ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 30/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

انحياز المشروع الإسلامي .. لمن؟

أ.د/ عبد الرحمن البر

عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالمنصورة وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

تتصارع الأفكار والمشروعات على كسب عقول الجماهير وقلوبهم، ويطرح كل مشروع نفسه حاميا لمصالح السواد الأعظم من الأمة، ويتبارى المنظرون لهذه المشروعات في شرح فلسفة كل مشروع وبيان أوجه المصالح التي تعود على الغالبية من الأمة جراء قبوله وتطبيقه، مثلما يتبارون في النيل من المشروعات المنافسة والتركيز على سلبياتها، وقد تتابعت على التجربة في أمتنا مشروعات متعددة، فتقدم حملة المشروع الاشتراكي الذي ينتصر للطبقة الكادحة وينحاز للدولة المركزية ويدعو إلى العدل الاجتماعي والعدالة في توزيع الأعباء والثروات على المواطنين (من كل على قدر طاقته ولكل حسب حاجته كما زعموا)، ثم جرب أصحاب المشروع الرأسمالي الذي ينحاز لحركة رأس المال ويدعو للتنافس الحر الذي يفجر الطاقات ويساعد على الإبداع، وينحاز للقطاع الخاص على حساب القطاع الحكومي ولأصحاب رؤوس الأموال على حساب العاملين والكادحين، ولم تجن الأمة من وراء كل تلك المشروعات إلا الضياع والتأخر، وسبقتنا في ميدان الحضارة أمم كانت وراءنا بمراحل، وتجاوزتنا في ميدان التقدم والرفاهية أمم لا تملك معشار ثرواتنا وإمكانياتنا، فصارت أمتنا ضائعة في الغمار، مبهمة الملامح، مجهولة السمات.

ومن ثم عادت الأمة تتلمس طريقها وتراجع هويتها، لتكتشف أنه لا نهضة حقيقة لها إلا في ظلال المشروع الإسلامي النهضوي الحضاري الوسطي المتوازن المنفتح على كل الثقافات والمشروعات الحريص على الأخذ بكل نافع ومفيد منها، والقائم أساسا على بناء الشخصية الوسطية التي تجمع بين حق الروح وحق الجسد، والتي أعطاها الإسلام جميع حقوق الإنسانية، ورسم لها المنهج الذي يمنحها التميز في الشخصية والكيان، وفي الأهداف والاهتمامات، وكثر الحديث عن انحياز المشروع الإسلامي هل هو للأغنياء أو للفقراء، وهل هو لخدمة الجماعة والعائلة أو لخدمة القيم السامية وتحقيق مجتمع العدل والكفاية، ولهذا رأيت من المناسب أن أشير إلى انحياز هذا المشروع لقيم الحق والعدل بحيث يقدم الكفاءة على الثقة، ويراعي الضعيف قبل القوي والبعيد قبل القريب، ولا يحابي في الحق ولدا ولا بنتا ولا حميما ولا قريبا ولا كبيرا ولا عظيما، بل الأمة كلها عنده سواء، ولا يُعطِي الحاكم فيه أعزَّ أهله قبل أن يعطي عموم الأمة من الثروات، فقد أخرج الشيخان عن أُمَّ الْحَكَمِ أَوْ ضُبَاعَةَ ابْنَتَيْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (ابنتي عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أَنَّهَا قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَبْيًا (أي: غنائم من الكفار) فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَأْمُرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ السَّبْيِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَكُنَّ يَتَامَى بَدْرٍ، لَكِنْ سَأَدُلُّكُنَّ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُنَّ مِنْ ذَلِكَ: تُكَبِّرْنَ الله عَلَى إِثْرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً، وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً، وَلَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

فيقدم صلى الله عليه وسلم اليتامى من أبناء شهداء بدر على بنته وبنات عمه.

ولا يقدم ابنتَه وأعزَّ الناس عليه، وأحبَّهم إلى قلبه، على فقراء أهل الصفة، بل يقدم حاجتهم على حاجتها، فقد أخرج أحمد بسند حسن عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ بَعَثَ مَعَهُ بِخَمِيلَةٍ وَوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَرَحَيَيْنِ وَسِقَاءٍ وَجَرَّتَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا ذَاتَ يَوْمٍ: وَالله لَقَدْ سَنَوْتُ (استقيت الماء للناس بالأجرة) حَتَّى لَقَدْ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، وَقَدْ جَاءَ الله أَبَاكِ بِسَبْيٍ، فَاذْهَبِي فَاسْتَخْدِمِيهِ (أي اطلبي منه أن يعطيك خادما) فَقَالَتْ: وَأَنَا وَالله قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجِلَتْ يَدَايَ(أي: نُزع جلدها)... فذكر القصة في مجيئهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ الله، وَالله لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ الله عَنْهَا: قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ، وَقَدْ جَاءَكَ الله بِسَبْيٍ وَسَعَةٍ، فَأَخْدِمْنَا (أي: أعطنا عبدا يخدمنا)، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَالله لَا أُعْطِيكُمَا وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَطْوَى بُطُونُهُمْ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنِّي أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ» فَرَجَعَا... الحديث في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ما يقولانه دبر الصلاة وعند النوم، وأنه خير لهما من خادم.

ولا يميز صلى الله عليه وسلم بين أهله وبين رعيته في تطبيق الحدود الشرعية، بل يعد مثل هذا التمييز من أسباب هلاك الأمم، فقد أخرج أبو داود عن عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا في قصة رفض شفاعة أسامة بن زيد في المخزومية التي سرقت أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (.

ومن كمال اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالضعفاء وذوي الحاجات بنى في مسجده الصفة التي كانت مأوى الغرباء والفقراء ومن لا أهل له ولا مال، وكانت الصفة بجانب بيوته صلى الله عليه وسلم، وكان النازلون فيها هم ضيوفه وضيوف المسلمين، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ينام قبل أن يطمئن عليهم، ولم يكن يتناول طعاماً أو شرابا من غير أن يشركهم فيه، بل كان يطعمهم ويسقيهم قبل أن يأخذ حظه صلى الله عليه وسلم، وهاك نموذجاً واحداً من اهتمامه صلى الله عليه وسلم بهذه الفئة الكريمة ، فقد أخرج البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه كَانَ يَقُولُ : أَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنْ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمْ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «الْحَقْ» وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟» قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ. قَالَ: «أَبَا هِرٍّ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي». قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ، لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا... فذكر القصة في سقيهم وشربه من بعدهم ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم للفضلة من بعدهم.

فهل عرفت لمن ينحاز المشروع الإسلامي للنهضة؟

========================

أحمد بن بلة : انكب على صنع الحياة .. حتى نسي الاستعداد للموت !

بقلم : محمد خليفة

رغم علمي أنه "قرن" يمشي على الارض , رغم علمي أن الموت هو النهاية الحتمية لكل مخلوق , فلم أكن أنتظر نبأ موته , لا سيما في هذه الأونة , بصراحة كنت أظنه مستثنى من الموت إلى أجل غير مسمى . مصدر ذلك كله أني كنت أعرف مدى متانة صحته وقوة جسده . عندما كان يصطحبني معه لنتناول وجبة طعام , كان يختار مطاعم قريبة من الغابات , أو الحدائق , وكان بعد الطعام يمارس رياضة المشي لساعات حتى ينال الإعياء مني , وكان هذا ديدنه يوميا . طعامه أيضا ممنهج ليؤدي نفس الغاية , يكثر من شرب الحليب , وتناول الخضار ويقلل من اللحوم والحلويات , ولا يفرط في الطعام على اي حال , قال لي مرة إنه حين انقلب بومدين عليه وألقاه في غيابة السجن أعد نفسه لكي لا يمرض أبدا , لأنه يخشى ان يتناول أدوية ربما تكون وسيلة بومدين لقتله , وهكذا لبث في محبسه زهاء خمسة عشر عاما دون أن يحتاج حبة أسبرين واحدة , وظل يمارس رياضة المشي داخل السجن بانتظام . هذا الحرص على الصحة ليس نوعا من الهوس المتفشي بين كثيرين في عصرنا الحالي , وإنما هو نوع من المقاومة السياسية للضعف , وحرص على شحذ القدرات وحسن الاداء في كل المجالات , وخاصة الذهنية ,بفضل هذا وذاك ظل أحمد بن بلة نحو خمس وسبعين سنة في أفضل حالات عطائه ونضجه وتوقده . لا يعرف الكلل ولا الملل , يقاتل ويسافر ويحاضر ويقرأ ويستقبل ويعمل كما لو انه ابن اربعين أو خمسين .

تأثرت لوفاته , وفقده , لأني أعرف جيدا ما له من خصال نادرة جدا , إنسانية وسياسية . قائد فذ من نوع خاص . ( كل انسان ميسر لما خلق له ) يقول الحديث النبوي الشريف , وبن بلة مخلوق ليكون قائدا وزعيما , لا يصلح لأي وظيفة اخرى . لم يحدث هذا بالصدفة له , بل حدث بشكل طبيعي وبتدرج منطقي . إنسان دافىء القلب , عاطفي , حميمي المشاعر مع جميع الناس , بسيط بلا تكلف ولا تصنع , مبتسم دائما , كريم معطاء , شجاع لا يعرف الخوف , ذكي لماح , مثقف رفيع المستوى , شخصية تتمتع بجاذبية قوية , يأسر الناس بسعة افقه وعفويته وصدقه ورهافته . لا يمكن استفزازه إلا في حالة واحدة هي مطالبته بأن يكف عن النضال , لا يتصور نفسه قابلا للاستكانة وهناك معذبون ومضطهدون في أي مكان . انشغل بالقضايا الجزائرية ثم العربية , والأفريقية التحررية , ثم اتسعت مروحة اهتماماته في العقدين الأخيرين إلى الهنود الحمر في امريكا , وقضايا البيئة والسلام ونزع السلاح والعولمة . وظل يعمل حتى بعد ان تجاوز التسعين .

قابلته عام 2006 وكان متعبا من رحلة طويلة في البرازيل , فقلت له يا سيدي إن لجسدك عليك حقا . ابتسم وقال لي : وللناس علي حقوق ..! تدخلت ابنته ( بالتبني ) وسألتني : لم لا تعيدون تجديد كتابكم الرائع ( حوار معرفي شامل مع احمج بن بلة - صادر 1984 عن دار الوحدة ببيروت ثم ترجم لعدة لغات ) ؟؟ فأحبت عندما يتوفر الوقت لدى سي أحمد .. أنا جاهز , فقال لنا : لا أمانع لكن عندما أتفرغ للكتابة والمراجعة , وهذا لم يحن وقته بعد .. لدي اشياء كثيرة أريد تسجيلها قبل أن أرحل . يبدو أنه هو أيضا كان يهيء نفسه لعبور قرن حياته الاول والانتقال للقرن الثاني دون أن يعير الموت أي اهتمام . ولا أدري إن كان قد سجل ما يريد أو بعضه في السنوات القليلة الأخيرة , لكني على علم أنه سجل أشياء كثيرة عندما كان رهين المحبس الجزائري ورفض نشرها , وحدثني مرات عن مؤلف له في الفكر الفلسفي يزيد حجمه على الف صفحة . لم يهدر وقته في السجن , اغتنم الفرصة وبدأ سباقا مع المعرفة لتعويض ما فاته في سن الشباب , قال لي إن أحسن ما قدمه له السجانون هو سماحهم له بالكتب , فكان يسلمهم قوائم طويلة بعناوين الكتب , وكانوا يحضرونها له من بيروت والقاهرة وباريس بالعربية والفرنسية . كان يجيد سبع لغات , ويتذوق الفن والادب ويحب الفكر والفلسفة والدين , وشغوف بالسياسة والتاريخ , ويقرأ من هنا وهناك , ولكنه تعمق في سنوات السجن بالتراث الاسلامي وقضايا الفكر العربي , فضلا عن التاريخ الاوروبي واسرار العلاقات بين ضفتي المتوسط . لم تدفعه مرارة السجن نحو التطرف والكراهية والحقد , وأشهد أني حاولت كثيرا وفشلت في أن أحمله على التصريح بعبارات حادة أو مسيئة للرئيس هواري بومدين الذي انقلب عليه وسجنه , لم يذكره بأي لفظة مسيئة , ولكنه كان يهاجم عهده وحكمه وانقلابه من دون أن يذكره بالاسم , وكذلك كان موقفه الأخلاقي من شخص الرئيس الشاذلي بن جديد الذي أفرح عنه عام 1980 . والأمر نفسه يتكرر بالنسبة لفرنسا والفرنسيين , إذ أن تجربة الاحتلال الرهيبة لم تجعله حاقدا أو كارها لفرنسا والفرنسيين , وكان يعشق الثقافة الفرنسية الراقية , وكان له أصدقاء كثر من الفرنسيين , ولا ينسى أن منهم من ساند الثورة الجزائرية بالمال والسلاح والفعل . وكان في اسلامه وتدينه معتدلا وأقرب ما يكون للصوفية , وكان في كل الاحوال عقلانيا ومنطقيا , يحاور ويتقبل الاختلاف , ويجيد عقد الصلات والعلاقات مع جميع الناس يسارا ويمينا , عربا وأفارقة واوروبيين وأسيويين ويهودا , وظل حتى أخر حياته وفيا لأصدقائه التروتسكيين الذين قاتلوا معه إبان حرب التحرير , وخاصة ميخالي رابتس زعيم هذا التيار الذي انشق عن الحركة الام في الخمسينات على خلفية الموقف من الثورة , لأن تيارا أخر رفض دعم استقلال الجزائر وأيد الموقف الفرنسي الذي يعتبر الجزائر فرنسية . وظل إلى أخر أيامه يدعم مناضلين وحركات سياسية ثورية في السنغال ومالي وجنوب أفريقيا . أقام علاقات وثيقة بالايرانيين في بداية حكمهم لإيران حيث تصادف ذلك مع خروحه من السجن , ولكنه ما لبث بعد سنوات محدودة أن اعتزلهم بهدوء لأنه رأى جنوحهم نحو العداء الشعوبي للعرب , وظل يهاجم صدام حسين لتسببه بالحرب مع إيران وبسبب ديكتاتوريته , ولكنه زار بغداد وأعرب عن تضامنه مع الشعب العراقي في ظل الحصار الطويل والمعاناة الرهيبة خلال التسعينات و رفض الغزو الأمريكي للعراق . كنت في زيارة لي لبغداد عام 1990 فقال لي مسؤول عراقي : نريد أن تنقل الى السيد بن بلة دعوة رسمية لزيارة بغداد وسنستقبله كزعيم عربي كبير , فقلت له سأنقل الرسالة لكنني لا أظنه يلبيها , لقد أعرب عن موقفه منكم علانية مرات عديدة ولا اعتقد أنه غيره . وبالفعل عندما أخبرته بالهاتف الدعوة , رفضها بشدة وهاحمهم بشدة أكبر . وذات مرة اتصل بي وقال أريدك أن تحضر الى عندي فورا , سافرت اليه في جنيف فأطلعني أن الرئيس السوري أنذاك حافظ الاسد أرسل اليه عضوين من القيادة القومية للبعث لدعوته لدمشق حيث سيجري تكريمه , وطلب رأيي فقلت : لو ذهبت الى دمشق والتقيت الاسد ستخسر محبة عشرين مليون سوري ومثلهم من اللبنانيين والاردنيين والفلسطينيين والعرب ...إلخ . قال لي : هذا هو شعوري أيضا , وظل بعدها يهاجم الدور السوري في لبنان والساحة الفلسطينية , ويؤيد المعارضة السورية ويلتقي برموزها ومنهم الاخوان المسلمون , وسار ذات مرة على رأس تظاهرة سورية ضد النظام وجرائمه في حماة وتدمر جرت في باريس عام 1982 . ورفض دعوات مماثلة على حد علمي من حكام المغرب والسودان والاردن واليمن , وحافظ على مسافة فاصلة بينه وبين حكام الزمن العربي الرديء , ويرفض محاولات احتوائه واستثماره شعبويا من قبلهم . وواظب على لقاءاته مع عدد كبير من الثوريين العرب المجهولين وخاصة من جيل الشباب , كان يستقبلهم ويستمع اليهم ويساعدهم قدر ما يستطيع , ويتواصل مع عشرات المنفيين والملاحقين والثوريين العرب وغير العرب , ويجد نفسه بينهم وقريبا منهم . كان دائما مع التغيير والتحرر , ولا بد ان يذكر التاريخ له أنه لم يكن فقط من الطليعة الاولى التي خططت لثورة تحرير الجزائر وأعدت لها العدد التنظيمية والسياسية والعسكرية في نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات , بل سيذكر له أيضا أنه أول من أطلق النداء لانتقال الجزائر من عهد الحزب الواحد الى عهد التعددية والديمقراطية فور خروجه من السجن , وأول من عمل على ترجمة النداء الى عمل تنظيمي بتأسيسه حزب ( الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر ) وظل مثابرا على دوره حتى نهاية الثمانينات حين ظهرت الحركات الاسلامية وخاضت مواجهتها الدامية مع النظام , بل زاد عليها بالعودة للجزائر إثر انتفاضة 1988 الشعبية من ناحية وبالدعوة دائما للمصالحة الوطنية والعمل عليها مع رفيق طريقه وخصمه القديم حسين أية أحمد من ناحية ثانية , لكن صوت الرصاص طغى على ندائه العقلاني والديمقراطي مثلما داست الانقلابات العسكرية المتتالية على فرص السلام , فأثر الخروج ثانية من الجزائر ومتابعة نشاطاته الانسانية والعالمية من أجل السلام وحقوق الانسان والديمقراطية والبيئة ونزع التسلح .

رحم الله أحمد بن بلة كان كبيرا في كل تصرفاته في كل مراحل حياته وفي كل مواقفه , وأظنه مات مطمئنا الى مستقبل أمته وهو يتنشق نسائم الربيع العربي تهب من تونس الى سوريا ومن مصر الى اليمن . كان طوال حياته يفرح ويستبشر خيرا بكل انتفاضة خبز أو هبة حرية في أي مكان , فكيف لا يسعده ربيع عربي كامل بهذا الزخم والقوة والاشراق ..؟؟!!

=========================

قصص قصيرة جدا/20

بقلم : يوسف فضل

اجتماع عائلي

جلست في قاعة استقبال القادمين على جسر الملك حسين منتظرا وصول ابنتي . لم اعرف أحدا منهم ! لكن أشكالهم تشبهني والتي بدت لي أكثر إنسانية وواقعية مما تعرضها القنوات الفضائية . إذ شممت رائحة روح الأرض الفخمة من المنتجات التي يحملونها معهم . شعرت بالتناغم المذهل في لغة التخاطب العميق ،ورغبة التخلص من الألم والابتلاء الاسرائيلي . خرجت من المتاهة وانزلقت إلى المعادلة المترفة أننا نرفض أن نتعفن من الداخل.

 

لا استئناف

احضر الخادم يرفأ سمكا من البحر.

خوفا من الله، عاتبة عمر الفاروق:

" أوأتعبت الدابة في طعام عمر".

لأنه يهتم بالتفاصيل،

أن لا محكمة استئناف في جهنم .

 

إصلاح

أراد الوالي أن يعيش يوما من أجمل الأيام . قاد حملة مساعدات إعاشة وزعها على فقراء الرعية .بقي هذا المشهد حكاية شعبية (ممتعة) فائضة عن الحاجة . عاد جذلا ووزع الذهب سرا على خاصته وحمل الفقراء في أوعيتهم اكتمال الوعي والتحرر من الخوف.

 

حل سحري

- ماذا قرر اجتماع أصدقاء سوريا؟

- استخدموا الحل السحري الذي اسقط إسرائيل منذ عقود.

- ما هو ؟

- الإدانة!

 

برنامج انتخابي

حدثني من أثق به انه سمعت خطيب في تجمع انتخابي يقول: جاءني أخاكم المشهود له بالصدق من العمرة وأقسم لي انه تَقَيَّلَ في المسجد النبوي ورأي رؤيا ان النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل عليهم وسألهم عن مرشحكم للرئاسة هذا ... وقال أبلغوه أن الله راض عنه .....أبشروا ستكون بلدكم من الدول العظمى .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ