البديل لأنهم يرفضون منطق العصر ويدعون إلى منطق الماضي"[57].

الماضي والحاضر

يرجع محمد عابد الجابري وضعية الأزمة التي يعانيها الوعي العربي الراهن إلى “الشعور بمأساوية وضعية انفصامية ينتمي فيها الأنا إلى الماضي، بينما ينتمي فيها الحاضر إلى الآخر. وضعية: يجد الأنا العربي نفسه فيها يتحدد بماضي يريد تجاوزه، وبحاضر لم يعدّ له الأمر بعد، الأمر الذي يجعله يشعر بفراغ على صعيد الهوية، ويعاني بالتالي القلق والتوتر([58]). فالمشكلة التي تواجهنا ليست في أن نختار بين هذين النموذجين، بل المشكلة هي مشكل الازدواجية الذي تطبع مرافق حياتنا المادية والفكرية، وهي ازدواجية مفروضة على وجودنا وحياتنا([59]).

لقد شكل الصراع بين أنصار المعاصرة وأنصار الحداثة عنوانا لتصدع ثقافي شامل في بنية الثقافة العربية المعاصرة. لقد فقد أنصار هذين الاتجاهين كل خطوط الاتصال والتواصل وأخذ الصراع بينهما صورة تناحرية عدمية أدت وما زالت إلى تفجير صمامات الأمان للهوية الثقافية. فنحن إزاء ثقافتين وهويتين في قلب الثقافة الواحدة ثقافة تراثية أصولية فقدت صلتها بالعصر ومعطيات الحضارة، وثقافة الحداثة التي تقطعت عن جذورها وفقدت مقومات الخصوصية الثقافية والتاريخية.

خلاصة

- تعاني الثقافة العربية من أزمة قيم تتمثل في الانشطارات الثقافية المتواصلة وتعود هذه الأزمة إلى صراعات قيمية بين قيم الماضي والحاضر بين قيم الثقافة التقليدية وقيم الثقافات المعاصرة. وتعود هذه الأزمة في أكثر صورها وضوحاً إلى عدم قدرة الثقافة العربية على احتواء القيم الجديدة التي تطرحها الثورات العلمية التكنولوجية المتقدمة على كافة المستويات.

- تعاني الثقافة العربية من هجمة تحديات ثقافية ذات طابع إعلامي تستهدف قيم الوجود والأصالة والانتماء من حيث المبدأ وتستهدف تذويب الثقافة وصهرها واغتيالها من حيث الغاية.

- يعاني الإنسان العربي تحت إكراهات هذه الأزمة القيمية حالة اغتراب ثقافية اجتماعية وسيكولوجية: حالة من فقدان الإحساس بالانتماء على المستوى الثقافي، وحالة من الضياع في مستوى العلاقات الاجتماعية، وحالة من الذهانات النفسية على المستوى السيكولوجي باختصار إنه يعاني أزمة هوية وانتماء.

* جامعة الكويت

.............................

[1]- إسماعيل قبرة، الذات العربية الممزقة، التحديات الراهنة والمستقبل، شؤون عربية، عدد 83، سبتمبر/ أيلول 1995، (صص 22-48)، ص29.

[2] - المعهد العربي للتخطيط في القاهرة، وثيقة تعليم الأمة العربي للتخطيط في القرن العشرين، تحرير سعد الدين إبراهيم، القاهرة 8-30/ إبريل 1992، ص 37.

[3] - جان فريمون، تلاقي الثقافات والعلاقات الدولية، الفكر العربي المعاصر، مجلة العلوم الإنسانية، عدد،92 كانون الثاني، 1984، (صص 84-93)، ص91.

[4] - زكي نجيب محمود، قيم من التراث، دار الشروق، بيروت، 1990، ص 391.

[5]- عبد المنعم المشاط، التعليم والتنمية السياسية، مرجع سابق، ص 117

[6] - زكي نجيب محمود، فالق الحب والنوى، الأهرام، في 26/11/1985.

[7] - زكي نجيب محمود، في مفترق الطرق،، دار الشروق، بيروت، 1984، ص 359.

[8] - زكي نجيب محمود، في مفترق الطرق، مرجع سابق ص 359

[9] - الطاهر الليبي، سوسيولوجيا الثقافة، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، 1987، ص 6.

[10] - سعد جلال، علم النفس الاجتماعي، الاتجاهات التطبيقية المعاصرة، الإسكندرية، 1984، ص29.

[11]- ملكة ابيض، الثقافة وقيم الشباب، وزارة الثقافة، دمشق،1984. ص: 229

[12]- ملكة ابيض، الثقافة وقيم الشباب، وزارة الثقافة، دمشق،1984. ص 230

[13] - Gilbert. Durand: les grands textes de la sociologie moderne, Bordas, Paris , 1969 , p. 91.

[14]- عز الدين دياب، الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد فى النهضة العربية المعاصرة، شؤؤون عربية، عدد4، حزيران/يونيو، 1981،(صص 125-138)، ص130.

[15] - محمد الجوهري، عوض شكري، وآخرون، ميادين علم الاجتماع دار المعارف، القاهرة، 1980 ص281.

[16] - علي وطفة، الثقافة وأزمة القيم في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي،العدد 192، 2/1995،(صص 53- 67).

[17] - محمود الذوادي، بعض الجوانب الأخرى لمفهوم التخلف الآخر في الوطن العربي، مرجع سابق، ص82.

[18] - زكي نجيب محمود، خرافة الميتافيزيقيا، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953 ص133.

[19]- سيدي محمود ولد سيدي محمد، التنمية والقيم الثقافية، المعرفة السورية، عدد381، حزيران 1995، (صص83-95)، ص89.

[20]- عز الدين دياب، الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد في النهضة العربية المعاصرة، شؤون عربية، حزيران / يونيو، عدد 4، 1981. (صص 125-138) ص 126.

[21] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد في النهضة العربية المعاصرة المرجع السابق، ص 130.

[22] - المعهد العربي للتخطيط، وثيقة تعليم الأمة العربية في القرن العشرين “الكارثة والأمل “التقرير التلخيصي لمشروع مستقبل التعليم في الوطن العربي، تحرير سعد الدين إبراهيم، القاهرة -18-30- نيسان أبريل، 1992. ص 37.

[23] - المعهد العربي للتخطيط، وثيقة تعليم الأمة العربية في القرن العشرين، المرجع السابق، ص133.

[24] - علي حرب، غزو ثقافي أم فتوحات فكرية الفكر العربي، عدد 74، خريف 1993 ص74.

[25] - علي حرب، غزو ثقافي أم فتوحات فكرية الفكر العربي، المرجع السابق: ص64.

[26] - ملكة أبيض، ملكة ابيض، الثقافة وقيم الشباب، مرجع سابق، ص220.

[27] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، عدد 4، حزيران / يونيو، 1981، ص131.

[28] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، المرجع السابق، ص247.

[29] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، المرجع السابق، ص251.

[30] - حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي، ط1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1984، ص232.

[31] - أنطونيوس كرم، العرب أمام تحديات التكنولوجيا، عالم المعرفة، العدد 59، نوفمبر/تشرين الثاني، 1982، ص164.

[32] - أحرشاو الغالي، مظاهر الثقافة العربية وشروط تحديثها، شؤون عربية، عدد78، حزيران،1994، صص:78-95) ص93.

[33]- غالي شكري، إشكالية الإطار المرجعي للمثقف والسلطة، المستقبل العربي، عدد 114، آب أغسطس، 1988، ص32.

[34] - رسول محمد رسول، وحدة الثقافة العربية وصمودها بوجه التحديات، المستقبل العربي، عدد193، آذار مارس، 1995(صص 136147) ص 137.

[35] - محمد عابد الجابري، المثقف العربي وإشكالية النهضة، المجلس القومي للثقافة العربية، المثقف العربي دوره وعلاقته بالسلطة والمجتمع، وقائع حلقة الرباط الدراسية، 4-5 مايو /أيار، 1985 (صص 120-155).

[36] - الناصر توفيق، الخداع الذاتي ومفترق الطرق، الأهلية، بيروت، 1986، ص 52.

[37] - محمد زياد حمدان، أزمة التربية في البلدان النامية:واقع ومشكلات وحلول، دار التربية الحديثة، عمان،1991، ص 129.

[38] صلاح قنصوه، حول العقل العربي والثقافة العربية، حوار مع زكي نجيب محمود، المستقبل العربي، عدد 114، آب أغسطس , 1988، (صص 121-133).

[39] - صلاح قنصوه، حول العقل العربي والثقافة العربية، المرجع السابق ص 127.

[40] - يعادل مفهوم التناقض الوجداني الذي يحظى بانتشار واسع بين المثقفين العرب ولا سيما عبد المعطي سويد في كتابه التناقض الوجداني في الشخصية العربية مفهومنا أزمة القيم الذي نركز على استخدامه في هذه المقالة.

[41] - عبد المعطي سويد، التناقض الوجداني في الشخصية العربية، دار الحوار، اللاذقية،1992. ص 69.

[42]- تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، دار الساقي،بيروت، 1993، ص72.

[43] - تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، دار الساقي،بيروت، 1993، ص72.

[44]- تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، دار الساقي،بيروت، 1993، ص75.

[45]- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

[46]- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

[47] - محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص26.

[48]- تعقيب جابر عصفور على، السيد يسين، الفكر العربي والزمن:أين نحن الآن من نهضة مطلع القرن؟، عالم الفكر، الكويت، المجلد 16، العددان 3-4، يناير/مارس-إبريل/ يونيو1998، ص439.

[49]- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

[50] - محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، المرجع سابق، ص19.

[51] - عز الدين دياب، الشخصية والثقافة، شؤون عربية، عدد 4، حزيران يونيو، 1981، ص131.

[52] - محمود الذوادي، بعض الجوانب الأخرى لمفهوم التخلف الآخر في الوطن العربي، الوحدة، عدد 50، تشرين الثاني نوفمبر، 1988، ص81.

[53] - عبد الله عبد الدايم، نحو فلسفة عربية تربوية: الفلسفة التربوية ومستقبل الوطن العربي مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991 ص247.

[54] - حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي، ط1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1984، ص232.

[55] - حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر، المرجع السابق، ص342.

[56]- أنطونيوس كرم، العرب أمام تحديات التكنولوجيا، عالم المعرفة، العدد 59، نوفمبر/تشرين الثاني، 1982، ص164.

[57] -أنطونيوس كرم، العرب أمام تحديات التكنولوجيا، المرجع السابق، ص165.

[58] -محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989،ص9.

[59] -محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص19.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ