ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 17/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

عام على الثورة الشعبية في سورية تحت القصف (1) .. بين عصابات تخوض حرب فناء.. وسياسيين يخوضون حرب غنائم

نبيل شبيب

1- مطرقة الإجرام 2- سندان السياسة 3- مسار الثورة

ما تتعرض له الثورات الشعبية في مصر واليمن وتونس وليبيا بعد حسم الجولة الأولى لإسقاط العصابات الحاكمة تتعرض له الثورة الشعبية في سورية أضعافا مضاعفة أثناء الجولة الأولى لإسقاط العصابات المتسلّطة، وهي حافلة بوقائع أشد إجراما وهمجية بما لا يقاس.

ولئن كانت بلدان الربيع العربي الأربعة الأولى قد شهدت قبل انطلاق براعمه بعض المرتكزات السياسية والتنظيمية الداخلية، أثناء حقبة الاستبداد الطويلة، فإن سورية لم تعرف على امتداد خمسة عقود استبدادية سوداء سوى بعض "الفدائيين" السياسيين المعارضين داخل الحدود وخارج الحدود، وبقدر ما ارتبط مسار الثورات الشعبية الأربعة بهذه المعطيات ارتباطا يمكن أن يؤثر تدريجيا في اتجاه تحقيق أهدافها التالية وعلى رأسها "الاستقلال الناجز" أو التحرير الكامل للإرادة الشعبية، فإن شعب سورية أطلق ثورته من تحت أثقال خمسة عقود سوداء أو أثقال خمس طبقات إسمنتية مصفحة من تاريخ الإجرام المتواصل، فلم تتميّز الثورة ببطولة منقطعة النظير فحسب، بل أصبحت تتميّز أيضا بأنّها تهدم الآن ما لو بقي "جزء" منه لاستحال تشييد قلعة الحرية والكرامة والعدالة الاستقلال الناجز كما ينبغي من بعد.

هذا في مقدّمة ما يميز سورية عن سواها -ولكل بلد خصائصه.. والقواسم المشتركة أكبر وأرسخ وأشمل- وهنا يكمن محور الاختلاف في مسار الثورات، المنتصرة في نهاية المطاف بإذن الله، وليس محور الاختلاف قائما على تفاوت درجات ارتباط العصابات الاستبدادية القطرية بقوى دولية، ناهيك عن تفاوت أشكال خدمة الأهداف الذاتية لتلك العصابات على حساب القضايا الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية على السواء.

 

1 من 3: مطرقة الإجرام

من رأى الشهيد حمزة الخطيب في مطلع الثورة الشعبية في سورية أدرك -إن لم يكن يعلم من قبل- "نوعية الإجرام" الذي تتصف به العصابات المتسلّطة، وإلى أيّ مدى يمكن أن تمضي به، فالردّ على كلمات ثائرة تخطّها أيدي الأطفال على جدران مدرسة بالاعتقال والتعذيب والقتل لإرهاب الأمهات والآباء والأطفال، هو النموذج الأول الذي نشهد تطبيقاته الأشدّ والأكبر والأشمل هذه الأيام، بحجم غزو المدن بالدبابات وقصف المساجد والمساكن وتسويتها بالأرض، والهجمات المنظمة الجماعية اغتصابا وتعذيبا وذبحا علنيا، وفتكا رهيبا وتنكيلا، وتقتيلا إجراميا همجيا.

وكما كان ردّ الشعب الثائر "تلقائيا" على جريمة اغتيال حمزة الطفل بخروج نساء داريا مع أطفالهن يتحدّين العصابات المتسلّطة، وتمدّد الشباب أمام الدبابات لحماية المظاهرات النسائية في بانياس، كذلك يأتي ردّ الشعب الثائر على "غزو المدن" بتقديم مزيد من التضحيات، والاستمرار بمزيد من فعاليات الثورة.. وهذا ممّا يجيب على تساؤلات -بعضها ساذج وبعضها الآخر مغرض- يجري توجيهها إلى الثوار في سورية: ألم تكونوا تدركون ما ينتظر ثورتكم؟..

بلى.. "ندرك"، ولكن "نرفض" أن يتوقف مسار الثورة، ونستمدّ القوة على ذلك ممّا صنعته بنا عصابات الإجرام منذ خمسين سنة، ومن معرفتنا بما يمكن أن تصنعه خلال خمسين سنة أخرى.. لو توقفت الثورة قبل النصر.

إن تجريد الثورة الشعبية السورية من عوامل "سياسات المعارضة" و"السياسات الإقليمية والدولية" يوصل إلى معادلة "مرعبة" ولكنها جزء من واقع الثورة لا يمكن ولا ينبغي إغفالها: بطولة تحرّك الحناجر والأجساد، وإجرام يحرّك الكذب وآلة القتل.

ليس لشعب سورية الثائر -ولا يلام ثواره على ذلك- أجهزة تخطط، وتنظيمات تتحرك، وخبرات توجّه، فالثورة تصنع ذلك من "الصفر".. أثناء ثورة الكرامة والتحرّر وليس قبلها، إنّما تواجه الثورة عصابات قائمة على أجهزة وتنظيمات وشبكة علاقات محلية وعربية وإقليمية ودولية.

هنا يتحوّل مفعول مطرقة الإجرام المتسلّط من "حالة العجز" أن يقضي على الثورة إلى حالة "حصارها" من خارج حدود الأرض التي تتحرّك عليها.

وفي هذا الإطار يأتي مفعول عدد من العناصر الحاسمة التي سعت العصابات الحاكمة إلى توظيفها للتأثير بها على مسار الثورة .. للوصول إلى حالة "الحصار".. من أبرزها بإيجاز:

- الانحراف بقيم الثورة.. أي من عناوين الحرية والكرامة والعدالة إلى عناوين تعصب وطائفية وانتقام.. فمارست العصابات الإجرامية المتسلّطة بصورة مباشرة جميع ما يمكن إدراجه تحت عناوين "التعصّب والطائفية والانتقام"، ولكنها أخفقت إخفاقا ذريعا في تحويل "ردود الشعب الثائر" -بغض النظر عن حالات فردية لا تؤثر على مسار الثورة عموما ولا على طهارة قيمها- إلى "ظاهرة" شاملة، كما هو الحال مع من سقط فيها من تلك العصابات، لانعدام القيم لديها أصلا.

- تجزئة شعب الثورة.. أي اللعب بأوراق متعددة جميعها تصبّ في خانة تحويل "الثوار" إلى جماعات ثائرة متعدّدة من حيث "منطلقاتها.. وفعالياتها"، وهذا ما استهدف التنوّع القومي (ورقة الأكراد مثلا) والتنوّع الديني (ورقة المسيحيين مثلا) والتنوّع الاجتماعي (ورقة التجار مثلا) ووصل حتى إلى التوزع السكاني الجغرافي (ورقة حلب مثلا). وهنا لا يمكن القول إنّ العصابات الإجرامية أخفقت إخفاقا مطلقا، ولكنها مع "استمرار الثورة" لم تستطع تحقيق أغراضها الإجرامية بصورة كبيرة، بل على النقيض من ذلك بدأ ينحسر ما أمكنها تحقيقه جزئيا ولفترة من الزمن.

- فوضوية عسكرة الثورة.. والعنوان "دقيق"، فليست المشكلة في حمل السلاح في مواجهة مجرمين مسلّحين متسلّطين، وليست المشكلة في غلبة مفعول الوجدان لدى الضباط والجنود الأحرار على مفعول "الرعب" الذي تقوم عليه البنية الهيكلية للتسلّط بأسلوب العصابات، إنّما جوهر المشكلة كامن في أمرين، أوّلهما أنّ عملية التحرّك المشروع بقوة السلاح انطلقت من "قلب مسار الثورة"، وليس نتيجة تخطيط وتنظيم على امتداد فترة زمنية طويلة سابقة، فكان من المحتم عدم توافر (قوة مقاومة ثائرة نظامية موحدة توجيها ومسلّحة تسلّحا فعالا) بين ليلة وضحاها، والأمر الثاني قدرة توظيف عنوان "عسكرة الثورة" من جانب العصابات المتسلّطة لصناعة الذرائع لدى من يشاركون في "حصار الثورة" إقليميا ودوليا. لقد أراد "العقل المدبّر الإجرامي" أن تتحقق عسكرة الثورة.. ولكن سعى سعيا حثيثا كي تكون عسكرة فوضوية، ولأنّه يمتلك من القوّة الإجرامية ما يملك، ولأن القوى الإقليمية والدولية تساهم في تمكينه من مواصلة البطش وتصعيده، فقد قطع في تحقيق ما يريد شوطا كبيرا، ولهذا أصبح في مقدمة "واجبات المرحلة الحالية" أن تتحوّل عسكرة الثورة، المشروعة في مواجهة الإجرام، إلى حالة مستقرّة و"نظامية"، رغم الظروف والمعطيات المعيقة، كي تفعل مفعولها عبر مزيد من موجات تحرّر الضباط والجنود، ومزيد من تنسيق المهمة التي تناط بالذراع المسلّح المشروع للثورة الشعبية السلمية البطولية.

إذا كانت حصيلة استخدام مطرقة العصابات المتسلّطة "موجعة" تثير الآلام والأحزان وتنشر المآسي بلا حساب، فإنّ هذا بالذات، هو ما يجعل استمرار الثورة حتى النصر محتما، وإن ارتفع الثمن، فثمن العودة عنها -إن حصلت لا سمح الله- أفدح وأكبر.. إنّه "السحق الكامل" تحت مطرقة الإجرام.

__________________________

عام على الثورة الشعبية في سورية تحت القصف (2)

بين عصابات تخوض حرب فناء.. وسياسيين يخوضون حرب غنائم

1- مطرقة الإجرام 2- سندان السياسة 3- مسار الثورة

لا يرتبط نجاح العصابات المتسلّطة على سورية وشعبها أو إخفاقها بخصائص مرتبطة بالثورة نفسها وبشعبها، ولا يرتبط فقط بما تملك تلك العصابات من إمكانات، بل يرتبط ارتباطا مباشرا بنوعية أولئك الذين تعتمد تلك العصابات على توظيف تأثيرها هي في صناعة قرارهم، ليكون باتجاه "حصار" الثورة، سواء كان ذلك تحت عنوان "نصرتها" المزعومة أو بهدف اختطافها والسيطرة على حصيلتها كهدف ثابت، وإن لم يعلن ذلك الهدف رسميا.

صحيح أنّه توجد أسباب تاريخية قد جعلت تحرّك ما سمّي المعارضة السياسية السورية تحركا مضطربا -على الأقل- وهو ما يكرّر ذكرَه كثيرٌ من أطرافها، كلما وجدوا أنفسهم في موقع الدفاع عن أخطائهم المتكررة. ولكن لم يعد هذا التعليل مقبولا مع مضيّ العام الأوّل على الثورة.

وليس المقصود هنا تعداد تلك الأخطاء والتفصيل فيها، فهي معروفة للقاصي والداني، إنّما المقصود -بكل وضوح- تحميل "المعارضة" الآن بالذات المسؤولية عن كل لحظة تأخير أخرى في "القضاء المبرم" على تلك الأخطاء الجوهرية، وهي بالغة الخطورة من حيث تمكين العصابات الإجرامية من توظيفها في "حصار" الثورة الشعبية بدلا من أن تكون "المعارضة السياسية" وسيلة لا غنى عنها في الأصل لدعم مسار الثورة في الاتجاه الصحيح، مع تخفيف حجم الثمن الذي يدفعه الشعب الثائر.

 

2 من 3: سندان السياسة

لم تكن الأخطاء الظاهرة للعيان كالتصريحات المتسرّعة، القديمة والجديدة، ذات العلاقة بقضية فلسطين، أو الخطوات غير المدروسة، كالتي أخذت عنوان "وثيقة الاتفاق مع هيئة التنسيق"، أو المواقف المتقلّبة والمتأخرة بشأن التعامل مع الجيش الحر والكتائب المرتبطة به وغير المرتبطة به، ولا سوى ذلك من الأخطاء المعروفة، والتي كانت القوى الثورية الشعبية "تعترض عليها" باللافتات وتسقطها.. لم تكن تلك الأخطاء هي "الأخطاء الجوهرية" بل كانت حصيلة للأخطاء الجوهرية، وفي مقدمتها:

1- عبّر السباق المحموم على مواقع الصدارة.. والقيادة.. والزعامة.. والسيطرة على الأجهزة الحديثة التكوين، وفي مقدمتها المجلس الوطني السوري، عن غلبة الروح الانتهازية على الروح الوطنية، وغلبة تخشّب المواقف على القواسم المشتركة، وغلبة ارتجال التنازلات لكسب تأييد القوى الإقليمية والدولية على المصلحة العليا للثورة وشعبها والوطن ومستقبله، وغلبة تعدّدية صيغ الإعلام الاستعراضي للظهور بمظهر الارتباط بالثورة على الارتباط الفعلي بالقوى الثائرة نفسها.

2- وانبثق عن ذلك كلّه اصطناع أرضية سياسية لثورة شعبية بعيدا عن قيم الثورة وشعبها، وتقديم زعامات يمكن أن ترضي هذا الطرف أو ذاك من القوى الدولية على الأخذ بعناصر الكفاءة والقوّة وخطاب الخطوط الحمراء سياسيا وفق المصلحة العليا للوطن والشعب في مسار الثورة ومستقبل الدولة.

3- وكان لا بدّ في هذا الإطار من الاستغراق في الشعارات والعناوين الدعائية العامة وإغفال الرؤى والتصوّرات الشاملة العميقة، فأصبح عنوان "الحرية" بديلا عن ميثاق شرف لضمان حرية جميع المواطنين من كافة مكوّنات الشعب الواحد، وأصبح عنوان "الكرامة" بديلا عن مشروع دستور بخطوطه التوافقية الكبرى نواة لما يمكن أن يوضع عندما يتحقق هدف الثورة بتحرّر إرادة الشعب وسيادته على صناعة مستقبله بنفسه، وأصبح عنوان "الوحدة الوطنية" عنوانا للمحاصصة والاختلاف على عدد المقاعد ومواقع صناعة القرار بدلا من إيجاد كيان سياسي متجانس يشمل مختلف القوى السياسية والشعبية الحقيقية على الأرض واعتبار معيار الارتباط بالثورة هو المعيار الحاسم في صناعة القرار.

كانت الحصيلة أن المعارضة السياسية لم تعد موضع قبول عميق لدى الثوار، ولم تصبح موضع قبل لدى القوى التي أرادت أن تكون مقبولة لديها.

لقد وضعت "المعارضة السياسية" نفسها بنفسها على مفترق طرق خطير (خطير على دورها هي في مسار الثورة) وهي اليوم أمام مسؤولية تصحيح أخطائها جذريا وليس شكليا، لتكون رديفا للثورة الشعبية وليس عاملا من عوامل إضعاف قوّتها وطاقاتها المتفجّرة، ولتكون "جناحا سياسيا" يكمل أجنحة قوة الثورة داخل الحدود لتحقيق أهدافها المشروعة بدلا من أن تكون من أسباب "إطالة طريق التضحيات البطولية" ومن أسباب تمكين العصابات الإجرامية من توظيف "السياسة" في "حصار الثورة".

إن ثورة شعب سورية بعد مرور عام على انطلاقتها، ثورة شعب يقود وهو يقدّم التضحيات ولديه أداة مسلّحة حرّة داخلية محدودة القدرة تدعم، وهي ثورة تفتقر افتقارا شبه شامل إلى جهاز سياسي قويم خارجي يدعم.

لن تجد "المعارضة السياسية" لنفسها موقعا قويما في مسار الثورة ولا في سجلها التاريخي، إلا عندما تضع نفسها في هذا الإطار، جهازا سياسيا قويما خارجيا يدعم.

ويتصل بذلك أيضا: لن يجد السوريون المغتربون -وهم بالملايين- لأنفسهم موقعا في الثورة، إلا عندما يصبحون جناحا وطنيا جماهيريا يساهم في تعبئة القوى الشعبية والنخب الفاعلة، في بلدان إقامتهم، ليصنعوا بذلك قوّة ضاغطة مؤثرة على سياسات حكومات تلك البلدان، وكذلك على المعارضة السياسية السورية خارج الحدود لتقوم بدورها على الوجه الأمثل.

ويتكامل ذلك مع وجوب التعامل مع القوى العربية والإقليمية والدولية على أسس واقعية:

1- إن هذه القوى جميعا تتحرّك وفق رؤاها ومصالحها كما تراها الأنظمة الحاكمة، وتحت تأثير الضغوط عليها، ولا سيما من جانب شعوبها.

2- إنّ دفع الدول العربية إلى موقف موحّد وخطوات مشتركة فعالة تساهم في إسقاط العصابات المتسلّطة على سورية وشعبها، وفي تحقيق الأهداف المشروعة للثورة الشعبية، يوجب على القوى السياسية المعارضة وفي مقدمتها المجلس الوطني السوري، أن تتحدث بلسان واحد، ورؤية فاعلة، تقوم على القواسم المشتركة.. ولا تقوم على محاولة كل فريق استغلال صلاته الذاتية لصالح رؤاه الذاتية ومحاولة ربط مستقبل الوطن والشعب والدولة بمستقبل علاقاته هو مع هذه الدولة أو تلك.

3- إن دفع الدول الإقليمية، لا سيما تركيا وإيران، إلى مواقف وسياسات وممارسات تخدم الثورة وشعبها ومستقبل الوطن والدولة، لا يمكن أن يتحقق من خلال المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في خوض "معارك تلك الدول"، داخل حدودها أو على ساحة علاقاتها الإقليمية والدولية، فالانحياز المطلوب من المعارضين السياسيين هو الانحياز إلى الثورة الشعبية.. فقط، والمعيار الذي يحدّد نوعية العلاقات "المستقبلية" مع تلك الدول هو ما تقدّمه "الآن" للثورة الشعبية. والرؤية الإقليمية المستقبلية التي يجب أن تحكم مواقف المعارضة السياسية الآنية، المرتبطة بالثورة الشعبية في سورية، هي الرؤية التي تضع "التقارب الإقليمي على أسس قويمة" في المستقبل، وليس الرؤية التي تنزلق إلى ترسيخ لغة "المحاور والتحالفات" وممارساتها لحساب "صراعات ونزاعات ومنافسات دولية".

4- لئن كانت السياسات الصينية والروسية سياسات مصلحية وأنانية فإن السياسات الأمريكية والأوروبية سياسات مصلحية وأنانية أيضا، ولئن كانت موسكو وبكين -وهي بعيدة كل البعد عن موازين القيم الأخلاقية في السياسة- تستميت وتخاطر ببقايا أي سمعة دولية، في العمل من أجل "نفوذها" سياسا وأمنيا على المسرح الدولي، ومصالحها المادية، وبعضه "قليل محدود" مرتبط بنوعية علاقاتها مع سورية "الآن" وكذلك في "المستقبل"، فإن العواصم الغربية تتحرّك دوما على غرار ذلك أيضا.. وبين تلك السياسات الدولية لا يمكن أن تتحرّك أي "معارضة سياسية" سورية في خدمة ثورة شعب سورية، عن طريق الارتباط بهذا الطرف أو ذاك. وكل قرار تتخذه إحدى القوى الدولية بشأن سورية وشعبها وثورتها والعلاقات المستقبلية معها، إنّما هو قرار ذاتي، مصلحي، أناني، إذا تمّ انتزاعه عبر "تنازلات" على حساب الثورة وأهدافها فمن المستحيل أن يخدمها ويخدم أهدافها بقدر ما يخدم الطرف الدولي الذي يحصل على تلك التنازلات، إنّما يجب "فرضه بالضغوط".. وليس هذا سهلا، ولكن الإخفاق في الحصول على دعمٍ في اتجاه قد يقضي على أهداف الثورة، أخطر في حصيلته على أرض الواقع من الإخفاق في الحصول على دعم حقيقي بسبب عدم فعالية الضغوط.. وهذا ما يوجب العمل لزيادة قوة الضغوط.. وليس الاستغراق في درب التنازلات.

إنّ المعارضة السياسية السورية عاجزة حتى الآن، لأنها انطلقت من الاعتماد على قوتها الذاتية فحسب، وهي ضعيفة.. غاية الضعف، لا سيما وأنّها قامت على الأخطاء الجوهرية الجسيمة ابتداءً ولم تتخلّص منها حتى الآن كي تصبح قوية فاعلة.

إنّما تستطيع المعارضة السياسية الاعتماد على "قوّة الثورة الشعبية" الجبّارة، التي استطاعت الاستمرار عاما كاملا حتى الآن، رغم جميع المعيقات الإجرامية من جانب العصابات المتسلّطة، والمعيقات البالغة الخطورة من جانب قصور المعارضة السياسية نفسها ومن جانب القوى العربية والإقليمية والدولية. وبقدر ما ترتبط بالثورة يمكن أن تتحوّل إلى قوّة سياسية فاعلة في مسارها، عبر التعامل:

- مع نفسها لتحقيق إصلاح جذري لنفسها لا بدّ منه لتحقيق تغيير جذري في الوطن..

- مع الجناح المسلّح من الثورة الشعبية، المرتبط بالثورة أولا.. وليس بأي جهة سياسية..

- مع القوى العربية والقوى الإقليمية والدولية.. دون إغفال مفعول لغة المصالح ولغة الضغوط معا.

________________________________________

عام على الثورة الشعبية في سورية تحت القصف (3)

بين عصابات تخوض حرب فناء.. وسياسيين يخوضون حرب غنائم

1- مطرقة الإجرام 2- سندان السياسة 3- مسار الثورة

وصلت الثورة الشعبية في سورية إلى "عقدة المنشار" كما يقال، ولئن كانت الثقة بانتصارها وتحقيق أهدافها المشروعة ثقة بالغة، بحكم الإيمان بوعد الله، وسنن التاريخ، واستحالة استمرار بقاء العصابات الإجرامية المتسلّطة على ما كانت عليه طوال خمسة عقود، فإنّ مسار الثورة بعد عامها الأوّل مرتبط ارتباطا وثيقا بعناصر وعوامل عديدة يحكمها الواقع القائم على الأرض، وصناعة الواقع المستقبلي من خلال التأثير على مسارها الآن في الاتجاه الصحيح.

 

3 من 3: مسار الثورة

لم يعد غائبا عن الشعب الثائر.. أنّ الثورة ثورته، وأن التضحيات تضحياته، وأن صناعة مستقبله في يده أولا، وأنّ القوّة الوحيدة الثابتة التي لا تتزعزع هي قوّة ارتباطه بالله عزّ وجلّ.

لم يعد غائبا عن الشعب الثائر.. أن اعتماده من بعد ذلك على ساسة معارضين، وعلى قوى خارجية مؤيدة، اعتماد مشروط بأن تتمكّن الثورة من دفع الساسة المعارضين دفعا في الاتجاه الذي تفرضه الثورة ومشروعيتها وقيمها وأهدافها، وأن تتمكّن الثورة من فرض نفسها بنفسها، رقما لا يمكن تجاوزه في الحسابات السياسية المصلحية والأنانية للقوى العربية والإقليمية والدولية.

ولم يعد مجهولا أنّ مسار الثورة نفسه في حاجة حيوية ماسّة إلى أن يحقق سلسلة من الشروط الموضوعية الآن، لينتقل في العام الثاني من سلّم التضحيات البطولية المتواصلة التي بلغت مداها، إلى مرحلة الانتصار وتحقيق الأهداف.

لا يمكن -أثناء الثورة- التنبؤ بما يأتي به اليوم التالي، ناهيك عن العام التالي، ولكن يجب -أثناء الثورة- تأمين القدرة على إيجاد الشروط الموضوعية الضرورية ليشهد اليوم التالي والعام التالي خطوات أخرى نحو تحقيق الأهداف المرحلية والبعيدة.

وقبل الحديث عن اللحظة الآنية، يمكن الوقوف بإيجاز عند أهم الشروط الأساسية لتلك الأهداف، المرحلية والبعيدة معا:

1- لا يبدأ التأريخ للثورات بيوم محدد، وجميع ما يصنع في هذا الإطار أقرب إلى الرمزية من جهة وأقرب إلى "الدراسة التاريخية الأكاديمية" من جهة أخرى.. كذلك لا يسجّل التأريخ يوما محددا لبلوغ الثورة مداها، إنّما يسجّل حالة "تغيير" صنعتها الثورة، وهي في سورية تخصيصا حالة "تغيير جذري شامل"، لا يمكن القول إن من علاماته "إسقاط بقايا نظام سابق" فقط أو "انتخابات حرة نزيهة" فقط، ولا حتى "تشكيل أجهزة الدولة الجديدة" فحسب، ولهذا يمكن القول "إن عمر الثورة" يوازي عمر الجيل الذي صنع الثورة، ووصوله هو إلى مفاصل صناعة القرار والحدث، في جميع ميادين وجود المجتمع والدولة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والعسكرية والأمنية وحتى الفنية والرياضية وغيرها.. وهذا في مقدمّة ما ينبغي أن يضعه جيل الثورة في حسابه، أفرادا ومجموعات.

2- لا بدّ لتحقيق ذلك من رؤية مستقبلية بعيدة المدى ترتبط بها الرؤية الآنية لكل مرحلة من المراحل، وبناؤها على بعضها بعضا، والقدرة على التعامل مع "المكتسبات" الضرورية وتنميتها ومع "النكسات" المحتملة ومواجهتها، ولا بدّ أيضا من تواصل الجهود الصادرة عن أرضية الثورة وقيمها وأهدافها، ومن تضافر تلك الجهود، بحيث "تتراكم" أسباب القوّة لاستمرارية الثورة على طريقها الطويل نحو الأهداف البعيدة.

أمّا في اللحظة الآنية، وحتى استكمال إسقاط بقايا العصابات المتسلّطة على سورية وطنا وشعبا، فالثورة الشعبية في حاجة إلى تأمين سلسلة من الشروط البالغة الأهمية، وفي مقدّمتها:

1- جهاز سياسي يجمع بين "الوعي السياسي" و"الخطاب السياسي الثوري الواقعي"، على أن يكون جهازا مرتبطا ارتباطا مباشرا بجسم الثورة الداخلي ومعبّرا عنها في الداخل والخارج.

2- شبكة علاقات منضبطة بضوابط الثورة، للتعامل المباشر مع "الجناح المسلّح بكافة تشكيلاته وكتائبه وقياداته"، ومع "المعارضة السياسية" متمثلة في المجلس الوطني السوري والأطراف السياسية غير المرتبطة به، ومع القوى العربية والإقليمية والدولية، ومع المنظمات الحقوقية والإنسانية الإقليمية والدولية، ومع القوى الشعبية ذات التأثير الجماهيري في أكبر عدد ممكن من البلدان القريبة والبعيدة، لا سيما بلدان الربيع العربي.

3- "غرفة عمليات الثورة" التي تتشكل من بضعة أفراد من أصحاب الكفاءة والوعي أولا وممّن تتوافر لهم -معا- العلاقات المباشرة مع "الفعاليات الثورية في المدن والمحافظات"، ومع "كتائب الضباط والجنود" المتحررين من معتقل التسلّط القمعي على القوّات المسلّحة في سورية، ومن انضمّ إلى تلك الكتائب ويتبع لقياداتها من المتطوّعين"، بالإضافة إلى تواصل أولئك الأفراد مع "مراكز القوى الشعبية" ذات التأثير الجماهيري.

4- خطة محكمة مدروسة للتنسيق والتصعيد، مع ما ينبغي أن يرافق ذلك سياسيا وإعلاميا، داخليا وخارجيا، وما ينبغي أن تنطوي عليه الخطة من أسباب شغل القوّة الإجرامية للعصابات المتسلّطة بعمليات وهمية، وما يشتّت ما تعتمد عليه من مأجورين وعتاد على أوسع مساحة جغرافية، وما ينبغي تحييده واستهدافه من مراكز قوة التسلّط، وما ينبغي حمايته من مؤسسات، وكذلك ما ينبغي تفعيله من إعداد لجان شعبية محلية على مستوى الأحياء، لضمان الأوضاع المعيشية والحماية المدنية، على أن تشمل الخطة سلسلة الفعاليات الثورية الضرورية بدءا من اللحظة الآنية انتهاء بساعة الصفر في عملية شاملة جغرافيا ونوعيا لإسقاط بقايا العصابات المسلّحة.

. . .

إن الثورة الشعبية في سورية ثورة متميّزة تاريخيا، متميزة بتضحيات بطولية غير مسبوقة، كما أنها متميّزة نوعيا، فما يمكن أن تصنعه في واقع العرب والمسلمين والبشرية بعيد المدى، واسع النطاق، كما أنّها متميّزة بمواجهة عصابات طاغوتية موغلة بالإجرام، بجذورها التاريخية، وواقعها الداخلي، وارتباطاتها الخارجية.. ولهذا كلّه لا غنى عن العمل لمتابعة مسارها باتجاه النصر المؤزر بإذن الله، انطلاقا من أسباب القوة الضرورية للنصر، عقيدة لا تتزعزع، ومعرفة بالواقع وجميع معطياته دون ثغرات، ووعيا رفيعا عاليا بالسبل الكفيلة بتوظيف تلك المعطيات توظيفا سليما هادفا، ثم تكامل الجهود المتواصلة على طريق مشتركة، لا مكان فيها لمتخلّف عن مسار الثورة نفسه، ولا مراوغ على معايير النصر المنشود، ولا مكان فيها أيضا لأي شائبة من شوائب اليأس والقنوط، وأيّ خاطرة من خواطر يطرحها من يؤثرون النكوص أو الانحراف عن الأهداف الجليلة الشعبية المشروعة، ولقد ثبّت الله تعالى وعده بنصرة من يطلب الحق ويعمل من أجله، {وما يبدئ الباطل وما يعيد}، بل {نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون}.

=======================

ماذا بعد عام على الثورة في سورية ؟

د. خالد الناصر

لقد أطفأت ثورتنا المباركة شمعتها الأولى لكن شعلتها ازدادت لهيباً وعزم شعبنا ازداد تصميماً على نيل حقوقه المشروعة في الحرية والعدالة والكرامة والانتقال إلى نظام ديموقراطي يعبر عنه ويجسد إرادته ويوفر له كل الحريات والحقوق الإنسانية وذلك رغم كل ما يلجأ إليه النظام الوحشي الفاسد من ترهيب وترويع وجرائم يندى لها الجبين .

إن إمعان النظام الديكتاتوري في القتل والتنكيل والاعتقالات العشوائية وغير العشوائية وزجه الجيش في مواجهة الشعب واحتلاله المدن والأرياف وإطلاقه قطعان قواه الأمنية وشبيحته لتعيث في الألارض فساداً وتخريباً ونهباً واغتصاباً وتقتيلاً قد نقل الوضع في سورية إلى وضع احتلال من قبل عصابة حاكمة تحتكر السلطة والمال والإعلام وترتكز إلى شبكة أمنية متغلغلة في كل مفاصل حياة المجتمع السوري تحصي على الناس أنفاسهم وتصرفاتهم ، وإلى جيش بنته على أسس الولاء والطاعة وجعلت مهمته حماية نظام الفساد والاستبداد وليس حماية الوطن ليصبح بالفعل جيش احتلال يمارس ما يفوق ممارسات جيوش الاحتلال الأجنبية . إن هذا التطور الخطير بعد انقضاء عام على كفاح الشعب السوري البطل دون أي إذعان من النظام لإرادة الشعب وفي ظل عجز المجتمع العربي والإقليمي والدولي بل ودعم بعض أطرافه للنظام أو تلكؤ الأطراف الأخرى ، إن هذا يحتم على الثورة مراجعة استراتيجيتها وتطوير وسائل مواجهتها لتنتقل من أسلوب الحراك السلمي البسيط إلى مستوى المقاومة الشعبية الشاملة معتمدة بعد الله على قواها الذاتية وذلك ضمن مستويات ثلاثة :

-  المقاومة الشعبية السلمية بكل أشكالها من تظاهر إلى اغتصام ومن إضراب إلى عصيان مدني وإلى كل وسيلة تعبير أو مواجهة مدنية يتم ابتكارها أو تطويرها .

-  المقاومة الشعبية المسلحة التي تتولاها المجموعات العسكرية التي رفضت أوامر قتل الشعب وانضمت إلى صفوف الثورة متولية حماية المتظاهرين والمدنيين والدفاع في وجه هجمات قوات النظام ، وكذلك المتطوعين الملتحقين بهذه المجموعات من صفوف الشعب .

-  حركة سياسية تنبثق من رحم الثورة والثوار وتضم كل من يؤمن بخطها ويعمل على انتصارها من الناشطين السياسيين في الداخل والخارج ، وتتولي التنسيق بين قوى المقاومة وتشكيلاتها وتكون صوتها الإعلامي المعبر عنها وتعمل على تأمين احتياجاتها اللوجستية والإغاثية وتسعى لحشد الدعم الخارجي لها بما يقويها وينصر قضيتها ويحاصر النظام ويكشف جرائمه دون أن تكون أداة لأجندات خارجية أو أن تنخدع بأنصاف الحلول التي تهدف إلى إطالة عمر النظام أو إخراجه من ورطته .

إن استعراض ما تبلور في هذا العام من عمر الثورة يكشف عن قصور خطير في كل الأشكال التي بلورتها المعارضة السياسية التي تصدت لحمل عبء تمثيل الثورة فكانت إما تجمعات لفعاليات خارجية وقوى في المنفى وإما لأحزاب وقوى سياسية كانت تعارض النظام قبل الثورة وقدمت ما قدمت من نضال وتضحيات لا تنكر ولكنها تفاجأت هي الأخرى بانتفاضة الشعب السوري الذي تخطى كل طرح ايديولوجي وبالتالي ظلت عاجزة عن مواكبة حركة الثورة وظلت متشككة في قدرتها على إسقاط هذا النظام . لهذا السبب رأينا المجموعات الأولى ملهوفة على تدخل أجنبي يتولى عنها إطاحة النظام وتنزلق إلى التساهل في الثمن المطلوب لمثل هذا التدخل وهو تدخل لا زالت القوى الدولية محجمة عنه لحسابات لديها ، ورأينا المجموعة الثانية تراهن على إقناع حلفاء النظام الاقليميين والدوليين بالتخلي عنه أو الضغط عليه للقبول بتسوية سلمية مقبولة ، وبالطبع لا حلفاء النظام أبدوا ما يتيح مثل هذا الأمر ولا النظام لديه أصلاً سوى حله الأمني القمعي . وفي كل الأحوال وجد الثوار في الداخل أنفسهم بعيدين عن كل هذا وكأنهم أصبحوا ورقة تتجاذبها القوى السياسية المعارضة التي تبرر ما تقوم به بمقتضيات السياسة ، وأصبحت قضية الثورة السورية برمتها وكأنها أزمة على ساحة الصراع الدولي .

إن هذه الحقائق تطرح بوضوح على الثورة وحراكها الشعبي التفتيش على مخارج وأساليب تعيد القضية إلى مجراها الحقيقي وإلى الاعتماد على مصدر قوتها الحقيقية التي لا تقهر وهي إرادة الشعب نفسه وتنظيمه قواه وتفعيلها فهي التي ستفرض على الجميع احترام رغبته في إسقاط هذا النظام وبناء النظام الذي يرغب ، وسيكون كل جهد خارجي بعد ذلك ونتيجة لذلك جهد مكمل وليس للأجندات الخارجية عليه من تأثير كبير .

========================

جرائم النظام السوري شاهد ومشهود

بدرالدين حسن قربي

ليس غريباً أن تحتل عصابات النظام السوري وشبيحته المرتبة الأولى عالمياً في أعمال الإبادة المتوحشة ضد شعبها الأعزل، بتحولها إلى قاتل للمواطنين والأطفال، ومغتصب للنساء، وحارقٍ لجثث الضحايا خلال عام كامل من بدء الثورة.

قد يستطيع النظام بما أوتي من أفانين الكذب والافتراء أن يبرّر ملاحقته لعناصره وجنوده المنشقين والتاركين لجيشهبآلاف الدبابات والآليات العسكرية وعشرات الآلاف من الجند والشبيحة تعيث على أرض سوريا قتلاً ودماراً بمبررات واهية لمدة بلغت عاماً كاملاً مكتملاً. ولكن ماذا عن قتل المدنيين وسفك دمائهم وارتكاب أبشع المجازر فيهم،وهم ليسوا في أشد أحوالهم أكثر من متظاهرين مسالمين، وماذا عن أقبح المجازر ذبحاً وقتلاً وحرقاً ورمياً للجثث في مكبات النفايات والتمثيل بها إلى درجة غير متصوّرة، من أن صنفاً مهما بلغ من التوحش أن يفعل مافعلته قوات الأسد وشبيحته في مواطنيها.

مايلفتنا هنا بروباغندا النظام وإفكه بنسبة ماتفعله عصاباته وشبيحته وبمعزل عن أي وجود إعلامي عربي أو دولي محايد إلى القوات المنشقة عن جيشه أو مايسميه بالمعارضة المسلحة والعصابات المتمردة، وله في ذلك أنصار وأجناد يعملون ليل نهار على تغطية السموات بالقبوات، والمجادلة في البدهيات.

وللرد على مثل هذه المقولات المختلقَة، نذكّر بأمر معروف ومتواتر تسبب في تفجير ثورة مشهودة مازال أوارها مشتعلاً حتى اليوم، وهو ما فعله ضابط أمن محافطة درعا قبيل عام في اعتقاله لتسعة عشر طفلاً تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثانية عشر من مدرسة الأربعين الابتدائية في درعا قرابة شهر لم تأخذه في تعذيبهم رأفة ولا رحمة، بلغ التوحش فيه حد تقليع الأظافر.

ونذكّر أيضاً بأن المعارضة المسلحة التي ينسب إليها النظام هذه الأفعال هي شاهد إثبات على جرائمه، وانشقاقها بالآلاف ضباطاً وأفراداً عنه بسبب المارسات القمعية وأوامر القتل التي كانت تطلب منها دليل قاطع ضده. لأنها جنوده وضبّاطه وعساكره الذين تربوا في ثكناته وتدربوا على أسلحته، وإنما أخلاقهم وشرفهم منعهم من إطلاق النار وممارسة القتل على شعبهم من المتظاهرين السلميين إنفاذاً لأوامر النظام القامع، فكان جزاؤهم أن يقتّلوا مما تسبب في انشقاقات بات أصحابها ملاحقين متّهمينمخوّنين ومعارضين مسلّحين يراد تصفيتهم. فهل لمن هرب بنخوته ومروءتهوانشق لرفضه قتل مواطنيه ووضع دمه على كفّهأن يقوم بقتل المدنيين العزْل واغتصابهم والتمثيل بهم..!؟ ثم إن كان مايقوله نظام القتلة والشبيحة فيه بعض الصحة، فلماذا لايدعو إلى تحقيق دولي مشهود ويثبت فيه هذه الجرائم ويوثّقها ويصبح عنده مبرراً لملاحقة هؤلاء بتهمة الإرهاب والإفساد.

إن رفض النظام أي تحقيق، ومنعه منظمات المجتمع المدني ومعها المنظمات الإنسانية كالهلال والصليب الأحمر من الدخول إلى مناطق عملياته، ورفضه حتى الحضور الإعلامي المحايد عربياً ودولياً، وعدم إعلان أسماء الضحايا وتعزية أهلهم ومواساتهم ولو بإظهار قليل من الحزن عليهم وتخفيفه من مظاهر الفرح بانتصار مزعوم ووعدهم بملاحقة القتلة، فضلاً عن تاريخه الإجرامي المعروف لعشرات الآلاف من الضحايا، ووجود عشرات الآلاف من اليوتوبات والفيديوات المصورة عن جرائمه، تثبت بالأدلة القاطعة جرائمه ومجازره وتوحشه، وتؤكد أن نظام بشارسيسكو ماضٍ عاجلاً لا آجلاً إلى مصير المجرمين العتاولة الذين سبقوه من أمثال القذافي وتشاوسيسكو، وأن كل مايفعله هو من علامات آخرته التي اقتربت ساعتها، ولن ينفعه يومها أمن ولا شبيحة، ولا دجل عصابات، ولا كذب أفّاكين ولا فبركةمفترين، بل ويل يومئذٍ للمجرمين.

http://www.youtube.com/watch?feature=

player_embedded&v=D5-6tpT-zY4

*نعتذر عن عرض عشرات اليوتوبات المؤكدة لمجازر النظام وحرق الجثث لاسيما من الأطفال والنساء، مما تعافه النفس ولا تحتمله.

=========================

الأسد ونظرية المؤامرة

جان كورد

رغم كل التطورات التي شهدتها الساحة السورية من احداث جسام، خلال سنة كاملة من عمر الثورة الكبرى، فإن الأسد وزمرته الحاكمة بقوة السلاح وعن طريق إرهاب الشعب وترويعه بارتكاب المجازر البشعة ونبيحته الإعلامية التي تعيش على فتات المائدة الأسدية يعتقدون بأن ثمة "مؤامرة كونية!" ضدهم، وهم مستمرون على خطى قائدهم الذي عانى من ذات "المؤامرة" في ثمانينات القرن الماضي ولكنه قضى عليها عن طريق العنف الوحشي، على مرأى ومسمع العالم، وبرعاية سوفيتية – صينية وفي ظل صمت عربي مخزي. وبخاصة فإن شخصيات دولية هامة قد دخلوا على الخط بصدد ما يجري في سوريا، منهم العاهل السعودي والأمين العام للأمم المتحدة الحالي والسابق، والسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية ومن وراءها وإلى جانبها من رجالات أوروبيين، مثلما دخل على الخط ضد هتلر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، والدكتاتور الشيوعي السوفييتي جوزيف ستالين ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، على الرغم من أن الفارق الكبير في التعامل مع النظام بين الحالتين.

نظرية المؤامرة هذه قديمة، تعود إلى ما بعد ظهور أول جمعية ألمانية للمثقفين المتنورين "إيلوميناتي"، المعروفين ب "البنائين" في عام 1776، أي قبل الثورة الفرنسية ب 13 عاماً، على أيدي آدام فايسهاوبت، المثقف الذي لايعرف عنه إلا القليل حتى نهاية القرن العشرين، حيث كان لهذه الجمعية السرية دور هام في التفاف المثقفين الفرنسيين حول الثورة التي تحولت إلى "مقصلة كبيرة" في أيدي رجالها فيما بينهم، يقطعون بها رؤوس كل من خالفهم الرأي.

لقد اتهم كثيرون من المؤمنين ب"نظرية المؤامرة" الثورة الفرنسية، ذات المبادىء العالمية الكبرى والقيم الإنسانية العليا، بأنها كانت من نسج القوى الخفية "الشيطانية" الدولية، في أيدي الحركة "اليهودية" للاستيلاء على العالم كله وتسخيره لاهدافها "التخريبية" والمعادية للإنسانية، ولذلك فإن تلك الثورة – حسب اعتقادهم – كانت أداةً للإطاحة بمختلف النظم الملكية والعائلات الحاكمة في أوروبا، وكانت سلاحاً لسفك دماء الملايين من البشر. كما اتهم هؤلاء الثورة البلشفية، التي كان قائدها لينين عميلاً مدفوعاً له لدى مخابرات القيصرية الألمانية، بذات التهمة إلى حدٍ كبير، في حين أن الدكتاتور ستالين كان يرى أيادي خفية لمنتسبي جمعيات البنائين السرية في الفشل الاقتصادي الشنيع لسياساته الزراعية والصناعية وللانتكاسات المتتالية للشيوعية في بلاده.

ولقد اعتبر أدولف هتلر ووزير إعلامه الرهيب غوبلز اليهود سبباً من أسباب الانحطاط الاقتصادي والفشل العسكري لألمانيا، واعتبرا تحالف الشيوعيين مع الولايات المتحدة وبريطانيا ضد النازية "دعوة مفتوحة لابادة اليهود في أوروبا"، على حد قول الكاتب الإخصائي في شأن الجمعيات السرية يوهانس روغالا فون بيبرشتاين، صاحب كتاب "أسطورة المؤامرة".

وهكذا كان كل من آية الله خميني وصدام حسين يعتبران الجمعيات السرية اليهودية العالمية وراء المعارضة ضد حكمهما في كل من ايران والعراق، وكان كل واحد يرى في الاخر أداة لهيمنة "الشيطان الأكبر" على بلادهما، على الرغم من أنهما كانا في حالة حرب مدمرة ضد بعضهما بعضاً، بقرار كل منهما، ومثلهما رأى كل الدكتاتوريين الرافضين لنداءات شعوبهم اليهود وراء الحركات والمعارضات الساعية لاسقاطهم، ومنهم الأسد الأب الذي كاد يبكي خوفاً من السقوط، أثناء ثورة الشعب السوري في بعض المدن، ومنها مدينة حماه الباسلة، التي تعرضت لمذبحة رهيبة على أيدي قواته، وهو يشير بأصابع الاتهام إلى "القوى الامبريالية – الصهيونية" العاملة على التصدي لسياسته "الوطنية التقدمية!

تعاظمت النقاشات وتوسعت المداخلات وكثرت المؤلفات عن الجمعيات السرية العالمية على أثر الهجوم الارهابي الشهير في 11 من سبتمبر 2001 على برجي التجارة العالمية والبنتاغون في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى فاق عدد الصفحات المدونة عن هذه الجمعيات والمؤامرات عن ال130.000 صفحة من حجم (آ 4).

الأسد وزبانيته المجرمون يتكلمون اليوم ايضاً عن "منظمات سرية مدعومة دولياً" تعمل للإطاحة بنظامهم "العربي الوطني الإنساني التقدمي الديموقراطي العامل على تحرير المقدسات العربية...الطاهر الذي لامثيل له في العدالة والمساواة!!!!"، وذلك دون أن يقدم أي دليل موثوق على عروبته ووطنيته وإنسانيته وتقدميته وديموقراطيته واستعداده للتحرير ولاقامته مجتمع العدالة والمساواة، ودون أن يقنع العالم بوجود تلك المنظمات ومساهمتها في كفاح الشعب السوري، وهذا لايختلف كثيراً عن مزاعم صدام حسين وآية الله خميني وكذلك آية الله خامئني وتابعه محمود أحمقى نجاد وخادمه اللبناني الأمين حسن نصر اللات.

نظرية المؤامرة نظرية خطيرة يستغلها كل من هب ودب، من أباطرة وملوك ودكتاتوريين شموليين، فينسجون حولها القصص الخيالية ويستندون إلى وثائق تاريخية مشكوك في أمرها، ومنها بعض الوثائق اليهودية ك"بروتوكولات حكماء صهيون" التي يعتبرها الخبير السياسي السوري الكبير أسامة الطبي في كتابه الشهير من عام 1993عن بعبع المؤامرة في السياسة العربية أحد أشد المواد "المعادية للسامية" اثارة في العالم، وبخاصة في العالم الإسلامي.

=========================

سوريا: الشعب يرسم معالم المستقبل

د. ضرغام الدباغ

تنقل قنوات التلفاز ووسائل الإعلام صور ومشاهد لا تنتمي لهذا العصر ولا تشرف هذا الزمن، وبداهة لا تشرف منظمي المجزرة ولا منفذيها الذين حكموا على أنفسهم بأنفسهم، بل ولا الساكتين عنها. فها هي الجريمة ماثلة للعيان موثقة بالصورة والصوت. قد لا تنعقد المحكمة اليوم، ولكن من يفلت من الحساب اليوم ففي غد سوف لن يفلت، وليتذكر الهاربون من وجه العدالة، أن لا مأوى لهم، وليعلموا أنهم ارتكبوا جرائم قتل عمد مع سبق الاصرار والترصد، وسيقفون ذات يوم في قفص الاتهام، فهذه جرائم إبادة بشرية لا تسقط بالتقادم.

وعندما تتواتر اليوم الأنباء المؤسفة من سوريا، نشرات الأخبار العالمية تتحدث مطولاً عن سوريا، القنوات الفضائية الدولية الرئيسية تبث مشاهد عن أرتال الدبابات وجحافل جيش النظام، ومقاطع مطولة عن مشاهد الموت في سورية. إذن هي لم تعد أزمة وهي ليست من اختراع الإعلام المعادي، وهي ليست ورائنا، ولا مؤامرة دولية، فليس هناك جهة معينة مهما بلغت من قوة وامكانات قادرة على إخراج عشرات الآلاف إلى شوارع المدن السورية يومياً، وخارج سوريا أيضاً ولمدة تقارب العام، يقدمون حياتهم من أجل حرية هم سيصلونها حتماً، والنظام بحديثه عن مؤامرة فهو لا يعبر عن احترامه لنفسه أولاً وللشعب ولإرادته تالياً.

النظام في سوريا يبحر في الأوهام بعيداً إذ يعتقد أنه يحرز الانتصارات، لا بل هو يغطس أكثر فأكثر في رمال لا خلاص منها. النظام قرر وبقلة ذكاء وحيلة منقطعة النظير،(بسبب تعقد آلة الحكم وتعدد مراكز النفوذ والقرار داخلياً وخارجياً) أن بوسعه أن ينجو بالغطس عميقاً، أستبعد نهائياً أية حلول سوى مواصلة احتفالية الموت والدم، وهو لا يدرك أن لا شيئ في الدنيا كالدماء تطارد وتلح وتستفهم، تقض مضاجع الجناة، بل وقد تدفع بهم للانتحار .

في سوريا يتسع معسكر الثورة، الثورة ليست مدينة، وليست حياً أو حارة، سوريا كلها في معسكر واحد، وهي اليوم بأسرها قد أصبحت على قناعة أن النظام قد غدا ورماً سرطانياً كما لم يكن سابقاً ولا يجوز الإبقاء عليه، وإلا فسوف يجهز على البلاد بأسرها. والأورام السرطانية لابد من معالجتها دون تردد مهما كان الثمن. المواجهة اليوم تدور بالضبط بين سوريا الشعب ومستقبله والدولة كمنجز للاستقلال الوطني، وبين نظام ديكتاتوري يرفض التقدم وأحكم بنفسه إغلاق آفاق التطور، المسألة المركزية في سوريا الآن تعبر عن نفسها بشكل مادي كاستحقاق اللانتقال إلى المرحلة القادمة بصرف النظر عن أسماء الأشخاص أو أسماء وعناوين الحركات السياسية، بل في ضرورة اجتياز المرحلة الحالية، والتوصل لنظام ديمقراطي تعددي يمثل الشعب أوسع تمثيل.

الموقف في الداخل السوري اليوم بلغ درجة عالية جداً من النضج الفكري والسياسي، وفي تبلور في المواقف والحلول. اليوم لم تعد المسألة بين أطراف، بل بين شعب ومرحلة من استحقاق قانوني دستوري لا علاقة له بأسماء الأشخاص أو الأحزاب والحركات السياسية، فالنظام الحالي قد تجاوزه الزمن والأحداث والمستحقات وانتهت مبررات وجوده، ويطلق عليه في علم السياسة (غير قادر على الحكم) (Unable government)، فالحكم الذي يستخدم القوات المسلحة للبلاد في ضرب الشعب، في حين يعجز عن استيعاب رغبة الجمهور في تحويلات سياسية وقانونية / دستورية، تحولات عميقة ومهمة ومحقة باعتراف الجميع، يفقد مبررات وجوده. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود عجز النظام العائلي عن تحقيق الحلول لأية من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وواجه كل معارضة بالعنف المسلح، ألا يطرح ذلك بالضرورة مستحقات مهمة في مقدمتها أن تخطو البلاد خطوة واقعية وليست لفظية صوب أفاق حياة سياسية جديدة، فهذا من أبسط حقوق الناس، تمارس في البلدان المحترمة من أجل قضايا بسيطة للغاية، فتجري الاستفتاءات، وإعادة الانتخابات، وينسحب المسئولون عن ساحة العمل السياسي معززين محترمين.

النظام أسدل بنفسه الستار على مسرحية الدستور وأحال الأمر كله إلى لا شيئ،والحركة المطلبية إلى دفاع عن نظام الأسرة مقابل الشعب وكافة الاستحقاقات. الدستور أنتهى إلى ما يستحقه، فالنظام لم يعد نظاماً وهو من ألغى شرعيته بنفسه رسمياً، إذ لا شيئ في بنية الدولة له حساسية الدساتير، التي تثلم شرعيتها حتى بالشبهات، وتسقط عروش وتنهار دول لأن حكوماتها خالفت ليس الدستور، بل روح الدستور، والدستور المهزلة الذي شرعه النظام ينطوي على معطلاته منذ البدء، فهو دستور قدم للشعب بيد والصاروخ بيد آخر، في بلد يغطس في حمام دم وملفاته مطروحة أمام المؤسسات الدولية، فأي نظام هذا وأي دستور وأي شرعية...؟

اليوم في سوريا النظام بسياسة الأرض المحروقة، يقدم خدمة من حيث لا يقصد، فبغض النظر عن كل شيئ، اليوم تحديداً يدرك أي مواطن سوري أن السكوت لم يعد ممكناً، واليوم تحديداً تدرك أي حركة سياسية في سوريا أن الازمة تتجاوز الحساسيات الصغيرة، وتقرب من وجهات النظر، وتحيل الخلاف حول جزئيات صغيرة، إلى شؤون ثانوية لا قيمة لها حيال مشروع بناء وتشييد سوريا جديدة ديمقراطية تعددية، ليذهب الناس إلى صناديق الانتخابات ويختارون من يقودهم، أين الخطأ في ذلك ..؟

النظام منح المعركة طابعاً شعبياً لا جدال فيه(سنبين ذلك في الفقرة التالية)، في خطوطه العريضة وفي تفاصيله ومفرداته الصغيرة أيضاً، النظام مزق كافة الستر التي غلف نفسه بها طيلة عقود طويلة، من شعارات قومية وتمترس وراء شعار سخيف (الممانعة) لا يسمن ولا يغني من جوع، بعد أن بهتت شعارات الحزب الذي كان الضحية الأولى التي نحرت على يد نظام الأسرة الديكتاتوري، وبذلك أستبعد النظام أي محتوى سياسي أو اجتماعي يستحق الاحترام، ولم يعد يهمه حفظ الكيان السياسي للدولة والدفاع عن مكتسبات الشعب، بل وضع نفسه في مهب المصالح الدولية، فدخل تحت الخيمة الإيرانية وتفاصيلها المعادية للأمة العربية(بشعارات طائفية)، وداهن الغرب بابتزاز مذل عندما طرح نفسه حامياً لإسرائيل، ومنح الروس ما يحلمون به منذ قرون ليس بموطئ قدم فحسب، بل ومرسى للسفن والأساطيل. هكذا ذبح النظام سيادة الوطن السوري فقط ليستمر النهب والتحكم والقمع والقهر والتسويف.

في الساحة الدولية هناك تردد أسبابه معروفة، الموقف الروسي والصيني يعبر عن مصالح الدولتين العظميين، ولكن هذا الموقف لا يعول عليه للنهاية بالطبع فهناك نقطة سيبلغها مسار الأزمة، آنذاك سوف لن تستطيع روسيا والصين التضحية بسمعتهم بالدرجة الأولى، ومن ثم بمصالحهم مع القوى الدولية الأخرى، وهو بالضبط ما عبر عنه الروس والصينيون مرات عديدة أن وقوفهم لجانب النظام ليس أبدياً، واليوم تحديداً (14/ مارس) شاهدنا وزير الخارجية الروسي لافروف يدلي ببيان مهم في الدوما الروسي، يشير بصراحة ما بعدها صراحة أن النظام يتجاهل النصائح، وأن روسيا لا تقف مع نظام بل هي مع سوريا الدولة، والغرب بعد حساب كافة المصالح، ستسحبهم الواقعية إلى مواقف أكثر جدية، وهذا تحول يلمس يومياً، فالصحفيون الغربيون يزودون الرأي العام الأوربي بمعطيات الموقف يومياً وبدقة والرأي العام الأوربي مذهول من أفعال النظام، والأنظمة الأوربية لا تستطيع تجاهل الرأي العام لديها.

وفي القمة الأوربية (2/ مارس) طالب قادة الاتحاد بمحاسبة النظام السوري على أعماله و" الفظائع " التي ارتكبت في إطار قمع الاحتجاجات في البلاد، فالغرب رغم موقفه المرن اللين حيال النظام إلا أنه لا يستطيع أن يكذب عينيه ولا يستطيع الكذب على شعبه. قالت المستشارة الألمانية ميركل إن العنف الذي يمارسه النظام السوري ضد شعبه " غير مقبول على الإطلاق ". وأكدت المستشارة عقب اختتام قمة الاتحاد الأوروبي التي استمرت يومين في بروكسل أن الاتحاد سيبذل ما بوسعه حتى "يتم مستقبلا محاكمة الذين ينتهكون اليوم حقوق الإنسان بأقصى درجة ". أما الرئيس الفرنسي ساركوزي فقد اعتبر أن الوضع في سوريا يمثل "فضيحة" بالنظر إلى عنف القمع الذي مارسه نظام الرئيس بشار الأسد، فيما صرح الرئيس الأمريكي أوباما أن " أيام الأسد باتت معدودة ".

النظام عول على الوقت في سباق مع القتل والحرق والاقتلاع، ولكن ذلك لم ينجح وسوف لن ينجح في مراوغاته وتسويفاته، وما سيحصل هو أن النظام سيجد نفسه قد غطس في حفرة عميقة لا نجاة منها. هذا هو الموقف اليوم، الوقت لا يلعب لصالح النظام، وممارساته الخاطئة تضيف تراكمات سلبية ستبلغ قريباً حدها الأقصى، وهذا المخاض الدموي الرهيب الذي يعيشه الشعب السوري، سينهي مرحلة استحقت أن تغرب، إنما يمثل معالم المستقبل وولادة جديدة لسوريا كما تستحق، والشعب يؤدي ما يستحقه أفق مشرق هم بالغوه.

المقال جزء من ندوة حول الشؤون السورية في إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 14/ آذار / 2012

=========================

... والباقي سياسة

فواز طرابلسي

ضَعْ صورة المشهد في حيّ كرم الزيتون في حمص (لا مشهد إلاه) وضَعْ الى جانبها صورة المشهد من حيّ تل الزعتر في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (لا مشهد إلاه).

أصمتْ.

إقرأ محمود درويش الذي مرّت ذكرى ميلاده أمس في قصيدة «أنا يوسف، يا أبي»:

«واتّهموا الذئبَ، والذئبُ أرحم من إخوتي، يا أبتي».

لولا واجب الكتابة الاسبوعية الواجب تجاه القراء لما احتجت أكثر من هذا لليوم.

الباقي... سياسة.

وفي السياسة، عندما لا تملك سلطة رسمية من موقف أمام مجزرة قضى فيها حوالي ٤٧امرأة وطفلاً «مذبوحين او مطعونين» غير الاتهام المتكرر منذ اثني عشر شهرا ل«المجموعات الارهابية المسلحة» والاتهام المستجدّ للسعودية وقطر بتمويل تلك المجموعات وتسليحها، فهي تعلن أنها قد استقالت من كل وظيفة من الوظائف المتعارف عليها للحكم والسلطة والدولة. وعندما ترفض السلطات التحقيق في مجزرة بحق مدنيين، فتستبقه بتعيين مرتكبين مجهولين وتوحي بأنها تقتصّ منهم على طريقتها، فإنها تتخلى عن أي حق في ادعاء المسؤولية عن وطن وشعب والصالح العام والحق العام والخير العام ناهيك عن المال العام. فما عليها، والحال هذه، الا التنحي، لأنها لم تفقد المصداقية ولا الشرعية فقط، فقدت الوظيفة.

في وقت سابق كان رئيس الدولة يعترف بوجود «أخطاء» ترتكبها قوات الامن، وكان يتذرّع بصعوبة العثور على أدلّة تُفضي الى مرتكبي الجرائم من تلك القوات ومن «المجموعات الارهابية المسلحة». اما الآن فيبلغنا وزير إعلامه بأن النظام قد «اعتاد على هذه المجازر».

لا عجب ان يكون حكم من هذا النوع قد أسلس قياده للخارج لكثرة ما «خَوْرَج» قضاياه ومشكلاته. بعد سنة على انطلاقة الثورة، يمكن القول ان القضية السورية باتت الى أبعد حد بأيد عربية واقليمية ودولية وأممية. ولكن يصعب القول ان تلك الايدي أمينة او كفوءة. ها هو وزير خارجية فرنسا يعترف بعجز العالم عن فعل شيء أمام القتل اليومي في سوريا. واما الامين العام للامم المتحدة فانه يدين «القوة المفرطة» التي يستخدمها النظام، على اعتبار ان «العنف» او «القتل» لم يدخلا قاموس المؤسسة الاممية بعد. ويتنقل مبعوث تلك المؤسسة الاممية كوفي أنان بين العواصم شاكيا صعوبة مهمته، لدى «عثمانيين جدد» لم يعد لهم حول ولا قوة، لفرط ما هددوا وتوعدوا، منتظراً الاتفاق الروسي الاميركي لانجاحها. في الانتظار، تلقاه عند الرئيس الاسد يناقش مبادرة من خمس نقاط اتفق عليها وزير الخارجية الروسي لافروف مع وزراء الخارجية العرب في القاهرة. وتسمع من دمشق الاعلان عن موافقتها على مبادرة من ست نقاط تقدمت بها ... الصين.

والعالم كله يبحث في وقف اطلاق النار. اقتضى الامر سنة لافتتاح البحث. مع ان لافروف يعترف بأن النظام السوري يتحمل «مسؤولية كبيرة عن الوضع الحالي»، الا انه يرفض ان يطالب الطرف الذي «يتحمل مسؤولية كبيرة» بأن يبادر الى وقف إطلاق النار. بل ان وزير خارجية روسيا لا يتردد في تحذير دول العالم من «التلاعب» بقرارات مجلس الامن، وهي القرارات التي لم تصدر لأنه مارس ضدها حق النقض!

وافقت دمشق على وقف اطلاق النار شرط قبول المعارضة بالحوار. على غرابة الشرط، وعدم التوازي بين الشرط والمشروط، ها هي السلطة تمدّ يدها الى «الآخر»، وتعلن استعدادها ل«الحوار مع الآخر» وهو مبدأ سامٍ من مبادئ الفكر الليبرالي وأدبيات «فض النزاعات » ومنه تدرّج المفهوم الى محطات التلفزة النفطوغازية وبرامج «الرأي والرأي الآخر».

ولكن لكي يتم «الحوار مع الآخر» لا بد ان تعترف «الانا» السلطوي بذاك «الآخر» وان يبدي من ثم الرغبة في الحوار معه. ربما فات كاتب هذه السطور اعلانات رسمية سورية متكررة عن اعتراف دمشق بالمجلس الوطني السوري او بهيئة التنسيق، ولو بوصفهما مجرد طرفين من اطراف المعارضة. ولكن لنفترض ان المعارضة، بأطيافها المختلفة، وافقت على «الحوار»، علامَ سوف يتم الحوار؟ على اصلاحات تكرّست في القوانين وفي الدستور وجرت بناء عليها انتخابات بلدية وسوف تجري عليها انتخابات نيابية قريبا؟ أم تراه سوف يدور مدار تشكيل حكومة مثلثة الاطراف تشارك فيها «معارضة الداخل»؟

وما دامت سوريا في عهدة كل هذه الايدي، لعلنا نتقدم باقتراح متواضع للملك السعودي، الحريص على الانتقال الديمقراطي في سوريا، بأن يتبنى دستورا مثل الدستور السوري الحالي، يقرر أن «الفقه الاسلامي مصدر رئيسي للتشريع» ويتضمّن الصلاحيات شبه المطلقة التي يتمتع بها رئيس الدولة السوري على ان يتسلّم الحاكم السعودي منصبه بناء على انتخابات شعبية مباشرة وان يتولى الرئاسة للمهلة إياها المحددة للرئيس السوري.

يعلن المرشد العام للجمهورية الاسلامية الايرانية ان لا حل للازمة السورية الا بالاصلاحات التي يعرضها النظام. على نهج «من ساواك بنفسه ما ظلمك»، يمكننا ان نقترح «الاصلاحات» ذاتها على النظام الايراني. منها ان يتمتع رئيس الجمهورية، السيد احمدي نجاد، ومن سوف يخلفه، بالصلاحيات التي يمنحها الدستور السوري للرئيس بشار الاسد. نقصد ان يعيّن بمرسوم اعضاء مجلس الشورى بعد انتخابهم من قبل الشعب، وان يمارس التشريع في وجود او غياب ذلك المجلس، وان يجمع الى صفة القائد العام للقوات المسلحة وحدانية السلطة التنفيذية، وان يعيّن الوزراء ورئيسهم ويطالب كلا منهم بتقارير عن نشاطه، ويصرفهم أفرادا ورئيساً وجماعة، كل هذا في ظل اعفائه من تقديم اي حساب عن اعماله لاحد او خضوعه لمساءلة او محاسبة. وهي اصلاحات لا يخفى انها تعني تنازل المرشد العام للثورة لرئيس الجمهورية عن معظم صلاحياته!

بعد سنة على انطلاقة الثورة، لا يزال وزير الخارجية وليد المعلّم مطمئنا إلى أن ما من احد يتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا!

وبعد سنة على انطلاقة الثورة، لا يبدو ان احدا في الحكم بسوريا اكتشف ان سياسة القتل - من درعا الى بابا عمرو وكرم الزيتون - لم تفلح في ترويع المحتجين ولا في ثنيهم عن التظاهر السلمي المتصاعد الوتيرة والانتشار بل انها زادتهم تصميما على تغيير النظام. النجاح الوحيد هنا هو رفع منسوب الدم ودفع المزيد من المدنيين الى حمل السلاح.

وثمة من لا يزال ينتظر ساعة «الحسم» العسكري.

وتصوّروا ان كل هذه «القصة» بدأت ببضعة آلاف من المتظاهرين طالبوا برفع حالة الطوارئ!

fawwaz.traboulsi@gmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ