ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

قصِيدَة ُ قاسَيُون

شعر : فيصل اليعقوبي – تونس

( إلى الشّعب السّوري العظيم .. إلى أرواح شهدائه الخالدين .. إلى سوريا الحرّة .. إلى ثورتها الظّافرة .. )

سَترْحَلُ !..

نعَمْ .. نعَمْ .. سَترْحلُ ..

أقتلْ من الأشْجَارِ ما تشاءْ ،

أقتلْ من الأزْهَارِ ما تشاءْ ،

أقتلْ من الخُيُول ِ .. والظِّبَاءْ ..

والطيْر ِ .. والأطفال .. والرّجال .. والنّساءْ ..

كما تشا .. أقتلْ إلٰهَ الحبّّ .. والغِناءْ ..

وَأحْرُفَ الصَّبْوَةِ في ذاكرةِ الضِّيَاءْ ..

كما تشا .. عمّا قريب ٍ .. ترْحَلُ ..

عمّا قريب ٍ تقتلُ ..

أوْ ربّما ستهربُ

وسوف يبقى شعْبُنا الحرُّ العظيمُ الطّيّبُ !

وسوف تبقى حَلبُ ..

وسوف تبقى إدْلِبُ ..

وسوف تبقى سوريا .. بالرّغم ممّا تفعَلُ ..

وسوف تبقى سوريا بالرّغم ممّنْ هللوا ..

وزمّرُوا .. وطبلوا ..

وسوف تبقى سوريا بالرّغم ممّنْ صفقوا .. ومثلوا ..

وزوّرُوا .. ودجّلوا ..

وسوف تصْحُو من كتاب الموتِ وهي أجْمَلُ ..

وسوف تبقى سوريا بالأنبياء تحبلُ !

وأهلها لنْ يرحلوا

أنت الذي سيرحلُ ..

لا .. أهلنا لنْ يرحلوا ..

وَنسْمَة َ الفجْرِ الذي في رمْلِهِ نخلا ً يَخُطُّ الأيِّلُ ..

في زورق النّجم الذي حدّثنا عنه الجُدُودُ الأُوَّلُ ..

سوف يعودُ كلّ من قدْ قتِلوا ..

وكلّ منْ قدْ رُحّلوا ..

لا .. أهلنا لنْ يَرْحَلوا ..

أنت الذي سيرْحَلُ ..

سترحَلُ !..                                         

مُؤَكدٌ .. سترحلُ ..

إن عاجلا .. أو آجلا .. سترحلُ ..

تقبلُ .. أو لا تقبلُ ..

سترحلُ ..

إنّكَ لا محالة ٌ .. سَترْحَلُ ..

هَاهُوَ ديكُ الجنّ روّى ترْبَة الحديقهْ

* ديك الجنّ : شاعر سوريّ من حمص قتل زوجته واسمها وَرْد .. (انظرْ الهوامش في آخر القصيدة)..

بدَم ِ وَرْد ٍ .. وَمَشى مُعَانِقا طريقهْ ..

مُرَتلا آلامَهُ العميقهْ ..

لِلنّهر ِ .. للأشجار .. للكواكب السّحيقهْ ..

... حكّمَ في خِناقِهَا السّيف الذي لطالما حاكى سوادُ طرْفها بريقهْ

أراق من جسدها العزُّ دمًا ما قدَرَ الهوانُ أنْ يريقهْ !

قالتْ لِدِيكِ الجنّ وَرْدٌ : (( عَبَثا نذوّبُ السُّكرَ في الحقيقهْ !

وَلا سَلام ٌ طالمَا المظلومُ لمْ يُمْل ِ على الظّالِم ِ كلَّ أحْرُفِ الوثيقهْ !

وَإنمَا .. موتٌ ولا مذلّة ٌ .. يقتلني المَرْءُ الذي عشتُ لهُ الحبيبة - الصّديقهْ

والأختَ والرّفيقهْ ..

أجَلْ ! ولا يقتلني منْ لستُ في عينِهِ إلاّ المُومِسَ - العشيقهْ ))

قالتْ لهُ : (( موتٌ ولا مذلّة ٌ .. يقتلنِي

بعْلِي الذي على فراش الشّرْع ِ قدْ وَهَبَنِي

طفلا يجسّ الآنَ في لِحَافهِ أرْكِيدِيَا وريقهْ

ولا أجُرُّ العُمْرَ في قصْر يزيدَ قينة ً مَحْظيّة ً .. وأمَة ً رقيقهْ .. ))

* يزيد : يزيد بن معاوية .. انظرْ أيضا الهوامش ..

قبّلهَا .. اعتصرتْ من شفتيها شفتاهُ القدَحَ الأخيرَ من سُلافةٍ عتيقهْ ..

قبّلهَا ثانية ً .. استرَقتْ من شفتيها شفتاهُ أحْرُفا غريبة ً منْ غابةِ السّليقهْ !

وفجأة ً عَبْرَ صَدَى الثانِيَةِ / الدّقيقهْ

إذ ْ طارَ عصفورٌ مِنَ الغُصْن ِ هَوَتْ ورَقة ٌ كانتْ إلى جَناحِهِ لصِيقهْ !..

والدّمُ نزّ ساخنا في تربة الحديقهْ ..

وفي لحاف الطّفل فاح أرجُ الأرْكِيدِيَا الوريقهْ ..

هَبْكَ يزيدُ قدْ سَبَيْتَ وَرْدْ

وَرْدَ التي قدِ اشترَتْ كرامة ً بكفن ٍ .. ولحْدْ ..

وَصدّقتْ والشّهداءَ وَعْدْ ..

مَن ِ الوُعُودُ كلهَا قبْلُ لهُ .. وبَعْدْ ..

وَرْدَ التي جَسَدُهَا كوَرْدْ

مُفتح ِ الأفوافِ .. أوْ مثل إناء شهْدْ ..

وَرْدَ التي نظرتها بحْرٌ بدون ِ حَدّ ْ

وشَعْرُها مَعْزُوفة ُ الغروب ِ .. بُعْدٌ مُومِىءٌ .. لِبُعْدْ ..

وصدرُها فيه حصانٌ عربيّ ٌ جامحٌ .. شمسُ قِفار ِ نجْدْ

قدْ ملأتهُ عزّة ً .. وألقا .. وَمَجْدْ !..

هَبْكَ يزيدُ قدْ سبيتَ وَرْدْ                                     

كيف تحبّ امرأة ً سَبيّة ً ، السّيفُ فيها قدْ أذلّ شفة ً ونهْدْ ؟!

كيف تُرَى تستبدلُ الحبْلَ الذي في جيدها بعِقدْ ؟!

كيف تُرَى تستبدلُ العارَ الذي ألبسْتَهَا سَوَادَهُ ببُرْدْ ؟!

كيف تُرَى تلمسُها وليس في جسدها من بقعة ٍ إلاّ تنزّ ألمًا .. وَحِقدْ ؟!

كيف تُرَى تمسّها وليس في يديك من أنملةٍ إلاّ بها رصاصة ٌ .. وقيْدْ

وسبّة ٌ .. وصفعة ٌ .. وركلة ٌ مِدَادُهَا في فخِذ ٍ .. وخَدّ ْ ..

وعرباتٌ بالرّدى مملوءة ٌ .. وجُندْ ..

وبَرَدٌ .. وظلمة ٌ .. وطرقٌ موحلة ٌ .. ورعْدْ ..

هَبْكَ يزيدُ قدْ سبيتَ وَرْدْ

هبْكَ مسحتَ الدّمعَ من أهدابها .. والدّمَ من جراحِهَا ..

هبكَ جبرتَ قدَمًا وزندْ ..

كيف تعيدُ قلبَها الذ َّاوي .. كتابَ وجْدْ ؟!

كيف تنادي باسْمِهَا مِنْ دُون ِ أنْ في كلّ حرف ٍ يَتدلّى قصْدْ

وضدّهُ في كلّ ضدٍّ يَتلوَّى ضدّ ْ ؟

كيف تردّ للرّضيع لعبة ً .. وبَسْمَة ً .. ومَهْدْ ؟!

كيف تردّ للمرايا توتهَا .. وللطّيور صَوْتهَا ..

وللحياة ِ سِحْرَهَا .. كيف لِوَرْد ٍ ستعيدُ وَرْدْ ؟!

هَبْكَ يزيدُ قدْ سبيتَ وَرْدْ

كيف تُرَى ترضى على نفسك أنْ تعاشرْ

امرأة ً تعلمُ أنّ قلبَهَا حتّى وأنت فوقها مُنشغلٌ بآخرْ ؟!

أليس في قلبكَ من مشاعرْ ؟!

أليسَ فيك نخوة ُ الرّجال ِ كيْ تعتقها .. حتّى متى تكابرْ ؟!

حتّى متى بالعار ِ أنتَ يا تُرى تُفاخرْ ؟!

أنت مُحبّ سيّءٌ .. وخاسِرْ ..

ونحنُ لمْ يَبْقَ لنا إلاّ المدى .. والحَجَلُ المُهَاجرْ ..

لمْ يَبْقَ ما يُمْكِنُ أنْ تخافهُ لؤلؤة ُ العناصرْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ حزننا .. ذَهَبُهُ نرْجَسَهُ .. يُحاصِرْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ موتنا .. وهذه النّقوشُ .. وَالدّوائرْ ..

يا أرضُ .. يا أمطارُ .. يا سماءُ .. يا مملكة َ الأشواق ِ .. والبشائرْ ..

يا حاتمُ الطّائيّ .. يا عنترة ُ العبسيّ ُ .. يا زرقاءُ .. يا تمَاضَرْ ..

* أعني بزرقاء زرقاء اليمامة وبتماضر الخنساء .. انظر الهوامش ..

يا عربًا صَارُوا بلا عُرُوبة ٍ .. إلاّ على المنابرْ !

يا عربًا صَارُوا بلا عُرُوبة ٍ .. حتّى على المنابرْ !

لمْ يبقَ إلاّ لحمُنا .. ولحمُنا يُعرضُ والخرفانَ والأبقارَ في المجازرْ

لمْ يبقَ إلاّ لحمُنا .. ولحمُنا يُعرضُ والقهوة َ والسّجائرْ

والبيضَ والسّرْدِينَ .. في أروقة المتاجرْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ دمُنا .. مقاولٌ يَبيعُهُ مُقامِرْ ..

مقامرٌ يبيعُهُ مقاولا .. مخنّثٌ يبيعُهُ مُعَاقِرْ ..

تبيعُهُ عَسَاكِرٌ أئمّة ًً .. يَبيعُهُ أئمّة ٌ عَسَاكِرْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ دمُنا .. حواضرٌ تبيعُهُ حواضرْ ..

حظائرٌ .. تبيعُهُ حظائرْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ دمُنا يباعُ كالتّذاكرْ

يُختمُ كالتّذاكرْ

يُقطعُ كالتّذاكرْ

يُحْمَلُ كالتّذاكرْ                                              

يُطلبُ كالتّذاكرْ

يحفظُ كالتّذاكرْ

يُرْمَى على البلاط كالتّذاكرْ

يلقى على قارعة الرّصيف كالتّذاكرْ

يُكنسُ كالتّذاكرْ

تطؤُهُ النّعالُ كالتّذاكرْ

يَحْمِلهُُ الهواءُ كالتّذاكرْ

يَيْبَسُ تحتَ الشّمس ِ كالتّذاكرْ

يُذِيبُهُُ الشّتاءُ كالتّذاكرْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ دَمُنا يَمْتَدُّ مثل البَحْرِ بَيْن التوتِ والأساورْ ..

واللّيل ِ والعُصْفور ِ .. والملائكِ البيضاءِ والقناطرْ ..

وحُلمِنا وبَسْمَة ٍ شَنيعةٍ .. على شفاهِ يأسِكَ المُناورْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ دَمُنا .. علامة ً كان ومازالَ .. لكلّ سَاحِرْ ..

لمْ يَبْقَ إلاّ دَمُنا .. لمْ يبقَ ما لأجله نحاذرْ

لمْ يَبْقَ ما لأجله نخاطرْ

شكرًا جزيلا يا الذي تقتلنا ! القولُ ما تقولهُ الخناجرْ ،

والحقّ ما تقضي بهِ .. وليسَ ما تظنهُ المحابرْ ..

فهلْ سَوَاءٌ إصبعٌ وآخرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ وُسَط ُ الأكفّ والخناصرْ ؟!

وَهَلْ بها أبَاهِمٌ ترَى سَوَاءٌ هُنَّ والبناصرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ خائنٌ وثائرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ حَجَرٌ وطائرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ مُخبرٌ وشاعرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ عاشقٌ وفاجرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ باطنٌ وظاهرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ حاضرٌ وغابرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ قادمٌ وحاضرْ ؟!

وَهَلْ سَوَاءٌ مُرْسَلٌ وماكرْ ؟!

وهلْ سَوَاءٌ شجَرٌ أصُولهُ ثابتة ٌ وشجَرٌ عَلى الدِّمَاءِ سَائِرْ ؟!

* " أرى شجرا يسير" من أقوال زرقاء اليمامة .. انظر الهوامش ..

وَهَلْ سواءٌ قاتلٌ إخوتهُ ومؤمنٌ مُصَابرْ ؟!

كمْ من قصور ٍ أهلهَا مَوْتى ! وكمْ أحْيَاءَ في أسافل المقابرْ !..

فاقتلع ِ الأظافرْ ..

اقتلع ِ العُيُونَ والحناجرْ ..

اقتلع ِ الضّفائرْ ..

طاردْ ظلالَ الشّهداء ِ .. حَاصِرْ

حتى .. الحِدادَ وَسَط َ القلوب ِ .. والدّموعَ في المحاجرْ !

أقتلْ كما تريدْ ..                                    

اقتطع ِ الذ ُّكُورَ والنّهودْ

أطلقْ علينا كلبَكَ الحديدْ

ذا السّبعة الرّؤوس ِ .. فينا أعْمِل ِ الفلقة َ .. والخازُوقْ ..

غدًا نرَاكَ فوق عُود فجرنا مشنوقْ !

مِنْ غابةِ الصَّبَاح ِ .. مِنْ جَلِيدِهَا المَسْحُوقْ ..

غدًا يَعُودُ حمزة ُ الخطيبُ فوق الفرَس ِ الغرنوقْ

لا وجهُهُ مُقَرَّحٌ .. لا عُنقهُ مَدْقوقْ ..

بلْ بَاسِمَ العينين ِ .. غضّا .. أزهَرًا .. كثمَر ِ البُرْقوقْ ..

مِنْ غابةِ الصَّبَاح ِ .. مِنْ شجَرِهَا المَحْرُوقْ ..

غدًا يَعُودُ بَيْننا القاشوشُ إبراهيمُ مثل طائر الفينيقْ

مُبَللَ الجَناح ِ بالرّذاذ والهواءْ

ومِنْ ضفاف نهَر ِ العَاصِي .. إلى الفضاءْ ..

نحنُ مَعًا سنطلق الألعابَ .. مِنْ ضفافِهِ .. سنبدأ الغناءْ

لامرأةٍ .. قدّيسةٍ .. نوريّة الرّداءْ ..

تحْبلُ أبطالا ً .. وأنبياءْ ..

لِسُوريَا الجديدهْ ..

لِسُوريَا المجيدهْ ..

وأنت سوف ترحلُ ..

نعمْ .. نعمْ .. سترحلُ ..

إن عاجلا .. أو آجلا .. سترحلُ ..

تقبلُ .. أو لا تقبلُ ..

سترحلُ ..

إنّكَ لا محالة ٌ .. سَترْحَلُ ..

أقتلْ كما تريدْ ..

أنتَ تريدُ .. غير أنّ شعْبَنا يُريدْ ..

نحنُ غدًا لا أنتَ منْ يريدْ

مِنا اذبح ِ المزيدْ ..

اذبحْ من الوريد ِ .. للوريدْ

أنت غدا سَتذبَحُ !

غدًا .. سَيَهْوي المَسْرَحُ ..

غدًا .. سَيَعْلو المَسْرَحُ ..

وأهلنا مَهْمَا بعُقرِ أرْضِهمْ قدْ بُرّحُوا

مِنْ أرْضِهمْ لنْ يَبْرَحُوا ..

أنت الذي سَيَبْرَحُ ..

أنتَ غدًا لمّا الرّبيعُ بيننا يَنفتِحُ

أدنى الجَحِيم ِ تقمَحُ

مثل (( أخينا القائد العقيدْ ))

أو ربّما ستنتهي شريدْ

كذئب قرطاجَ .. وقِرْدِ اليَمَن ِ السّعيدْ ..

أوْ ربّما ستسْجَنُ ..

مثل الذين أمس ِ قدْ تفرْعَنوا ..

وسوف تبقى الرّسْتنُ ..

وسوف تبقى إدلِبُ ..

وسوف تبقى حَلبُ ..

وسوف يبقى شعْبُنا الحُرُّ العظيمُ الطّيّبُ !

وأهلنا من أرضهمْ لنْ يَذهَبُوا

مهما بها قدْ عُذِّبُوا

أنت الذي سيذهبُ ..

وأهلنا من أرضهمْ لن يَهْرَبُُوا

مهما بها قدْ أ ُرْهبُوا

أنت الذي سيهربُ

من أين سوف تهربُ ؟!

وأينَ سوف تهربُ ؟!

وكيف سوف تهربُ ؟!

من أين سوف تهربُ ؟!

لا مَهْرَبٌ مِنْ دَمِنا .. لا مَهْرَبُ ..

أنتَ .. غدًا مِنْ فوق ِعُودِ فجْرنا ستصْلبُ ..

من أين سوف تهربُ ؟!

حتّى متى ستهربُ ؟!

وأينَ سوف تهربُ ؟!

وأين سوف تذهبُ ؟!

وأين منّا تهربُ ؟!                                                  

وأينَ منّا تذهبُ ؟!

حتّى متى ستكذبُ؟!

حتّى متى ستلعَبُ ؟!

حتّى متى سترتدي الأقنِعَهْ ؟!

لا غنمٌ نحنُ .. ولا وطننا مزرعَهْ

تورِثهَا لابْنِكَ عَنْ أبيكَ .. نحن المَوْجُ والأشرعَهْ !

نحنُ الرُّؤَى .. والحبّ .. والعلامة ُ المُؤلِمَة ُ المُمْتِعَهْ ..

نحنُ لِبَيْتِ الأرض ِ أعْمِدَتهَا الأربَعَهْ !

واكتمَلَ المَعْنى .. من الطّوفان ِ .. منْ وسادة الزّوبَعَهْ

قدْ طلعَتْ مَوْلاتنا العرّافة ُ القدّيسة ُ المُبْدِعَهْ

ونحْوَنا تلفتتْ مُسْرِعَهْ ..

راكبة ً وَدَعَهْ

كبيرة ً .. تجرّها الغزالة ُ البَجَعَهْ ،

ونزلتْ ما بيننا مصقولة ً .. نافرة ً .. ترتلُ ..

ألواحَهَا المَرْئِيَّ في حروفها المستقبلُ ..

وأنتَ سوف ترحَلُ !..

نعَمْ .. نعَمْ .. سترحلُ ..

تقبلُ .. أو لا تقبلُ ..

مُؤكّدٌ سترحلُ

وسوف تبقى سُورِيَا

برغم أ ُسْتِ رُوسِيَا

المُومِس العَجُوز .. رغم عُهْرِهَا الجَهْريّ والسّرّيّ ْ ،

ورغمَ شحْم ِ دُبِّها القطبيّ ْ ،

وَضرْطِهِ الدّهنيّ ْ ،

وجلده الثّلجيّ ْ ،

وقلبه الفحْميّ ْ ..

برغم أفعى المعبد الصّينيّ ْ ،

وعارضِي جمجمةِ الحسين ِ في كلّ مَزَادٍ .. هكذا .. عينيكَ في عينيّ ْ ..

برغم كلّ عفن المجتمع البَوْليّ ْ ،

برغم كلّ كذب المجتمع القوْليّ ْ ،

مِنْ سِجْنِهِ في قاسَيُونَ سيعودُ البُلبلُ

بكلّ ما في قاسَيُونَ من عطور ٍ ريشهُ مُخْضَوْضِلُ ..

وفي ضفاف بَرَدَى سيطلعُ النارنجُ وَالسّفرجلُ ..

ومِئة ً بحبّة ٍ لسَوْفَ يَعْلو السُّنبُلُ ..

وسوف من قبورنا ينبجسُ القرنفلُ ..

وسوف تبقى سوريا بالأنبياء تحْبلُ ..

وأنت سوف ترحلُ ..

نعَمْ .. نعَمْ .. سترحلُ ..

تقبلُ .. أوْ لا تقبلُ ..

لنْ تستطيعَ قتلنا .. حَيْثُ جناحُ الأغنِيَاتِ الأعْزَلُ ،

حَيْثُ الفَضَاءُ الزِّئْبَقيُّ المُقفلُ ..

جُذ ُورُنا تنفتِلُ

حُمْرًا بعُمْق ِ الأرْض ِ .. لا َ .. لا َ جَندَلُ

يُوقِفنا .. لا َ مِنجَلُ ..

لا َ مِعْوَلُ ..                                                        

لا َ مِخرَزُ الصّلفْ ..

ألق ِ الصّواريخَ على الأبواب .. والشُّرَفْ

أحرقْ بها سرْب الخطاطيف الذي وَقفْ

صفا على حبل الغسيل .. الحَبَقَ البَلِيلَ في آنية الخزَفْ ..

ألق ِ الصّواريخَ على الغرَفْ ..

أحرق ْ على جدرانها لوْحَاتِنا : في هذه نهْرٌ إلى اليسار ِ ينعطفْ ،

في هذه مِنْ سُورَةِ الإنْسَانِ مُقتطفْ ..

وَهَا هُنا أخرى بها الشّرُوق ُ مثل الفيض ِ ينكشفْ ..

وهاتهِ فيها جوادٌ بالمدى القصِيِّ يلتحِفْ ..

وتلك فيها امرأة ٌ نظرتها بحبّها العارم تعترفْ

لِرَجُل ٍ وجهُهُ كالسّراج ِ مُنخطِفْ

يَمْتدُّ مِنْ فوقِهمَا غُصْنٌ به تفّاحة ٌ حَمْراءُ .. ترتجفْ ..

... أحرق ْ .. وأحرقْ .. إنّما الحُرُّ الذي يُوجزْ مَتى حَلفْ ،

أحرق ْ .. وأحرقْ .. إنّما الحُرُّ الذي يُنجزْ مَتى حَلفْ :

وَكُلِّ عِرْق ٍ طاهر ٍ نزَفْ ،

وَكُلِّ عِرْق ٍ طاهر ٍ نزَفْ ،

لنْ أبَدًا تحرقَ في أعماقنا الشّغفْ

بهذه الحياة ِ .. حتّى في شعاع النّور .. في رائحة السّعَفْ ..

في الرّمل .. في الخطوط .. في الصَّدَفْ ..

لنْ أبَدًا تسلبنا امتلاءَنا بالحبّ .. والوفاءِ .. والشّرَفْ ..

لنْ أبَدًا تسلبنا الشّرَفْ !

أتعرفُ الشّرَفْ ؟

مِنا خذِ العنوانْ :

في ذرّة ٍ من تربةِ الجولانْ

يَطؤُهَا نعْلُ الغزاة ِ الآنْ ،

تصْرُخُ : وَا عَليَّ .. وَا سيفَ بني حِمْدَانْ !

فيُعْلِنُ التّلفازُ : إنّ مانعْ

مَاض ٍ .. وفي المضارعْ

يُمَانِعْ ..

مُمَانِعٌ .. مُمَانعْ ..

مُمَانعٌ .. مُمَانِعْ ..                           

مُمَانِعٌ .. مُمَانعْ ..

مُمَانعٌ .. مُمَانِعْ ..

وخامسٌ .. وسابعْ

وعاشرٌ .. وتاسعْ ..

وسابقٌ .. وتابعْ ..

وذاهبٌ .. وراجعْ ..

... وقاسَيُونُ .. لمْ يزلْ هُناكَ .. قاسَيُونْ ..

بين الصّدى .. والحُلم ِ .. والسَّحَابَةِ الهَتونْ ..

منْ أينَ قاسَيُونْ ؟

علامَ قاسَيُونْ ؟

مَنْ هُوَ قاسَيُونْ ؟

مَا هُوَ قاسَيُونْ ؟

المَاءُ والمصباحُ قاسَيُونْ ..

والسّيفُ والوردَة ُ قاسَيُونْ ..

بَكِيسِفالسُورُسٌ يَمْرق ُ من صَدَفةِ الظّنونْ ..

* بَكِيسِفالسُورُسٌ : نوع من الدّينوسُورات ..

والعِترَة ُ الأطهارُ يشهَدُونْ ..

والنّاسُ ينظرُونْ ..                         

وشامَة ٌ في عُنق ِ الشّآم ِ قاسَيُونْ !

بين المُحيطِ والخليج ِ ظِلّ ُ قاسَيُونْ !

بين المُحيطِ والخليج ِ ذ ُلّ ُ قاسَيُونْ !

وقاسَيُونُ باركٌ كجَمَلٍ حزينْ !

يسمعُ طيف ناقة ٍ كَأمِّهِ تُرَدِّّدُ الحَنِينْ !..

وقاسَيُونُ واقفٌ كجَمَل ٍ حَرُونْ !

وقاسيون شاردٌ كجَمَل ٍ مَتِينْ !..

وقاسَيُونُ هائجٌ كجَمَل ٍ فاحَتْ بكلّ جسْمِهِ عَنبَرَة ُ الفتونْ ..

في قاسَيُونَ تضحكُ الأقاح ِ والغُصُونْ ..

في قاسَيُونَ تلعَبُ الطّيورُ والعُيُونْ

في قاسَيُونَ يلتقي الهديلُ والأنينْ

في قاسَيُونَ للظّباء تعزف العاشقة ُ اللّحُونْ

في قاسَيُونَ تجْرَحُ الكمَنجَة ُ الغريبة ُ السّكونْ

في قاسَيُونَ ترْجُفُ الشّهْوَة ُ .. والإيمانُ .. والجُنونْ ..

في قاسَيُونَ تُجْهشُ الشّجُونْ ،

يبكي علينا قاسَيُونُ مُجْهشا .. يبكي على أشلائِنا ..

يبكي علينا جَدُّنَا .. يبكي .. ويُخفِي دمْعَهُ عَنا .. وعن أعدائِنا ..

ودَمْعُُه ُ كسَمَكٍ يَزْلق ُ مِنْ أصابع الصّبر ِ ؛ على أسمائِنا

يبكي طويلا جدُّنا .. يبكي على بناتنا .. يبكي على أبنائِنا ..

يبكي على أطفالنا .. ضاعُوا ولمْ ينتبهُوا عَبْرَ دُجَى اللّيل إلى إيمائِنا ..

يبكي على نسائنا .. فارقننا وبَعْدَهُنَّ ذبُلتْ كامِيلِيَا أهوائِنا ..

يبكي علينا جدُّنا .. يبكي على أشيائِنا ..

يُوقِظ ُ رُؤيَا نارِنا .. فِينا.. وَرُؤيَا مَائِنا ! ..

يُوقِظ ُ رُؤيَا نارِنا .. فِيهِ .. وَرُؤيَا مَائِنا ! ..

يبكي علينا قاسَيُونُ مُجْهِشًا بكلّ أغنيتهِ ..

يبكي على حالتنا .. يبكي على حالتِهِ ..

يَرْنو إلينا قاسَيُونُ بائحًا بكلّ أمنيتهِ ..

يَرْنو إلينا قاسَيُونُ جَاهِرًا .. بكلّ مَلحَمَتِهِ ..

ينشدُ قاسَيُونُ ما في لوح إلياذتهِ ..

للطّلقة ِ الأخيرةِ / الأولى التي في جَوْفِ بارُودتهِ ..

لِجَمْرَة ٍ ألصَقهَا البُرْكانُ في راحتهِ ..

ينشدُ قاسَيُونُ ما في لوْح ِ أوديستِهِ ..

للخيل ِ .. والنّهارِ ما في لوْح ِ مرثيّتِهِ ..

واللّيل ِ .. ما في لوْح مهجيّتِهِ :

« تبّتْ يداكَ .. أيّها اللّعينْ !

تبّتْ يداكَ أيّها المَشِينْ !                     

تبّتْ يداكَ أيّها القصيرُ والبدينْ !

تبّتْ يداكَ أيّها الأقرُعُ والبطينْ !

تبّتْ يداكَ أيّها الأعرجُ والأعورُ والمُهَجَّنُ الهجينْ !

تبّتْ يداكَ أيّها الدّجّالُ والكذّابُ والخَؤُونْ !

يا نعْجة ً تنكّرتْ في أسَد ٍ .. النّاسُ يضحكونْ

من أسَدٍ كفلهُ سَمِينْ !

يَثغو وَمِنْ وَرَائِه ِ إليَتهُ الألياءُ .. لا الأشبالُ .. وَالعَرينْ !..

النّاسُ يضحكونَ .. حتّى بالدّموع ِ اخضلت ِ العيُونْ !

النّاسُ يضحكونَ .. حتّى بالدّمُوع ِ اخضلت ِ الذ ّقونْ !

النّاسُ شاخصُونْ ،

النّاسُ كلّ النّاس ِ شاخصُونْ

من نكتة ٍ تحوّلتْ لِنكبَة ٍ .. مِنْ نعْجة ٍ أصَابَهَا الجُنونْ ،

كرِهَتِ العُشبَ .. وراحتْ مِنْ شِوَاءِ لحْمِنَا تعبّىءُ الصّحُونْ !

يا حكمة َ الأقدار ِ .. يا ميزانها الرّصينْ !

حتّى النّعاجُ طمِعَتْ في لحمنا !

حتّى النّعاجُ طمِعَتْ في دمنا !

حتّى النّعاجُ استمْرَأتْ ألمَنا الثخينْ !

يا حكمة َ الأقدار ِ .. يا ميزانها الرّصينْ !.. »

النّاسُ شاخصُونْ                            

النّاسُ غاضبُونْ

وغاضبٌ والنّاسَ قاسَيُونْ ..

صبْرَكَ قاسَيُونْ !

بُشرَاكَ قاسَيُونْ !

يا أيّها العاشقُ .. والصّادقُ .. والأمينْ ..

يا أيّها الرّائعُ .. والفارع ُ .. والحنونْ ..

.. وَأينَ قاسَيُونْ ؟ ..

قاص ٍ .. وقاس ٍ .. هُوَ قاسَيُونْ !..

السّيفُ والوردَة ُ قاسَيُونْ ..

رأسُ الحسِين ِ احتزّهُ يزيدُ في مدخل قاسَيُونْ

في قاسَيُونَ خرج المظلومُ للظّالم ِ والدّائنُ للمَدِينْ !

في قاسَيُونَ الخيلُ إذْ تمشي تدوسُ جَسَدَ الحُسِينْ

في قاسَيُونَ ما يزالُ مثلما قدْ كان غضّا جَسَدُ الحُسِينْ

في قاسَيُونَ ما تزالُ غضّة ً جُمْجُمَة ُ الحُسِينْ

في قاسَيُونَ خرج المظلومُ للظّالم ِ .. والدّائنُ للمَدِينْ !

في قاسَيُونَ يأكلُ العُقابُ قلبَ البطل السّجينْ ..

في قاسَيُونَ صُورَة ً فصُورَة ً يُشِعُّ قلبُ العاشق ِ الدَّفِينْ

* هنا استحضار للإمام الشّاعر محي الدّين بن عربيّ – انظر الهوامش ..

في قاسَيُونَ مَحْبسًا فمَحْبسًا غُرْبَتهُ يَسْتقرﺉُ الرَّهينْ

*هنا استحضار لرهين المحبسين المعرّي السّوريّ - انظر أيضا الهوامش ..

في قاسَيُونَ نرفعُ الصّخرة َ كُلَّ حِينْ ..

... وأينَ قاسَيُونْ ؟

هُناكَ .. قاسَيُونْ !..                

قاص ٍ .. وقاس ٍ .. هُوَ قاسَيُونْ !..

في قاسَيُونَ يُنصِتُ الجنينْ

لأمّه ِ .. عَبْرَ صَدَى غنائها الحزينْ

يُنصِتُ للرّحى التي يَدُورُ بالطّحينْ

بين اليسار ِ ثقبُها الأسْوَدُ وَاليمينْ ..

لِوَهَج ِ التنور ِ وهو يلفحُ اليديْن ِ .. وَالجبينْ

لِوَهَج ِ التنور ِ وهو يُنضِجُ العجينْ

زادًا لِمَنْ والشّمسَ يذهبُونْ ،

قِرًى لِمَنْ والشّمسَ يَرْجعُونْ ..

في قاسَيُونَ يُنصِتُ الجنينْ

لأمّه ِ .. عَبْرَ صَدَى غنائها الحزينْ

يُنصِتُ للمصباح ِ .. للنّور الذي يُشعّ منْ بلّوْرِهِ السّخينْ !

للمطر الماشي على القرميد ِ مثل القطّ إذ ْ يَنصِبُ للقبرَة ِ الكمينْ !

لِهَفهَفاتِ مِغزَل ٍ .. يُحَضِّرُ البُرْدة َ للخَتِينْ !

لِنحْلة ٍ قوْسًا مِنَ الطّنينْ

تمدّ ُ مِنْ زهرةِ صبّار ٍ .. إلى زهرة ِ ياسمينْ ..

في قاسَيُونَ يُنصِتُ الجنينْ

لأمّه ِ .. عَبْرَ صدى غنائها الحزينْ

يُنصِتُ للنّجوم وهي تملأ ُ الغُدْرَانَ بالرّنينْ ..

لأحْرُفِ الهجاءِ .. للضّمّة والفتحةِ والكسرة ِ .. والسّكونْ ..

قصيدة ً يُنشِدُهَا للأرض قاسَيُونْ

قصيدة ً يُنشِدُهَا للبحر ِ .. قاسَيُونْ !

مَنْ هُوَ قاسَيُونْ ؟..

ما هُوَ قاسَيُونْ ؟ ..

... وأينَ قاسَيُونْ ؟

ناء ٍ .. وَدَان ٍ .. هُوَ قاسَيُونْ !..

... وأينَ قاسَيُونْ ؟                                          

وأينَ بابا عَمْرْو ؟

أينَ الأغاني .. والرّؤى .. والشّعْرْ ؟ ..

أين المعاني .. والهوى .. والعطرْ ؟ ..

النارُ بَابَا عَمْرْو ..

الأرضُ بَابَا عَمْرْو ..

البحرُ بَابَا عَمْرْو ..

اللّيل ُ بَابَا عَمْرْو ..

والموت ُ بَابَا عَمْرْو ..

والحبّ بَابَا عَمْرْو ..

نحن ُ الهنودُ الحُمْرْ ..

نحنُ الطّيورُ الخضرْ ..

والأرضُ بَابَا عَمْرْو ..

والبحرُ بَابَا عَمْرْو ..

يا دمنا .. يا دمنا .. يا دمنا .. يا نهرْ ..

يا دمنا .. يا دمنا .. يا دمنا .. يا صبرْ ..

نحن ُ الهنودُ الحُمْر ْ ..

نحنُ الطّيورُ الخضرْ ..

يسألُ طفل ٌ أمَّه ُ : متى تُرى يعودُ بابا عمْرْو؟..

تجيبهُ : لمّا يعودُ الفجرْ ؟ ..

علامَ يا حَبيبنا تمُوتُ .. يا حبيبنا .. يا أنتَ يا حبيبنا الحبيبْ ؟

هَذِهِ عُصْفُورََتنا تنقرُ ثلجَ الحُزْنِ في حديقة الغُرُوبْ ..

أطفالنا هَا هُمْ إزاءَ الحائط المُقشَّرِ الطّلاء يَرْمُقونَ وَجْهَ الشّهوة الغريبْ

جُلودُهمْ تجعّدتْ أطفالنا رُؤُوسُهمْ بقعَهَا المَشِيبْ ! ..

ظُهُورُهمْ أطفالنا قدْ قوّستْ فقارَهَا الكرُوبْ ..

كأنّما الألوانُ في وُجُوهِهمْ تذوبُ والدّمُوع َ .. إذ ْ تذوبْ ..

الموتُ صَارَ بينهمْ مُهرّجًا .. لعِيبْ ..

استكمَلُوا نذورَهُمْ .. ورفعُوا تمثالهمْ بالماء .. والحروف .. واللّهيبْ ..

هَذِهِ أمنياتهمْ / هَذِهِ ذكرياتهمْ .. هَذِهِ حَلوَى عِيدِنا الجَدِيبْ ! ..

هذه سيقان ٌ لنا وأذرُع ٌ مقطوعَة ٌ .. هذا ظلامُ اللّيل .. هذا وَحْشُهُ الرّهيبْ !

هذا ذبابُ الموت ِ .. هذا حَجَرُ الدّولابِ .. هذا قبْرُنا السّفليُّ .. هذي وَرْدَة ُ الذ ُّنُوبْ !..

هذا شِرَاع ُ الشّمْسِ في بُحَيْرَةِ النحِيبْ ..

هذا صَدَى البَحْرِ .. كَمَا ليمُونة ٌ تعصرُهُ الرّؤيا بجَوْفِ كوبْ !

هذا صدى البَحْرِ العميق .. الحَرِكِ .. الرّحْبِ ../ الطّليقِ .. الغامض .. الغضُوبْ ..

 هذا صدى أجنحَةِ النّوارس الوَرْديّة الهُبُوبْ ..

هذا بُكاءُ القرْش ِ .. في بدايةِ الطّلوع ِ .. في نهاية المَغيبْ ..

هذا التِمَاع ُ الزُّرْقة الملساء ِ .. واستدارة ُ العينين ِ بالنيُوبْ ..

هذا صدى الزّمان وهوَ يقرَعُ الخطوبْ !

هذا صدى المَوْجَةِ والصّخرة ِ .. والبَجَعَةِ السِّحْريّةِ النعِيبْ ..

هذا انهمارُ الوَرَق ِالأصفر ِ .. هلْ نحنُ ترَى شعبٌ من الشّعوبْ

أمْ حَجَرٌ تحْشَى بهِ مكنة ُ الحُرُوبْ ؟

وَعِلكة ٌ ذليلة ٌ في حَنكِ الطّبيعةِ اللّعُوبْ ؟

شرْقا وغرْبًا لمْ نزَلْ نجُوبْ

هذا المَدَى .. أيْنَ المَدَى ؟ .. مِنْ قمّة ٍ لِقمّة ٍ يلقي بنا الشّمالُ .. والجنوبْ ..

مِنْ كذبةٍ لِكذْبةٍ .. مِنْ خيمةٍ لِخيمةٍ .. يُلقي بنا البعيدُ .. والقريبْ ..

مِنْ هِجْرَة ٍ لِهجْرَة ٍ تلقِي بنا هِجْرَتنا .. أيْنَ تُرَى الهُرُوبْ ؟!

الغجَرُ الأ ُوَّلُ مِنْ أمَامِنا .. والطّيرُ والجَامُوسُ مِنْ وَرَائِنا .. أيْنَ تُرَى الهُرُوبْ ؟!

أمَامَنا تناثرُ الثّلج على أسْمَالِنا .. وَرَاءَنا دُمُوعُنا.. أيْنَ تُرَى الهُرُوبْ ؟!

صَدَى صَفِيرِ الرّيح ِ في خِيَامِنا أمَامَنا .. أشواقنا وَرَاءَنا .. أيْنَ تُرَى الهُرُوبْ ؟!

بشّارُ مِنْ وَرَائِنا والعالمُ الكذّابُ مِنْ أمَامِنا .. أيْنَ تُرَى الهُرُوبْ ؟!

بشّارُ .. بَشَّارُونُ مِنْ وَرَائِنا والدُّوَلُ القِحَابُ مِنْ أمَامِنا .. أيْنَ تُرَى الهُرُوبْ ؟!

* بشّارُونُ هُنا مزج بين بشّار وشارُون.

وَزُرْقة ُ الجبال مِنْ أمَامِنا .. وَزُرْقة ُ المِيَاهِ مِنْ وَرَائِنا .. أيْنَ تُرَى الهُرُوبْ ؟!

وَسُورِيَا وَرَاءَنا .. وَسُورِيَا أمَامَنا .. كيْفَ تُرَى مِنهَا لهَا نؤُوبْ ؟؟!!

متى إلى وطننا نؤُوبْ

كَمَا يَؤُوبُ مُسْرِعًا لِعُشِّهِ البعيدِ عندليبْ ؟!

كَمَا يَؤُوبُ راتِقا مَوْكِنهُ المَخْرُومَ عندليبْ ؟!

كَمَا مِنَ المَدَى إلى الأرضِ يَؤُوبُ المَطرُ الصَّبيبْ ؟!

كَمَا يَؤُوبُ عاشق ٌ لِعِشقِهِ مِنْ بَعْد ِ مَا أقسَمَ أنْ يَتوبْ ؟!

كيْفَ إلى وطننا نؤُوبْ ؟!

كيف تُرَى تنفتح الجراحُ فينا كلّما خِلنا الجراحَ أصبحتْ ندُوبْ ؟!

كيف تُرَى المرآة ُ قدْ تكسّرتْ وفجأة ً عَبْرَ شظايا الألق ِ الخضيبْ

أبدتْ لنا جميعَ ما أخفى بها آدَمُ من عُيُوبْ ؟

كيف تُرَى شجَرَة ٌ أنا .. أنا غرستها ، ليسَ يصحّ لي ولا لصِبْيَتِي من خَيْرِهَا نصيبْ ؟

كيف تُرَى شجَرَة ٌ أنا .. أنا غرستها يَصْنعُ لي الدَّعِيّ ُ مِنَ خشبها الصّليبْ ؟

كيف أجرّ يا تُرَى في وطني الصّليبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرَى في أرضنا الصّليبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرَى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها البعيدَ والقريبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرَى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها بدَمِنا السّكِيبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرَى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها بصبرنا الرّحيبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرَى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها بحُزننا المَهيبْ ؟

ويرتع ُ الجبانُ والخائنُ والقاتلُ في ربيعها الخصيبْ ؟

ما هذه مدينة ٌ .. وإنّما مبغى .. لكلّ ثعلب ٍ .. وذيبْ !

ما هذه مدينة ٌ .. وإنّما مَلهًى لكلّ مُومس ٍ مهتوكة الجيُوبْ !

ملهًى لكلّ فاسق ٍ مُلوَّث ِ الجيُوبْ

يُخفي دَرَاكولا وَرَاءَ جُبّةِ الطّبيبْ !

* دَرَاكولا : مصّاص الدّماء .. انظر الهوامش ..

كيف تُرى تقتلنا يا حضرة َ الطّبيبْ ؟!

يا حضرة الدّكتور .. والعلاّمة الأريبْ ..

يا حضرة َ المفكّر الأديبْ ..

والسيّدِ النجيبْ ..                                         

والأفوَهِ الخطيبْ ..

كيف قتلتَ حمزة َ الخطيبْ ؟

كيف تُرَى قتلتنا يا حضرة َ الطّبيبْ ؟!

كيف تُرى تقتلنا يا حضرة َ الطّبيبْ ؟!

تُرَى قرَأتَ قسَمَ الطّبيبْ ؟

تُرَى فهمتَ قسَمَ الطّبيبْ ؟

تُرَى فهمتَ شرَفَ الطّبيبْ ؟

كلا َّ .. دُرُوسُ الطّبّ ما فهمْتها .. لوْ كنتَ قدْ فهمتهَا ،

لوْ قدْ فهمتَ رَوْعَة َ النفس ِ التي في جَسَدِ الإنسان .. ما قتلتها ! ..

كيف تُرَى رَصَاصَة ٌ صَغِيرَة ٌ.. حَقِيرَة ٌ.. بها يَكُونُ فجْأة ً قدِ انتهَى ..

في جسد الشّهيد ِ دِفْءُ دَمِهِ .. كلّ ُ الذي بَصَرُهُ قدِ اشتهَى ..

حمامة ُ الشّوق التي في قلبه .. جناحَهَا غَارسَة ٌ .. وصَوْتهَا .. ؟!

كيفَ تُرَى رَصَاصَة ٌ .. ؟.. ليتكَ قدْ فهمْتهَا .. وَ .. ليْتهَا ...

لوْ قدْ فهمت روعة النفس ِ التي في جسد الإنسان .. ما قتلتهَا ! ..

أأنتَ تلك النّفسُ قدْ أنشأتهَا ؟

أأنتَ قدْ صوّرتهَا ؟

كيف إذنْ قتلتهَا ؟

كيف إذنْ أفسدتهَا ؟

كيف إذنْ أهنتهَا ؟

كيف إذنْ أذللتهَا ؟

كيف إذنْ جوّعتهَا ؟ كيف إذنْ أعطشتهَا ؟

كيف إذنْ أطفأتهَا ؟

كيف إذنْ عذّبتهَا ؟

كيف إذنْ شرّدتهَا ؟

كيف إذنْ أهلكتهَا ؟

أأنتَ تلك النّفسُ قدْ أنشأتهَا ؟

أأنتَ قدْ صوّرتهَا ؟

كيف إذنْ قتلتهَا ؟

أأنتَ تلك النّفسُ قدْ أنشأتهَا ؟

أأنتَ قدْ صوّرتهَا ؟

كيف إذنْ تقتلهَا .. ثمَّ .. تدُوسُ مَوْتهَا ؟

كيف تُرى رصاصة ٌ أنت بجوع أهلنا اشتريتهَا

تهدمُ أرضًا راحُة ُ اللّهِ على العَدْلِ أقامَتْ بَيْتهَا

وأوقدتْ مشكاتهَا .. فيها .. وَوَفتْ .. زيْتهَا .. ؟!

لوْ قدْ فهمتَ روعة النفس ِ التي في جسد الإنسان .. ما قتلتهَا ! ..

أأنتَ تلك النّفسُ قدْ أنشأتهَا ؟

أأنتَ في صورتها الحسناءِ قدْ صوّرتهَا ؟!

أأنتَ قدْ منحتهَا                                              

شُعَاعَهَا .. وصَوْتها ؟

أأنتَ قدْ سوّيتَ فيها ظلّها .. وَ .. سَمْتهَا ؟

أأنتَ قدْ أخرجتَ منْ طينتها مُدامَهَا .. وَنبْتهَا .. ؟!

أأنتَ قدْ قسَمْتهَا

 كحَبَّة ٍ أختيْن ِ كيْ أختٌ تناجي أختهَا ؟!

أأنتَ مِنْ أسمائها علمْتهَا

حُلمًا بهِ عَجُزُهَا وصَدْرُهَا يُلقمان ِ بَيْتهَا ؟!

 (.. يُقلمَان ِ بَيْتهَا ..

يَختلقان ِ بَيْتهَا ... )

كيف إذنْ قتلتهَا ؟

لوْ قدْ فهمت روعة النفس ِ التي في جسد الإنسان .. ما قتلتهَا ! ..

أأنتَ تلك النّفسُ قدْ أنشأتهَا ؟

أأنتَ قدْ صوّرتهَا ؟

كيف إذنْ قتلتها .. ثمَّتَ .. دُسْتَ مَوْتهَا ؟

كيف إذنْ تقتلها .. ثمَّ .. تدُوسُ مَوْتهَا ؟

لوْ قدْ فهمت روعة النفس ِ التي في جسد الإنسان .. ما قتلتهَا ! ..

كيف تُرى تقتلنا يا حضرة َ الطّبيبْ ؟!

هلْ يقتلُ الطّبيبْ ؟!

كيف تُراهُ يقتلُ الطّبيبْ ؟!

كيف تُرَى شجَرَة ٌ أنا .. أنا غرستها ، ليسَ يصحّ لي ولا لصِبْيَتِي من خَيْرِهَا نصيبْ ؟

كيف ترى شجرة ٌ أنا .. أنا غرستها يصنع لي الدَّعِيُّ من خشبها الصّليبْ ؟

كيف أجرّ يا تُرَى في وطني الصّليبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرَى في أرضنا الصّليبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرَى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها البعيدَ والقريبْ ؟

كيف نجرّ يا ترى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها بدمنا السّكِيبْ ؟

كيف أجرّ يا تُرَى في وطني الصّليبْ ؟

كيف نجرّ يا تُرى في أرضنا الصّليبْ ؟

علامَ يا حبيبنا تمُوتُ .. يا حبيبنا الحبيبْ ؟

علامَ يا حبيبنا تمُوتُ .. يا حبيبنا الحبيبْ ؟

يا أنتَ يا حبيبنا .. يا أنتَ يا حبيبنا الحبيبْ ؟

كيف نناديك ولا تجيبْ ؟                                  

كيف نناجيكَ ولا تؤوبْ ؟

هَا أنّنا ندَقّ ُ مِسْمَارًا .. فمِسْمَارًا .. على خشبة الصّليبْ

هَا أنّنا ننزفُ في خشبة الصّليبْ

هَا أنّنا نموتُ في خشبة الصّليبْ ..

هَا أنّنا نعُوشنا حاملة ٌ نعُوشنا .. في موكب الصّليبْ ..

كيف نجرّ يا تُرَى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها البعيدَ والقريبْ ؟

كيف نجرّ يا ترى الصّليب في مدينة ٍ نحنُ رفعنا مجدها بدمنا السّكيبْ ؟

علامَ يا حبيبنا نموتُ في خشبة الصّليبْ ؟

علامَ يا حبيبنا تموتُ في خشبة الصّليبْ ؟

علامَ يا حبيبنا تموتُ .. يا حبيبنا .. يا أنتَ يا حبيبنا الحبيبْ ؟

كيف تُرى هَجَرْتنا ؟ مِنْ يَوْم ِ قدْ فارَقتنا أجسامُنا مُطفأة ُ القلوبْ !

كيف تُرى نسِيتنا ؟ هذه بندقيّة ٌ علّقتها أنتَ بصَدْرِ الدّار قرْبَ بُرْدِكَ القشيبْ ..

زنادُهَا .. حِزَامُهَا .. قائِمُهَا .. رَائِحَة ُ البَارُودِ في فوهَتِهَا .. ترَدُّدُ الطّلقةِ في السّهُوبْ ..

كيف تُرَى هجَرْتنا ؟ مَنْ يا تُرى سيُسْرج ُ الحصانَ للرّكوبْ

إلى البعيد ِ ؟.. مَنْ سيعطيه الشّعيرَ .. ويناجي بيَدَيْهِ عُرْفهُ الصّهيبْ ؟

مَنْ يا تُرَى سيَحْرِثُ الحقل ومَنْ سيُرْسِلُ الصّلاة َ للأمطار في مملكة الغيوبْ ؟

مَنْ يا تُرى لِعِيدِنا سَيَعْصِرُ المُدَامَ ؟ مَنْ سَيَمْلأ ُ السّلّة َ بالفستق والزّبيبْ ؟

مَنْ يا تُرى بكمِّهِ .. وبهَوَاءِ فمِهِ الرّطيبْ

في اللّيل عن بلوْرَة ِ المصباح سوف يَمْسَحُ الشُّحُوبْ ؟

منْ سيزيدُ الزّيتَ في إنائه إنْ في الفتيل وَهَنَ اللّهيبْ ؟

ونايُنا مَنْ سَيَشمّ ُ طيبْ

الكوْن ِ في قصْبَتِهِ الدّاكنةِ الثقوبْ ؟

وَجَرْوُنا اليتيمُ مِنْ رَاحَة ِ مَنْ سَيَلعَقُ الحَليبْ ؟

والبلبلُ العليلُ مِنْ رَاحَة ِ مَنْ سَيَنقرُ الحُبُوبْ ؟

والبَرّ ُ في حذاءِ مَنْ سَيُبْدِلُُ الخُيُوط َ بالدُّرُوبْ ؟

كيف تُرَى نسيتنا ؟ هذا كتابُ النرْجس الكئيبْ !

هذا كتابُ عشقك الغريبْ !..

هذا كتابُ عشقك الرّائع ِ .. هذي أحْرُف ٌ مِنْ كَلِمَات ِ وَجْدِكَ العجيبْ !

هذا كتابُ عشقك الغريبْ !..

كيف إذنْ هجرتنا ؟

كيف إذنْ نسِيتنا ؟

علامَ يا حبيبنا تموتُ .. يا حبيبنا .. يا أنتَ .. يا حبيبنا الحبيبْ ؟

كيف نناديك ولا تجيبْ ؟

كيف نناجيكَ ولا تؤوبْ ؟

لمنْ تُرى ترَكْتنا ؟ ليس لنا غيرُكَ في هذا المدى العصيبْ !

لمنْ تُرى ترَكْتنا ؟ ليس لنا غيرُكَ في هذا المدى الكذوبْ !

ليسَ لنا غيرك .. لا خِلٌّ .. وَلا .. نسِيبْ ! ..

كيف تُرَى هجرتنا ؟

كيف تُرَى نسِيتنا ؟

أين تُرَى ذهبتَ عنّا أنت .. يا حبيبنا الحبيبْ ..

أين تُرَى ذهبتَ .. يا حبيبنا الحبيبْ ..

أينَ تُرَاكَ الآنَ يا حبيبَنا الحبيبْ

أين تُرَى أخذتَ منّا حمزة َ الخطيبْ

أين تُرَاهُ حمزة ُ الخطيبْ ؟!

تشظّتِ الشّمسُ على التلّ كمَا مِحْبَرَهْ ..

تعثرتْ بها يَدٌ إذ ْ دفترًا تأخذ ُ أوْ مِسْطرَهْ ..

أوْ قصّة ً .. أوْ .. قلمَا ...

 تشظّتِ الشّمسُ .. كمَا ..

وَإنمَا ..

لمّا مِنَ المَدْرَسَة ِ الطّفلُ يَعُدْ !لرُبّما ؛

يكونُ في نصف الطّريق ِ الآنَ .. عندَ حائط ِ المقبرَهْ ..

يَرْنو إلى العلامةِ المُقفِرَهْ ..

أوْ عَلهُ في طرَفِ الحَقل ِ مَعَ القبَّرَهْ

يَلعَبُ .. أوْ يغفو بظلّ التّوتةِ المُزهِرَهْ ..

أوْ ربّما قدْ عَبَرَ القنطرَهْ

في زورق ِ السّاحرة العجوز .. ذات النّظرة المُبْهرَهْ ..

صاحبة ِ السّراج .. والكتاب .. وَالمِبْخَرَهْ ..

يا حَمْزة ُ .. المَعْذِرَهْ !..                                     

يا حَمْزة ُ .. المغفرَهْ !..

وأينَ حمزة ُ الخطيبُ الآنَ قدْ يكونْ ..؟

وأينَ قاسَيُونْ ؟

وأينَ بَابَا عَمْرْو ؟

الحبُّ بَابَا عَمْرْو ..

والأرضُ بَابَا عَمْرْو ..

والبحرُ بَابَا عَمْرْو ..

والدّمُ بَابَا عَمْرْو ..

وأينَ بَابَا عَمْرْو ؟

يضحك في قصْرِهِ مِنا الفأرْ ..

يضحكُ في ضوئه منا القصْر ْ ..

يا دمنا .. يا دمنا .. يا دمنا .. يا نهر ْ ..

يا دمنا .. يا دمنا .. يا دمنا .. يا صبرْ ..

نحن ُ الهنودُ الحُمْر ْ ..

نحنُ الطّيورُ الخضرْ ..

وأينَ بَابَا عَمْرْو ؟

جرحٌ بوجه العصرْ ..

جرحٌ بوجه الدّهرْ ..

والأرضُ بَابَا عَمْرْو ..

والبحرُ بَابَا عَمْرْو ..

... لوْ أنّ أمّهاتنا غطّسْننا لِمُنتهَى أعقابنا في النهْرْ !

لوْ أنّهُ كانتْ لنا خيلٌ بنا تطيرُ مثل الطّيْرْ !

لوْ أنّهُ كان لنا شجرة ٌ فيها عِصِيّ ُ السّحْرْ

لوْ أنّهُ الغمامة ُ البيضاءُ قدْ كانتْ لنا سفينة ً .. أوْ جسْرْ ..

تماسَكي .. يَا رُوحَنا .. تماسكي .. تماسكي مثل َ جفون ِ الصّقرْ !

تماسَكي مثل َ جناح النسْرْ !

تماسَكي من أجل بابا عَمْرْو !

يَا رُوحَنا .. يَا رُوحَنا .. لا روحَ إلاّ أنتِ .. في هذا الطّريق ِ الوَعْرْ ..

يا أنتِ .. يا تعثرَ الخطوة ِ .. يا التفاتة َ الغريب .. يا كنز الهَوَى والفقرْ ..

يا أنتِ .. يا ترَقرُق َ الدّمعةِ .. يا رائحة البَرْق بلحم ِ الصّخرْ ..

تماسَكي .. تماسَكي .. من أجل بابا عمْرْو !

لمْ يُبْق ِ فينا اللّيلُ إلاّ جلدَنا اللاّصِق َ في الكرْبَاج ِ .. إلاّ عِطرْ

حُقولِنا نشْتمُّهُ .. عَبْرَ صَهيل ِ الخَيْل ِ إذ ْ بنا تجُرُّ عَرَبَاتِ الأسْرْ !

مِنْ أين جاءَ كلّ هذا اللّيل ِ ؟ .. شدِّي طرَف َ الحَبْل ِ بكلّ الصّبْرْ

شدِّي كمَا يَلزَم ُ يا جنِيّة ً يَسْجنهَا اللّيلُ بقاع ِ البئرْ !

لمْ يُبْق ِ فينا اللّيلُ إلاّ رشفة ً منْ كلّ كأس ِ العُمْرْ !

لمْ يُبْق ِ فينا الحبُّ .. بلْ لمْ يبق ِ فينا الهجْرْ ..

لمْ يُبْق ِ لا مِنْ نمَش ٍ في الزّند ِ أوْ في النّهد ِ .. لا منْ عبق ٍ في الشَّعْرْ ..

ولا انكماشَ الجسم ِ بالهديل في الظّل ّ .. ولا اختلاجة ً في الهُدْب .. أوْ في الثغرْ ..

لمْ يُبْق ِ لا صلابة ً في الشّيء ِ .. لا طراوة ً لزِجَة ً في الخِصْرْ ..

يَا رُوحَنا .. يا أنت ِ .. يا حَطبَنا المَبْلول َ .. يا قتامة َ الغيمة ِ .. يا ماءَ بياض البَدْرْ ..

يا نجمتين ِ .. أنتِ .. يا غزالتين ِ تاهَتا في صفحات القفرْ !

يا راحة ً تقيسُ عزّ أرضنا بالشِّبْرْ ،

* الشِّبْرُ : ما بين طرف الإبهام وطرف الخنصر ممتدّيْن ج أشبار ..

يا راحة ً نازفة ً تقيسُ عزّ أرضنا بالفِترْ ،

* الفِترُ : ما بين طرف الإبهام والسّبّابة إذا فتحتهما ج أفتار ..

اليومَ يومُ الثأرْ ،

اليومَ يومُ الفخرْ ،

يا قبضة ً ترفع ُ وُسْطاهَا وسَبَّابَتهَا : شهَادَة ٌ .. أوْ .. نصْرْ !..

من أجل بَابَا عَمْرْو !

يَا رُوحَنا .. يا وردة ً شائكة ً طالعة ً من قبْرْ ،

يا موجة ً بعيدة ً .. بعيدة ً .. هُناكَ .. في آخر ِ مَرْأى البَحْرْ !

هُناكَ .. حيث ليس بين الأرض والسّماء إلاّ سَطرْ ..

يفوحُ منهُ الحِبْرْ ..

يقطرُ منهُ الشِّعْرْ ..

يا موجة ً بعيدة ً .. بعيدة ً .. هُناكَ .. في آخر ِ مَرْأى الفجْرْ

هُناكَ .. حيث نافضًا عرْفهُ يَصْحُو .. المهْرْ

عَلى صَدَى تأوُّه ِ الغُصُون ِ مِنْ وَخز ِ انبثاق ِ الزَّهْرْ ..

عَبْرَ الثرَى .. المُنتفِج ِ .. المُسْمَرّ ْ ..

عَبْرَ إضاءاتِ المدى المُخضَرّ ْ ..

الواسع ِ .. المُغبَرّ ْ ..

يَا رُوحَنا .. تمَاسَكِي .. تمَاسَكِي .. يا راحة ً تحملُ سِفرَ الجمْرْ ..

تماسكي .. يا حَرْبة ً داخلة ً عَبْرَ ضُلوع ِ الظّهرْ

خارجة ً عَبْرَ ضُلوع ِ الصَّدْرْ !

داخلة ً عَبْرَ ضُلوع ِ الصّدْرْ

خارجة ً عَبْرَ ضُلوع ِ الظّهْرْ !

تماسكي .. يا أنت ِ .. يا سنبلة ً مَختومَة ً قشُورُهَا بالبُرّ ْ ..

يا كرْمَة ً عُرُوقهَا لألاءَة ً بالخمْرْ ..

يا نخلة ً مُثقلة ً عُذوقها بالتمْرْ !..

تماسكي .. قذيفة ٌ أخرى .. ويفشو السِّرّ ْ ..

قذيفة ٌ أخرى .. ويَعْلو العُمْرْ

مِنْ جُرْح ِ بَابَا عَمْرْو ..

منْ حُزن ِ بَابَا عَمْرْو ..

وأينَ بَابَا عَمْرْو .. ؟

... وأينَ قاسَيُونُ ؟ أينَ يا تُرَى سافر بابا عَمْرْو ؟

أينَ تُرَى يُقتلُ بَابَا عَمْرْو ؟

أينَ تُرَى يُسجنُ بَابَا عَمْرْوْ ؟

متى تُرَى يعودُ بَابَا عَمْرْو ؟

يا ظلنا اليتيمَ في مأدبة اللئامْ ..

يا أيّها الأنامْ ..

يا أيّها العالمُ .. يا أشياءُ .. يا نرجسة َ الغرامْ ..

أبَادَنَا الرّصاصُ .. بلْ أبادنا الكلامْ !

الكلّ فينا شامِت ٌ .. الكلّ إذْ يقول : يا حَرَامْ !

في جهره عن دمنا في سرّهِ يقول : يا سلامْ !

دمًا سخينا يُمْطِرُ الغمامْ

دمًا سخينا ينزفُ الرّخامْ

الدّمُ في أجنحة الحمامْ

الدّمُ في ذوائب الخيامْ

الدّمُ في الأشجارْ                            

الدّمُ في الحيطان والأسوارْ

الدّمُ في البلّور والفخّارْ

الدّمُ في الأخشاب .. والأحجارْ

الدّمُ في الأوراق والأزهارْ

الدّمُ في الحقول والأنهارْ

الدّمُ في أجنحة الحمامْ

يا ظلنا اليتيمَ في مأدبة اللئامْ ..

يا أيّها الأنامْ ..

يا أيّها العالمُ .. يا أشياءُ .. يا نرجسة َ الغرامْ ..

أبادنا الرّصاصُ .. بلْ أبادنا الكلامْ

الكلّ فينا شامت ٌ .. الكلّ إذْ يقول : يا حرامْ !

في جهره عن دمنا في سرّهِ يقول : يا سلامْ !

كلّ الأيادي إحتنتْ بدمنا

كلّ الوجوه اصطبغتْ بدمنا

كلّ الرّقاب ِ اتشحتْ بدمنا

كلّ الكلاب قنِيَتْ أشداقها بدمنا

كلّ الذ ّئاب قنِيَتْ أشداقها بدمنا

لمْ يبقَ مَنْ لمْ يغتسلْ بدمنا                   

لمْ يبقَ منْ لمْ يحتفلْ بدمنا ..

لمْ يبقَ مِنْ بُهْم ٍ .. ولا نعَامْ ..

لمْ يبقَ مِنْ قاض ٍ .. ولا إمامْ !..

من مجلس ٍ ميزانهُ مُحَرَّفُ الزّمامْ

دَوْمًا .. إلى جامعةٍ أفسدَ أمَّ عقلها الجُذامْ !

* أعني بالمجلس والجامعة مجلس الأمن والجامعة العربيّة

كلّ الأيادي إحتنتْ بدمنا

كلّ الوجوه اصطبغتْ بدمنا

كلّ الرّقاب ِ اتشحتْ بدمنا

لمْ يبقَ من قاض ٍ .. ولا إمامْ !..

دمًا سخينا يمطرُ الغمامْ

دمًا سخينا ينزفُ الحمامْ

دمًا سخينا ينزف الرّخامْ

دمًا سخينا يشربُ الرّكامْ

دمًا سخينا يقطرُ الكلامْ

دمًا ينزّ جسمُ بَابَا عَمْرْو

دمًا ينزّ قلبُ بَابَا عَمْرْو

لعلّهُ الرّادارُ قدْ أخطأ بَابَاعَمْرْو !

لرُبَّمَا لِخَلل ٍ فِي إبْرَة ِ التعْدِيلْ

أظهَرَهُ في شكل مُسْتوْطنة ٍ في قلب إسرائيلْ !

يا أعْوَرَ العينيْن ِ .. يا رادارْ ..

يا أعْوَرَ القلبيْن ِ .. يا بشّارْ

ما نحن ُ إسرائيلْ                           

ما نحنُ من نسْل ِ بني صُهْيُونْ

بلْ نحنُ سُوريُّونْ

في حيّ بَابَا عَمْرْو !

يا أعورَ العينين ِ .. يا رادارْ ..

يا أعورَ القلبين ِ .. يا بشّارْ ..

حاشاهُ إبراهيمُ !.. هلْ قلبُ النّبيءِ المؤمن ِ المُخْتارْ

كمِثل ِ قلب المُجرم الجزّارْ ؟

قدْ صَدَقتْ رؤياهُ .. ثمّ فدِيَتْ برحمة ٍ من روضةِ الأنوَارْ

وَكذَبَتْ رؤياكَ .. لا رؤيا لِمَنْ يُوحِي إليهِ مارجٌ مِنْ نارْ !

بريئة ٌ تاللهِ مِنْ سِكينِكَ الأقدارْ ،

بريئة ٌ من دمنا الأقدارْ

هذا الذي يذرفهُ الغمامْ

هذا الذي يطفو منَ الرّخامْ

هذا الذي ييبسُ في الرّكامْ

هذا الذي ينزّ من أجنحة الحمامْ

هذا الذي يقطرُ من ذوائب الخيامْ

هذا الذي يُشرَبُ أنخابا مِنَ المُدامْ !..

هذا الذي يسيلُ مِنْ مِعْصَم ِ قاسَيُونْ ..

وأينَ قاسَيُونْ ؟!

قاس ٍ .. وقاس ٍ .. هُوَ قاسَيُونْ ..

ناء ٍ .. ودان ٍ .. هُوَ قاسَيُونْ ..

وأينَ قاسَيُونْ ؟!

في قاسَيُونَ يتبعُ المَاعِزُ نايَ السّحَر ِ المبلل ِ الجُفونْ ..

ويقرأ ُ الرّعاة ُ سِفرَ الموت والحنينْ ،

والطّيْرَ يَرْقدونْ ،

والطّيْرَ ينهضونْ ،

والطّيرَ يفرحونْ ،

والطّيْرَ يحزنونْ ،

والطّيْرَ في الأرض وفي الفصول يُوغِلونْ ..

للشّمس ِ والسّديم ِ سِفرَ اللّيل والنّهار ِ ينشدُونْ ..

يَرَوْنَ .. يُومِؤُونْ ..

يَهْفونَ .. يَحْلمُونْ ..

إنْ نزلوا في مَرْبع ٍ .. لِمَرْبَع ٍ سِوَاهُ يَرْحَلونْ !

وكيفَ يسألونَ .. ثمّ كيف يسألونْ ؟

وكيف يعلمونَ .. ثمّ كيف يعلمونْ

علامة ً مُغلقة َ الرّموز في مملكة اليقينْ ..

في وجه قاسَيُونْ ..

في قلب قاسيونْ ؟؟؟

... لقاسَيونَ تشرِعُ الشّموسُ والكواكبُ السّفينْ

بقاسَيُونَ الأرضُ كالعُكاز تستعينْ

حتّى عن المَسَارِ لا تبينْ !

وقاسَيُونُ الكونُ لوْ لا كونُهُ ما كان كيْ يكونْ

وقاسَيُونُ الكونُ لوْ لا كونُه يعجزُ أنْ يكونْ

لقاسَيُونَ تسجدُ الرّياحُ .. عندَ نعْلِهِ شمُوخُهَا يَهُونْ !

لقاسَيُونَ تركعُ الجبالُ والسّهولُ والحُزونْ ..

لقاسَيُونَ تركعُ الفصولُ والعصورُ والقرونْ

في قاسيونَ تلتقي الآزالُ والمنونْ !

وقاسَيُونَ ربّما قدْ خُلِقَ الإنسانُ .. من ماءٍ به وطينْ !

ليغلبَ الحقُّ الذي .. حدُّهُ لا يلينْ

ليغلبَ الحُبّ ُ الذي .. حرفُهُ لا يمينْ

منْ بعدِ ما قدْ غلبَ الخرابُ والمُجُونْ

وقصّة ٌ شمطاءُ .. حَيْزَبُونْ !

ومَرْكبٌ أعْوَرُ مَنجَنونْ !

لقاسَيُونَ جاءَ كلّ دينْ ..                                     

من قاسَيُونَ سارَ كلّ دينْ ...

مِنْ قاسَيوُنَ تومضُ الزّوابعْ ...

لِقاسَيُونَ تومِىءُ الشّوارع ْ...

في قاسَيُونَ تبدأ البروقُ في توْشِيَةِ البراقعْ ...

في قاسيونَ ما لهُ الصّفصاف ُ يبدُو فرحًا .. وغامضا .. وضائعْ ؟!

في قاسيونَ ما به الفضاءُ يبدو ضيّقا .. وَوَاسِعْ .. ؟!

في قاسَيُونَ ما لها تهفو إلى الجداول البعيدة المزارعْ ؟!

ينهمرُ الحنينُ من حديقةِ الأصابعْ

 وَتقطعُ المدافعْ

تطايُرَ الحمام ِ عن تلألؤ ِ الصّوامعْ ..

الزّبدَ الأبيض بينَ الرّضّع ِ الجياع ِ والمراضعْ ..

عَرَبَة َ الرّغبةِ عنْ جسْم ِ حِصَان ِ النورْ

عَبْرَ جبال القمَرِ المَسْحُورْ ..

عَبْرَ شظايا القدَح ِ المَكْسُورْ ..

كلُّ صَدَى تفجيرْ ..

يتبَعُهُ .. تكبيرْ ..

يتبَعُهُ .. تفجيرْ ..

يتبَعُهُ .. تكبيرْ ..

واللّهُ ليسَ يرحلُ ..

وأنت سوف ترحلُ ..

وسوريا لا ترحلُ ..

وحِمْصُ ليستْ ترحلُ ..

ومثلها دمشقُ ليستْ ترحلُ ..

وأنت سوف ترحلُ ..

نعمْ .. نعمْ .. سترحلُ ..

إن عاجلا .. أو آجلا .. سترحلُ ..

تقبلُ .. أو لا تقبلُ ..

سترحلُ ..                                                          

إنّكَ لا محالة ٌ .. سَترْحَلُ ..

وسوريا لا ترحلُ ..

وحِمْصُ ليستْ ترحلُ ..

ومثلها دمشقُ ليستْ ترحلُ ..

دمشقُ .. يا دمشقُ ..

دمشقُ .. يا دمشقُ ..

هلْ تسمعينَ البابَ إذ ْ يُدَقّ ُ ؟!

هلْ تسمعينَ البابَ إذ ْ يُضْرَبُ بالأضلع ِ .. والجبَاهْ ؟!..

هلْ تسمعينَ خَضَّة َ الأحْجَار ِ إذ ْ تجْرِفهَا المِيَاهْ ؟!

لِتنصِتِي للرّعْدِ في دِرْعَا .. وفي حِمْص ٍ .. وفي حَمَاهْ

يتلو نشيدَ المجدِ للحياهْ !

آهٍ .. دمشقُ .. آهْ ..

آهٍ .. دمشقُ .. آهْ ..

دمشقُ .. مثلَ رعشة الصّلاهْ

تموّجي .. أوْ ككمَان ٍ في الظّلام ِ مُوجع ٍ صَدَاهْ ..

تدفقِي كصيحةٍ من كبدِ الإلٰهْ ..

تهزّ تاجَ السّادة البُغاهْ ،

تهدُّ عَرْشَ الجُندِ والقضاهْ ..

عودي إلى أهلك .. يا فتاهْ ..

لا تأمَنِي كلمة ً واحدة ً مِنْ هؤلاء التتر ِالجفاهْ ..

لا تأمَنِي كلمة ً واحدة ً مِنْ هؤلاء المَافِيَا الجُبَاهْ ..

نحنُ بَنو آبَائِكِ الرّاؤونَ .. والعشّاق ُ .. والرُّعَاهْ ..

نحنُ بَنو آبَائِكِ الصُّناعُ .. والزُّرَّاع ُ .. والبُناهْ ..

عُودي إلى أهلكِ يا سليلة َ البَرَرَة ِ التقاهْ

أهل ِ العُلا .. البَوَاسِل ِ .. الأ ُبَاهْ

إنّا حَفرْنا بئرَنا حيثُ لنا أوْمَأتِ القطاهْ ..

تتبّعي إنْ بكِ مزمارُ السّراب تاهْ

أصداءَنا في موكب الدّلاء والسُّقاهْ !..

انطبعي دمشقُ في أجنحَة ِ الرُّوَاهْ ..

قصيدة ً / مُعْجزَة ً كمِثلِهَا لا قلمٌ رَأى .. ولا دَوَاهْ ..

انبَجسِي من باطن الجليدِ .. مثلَ زهرَة ٍ قانية ِ الشّفاهْ ..

فإنّهُ عمّا قريب ٍ ترتخي يَدَاهْ ..

فإنّهُ عمّا قريب ٍ يبلعُ الحَصَاهْ ..

تلك التي لطالما جرّعَهَا سِوَاهْ ،

فإنّهُ عمّا قريب ٍ يرحلُ

نعمْ .. نعمْ سيرحلُ ..

مُؤكّدٌ سيرحلُ ..                                          

إنّهُ لا محالة ٌ .. سيرحلُ ..

يقبلُ أو لا يقبلُ

سيرحلُ ..

ونحن لسنا نرحلُ ..

وأهلنا لن يرحلوا ..

وسوريا باقية ٌ لا ترحلُ

نعمْ .. نعمْ .. باقية ٌ .. لا ترحلُ ..

هُوَ الذي سيرحلُ ..

لا .. إنّهُ رَحَلْ !..

وسوريا قدْ بَقِيَتْ .. وبقيَ الجَبَلْ

عليهِ ظهرُ الأرض ِ كالعُكّاز يَتكِلْ ..

وبقيَ النّهرُ .. بهِ الأقمارُ تغتسِلْ ..

وبقِيَ الرّبيعُ بالحياة ِ يَحْتفِلْ ..

نعمْ .. لقدْ رَحَلْ ..

وفي المَهَا كحِيلة ً بَقِيَتِ المُقلْ ..

وفي الزّهور بَقِيَ العَسَلْ ..

وفي الكلام ِ بَقِيَ الغزلْ ..                 

وفي خدودِ العاشقاتِ بَقِيَ الخجَلْ ..

وفي عيون العاشقينَ بَقِيَ التّفّاحُ .. والأمَلْ ..

وفي الغروب ِ بَقِيَ النّايُ .. وجُرْحُ الوَرْدَة ِ الخَضِلْ ..

وفي الشّروق ِ بَقِيَ الشِّعْرُ .. وحزنُ البلبل ِ الثمِلْ ..

نعمْ .. لقدْ رَحَلْ ..

وسوريا قدْ بقيَتْ .. كانتْ .. ولمْ تزلْ ..

بَقِيَتِ الدَّبْكة ُ .. والقهْوَة ُ .. والنقوش ُ .. والألوانُ .. والحُللْ ..

وبقِيَ الشّعْبُ العظيمُ .. الطّيّبُ .. البطلْ ..

يهفو إلى الشّمس ِ التي فتِيلها بدَمهِ القاني .. قدِ اشتَعَلْ ..

نعمْ .. لقدْ رَحلْ ..

إنّه ُ في طحالب التّاريخ ِ ينسَحِلْ ..

إنّه ُ في طحالب التّاريخ ِ ينبَزِلْ ..                  

وسوريَا قدْ بقِيَتْ .. كانتْ .. ولمْ تزَلْ ..

شجرة ً .. تأوي إلى ظلالها الوارفة ِ .. السُّبُلْ ..

نبيّة ً شاميّة ً .. توحّدُ اللّهَ .. وتبتهلْ ..

عاشقة ً سمراءَ فينيقيّة ً .. ضاديّة َ الفؤاد ِ .. والجملْ ..

يأتي بها من المدى الحَمَامُ .. والصّفصافُ .. والحَجلْ ..

رسولة ً منظورة ً .. خاتمة َ الرّسُلْ ..

أصيلة ً .. تفعَلْ مَتى تقلْ ..

وَلا ّدَة ً .. فصْلُ الرَّبيع ِ بَيْتهَا .. وبَعْلهَا الأزلْ ..

شجَرَة ً .. تأوي إلى ظلالها الوارفة ِ .. السّبُلْ ..

إنّهُ قدْ رَحلْ ..

إنّهُ قدْ رَحلْ ..

وسوريَا قدْ بقِيَتْ .. كانتْ .. ولمْ تزَلْ ..

وسوريَا قدْ بقِيَتْ .. كانتْ .. ولمْ تزَلْ ..

إنّهُ قدْ رَحلْ ..

نعمْ .. لقدْ رَحَلْ ..

نعمْ .. لقدْ رَحَلْ ..

_______________

هوامش :

* كتبتْ هذه القصيدة ُ بين شهريْ فيفري ومارس من سنة 2012

* ديك الجنّ : هو ديك الجنّ الحمصيّ السوريّ من شعراء القرن الثّاني ( 161 - 236 ه ) .. أخطر ما في حياته حادثة قتله زوجته واسمها وَرْد وقدْ ذكر ذلك في قصيدة بديعة أثنى عليها جدّا ابن رشيق وغيرهُ ، وقد أخذت هذه الحادثة أبعادا أسطوريّة .. وسواء قتلها بسبب الغيرة أو نوع عجيب من الحسد إذ ْ كما يقول هو « بخل (تُ) على العيون بحسنها » ففي الحالتين كان الدّافع إلى القتل العاطفة على طريقة « ومن الحب ما قتل » ، وظلّ القتل قرارا فرديّا بدت فيه وَرْد ضحيّة ً وديكُ الجنّ عاشقا مُحَطمًا يثير إشفاقنا كطفل حطّم لعبة ً يحبّها ثمّ راح يبكيها أوْ مذنبا بلْ مجرما يثير اشمئزازنا وسخطنا .. ككثير من المجرمين الذين قتلوا زوجاتهمْ .. وقد وظّفت رمز ديك الجنّ بشكل خاصّ جعلت فيه الدّافع في القتل الوعي السّياسي والفكري والأخلاقي بالقيم ورفعة الإنسان وضرورة التّضحية من أجل الحقّ كما هو موجود فعلا في شعارات الثّوّار في الشّارع السّوريّ وخاصّة شعار «الموت ولا المذلّة ».. قمت بهذا التّوظيف وفي ذهني أنّ ديك الجنّ وَوَرْدًا ليسا إلاّ الشّعب السّوريّ وسوريا وما أبدياهُ من عزم وصبر وفداء من أجل الحريّة والكرامة .. وهنا يكون من الحبّ لا ما قتل بلْ ما جعل الموت اختيارا يحقّق عبْر المرارة والألم ولادة حياة جديدة .. طفل جديد .. زهرة جديدة ..

* عليّ ( في قولي : تصرخ : واعليَّ .. واسيفَ بني حمدان) :هو البطل والفارس السّوريّ الحلبيّ عليّ بن حمدان الأمير الحمدانيّ الشّهير وصديق الشّاعر الخالد أبي الطّيّب المتنبّي ، وقدْ خاض معارك ضدّ الرّوم وانتصر .. وأسرَ .. حتّى صار رمزا للبطل العربيّ إنّما بطولة أفعال لا أقوال .. وقولي " واعليَّ .. وا سيف بني حمدان " استوحيته من خبراستغاثة عربيّةٍ سباها الرّوم بالخليفة العبّاسيّ المعتصم صارخة ً " وامعتصماهُ " وهو خبرٌ أحسن توظيفه الشّاعرُ السّوريّ البارع أبوتمّام في قصيدته الفريدة في المعتصم وفتح عموريّة والتي طالعُها :

السّيف أصدق ُ إنباءً من الكتب =في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب ِ ..

* وظّفتُ بعضَ الرّموز من الطّبيعة السّوريّة مثل جبل قاسيون .. ونهريْ بَرَدَى والعَاصي ..

* بابا عمرو : حيّ بحمص بسوريا ذاق الأمرّين من كتائب بشار وصار رمزا لصمود الشّعب السّوريّ وثورته الظّافرة ..

* يزيد : هو يزيد بن معاوية ( 25 - 64 ه ) استحضرته في القصيدة في سياقين : سياق احتزاز رأس الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما ، إنّما غيّرت كربلاء بقاسَيُون وسياق ديك الجنّ وورْد ، رغم غياب التّوافق التّاريخيّ بين يزيد من القرن الأوّل وديك الجنّ وورْد من القرن الثّاني وذلك لأنّني أوظّفُ رمز يزيد في السّياق المذكور شاحنا إيّاه بإيحاء القاتل المطلق عبر التّاريخ فيزيد فضلا عن كونه فعلا قاتل الحسين رضي اللّه ، هُوَ في القصيدة رمز ، ورْد وديك الجنّ رمز لسوريا والشّعب السّوريّ والحرّية والحسين رمز للحقّ والعدل ويزيد رمز لبشّار ولكلّ قتلة الحقّ والإنسان عبر التّاريخ .. أريد أن أؤكّد أنّ القيمة الشّعريّة والإبداعيّة ليست في مجرّد استدعاء الرّمز التّاريخيّ أو الأسطوريّ أو الدّينيّ كما هو في الأصل وإنّما في مدى قدرة الشّاعر على إعادة صياغته وتطويره وتجديده ..

* حمزة الخطيب : طفل سوريّ من الشهداء الأطفال في الثّورة السّوريّة ، قتلهُ عساكرُ بشّار ومثّلوا بجثّته الطّاهرة ..

* إبراهيم القاشوش : مُغنّ ٍ سوريّ صاحب الأغنية الشّهيرة « إرحل .. إرحلْ .. يا بشّار .. » ، أغنية ألهبتْ شارع الثّورة السّوريّة ، وقدْ أخرجها الموسيقيّ مالك الجندليّ في صورة جديدة ذات طابع سمفونيّ .. وقد كتب اللّه للقاشوش الشّهادة ، أعدمهُ شبّيحة بشّار ، اقتلعوا حنجرته ورموا به في نهر العاصي ...

* بَكِيسِفَالسُورُسٌ : pachycephalosaurus : نوع من الدّينوسورات .

* قولي : " يخفي دراكولا وراء جبّة الطّبيب " : أمّا دراكولا فهو من ساسة القرن الخامس عشر ( ولد في 1431 ) اسمه الحقيقيّ فلاد تيبيس .. سمّي دراكولا نسبة إلى والده دراكول .. ربّما بدافع الانتقام لمقتل أبيه وأخيه تحوّل إلى قاتل محترف يتلذّذ بأقسى أنواع العقاب الوحشيّ كالسّلخ والماء المغليّ وفقأ الأعين وجدع الأنوف وقطع الأذان والشّواء ودفن الأحياء وخاصّة الخازوق الذي كان يتلذّذ باستعماله مع الطّيور فضلا عن البشر حتّى أنّ الأتراك لقّبوه بأمير الخوازيق.. وضع في الميدان كأسا ذهبيّة ليشرب بها النّاس ولم يجرؤ أحدٌ على سرقتها .. جمع مرّة كثيرا من الفقراء وحرقهم مدّعيا أنّه يخلّصهم نهائيّا من فقرهمْ .. قتله الأتراك بعد وقائع قتل في إحداها منهم عشرين ألفا وعلّقهم على الأعواد وهو مدفون في مكان مجهول في جزيرة سناجوف.. وقد أخذت شخصيّة دراكولا أبعادا أسطوريّة مدارها معنى السّفّاح مصّاص الدّماء ..

وأمّا الطّبيب الذي يتقنّع به دراكولا ففي إحدى القصص أنّ منفصِمًا كان يعمل طبيبا في النّهار وسفّاحا في اللّيل ..

* قولي : وفي المها كحيلة ً بَقِيَتِ المُقلْ ، ربّما أفضل من يؤكده عليّ بن الجهم في بيته الشّهير :

عيون المها بين الرّصافة والجسر ِ جلبن الهوى من حيثُ أدري .. ولا أدري ..

* قولي : ليسَ لنا غيرك .. مستوحى من شعار يردّدُهُ الثّوّار في سوريا وخاصّة ً في إدلب وَهْوَ : (مالنا غِيرَكْ يا اللّه)..

* زرقاء : هي زرقاء اليمامة .. امرأة جاهليّة عرفت بحدّة بصرها .. يقال إنّها كانت ترى من ثلاثة أيّام .. وفي إحدى الوقائع تخفّى غزاة قوْمِهَا بالشّجَر اتّقاءً لِبَصَرهَا فلمّا تطلّعت إلى المدى رأتهم وقالتْ محذّرة ً : " إنّي أرى شجرا يسير .. " ..

* تماضر : هي تماضر السّلميّة الشّاعرة .. من ألقابها الخنساء وأمّ الشّهداء ..

* في قولي:في قاسَيُونَ صورة ً فصورة ً يُشعّ قلبُ العاشق الدّفينْ استحضارٌ للإمام الشّاعر محي الدّين بن عربيّ المغربيّ الأندلسيّ ( 558-638ه ) وهو دفين في سفح قاسيون قرب دمشق .. استحضارا يستلهمُ قوله البديع :

لقدْ صار قلبي قابلا كلّ صورةٍ    فمرعى لغزلان .. ودير لرهبان ِ

 وبيت لأوثان ٍ .. وكعبة طائف ٍ ..    وألواح توراة ٍ .. ومصحف قرآن ِ ..

أدين بدين الحبّ أنّى توجّهتْ     ركائبهُ .. فالحبّ ديني وعنواني

* في قولي : في قاسَيُونَ مَحْبسًا فمَحْبسًا غربتهُ يستقرﺉُ الرّهينْ استحضار للشّاعر أبي العلاء المعرّيّ السّوريّ ( 363 - 449 ه ) الملقّب برهين المحبسين وربّما الثّلاثة على ما جاء في قوله :

أراني في الثّلاثة من سجوني    فلا تسألْ عن الخبر النّبيث ِ

 لفقدي ناظري ولزوم بيتي    وكون النّفس في الجسد الخبيث ِ

* قلت سابقا إنّي وظّفت يزيدا بن معاوية رمزا للظّالم عامّة ً ولبشّار ٍ تحديدًا رغم أنّ يزيدا سنّيّ ٌ وبشّارا علويّ شيعيّ ٌ وذلك للتّأكيد على أنّ الثّورة السّوريّة هي ثورة الإنسان السّوريّ أيْ هي ثورة شاملة ٌ وجوهريّة ٌ وليستْ مجرّد أزمة طائفيّة كما يروّجُ لذلك نظام بشّار الفاسد ..

=========================

يا ثوار سورية اتحدوا ... خطاب مفتوح من مواطن سوري إلى التشكيلات والكتائب الثورية جميعا

نبيل شبيب

اللهم قد بلغت.. ولا أملك من الأمر على سادتي من قادة الثوار شيئا.. اللهم فاشهد

يا ثوار سورية اتحدوا.. فقد جمعت بينكم كلمة "ثورة" ولا ينبغي أن تفرّق صفوفكم كلمات هيئات ولجان وتنسيقيات ومجالس.. وحّدتكم الدماء فلا يجوز أن تفرّق بينكم الأسماء.. صهرتكم التضحيات فلا تدعوا الفرقة تتسرّب إليكم وتنعكس في أصوات الناطقين باسم هياكلكم المتعددة وقياداتكم الميدانية.. رعاكم الله جميعا ووفقكم إلى كل خير، ورأسُ الخير في هذه المرحلة من مسار ثورة شعب سورية هو وحدة صفوف الثوار..

يا ثوار سورية اتحدوا.. فكل يوم يمضي.. وكل روح شهيد ترتفع إلى بارئها.. وكل دعوة تشقّ عنان السماء.. وكلّ أنّة جريح وصرخة مكلوم ودمعة ثكلى، في رقابكم أنتم قبل سواكم، وتهيب بكم أنتم أن تجمعوا صفوفكم قبل سواكم، وتفرض عليكم أنتم أن تكونوا يدا واحدة في خدمة هذه الثورة.. مهما فعل سواكم..

يا ثوار سورية اتحدوا.. فهذه الثورة ثورة الشعب، هو الشعب الأبيّ الثائر، هو الذي يدفع ثمن حريته من دمائه الغالية وآلامه اليومية وعبر بطولاته المذهلة، وإنّ كلّ من يتصدّى لموقع من مواقع قيادة الثورة –وليس من يتصدّون لمواقع سياسية فحسب- يحمل المسؤولية عن أن يخضع هو لإرادة الشعب وثورته، وهيهات هيهات أن يعبّر عن إرادة هذا الشعب فريق دون فريق، وقيادة دون قيادة، وفصيل دون فصيل، فالقيادة في الثورة الشعبية للشعب وإرادة الشعب، وكل ما سوى ذلك لا يكتسب مشروعية الثورة والتعبير عن الثورة إلا من خلال ارتباطه بالشعب وإرادة الشعب..

يا ثوار سورية اتحدوا.. واعلموا أنّه لن يعبّر منكم أي فريق عن إرادة الشعب كله، ولكنّكم مع بعضكم بعضا تمثلون إرادة الشعب المتحرّرة عبر الثورة، وشعبُ سورية شعب واحد، لا يحتمل الفرقة بين الثوار وإن أصبح لا يعبأ بالفرقة بين كثير من السياسيين بغض النظر عن النوايا.. وحذار حذار أن تصل الأمور إلى مستوى ألاّ يعبأ بالقيادات الثورية أيضا.. مهما بلغ إخلاصها أفرادا وفصائل..

يا ثوار سورية اتحدوا.. فقد وصل مسار الثورة إلى منعطف خطير واجتمعت الأمم على هذه "القصعة"، ولا يردّ كيد الكائدين ومكر الماكرين ومطامع المتربّصين، إلا من حمل على عاتقه أن يردّ عن هذا الشعب إجرام المجرمين المستبدين الهمجيين، وأنتم في مقدمة الصفوف، فلا يكوننّ في فرقة صفوفكم وتعدّد مسميّاتكم ما يفتح الثغرات أمام تنفيذ ما يُحبك من مخططات لاختطاف ثورة الشعب البطولية التاريخية من بين أيديكم..

يا ثوار سورية اتحدوا.. فالخطر كبير كبير، والمسؤولية جسيمة عظيمة، ولا يتحقق انتصار على عدوّ فاجر ما لم يسبقه الانتصار في الأعماق على كلّ ما يمنع من وحدة صفوف الأحرار المخلصين، والثوار الميدانيين، والقادة الصادقين، فالشعب كسر حاجز الخوف إلى الأبد بإذن الله.. ولا يجوز أن تقام في وجه مدّه الثوري حواجز الفرقة بين تشكيلات الثوار، مهما بلغ شأن كل منها على حدة، ومهما توهّمت جميعا أن الاختلافات فيما بينها أكبر من القواسم المشتركة التي صنعتها الثورة.. وقد صنعتها لها جميعا وليس لفريق منها دون فريق..

يا ثوار سورية اتحدوا.. واعلموا أن وحدة الثورة شعبيا قد تحققت عبر حناجر أهل سورية وهم ينتصرون لبعضهم بعضاً في مدينة بعد مدينة وبلدة بعد بلدة وحيّ بعد حيّ وشهيد يحمله شهيد، ولا يحتاج أهل سورية الأبطال الثائرون في ذلك إلى تخطيط وتوجيه، ولا إلى هياكل تنظيمية وأنظمة إدارية، إنّما تحتاج تطلعاتهم إلى الكرامة والحرية والعدالة، أن يتناصر ويتعاون ويتكامل من يتكلّمون باسمهم، وأن يدرك هؤلاء أنّه لا فرق بين هيئة ومجلس إلا عند من يفرّق بين الدماء في حماة ودرعا ودير الزور ودمشق وحلب وحمص، ولا فرق بين لجان وكتائب بعد أن تلاشت الفروق بين المعتقلين والمعذبين من اللاذقية والقامشلي وإدلب ودوما، ولا يمكن القبول بتعزيز الفروق والحواجز والاختلاف والانقطاع ما بين تنسيقية وتنسيقية وقيادة وقيادة وناطق وناطق، إلاّ إذا أصبحنا نميّز بين شهيد وشهيد وثكلى وثكلى ومعتقل ومعتقل وجريح وجريح وشريد وشريد..

يا ثوار سورية اتحدوا.. فلغة الحلول الوسطية -المحرّمة بمنطق الثورة ومعيار المصلحة العليا على السياسيين- هي فرض من فروض الثورة والمصلحة العليا ما بين الثوار لمضاعفة الجهود على طريق الهدف الواحد المشترك بينهم..

يا ثوار سورية اتحدوا.. واعلموا أنّ الوحدة المطلوبة في قيادة الثورة لا تتحقق عبر إقامة هيكل تنظيمي، ومساومة على المحاصصة في تشكيلة جديدة وأصوات من تضمّهم تحت مظلتها، ولا تعني ذوبان فريق وبروز فريق، ولا تحويل الخلافات من العلن إلى لقاءات تنعقد وراء أبواب مغلقة وتنفض دون حصيلة مرئية على أرض الواقع..

الشعب البطولي الثائر يفتقد وحدة السياسيين على نهج مشترك، وقواسم مشتركة، وتنسيق مشترك، والتزام مشترك، وفعاليات مشتركة، ومواقف مشتركة، وبيانات مشتركة، وسياسات مشتركة، وخطوات مشتركة وإعداد مشترك لمستقبل سورية.. فلا تجعلوه يفتقد وحدتكم أنتم أيضا، ويفتقد قدرتكم أنتم على تعويض ذلك كلّه، وهو كثير جليل، ولا يمكن تحقيقه إلى بتلاقيكم مجتمعين، وتحديد القواسم المشتركة بينكم معا وهي كثيرة، وعدم السماح لمواطن الخلاف أن تكون عقبة دون التنسيق والتعاون ناهيك أن تكون سبب تعرّض بعضكم لبعض بقذائف الكلام وشعبكم الثائر يتعرّض للقذائف القاتلة.

يا ثوّار سورية اتحدوا.. واعلموا أنّكم لا ترتفعون إلى مستوى هذه الثورة البطولية التاريخية أبدا، ولا إلى مستوى شعبها وإرادته وعطائه إطلاقا، دون أن تتحدوا كما ينبغي عاجلا غير آجل.

يا ثوار سورية اتحدوا.. واعلموا أن الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب لأنها الحاسمة في صياغة ما يأتي من بعدها، وصناعة "المعجزات" المترتبة عليها، ولكن لا يجوز أن تكون الخطوة الأولى أصعب عليكم في شؤون تنظيمية وتمثيلية وإدارية وحوارية وتنسيقية، من الخطوة الأولى لكلّ ثائر -وكلّ ثائرة- من الثوار خرج من بيته.. وهو يعلم أنّه قد يلقى وجه ربّه قبل أن يعود إلى بيته..

واعلموا أنّكم جميعا ستلقون وجه ربّكم أيضا.

اللهم قد بلغت.. ولا أملك من الأمر على سادتي من قادة الثوار شيئا إلا أن أدعو مخلصا وأضع نفسي تحت تصرفهم صادقا.. اللهم فاشهد.

=========================

الإنتخابات السورية..مناورة سياسية من أجل الإستمرار!

محمد الياسين

Moh.alyassin@yahoo.ca

انطلقت في سوريا، الاثنين 7 /5/2012 ، أول انتخابات برلمانية بعد صدور قانون سمح بتشكيل الأحزاب السياسية، ضمن إصلاحات سياسية أقرها نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في محاولة لتهدئة انتفاضة شعبية متواصلة منذ مطلع العام الماضي." انتهى إقتباس الخبر".

يبدوا أن أنصار الأسد من منتفعين وإنتهازيين لم يستفيقوا إلى الأن من " صدمة " الأحداث ، وأنه لم يعد يتمتع بشرعية الدستور السوري الذي يؤهله في الإستمرار حاكما لسوريا ، لم تفلح المبادرات العربية و الاممية على حد سواء في حل الازمة وتهدئة الاوضاع الملتهبة على كافة الصعد والميادين وإيقاف نزيف الدم المراق على أرض سوريا ، بسبب عدم إلتزام النظام السوري بوعوده التي قطعها بوقف أعمال العنف التي مارسها ولا يزال إتجاه شعبه ، فقد تحولت مدن سوريا خلال عام لساحات حرب مفتوحة إفترشت طرقاتها جثث واشلاء الضحايا .

حديث وزير الأعلام السوري عدنان محمود مضحك لدرجة تدعوا للسخرية حينما قال : الانتخابات تجري على أساس التعددية السياسية والحزبية وبناء على قانون الانتخابات الجديد الذي أناط الإشراف على الانتخابات بالقضاء المستقل عبر الهيئة العليا للانتخابات "!. لم يخجل الوزير السوري حينما أستشهد بالقضاء واصفا إياه " بالمستقل" فلم يتساءل عن حكم القضاء " العادل" والتوصيف القانوني للجرائم التي أرتكبها نظامه الحاكم على مدى أكثر من عام ضد الشعب السوري ! .

تأتي أكذوبة الانتخابات السورية في ظل إستمرار أعمال عنف وبطش لا تزال السلطة تمارسها إتجاه شعب سوريا ، ونزوح الالاف خارج البلاد هرباً من جحيم الاحداث الامنية والموت الذي عصف بالمدن والقرى فحولها لخرائب ومقابر جماعية تفوح منها روائح الموت والدمار ، بحصد الالاف بين شهيداً وجريح ، ناهيك عن المعتقلين الذين تعج بهم سجون نظام " الممانعة "! ، الذي لم يُعرف عنه الممانعة سوى بالاعلام ، فالجولان المحتل من قبل إسرائيل يعد أهدأ منطقة عربية مُحتلة! .لا تتعدى مسرحية الانتخابات في سوريا كونها مناورة سياسية أخرى يحاول الاسد من خلالها كسب مزيداً من الوقت لقمعه الثوار والاستمرار حاكماً على سوريا بشتى الطرق الملتوية والاساليب القذرة .

========================

النظام السوري يختار الأوهام

د. ضرغام الدباغ

تنزلق التطورات في ميدان المواجهة بين الشعب والنظام إلى مستويات لا يمكن التحكم فيها. فالنظام الذي يصم أذنيه عن سماع أي بدائل سوى لغة الرصاص التي لم يعد يملك غيها، بل هو فقد تدريجياً المرونة التي كان يتمتع بها، بفعل خسارته البطيئة ولكن المتواصلة، لعناصر داخل السجال وعلى محيطه وأطرافه، فقد بنتيجة سياساته القصيرة النظر المشيدة على أسس خاطئة، خسر قوى داخلية مهمة، ثم خسر قوى عربية كانت مساندة لحكم الرئيس الأسد الوالد، ثم بدأ يخسر ثقة قوى دولية كانت تلتزم الصمت عن سياسته في لبنان وغيرها، وبدا لها (لتلك القوى)نظاماً قد رهن وجوده بتحالفات خارجية فقد من جرائها استقلال قراره السياسي.

 

في سياق القرارات الخاطئة المتكررة، تتمثل واحدة منها في قراره المدهش بإجراء الانتخابات النيابية، وسط دهشة القوى المتدخلة في الشأن السوري أو المراقبة التي كانت تتجنب الخوض في الملف السوري، فالنظام بفضل رؤيته الأحادية الجانب(One Side Vision) (أنا أو الطوفان) خلق ملفاً سورياً دولياً سيكون له استحقاقاته الكثيرة وسوف لن يغلق بسهولة، وسوف يتأكد النظام نتائج انغماسه في الخطأ دون وقفة تراجع بحق أنفسهم كأفراد، وبحق الوطن السوري، ثم بحق مستويات عديدة في سورية التي سوف لن يعيد اللحمة إليها إلا نظاماً ديمقراطياً على قاعدة صندوق الانتخابات. ومن ذلك نسوق مثال واحد فقط: هو مصير حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسيئ لتاريخه وأفكاره الوطنية والقومية والاجتماعية الاشتراكية ونضاله الوطني التحرري.

 

النظام يعتقد واهماً، أو يوهم نفسه، وليس سعيداً من يوهم نفسه، بأن الانتخابات كما الدستور المهلهل يمكن أن يعيد ما تمزق من ثقة ومصداقية، ويعيده كما كان يجري في تلك السنوات العجاف، من تمثيليات مضحكة مبكية، في ختامها تصدر وزارة الداخلية بياناً بأسماء السادة الذين تقررت أسمائهم في دوائر الأمن والمخابرات، فتشيع أفراح الزفة والتصفيق والتهليل وكل ما لا علاقة له باحترام الشعب وإرادته.

 

اليوم تصف وكالة الأنباء الألمانية وهي من الجهات التي تتحفظ كثيراً في إطلاق الاوصاف تكتب: الأنتخابات الوهمية وطريق السلام القاتل التي لا يعول عليها حتى المتفائلون في الآمال، فالنظام يعمل وكأن لا وجود للمراقبين لذلك فلا يتأمل أحد وقف العنف حتى لو بلغ عدد المراقبين ال300 مراقب. ومثل هذه القناعات ترغم الثورة السورية الاعتماد على نفسها في حماية نفسها في ظل تفوق القوات الحكومية والنظام يأبى تطبيق البند الأول في المبادرة الدولية بأنسحاب القوات العسكرية لثكناتها، لأنه ببساطة لا يقدر على التوقف عن قتل الشعب، وهذا موقف يغري بالمقابل الثورة بالتسلح، ويرى خبير في جامعة ألمانية: أن النظام يتفوق عليها من ناحية العدة والعتاد، ولكن بجانب خطر الانزلاق إلى معارك داخل المدن، وهذا النوع من المعارك لا يمكن لأفضل جيش في العالم أن يكسبها .

 

المتغيرات الدولية بدورها محدقة بالوضع السوري، ويخطأ النظام في رهن نفسه وقراره السياسي في مزيد من زج لأوراق الأزمة فبأيدي من يعتقد أنهم حلفاؤه، فكل موقف قابل للشراء هو قابل للبيع أيضاً وهذه حقيقة معروفة في العلاقات الدولية المعاصرة، والتغيرات المهمة التي شهدتها فرنسا والأقل أهمية في روسيا لا ينبغي التعويل عليها بالنسبة لجميع الأطراف، فهناك مصالح سياسية عليا، وبالتالي فإن حليفاً يعادي شعبه لدرجة القتل اليومي ويستخدم القوات المسلحة لمنع التحول صوب الديمقراطية لا يمكن الدفاع عنه، نعم يمكن السكوت عن خروقاته، ولكن لأمد محدد، ثم يبدأ كل شيئ بالأنهيار. القوى الدولية إلى جانب مصالحها، ومواقفها البراغماتية، فهناك الرأي العام الي يعول بدرجة هامة على موقفه وبالتالي صوته في الانتخابات الديمقراطية، بعبارة أخرى كالقائل: يمكنني أن أساعدك ولكن ليس إلى الأبد.

 

الغرب يقدر ويثمن موقف النظام السوري العملي والفعلي حيال لإسرائيل، ولكنهم يفضلون التعامل مع نظام مقبول من الشعب، يصلون معه إلى اتفاقات معلنة لا سرية، وأمامنا تجربة النظام المصري السابق الذي كانت سياسته حيال إسرائيل مقبولة،

 

وبالفشل المتوقع والمرتقب من الجميع دون استثناء لمهمة المبعوث الدولي عنان، وأخيراً النعي الرسمي من النظام السوري (1/ أيار) بكيل الاتهامات للمنظمة الدولية، ستدخل سورية نفقاً جديداً لا يمكن التنبؤ بمفرداته وبالتالي عما ستسفر عنه من نتائج نهائية. ولكن في كافة الظروف فإن أي قراءة لمسار الأحداث تنبأ بأن النظام سيتهاوى لا محالة وسيسقط في نهاية المطاف مهما بالغ في إظهار القسوة والعنف، ولكن بالطبع مع تصاعد في تكاليف الفاتورة في الأرواح والمعدات وفي الاقتصاد الوطني بصفة عامة.

 

كل من يهتم بالشأن السوري (المعارضون والحلفاء والمراقبون) يدركون دون أدنى شك، أن مصداقية النظام هزيلة للغاية تقارب الصفر، وأن انه بعيد كل البعد عن الصدق ويمارس الغش على أوسع نطاق ويتلاعب بالألفاظ والكلمات والمواقف، ومن أجل أن يواصل بقاؤه في الحكم، فعدا أنه يشن حرباً ضروس كأي جيش احتلال ضد الشعب، فهو يضع البلاد دون تردد على شفير مهاوي خطيرة دون أدنى شعور بالمسؤولية، وهذا يعكس في الوقت ذاته عن طبيعة نظام تحمله الشعب السوري الصابر طيلة عقود طويلة، فالنظام يرهن مستقبل الوطن السوري، بل وحتى سيادته واستقلاله وكل مكتسباته من أجل أن يتواصل حكمه، تارة يزعم أنها قومية وتارة يصفها بالممانعة، وكل هذا لم يكن سوى تمويه، والحقيقة أن النظام ليس سوى كياناً ذو طبيعة طغيانية مافيوية يرهن الوطن السوري بعلاقات سرية ومشبوهة، سواء كانت مع قوى محلية كانت أو دولية.

 

فهم النظام للتطور التاريخي يتقدم ولكن ببطء السلحفاة، ففي آخر المؤشرات أن النظام تخلى عن نظرية: الأزمة صارت ورائنا، ولكن بعد أن تمسك بها لأكثر من عام ولكنه ما زال يتشبث بنظرية المؤامرة رغم أنها معيبة بحقه، فهل يعقل أن تتسلل قوى أجنبية إلى قلعة مخابراتية / أمنية حصينة أنفقوا عليها الأموال الطائلة، واكتسبوا تجارب وخبرات يشهد لها الأصدقاء والأعداء، ومدرسة في غسل الادمغة والتوجيه الإعلامي والتعليمي والمدرسي، ثم أين ذهبت مدرسة الحزب القائد والرئيس الضرورة وقائد المسيرة، فالنظام في سورية أسس بلا منازع مدرسة عريقة في الفتشية (Fetishism) وعبادة الأفراد كيف نصدق اليوم أنه سيتحول من عبادة الفرد إلى الديمقراطية في ليلة وضحاها سيما وأن هذا التحول لم يأت عن قناعته بحتمية التطور التاريخي، بل تحت ضغط ثورة شعبية كاسحة حاول النظام إبادتها بكل فنون القمع.

 

النظام يفلسف القمع بلا ذكاء، عندما يزعم أن عدد المتآمرين هم اثنان وخمسون ألف رجل تحديداً، قتل منهم اثنا عشر ألف، وهجر منهم ستون ألف، وأعتقل منهم ما يقارب هذا الرقم، خلال ثلاثة عشر شهر من الثورة، فهذا يعني أنه سيحتاج لثلاثة سنوات أخرى ليقضي على الثورة، والاسترسال بتحليل أطروحات النظام يحيل الأمر إلى مسخرة ومهزلة.

 

النظام بوصفه لمعارضيه بالمتآمرين، مؤشر أخر إلى أن النظام يفهم الأمر هكذا: إنها معركة حياة أو موت، أنا في كفة والشعب كله في كفة أخرى، فكيف إذن سيقبل في مرحلة ما أن يجلس إلى هؤلاء المتآمرين من أجل بحث الأمور كما نصت عليها المبادرة الدولية / العربية بإدارة كوفي عنان، فالنظام لا يفهم الأمور إلا بصورة قاتل أو مقتول، هكذا تصرف طيله عهده، وهو كذلك الآن، وهكذا يريد الاستمرار كنهج في المستقبل الدموي الذي يريد مواصلة حكمه.

 

بتقديري أن النظام يرهن حاضر ومستقبل سوريا، ويضحي بتاريخها ومكتسباتها أيضاً، نظام صار ورقة في مهب المؤامرات الدولية على سورية، فلا أحد في عالم اليوم يقدم دعمه مجاناً. وفي الوقت الذي تثبت الثورة كل يوم أنها سورية خالصة بلحمتها وسداها بالخط العام والتفاصيل، يستجدي النظام علناً دعم الصهاينة والغرب بأنه ضروري لمعادلات السلم في الشرق الأوسط، وكل أعداء الأمة بادعائه أنها سلفية وأخوان وقاعدة ويلقي بالتهم شمالاً ويميناً يناقض نفسه بنفسه، والأطراف الدولية والمحلية اليوم تحسب تكاليف الربح والخسارة: ماذا إذا سقط النظام، ماذا إذا أستمر، وماذا لو أجرينا إصلاح جزئي، كل القوى تريد تحقيق مصالحها بصرف النظر عن التكاليف .

حسابات الشعب السوري بكافة أطيافه وشرائحه ومكوناته هي الأكثر دقة، والرابح الأكبر على المدى البعيد، في زحفه الدامي نحو نظام يقيمه بنفسه، هي من المعارك الحاسمة في تاريخ سورية الحديث والقديم، فاليوم صار تأسيس نظام جديد ضرورة تاريخية أكثر مما كان عليه يوم اندلعت الثورة.

* المقال جزء من مقابلة مع أحدى القنوات التلفازية العربية بتاريخ 7/ أيار / 2012

=====================

حكومة حرب في إسرائيل

عريب الرنتاوي

للفلسطنيين والعرب تجربة مريرة مع حكومات الوحدة الوطنية في إسرائيل...هذه المرة، ستكون للإيرانيين كذلك، تجربة قاسية مع الإسرائيليين "حين يتوحدوا"...أول هذه الحكومات، أنشأها ليفي إشكول، قبل أربعة أيام من حرب الخامس من حزيران، تلتها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة غولدا مائير في ذروة حرب الاستنزاف وصعود المقاومة الفلسطينية في العام 1969، وهناك حكومتان على هذه الشاكلة والطراز، تشكلتا في إبان الانتفاضتين الأولى والثانية، أما حكومات التناوب، التي إتخذت إسم حكومات وحدة وطنية، فقد جاء تشكيلها كنتيجة لعجز أي من الحزبين الرئيسين عن تشكيل الحكومة منفرداً، أو بالإعتماد على حلفائه التاريخيين فقط.

 

حكومة نتنياهو- موفاز- ليبرمان- باراك، تحظى بغالبية لم تحظ بها أي حكومة في تاريخ إسرائيل، وفقاً لذاكرة المراقبين والمتابعين، وهي ليست حكومة الضرورة، فنتنياهو كان يقف على رأس إئتلاف مستقر نسبياً، وكل الاستطلاعات أعطته تفوقاً في أي إنتخابات مبكرة على خصومه وحلفائه...وكان بمقدوره أن يظل على رأس حكومته السابقة، حتى نهاية ولايتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لكنه مع ذلك، آثر أن يأتلف مع موفاز وكاديما، معززاً صورته ك"ملك إسرائيل"، وهو اللقب الذي لم يحظ به سوى سلفه أريئيل شارون، الراقد منذ أعوام بين الحياة والموت.

 

لماذا إختار نتنياهو الذهاب إلى حكومة الوحدة الوطنية؟...سؤال شغل المراقبين وإن كانوا لم يختلفوا على القول، بأنه حكومة القرارات الكبرى...حكومة الحرب على إيران وغزو القطاع والعدوان على لبنان....وحدها السلطة الفلسطينية عبّرت عن "أملها" أو "رهانها" بأن تأتي قرارات هذه الحكومة الكبرى باتجاه السلام مع الفلسطينيين و"حل الدولتين...مع أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يستحوذ إلا على مساحة سطرين من البيان الإئتلافي بين الليكود وكاديما، فيما ذهب البيان بمجمله نحو أولويات أخرى.

 

نتنياهو الذي نجح في إلزام شركائه على البقاء في الحكومة حتى أواخر العام المقبل، تواجهه جملة تحديات كبار، منها الضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهو أمرٌ تقترب إسرائيل من القيام به، والرجل يريد أن يوزع "الدم الإيراني على القبائل الإسرائيلية" مُشركاً أكبر حزب في البلاد، في المغنم والمغرم...وفي الطريق إلى المفاعلات النووية الإيرانية، لا ضير من التعريج على القطاع وجنوب لبنان لشلّ اليد الذراع الطويلة.

 

ونتنياهو مقبل على تمرير تشريعات كبرى، تطال تجنيد اليهود الأرثوذوكس والعرب، وهذه سيكون دونها "خرط القتاد"، والرجل بحاجة لشبكة أمان تحميه وتساعده في تمرير قراراته المنتظرة في آب/أغسطس القادم، كما أنه معني بمواجهة أية استحقاقات قد تترتب على عودة باراك أوباما إلى البيت في إنتخابات نوفمبر القادم، وهل ثمة أهم وأفضل من "شبكة الأمان" هذه لمواجهة كل هذه التحديات؟.

 

في الشأن الفلسطيني الذي لم يحظ بأي إهتمام جدي يذكر لا في مفاوضات الإئتلاف ولا في نص الاتفاق، ورد ما يعيد تأكيد اللاءات الإسرائيلية المعروفة، وإن بصياغة مبطنة وغير مباشرة، فالتأكيد على يهودية الدولة، يعني لا لحق العودة للاجئين الفلسطينين، والتأكيد على الحدود الآمنة التي يمكن الدفاع عنها، يعني أن عودة لخط الرابع من حزيران 1967، وضم القدس (العاصمة الأبدية الموحدة) والسيطرة على غور الأردن...لا شيء جديد في برنامج الحكومة الجديدة، جديدها قديم، وقديمها أطاح بعملية السلام وخيار "حل الدولتين"، مرة واحدة وإلى الأبد على ما يبدو.

سنسمع جعجعة عن "ضرورة السلام مع الفلسطينيين"، وسنقرأ دعوات ل"أبو مازن" بالذهاب إلى مائدة المفاوضات فوراً ومن دون شروط، وربما يتولى "الحمائمي/الوسطي"، شاؤول موفاز فتح قناة سرية للتفاوض مع السلطة، وسيجد على الطرف الآخر عشرات المتطوعين بانتظاره هناك، وبشتى الحجج والذرائع، وسيساعد على ذلك، تفكيك بؤرة استيطانية هنا أو منع قيام بؤرة هناك...كل هذا سيحصل، ولكنه سيكون بمثابة قنابل دخانية للتعمية والتمويه على جوهر السياسات الاستيطانية / الاستعمارية / العدوانية التي توحدت أحزاب إسرائيل لإنفاذها، على المستوى الفلسطيني الخاص والإقليمي الأوسع.

 

على العرب والفلسطينيين والإيرانيين أن يقلقوا تماماً، بل وأن يعلنوا حالة التأهب والإستنفار...حكومة الحرب الإسرائيلية لن تجلب السلام والاستقرار لهم...عليهم أن يفعلوا ذلك بدل إضاعة الوقت في "الرهان" على كاديما وخليفة إيهود أولمرت وتسيبي ليفني....عليهم أن يفعلوا ذلك، بدل التفكير المريض في "توظيف التطرف الإٍسرائيلي" لتصفية الحساب مع إيران وحلفائها....عليهم أن ينزعوا فتائل التفجير في العلاقات العربية الإيرانية، وهي مسؤولية تقع على عاتق طهران والرياض وبغداد والقاهرة ودمشق، الآن وقبل فوات الأوان.

 

لكن المؤسف أن بعض العرب، لا يبدي إكتراثاُ بما يمكن أن تفعله هذه الحكومة ضد فلسطين ولبنان، طالما أنها ستذهب إلى السلاح في تعاملها مع إيران...لا بل أن بعضهم قد "تُطربه" أنغام الحرب على إيران، وقرع طبولها الذي بدأ مبكراً، وأخذ بالتسارع في الآونة الأخيرة، وسيتسارع قريباً مع وجود "عصابة الأربعة" على رأس الحكم في الدولة العبرية...ألم يقل نتنياهو أن "إيران" هي عدوة العرب والإسرائيليين معاً وبالقدر ذاته، وأن مواجهتها ممكنة بتشكيل جبهة متحدة تضع هذه الأطراف جميعاً في خندق واحد؟...في هذه النقطة، وفي هذه النقطة بالذات، صدق نتنياهو.

 

لكن الحرب، خصوصاً حين تكون ضد إيران، ليست أبداً نزهة قصيرة...نتنياهو يستطيع أن يعرف متى يشعل فتليها، لكن هيهات له أن يعرف متى ستنتهي وما هي الساحات والميادين التي ستمتد عليها، وأية أسلحة دمار ستستخدم فيها، والأهم، أية نتائج وتداعيات ستترتب عليها...هذه أسئلة مفتوحة، لم يجب عليها بيان نتنياهو – موفاز الأخير، وسيظل سيناريو اليوم التالي للضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران، لغزاً محيّرا للمراقبين، إلى أن تقع الحرب، وهي قد لا تكون ببعيدة على أية حال.

========================

علامات على الطريق - الخروج من القفص !!!

يحيى رباح

Yhya_rabahpress@hotmail.com

بسبب ما هو موجود فينا من انقسام و ارتباك و هروب مجاني إلى الأوهام !!! و بسبب ما يجري حولنا في المنطقة من حراك اتراجيدي واسع لا يفضي حتى الآن إلى شيء سوى هدم العرائش القديمة المتآكلة , و البقاء في العراء !!! و بسبب تركيز القوى الدولية الكبرى على مصالحها بفعل تفاقم الأزمة المالية الطاحنة و أزمة الديون و زيادة معدلات البطالة , و اشتراطات القروض الانقاذية !!! فإننا في الساحة الفلسطينية نبدو و كأننا نعيش داخل قفص , لا نستطيع أن نتجاوزه , و كل مفردات و مكونات هذا القفص هي معروفة لنا سلفا , فنتعامل معها بتكرار ممل بدون أي شيء جديد على الاطلاق , بل إن معاركنا التي نخوضها على الطريق سرعان ما تتقولب لكي تنسجم مع هذا القفص الذي نحن في داخله .

لنضرب مثالا :

و المثال هو هذا الانقسام الذي يتمطى و يتثائب ذاهبا إلى استكمال العام الخامس و هو موجود في تفاصيل التفاصيل واقعيا , و نعرف سلفا أن تحقيق أي مكاسب أو انجازات أو تقدم تحت سقف هذا الانقسام هو أمر مستحيل بالمطلق , و أن هذا الانقسام أعفى الأصدقاء و الأعداء على حد سواء من أي مسئولية اتجاهنا , إنه انقسام طيع , مصمم بعبقرية لكي يضرنا فقط و لا يلحق أي ضرر بغيرنا , و لا يتطاير منه أي شرر يهدد حقول الآخرين , و لذلك لا أحد يخشاه , و لا أحد يشكوا منه و لا أحد يرفضه أو يرفض تداعياته بل على العكس الكل يريده و يعزف على أوتاره و يلعب على حباله , و قد تحول إلى ما يشبه النصوص و الأناشيد التي يحفظها التلاميذ الصغار في المدارس الابتدائية عن ظهر قلب , يرددونها و يكررونها باستمرار , و لا يفهمون معانيها العميقة أو الخطيرة .

الانقسام في الصباح و المساء , نلعنه و نمدحه , نرفضه و نبرره , و لكن في نهاية اليوم يظل موجودا , و ننام معه لكي نصحو عليه في صباح اليوم التالي .

و المثال الأخر :

هو مفاوضات , ها نحن لا نفاوض , و نحن على حق في ذلك بالتأكيد , و لكننا نكتشف أن الاحتلال الإسرائيلي أفضل له و أقل وطأة أن لا نفاوض , لأنه يعلم أننا بوضعنا المنقسم الحالي , حين لا نفاوض فإننا لا نفعل شيء أخر , بل ندخل إلى القفص و ننام فيه انتظارا لما لا نعرفه على وجه اليقين .

و مثال ثالث هو الحصار :

حصار قطاع غزة , و هو حصار من نوع جديد خارق و خانق و متداخل بين المحظور و المسموح , نصرخ بصوت مرتفع عن أعراضه الثانوية , بينما نتجاهل أوجاعه الكارثية !!! و يستمر الحصار الذي أصبح معترفا به و مشروعا على المستوى العالمي , و ما زلنا نصرخ و ما زال الحصار مستمرا .

و أخر النماذج التي توشك أن تدخل في هذا السياق الرتيب , هو قضية الأسرى و إضرابهم المفتوح عن الطعام و خوضهم معركة الأمعاء الخاوية , حيث بدأ الإضراب فرديا , ثم انتهى إلى هذا الإضراب الكبير الشامل , ما هو أفق هذا الإضراب ؟؟؟ هل نحن متفقون على أفق واحد ؟؟؟ هل نرى الواقع بمعايير واحدة , أم أن كل طرف يريد من الإضراب شيئا نختلف عن ما يريد الأخر ؟؟؟

هل هناك سقف زمني ؟؟؟ و ما هي اللحظة التي نريد اقتناصها ؟؟؟ و هل الإضراب الشامل عن الطعام الذي تجاوز الآن ثلاثة أسابيع , باستثناء الحالات الفردية التي زادت عن ستين يوما , هل هذا الإضراب هو صرخة قوية , و انتباهة شديدة للعالم بشأن أوضاع أسرانا البواسل في السجون الإسرائيلية , انتباه إلى العامل العربي و الإسلامي , و انتباهة قوية إلى المجتمع الدولي و مؤسساته , أم أنه معركة نهائية لا تنتهي إلا بالنصر أو الشهادة ؟؟؟ أو كما يقول البعض (( البيت أو القبر )) ؟؟؟ أم أنه أي الإضراب , بالنسبة لبعض القوى لا هذا و لا ذاك , و إنما هروب تحت فنابل دخانية كثيرة , و تحت قرع طبول عالية , من الاستحقاقات الملحة المتعلقة بالمصالحة و إنهاء الانقسام .

أنا شخصيا متشكك في هذه الحالة العجيبة التي تحاول إقناعنا نستطيع أن نكون طبيعيين , و جيدين و متعاونين , و سمن على عسل في ظل الانقسام , و مع بقاء الانقسام و مع نسيان الانقسام !!!

هل هذا ممكن ؟؟؟

أنا أرفض أن أصدق أن هذا ممكن و الواقع نفسه يكذب أن هذا ممكن , و إذا كانت استنتاجاتي خاطئة فلماذا لا نقدم لأسرانا البواسل الهدية الأولى قبل أن نطلب شيئا من العرب و العالم , و أن تكون هديتنا الأولى الرائعة لأسرانا البواسل هي المصالحة ؟؟؟

أما التظاهر أننا رغم الانقسام , و بشاعات الانقسام , و أضرار الانقسام , و كل ما يسببه لمشروعنا من شلل , يمكن أن نكون في ظله إخوة طيبون متحابون , نلتقط الصور التذكارية مع بعضنا في خيمة الاعتصام في ساحة الجندي المجهول في غزة أو غيرها فهذا هو الهروب بعينه , و هذا هو النفاق المكروه .

=======================

الأسرى الفلسطينيين يواصلون إضرابهم عن الطعام و في ذكرى 64 للنكبة

بقلم الكاتب الصحفي : رضا سالم الصامت*

إن هو تاريخ أسود " ذكرى النكبة "و احتلال فلسطين ، ذكرى إعلان الدولة الإسرائيلية و احتلال فلسطين و ضياع القدس و بالنسبة لإسرائيل فرصة للاحتفال بكل ما حققه الصهاينة من إنجازات و مشاريع مشتركة اسرائلية أمريكية ولإعادة تأكيد الروابط التي تجمعها بأمريكا الرئيس الأمريكي السابق

 هاري ترومان عام 1948 عندما تم الإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل و الأدهى و الأمر انه لم ينتظر إلا إحدى عشر دقيقة لكي يعلن اعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل.

إسرائيل تحرص دائما على أن تكون صورة احتلالها لأراض فلسطين وضاءة لدى الرأي العام العالمي, في حين إنها صورة بشعة و بكل وقاحة يغطون على جرائمهم و يتظاهرون بكونهم هم الضحية و الضحية هو الجلاد مثلما حدث في الحرب على غزة.

 نضال الشعب الفلسطيني سيستمر حتى دحر الاحتلال وإزالة الاستيطان وتجسيد الاستقلال الوطني بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف،وبسط سيادتها الكاملة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة في حدود الرابع من حزيران من عام 1967 وضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها وفقا للقرار الأممي 194

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أكد أن الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام والمحتجزين من دون محاكمة يجب محاكمتهم بضمانات قانونية أو الإفراج عنهم

 ينفذ ثلث حوالي 4700 أسير فلسطيني في إسرائيل على الأقل (بينهم قرابة 310 قيد الاعتقال الإداري) حاليا إضرابا عن الطعام وبينهم سبعة منذ أكثر من شهر ونصف

 

وقد سبق أن حمل المتظاهرون لافتات تندد بالأمم المتحدة وتدعو للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية بحسب إدارة السجون الاسرائيلية ومصادر فلسطينية رسمية ومنظمات إنسانية

وأعرب كل من الصليب الأحمر والاتحاد الأوروبي والحكومة الفلسطينية الثلاثاء عن القلق إزاء وضع المعتقلين الفلسطينيين المضربين عن الطعام في إسرائيل و قد دعا الاتحاد الأوربي إلى تأمين المساعدة الطبية اللازمة لهم

منظمة "الضمير" الفلسطينية غير الحكومية لدعم الاسرى قالت ان بلال دياب (27 عاما) وثائر حلاحلة (34 عاما) اللذين يشتبه بانتمائهما الى حركة الجهاد الاسلامي دخلا اليوم ال71 من الاضراب عن الطعام ، ومن بين الاسرى الذين يتلقون العلاج في مستشفى السجن، الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات

هكذا فبرغم الاضراب عن الطعام فان الأسرى الفلسطينيون عاقدون العزم على المواصلة و هم في ذكرى النكبة 64 عاما ، ذكرى سرقة أرض فلسطين و تهجير الملايين

* كاتب صحفي و مستشار اعلامي متعاون

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ