ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 24/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

المجتمع السوري بين الثورة وحكم العصابة..!!

د. صابر جيدوري*

يتبادر إلى ذهني كثيراً سؤال مفاده: هل تستطيع عصابة مجرمة أن تبني مجتمعاً..؟ قد يبدو السؤال غبياً بعض الشيء، إلا أن طرحه بهذه الصيغة عندما نكون بصدد الحديث عن المجتمع السوري في هذه اللحظة التاريخية المريرة التي نعيشها أمراً ضرورياً وملحاً، من أجل أن يعرف الجميع أي مجتمع يسعى نظام الأسد إلى بنائه في سوريا، وأي مجتمع تسعى الثورة إلى تحقيقه وتأصيله. فالمستقرئ لما يجري في المجتمع السوري الآن يجد أن عصابة من اللصوص تسعى بغباء إلى بناء مجتمع محاصر ومغلق من كل الجهات، فمع أن أفراد العصابة متعاونون مع بعضهم متحدون في أهدافهم وغاياتهم، إلا أنهم غير متعاونين على الصعيد الداخلي مع الكتل الاجتماعية الأخرى، بل يُمارسون كل أنواع الجرائم الموصوفة على الآخر المختلف عنهم في الرأي وفي جوانب أخرى.. أما على الصعيد الخارجي فحدث ولا حرج.. فقد شطب رأس الدبلوماسية السورية الاتحاد الأوربي عن الخريطة.. وكذلك الدول العربية والأفريقية والأسيوية أيضاً.. ولم يبقى لهم على حد تعبير الأستاذة ديانا الجابري غير القائد العظيم المنتخب شعبياً.. ابن القائد المنتخب شعبياً.. حفيد القائد المنتخب شعبياً في دولة كوريا العظمى..!! والرفيق العظيم المنتخب شعبياً.. شقيق الرفيق المنتخب شعبياً في دولة كوبا الكبرى..!! بالإضافة إلى جمهورية العمائم وصكوك الغفران ومفاتيح الجنة..!! ودولة روسيا البيضاء وروسيا الحمراء وما بينهما من مافيات..!! ولن أنسى مملكة الخالد المنعم موغابي..!! هكذا أصبح المجتمع السوري في ظل حكم العصابة منفصل عن الداخل والخارج.. وحتى أوضح الفرق بين مجتمع العصابة والمجتمع الذي تسعى إليه الثورة لا بد من التمييز بين المجتمع المغلق الذي تعمل على تأصيله العصابة الحاكمة في سوريا، والمجتمع المفتوح الذي يناضل من أجله أحرار وحرائر سوريا.

 من المعروف أن المجتمع المغلق هو المجتمع الذي يغلق نوافذه وأبوابه في وجه الآخر لكي يعيش في عزلة عن العالم، ويحتفظ بأوضاعه وما ورثه من أساليب الحياة المادية والمعنوية، ومن خصائصه أنه نظام ديكتاتوري، وإن شئت القول عزيزي القارئ، نظام حكم الفرد الذي لا يضمن لجميع أفراد الشعب المشاركة في اختيار الهدف أي هدف، كما أنه لا يضمن مبدأ المشاركة في تنفيذ الهدف أيضاً أي هدف، ولا المشاركة في محصول ما ينتجه السعي وراء الهدف.. فالهدف يقرره المستبد.. الحاكم الفرد.. والأكثرية مكلفة بتنفيذ الهدف عن رغبة أو رهبة، وفي الأغلب الأعم تكون الحالة الثانية هي السائدة، حالة الرهبة والخوف من المستبد، وهنا تكمن العبودية بعينها.. فالعبد حسب افلاطون هو الشخص الذي يُساق إلى تنفيذ مقاصد غيره من دون أن يُساهم في صنع هذه المقاصد أو الأهداف.. من جهة أخرى يُحاول الديكتاتور بعد أن يضع الهدف اقناع الناس بصلاحية هذا الهدف، ويدفعهم دفعاً إلى تبنيه والتطبيل له.. غير أن المشكلة هي أن الهدف الذي وضعه الديكتاتور وساهم الكثيرون في تنفيذه، لا يحصد نتائجه أو محصوله إلا المقربين من الديكتاتور.. وهذا يعني أنه في ظل حكم الفرد والعصابة التي تؤيده يتأصل الاضطهاد والقهر والاستبداد.. ويُرافق ذلك كبت للحريات واستلاب للحقوق وانتهاك للأعراض كما هو الحال الآن في سوريا.

 ولكن في المقابل فإن الثورة السورية المباركة تعمل في اتجاه مغاير.. تعمل من أجل تحويل المجتمع من مجتمع مغلق تُسيطر عليه مجموعة من اللصوص.. إلى مجتمع يفتح أبوابه على مصراعيها للتفاعل والتعاون مع المجتمعات كافة.. مجتمع فيه تسامح ورحابة فكر وقبول للآخر المختلف في الرأي والعقيدة والمذهب.. مجتمع الثورة مجتمع يحترم كل فرد فيه.. ويعترف بحقه.. ويُحمله قسطاً من المسؤولية.. إنه مجتمع فيه إنسانية قبل كل شيء.. وهذه الإنسانية تضمن الحرية والعدالة والأخاء بين أفراده.. هي إنسانية تحترم النظام وتعتبره وسيلة لبلوغ الهدف العام.. النظام المنبعث عن قناعة الأفراد بأهميته، وليس نظام الطاغية المفروض على العباد والبلاد من فوق... مجتمع الثورة مجتمع يتسم بالانسجام والتعاون بين أعضائه.. مجتمع يضمن حيوية كل كتلة من كتله.. كما يضمن التعاون والتفاعل الإيجابي بين الكتل في الوقت ذاته.. نعم هذا هو المجتمع الذي نسعى إلى تحقيقه.. وذاك هو مجتمع العصابة الذي اغتصب الفتيات وانتهك الحقوق واستلب الحريات.. وقتل الأطفال والنساء والشيوخ.. وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها.. فأي مجتمع تريدون أيها السوريون..؟

*عضو رابطة الكتّاب السوريين

=========================

ومضى عام على ثورة الشعب السوري! هل نقوم بجديد ومختلف في أسلوب الثورة للإسراع في النصر

المهندس سعد الله جبري

بعد مرور اثني عشر شهرا كاملة من عمر ثورة الشعب العربي السوري، لنراجع أمور وتساؤلات الثورة:

1. هل حققت الثورة الشعبية انتصارا كافيا لتحقيق هدفها الأساسي وهو إسقاط النظام؟

2. هل قصّر العرب، والقوى الدولية في دعمهم لثورة الشعب السوري، رغم أعلانهم جميعا تأييدها؟

3. ما هو الأسلوب الفعال حقيقة لتحقيق النصر السريع، ولم تُمارسه وتعمل له حتى الآن جماهير الشعب ولا الجيش الحر، متعففين عنه؟

 

أولا: أقول – ما هو معروفٌ للجميع - أن ثورة الشعب العربي السوري قد حققت الكثير على المستويات الوطنية والعربية والدولية، ولكنها للأسف لم تحقق بعدُ النصر النهائي المرغوب من أكثرية الشعب السوري الساحقة، ألا وهو إسقاط النظام ورئيسه والعصابة الحاكمة، وذلك رغم أنها قدمت أكثر من عشرة آلاف شهيد حتى الآن، إضافة لما يزيد عن سبعين ألف جريح، ومثلهم من المعتقلين، الخاضعين لأشد العذاب المُفضي إلى الموت!!

 

هل قصّر الشعب السوري؟ أبدا، بل إن استمرار الثورة لسنة كاملة رغم التفاوت الهائل بين قوى وتسليح الشعب، ونوعية أسلحة القوة بيد السلطة، التي تحكم جميع قوى الأمن والجيش بكامل تسليحهم من دبابات ومدرعات وطائرات وصواريخ، اشتراها الشعب بماله طيلة خمسين سنة وذلك بغرض الدفاع عنه ضد العدوان الخارجي وخاصة الإسرائيلي، ولتحرير الجولان وما وراءه من أراضي سورية، باعها بيعا، وسلّمها تسليما نظام حافظ وبشار الأسد بخيانة معروفة محليا وعربيا ودوليا! إلا أن بشار الأسد زاد في خيانة وطنه باستعماله أسلحة الشعب وتوجيهها جميعا ضد الشعب السوري الذي اشتراها بماله، "وليس بأموال عائلة الأسد قطعا"! في حين أنه لم يُطلق طلقة واحدة على العدو الإسرائيلي لتحرير الجزء المُحتل من سورية، وهو الجولان، ولا لتحرير فلسطين التي هي أيضا جزء من دولة بلاد الشام التي أقطعها وعد بلفور إلى اليهود لإنشاء دولة إسرائيل عليها! ومن المعلوم أن لا سلطة سورية اعترفت بإسرائيل، ولا بمشروعية وعد بلفور إلا بشار الأسد وذلك في إعلان قبوله بالإعتراف والتطبيع مع إسرائيل والتعامل معها كأي "دولة" أخرى، والذي كان في منتصف عام 2008 !!

 

ثانيا: 1. لم يُقصّر الشعب السوري قطعاً، فلقد بذل أهالي حمص ودرعا وحماة، ودير الزور والقامشلي، وحلب ودمشق أخيراً، ومدن أخرى كثيرة جهودا، مُشرّفة وتضحيات كبيرة جدا لإنجاح ثورة الشعب، وإنقاذ سورية من براثن حكم عصابة خائنة عدوة لسورية وشعبها!

 

2. لم تقصّر الدول العربية شعوبا وحكومات، وخاصة السعودية وقطر وتونس وليبيا وفلسطين والمغرب في دعم ثورة الشعب السوري، وإن كان دعمها لا زال في حدود الدعم السياسي دون العسكري – حتى الآن- وهو الذي مهما كانت قيمته عالية، إلاّ أنه في التعامل مع النظام الأسدي بالذات ونوعية سياساته وأخلاقياته، لم، ولن يُشكل الدعم الكافي بقوّة فاعلة وجدية لإنجاح ثورة شعبٍ تجابهه السلطة القائمة عليه بالدبابات والمدفعية والصواريخ والطائرات، بل وبالإستهتار الكامل لواقع أن السلطة سخرت جيش الوطن والشعب لقتال الشعب بدل قتال العدو! ولعل هذا أعظم خيانة تُدين بشار الأسد وعصابته المتسلطة على حكم سورية!

4. أما الجهات الدولية فقد تباينت درجة دعمها للثورة السورية، ويمكن تلخيص نوعية الدعم الدولي بالتالي:

a. دعم سياسي محض، وهو ما قامت به أغلب حكومات العالم بما فيها الحكومات الأوربية التي اتخذت موقفا مختلفا في دعمها لثورة الشعب الليبي!

b. دعم سياسي أمريكي لفظي فاشل ومعيب وانتهازي متردد بدعم ثورة الشعب السوري، والإكتفاء بأقوال تافهة، ومثاله قول الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته كلينتون:" على بشار الأسد أن يتنحى !!" مكررين هذا القول عديدا من المرّات ومكتفين به بشكل تهريجي مُضحك! ظانّين بذكاء فاضح أنهما أتمّا فريضة دعم ثورة شعب يُذبح يوميا طيلة سنة كاملة، بينما مستوى الدعم الأمريكي يقصر ويتراجع عن التزام أدنى المبادئ والأهداف التي تدعيها وتتاجر بها حكومة الولايات المتحدة، وخاصة الأوبامية الحالية التي صرعت العرب والعالم بها، فلم نرى منها إلاّ إنبطاحا كاملا لإسرائيل في مؤتمر الإيباك اليهودي، وخرسٌ بشع عن أي دعم جدي فاعل لثورة الشعب السوري. ولعل هذا مُكمّل لذاك، فما بشار الأسد – وأبيه من قبله – إلاّ عميلان مُؤكدان لإسرائيل بالذات، والبراهين على ذلك أكثر من أن تُعدّ وتُحصى، وهكذا اختارت حكومة الولايات المتحدة الأوبامية دعم ثورة الشعب السوري ببضع تصريحات تافهة، بينما دعمت الأسد عميل إسرائيل – عملياً - بامتناعها عن أي فعل – ولو سياسي – مُؤثر على النظام الأسدي القاتل لشعبه!

c. عداء مكشوف من الصين، وروسيا خاصة، ولدرجة أن الشعب العربي السوري بل وجميع شعوب العرب لتعتبر الآن أن روسيا قد انتقلت من فئة الدول الصديقة للعرب، إلى دول عدوّة معادية مثلها مثل إسرائيل فعلا! وهذا ما سيترك بصمات كثيرة على العلاقات المستقبلية بين سورية خاصة والعرب عامة، بعد نجاح الثورة غصبا عن بوتين وحكومته، وبين دولة روسيا التي قامرت فعلا على الجواد الخاسر بقصر نظر بيّن وغير بريء إطلاقا من حيث ارتباطاته بإسرائيل واليهود الروس!

 

ثالثا: ما هو الأسلوب الفعال حقيقة لتحقيق النصر، والذي لم يُمارس ويُعمل به حتى الآن ؟

 

بداية، علينا أن لا نيأس، نتيجة لتقصيرات وظروف شعبية سورية ثانوية هنا وهنالك، وقصور الدعم العربي والدولي لنصر الثورة لإسقاط نظام الأسد كلية - كما حصلت عليه الثورة الليبية لإسقاط القذافي - ولكن لا زال هناك الكثير مما لم يستخدمه الشعب العربي السوري في ثورته لتحقيق النصر على دولة الفساد والخيانة والتقتيل الأسدية! وهذا الباقي هو فعلا وأكيدا ما سيحقق النصر الأكيد بإذن الله، ويسحق قيادة النظام وسقوطها، وسريعا!

 

قبل أن أتكلم عن الأسلوب، سأتذاكر شيئا تاريخيا هاما، وهو أن جميع السلطات البشرية عبر التاريخ كانت تٌعاقب المجرم القاتل أو الخائن بقطع الرأس! لماذا الرأس بالذات؟ لأن الرأس هو مركز التفكير والتقرير الذي قد يقود صاحبه إلى الخيانة والفساد والإجرام! أو إلى عكسه!

وما هو رأس النظام الواجب قطعه لإسقاطه ونجاح ثورة الشعب؟

هو السلطة برئيسها وحكومتها وقيادات أمنها ورموزها، فهؤلاء هم رأس كلّ دولة، وهم بالذات رأس نظام الفساد والتخريب والخيانة في سورية!

والحل التاريخي الأكيد المتوارث منذ آلاف السنين، وطبقته بنجاح جميع الثورات العالمية، والثورة الفرنسية خاصة وغيرها، هو قطع رأس رئيس أو ملك النظام، ومن ثم أعوانه وتابعيه!

 

كيف نقطع رأس النظام؟ هو على محورين:

1. قيام الجيش الحر بالعديد من مهام يومية لبعض عناصره للقيام باغتيال مسؤول مُعيّن بذاته من مسؤولي السلطة السورية الحالية، من أعلاها في القصر الجمهوري إلى أدناها من وزراء وأذناب النظام وشركائه! وذلك بعد إجراء الرقابة اللازمة تمهيدا لاصطياده شخصيا بإطلاق النار! ولا يجوز الإغتيال بالتفجيرات في الشوارع والساحات لاحتمال إصابتها لمواطنين أبرياء، وهو ما لا ترضاه الثورة، ولا المسؤولية الأخلاقية، فضلا عن ما سيتسبب بنتائج عكسية في رضا الجماهير على الثورة وأسلوب التفجير!

 

2. أيضا قيام كل مواطن مؤمن شريف قادر يدعم الثورة ويتطوّع بجهده لإنقاذ واستقلال وطنه وشعبه من الإحتلال الإسرائيلي الذي تُمثله سلطة بشار الأسد بتخريبها وخيانتها وسرقتها لأموال الشعب والخزينة، والتسبب بجميع المآسي التي يُعانيها الشعب السوري من بطالة فظيعة، وفقر وغلاء متزايدين، وإهانات واعتقالات أمنية ضد عشرات ألوف الأبرياء، والتي غالبا ما تنتهي بالقتل أو التعذيب! وذلك بالقيام بذات المهمة المذكورة لأفراد الجيش الحر، وهي عمليات اغتيال ذكية مدروسة!

 

أقول أن سلسلة إغتيالات متواصلة يوميا من النمط المذكور في دمشق العاصمة خاصة، وفي باقي المدن والمحافظات أيضا، لتدكّ معنويات رموز النظام دكّاً، وتضطر كلاّ منهم إلى مباشرة التفكير بشكل متزايد – كلما حدث اغتيال جديد – للتفكير بالهرب من البلاد كليّة، وإلى حيث أودعوا ما نهبوه من أموال الخزينة والشعب، في البنوك الأجنبية، "ليعيشوا "وعائلاتهم بقية حياتهم آمنين من الإغتيال، وهذا هو تفكير الفاسد اللص الخائن، الذي لا يهمه لا وطن ولا شعب، ولا قضية ولا مبدأ، ولكن تهمه حياته، والتنعم بما نهبه حصرا، ودون أي شيء آخر!

 

لنقل بعد شهور قصيرة، وبعد أن تكون قيادة النظام قد أُنهكت، وتزايد عدد الهاربين منها، فليكن أسلوب العصيان المدني الشامل خاتمة الإجراءات، مع استمرار عمليات الإغتيال بالطبع، وذلك لتوجيه الضربة القاضية النهائية لإسقاط النظام ومن ثم اعتقال من يبقى منهم وتقديمهم لمحاكم الشعب لينالوا جزاء خياناتهم الوطن والشعب!

 

بقيت نقطة أخيرة، وهي كراهية الشعب السوري لمبدأ القتل والإغتيال، وهو في ذلك على حق ومثالية أخلاقية صحيحة ومحمودة، ولكن الجواب على ذلك هو في النقاط التالية:

 

1. أليس النظام يستخدم أسلوب القتل الظالم ضد المواطنين الأبرياء، وحتى تجاوز قتلاه عشرة آلاف مواطن بريء حتى الآن؟ إذن، أوَ ليس من العدل الشرعي والدستوري والقانوني مقابلة القتل بالقتل، لتتوازن المعادلة، وتحقق أغراضها الخيّرة لصالح الشعب والوطن؟ بدل تحقيقها لصالح النظام الفاسد وضد مصلحة الشعب والوطن؟ وهل من الحقّ والعدل أن تذهب أرواح شهداء الشعب هدرا، دون محاسبة وانتقام، والله تعالى يفرض فرضاً: {النفس بالنفس}. وهو ما تنص عليه جميع قوانين العقوبات في العالم

2. وهل الشعب يعيش في ثورته الحالية إلاّ حربٌ حقيقية، وفي الحرب يتبادل الطرفان المتحاربان القتل، وحتى انتصار أحدهما! وهذه سنة الكون والبشرية منذ خلق الله تعالى آدم إلى يومنا هذا، فهل نرضى بقيام السلطة بتقتيلنا في حربها علينا، ونحن نمتنع – كالخراف - عن ذات الفعل بحق رموزها وقياداتها؟

3. وهل كان – أساساً- من حقّ السلطة دستوريا وقانونيا أن تقتل ولو مواطن واحد، إلاّ عن طرق حكم قضائي عادل لجريمة محددة ارتكبها خلافا للقانون؟؟ لا بالتأكيد، ولكن السلطة قتلت آلاف المواطنين دون أيّ جريمة ارتكبها أحدهم، ودون حكم قضائي يُدينهم، بل لمجرد تظاهرهم السلمي المشروع في ذات الدستور السوري! وبالتالي فقد ارتكبت السلطة جرائم قتل بالآلاف مخالفة الدستور والقانون والأعراف، إضافة للشرائع السماوية جميعا! فهل جرائم السلطة الحقيقية معفاة من العقوبة، والمعاملة بالمثل؟

 

4. ألسنا نريد إنهاء الثورة وإيصالها لتحقيق أغراضها بأسرع ما يُمكن، والعودة إلى الحياة الطبيعية البنّاءة المثمرة والعادلة التي حرم النظامُ الفاسد الشعبَ منها عقودا طويلة؟ فهذا هو الدواء – وكل إنسان يكره الدواء – الذي سيُنهي النظام الفاسد، ويحقق انتصار الشعب وثورته وقضيته، وبالتالي تحقيق أهدافه المشروعة التي حرمه النظام الفاسد والظالم منها جميعا عقودا طويلة!

 

إن السلطة الأسدية بجميع أفرادها، لم، ولا تحكم سورية لخدمة الشعب والوطن، ولا لخدمة مبدأ أو عقيدة سياسية ( البعث مثلا)، أو لتحرير البلاد، وإنما لممارسة الفساد ونهب خزينة الدولة وذلك بعقود الفساد المشهورة طيلة العهد، وفي نفس الوقت نهب أموال الشعب الخاصة عن طريق عمليات تخفيض سعر العملة تكرارا ومرارا حتى نهبوا ثلثا ثروات كلِّ مواطن أو راتبه، وابقوا له – حتى الآن الثلث فقط ! وهو ما حدث فعلا طيلة العهد الحالي، وقام جميعهم بتهريب ما نهبوه من آلاف المليارات للخارج وإيداعه البنوك الأجنبية، فتسببوا بإيقاف التنمية نهائيا، وفاقموا البطالة إلى أعلى نسبها تاريخيا، وخلقوا الفقر والغلاء والحرمان لأكثرية الشعب!

 

وهذه النوعية من البشر اللصوص تخاف الموت، وتعمل على الهروب منه، وخاصة منهم من نهبوا المليارات التي تنتظرهم في الخارج، ومن هذا المنطلق فكلّ منهم جميعا، يأمل بالهروب ومغادرة البلاد عندما يتأكد أن سيف الإغتيال سيرديه قتيلا ، وذلك للنجاة بروحه وعائلته وللتمتع لما نهب من ثروات الخزينة والشعب، فإذا ما حصل ذلك، فقد انهار النظام الأسدي الفاسد، بهروب تدريجي لرموزه يتزايد يوميا، حتى يجد الأسد الجبان المُختلّ عقلياً أنه بقي وحيدا مع بضع قليل من أعوانه، فيطبق عليهم الشعب سوقا إلى محاكمات عادلة بجرائم الخيانة العظمى وتقتيل الشعب خلافا للقانون! هذا إذا لم يكن الأسد أول الهاربين من البلاد!

==========================

خواطر شاهد عيان - الخاطرة الثامنة

د. محمد أحمد الزعبي

تتعلق هذه الخاطرة بالفترة الزمنية من 8 آذار1963( استيلاء حزب البعث على السلطة في سورية) وحتى 16 نوفمبر 1970 ( استيلاء حافظ الأسد على كل من السلطة والحزب والجيش في سورية ) .

مدخل - خلفيات الصراع الحزبي والسياسي في سورية مابين 1963 و1970 ( أنظر أيضاً الخاطرة الرابعة في مركز الشرق العربي تاريخ 14.09.2011 )

عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء ، وبالذات إلى الفترة التاريخية التي ابتدأت بالانقلاب الإنفصالي على الجمهورية العربية المتحدة والرئيس جمال عبد الناصر عام 1961 ، وهو الإنقلاب الذي ترتب عليه " ثورة " الثامن من آذار 1963 ، التي ترتبت عليها أحداث 18 تموز 1963 وتصفية مئات الضباط الناصريين ، الذين كانوا في غالبيتهم من المسلمين السنّة ، الأمر الذي أدّى إلى استفراد الضباط البعثيين ممثلين بـما عرف بـ " اللجنة العسكرية " بالحكم ، واستجرار حزب البعث إلى الحكم كواجهة سياسية مدنية لهذه اللجنة ...عندما أعود بذاكرتي إلى تلك الفترة الزمنية ، أجدني أمام إشكالية وطنية وحزبية معقدة ، تجسدت ، بصراع أيديولوجي مزدوج ، من جهة داخل الحزب نفسه ، ومن جهة أخرى بين الحزب والرأي الآخر المعارض ، والذي كان يتمثل حينها بـ : التيار الناصري ، والتيار الإسلامي ، والبرجوازية الوطنية السورية . وقد كان كل من هذين الطرفين ( البعث ومعارضيه ) يتغذى على الأخطاء النظرية والعملية التي كان يرتكبها الطرف الآخر .

لقد ترتبت على انفراد حزب البعث بالسلطة في تلك المرحلة ، والتي كنا أحد شهودها ، جملة من النتائج الاجتماعية والسياسية السلبية أبرزها :

- بروز وتضخم الظواهر الاجتماعية " المعتلّة " ( حسب تعبير إميل دوركهايم ) ، سواء داخل حزب البعث نفسه ، أو داخل المجتمع ككل ( القبلية ، العشائرية ، الطائفية ، الجهوية ، القطرية ) ، وذلك على حساب الطابع القومي - الوحدوي - التقدمي الذي كان يطبع كلاًّ من الأحزاب السياسية والمجتمع في تلك الفترة .

- اللجوء إلى الانقلابات العسكرية ( البلاغ رقم 1 ) التي سبق أن افتتحها حسني الزعيم عام 1949 ، وإلى التصفيات الجسدية ، سواء داخل الحزب نفسه ، أو على مستوى الدولة والمجتمع ، في إطار هذه الإنقلابات .

- التخلي التدريجي عن مبادئ وشعارات حزب البعث التقليدية ( الوحدة ، الحرية ، الاشتراكية ) ،والذي ترتب عليه تطبيقياً ، تخلي الحزب عن شعار الحرية ، وبالتالي عن الممارسة الديموقراطية ، الأمر الذي أوصل سورية عام 2000 إلى مستنقع " التوريث " ، وحولها من نظام جمهوري ، إلى نظام ملكي يحمل زوراً اسم " الجمهورية العربية السورية " !! .

- التخلي الفعلي عن القضية الفلسطينية ، وتبني حافظ الأسد رسميّاً " السلام مع إسرائيل " ( التي كانت وما زالت تحتل فلسطين وهضبة الجولان ) " كخيار استراتيجي " ، أي عملياً ، طي صفحة مقولة جمال عبد الناصر " ما أخذ بالقوة لايسترد إلاّ بالقوة " ، ولعل هذا هو ماأعجب " حماة الديار !! " ( الجيش العقائدي !! ) وجعلهم يدمرون شعبهم وبلدهم ، هذه الأيام ، لصالح بقاء بشار الأسد على  كرسي الحكم رغم أنف الشعب ، طالما أنه أعفاهم من الحروب الخارجية ، وقصر مهمتهم العسكرية على حماية الرئيس وأسرته الحاكمة فقط لاغير .

 

وسنوضح فيما يلي المراحل التي أوصلت بلدنا الحبيب سورية ، وجيشنا الوطني ، إلى هذا الدرك المؤلم والمؤسف ، الذي هما عليه هذه الأيام :

1. لقد جاءت ( ثورة ) الثامن من آذار 1963 في سورية ، بعد شهرواحد فقط من قيام (ثورة ) الثامن من شباط / فبراير 1963 في العراق ، الأمر الذي أعطى شحنة ثورية كبيرة لأعضاء حزب البعث ، الذي ( الحزب )كان يقف عملياً وراء هاتين الثورتين ، جعلتهم من جهة يشعرون بصوابية وصحة أفكار وشعارات الحزب بصورة عامة ، وشعار " الوحدة " بصورة خاصة ، ومن جهة أخرى ، حولتهم هذه " الثورة " إلى " انفصاليين من طراز جديد !! " ، وذلك بإغماض أعينهم عن السبب الحقيقي الذي كان يقف وراء نجاح هاتين " الثورتين " في العراق وسورية ، ألا وهو القضاء على مؤامرة فصل الإقليم الشمالي ( سورية) عن الإقليم الجنوبي ( مصر) من الجمهورية العربية المتحدة (مؤامرة الانفصال في 28.9.1961 ).

 2. ولقد ترتب أيضاً على تراجع حزب البعث في سورية ، بجناحيه ، المدني والعسكري ، عن الوحدة بين سورية ومصر( ج .ع . م ) ، ووقوعه في فخ " الانفصال " ، عدة نتائج متباينة القيمة والأهمية طبعت تاريخه اللاحق ، وأوصلت بالتالي سورية ( سنقصر خاطرتنا هذه على الحالة السورية ) إلى هذا الوضع المأساوي الذي هي عليه اليوم (2012 ) . أبرزهذه النتائج :

 أ. انقسام حزب البعث إلى أربعة أجنحة متناقضة ومتصارعة هي :

- الجناح الناصري الذي ظل متمسكاً بضرورة العودة إلى الوحدة ( ج ع م ) ،وكان من أبرز قادته ، الدكتور جمال أتاسي ، و عبد الكريم زهور ، وفايز اسماعيل ، والذي ( الجناح الناصري ) تشرذم بدوره لاحقاً ، ولا سيما ، بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 ، وتشكيله ماسمي بـ " الجبهة الوطنية التقدمية "

- الجناح العفلقي ، الذي ظل ينادي من جهة بالعودة إلى الوحدة ( ج ع م ) ، ومن جهة أخرى كان حريصاً على بقاء سورية تحت حكم الحزب الواحد ( حزب البعث ) ، الذي كان الأستاذ ميشيل عفلق أمينه العام ، وقائده المؤسس ، وهوما يعني - تطبيقياً - الحرص على بقاء واستمرار الانفصال . علماً أن الطابع الغالب على هذا الجناح كان الطابع المدني المطعًم ببعض العسكريين ،

- الجناح العسكري ( المطعّم ببعض المدنيين ) ، الذي تجسّد بما سمي بـ " اللجنة العسكرية " والتي كانت تنطوي على انقسامات طائفية وجهوية عميقة ، ظاهرها الإلتزام بقيادة الحزب القومية ( ميشيل عفلق / منيف الرزاز/ ) ، وباطنها تهيئة الظروف السياسية والحزبية المناسبة ، للانقضاض عليها والتخلص منها ، وهو مانفذ فعليّاً ولكن على مرحلتين : الأولى في 23 شباط 1966( انقلاب صلاح جديد وحافظ الأسد على القيادة القومية ) والثانية في

 16 نوفمبر 1970 ( انقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد ، فيما سمي بالحركة التصحيحية !! ) ، وزجه أعضاء القيادتين القومية والقطرية لحركة 23 شباط اللتين كان هو عضواً فيهما في السجن مدة قاربت على ربع القرن دون سؤال او جواب ، بل إن كلاًّ من نور الدين الأتاسي ( رئيس جمهورية 23 شباط ) وصلاح جديد ( الأمين العام المساعد لشؤون القطر السوري ، بعد 23 شباط 1966) قد تمت تصفيتهما جسدياً من قبل حافظ الأسد ( بصورة  مباشرة أو غير مباشرة) وهما في السجن بين يديه ،

- جناح أكرم الحوراني ، الذي توافق كل من الجناحين المدني والعسكري في الحزب ( ميشيل عفلق وصلاح جديد وحافظ الأسد ) على ( فصله من الحزب ) باعتباره كان مؤيدا بصورة مكشوفة ومعلنة لانفصال سورية عن مصر أي لم يكن عنده فيما يتعلق بهذا الموضوع ظاهر وباطن ، كما كانت الحال عند الجناحين الآخرين اللذين فصلاه من الحزب .

 ب. أحداث 18 تموز عام 1963 ، والتي كان نتيجتها ، تصفية مئات الضباط الناصريين من الجيش ، تحت ذريعة تآمرهم على النظام البعثي ( لاحظ الشبه بين الأمس واليوم !!) ، في حين أن السبب الحقيقي لتصفيتهم لم يكن برأينا ، يتمثل فيما هو معلن ، وإنما فيما هو غير معلن ( كون معظمهم ينتمي إلى الأكثرية السنيّة ) ، وهو ما أخلّ بالتركيب الهيكلي للجيش السوري ، وسمح بالتالي بالتحويل التدريجي لوظيفة ومهام هذا الجيش من حماية الوطن ، إلى حماية حكم الحزب الواحد ( مابين 1963 و1970 ) ، والذي تحول بعد 1970 إلى حماية حكم العائلة الواحدة ، والشخص الواحد .

لقد كانت مقولة " الجيش العقائدي!!" ( إشارة إلى أيديولوجية البعث ) تمثل في هذه العملية المدروسة والممنهجة ، ورقة التوت التي حاول بها متنفذو اللجنة العسكرية ، وعلى رأسهم حافظ الأسد ستر عورتهم الطائفية والعسكرتارية ، التي كانت عمليّاً وراء سيطرتهم على مثلث الجيش والحكم والحزب قبل وبعد 1970 ،

 ج. لقد أخذ الصراع (الحزبي شكلاً والطائفي مضموناً ) بين الجناحين العسكري بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد ، والمدني بقيادة ميشيل عفلق ومنيف الرزاز ، يتخفّى ويتموّه تكتيكياً تحت أسماء لاعلاقة لها بجوهرهذا الصراع ، أبرزها : (قومي - قطري ) ، ( يمين - يسار) ، والذي تحول بعد انقلاب شباط 1966 إلى صراع ( قطري - قطري ) بين البعث العراقي (صدام حسين وميشيل عفلق ) والبعث السوري ( صلاح جديد وحافظ الأسد ) ، ثم ترسخت هذه القطرية ، وأخذت شكلها النهائي ، بعد انقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد 1970 .

وتقتضي الأمانة العلمية مني ، أن أشير إلى أن صلاح جديد كان أقرب إلى مبادئ وأفكار الحزب من حافظ الأسد ، ولذلك استطاع أن يجمع حوله عدداً كبيراً من الحزبيين المؤمنين بشعارات الحزب الثلاثة ( الوحدة والحرية والاشتراكية ) ، ولكن ، المقتنعين بأ ن التيار العفلقي ،( الذي بات يمثل بنظرهم يمين الحزب ) هو من يعطل تحقيق هذه الشعارات ، وخاصة منها شعار الاشتراكية ، الذي يعطي للحزب طابعه التقدمي اليساري الطليعي ، ويخلصه من طابعه البرجوازي النخبوي الذي رافق نشأته عام 1947 . ويجسد النص التالي الوارد في مقررات المؤتمرالقومي السادس عام 1963( بعض المنطلقات النظرية ) هذا التصور حول الفارق بين مفهوم " النخبة " ومفهوم " الطليعة " بنظر خصوم ميشيل عفلق :

 

[ إن حيزاً ضيقاً يفصل بين مفهوم " النخبة " الفاشستي ، وبين مفهوم الطليعة الاشتراكي ، ففي حين أن مفهوم " النخبة " ينظر إلى الجماهير ، مجرد قطيع منفعل سلبي ، تسوقه " النخبة " إلى " السعادة والعدالة " ...فتنزلق النخبة بالضرورة إلى الانعزال عن الجماهير ، وممارسة ديكتاتورية مباشرة عليها ،عن طريق الإرهاب تارة ، أو تشويه الرأي العام وتكييفه وفق رغباتها تارة أخرى . أما مفهوم الطليعة الاشتراكي ، فيرى في الجماهير جوهر الثورة والديموقراطية ... ] .

 

وأرغب أن أشير هنا - كشاهد عيان - ( دون أن أسقط مسؤوليتي النسبية في هذا الموضوع ) إلى ملاحظتين أساسيتين تتعلقان بهذا الموضوع ( الفارق بين مفهوم النخبة ومفهوم الطليعة ) :

 الأولى ، هي إن مقررات المؤتمر القومي السادس 1963 التي اقتبسنا منها الشاهد أعلاه ، قد كتبت من قبل السيدين ياسين الحافظ والياس مرقص ، وهما ليسا عضوين في حزب البعث ، وذلك بتكليف من بعض أعضاء القيادة القطرية المؤقتة آنذاك والتي كانت مكلفة بإعادة تفعيل الحزب في القطر السوري بعد أن كان محلولاً في ج ع م ، والتي كان أمينها القطري حمود الشوفي ، وكان حافظ الأسد عضواً فيها ، والثانية ، هي أن ممارسة حزب البعث في السلطة ، منذ الثامن من آذار 1963 وحتى حركة حافظ الأسد التصحيحية 1970 (!) ، مروراً بحركة 23 شباط 1966 ، هي ممارسة ديكتاتورية بكل المقاييس ، وبالتالي فهي لاتشيرإلى أي فارق حقيقي ملموس بين مفهوم النخبة ومفهوم الطليعة ، من حيث أن كليهما يحمل في طياته - وهذا من وجهة نظرنا الخاصة - بذور التعالي على الشعب والابتعاد عن الحرية والديموقراطية وعن مبدأ " المواطنة " ، وحتى عن العدالة والمساواة .

 3. و أرغب - كشاهد عيان أيضاً - أن أشير، إلى أن مرحلة ماقبل 1970 (1963- 1970 ) كانت تتميز باحتدام الصراع السياسي والأيديولوجي بين الآراء والأجنحة والمجموعات المختلفة في الحزب ، ولا سيما بين من يغلب عليهم الطابع المدني ، ومن يغلب عليهم الطابع العسكري ، ذلك الصراع الذي انتهى باستيلاء العسكر على الحزب عام 1966( وهو ماأتفق فيه مع المرحوم سامي الجندي ) ، ومن ثم على الحكم عام 1970 ، وهكذا تمت سيطرة حافظ الأسد على كل من الجيش والحزب والحكم في آن واحد ، وهي سيطرة مستمرة منذئذٍ وحتى هذه اللحظة ، والتي يشير شعار ثورة آذار 2011 " الشعب يريد إسقاط النظام " إلى رغبة الشعب السوري في الانعتاق من هذه السيطرة ، التي طال أمدها .

 

أن ماينبغي الإشارة إليه هنا ، وهو مابينته ، بل وأكدته ،الممارسات اللاحقة للعديد من الحزبيين المدنيين والعسكريين ، قبل 1970 ، هو وجود نوعين من " الرفاق " داخل الحزب ، نوع كان مؤمناً بفكر الحزب وأيديولوجيته في( الوحدة والحرية والاشتراكية ) ، ونوع إنما دخل الحزب لتنفيذ مآرب أخرى لاعلاقة لها لابفكر الحزب ولا بأيديولوجيته ، وإنما كان الحزب بالنسبة إليه/هم هوالجسر الضروري الذي لابد من بنائه والعبور عليه للوصول إلى تلك المآرب الأخرى ، وهو مافعله حافظ الأسد عام 1970م ، وما فعله بشار الأسد عام 2000 م . هذا مع العلم اننا سبق أن أشرنا في شهادة سابقة ، إلى أن المادة الثامنة في دستور حافظ الأسد المتعلقة بحزب البعث ، لم تكن واقع الحال سوى " الإسم الحركي " للفئة المتسلطة على كل من الجيش والحزب والحكم منذ 1970 وحتى هذه اللحظة ، وبالتالي فإن إلغاء أو إبقاء هذه المادة لايساوي شيئاً في مجال الممارسة ، طالما كان الدستور نفسه ، وبكل مواده الـ 156 لايساوي بالنسبة لهذه الفئة الفاشية الطائفية الحاكمة التي وضعته، والتي تستطيع أن تعدله وتبدله متى وكيف تشاء،شروى نقير.

 4.

كنت عام 2008 في زيارة شخصية لصديق أحترمه هو الدكتور يوسف زعين في بودابست ، ولقد ذكرلي الدكتور زعين في حينها ، حادثة لم أكن من جهتي على علم بها ،( ولقد استأذنته هاتفيا قبل قليل بنشرها فوافق على ذلك ) ، وهي أنه عندما كان رئيساً للوزراء قد أرسل هو وصلاح جديد ، رسالة سرية خاصة إلى رئيس جمهورية العراق ، أحمد حسن البكر ، عرضا عليه فيها توحيد البلدين ( سورية والعراق ) بصورة فورية وتحت رئاسة البكر ، بيد أن الرئيس البكر لم يرد على رسالتهما لاسلباً ولا إيجاباً !! . سألت الدكتور زعين بعد أن حدثني بهذا الموضوع : وهل وقع معكم حافظ الأسد على هذه الرسالة ؟ أجابني : لا ، فقلت له: هل علمت يا أبا جابرالآن سبب عدم رد البكرعلى رسالتكما أنت وصلاح جديد ؟! إن أحمد حسن البكر وصدام حسين يعرفان جيداً ميزان القوى في سورية ، ذلك الميزان الذي بدأت كفته منذ 1966 ترجح لصالح حافظ الأسد ، قائد سلاح الطيران ووزير الدفاع ، وذلك على حساب كفة صلاح صلاح جديد ومعه يوسف زعين .

وتوضح الصورة التالية التي ذكرها لي أحد أعضاء القيادة القطرية ( حمود القباني ) ، الذي استطاع الهروب من السجن ( حسب ادعائه ) ، هذه الحقيقة ، :

عندما قام حافظ الأسد بسجن رفاقه ، أعضاء القيادتين القطرية والقومية عام 1970 ، حمّل بعض أعضاء هاتين القيادتين اللواء صلاح جديد المسؤولية عما حدث ، بسبب عدم قيامه بانقلاب عسكري على حافظ الأسد ، قبل ان يقوم هو بانقلابه عليهم ، وزجّهم في السجن ، وكان رد صلاح جديد عليهم هو ، أنه قد استدعى فعلاً قبل أن يسجنه حافظ الآسد ، أحد كبار الضباط الموالين للحزب(!) من معسكرات قطنا ، ( فلان الفلاني ) وطلب منه أن يقوم ( الرفاق !) بانقلاب عسكري ضد حافظ الأسد ، بسبب عدم التزامه بمقررات قيادة 23 شباط ، فطلب منه هذا ( الرفيق !) ، أن يمنحه فرصة قصيرة يعود خلالها إلى قطنا لبحث هذا الموضوع مع ( الرفاق الآخرين !) ، ثم يعود إليه بالجواب . عاد الرفيق (فلان الفلاني) إلى صلاح جديد بالجواب التالي ( المضمون العام وليس الحرفي ) : إن الرفاق ليسوا مستعدين لأن يتحركوا ضد رفاقهم !! .

إن عبارة " بدون تعليق " هي العبارة المناسبة في هذا المقام ، على مانعتقد ، وهي تشير بوضوح ، إلى أن ( ولاء الرفاق !!) قد انتقل عملياً من صلاح جديد إلى حافظ الأسد ، وأن هؤلاء الرفاق من ذوي الياقات الكاكي ، والنجوم الكثيرة باتوا هم من يحدد من يجلس على كرسي الرئاسة ومن يقبع حتى الموت في سجن المزة العسكري . ولذلك كان من الطبيعي ألاّ يجيب أحمد حسن البكر على رسالة زعين - جديد .

 5.

 لاأجدني بحاجة هنا إلى أن أذكر ، أنني لاأدافع فيما أكتب في هذه الخواطر ، لاعن حزب البعث ، ولا عن زيد أو عمرو من أعضاء هذا الحزب ، أحيّاً كان أو ميتاً ، وإنما عن الحقيقة المجردة ، كما رأيتها بعينيي بالأمس ، وكما أراها بعقلي وقلبي اليوم . فأنا قد غادرت سفينة الحزب التنظيمية منذ أواخر شهر

آذار 1967 ، ( أنظر حول هذه النقطة ، مقالتنا " توضيح من محمد الزعبي حول علاقته بالمجلس الوطني السوري " والمنشورة في الحوار المتمدن بتاريخ 10.12.2011 ) ، وغادرت بلدي هربا من السجن والتصفية الجسدية بتاريخ 29.10.1974 ، وأصبحت كل علاقاتي السياسية والحزبية الشكلية اللاحقة ، تدور في إطار عملية شد الحبل بين موقفي الوطني الديموقراطي ، وموقف نظام عائلة الأسد الدكتاتوري الطائفي ، لاأكثر ولا أقل .

إنني بعد كل مارأيت وما عايشت وما سمعت ، منذ 1963 ،وحتى اليوم ، ولاسيما قصة البلاغ العسكري رقم 66 المتعلق بسقوط القنيطرة ، قبل أن تسقط فعليّاً ، ( أنظر: خواطر شاهد عيان ، الخاطرة الثالثة ، الرأي ، 23.08.2011 ) ، أكاد أجزم أن عدداً من الدول الأجنبية والعربية الموالية والحامية لإسرائيل ، والحريصة على أمنها وسلا متها ، هم من دفعوا حافظ الأسد وشلّته ، ولاحقاً بشار الأسد وشلّته إلى واجهة الجيش والحزب والحكم في سورية ، وأن تاريخ هذه العملية المدروسة والممنهجة ، إنما يعود إلى عام 1958 ، عام الوحدة مع مصر ( ج ع م ) ، وأن كلاًّ من مؤامرة الإنفصال عام 1961 ، وأحداث 18 تموز عام 1963 ، والحركة التصحيحية عام 1970 ، وما يقوم به بشار الأسد وحماة دياره وشبيحته لقمع ثورة 18.03.2011 ثورة الحرية والكرامة في سورية ،أما م سمع العالم وبصره ،إن لم أقل ومباركته ، ليست سوى المحطات الرئيسية على طريق هذه المؤامرة الكبرى التي تأتي حماية الكيان الصهيوني من الديموقراطية السورية في صلبها ، والتي سوف تستمر( المؤامرة ) إلى أن تجد الدول الكبرى بشقيها ، الشرقي والغربي ، بين أطراف المعارضة السورية من يحقق لها هذا الغرض الاستراتيجي ، والله أعلم .

========================

هي لحظة تصادم بين غايات الأمَّة ..

صبحي غندور*

شهدت البلاد العربية، منذ مائة عام تقريباً، تحوّلاً هاماً بخروجها من الهيمنة العثمانية ثم وقوع معظمها تحت الهيمنة الأوروبية ونشوء الكيانات العربية المعاصرة.

ثلاث قضايا عربية انبثقت آنذاك عن هذا التحوّل التاريخي العربي: قضية "الهويّة" وكيفيّة التعامل مع حال تقسيم ما كان مشتركاً لقرون عديدة من شعوب وأرض وثقافة، ثمّ قضية "التحرّر" بعدما جرى احتلال عدّة بلدان عربية من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وأخيراً قضية "النظم السياسية والدستورية" التي صاغتها قوى الهيمنة الأوروبية.

ومع مرور الزمن، تحوّلت هذه القضايا الثلاث عند شعوب المنطقة العربية إلى غايات وشعارات وطنية وقومية تتلخّص في: التحرّر الوطني، والوحدة العربية، والديمقراطية السياسية والاجتماعية.

وقد كانت هناك دواعٍ وأسبابٌ مشروعة لاستقلال العرب عن الدولة العثمانية، التي سيطرت عليها في أيامها الأخيرة اتجاهاتٌ عنصرية تدعو إلى "التتريك" في اللغة والثقافة والسياسة، والتي كانت بذورها تنمو في "جمعية الاتحاد والترقي" وفي "جمعية تركيا الفتاة"، ثم تمكُّن هذه الاتجاهات من حكم تركيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وفوز "دول الحلفاء" فيها.

وبينما كانت بريطانيا تدعم بقوّة هذا التحوّل في الحياة السياسية والثقافية التركية، كانت حليفتها (ومنافستها) فرنسا تدعم الأنشطة العربية الداعية لمواجهة "التتريك". وقد عملت بدايةً بريطانيا وفرنسا معاً على تشجيع ودعم الانفصال التركي/العربي وتقوية المشاعر القومية الخاصّة في الأمَّتين، وعملتا في مرحلةٍ لاحقة على دعم التتريك واعتماد الأحرف اللاتينية في تركيا، مقابل دعم "التغريب" ومحاربة العروبة في البلاد العربية.

كانت بريطانيا قوّة الدفع الأساسية وراء ثورة الشريف حسين ضدَّ الدولة العثمانية، كما احتضنت فرنسا ودعمت "الجمعية العربية الفتاة " و"المؤتمر العربي" في باريس (1913)، وتكوّنت جمعيات في بيروت تعاونت مع جمعيات في المهجر، وقُدِّمت رسائل مشتركة من بعض هذه الجمعيات الى حكومة فرنسا تلتمس منها السيطرة على منطقة سوريا ولبنان، بينما اتّجه بعض مثقفي العراق نحو الإنجليز حيث أيّد بعضهم بسط الحماية البريطانية على البلاد.

وانتهت تلك الحقبة الزمنية الهامّة بهيمنة بريطانيا وفرنسا على معظم البلاد العربية، بعد تقسيمها وتوزيعها بين القطبين الدوليين آنذاك وفق اتفاقية "سايكس- بيكو". كما شهدت تلك المرحلة انطلاقة مشروع الحركة الصهيونية الذي كرّسه التعهّد البريطاني المعروف باسم "وعد بلفور"، والذي تحقّق بإنشاء الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين التي كانت خاضعةً للانتداب البريطاني.

وحينما تولّت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية قيادة الغرب، وورثت الكثير من مخلّفات الهيمنة البريطانية والفرنسية، ثمّ زعامة القوى الكبرى دولياً بعد سقوط "المعسكر الشيوعي"، كرّرت أساليب المستعمر الأوروبي في المنطقة العربية وحافظت على مصنوعاته السياسية والجغرافية، كما مارست أيضاً استخدام أسلوب القوة العسكرية والاحتلال، الذي تدفع الآن ثمنه غالياً مما يُهدّد دورها الريادي العالمي، تماماً كما حصل مع بريطانيا وفرنسا في آخر حروبهما بالمنطقة، خلال حقبتيْ الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

لقد أدركت القوى الغربية الكبرى أنّها رغم تجزئة المنطقة العربية والهيمنة عليها، ورغم وجود دولة إسرائيل الحاجز بين مشرق العرب ومغربهم، ورغم "العلاقات الخاصة" مع بعض الحكومات، فقد حصلت في المنطقة معارك التحرّر الوطني وثورات الاستقلال وحركات المقاومة ومحاولات التوحّد بين بعض الأوطان، كما حصلت حرب أكتوبر 1973 والحظر النفطي عن الغرب. وكان ذلك الإدراك الغربي عموماً هو وراء محاولات البحث عن "ضمانات" لحماية المصالح الغربية في المنطقة ولعدم تكرار الحقبة الزمنية التي امتدّت من أواسط الخمسينات إلى أواسط السبيعنات من القرن الماضي.

كان إخراج مصر من الصراع العربي/الصهيوني هو الضمانة الأولى التي تحقّقت من خلال "معاهدات الصلح المنفرد" مع إسرائيل، ومن ثمّ عزل مصر عن دائرتها العربية بما يتناقض مع موقعها الجغرافي ودورها التاريخي الطليعي في المنطقة.

ثمّ كان التشجيع الخارجي على الصراعات العربية/العربية التي اشتعلت، منذ أواسط عقد السبعينات الماضي، حروباً أهلية وصراعاتٍ على الحدود في مشرق الأمَّة ومغربها.

ثمّ كان تهميش بعض الحكومات للتيّارات السياسية العروبية لصالح تيّارات سياسية دينية، كما حدث في مصر والسودان خلال حكم أنور السادات وجعفر النميري، وتزامن ذلك أيضاً مع تراجع دور مؤسسة "الأزهر" بسبب تراجع دور مصر نفسها، ثم سوء سياسات وممارسات لأنظمة كانت تحكم باسم العروبة والقومية، وأدّى ذلك كلّه في المحصّلة لاتّساع نفوذ التيّارات السياسية الدينية في البلاد العربية، بما فيها من "غثٍّ وسمين" وصالحٍ وطالح.

لكن غاب عن القوى الغربية الفاعلة درس تاريخ البشرية عموماً، بأنّ الشعوب يمكن تضليلها أو قهرها أو احتلالها لفترةٍ من الوقت، لكن لا يمكن لهذه الشعوب أن تقبل بديلاً عن حرّيتها، وبأنّ الأوطان العربية لو تجزّأت سياسياً فهي موحّدة في ثقافتها وفي تاريخها وفي همومها وفي آمالها. فهكذا كان تاريخ المنطقة العربية طيلة القرن العشرين الماضي: كرٌّ وفرّ مع المستعمر أو المحتلّ لكن لا خضوع له. كما كان القرن الماضي حافلاً بالحركات والانتفاضات الشعبية المؤكّدة على وحدة الأمَّة أرضاً وشعباً، وإن ازدادت المسافات بين الحكومات والكيانات بعداً.

المعضلة الكبرى في الأمّة العربية كانت، وما تزال، هي عدم التلازم المتوجّب حدوثه فكراً وعملاً بين قضايا التحرّر الوطني والديمقراطية والتوحد العربي. ففي تجارب القرن الماضي، نجد أنظمة وحركات شعبية خدمت قضية من هذه القضايا الثلاث لكن لم تلتزم بها كلّيةً ومعيّة. هذا ما أتاح في الماضي، وهو يسمح الآن في الحاضر، بتدخّل قوى إقليمية ودولية لجعل أتباع قضية ضدّ أتباع قضية أخرى، رغم أنّ الأمّة العربية كانت وما زالت تحتاج لهذه القضايا الثلاث معاً. لذلك، نجد الآن من يستنجد بالتدخّل العسكري الأجنبي من أجل تطبيق الديمقراطية في وطنه!! ونجد أيضاً من يقبل بتقسيم الأوطان بحجّة "تقرير المصير" والخيار الديمقرطي!! فإذا بالمسألة الديمقراطية الآن سلاحٌ مضاد للتحرّر الوطني ولوحدة الأوطان والشعوب.

 للأسف، هذه تجربة عاشت الأمّة في العقود الماضية حالاتٍ مشابهة لها حينما وضعت أنظمة ومنظمات مسألة التحرّر الوطني في مواجهة الديمقراطية، أو حينما مارس بعضها أسلوب القهر والتسلّط على الداخل أو على الجوار العربي بحجّة القومية والتوحّد العربي.

وهاهي الأمّة العربية الآن تعيش لحظةً تاريخية حاسمة نجد فيها خوفاً على ظاهرة المقاومة المشرفة فيها نتيجة تفاعلات بعض الحراك الشعبي العربي من أجل الديمقراطية، وما يرافقه ويتخلّله من تدخّل أجنبي صارخ.

هاهي الأمّة تتناقض فيها من جديد غايات التحرّر والتوحّد والديمقراطية عوضاً عن جعل هذه الغايات معاً معياراً للفكر والحركة في هذه المرحلة وبكلّ مرحلة.

فإذا كانت الانتفاضات الشعبية العربية الآن ضدّ الاستبداد والفساد هي ظواهر مشرقة واعدة بغدٍ أفضل، فإنّ نورها الوهّاج، بعد ظلامٍ دامس طال زمنه، لا يجب أن يحجب ما هو قائمٌ في المنطقة من خطر إسرائيلي ومحاولات هيمنة أجنبية، في ظلّ أجواء طائفية ومذهبية تنخر الجسم العربي وتهدّد وحدة أوطانه وتُسهّل السيطرة الخارجية عليه.

إنّ الغرب لم يتعلّم من تجارب (قابلية الإستعمار للانكسار). والعرب كذلك، في المقابل، لم يتعلّموا أيضاً من (قابلية ظروفهم للإستعمار). فالمنطقة العربية لم تستفد من دروس مخاطر فصل حرّية الوطن عن حرّية المواطن. لم تستفد المنطقة أيضاً من دروس التجارب المرّة في المراهنة على الخارج لحلِّ مشاكل عربية داخلية. والأهمُّ في كلّ دروس تجارب العرب الماضية، والتي يتمّ الآن أيضاً تجاهلها، هو درس مخاطر الحروب الأهلية والانقسامات الشعبية على أسسٍ دينية أو إثنية، حيث تكون هذه الانقسامات دعوةً مفتوحة للتدخّل الأجنبي ولعودة الهيمنة الخارجية من جديد، ولن يكون هناك بعدها أيُّ معنًى للديمقراطية أو التحرّر أو التوحّد.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Sobhi@alhewar.com

===========================

خريطة المواقف الإقليمية والدولية من سوريا: الطبعة الأخيرة

عريب الرنتاوي

تتكشف المواقف الإقليمية والدولية حيال الأزمة السورية في تطوراتها الأخيرة، عن جملة مفارقات تستدعي التوقف، منها على سبيل المثال لا الحصر: أن دولاً أوروبية وغربية عموماً، بدأت تلحظ تغييراً ملموساً في "نبرة المواقف الروسية بعد انتخاب بوتين لولاية ثالثة، كل من تلتقيه من الدبلوماسيين الغربيين، يحدثك عن الأمر، وبلغة أقرب للتساؤل والاستفتسار منها إلى "اليقين"، وثمة رهان على أن يُبنى على الشيء مقتضاه، وأن تدخل روسيا المنتظم الدولي حيال سوريا، من بوابة "الشريك" لا "الشريك المخالف" كما يقال في المثل الشعبي الدارج.

 

في المقابل، استوقفني موقف لمسؤول روسي رفيع صدر قبل بضعة أيام، عبّر بدوره عن اعتقاده، بأن تغييراً في "نبرة" العواصم الغربية حيال الأزمة السورية قد طرأ مؤخراً، وأن كثيرٍ منها بدأ يقترب من القراءة الروسية للأزمة السورية، والرجل بدوره يريد أن يبني على الشيء مقتضاه، وأن يرى الأسرة الدولية وقد قاربت الملف السوري من بوابة دعم الحوار و"عدم الإنحياز" والبحث عن حلول سياسية، أي من البوابة الروسية.

 

كلا القراءتين تنطوي على قدر كبير من الصحة والوجاهة...روسيا تميل لانتقاد الأسد بقسوة وعلناً وبصورة غير مسبوقة، لتلكوئه بالوفاء بالتزاماته الإصلاحية...روسيا طلبت إلى الأسد مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة، بأن "يُخرس المدافع" ويسحب الجيش ويجنح للتسويات والحلول والانفتاح على خصومه...فيما الغرب، معظم الغرب على أقل تقدير، الذي وضع ثقته بمهمة كوفي عنان، يميل للأخذ بنظرية التسويات، واجتياز "الهاوية" بقفزتين أو ثلاث قفزات، بعد أن تبين له صعوبة اجتيازها بقفزة واحدة: إسقاط النظام.

المشهد العربي بدوره لا يخلو من المفارقات....معظم الدول العربية تخشى التدخل العسكري الخارجي والعسكرة والتسلح...معظمها يريد "حل سياسياً تفاوضياً" للأزمة...وباستثناء قطر، وبدرجة أقل قليلاً السعودية، فإن الجميع يلتقي حول مهمة كوفي عنان، بما هي عنوان للحل السياسي المُرتجى، وليس الحسم الأمني والعسكري الذي تدعو إليه كل من الرياض والدوحة بشكل خاص، مدعومة بموقف تركي آخذ في التصاعد والتصعيد، وحماس فرنسي، يتخطى حدود الحماسة الأوروبية.

 

مجلس التعاون الخليجي، الذي أُريد له – من دون نجاح يذكر - أن يكون إطاراً "إتحادياً" أو كونفدرالياً، وأن لا يقتصر على "التعاون" فيما بين دوله الست الأعضاء، يبدو منقسماً على نفسه حيال الأزمة السورية: عُمان "تُساير" المواقف الخليجية، بيد أنها تتخذ موقفاً مستقلاً تماماً عن هذا الإطار...وثمة مؤشرات عديدة دالّة على تحوّل في مواقف دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس هنا مجال ذكرها أو التوسع في الحديث عنها، ولكنها ربما تكون محكومة بدوافع الخوف من تمدد الإخوان المسلمين الذين تشتبك معهم ومع مرشدهم الروحي هذه الأيام...البحرين التي من المفترض أن تكون "مُمتنة" لمواقف النظام السوري المؤيدة لدخول قوات درع الجزيرة العربية إلى أراضيها لقمع انتفاضة الشعب البحريني، لا تستطيع أن "تنهى عن خلق وتأتي بمثله"، وإن كانت لا تستطيع أن تبتعد كثيراً عن الموقف السعودي تحديداً...الكويت "المُمتنة" أيضاً، أو هكذا يُفترض أن يكون، لإسهام النظام الأسدي في تحالف "حفر الباطن" لا يمكنها أن تتجاهل مشاعر ومواقف جارين عملاقين يحيطان بها من ثلاثة أرجائها: إيران والعراق، فضلاً عن مواقف "بعض" شعبها...وحدهما السعودية وقطر تتصدران حملة التحشيد السياسي والإعلامي والعسكري والدبلوماسي ضد النظام السوري...وبالمقارنة بين موقفي الدوحة والرياض، تبدو الأولى، أكثر حماسة من الأخيرة على هذا المضمار.

 

على الساحة الأوروبية تجنح معظم دول الإتحاد لحلول سياسية، حتى وإن أبقت على بعض أو معظم أو حتى جميع أركان النظام القائم...ما زال لسان حال أوروبا بعد عام من الأزمة، يدعو لتغيير السياسات لا النظام، سيما بعد أن تأكدت صعوبة مهمة إسقاطه، ولاحت في الأفق بوادر سيناريوهات الفوضى والإنقسام الأهلي وتقسيم البلاد والعباد، وبشكل مرجح على سيناريو الدولة المدنية / الديمقراطية البديلة التي بشرت بها أوساط من المعارضة...وحدها فرنسا من ضمن المجموعة الأوروبية، ما زالت مواقفها بحاجة لمزيد من التوضيح، فثمة مؤشرات على الأرض تشي برغبة فرنسية بمزيد من التدخل الميداني لنصرة المعارضة، لكن في فضاء الدبلوماسية، تدعم فرنسا مبادرة كوفي عنان، وتريد أن ترفع سقوفها انسجاماً مع مواقفها المطالبة بقوة برحيل النظام أو ترحيله.

 

أما واشنطن، الغارقة من رأسها حتى أخمص قدميها في أوحال الحملات الانتخابية الرئاسية، فلا متسع لدى إدارتها للدخول في دهاليز في "بابا عمرو" و"إجزم" و"الرستن"...والرئيس الذي خاض الانتخابات السابقة والحالية، تحت شعار الإنسحاب من حروب بوش الكونية، لن يكون راغباً بحال من الأهوال، في شن حرب جديدة، ثالثة أو رابعة، ضد إيران أو سوريا، والمؤكد أن آخر ما تريد الاستماع إليه، هو نصائح المعارضين السوريين لها بوجوب الإسراع في إرسال حاملات الطائرات والأساطيل.

 

إقليمياً، تتكشف المواقف عن مفارقة لا تقل أهمية عمّا سبق ذكره من مفارقات...إيران حليف سوريا الاستراتيجي، ترفع سقف انتقادها للنظام، وتطالبه بإتخاذ إصلاحات وإطلاق مبادرات...حزب الله يطالب الأسد والمعارضة سواء بسواء، بإلقاء السلاح والذهاب إلى مائدة حوار وطني جامع، وإصلاحات حقيقية تلبي تطلع السوريين للحرية والكرامة و"المقاومة"، وهو – أي حزب الله – يبحث عن قنوات اتصال مع المعارضة السورية، ويوظف علاقاته ببعض فصائل المقاومة لهذه الغاية.

 

في المقابل، تبدو تركيا/ العدالة والتنمية في حيرة من أمرها...صمت الدبلوماسية التركية عدة أشهر، أو بالأحرى هدأت عدة أشهر بعد حالة من الغضب أعقبت استنكاف الأسد عن الوفاء بوعوده لأردوغان وموفديه...لكنها في الأسابيع الأخيرة، عادت للتحدث عن "الممرات الامنة" و"الخيار العسكري" العربي – الإقليمي (تُقرأ التركي)...وهي تستنهض المعارضة اليوم على أبواب مؤتمر "أصدقاء سوريا" لحث فصائلها المختلفة على رفع سقف المطالب من المؤتمر ومن عنان سواء بسواء...يبدو أن تركيا، مثل قطر، وإلى بدرجة أقل السعودية، لا تتخيّل بقاء النظام لعام أو عامين، ويبدو أنها باتت تخشى كما تلك الأطراف، أن تنتهي أية تسوية إلى بقاء الأسد على مقعده الوثير، لذا رأينا تستنفر طاقاتها وتستنهض طاقات أصدقاءها من السوريين، لتمهيد الطريق أمام "أصدقاء سوريا" للخروج بنتائج أقوى من تلك التي انتهى إليها مؤتمر تونس قبل عدة أسابيع...ولقد كان من سوء طالع الشعب السوري وقواه الحية والمناضلة، أن أقدمت أنقرة على تقديم موعد انعقاد المؤتمر، مؤتمر أصدقاء سوريا، من الثاني من نيسان القادم إلى الأول منه، وسط خشية حقيقية أبداها بعض الظرفاء من أصدقائنا في المعارضة السورية من أن يصبح الحدث بمجمله بمثابة "كذبة نيسان".

 

الخلاصة، أن أصدقاء النظام باتوا يرون فيه عبئاً عليهم يريدون الخلاص منه، ولكن ليس بأي طريقة...وأصدقاء المعارضة، باتوا ضجرين من نداءاتها التي تكاد تُتخزل بعبارة واحدة: التدخل العسكري....وسيجد طرفا الصراع في سوريا نفسيهما أمام وضعية قد يُجبران فيها على الجلوس إلى مائدة حوار واحدة، لكن أسئلة من نوع: متى وكيف وبأي شروط وأية نتائج؟...ستبقى أسئلة مفتوحة في المدى المرئي المباشر.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ