ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 14/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الإخوان فوبيا !

حامد بن عبد الله العلي

( أحبُّ أن أصارحكم ، إنَّ دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس ، ويوم يعرفونها ، ويدركون مراميها ، وأهدافها ، ستلقى منهم خصومة شديدة ، وعداوة قاسية ، وستجدون أمامكم الكثير من المشقّات ، وستعترضكم كثير من العقبات ،

وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات ، أما الآن فلازلتم مجهولين ، ولازلتم تمهّدون للدعوة ، وتستعدّون لما تتطلبه من كفاح ، وجهاد ، سيقف جهلة الشعب بحقيقة الإسلام ، عقبة في طريقكم ، وستجدون من أهل التدين ، ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام ، وينكر عليكم جهادكم في سبيله ، وسيحقد عليكم الرؤساء ، والزعماء ، وذوو الجاه و السلطان ،

وستقف في وجهكم كلُّ الحكومات على السواء ، وستحاول كلُّ حكومة أن تحدّ من نشاطكم ، وأن تضع العراقيل في طريقكم ، وسيتذرَّع الغاصبون بكلّ طريق لمناهضتكم ، وإطفاء نور دعوتكم ، وسيستعينون من أجل ذلك بالحكومات الضعيفة ، والأخلاق الضعيفة ، والأيدي الممتدّة إليهم بالسؤال ، وعليكم بالإساءة ، والعدوان ،

ويثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات ، وظلم الاتهّامات ، وسيحاولون أن يلصقوا بكم كلّ نقيصة ، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة ، معتمدين على قوتهم وسلطانهم ، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ، ولو كره الكافرون ) ،

وستدخلون بذلك _ ولاشك _ في دور التجربة والامتحان ، فتسجنون ، وتعتقلون ، وتقتلون ، وتشرَّدون ، وتُصادر مصالحكم ، وتعطل أعمالكم ، وتفتش بيوتكم ، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) ،

ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كلّه نصرة المجاهدين ، ومثوبة العاملين المحسنين ، ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلُّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) ، ( فأيّدنا الذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين ) ، فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله ؟! ) ا.ه من كلام الإمام حسن البنا رحمه الله

القادة الكبار في هذه الحضارة الإسلامية العظيمة ، يغرس الله حقبة حياتهم بذرةً في تربة الأمّة ، ويتعاهدها بالسقي ، والرعاية ، حتى تؤتي ثمارها اليانعة بعد موتهم ، فتكون الثمار : شخصيات عظام ، ومؤسسات ناجحة ، وإنجازات بناءة .

كان والده أحمد بن عبد الرحمن البنا _ إلى جانبه إمامته في المسجد _ يقضي وقته بالنظر في الساعات ، إذ كان يعمل ( ساعاتيا ) ،

فكأنَّه كان يتأمل في الزمان ، باحثاً عن الساعة التي سيولد فيها من سيضيف إلى أمة الإسلام صرحا عظيما من صروح حضارتها ، يتألَّقُ ضياءً في سماء مجدها ، ويضوي نوراً في أفقِ عزِّتها .

ومن عجائب ارتباط الأسماء بالمعاني ، أن وُلد الطفل حسن البنا ، ليبني في الأمة بناءً حسنا !

وقد ولد ، ووالده العالم الورع التقي ، مكبَّا على التأليف في كتب الحديث ، إذ هو مؤلف الكتاب الجليل القدر ( الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام احمد الشيباني ) ،

فقد ولد في أجواء أسرة معطَّرة بعبق التراث الإسلامي ، بمحضن مشبَّعٍ بعبير التربية الإسلامية المحافظة .

ونشأ منذ صغره نشأة روحانية ، بأخلاق عالية ، وكان محبَّا للتعبد ، ولنشر الخير في الناس ، ثم انتقل من قريته إلى القاهرة في سن 16 ، والتحق بدار العلوم ، التي كانت تعطي دروسا في العلوم العصرية إلى جانب الشرعية .

وهناك التقى بالشيخ الإمام محبّ الدين الخطيب ، والعلامة محمد رشيد رضا ، رحمهما الله ، وهما إمامان عظيمان من أئمة الفكر السلفي ، الذي يدعو إلى إرجاع الأمة إلى نبعها الصافي الكتاب والسنة وبناء التربية عليهما ، وإلى التمسك بنهج أهل السنة و الجماعة ، قلعة الإسلام الحامية ، وسيفه الذائد عن حياضه عبر التاريخ ، وعلى هذا بنى البنا الدستور الفكري لمشروعه أعني كتاب : الأصول العشرين ، بناه على هذا النهج الوافي ، والمنهل الصافي .

ثم انتقل إلى الإسماعيلية بعد التخرُّج ، ليعمل معلما ، في عام 1346ه 1927م ، وليكتب الله له هنا ، أن يتحوَّل من معلم في مدرسةِ مدينة صغيرة ، إلى معلِّم كبير في مدرسة الأمة المحمدية صلى الله على صاحبها ، وسلّم تسليماً كثيراً ،

ثمّ ليؤسس صرح : ( الإخوان المسلمون ) .

وقد تميز بخمسةٍ في مؤهلاته القيادية أسرعت بنجاح مشروعه في انطلاقته الأولى في الإسماعيلية وما حولها : الإخلاص _ إن شاء الله _ والعاطفة الدينية القوية ، والصادقة ، والقرب من الناس والتبسُّط إليهم بغير تكلُّف مما أعطاه جماهيرية واسعة ، وعبقرية التنظيم لاسيما استثمار الإمكانات أفضل استثمار ، واغتنام الفرص ، وأنه خطيبٌ مفوّهٌ ، وكاتبٌ حاذقٌ ، ومتحدِّثٌ لبق .

ثم انتقل إلى القاهرة ، فأكمل البنَّا هناك البناء ، ونشر الضياء ، حتى طاول النجوم ، وبلغ عنان السماء ،

ثم لم يلبث مشروعه حتى انتشر انتشار النار في الهشيم ، فأصبح أكبر مدرسة حركية إسلامية في العصر الحديث ، وأبرز المعالم السياسية في مصر ، إلى يومنا هذا.

ثم أعطاه الله خير نهاية يتمناها القادة المخلصون ، فبعد أن شارك الإخوان المسلمون في الحرب ضد الصهاينة عام 48 بعام ، ولوحظ استبسال الإخوان في الجهاد ، اغتالت يد الغدر الإمام حسن البنا رحمه الله ، فنجح في أن يضع على مشروعه ختم الشهادة ، ختم النجاح الأكبر .

ولو علم الذين اغتالوه أنّ لحظة استشهاده في شارع رمسيس بالقاهرة ، قد أضاءت ملايين الأنوار في قلوب الملايين ، وأشعلت ملايين الشُّعَل في أرواح الملايين ، لو علموا لقطعوا أيديهم قبل أن يطلقوا عليه تلك الرصاصة !

لم يكن الإمام حسن البنا قائدا عاديا ، فالقادة العاديُّون لا يتركون وراءهم كلّ هذا الدويّ ! ولا يخلفون آثارا بهذا الحجم الهائل في التأثير في الناس ، والفكر ، والسياسة ، والتاريخ !

لقد كان قائدا فذا ، عبقريا ، نابغة ، ولئن سألت عن سرّ الأسرار في نجاحه الأسطوري !

فهو أنه نجح في تنظيم الفكر الإسلامي بحيث :

1 يرمم المسافة بين قداسة التراث ، والضرورة الملحّة للمعاصرة.

2 ويسدُّ الثغرة بين مثالية مبادىء الدعوة ، وضغوط الحاجة للواقعية .

3 ويوازن بين متطلبات المشروع ، وتحقيقه أهدافه ، وبين حمايته _ رغم التضحيات _ من أن يقضي عليه أعداؤه ، وما أكثرهم !

وأيضا نجاحه في تنظيم الحراك الدعوي بحيث :

1 يبقى الترابط قويا بين القيادة ذات الكفاءة العالية ، وقاعدتها ذات الثقة الكبيرة بالقيادة ، بروح الجندية الإسلامية المطيعة المخلصة .

2 وتبقى الروح الثورية ، وإرادة التغيير ، محمية من أن تنطفئ جذوتها في النظام الداخلي ، رغم تطاول المراحل .

3 ويبقى زخم الفكرة الجوهرية للمشروع ، أعني شموليته التي تؤهله للإضطلاع بآلة الدولة _ حين التمكين _ وبتفوّق على كلّ المشاريع الأخرى المنافسة ، يبقى هذا الزخم في أوج تألّقه ، رغم طول الزمن ، وتوالي المحن .

ذاك النجاح الباهر السابق لعصره ، في تنظيم الفكر ، وهذا النجاح المبدع في تنظيم الحراك ، في تلك الحقبة المليئة بالظلمة في حياة أمّتنا ، وذلك الزمن المبكر جداً شديد المجاعة لمشاريع التغيير الجماهيرية ، وعندما كانت الأمة بأمسّ الحاجة إليه .

هو السرّ الأكبر للنجاح العالمي ، ثم الدويّ الذي خلفه الإمام حسن البنا بعد استشهاده رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته .

 

ونعم .. إنما هذا كلُّه حديث عن الإمام الشهيد المؤسّس نفسه ، عن النشأة الصافية لمشروعه ، وعن الانطلاقة الصادقة ، وعن أولئك الروَّاد المخلصين الأوائل الذين كانوا معه ، وتلاميذه .

وأما تجارب (الإخوان المسلمون) فيما بعد ، في بلادهم التي حاولوا فيها تحقيق أهداف المشروع ، فقد نجحوا ، وفشلوا ، وأصابوا ، وأخطأوا ، ووفَّوْا ، وقصروُا ، إذ هم جزءٌ من هذه الأمّة ، ومن فيها لم يخطىء !

أليست أمة من البشر ، فقد كُتب عليهم ، ما كُتب على غيرهم من الجماعات ، والأحزاب ، والطوائف ، والأشخاص ، مما عُجن في خلقة البشر ، من الذنوب ، والخطايا ، والمعايب ، والرزايا .

وحقا إن شاء الله _ أقولها والله ولستُ منهم _ ما من شيءٍ يُعاب على الإخوان ، إلاّ ويجد المنصف مثله ، أو أكثر منه في غيرهم _ إلاّ من لا يعمل ! _ : من التقصير ، والخطأ ، وغلبة الشهوة في القرارات على الشرع ، والعقل أحيانا ، واشتعال الحسد ، واستحواذ الشحّ على النفوس ، والرغبة في السلطة لذاتها ، وإقصاء الآخر أحيانا بانتهاك حقوقه ، وحرماته ، والصراع على المكاسب ، وارتكاب ما يُتوصَّل به إليها حتى من المحرمات ..إلخ

 

غير أنهم يبقون هم ( مدرسة المدارس ) ، و( أمُّ الجماعات ) ، والراية الكبرى ، إذا ذُكرت مدارس الحراك الإسلامي لاسترجاع مجد الأمّة إلى سابق عهده ، بإعادة وحدتها ، وخلافتها .

ففضلهم الكبير على الأمة لا ينكره إلاّ جاهل ، وإنجازاتهم الرائعة لا يعمى عنها إلاّ حاقد ، وتضحياتهم العظيمة لا يجحدها إلاّ من طمس الله على بصيرته .

هذا .. وقد استيقظنا _ هذه الأيام _ فجأة بعد أن ( صدَّعوا رؤوسنا) ، بما أسموْه ( الحرب على الإرهاب ) !

استيقظنا على حربٍ جديدةٍ على (الإخوان) هذه المرَّة ! فأُطلقت عملية ( الإخوان فوبيا ) ! ، ثم نفض الخائفون من رياح الربيع العربي ، الغبارَ عن ( مومياءاتهم ) المحفوظة في ( متحف العمالة ) !

ثم حرَّكوها لحرقها في مشروع إعلامي جديد ل ( شيطنة الإخوان ) ! إحياءً لنفس الخطة المشؤومة القديمة التي تقضي : بأنَّ خير وسيلة لإجهاض أيَّ حركة إسلامية تنشد تغيير واقع الأمة ، هي أن تسلط عليها ( اللحى المستأجرة ) الجاهزة دائما لتسخَّر لتكريس تخلُّف الأمة !

 

ولا ريب أنّ السبب ليس هو لأنهم ( إخوان ) ، فقد كانوا _ إلى عهد قريب _ يصفونهم بالإعتدال ! وربما يسلمونهم مشاريع : ( مكافحة التطرُّف ) !

 

 بل السبب الحقيقي أنهم إسلاميُّون ، اقتربوا من الوصول للنجاح ، أو استثمار نجاح ، لإحداث تغيير جذري في واقع الأمّة المرير ، في رياح الربيع العربي المبارك .

ولو كان غير ( الإخوان ) أوفر حظا منهم في الوصول لهذا لدارت دائرة الحرب إليهم ، ودُقت طبولهُا عليهم !

ومع أنَّ مشروع ( الإخوان فوبيا ) محكوم عليه بالفشل إذ نحن اليوم في حقبة من التاريخ مكتوب على جبينها : ( إرادة الشعوب لا يمكن قهرها ، وصوتها لا يمكن حجبه ) ، وبالتالي فتجربة الإخوان متروكٌ الحكم عليها إلى الشعوب نفسها !

 

والإخوان يعون هذا الحكمة حقَّ الوعي ، لأنهّم في لحُمة مشروع الربيع العربي أصلا ، ثقافةً ، وممارسةً .

 

غير أنَّ حملة : (الإخوان فوبيا ) ، ستأخذ مداها ، وستبلغ أقصاها ، وستقوم لاسيما دول الخليج بتأجير كثير من اللحى ! في هذه الحملة الغبيّة ، حرباً على التغيير ، لا على (الإخوان) ، وإجهاضا لمشاريع الإصلاح لا حفاظا على مكتسبات الأمة ، وأيُّ مكتسبات _ ليت شعري _ نالتها أمّتنا في ظلّ هذه الأنظمة المتخلّفة ؟!

 

وبعد :

فالواجب الأهمُّ على الإسلاميين فيما يأتي :

إدراكاً خطورة المرحلة ، وإخلاصاً لمشروعهم الحضاري الذي يجمعهم وهو إنقاذ الأمة مما هي فيه من بؤس ، منذ قرن من الزمان !

أن يتساموْا عن خلافات الماضي ، وأن يتصدَّوْا جميعاً لكلِّ حملة تستهدف أيَّ حركة مخلصة تبتغي التغيير في الأمة !

بأن ينتقلوا من ( أودية الجماعات المتنافسة ) ، إلى (أفق سماء الأمة الرحب) الذي عنوانه : أمة متجدّدة يشترك في تجديدها كلُّ المخلصين من جماعات ، وأفراد ، منتمين ، ومستقلين .

وبأن يلتقوا على المشترك الذي يشاركهم فيه جسد الأمّة كلُّه ، حتى من غير الإسلاميين ، وهي ثلاثة قواسم :

1 تحرير إرادة الشعوب من طغيان الأنظمة المستبدّة ، ومن تحكم الخارج ، بإقامة أنظمة متطوّرة ، السلطة فيها للشعوب ، لإقامة العدالة ، وحفظ الحقوق ، واحترام الكرامة .

2 حفظ هويّة الأمة من التخريب .

3 بعث رسالتها الحضارية العالمية .

 

وأنه بدون رفع هذه الراية ، والإلتفاف عليها ، والدفاع عنها ، إغتناما لهذه الرياح المباركة التي أرسلها الله تعالى بالربيع العربي ، فسوف تنجح أنظمة التخلُّف ، ومافيا الفساد ، وأذناب العمالة ، وتجار التزييف الديني ، في تحويل الربيع العربي إلى أقسى شتاء عاصف مرّ على أمّتنا .

وإذا رأينا زلات المخلصين ، وأخطاء المصلحين ، لنتذكر من القديم : قول مؤرخ إسلامنا الأعظم الإمام الذهبي عند ترجمة باني مدينة الزهراء بالأندلس الملك عبد الرحمن بن محمد : ( وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد ، احتملت له هنات ، وحسابه على الله ، أما إذا أمات الجهاد ، وظلم العباد ، وللخزائن أباد ، فإنَّ ربك لبالمرصاد ) سير اعلام النبلاء 14 / 564

 

ومن الجديد : قول العلامة طاهر الجزائري : ( عدوا رجالكم ، واغفروا لهم بعض زلاتهم ، وعضوا عليهم بالنواجذ ، لتستفيد الأمة منهم ، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم ) كنوز الأجداد ص 1338ه

والله الموفق ، وهو حسبنا عليه توكلنا ، وعليه فليتوكَّل المتوكلون .

========================

من لم يدرك حقيقة الأسد بعد؟

جان كورد

معظم المهتمين بالشأن السوري، الذين يكتبون عما يجري في سوريا، والذين يدلون بتصريحاتهم عبر الإذاعات والأقنية التلفزيونية، لم يصدقوا أن الأسد الذي يترأس نظاماً إرهابياً سيلتزم بوعده للسيد مبعوث الأمم المتحدة كوفي عنان، مثلما لم يفِ من قبل بوعده للسيد رئيس الجامعة العربية نبيل العربي، وكل وعوده للعالم والشعب السوري بصدد الإصلاحات التي تشدق بها منذ اغتصاب السلطة في البلاد، وبعد أن أقسم على حماية مصالح الشعب السوري عن طريق تنفيذ الإصلاحات وتحقيق الإزدهار.

فماذا يمكن قوله عن هكذا رئيس وصل به الأمر إلى ممارسة فن المراوغة والاحتيال السياسي والكذب بصراحة على شعبه وعلى العالم بأسره وعلى نظامه أيضاً؟ وهل يحتاج العالم فعلاً إلى إرسال "مراقبين دوليين" لمراقبة ما يجري في سوريا حقاً، والأقمار الصناعية الأمريكية تحدد موضع أي آلية عسكرية سورية على الأرض بدقة متناهية وبوضوح كافٍ لمعرفة فيما إذا كانت الآلية في وضعٍ قتالي أم لا، وبعد أن وصل عدد الشهداء السوريين إلى ما يزيد عن ال10000 شهيداً، منهم عدد كبير من الأطفال والنساء، أم أن المسألة برمتها لاتعدو منح نظام الأسد، بصورة قانونية ودولية، مهلة بعد أخرى حتى يتمكن من إخماد ثورة الحرية التي تتوجس منها خيفةً بعض الدوائر الاقليمية والدولية لأسباب عديدة، في حين أنها تتغنى بدفاعها عن مبادىء وقيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان؟

لقد ثار الشعب السوري على نظام الأسد بعد أن تأكد من كذب النظام في سائر المجالات السياسية والاقتصادية، وكان يعلم بأن النظام سيضرب على الوتر الوحيد الذي يعزف عليه باستمرار، ألا وهو الزعم بأنه يحارب "الإرهاب" وبأن البلاد السورية مليئة ب"العصابات المسلحة"، ولذلك فإن الشعب الذي خرج في مظاهرات كبيرة في شتى أنحاء البلاد قد حرص على أن تكون تلك المظاهرات سلمية، وبشعارات سلمية، رافضاً لأي توجه طائفي ولأي نزعة مسلحة في الكفاح، إلا أن النظام أصيب بالذعر، ومن خلال المساعدة الكبيرة له من قبل الايرانيين والروس بشكل خاص، زج قواته العسكرية وشبيحته ومرتزقته للهجوم على المدنيين، بهدف تحويل البلاد إلى ساحة قتالية وبالتالي لاقناع العالم بأنه يواجه "عصابات مسلحة"، ولذلك فقد تفادى إعلامه الغوبلزي القائم على فلسفة "إكذب...إكذب.. حتى يصدقك الناس" ذكر "الجيش السوري الحر" على الرغم من أن عدد المنشقين عن الجيش النظامي في تزايد مستمر، وهذا الجيش الحر هو الجهة الوحيدة التي تعلن عن مسؤوليتها تجاه العمليات العسكرية ضد جيش النظام وتقدم الأسباب الموجبة لذلك، وبخاصة "حماية المدنيين من عدوان النظام، في حين أن ليس هناك أي جماعة متطرفة تعلن عن وجودها أو تشاطاتها القتالية في الساحة السورية. وسائر المراقبين الصادقين يشكون في تلك التفجيرات الإرهابية التي حدثت في دمشق وسواها في مناسباتٍ محددة ويتهمون النظام نفسه بارتكابها لتبريرأكاذيبه حول وجود العصابات الإرهابية وتصديه لها.

بعد تصاعد موجات التقتيل بشكل مخيف، وبخاصة منذ أن بدأت مبادرة السيد كوفي عنان، رغم أنها مبادرة رقيقة تحفظ للأسد ماء الوجه إن التزم بها تماماً، فقد ثبت للعالم بأن الأسد قد خرق الاتفاق بينه وبين عنان بصدد المادة الأولى من المبادرة عدة مراتٍ في اليوم الأول من تنفيذها، وهذا ما يؤكد ما هو معلوم عن حقيقة الموقف الأسدي تجاه الأزمة، وهي حقيقة يعبر عنها هذا الشعار الذي كتبه جنوده أو أتباعه على بوابات أحد الحوانيت السورية المضربة عن العمل:"الأسد أو خراب البلد".

اليوم، بعد المحاولتين الجادتين لكل من الجامعة العربية والأمم المتحدة لاقناع الأسد بأنه يسير على طريقٍ خاطىء ومن الضروري التوقف عن تدمير بلاده وهدر طاقات شعبه وعن التقتيل والتعذيب والتشريد، هناك من لايزال داعماً لنظام الأسد، ولكن لا أعتقد بأن هؤلاء لم يدركوا حقيقة نظام الأسد بعد، وحتى أقرب حلفائه، وهم روسيا والصين وايران وحزب الله اللبناني، يدركون حقيقة نظام الأسد، ويدركون أنه يكذب على شعبه وعلى العالم أجمع، ومع ذلك لايتخلون عنه رغم كل نداءات الشعب السوري ورغم عدالة قضيته الإنسانية، وعليه يمكن القول بأن هؤلاء يقفون ضد الإنسانية لأسباب سياسية وبسبب مصالح مختلفة لهم في بقاء النظام الأسدي رغم وحشية ممارساته ضد شعبه. والذي يقف ضد الإنسانية إلى جانب المجرمين يجب أن يتحمل مسؤوليته تجاه تلك المواقف الخاطئة.

المطلوب من المعارضة السورية، أن لاتكتفي بالحديث عن حقيقة النظام الأسدي، بل عليها القيام بكل ما يسمح به القانون الدولي لمقاضاة هذه الجهات التي تدعم النظام الإرهابي في دمشق، وأن تقطع كل أشكال العلاقة معها، فهي أطراف وجهات تعلم أنها تدعم مجرماً كبيراً من مجرمي التاريخ، ولكنها مع ذلك مستمرة في جريمتها تلك ضد الإنسانية.

========================

سياسة روسيا في دول العالم العربي"3-3"

د.خالد ممدوح العزي*

العلاقات الروسية الجزائرية :

تعتبر الجزائر شريكا أساسيا لروسيا في شمال إفريقيا، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، على اعتبار إنهما الأكثر تصديرا للغاز إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تم عقد الكثير من الاتفاقيات السياسية، والاقتصادية، والثقافية بينهما،

1- فوز شركة السكك الحديدية الروسية بعقد إنشاء خطوط حديدية في الجزائر،

2- قيام شركة " روس نفط" بالتعاون مع شركة " ستروي ترانس غاز" اكتشاف حقلين للنفط وحقلين للغاز في الجزائر بمحتوى 3.5 مليون طن سنويا،

3- نية البلدين لإعداد منظمة تكامل روسي- جزائري لصناعة الغاز " أوبك غاز" على غرار أوبك العالمية، بعد زيارة الرئيس بوتين للجزائر ، حيث لاقى هذا الطرح ترحيباً من فنزويلا وإيران على اعتبار إن روسيا والجزائر أهم مصدرين للغاز إلى أوروبا.

4-عقد اتفاقية التنقيب عن احتياطات الهيدوليك في جوف الأرض الجزائرية.

5-إعلان مصنع السفن العالمية في سانت بطرسبورغ، "بان روسيا ستنفذ التزاماتها والعمل على تصنيع غواصتين وتحديث سفينتين صاروخيتين صغيرتين تابعتين للقوات البحرية الجزائرية قريبا.

6- صفقة الطائرات الحربية الروسية التي تمع عقدها مع الجزائر كانت مصدر قلق حقيقي لفرنسا ، والتي أثارت مشكلة جزائرية – فرنسية مما إعادة قسم من طائرات الميغ 29 الى روسيا و استبدالها بطائرات ميراج فرنسية لإرضاء باريس .

روسيا التي قامت بشطب الديون المستحقة لها وتحويلها إلى استثمارات جزائرية روسية، وان التعاون العسكري التقني بين البلدين يساهم بالقسط الأكبر في نمو التبادل التجاري، فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى مليار دولار في العام 2008، وتم توقيع عدة اتفاقيات في التعاون الفضائي، و التعاون في الطاقة النووية السلمية، واطلق" القمر الصناعي الجزائري" السات – 1 ".

يترافق كل هذا الاتفاقات التجارية والتقنية، التوقيع على صفقات السلاح المبرمة بين الدولتين بقيمة 4.7 مليار دولار، وبالمناسبة تحتل الجزائر المرتبة الثانية بين بلدان العالم المستوردة للأسلحة الروسية،

العلاقات القديمة الجديدة

تعتبر العلاقة العربية – الروسية، والإسلامية في المنطقة ليست جديدة،وإنما قديمة منذ وقتا بعيد،وليس كما يقال اليوم بان روسيا بدأت تدخل إلى العالم العربي وأمريكا،بدأت بالخروج من هذه المنطقة ،ولكن الأصح القول هنا بان التغير هو في السياسات الإستراتجية لهذه الدول من خلال مصالحها الخاصة التي تحاول كل قوة عظمة الحفاظ عليها ،فإن وجود روسيا في المنطقة قديم جدا ،منذ بطرس الأكبر الحالم بالدخول إلى المياه الدافئة،ومن ثم وقوع الدول العربية في خط المواجهة أثناء الحرب الباردة الذي خاضها القطبان ،والتي انتهت بانهيار اقتصادي وأخلاقي وامني وعسكري وسياسي وإيديولوجي لروسيا ،و دخولها في غيبوبة لمدة عقد من الزمن، إلى حين قدوم الرئيس السابق" فلاديمير بوتين" قيصر روسيا الجديد ، منقذها من ذلك الثبات في العام 2000، عندها استطاع "بوتين"، العمل على عودة روسيا للساحة الدولية كلاعب قوي، ولكن ليس أساسي، ومع بداية الولاية الثانية له ،عندها استعاد زمام المبادرة في العودة إلى احتضان الأصدقاء القدماء التي تخلت روسيا "يلتسين" عنهم، لقد عمد الرئيس السابق " بوتين "من خلال الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدتها صقور الكريملين بالتوسع مجددا نحو العالميين العربي والإسلامي، مبتعدين عن الإيديولوجيات التي كانت تحكم وتضعف العلاقات العامة لان التوجه الجديد الذي تم اعتماده في التعاطي من خلال مصلحة روسيا وشعبها.

 

علاقات جديدة لمفهوم جديد مع الخليج العربي :

العلاقات الاقتصادية والسياسية الروسية مع العديد العربية، لاتزال في طور نموها الأول ، ولكن الملفت للنظر هو زيارة بوتين إلى منطقة الخليج العربي " السعودية – قطر – الأردن" في 25 شباط 2001 والعودة بعد ذلك بعقود اقتصادية ضخمة واتفاقات عسكرية وسياسية وهذه زيارة أولى كانت لرئيس روسي " سوفياتي " إلى هذه الدول الإسلامية العربية وهذا يعني:

- 1 على الصعيد الإسلامي :" فتح طريق في الدول الإسلامية من بوابات أخرى وعدم الاعتماد على احد في بناء جسور الصداقة الاقتصادية والسياسية".

 

روسيا التي تعتبر نفسها صلة الوصل بين الغرب والشرق الإسلامي ،و ضمان اساسي لعدم صراع الحضارات من خلال وجودها على طاولة المفاوضات مع هذه الدول .

 

- 2 على الصعيد العربي:" الدخول إلى منطقة الخليج العربي بالذات، يعني نقلة نوعية في السياسة الروسية لكون المنطقة ،كانت ومازالت ولفترة طويلة تقع ضمن النفوذ الغربي، وتحديدا الأمريكي إبان الحرب الباردة"،فهذا تغير جذري من قبل الدولة الروسية الجديدة التي أصبحت تبني علاقاتها وفقا للمصالحة الاقتصادية وليس الأيديولوجية، وهذا يتوقف على العرب نفسهم في بناء علاقات جديدة تخص المنطقة العربية، ضمن مشروع استقلالي من خلال التحالفات الدولية ضمن النظام الدولي العام .

 

-3 على روسيا ان تكون لاعبا قويا في هذه التركيبة الدولية الجديدة، وهذا ما له من الأثر الكبير، من خلال العرض الروسي على العربية السعودية في بناء مفاعل نووية للإغراض السلمية. ومحولة روسيا الجدية في العمل مع الدول العربية لبناء منظمة جديدة للغاز "أوبك للغاز" لتكون روسيا هي عمادها.

4:على روسيا الدخول إلى المنطقة العربية من خلال البوابة الواسعة للدول العربية وليس من خلال إحدى البوابات وهذا ما عبر عنه الرئيس الروسي للرئيس السوري بشار الأسد في زيارته الأخيرة إلى موسكو في كانون الثاني عام 2007 "سورية صديقة ونسعى إلى أقامت دور جيد معها ونساعدها، بكل القدرات الممكنة من تزويد بالسلاح والعتاد الضرورية لجيشها ودفاعاتها ، لكن سورية مخطئة إذا كانت تحاول أن تجرنا إلى حرب جديدة مع أمريكا ،لذا نرى إن العلاقة مع الدول الأخرى أيضا أساسية ولا نريد أن نكون طرف ضد احد ".

 

-5: إن تجديد العلاقة مع الجزائر والدخول إلى المغرب العربي مجددا ودعمها وتسليحها بسلاح متطور وصواريخ جديدة وبناء عقود اقتصادية هامة ، إثناء زيارة بوتين إليها بالإضافة إلى إعفاء الجزائر من الدين المترتب عليها أيام الاتحاد السوفياتي بمبلغ 7 مليار دولار فور البدء بالدفع في وتسديد فوثير العقود الجديدة .

 

-6: روسيا تسعى دائما إلى العمل مع كل الإطراف للحلول الثابتة للمنطقة، فكانت زيارة بوتين إلى رام الله وتل أبيب معا والزيارة الخاصة إلى مصر لبناء جسور اقتصادية وعسكرية سابقة إلى قلب المنطقة العربية والإفريقية والذهاب أيضا إلى الجزائر.

الموقف الروسي الغامض :

روسيا التي التبس موقفها السياسي في التعاطي مع ثورات الربيع العربي ،مما جعلها تحتضن وتدافع عن الحكام الدكتاتوريين في ليبيا واليمن وسورية جعل مصالحها تتعرض لخطر حقيقي، وهذا الالتباس سيسب لها خروج حقيقي من القارة السابعة، نتيجة فقدانها المصداقية الكاملة مع شعوب هذه المنطقة التي حاولت روسيا التواجد في قلب هذه المنطقة الحيوية ذات البعد الجغرافي والاقتصادي ،لقد خرجت روسيا من ليبيا بسبب موقفها الداعمة لنظام ألقذافي التي دافعت عنه وزودته بالعتاد والسلاح ،لكن غضب المحتج الليبي تحول إلى انتقام شخصي ذهب ضحيته العقيد، وخسرت موسكو الرهان على سياسة العقيد القمعية التي لم تتمنكن من مساعدته من ازمته.

 

المكابرة الروسية مع الثورة العربية ثمنه غالي:

روسيا لم تستفيد من تجربتها السوداء في التعامل مع الملف الليبي ، فإنها لاتزال تصر على أنقاض نظام الأسد بكافة الوسائل، وتشرع حربه الذي يخوضها ضد شعبه وتبرر مجازره اليومية ،فالمشكلة الروسية الدائمة في تعاملها مع الملفات القائمة والازمات الناشئة يجعلها أسيرة الخوف والارتباك والرهانات الخاطئة على حكام قمعين ودكتاتوريين فاشلين، جعلوها تخرج من مناطق حيوية في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفياتي السابق والعراق وليبيا ويوغسلافيا وصربيا ،واليمن سورية واليمن ،فالخوف الذي ترتكبه روسيا مع المنطقة يجعلها في موقع صدام مع شعوب المنطقة العربية التي باتت ترى في موسكو عدو حقيقي يهدد مصيرها ، فالشعوب العربية وتحديدا في سورية أضحت تنظر للساسة الروس بأنهم داعموا الطغاة والدكتاتوريين ومزودينهم بالعتاد والأجهزة والسلاح الذي يفتك بالشعب السوري .لأول مرة تحترق الإعلام الروسية في الساحات العربية،لأول مرة تجفل هذه الشعوب من السلاح الروسي الذي أصبح سبب بقتلها وقتل أولادها،فروسيا التي تغامر في سورية للحفاظ على مصالحها سينتهي الأمر بها للخروج من سورية والدول العربية الأخرى لعقود.

مستقبل روسيا ومصالحها في الوطن العربي في خطر:

روسيا التي اضحت على معرفة جيدة بانها تخرج من المنطقة العربية بسبب اخطاء ارتكبتها نتيجة الاعتماد على انظمة قمعية ودكتاتورية ،تحاول اليوم الدفاع على مواقعها الاخيرة في سورية والجزائر، بقوة السلاح والتهديد بالقوة ليس دفاعا عن هذه الانظمة ،وانما عن مصالحها الخاصة التي تفقدها بين الضحك واللعب ،فالغباء السياسي في روسيا والخوف من هذا الربيع والوقف ضد ثواره والسكوت عن قتل الابرياء، ستدفع موسكو ثمنه غاليا ،اذا لم تتدارك حجم المصيبة الفعلية، الا اذا كانت موسكو تنظر للقارة السابعة بانها خسارة موقع في التاريخ وليس بالجغرافيا. فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بظل عودة الرئيس بوتين الى الكرملين من جديد، وبعد ان انتهت المزاودة الداخلية بالملف السوري، وبظل التعنت والتزمت الروسي في التعامل معه، فهل سينتهج بوتين سياسة جديدة في التعامل مع هذا الملف الذي اضحى مشكلة داخلية روسية خليفيه، وخاصة بعد ان اضحت العلاقة العربية- الروسية في خطر وعودتها الى مربع دون الصفر بل تعدت الخلافات الحكومية لتصل الى عدم ثقة بين الشعوب التي تخرج لتحرق العلم الروسي في الساحات ،فهل تذهب روسيا بعيدا بهذا الملف وتعريض مصالحها كلها في المنطقة لخطر حقيقي وخاصة بعد الفيتو الخليج ضد الفيتو الروسي ،فهل تخسر كل الاسس التي بنتها روسيا في ظل حكم صقور الكرملين من اجل ملف خاسر ونظام فاشل .

*باحث إعلامي وخبير بالشؤون الروسية ودول الكومنولث

dr_izzi2007@homail.com

========================

أبا أيمن! رفيق والشباب والدعوة والدراسة .. رحمك الله وأحسن عزاءنا فيك وأكرم مثواك

بقلم : محمد فاروق البطل

الأخ الحبيب الأستاذ الدكتور أحمد محب الدين أبو صالح تجمعني وإياه ذكريات لا تُنسَى ، قديمة قِدم نشأتنا معاً ، والتي امتدت ستين سنة تقريباً، لم تفصلنا إلا الغربة وذلك حين عاد إلى حلب قبل ست سنوات أو يزيد، بعد أن تقاعد عن التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود.وأنا محروم من العودة إلى حلب منذ عام 1980 بمقتضى قانون العار /49/ الذي يحكم بالإعدام عليَّ وعلى أمثالي.

كان رحمه الله تعالى يحرص على زيارتي في جدة، كلما قدم إليها لأداء العمرة وزيارة نجله الكريم حازم في الرياض، وأستغفر الله العظيم عن تقصيري في حقه لدى زيارته الأخيرة إلى جدة ، واتصاله بي ، ونزوله في فندق قريب مني ، ولكنني بسبب ارتباطاتي الكثيرة في رمضان المبارك، لم أحسن لقاءه، ولا التمتع بالجلوس إليه، والإفادة منه، وتوديعه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

بدأت مسيرتنا في هذه الدنيا بالولادة في عام واحد 1936، وأخذنا الشهادة الابتدائية في عام واحد 1949 ، ودخلنا الثانوية الشرعية سنة أولى متوسط عام 1949وتخرجنا معاً من الثانوية الشرعية عام 1954، وتعرضنا لحادثة تسمم من أكلة جبن عند الفطور ، في جامع التكية السليمانية حيث مقر الثانوية الشرعية في دمشق، وقد كنا نؤدي اختبار الثانوية الشرعية.

وانتسبنا إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق عام 1955 ، وكنا ثاني فوج ينتسب إليها ، وثاني فوج يتخرج منها عام 1959 ، وانتسبنا إلى كلية التربية، فنلنا شهادة الدبلوم العامة في التربية في عام واحد 1960 ، وكانت أختنا السيدة المصون ثريا قصبجي (أم أيمن) حفظها الله معنا في دراسة شهادة الدبلوم تخصص لغة انجليزية ، لكنها كانت خطيبته ، ولم يتزوجا بعد .

دخلت والأخ أبو أيمن أكرم الله مثواه في سلك التدريس في عام واحد /1960/مدرسَين لمادة التربية الإسلامية .

لكنني كنت مدرساً في ثانويات إدلب وكان مدرساً في ثانويات حلب ، وخلال عملنا التدريسي حصلت وإياه على شهادة الحقوق في عامين مختلفين هذه المرة ، ثم افترقنا في مجال التخصص. حيث تابع الأخ أحمد محب الدين دراسة الدبلوم الخاصة في التربية ، وتابع بعدها دراسة الماجستير ، ثم الدكتوراة في التربية قسم المناهج من جامعة عين شمس في القاهرة ، أما أنا فقد حاولت أن أتابع الدراسات العليا في الحقوق في جامعة القاهرة ، لكن كان الأمْن المصري لي بالمرصاد أيام جمال عبد الناصر حيث مُنِعت من دخول مصر، وحيل بيني وبين دراسة الدكتوراة في الحقوق. ومن المؤسف والمؤلم والغريب أن يستمر قرار منعي من دخول مصر حتى عام 2012 لكنني أُبلغت أخيراً في الشهر الثاني من هذا العام وبعد وساطة من الأخ د. صفوت حجازي وغيره إلغاء حظر دخولي إلى مصر . وأرجو أن يكون الأمر حقيقياً وصحيحاً.

جَمَعَنا سجن واحد، وفي غرفة واحدة عام 1967، حين قرر النظام البعثي الطائفي البغيض بشخص حافظ أسد وزير الدفاع السوري آنئذ، أن يعقد صفقة الخيانة مع العدو الإسرائيلي ، يسلمهم مرتفعات الجولان ، في مقابل أن تضمن له إسرائيل رئاسة سورية ، ويجعلوها حقاً له، وإرثاً من بعده لأولاده.

خمسة وثلاثون يوماً مع الأخ أبي أيمن، والشيخ طاهر خير الله ، والأستاذ عمر شوقي زين العابدين، والأستاذ مسدي الناشد وغيرهم... رحم الله تعالى مَن مضى إلى ربه، وحفظ مَن بقي على قيد الحياة

نعم... خمسة وثلاثون يوماً، لا نعرف ليلاً من نهار ، ولم نر فجراً ولا شمساً ، ولم نلق بشراً لا من الأهل ولا من الولد ولا من الأصحاب، سوى الجلاَّد البدوي جاسم في قبو قرب مبنى البريد وقيادة المنطقة الشمالية ، والأغرب من هذا أننا لم نعرف لنا تهمة ، ولم يُوجَّه لنا اتهام ، ولم نُدعَ إلى تحقيق!!

خرجنا من هذا القبو (القبر) صفر الوجوه كأننا أموات ، وسألني أبو هاشم الشيخ طاهر مالك أبا عمار ! أراك أصفر الوجه؟! أجبته: بنفس سؤاله.

نُقلنا مع الإخوة الأبرار وهم، جامعيون مثقفون علماء ومدرسون إلى ثكنة هنانو، ثم إلى سجن حلب المركزي ، ونحن لا نعرف أين المقر؟ ولا متى الفرج؟! ثم جاء التفسير حين دعانا عبد الغني السعداوي محافظ حلب بتاريخ 5/حزيران 1967 إلى مبنى المخابرات القريب من مبنى البريد، والقريب كذلك من الحديقة العامة ، في هذا اليوم المشؤوم أبلغنا هذا المسؤول نبأ سقوط الجولان بعملية تسليم بشعة وخيانة كبيرة ، وتفاصيل هذه الصفقة الخيانية أضحت معروفة مشهورة، كتب فيها كتب وأبحاث، لا حاجة للخوض في تفاصيلها... ثم أبلغنا هذا المسؤول قرار الإفراج عنا، بعد أن اعتذر منا ، ولكنه لم يعطِنا مبرراً واحداً لاعتقالنا، ولا سبباً لذلك ، وهكذا أضحى الأمر مفهوماً جداً ، تشرحه وقائع الأحداث فيما بعد، فكلما أراد الطغاة أن يرتكبوا جريمة ، أو يعقدوا صفقة ، أو يمارسوا خيانة ، كان على الإسلاميين والأحرار والشرفاء أن تُغيِّبهم السجون والمعتقلات حتى لا يُسمَعَ لهم صوت ، ولا تنطلق منهم مظاهرة ، ولا تظهر منهم حركة احتجاج .

يقودني خبر السجن هذا إلى الحديث عن كوني وأبو أيمن كنا في مدرسة دعوية واحدة ، وجماعة إسلامية واحدة ، وكان الأخ أبو أيمن أخاً قيادياً في مرحلة من المراحل أجزل الله مثوبته.

كنت ألجأ إليه مستشيراً في شأن المنهج التربوي للجماعة، خاصة وأنه كان متخصصاً في المناهج ، وأستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود كلية العلوم الاجتماعية ، قسم المناهج .

فعلت هذا مرة في حلب، وقد وضعنا منهجاً تربوياً للأسر، ومرة أخرى في الرياض أستشيره في المنهج التربوي الذي وضعه التنظيم العالمي للجماعة.

افترقت أجسامنا بين جدة والرياض، أو بين جدة وحلب... لكن لم تفترق قلوبنا... كان هو في الرياض يدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود، وكنت أنا في جدة أدرِّس في جامعة الملك عبد العزيز، لكنني كنت إذا نزلت الرياض نزلت ضيفاً عليه في البيت في بعض الأحايين .. وكنت أجد منه حرصاً مخلصاً ودوداً على استضافتي ، وكنت أحس أن ثمة واجب عليَّ أن أزوره كأولوية لي كلما قدمت الرياض.

لم تجمعني والأخ أبو أيمن أحمد محب الدين مقاعد الدراسة فقط، ولا ميادين الدعوة والجماعة فقط، بل كان يجمعني وإياه رحمه الله تعالى إضافة إلى ما تقدم أمران مهمان:

أ : محبة عميقة وصداقة وفية وأخوة ودودة ووحدة حال طويلة.

كان والده النحوي الشافعي الشيخ محمد ناجي أبو صالح أستاذاً لنا في الثانوية الشرعية، وكان يدرِّسنا النحو والصرف ، وأنا إن كنت على قدر من الضبط اللغوي والنحوي ، فالفضل في ذلك بعد الله لشيخنا أبي محمود الشيخ ناجي، وبخاصة في تدريسه لنا مادة التطبيق في النحو والصرف .

كان شيخنا الجليل أبو محمود أستاذا حازماً جاداً ، وكانت فيه رجولة وشجاعة ، وكانت له هيبة وجلال، وتقدير واحترام ، وقلَّ أن يبتسم للطلاب لكن هذا لم يمنعه أن يكون أول مدرب لي على السباحة في حمامات الشيخ عيسى ذات المياه المعدنية .لكنني كنت تلميذاً فاشلاً في هذه الرياضة.

كنت أشعر أنني قريب من الشيخ، أظفر ببسمته ومودته وعطفه ، ولعل علاقتي الودودة بأبنائه الكرام كانت سبباً في ذلك ، فكانت لي علاقة ودودة مع الأخ الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى، والأخ الدكتور عبد القدوس ، والأخ الأستاذ عبد الرحمن حفظهما الله تعالى ، وكان لي تعاون دعوي مع ابنته الداعية ناجية رحمها الله تعالى وكانت ابنته السيدة بهيجة(أم صبحي) طالبتي في المرحلة الثانوية ، وأخيراً نشأت لي علاقة ودودة مع ابنه الأكبر الأستاذ محمود الذي جمعتني وإياه دار الغربة في فرانسا، وفي مدينة ليون ، حين كنت أزور صهره الأخ العزيز د. نذير حكيم (أبو مؤمن) عضو اتحاد المنظمات الإسلامية في فرانسا، وعضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري المعارض . أذكر أن أبا ناجي محمود سألني مرة عن صهره أبي مؤمن قائلاً : هل أعجبك أبو مؤمن ؟ لما خطَّبته ابنتي قام عليَّ إخوتي وأنكروا عليَّ أن أزوجها من بعثي يعني (أبا مؤمن).

وإذن فقد جمعتني والأخ أبو أيمن علاقة أعتز بها هي علاقة أسرية شملت حتى والدته أم محمود رحمها الله ، وقد قمت بعيادتها في مرضها الأخير ، استقبلتني بحفاوة وتكريم باعتباري صديق أولادها .

وذكرياتي مع هذه الأسرة الكريمة كثيرة ، ولكن لا تتسع لها كلمة العزاء هذه.

أما الأمر الثاني (نشأة تعليمية وفكرية ودعوية واحدة):

فقد كانت ظروف نشأتنا وطفولتنا وشبابنا وكهولتنا وشيخوختنا واحدة ، يكفي أن أقول : لقد استمرت زمالتنا على مقاعد الدراسة في فصل دراسي واحد إحدى عشرة سنة ، ومِن ثمَّ فقد كانت ثقافتنا واحدة، ومكوناتنا التربوية والدعوية والاجتماعية واحدة، ومناهجنا التربوية واحدة ، نشأت والأخ أبو أيمن في ثانوية واحدة ، وأسرة إخوانية واحدة، وجامعة واحدة ، وتخصص واحد ، بل وقد كان أساتذتنا الذين أسهموا في تعليمنا وتربيتنا و توجيهنا ، هم أيضاً نفس الشيوخ ونفس الأساتذة .

ففي الثانوية الشرعية كان أساتذتنا عليهم الرحمة والرضوان هم : الشيخ محمد راغب الطباخ مؤرخ حلب ، والشيخ أسعد العبه جي مفتي الشافعية في حلب ، والشيخ محمد الحكيم مفتي الحنفية في حلب ، والشيخ أبو الخير زين العابدين ، والشيخ عبد الوهاب سكر ، والشيخ عبد الله حماد ، والشيخ محمد الملاح ، والشيخ محمد السلقيني ، والمحامي الشيخ عبد القادر كرمان ، والشيخ مراد حيلاني، والشيخ أمين عيروض، والأستاذ نجيب الجبل والدكتور محمد الريحاوي ، والأستاذ زاهد عجنجي .

كذلك كان الأمر بالنسبة لأساتذتنا في كلية الشريعة ، فقد درسنا معاً على يد أعلام الأساتذة الجامعيين الشرعيين أمثال: الدكتور مصطفى السباعي ، والدكتور معروف الدواليبي ، والعلامة الشيخ مصطفى الزرقا ، والأستاذ محمد المبارك ، والعلامة بهجت البيطار ، والعلامة محمد المنتصر الكتاني ، والدكتور فوزي فيض الله ، والدكتور فتحي الدريني، والدكتور يوسف العش ، والدكتور صالح الأشتر وغيرهم رحمهم الله تعالى.

ونفس الأساتذة المختصين درَّسونا سواء في كلية الحقوق ، أو في كلية التربية ولذلك قد لا أبالغ إن قلت: كنت والأخ أبو أيمن رحمه الله تعالى نسختين طبق الأصل، وهذا يذكرني بكلام الشيخ الجليل العلامة محمد نمر الخطيب رحمه الله تعالى وقد كان في طلعته وجماله وعِمته وجُبته وطوله أشبه ما يكون بشيخنا وأستاذنا الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى قال الشيخ نمر:كان أحدهم إذا رآني قال : هذا مصطفى السباعي ، وإذا رأى السباعي قال : هذا الشيخ نمر الخطيب . هذا إضافة إلى ما كان يجمع بين الرجلين من علم ودعوة وقيادة ودراسة مشتركة في الأزهر ، وجهاد في أرض فلسطين المباركة.

كان الأخ أبو أيمن طيب الله ثراه أبيض البشرة ، أشقر الشعر ، مربوع القامة وكذلك إخوته ، والأسرة الكريمة هذه كانت تقيم في حي المشارقة، وهو حي من أحياء حلب القديمة المشهورة يتميز أهله بالشجاعة والجرأة والنخوة ، واللهجة الحلبية الأصيلة، وبعدها انتقلت إقامة هذه الأسرة الكريمة إلى حي السبيل الراقي.

وقد قرأت فيما قرأت أن بعض أسر حي المشارقة وفدوا إلى حلب مهاجرين من البوسنة، ومنهم آل أبو صالح ، ولعل هذا يُفسِّر بياض بشرتهم وشقرة شعرهم ، ويبقى على الأخ د. أبو يمان عبد القدوس أبو صالح حفظه الله تعالى أن يثبت هذه الرواية أو ينفيها.

وأخيراً أقول : كانت مشكلة أبي أيمن كمشكلتي لم نوحِّد الاختصاص العلمي ولم ندخل فيه بعمق ، جمعنا ما بين دراسة الشريعة والحقوق والتربية .

أقول هذا نقداً لي ولمن وقع في خطئي ، كنت أتمنى أن أركز على اختصاص واحد لأنتج فيه ، وأؤلف فيه ، وأسهم في تطويره ، كما كنت أتمنى لأخي أبي أيمن الذي فرحت له حين اتجه إلى التخصص في علم التربية، وحصل فيه على درجة الدكتوراة، ثم درَّسه سنوات طوالاً ، هذا العلم الهام هو واحد من العلوم التي أُهمِلت كعلم الاجتماع وعلم السياسة ، وعلم الاقتصاد، وغيرها من العلوم الإنسانية التي من شأنها أن تبني الإنسان والمجتمع والدولة، وسبب إهمال هذه العلوم في نظر الكثيرين أنها لا تطعم خبزاً ، ولا تحقق وفراً ، ولا تنتج مالاً ، على العكس من دراسة الطب والهندسة ، وغيرها من علوم الخدمات ، ولذلك أقبل عليها الطلاب الأذكياء النابهين المتفوقين ، وكانت تلك أمنية آبائهم وأمهاتهم!!.

وإذن فلا عجب حين أفرح لاتجاه أخينا أبي أيمن للتخصص في هذا العلم.

لكن كنت أتمنى أن يعمق اختصاصه فيه ليخدمه أكثر، وليؤلف فيه، ويؤسفني أن أقول أنني لم أطلع على كتاب له في هذا الفن سوى مذكرات وكرَّاسات قررها على طلابه ، وكتاب له صغير أهداني إياه ، أتمنى على نجليه الكريمين أيمن وحازم أن يعملا على طباعة آثار والدهما رحمه الله تعالى .

وأقول أيضاً : من عرف الفترة الطويلة التي قضاها الأخ أبو أيمن في المرض يعذره إن كان قد قصر في إنتاجه العلمي.

اللهم ارحم أخانا أبا أيمن، وأجزل مثوبته ، وتقبله في عبادك الصالحين ، واجعل قبره روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.

19/5/1433الموافق11/4/2012

محمد فاروق البطل

خادم رابطة العلماء السوريين

الأمين العام

========================

وخزة ضمير (4) : نجوم تخلت عن مهمتها فسقطت في حضيض التشوهات

فراس حج محمد

كل إنسان بموقعه هو نجم موقعه إذا قام بمهام ذلك الموقع، وأعطاه كل ما يستحق من عناية واهتمام وإتقان وحكم ضميره وعقله، فالنجومية الحقيقية هو أن تؤدي الأمانة على وجهها، وليست النجومية أن تكون في أعلى السلم الوظيفي.

فالعامل والأب والأم والمدرس والطبيب والمسئول والحاكم هم نجوم هذا الواقع إن أحسنوا تأدية ما عليهم من مهام، فلا تظنوا أن العامل المغلوب على أمره، والذي يتشرب صقيع الشتاء، وتلفحه حرارة الصيف اللاهية لا يستحق أن يكون نجما وهجا في عالم الناس، إذا ما أخلص في العمل واتقى الله في نفسه وفي رب العمل، وشعر بمراقبة الله قبل مراقبة المسؤول إنه نجم في موقعه، ولكنه إن تخلى عن دوره فقد نجوميته وتردى في الحضيض، وليس لطبيعة عمله أي دور في هذا الحكم.

أليس الأب نجما في أسرته، إذا ما عمل على تربية أبنائه التربية الحسنة، وأحسن إلى أولاده قبل أن يولدوا بأن اختار لهم أما لا يعابون بها، لتكون هي الأخرى نجمة ساكبة كل أنوار البهاء والمحبة، تضحي وبكل ما أعطيت من ملكات وإمكانيات في سبيل سعادة أسرتها، لتساهم في بناء مجتمع بلبنات صالحة، ليتابعوا مسيرة الحياة، ولتساعد في زرع نجوم مضيئة في محطات كثيرة!!

فمن أين يأتي الطبيب والمدرس، بل من أين يأتي الحاكم؟ أليس هناك أم وأب سهروا عليهم وهم صغار وأرضعوهم حليب القيم ووجهوهم ليكونوا نجوما متلألئة في دروب هذه الحياة المدلهمة، فلولا هؤلاء وكل في موقعه لانعدمت إشارات المرور، ولسلكت البشرية دروبا في المهالك بصعوبات لا تعد ولا تحصى، فتخيلوا أن الطيب فقد إحساسه بأنه مسؤول عن حياة المرضى، وبأن المعلم أهمل واجبه في صقل شخصيات الطلبة، وبأن الحاكم أسرف وتجاوز الحد، فماذا سيكون شكل الحياة لا بد أنها ستغرق في ظلام من الوحشية والعدمية، فنجومها التي ينبغي أن تضيئها سقطت في حضيض التشوهات.

ولنخصص الحديث أكثر عن الحاكم، هذا الحاكم المعتبر نجما ساطعا في سماء بلاده، فلا أحد أشهر منه، فالكل يعرفه، ويتمنى رضاه، فهل تظنون أن هذا الحاكم إذا تخلى عن مهماته وواجباته تجاه شعبه، هل سيستحق نجوميته تلك، فلا أشهر من إبليس، فهل تعدون إبليس نجما؟! ولم يسم النجم نجما إلا لأنه نجَم: أي ارتفع وظهر، وذلك بالمعنى الإيجابي وليس بالمعنى السلبي، فهل حكامنا نجوم، وأين إنجازاتهم؟ وأين حرصهم علينا؟ فهل كانوا مثل الفاروق يوما، يخشون من سؤال الله لهم عن عثراتنا في طرق شتى، فهل سيسألون عن عثرة بغلة في أرض العراق أو الشام؟!!

فلا شيء إذن يصنع النجومية سوى أن تكون نافعا في حياتك مفيدا في وجودك، وقد صدق الرسول الكريم عندما قال: "الخلق كلهم عيال الله أحبهم إليه أنفعهم لعباده"، فقد وصف الحبيب محمد أصحابه بأنهم نجوم، فقال عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".

فلنكن إذن نجوما ساطعة يزداد ألقها مع كل عمل نافع نقدمه لغيرنا، فلا شك بأن الحياة بعدها ستضيء وتحلو، ولا يتمنى بعدها أحد لنفسه الموت أو أن يرى الحياة بمنظار أسود

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ