ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 10/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

هل يحاكم الرئيس بشار الأسد دوليا؟

محمد بوبوش

باحث في العلاقات الدولية –جامعة محمد الخامس-الرباط

أثارت الثورات الشعبية في العالم العربي و التي تطالب بالحرية أو احتجاجاً على سوء وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية [1] من مسائل قانونية، خاصة في ظل ما أحدثته من دوي هائل في الأوساط الحقوقية، داخلياً ودولياً، واحتجاج العديد من الجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، ومن بينها المجلس الدولي لحقوق الإنسان، بارتكاب أفعالاً خطيرة تشكل جرائم دولية وجنائية عديدة ارتكبها الحكام العرب في دول الربيع العربي ضد شعوبهم العزل لعل أهم هذه الجرائم وأخطرها قتل المتظاهرين السلميين في المنطقة العربية ترقى لمرتبة الجرائم ضد الإنسانية [2].

وما يميز الجرائم الإنسانية عن غيرها أنها تتبع سياسة دولة أو منظمة ضد السكان المدنيين مع العلم أن قتل شخص مدني واحد يمكن أن يشكل جريمة ضد الإنسانية إذا ارتكب ضمن هجوم واسع النطاق أومنهجي بخلاف الأفعال الإجرامية المرتكبة من قبل شخص ما ضد ضحية واحدة وبناء عليه يمكن محاكمة العديد من الرؤساء العرب عن الجرائم التي ارتكبوها ضد الثوار في كل دولة وأيضا يمكن محاكمة القادة الأمريكان بها جراء ما ارتكبوه من جرائم في أفغانستان والعراق, ويمكن محاكمة القادة الإسرائيليين بها جراء ما ارتكبوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.

إن الأساس القانوني للمسئولية الجنائية للقادة يتجلى في كونهم يرتكبون جرائم ضد الإنسانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أي لا يرتكبونها بأنفسهم بل يأمرون أو يخططون أو يحرضون أو يسهمون بشكل أو بآخر في ارتكابها وتنطبق هذه الصورة على حالة الرئيس حسني مبارك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح وآخرهم الرئيس السوري بشار الأسد [3].

وهناك صورة أخري للمسئولية الجنائية الدولية للقادة تتمثل في مسئوليتهم عن الجرائم الدولية المرتكبة من قبل مرءوسيهم والقائمة علي تقصير القادة في اتخاذ إجراء لمنع من يقوم بارتكاب الجريمة وهي قائمة علي الامتناع أو الإحجام الشخصي الإرادي عن إثبات فعل ايجابي ينتظره الشارع في ظل وجود واجب قانوني يلزمه بهذا الفعل ومن هناك فإن هذه المسئولية لا يمكن أن يفلت منها الرئيس بشار الأسد وأعوانه حيث تتوافر جميع شروطها في حقهم وبالتالي لابد بشدة محاكمة الرئيس مبارك أمام المحكمة الجنائية الدولية لان فرصة إفلاته من العقاب في ظل القانون الوطني واردة بعكس محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية حيث فرصة إدانته أمامها واردة وبقوة.

ولابد من توافر أركان أساسية للجرائم ضد الإنسانية وهي تحديداً أن يتم ارتكابها بطريقة منهجية أو في إطار هجوم واسع النطاق ضد مجموعة من السكان المدنيين، سواء تم ذلك الهجوم من قِبل رجال السلطة من جنود وضباط أم من غيرهم من الميليشيات والجماعات المسلحة، أو أن يتم تنظيمها من خلال سياسة عامة – حكومية أو غير حكومية - ويجب أن يكون الفاعل على علم بذلك الهجوم.

 وهناك أسباباً معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن الرئيس بشار الأسد يتحمل المسؤولية الجنائية المباشرة عن جرائم ضد الإنسانية (الاضطهاد، والقتل، والنقل القسري،، والأفعال اللاإنسانية، والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية، والتعذيب) و جرائم حرب [4] (القتل، والهجوم على المدنيين، وإتلاف الممتلكات، والاغتصاب، والنهب، والاعتداء على كرامة الأشخاص). ويُدَّعى بأن الجيش النظامي السوري والأمن السوري وقوات الشبيحة ارتكبت هذه الجرائم بحق سكان مدن حمص وريف دمشق وبابا عمر وإدلب ودير الزور في إطار حملة لمكافحة التظاهر السلمي . و الأكيد بأن خطة حملة قمع التظاهر هذه وُضِعت على أعلى مستويات حكومة الجمهورية السورية وأن عنصراً أساسياً منها كان يتمثل في الهجوم غير المشروع على السكان المدنيين الذين تعتبرهم الحكومة جماعات ارهابية مناوئة للنظام.

 والأكيد أن الرئيس بشار الأسد بحكم منصبه كرئيس للدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة السورية وبموجب الدستور السوري فإن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، في حين يعتبر وزير الدفاع نائبه ويعين من قبله رئيسًا للأركان، كما أنه هوالقائد لحزب البعث السوري أسهم إسهاماً جوهرياً في وضع الخطة المشتركة وتنفيذها من خلال أمور منها تنسيقه الشامل لأجهزة الأمن على الصعيد الوطني وصعيد المحافظات والصعيد المحلي وتجنيد قوات الشرطة الشبيحة والمخابرات وتسليحها وتمويلها. وترى الدائرة فضلاً عن ذلك أن إلقاء القبض عليه يبدو ضرورياً لضمان حضوره أمام المحكمة وضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيقات أو تعريضها للخطر.

 و قدمت الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان تقريرا عن سوريا بعنوان " بشار الأسد: مجرم ضد الانسانية" [5]عن التوجهات وراء الجرائم الكبرى وواسعة النطاق وانتهاكات حقوق الإنسان التي أعلن عنها في سوريا بين 15 مارس و 15 يوليو 2011 ، بما في ذلك : القتل خارج نطاق القضاء والمنهجي على نحو متزايد من استخدام العنف من جانب القوات الحكومية والاعتقالات الجماعية والاختطاف والاختفاء القسري والاعتقال للمدنيين وأعمال التعذيب والممارسات اللاإنسانية أو المهينة وقمع حرية التجمع وانتهاكات لحرية المعلومات ووسائل الإعلام وخاصة التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والعمليات العسكرية.

 وعبّرت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان عن قلقها من حدة الجرائم ، و حذرت المجتمع الدولي من وقوع جرائم دولية وطالبت برد فعل حاسم للمساهمة في وضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

 في ضوء إساءة استخدام القوة والقمع المكثف التي تقوم به السلطات السورية منذ 15 مارس 2011 ، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان و مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان اعتبرت أن هناك جرائم ضد الإنسانية ارتكبت من قبل السلطات السورية ، وأشرت إلى أن هذه الجرائم تندرج تحت الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية .

 الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان و مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان استنكرت مرة أخرى و أدانت بشدة القمع الجاري وتزايد مستوى العنف على النطاق الوطني وتدهور الأزمة الإنسانية في بعض المناطق المستهدفة والتعتيم على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السورية ، كما أن السلطات السورية لا تزال ترفض وصول المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان الإقليمية المستقلة والصحفيين الأجانب وهيئات الأمم المتحدة مثل لجنة تقصي الحقائق للنظر في الوضع في سوريا بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدعوى السيادة الوطنية.

مبدأ السيادة الوطنية لا يزال له أهمية عظمى في القانون الدولي ومع ذلك فيتضمن القانون الدولي عدة استثناءات لهذا المبدأ، لا سيما: عندما توافق دولة بنفسها على التنازل عن هذا المبدأ (من خلال المصادقة على اتفاقية كميثاق روما التأسيسي مثلا)، أو عندما يمثل وضع معين تهديدا للأمن والسلام الدوليين (وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة)، أو عندما لا تتحرّك دولة لحماية مواطنيها الذي يتعرّضون لجرائم دولية (وفقا لمبدأ مسؤولية الحماية الجديد). ومن ثم فقد صادقت السودان على الميثاق التأسيسي للاتحاد الأفريقي الذي ينص على "حق الاتحاد بالتدخل في دولة عضو ]... [ في بعض الظروف الخطرة، على غرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية".

 وطبقاً للمادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن الرئيس أو القائد الذي أصدر أمراً لارتكاب عمل غير قانوني مُجرم طبقاً لقانون المحكمة وتم تنفيذ هذا الأمر بواسطة تابعيه يكون مسئولاً عن تلك الأفعال كما لو كان قد ارتكبها هو بنفسه. كما أن الإغراء أو الحث على ارتكاب الجريمة أو تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل لغرض تيسير ارتكاب الجريمة أو غير ذلك من أشكال المساهمة الجنائية التي فصلتها المادة 25 من قانون المحكمة تجعل القائد أو الرئيس مسئولاً مسؤولية جنائية فردية (مباشرة) عن تلك الجريمة، وليس مجرد شريك على النحو المطبق بمعظم القوانين الوطنية في المنطقة العربية. [6]

وفيما يخص المسؤولية المفترضة للقادة والرؤساء". فإذا ارتكب المرؤوس أو التابع وقائع فردية بدون علم القائد أو الرئيس، فإن الرئيس لا يكون مسئولاً إلا عن تقديم مرتكب الجريمة إلى السلطات المختصة للتحقيق معه ومحاكمته. أما إذا تم ارتكاب الأفعال الإجرامية من المرءوسين أو التابعين وفقاً لنمط سلوك يقوم على التعددية والتكرار وعلى نطاق واسع فيمكن أن تنعقد مسؤولية الرئيس عن تلك الجرائم. وقد استقرت قواعد القانون الدولي، في شأن الجرائم الجسيمة، على النحو الذي تأكد في العديد من الأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية والدولية، أن القائد العسكري أو الأمني يكون مسئولاً مسؤولية مفترضة عما يرتكبه الضباط أو العسكر الذين يعملون تحت إمرته حتى إذا لم يخطط أو يأمر هو شخصياً بارتكابها وذلك لامتناعه عن وقف ارتكابها أو إخفاقه في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمعقولة لمنع ارتكابها.

وطبقاً لنص المادة 28 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المسؤولية الجنائية في حق القائد أو الرئيس (المسؤولية الرئاسية) عن أعمال مرءوسيه تنعقد عندما يتوفر العلم أو تتوافر الأسباب المؤدية لعلمه بأن المرءوس على وشك ارتكاب أفعال إجرامية أو أنه قد ارتكب بالفعل مثل تلك الأفعال إلا أن الرئيس فشل في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمعقولة لمنع ارتكاب مثل هذه الأفعال أو لمعاقبة الجاني.

 ومن الممكن أن يصبح رئيس الدولة مسئولاً بصفة شخصية عن الأفعال الخطيرة التي لا تشكل فقط خطأ دولي بل أيضاً عن الجرائم التي تسئ للنظام العام للمجتمع الدولي، ومن بينها الجرائم ضد الإنسانية. ويكون رئيس الدولة مسئولاً عن الجرائم الجسيمة إذا ثبت أنه شارك في التخطيط لارتكابها أو أمر بها أو أصدر تعليماته بشأنها أو حرض عليها، أو علم بأنها سوف ترتكب ولم يحرك ساكناً ولهذا فقد نصت المادة السابعة من ميثاق نورمبرج على أن "الصفة الرسمية للمتهم كرئيس الدولة أو مسئول حكومي رسمي لن تعفيه من المسؤولية أو تخفف العقاب عنه". كما أن الجرائم الواردة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على سبيل المثال، هي جرائم خطيرة وذات طبيعة خاصة تقتضي الإعداد والتنظيم الذي قد يتم غالباً من ذوي الحيثيات السياسية وقادة الدولة.

عند محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوڤتش، قضت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بأنه يكفي لإثبات مسئوليته أن يتم إثبات أنه كانت له سيطرة فعلية على أجهزة الدولة وعلى المساهمين في المشروع الإجرامي المشترك الذي ارتكبت من خلاله الجرائم، فضلاً عن علمه بارتكابها [7]. هذا وقد ورد في قضاء المحاكم الجنائية الدولية، أنه ليس من اللازم أن يعلم رئيس الدولة بتفصيلات ما سوف يرتكب من جرائم، وإنما يكفي أن يتوافر لديه العلم بطبيعة تلك الجرائم، وبقبوله وقوعها [8].

حصانة قادة ورؤساء الدول التي تمكنهم من فعل تلك الجرائم ويطالب برفع هذه الحصانة والتي لا وجود مطلقا لها اذا ما ارتكبوا جرائم دولية [9]

قواعد القانون الدولي الجنائي وأنظمة المحاكم الجنائية الدولية. فعلى الرغم من الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها الرئيس (بموجب اتفاق فيينا الدولي)، والحصانة الجنائية العادية التي تؤكّد على حقه في الانتفاع منها القرارات المتخذة من قبل المعهد الدولي لحقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة) في مؤتمره المنعقد في همبورغ عام 1891، ومؤتمره المنعقد في اكس أون بروفانس لعام 1954، ومؤتمره المنعقد في بال عام 1991، لا يتمتع رئيس الدولة، وان كان يمارس مهماته الرئاسية، وقت حصول المحاكمة أو عند صدور الحكم الجزائي بحقه، بأي حصانة جزائية في وجه المحاكم الجزائية الدولية . فهو، وفقا لقرار مؤتمر المعهد الدولي لحقوق الإنسان، المنعقد في العام 2001 في فانكوفير يتمتع بحصانة جزائية عادية فيما خص الجرائم المنسوبة إليه أو المحكوم عليه بها والتي لا توصف بالجرائم الدولية. في هذه الحال، لا يمكن توقيفه أو إلقاء القبض عليه أو ملاحقته جزائيا أو تنفيذ حكم جزائي كان قد صدر بحقه من قبل، وعلى الدولة التي يتواجد على أراضيها (اي دولة) أن تؤّمن حمايته وأن تدعه يتمتع بحصانته الجزائية هذه. وهذا يعني أن حصانة الرئيس تقوم أمام قضاء دولة أخرى، وليس أمام المحاكم الجزائية الدولية. فالمادة 11 من القرار الصادر عن هذا المؤتمر الأخير تفيد بأن هذه الحصانة لا يصلح الدفع بها، ولا يمكن تطبيقها إزاء:

1- الموجبات المستقاة من ميثاق الأمم المتحدة.

2- الموجبات المنصوص عليها في المحاكم الجزائية الدولية الخاصة والمحكمة الجزائية الدولية الدائمة.

وتضيف المادة ذاتها بأن حصانة الرئيس الجزائية لا تحميه من المحاكمة أمام المحاكم الجزائية الدولية ولا يمكن الدفع بها في وجه اختصاص هذه المحاكم على أنواعها. كما لا يمكن الدفع بها لمنع تطبيق القواعد والأصول المتعلقة بمحاكمة الجرائم الدولية أي الجرائم التي تحمل اعتداء على الأمن والسلم الدوليين (الجرائم ضد الإنسانية، الإبادة الجماعية، جرائم الحرب والجرائم الارهابية التي قرر مجلس الأمن أنها تحمل اعتداء على الأمن والسلم الدوليين كجريمة اغتيال الرئيس الحريري).

وفي السياق ذاته، نصت معاهدة فرساي الموقعة في العام 1919 على أن حصانة رؤساء الدول ليست حصانة مطلقة، وهي تسقط اذا ما وجّهت الى الرئيس القائم بوظائفه تهما بارتكاب جرائم دولية. كذلك فان أنظمة المحاكم الجزائية الدولية الخاصة، لاسيما المحكمة الجزائية الدولية الخاصة برواندا (م6 (4))، والمحكمة الجزائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة (م. 7 (4)) تنص على أن صفة رئيس الدولة لا تشكل اي عائق في وجه ملاحقة ومحاكمة الشخص، صاحب هذه الصفة وقت الملاحقة او قبلها، بجرائم ضد الإنسانية أو بجرائم حرب وإبادة جماعية. وهذا ما نصت عليه ايضا المادة 27 من نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنشأة بموجب اتفاق روما الموقّع بتاريخ 17 تموز سنة 1998.

يشار أيضا إلى أن المشرع الفرنسي عدّل أحكام الدستور الفرنسي الذي يمنح الرئيس الفرنسي حصانة جزائية مطلقة أثناء قيامة بوظائفه، بشكل لا يمكن معه تطبيق هذه الحصانة في حال أسندت الى الرئيس جرائم تدخل في حقل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (م 53-2 من الدستور الفرنسي). ولم تتمكّن الحكومة الفرنسية من المصادقة على اتفاقية روما الا بعد أن تم وضع حد لحصانة الرئيس بموجب المادة 53-2 الجديدة من الدستور الفرنسي، وذلك على أثر قرار المجلس الدستوري الفرنسي الصادر بتاريخ 22 كانون الثاني سنة 1999 والذي قضى بضرورة تعديل الدستور لإمكان المصادقة على اتفاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

وتؤكّد المادة الثالثة ( الفقرة الثانية) من نظام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان على عدم الأخذ بالحصانات الرئاسية أمامها بنصها أنه " في ما يتعلق بعلاقة الرئيس بالمرؤوس، يتحمّل الرئيس المسؤولية الجنائية عن اي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 من هذا النظام الأساسي والتي يرتكبها العاملون تحت سلطته وسيطرته الفعليتين، كنتيجة فشله في السيطرة على هؤلاء الأشخاص حيث: [10]

أ- الرئيس، اما عرف، أو تجاهل معرفة معلومات أشارت بوضوح الى أن العاملين تحت سلطته كانوا يرتكبون أو كانوا على وشك ارتكاب مثل هذه الجرائم.

ب- الجرائم متعلقة بنشاطات كانت تحت مسؤولية الرئيس الفعلية ورقابته ولم يتخذ (الرئيس) كل الإجراءات الضرورية والمعقولة التي تدخل ضمن إطار سلطته لمنع أو تفادي ارتكابهم الجريمة أو لرفع القضية للسلطات المعنية بهدف إجراء التحقيقات ومحاكمة المجرمين...".

وينتج من هذه الأحكام ان النظام الأساسي للمحكمة الجناية الدولية الخاصة بلبنان لا يقيم أي اعتبار لحصانة الرؤساء، ليس فقط في حال تبيّن ضلوعهم مباشرة بارتكاب الجريمة الداخلة في اختصاص هذه المحكمة (جريمة اغتيال الرئيس الحريري) أو الجرائم الأخرى المرتبطة بها عن طريق التخطيط لها أو إعطاء الأوامر بارتكابها، وإنما أيضا في حال تبيّن أنهم ارتكبوا عملا تقصيريا يكمن في عدم التدخل لمنع ارتكاب الجريمة أو الجرائم المذكورة إذا كانوا (أو كان) على علم بالتحضير لهذه الجرائم، أو إذا كانت الجرائم المرتكبة تتعلق بنشاطات الرئيس الفعلية وتقع تحت رقابته الفعلية، أو أيضا إذا لم يتخذ الرئيس أو (الرؤساء) كل الإجراءات اللازمة أو الضرورية والمعقولة التي تدخل ضمن سلطاتهم لمنع أو تفادي ارتكاب الجريمة أو لرفع القضية لسلطات التحقيق المختصة.

وللتأكيد على ان رؤساء الدول الذين توجّه إليهم تهم ارتكاب جرائم دولية لا يتمتعون ولا ينتفعون من اي حصانة قضائية جزائية أمام المحاكم الجزائية الدولية، يذكر أن كبير المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، كان قد طلب بتاريخ 14 يوليو/ تموز 2008 من غرفة ما قبل المحاكمة التابعة للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي تنظر في جرائم الحرب والجنايات ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المرتكبة في دارفور أن تصدر مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير تتضمن عشر تهم تتعلق بالإبادة الجماعية وبجرائم ضد الإنسانية وبجرائم حرب. وقالت منظمة العفو الدولية إن الإعلان شكَّل "خطوة مهمة نحو ضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان". وسيقوم قضاة غرفة ما قبل المحاكمة بتفحص طلب المدعي العام للمحكمة. وسيقررون ما إذا كانت هناك "مسوغات معقولة للاعتقاد" بأن الرئيس السوداني يمكن أن يكون قد ارتكب جرائم تتصل بالإبادة الجماعية أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وإذا ما كان توقيفه ضرورياً لضمان ظهوره في المحاكمة، أو لوقفه عن تعريض التحقيقات للخطر، أو لمنعه من ارتكاب المزيد من الجرائم، فمن الجائز إذا أن تصدر المحكمة مذكرة توقيف بحقه.

وبالتأسيس على كل ما ورد أعلاه تجوز الملاحقة الجزائية ضد رئيس أي دولة أمام قضاء جزائي دولي خاص أو أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (إذا ما توفّرت شروط الملاحقة القانونية)، بجرائم دولية، وحتى إصدار مذكرة توقيف بحقه من دون أن تشكّل حصانة رؤساء الدول التي يتمتّع بها وفقا للقانون الدولي العام أي عائق في وجه الملاحقة أو التوقيف. ولهذا فإذا كان يجوز تنفيذ هذه الإجراءات الجزائية ضد رؤساء الدول أثناء قيامهم بوظائفهم الرئاسية، يكون من الممكن أيضا منطقيا وقانونيا ( ووفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني) تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم حتى في الوقت الذي يقومون فيه بمهماتهم أو بوظائفهم الرئاسية.

هذا من الناحية القانونية البحتة. أما من الناحية العملية، وإذا لم تتمكن آليات المحكمة الجزائية الدولية (الأنتربول الدولي على سبيل المثال، أو التعاون الدولي الذي يقع على عاتق كل دولة عملا بالمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة) من تنفيذ الأحكام الصادرة عنها بحق الرئيس أو الرؤساء المعنيين المحكوم عليهم، فتحال القضية إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة كون المحكمة الجزائية الدولية مؤسسة من مؤسسات الأمم المتحدة، منشأة بموجب الفصل السابع من ميثاق هذه المرجعية الدولية الأولى، ويقع تاليا على عاتق مجلس الأمن اتخاذ القرار المناسب في شأن تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الدولية المختصة . وتكون من صلاحيات مجلس الأمن تطبيق عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية (قطع العلاقات الدبلوماسية، وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها...، (م41) بحق الدولة المتخلفة عن تنفيذ الحكم المذكور عملا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما يجوز لمجلس الأمن اللجوء إلى استعمال القوة (م42) من أجل تنفيذ الحكم المشار إليه بحق الرئيس المتخلّف عن الامتثال لحيثياته الحكمية، إذا ما رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة لا تفي بالغرض أو ثبت له أنها غير فعّالة أو كافية. وفي هذه الحال بالذات يمكن أن تلعب السياسة دورا بارزا، ويخضع تاليا موضوع تنفيذ الحكم بحق الرئيس المحكوم عليه للتجاذبات والمساومات السياسية، وذلك بسبب الآلية المعتمدة لاتخاذ قرارات مجلس الأمن واستعمال حق النقض الفيتو، إذ أن اتخاذ القرار بتنفيذ الحكم يتطلب امتناع كل الدول الدائمي العضوية عن استعمال حق النقض الفيتو والحصول على غالبية تسعة أصوات من أعضائه.

 ويمكن محاكمة حكام دول الثورات العربية أمام المحاكم الدولية بأنواعها الثلاث، وهى أما المحكمة الجنائية الدولية بالتصديق على نظامها الأساسي، أو أمام محاكم جنائية دولية خاصة يشكلها مجلس الأمن كما فى رواندا ويوغسلافيا، أو أمام محاكم جنائية ذات طابع دولي، تتكون من قضاة الدولة بالإضافة إلى قضاة دوليين، مثل محاكمة قتلة الحريري بلبنان.

 وعلى ذلك يمكن محاكمة رؤساء دول مصر وتونس واليمن على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعوبهم سواء القتل أو الفساد المالي والسياسي طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005م، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لعام 2000، أمام القضاء الوطني أو القضاء الدولي الجنائي. [11]

لذلك فإن الاتفاقيات التي تنص على حصانة رئيس تعتبر باطلة بطلانا مطلقا ولا يجوز الأخذ بها لأنها تخالف قاعدة من قواعد القانون الدولي، ولذلك فهي فى حكم القانون الدولي منعدمة أي لا يترتب عليها القانون الدولي اى آثار قانونية ولا حجة لها أمام القضاء الدولي والقضاء الوطني، لذلك ما يشترطه الرئيس اليمنى باطل ومنعدم ولا حجة له، وكذلك ما تفعله الولايات المتحدة من عقد اتفاقيات تنص على حصانة جنودها تأخذ نفس حكم العدم والبطلان المطلق.

ولابد من تحديث التشريعات الوطنية بشأن سياسات التجريم والعقاب وإيجاد آليات قوية وفعالة لظاهرة الإفلات من العقوبة محليا ودوليا وتدريب القادة العسكريين في القوات المسلحة علي مبادئ القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني وضرورة إيجاد قوة تنفيذية متعددة الجنسيات لتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية

ولتفعيل آلية المحاكمة المطلوب أولا والآن هو قرار مجلس الأمن يعلن ثلاثة أمور هامة أولها أن النظام فقد الشرعية وان النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية وان النظام يجب أن يتنحى طوعا أو كرها. لتحقيق هذه الغاية على الولايات المتحدة أن تمارس ضغوط استثنائية على الصين وروسيا لإقناعهما بالتخلي عن دعم الحصان الخاسر في دمشق. ومن المعروف أن روسيا والصين هي من الدول التي لا تأبه للديمقراطية أو حقوق الإنسان ولكنهما ستخسران كثيرا إذا سقط النظام وحل محله نظام ديمقراطي جديد وسوف لا ينسى الشعب السوري من دعمه ومن دعم الجلاد.

ومن الجدير بالذكر انه في تموز2011 أثناء زيارته للعاصمة البريطانية قال السفير الأميركي المتجول Stephen Rapp المسؤول عن ملفات جرائم الحرب أن ما يحدث في سوريا يشكل جرائم ضد الإنسانية وأضاف أن النظام السوري يقتل المطالبين بالديمقراطية وهذا يشكل جريمة حرب بكل المقاييس (صحيفة الغارديان البريطانية 22 تموز). وقبل ذلك وحسب صحيفة الفانينشال تايمز قال وزير القوات المسلحة البريطاني نيكولاس هارفي (16 مايو أيار) أن هناك احتمالات كبيرة بأن تسعى محكمة الجرائم الدولية ICC International Criminal Court للقبض على بشار وزمرته لتقديمهم للمحاكمة.

 وتعتبر ممارسات عصابات النظام انتهاكا صارخا للمادة 7 والمادة 8 من نصوص معاهدة تشكيل محكمة الجرائم الدولية. تلك المواد تغطي جرائم القتل المقصود والتعذيب والضرب المبرح والتجويع والاختطاف وأعمال الاضطهاد القمعي الجماعي التي يتم ارتكابها في إطار حملة هجوم منظمة وواسعة وممنهجة ضد المدنيين. القرار باستعمال قوارب بحرية عسكرية لقصف المدنيين في اللاذقية واستعمال الدبابات في الأحياء السكنية هي أدلة كافية لإدانة النظام وإثباتات قوية موثقة بصور ولايمكن دحضها.مما لا شك فيه أن النظام ارتكب ويرتكب جرائم بشعة ضد الإنسانية. كان أمام النظام خيارين الإصلاح أو القمع ولكن أغبياء دمشق اختاروا الحل القمعي و سيدفعوا ثمنا باهظا.

 

خاتمة:

 لقد كنا نعتقد أن مصادقة الدول العربية على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو نوع من الاهانة و الرضوخ،متعللين بكون الولايات المتحدة وحلفائها هم أول من يجب عليه المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة وآخر من يتحدث عن العدالة الدولية بسبب سياسة الكيل بمكيالين وتسييس العدالة الجنائية الدولية.لكن ما ارتكبه الحكام العرب من جرائم دولية وجنائية عديدة في دول الربيع العربي ضد شعوبهم العزل لعل أهم هذه الجرائم وأخطرها قتل المتظاهرين ، وقد حققت سوريا الرقم القياسي في هذا المجال جعلت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تطالب بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب الجرائم المرتكبة من طرف نظام الأسد التي وصفت بجرائم ضد الإنسانية

المصادر:

_____________________

[1]ان ما يقوم به النظام السوري يخالف مضمون المادة 39 من الدستور السوري لسنة 1973: "للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلميا في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذا الحق.

[2] أنظر: عادل الماجد: مسؤولية رجال السلطة عن الجرائم الجسيمة ضد المتظاهرين: ورقة عمل مقدمة بالمؤتمر الإقليمي حول المحكمة الجنائية الدولية، الدوحة 24/25 مايو 2011.

[3] - قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي في كلمة ألقتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين 13 فبراير/شباط إن القوات السورية ارتكبت "على الأرجح" جرائم ضد الإنسانية خلال قمعها للحركة الاحتجاجية في سورية، مشيرة إلى أن قصف حمص على مدار الأيام الماضية أوقع نحو 300 قتيل.

وأضافت "هناك معلومات مستقلة موثوقة ومتقاطعة تفيد بان هذه التجاوزات جزء من حملة واسعة ومنظمة للاعتداء على المدنيين". l

 [4] اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن "هناك حججاً قد تتيح ملاحقة الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، إلا أن هذا الخيار قد يعقد التوصل إلى حل فى سوريا".

[5] - يتضمن التقرير نظرة شاملة عن جميع انتهاكات حقوق الإنسان ، كما يبحث التقرير عن التوجهات وراء الجرائم الكبرى وواسعة النطاق وانتهاكات حقوق الإنسان التي أعلن عنها في سوريا بين 15 مارس و 15 يوليو 2011 ، بما في ذلك : القتل خارج نطاق القضاء والمنهجي على نحو متزايد من استخدام العنف من جانب القوات الحكومية والاعتقالات الجماعية والاختطاف والاختفاء القسري والاعتقال للمدنيين وأعمال التعذيب والممارسات اللاإنسانية أو المهينة وقمع حرية التجمع وانتهاكات لحرية المعلومات ووسائل الإعلام وخاصة التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والعمليات العسكرية والإجراءات المتعهدة بمحاصرة المدن وممارسات تصل إلى العقوبات الجماعية والحرمان من الإمدادات الغذائية والمياه والمعدات الطبية ، فضلا عن التقييد والحرمان من الوصول إلى المستشفيات. في التقرير ، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان و مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان تذكر بأن 1665 شخصا لقوا حتفهم منذ بداية الاضطرابات الجارية التي عرضت للخطر حياة آلاف الآخرين من القمع. وحسب الإحصاءات الرسمية وصل عدد القتلى إلى أكثر من 7500 قتيل ، أنظر

http://www.fidh.org/IMG//pdf/26_08_11_fidh_syria_arreport.pdf

[6] -ينص الفصل 103 من دستور الجمهورية السورية لسنة 1973 : أن "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ويصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة وله حق التفويض ببعض هذه السلطات.

 [7] -أنظر حكم المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية سلوبودان ميلوسيفتش:

Prosecutor v. Slobodan Miloević, (IT-02-54), TC.

[8] -أنظر للمزيد من التفصيل:

Bert Swart, "Modes of International Criminal Liability", in: Antonio Cassese, The Oxford Compaion to International Criminal Justice, Oxford University Press, 2009, Pp. 85 – 88.

[9] تنص المادة 91 من الدستور السوري ل 13 مارس 1973 على أنه: "لا يكون رئيس الجمهورية مسئولا عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى ويكون طلب اتهامه بناء على اقتراح من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل وقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية ولا تجري محاكمته إلا أمام المحكمة الدستورية العليا.

[10] -دريد بشراوي: حصانة رؤساء الدول في القانون الجنائي الدولي ،موقع الحزب اللليبرالي الديمقراطي العراقي، 1/1/2009

http://www.liberaldemocraticpartyofiraq.com/

serendipity/index.php?/archives/3006-unknown.html

[11] -مصطفى أحمد أبو الخير: حصانة رؤساء الدول ليست مطلقة وتسقط اذا ارتكبت جرائم دولية 26/01/2012

http://www.alamatonline.com/l3.php?id=21830

============================

اجتثاث أبي بكر

المحامي سليمان الحكيم

لم يخيّب السيد بهاء الأعرجي شكوك غالبية العراقيين والذين لا يحسنون الظن به ولا بالمدرسة السياسية التي ينتمي إليها, فكان تصريحه المتعلق بالصحابي أبي بكر الصديق , فيه من الجهل بمقدار ما فيه من الرعونة , وفيه من الظلامية بمقدار ما فيه التخلف . لم يجد هذا النائب وسيلة لتجديد عضويته في مجلس النواب وتعضيد تشوّفه إلى مجلس الوزراء , إلا عبر مخاطبة أحط الغرائز الطائفية لجموع الرعاع والجهلة والأميين الذين يشكلون قاعدة التيار الذي ينتمي إليه , ضارباً عرض الحائط في سبيل شهوة السلطة بقيم الوحدة الوطنية في زمن بالغ الحساسية أوشكت فيه هذه الوحدة على التصدع لأسباب يتحمل تياره مسؤوليتها بالتساوي مع مجرمي تنظيم القاعدة . ولأني أتحدر من كبد مدينة النجف فبوسعي القول باطمئنان أنه ما من شيعي تجاوز عتبة الأمية وله إلمام بالشأن العام إلا ويأبى التعرض بسوء للخلفاء الراشدين , سواء إعراضاً منه عن الخوض في أحداث دارت قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة وشابها الكثير من التحريف والتزوير خدمة لأغراض سياسية دنيوية , أو ثقة منه بمبدئية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي محض الشيخين ولاءه وأخلص لهما المشورة والرأي , ولقد وقف عليّ بباب أبي بكر ساعة وفاته ونعاه قائلا : " يرحمك الله يا أبا بكر , لقد كنت والله أول القوم إسلاما , صدقت رسول الله حين كذّبه الناس , وواسيته حين بخلوا , وقمت معه حين قعدوا " .

ويعرف أهل النجف بالذات أن الخائضين في ذلك المستنقع الطائفي كلهم من جهلة المعممين ذوي الرقاب الغليظة والأوداج المنتفخة والكروش المتهدلة .

ويتبدى جهل النائب وضحالة ثقافته العامة في قوله بأن أهل السنة قد استولوا على الحكم منذ عهد أبي بكر وحتى عهد أحمد حسن البكر . وبغض النظر عن هذا السجع السخيف إلا أنه يبقى مجافياً لحقائق التاريخ ووقائعه . فقد عرف تاريخ العراق والشرق الأوسط أربع دول شيعية على الأقل , منها الإمبراطورية الفاطمية التي توسعت رقعتها فشملت كل شمال افريقيا ومصر وغرب الجزيرة العربية وشمال السودان , وشملت سيادتها جزيرة صقلية الأوروبية , و قد عاشت هذه الإمبراطورية ثلاثة قرون عرفت فيها – شأن كل امبراطورية – عقوداً من المجد والعظمة , وعقوداً أخرى من الانحطاط والضعف ؛ ومنها الدولة الشيعية البويهية التي حكمت العراق و بلاد فارس حوالي المئة عام ؛ ومنها الدولة الصفوية التي حكمت العراق حوالي المئة عام أيضاً وتجاذبته مع الدولة العثمانية , ومن المصادفات أن قاسماً مشتركا يربط السيد بهاء الأعرجي بالشاه عباس الصفوي الذي جعل شعاره سبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة !

وكذلك شهد العراق حكم الدولة الحمدانية الشيعية والتي اتخذت من الموصل عاصمة لها , ولكن نفوذها شمل العراق بأسره.

وكان يتعين على بهاء الأعرجي أن يحفظ غيبة أبي بكر الصديق على الأقل إكراماً لابنه محمد بن أبي بكر الذي اصطف إلى جانب الإمام علي بن أبي طالب وقاتل معه التيار المنحرف في المجتمع الإسلامي الوليد , ودفع حياته ثمناً لموقفه المبدئي ذاك . ولكنه ليس الجهل وحده الذي يطغى على عقل بهاء الأعرجي ولسانه , ولكن ظلامية المدرسة السياسية التي ينتمي إليها والتي لم تكن شيئاً مذكورا قبل احتلال العراق عام 2003 , ولم تطف على سطح السياسة العراقية إلا بالولوغ في دماء الأبرياء عبر إذكاء الفتنة الطائفية التي شرعت بتحويلها إلى حرب طائفية عامة لولا وعي العراقيين .

هذه المدرسة التي خرّجت نماذج من طراز حاكم الزاملي – سفاح وزارة الصحة – وأبي درع – سفاح بغداد – ومصطفى اليعقوبي – سفاح الحضرة العلوية – وشريكه قيس الخزعلي , وعلي الشمري – العميل الأميركي – وسلام المالكي – لص وزارة النقل بالاشتراك مع خاله أبي عقيل – وعشرات غيرهم من أسوأ الفاسدين والمرتشين والقتلة الذين ابتلي بهم العراق وأهله كتوابع للزلزال الذي ضرب البلد في ربيع 2003 .

والمفارقة المثيرة للسخرية في هذه الحكاية , أن التيار الذي ينتمي إليه السيد الأعرجي يزعم في بياناته الإعلامية تحريم الفتنة الطائفية , ودعا في وقت ما إلى صلاة مشتركة تجمع كبيره والشيخ حارث الضاري – صاحب مقولة القاعدة منا ونحن منها – وزعم في وقت آخر إمداده لمقاتلي الفلوجة بالرجال والسلاح في معاركهم ضد الإحتلال الأميركي ثم ضد حكومة السيد أياد علاوي ؛ فكيف أمكن للأعرجي وتياره أن يلتقيا مع تلك الفئات من أهل السنة , وهم يضمرون العداوة لأبرز رموزهم ويتهمونه باغتصاب السلطة ؟ والأهم من ذلك كله أن أحداً لم يتوقف وينبّه الأعرجي إلى أن أبا بكر الصديق لم يكن سنّياً بمقدار ما لم يكن الإمام علي شيعياً , وإنما كانا مسلمَين وحسب . وهل يغيب عن بال من يزعم أنه محام أن الانقسام لم يبدأ في المجتمع الإسلامي إلا بعد عصيان معاوية بن أبي سفيان وخروجه على الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب , ليصبح الإنقسام من يومها وحتى وقتنا هذا ما بين أموي وعلوي , وأن تعبير شيعي وأهل السنّة لم يدخل في التداول الإسلامي إلا بعد عقود على رحيل الخليفتين ؟

وفي كل الأحوال فإن ذلك الصراع صار من أحداث التاريخ , وأطرافه هم من أمة قد خلت لها ما كسبت , وقد تجددت المظاهر الفكرية لذلك الصراع واتخذت أبعاداً مزيفة لا علاقة لها بأصوله , لأسباب تتعلق بالسياسة الصفوية وبصراعها مع الدولة العثمانية , وليس له على وجه اليقين صلة بالدين الإسلامي ولا بصحيح تراثه ومراميه . وفي يومنا هذا تكرر دولة الفقيه الإيراني نفخ الرماد عن تلك الأساطير لتشعل العراق والخليج العربي ناراً لأسباب تتعلق بصراعها السياسي مع الدول الغربية , وليس بهاء الأعرجي وتياره وسواهما من الأحزاب الطائفية إلا أدوات فارسية مأجورة , هي سبّة في وجه التشيع ووصمة عار في جبين الإسلام .

إن أي متتبع لتاريخ إيران منذ انهيار الإمبراطورية العربية وحضارتها الإسلامية , سيكتشف بسهولة قانوناً حكم السياسة الإيرانية على تعاقب القرون واختلاف أنظمة الحكم , وهو أن إيران تبقى دائماً دولة قومية تستغل المذهب الشيعي لخدمتها, ولم تكن هي يوماً في خدمة المذهب الشيعي .

===========================

المقاومون والممانعون وجهاً لوجه أمام الثورة السورية

بدرالدين حسن قربي

انتهى أمر المقاومين والممانعين ومن معهم من أحزاب عروبية وقومية ومنظمات رديفة فلسطينياً وعربياً في شأن الثورة السورية إلى الاصطفاف مع حليفهم النظام السوري من الأيام الأولى معتبرين معركته معركتهم باستثناء حركة حماس التي نأت بنفسها عن هذا الموقف معتبرة الثورة أزمةً وشأناً داخلياً سورياً لاترى مصلحة فلسطينية في التدخل فيه.

ولئن التقى رأي جميعهم على مامفاده أن الثورة السورية مؤامرة خارجية بخلاف الثورات العربية الأخرى، تستهدف إسقاط النظام الأسدي، والذي طالما أنها تستهدفه فهي تقدم خدمة جليلة لإسرائيل وأمريكا للسيطرة على المنطقة. وأن المجلس الوطني السوري المعارض وضع نفسه في حلف واضح مع أمريكا وحلفائها، يستهدف خنق المقاومة اللبنانية وكسر التحالف مع إيران، بل وإن هيئاته التنسيقية نظمت جُمَعا مطالبة بالتدخل الدولى وحظر الطيران، فضلاً عن اختيارها الصدام ورفضها الحوار مع نظام الأسد الذي أعلن على السوريين الحوار والإصلاح.

وفي الرد على مثل هذه الحجج، يمكن القول أن إرهاصات الثورة وأسبابها باتت معروفة، فاعتقال أطفال درعا التسعة عشر ووحشية تعذيبهم، والمواجهة الدموية للمظاهرات الأولى، لم تكن بالتأكيد بتدبير أمريكي أو إسرائيلي، بل هي طبيعة نظام أمني قمعي معروفة للجميع، وأن موقف المقاومين وحلفاءهم وشبيحتهم كان محسوماً ضد الثورة السورية ومطالبها من الأيام الأولى، وما يستعينون به من كلام عن المجلس الوطني الذي تشكل متأخراً سبعة أشهر، وعلى فرض صحته لاقيمة له البتة، طالما أنهم وضعوا الثورة في خانة التآمر والمؤامرة من البداية وبدون مجلس بعد. أما عن رفض المعارضة للحوار واختيار الصدام، فما من أحد في العالم إلا ويعلم أن السوريين المعتّرين راهنوا كثيراً جداً على وعود الإصلاح، ونشف ريقهم وهم يطالبون، وأن من اختار الصدام والحل الأمني هو النظام نفسه الذي أراق دماء الآلاف من مواطنيه فضلاً عن عشرات الآلاف من المعتقلين، والذي أنتج بدوره معارضةً مسلحة ظهرت بعد أربعة أشهر من بداية الثورة لاعلاقة لها بالمظاهرات والاحتجاجات أصلاً، لأنها في حقيقتها من ضباط النظام وعسكرييه ممّن تربّى في ثكناته وتدربّ على أسلحته، وإنما أخلاقهم وشرفهم منعهم من أن يخونوا قَسَمَهم ويقتلوا شعبهم، فانشقّوا عنه ولمّا يخطر ببال النظام بعدُ أن ينادي إلى الحوار، ودعا إليه بعد أن أسال الدماء كالأنهار، وبعد أن مشت مراكب الثورة بإذن ربها وفاته القطار.

ومن ثمّ، فإن موقف المقاومين وحلفائهم وشبيحتهم ينتهي إلى أنهم لايرون في معاناة السوريين وقهرهم وإذلالهم من قبل نظامهم الديكتاتوري المستبد الدموي الفاسد مما تسبب في انفجار بركان ثورتهم شيئاً مذكوراً، طالما أن النظام على سندانه تتكسر المشاريع الأمريكية الإسرائيلية، بل يصبح عدم القبول به والثورة عليه فعل خياني بامتياز، أما استحواذه على السلطة والثروة قرابة أربعين عاماً ممثلاً بأسرة الأسد وقراباته قمعاً ونهباً وإن احتاج ذلك إلى قتل الآلاف وتشريد مثلهم واعتقال عشرات الآلاف فهو فعل وطني، وأن كرامة السوريين عندهم وحريتهم نَسْياً مَنسياً.

وعليه، فإن مشهد المقاومين والممانعين الجدد في وجه الثورة السورية يتلخص بأنهم قوم من طراز فريد من مقاومي النخبة وحلفائها، أعفَوا أنفسهم لأصالةٍ فيهم من أية مسؤولية أو دور عروبي أو إنساني في الإسعاف والعون والإغاثة مهما كان قَدره. ومن ثم فلئن كان هؤلاء الناس يجدون أنفسهم في خندق واحد يحاربون مع النظام السوري مايسمونه تمرداً أو معارضةً مسلّحة هي في أصلها من صنع النظام نفسه، ولهم في ذلك مبرراتهم المرفوضة أو المقبولة لافرق، أفلا يجدون ومعهم أنصارهم أن عليهم بعض المسؤولية الواجبة من آثار مروءة وشهامة، وبقايا نخوةٍ وأخلاق تجاه سوريين ممن آووْهم ونصروهم حباً ومروءةً أيام الاعتداء الصهيوني على لبنان، وأسكنوهم قلوبهم بدوافع من نخوتهم وشرفهم، وغطّو عليهم بأهداب عيونهم ضيوفاً مكرّمين معزّزين في مضافاتهم ومساكنهم ومزارعهم رغم آلاف أعدادهم وعوائلهم، أم أن هؤلاء المقاومين يرون التخلي عمن قُتل بريئاً وقد بلغ عددهم بالآلاف غير الجرحى والمصابين هو الواجب، بل بلغت النذالة ببعضهم أن يضايق اللاجئين بإقامتهم وحركتهم وأمنهم متناسياً أبسط بدهيات الضيافة وأخلاقياتها رغم أنهم لايتكلفونه شيئاً.(تفووووه على كل نذل وياحيف).

وصل المقاومون والممانعون من كل أصنافهم وألوانهم وبلدانهم إلى حال من النذالة تنكروا فيها لا إلى الثائرين المسالمين ولا إلى المعارضة المسلحة بل إلى الناس العزْل المسالمين البسطاء ممن يُقتلون للترويع والترهيب أطفالاً ونساءً وشباباً وشيوخاً من الذين وصل حالهم إلى أن يقولوا: مقاومتكم تذبحنا وممانعتكم تقتلنا، اللعنة عليكم وعلى أصلكم، فتحرير فلسطين لايكون بذبحنا وقتلنا.

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة وإذا كان الأعظم فيهن هي الأمّ ،

ولئن غدا اليوم صوت المرأة ثورة على أرض بطولات الشام، فإن صمت الرجل ياويح نفسي بات أكثر من عورة

سجلت سوريا بطولات لحرائرنا لاأكرم ولا أجلّ، ونداؤهن الشعب السوري مابينذل

سجّلت حرائر سوريا أعظم البطولات، فكثيرات منهن واجهن قمع أعتى الأنظمة المتوحشة والدموية في العالم

صابرات محتسبات، قدمن فلذات أكبادهن شهداء في سبيل حريتهم وكرامتهم ليكونوا أحراراً عبيداً لله

فارحم اللهمّ شهداءنا، واشف مرضانا وجرحانا وفكّ قيد أسرانا، وأحسن خلاصنا

إلى أمي ..!!

وإلى كل أم من مثلها أدعو الله أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يغفر لها ويرحمها،

وأن يكون ملتقانا جنات تجري من تحتها الأنهار مع النبيين والصديقيين والشهداء.

وللأحياء منهن الصحة والعافية والعمر المديد والهمة القوية

http://www.youtube.com/watch?v=chKDln4

Tu60&feature=player_embedded

==========================

بين الأمريكان والمالكي

د. ضرغام الدباغ

حول ماذا يمكن أن يختلف الأمريكان مع السيد نوري المالكي ..؟

عندما تتحدث جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية في العراق بحسرة من أن السيد المالكي يمارس ديكتاتورية فضيعة لم يسبق أن شهدها التاريخ السياسي العراقي، يكون من حق المواطن العراقي حينئذ أن يتسائل: أليست هذه الأطراف السياسية جميعها ترتبط منذ أكثر من عشرين عاماً بأواصر زمالة عمل مشترك مع الولايات المتحدة التي لها دالة على الجميع لا تحتاج لإثبات، ومن تلك يفهم تحديداً زيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن للعراق (ضمن زيارات عديدة)التي زار فيها منطقة الحكم الذاتي دون إبلاغ بغداد، بل وعبرت الولايات المتحدة عن امتعاضها من أسلوب ادارة المالكي للازمات العراقية، ولكن أية أزمات كانت الولايات المتحدة راضية بإدارة المالكي لها وفي حلولها.

 

لماذا الولايات المتحدة عاتبة على السيد المالكي ...؟ وهي التي لم (تغادر) العراق إلا منذ شهرين فقط، ومن المدهش حقاً أن تمتعض لهذه الدرجة من إدارة السيد المالكي، ألم يكن هو مرشحها في اختيار توافقي مع إيران، ألم توجه الولايات المتحدة ضربة للتقاليد الديمقراطية (حتى بطابعها الشكلي جداً) عندما ارتضت بديكتاتورية المالكي بعد أحد عشر شهراً من الانتخابات التي لم تكسب قائمته نتائجها، ويوم أعيد تكليفه برئاسة الوزارة، وأخيراً هو ليس بغريب عليها، فهو ليس سليل إدارات ديمقراطية، ولم ينحدر من حركة سياسية ديمقراطية وضعية، فالرجل معروف لها ولغيرها بماضيه وحاضره، وحيال معطيات كهذه علام الامتعاض ...؟

 

الولايات المتحدة تعلم كم هي العائدات العراقية من النفط، وتعلم أن ليس هناك جيشاً وطنياً ولا برامجاً للتنمية، ولا إعادة لإصلاح وتعمير. وبرغم الفساد الذي يلتهم العائدات الضخمة، إلا أن ما يبقى منها ما يزال كبيراً تتسرب إلى جهات غير معروفة للشعب، وهذه في إطار الشفافية والديمقراطية. والإدارة الأمريكية تعلم أكثر من غيرها أن حجم الفساد يتضخم في العراق حتى يبلغ مستويات خيالية من النهب المنظم، ولا نعتقد أن هذا يزعج الولايات المتحدة، فالفساد تأسس على أيديها وبإشرافها وتشجيعها، وبقاء العراق ينزف خيراته وأبناءه وقدراتهم ويتنكر لماضيه، ويجهل مستقبله مع فقدان البوصلة، يبدو هو الهدف المطلوب.

 

الولايات المتحدة تعلم علم اليقين حجم النفوذ الإيراني في العراق وأهدافه القريبة والبعيدة، وهي بالطبع ليست أهداف إيجابية، بل أن(الولايات المتحدة) هي التي هندست هذا النفوذ، إذ تم أمام أنظارها بل وبإشرافها والتفاهم معها وبرعاية خبرائها، وتم تأسيه(النفوذ الإيراني) بعد محادثات طويلة بين الطرفين، جرى بموجبه تسليم العراق لإيران تسليم المفتاح مقابل وعود لا تعلم عنها الحكومة العراقية.

 

ومن المعلوم أيضاً أن الولايات المتحدة، هي التي فضلت السيد نوري المالكي مرشحاً لرئاسة الوزراء، واتفقت بذلك مع إيران، وعلى هذا الأساس أستبعد الدكتور علاوي الذي فازت قائمته بأعلى الأصوات من بين القوائم، خارقين بذلك أولى مبادئ العمل البرلماني الديمقراطي التي يزعم الأمريكان أنهم بصدد تأسيسها، أو أنهم قد اسسوها فعلاً، وهذه النقطة ضرورية في فهم أي علاقة لاحقة بين الأطراف المتحالفة.

 

ولكن لا داعي للتحدث بصيغ الغمز واللمز، فمن الواضح أن حقيقة الهواجس الأمريكية مصدرها أعاصير من جهات أخرى، تهب على المنطقة بأسرها وتطيح باتفاقات وتمهد لغيرها، ولن تصمد إلا تلك الاتفاقات التي يتحلى أطرافها بالتفهم وبالمرونة الضرورية لإنقاذ التحالفات، من مأزق الشلل وتضارب وجهات المصالح، قد تحمل معها بذور التناقض وتعيد بذلك ترتيب الحسابات ضمن التحالف، وتعديلها جزئياً أو كلياً، أو ربما تأسيس غيرها. ومن الضروري في العلاقات السياسة والتحالفات هو أن تجعل أو تطرح أي جهة أو طرف نفسها مقبولة، وأن تقدم للتحالف ما يطيل عمره، لا أن تلعب دور المناكف والمعاكس المشاكس، ففي ذلك يضيق الأطراف ذرعاً بهذا الحليف المزعج المتعب.

 

في جهات عديدة خطط الأمريكان لأحداث كانوا يأملون أن تقع وفق مسلسل له ظواهره وملامحه وتوقيتاته، ولكن على أرض الواقع جرت تفاعلات الأحداث على نحو آخر، وبالطبع كان لها نتائج مغايرة لما خطط له. وهذه نظرية معروفة مألوفة في المناورات التي تخطط لها أرقى الجيوش والدول في العالم، ولكن عند التنفيذ على الأرض تحصل نتائج غير متوقعة، سواء من تقصير في أداء جهة بالغ المخططون في قدراتها، أو إبداع في أداء طرف أو أطراف لم يكن يتوقع منها كل ذلك، وقد يراد للنار أن تشعل النار في جبهة معينة، ولكن رياحاً تحمل النار، أو أنها قد تتسرب إلى غابة أخرى. وعندما تنهار جبهة معينة، ليس من السهل حجز أو منع تأثيراتها وتداعياتها من الانتقال إلى جبهات أخرى.

 

غير خاف أن الأمريكان يواجهون مأزقاً غير سهل في أفغانستان، وأفضل الاستراتيجيين الأمريكان وغيرهم من حلفائهم الأوربيين يلمحون بل يشيرون صراحة إلى هزيمة وشيكة لمعسكر التحالف الغربي في أفغانستان، وأحداث الثورة المصرية لم تطابق ما كانوا يهدفون إليه، وكذلك في تونس، وحيال الثورة السورية العارمة مثلاً، يقف الأمريكان موقف الحيرة والتردد عن الأقدام على موقف حاسم رغم دخول الثورة السورية ما يقارب العام، وبالأمس تتحدث الأنباء عن موقف إسرائيلي صريح بعدم الموافقة على سقوط النظام السوري، إذ ينطوي ذلك على تعريض للأمن الإسرائيلي.

 

السيد نوري المالكي أتخذ موقفاً مبكراً بدعم النظام السوري في محنته، مالياً، وسمح لقوى مسلحة باستخدام الاراضي العراقية للدخول إلى سورية من إيران أو العراق، وربما استاءت الولايات المتحدة من هذا الموقف ورأت فيه بعض الخفة الغير مقبولة وربما اعتبرتها خروج على أصول العمل والتعاون المشترك، أو أنه أقدم على تصرفات اعتبرتها الإدارة الامريكية خروج عن اتفاقية التحالف والعمل المشترك، وربما هناك أكثر من ذلك، فالولايات المتحدة لا تعتبر العراق طرفاً يحق له أن يقدم على تصرفات ذات طابع استراتيجي بعيداً عن المشورة، وإلا لماذا الاتفاقية الأمنية المشتركة، ولماذا وجود دار سفارة هي الأكبر في العالم يعمل فيها ألوف الدبلوماسيين والخبراء والجواسيس، بل هي أشبه بدار المندوب السامي بالنظر لصلاحياتها التي ترتبها الاتفاقيات المشتركة، وتنظر بعين ساهرة لكل كبيرة وصغيرة، فالولايات المتحدة تسير طائرات استكشاف ومراقبة بدون طيار على مساحة العراق، وهي ترصد كل شاردة وواردة ومن المرجح أن تلك الطائرات قد رصدت ما يشكل خرقاً للاتفاقات المشتركة.

 

ترى هل الولايات المتحدة الأمريكية نادمة وأدركت فداحة الخطأ الذي ارتكبته في العراق، أقول وليتأكد من قولي هذا من يشاء ....... كلا الولايات المتحدة ليست نادمة، ولكن الرياح ربما جرت بما لا تشتهي السفن .....!

_____________________

المقال جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى الفضائيات العربية بتاريخ 1/ آذار / 2012

============================

بعض الدروس من 8 آذار 1963م لشعب سورية وثورته التاريخية

نبيل شبيب

في الثامن من آذار/ مارس 1963م أنهى انقلاب عسكري فترة "الانفصال" التي استمرت أقل من عامين، كانت بدايتهما بانقلاب عسكري سابق، وقع يوم 28/9/1961م، فأنهى وحدة مصر وسورية في "الجمهورية العربية المتحدة".

الأفكار والشعارات التي كان يرفعها حكم جمال عبد الناصر في سنوات الوحدة (1958-1961م) لم تكن تختلف اختلافا كبيرا عن الأفكار والشعارات التي زعمها حزب البعث العربي الاشتراكي لنفسه، ومن ذلك شعار: "وحدة-حرية-اشتراكية"، وشعار: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".

ولئن كانت معارضة استبداد عبد الناصر على الصعيد الداخلي، وما تردّد في حينه عن تمكين "المصريين" من حكم "السوريين" بدلا من وحدة على قدم المساواة، هي الأسباب التي أدّت إلى انقلاب 1961م، فليس صحيحا أن الانقلاب البعثي العسكري يوم 8/3/1963م، كان فعلا من أجل "الوحدة".. فمن ورائه ووراء الانقلابات العسكرية التالية التي رسّخت لحقبة استبداد دموي فاحش على امتداد 49 سنة مضت، كانت تكمن مجموعة من خمسة ضباط عُرفت باسم "اللجنة العسكرية"، التي تأسست سرّا في القاهرة، وكان ذلك عام 1958م، أي عام الوحدة، الذي شهد أقصى درجات التأييد لجمال عبد الناصر آنذاك، قبل أن ينتشر التذمّر من أساليب ممارساته السلطة في سورية وفي مصر على السواء.

كانت "جريمة التسلّط" عبر انقلاب 1963م إذن جريمة مبيّتة من البداية، من وراء كل شعار وفكر، ومن وراء كل تعليل وذريعة، وكان من المجموعة الخماسية السرية حافظ الأسد، وقد توسعت لاحقا إلى خمسة عشر عضوا، وتولّت مسلسل الانقلابات التالية واقعيا، وكان كل منها حلقة من حلقات التخلص من بعض "رفاق الطريق"، فتساقطت تباعا رؤوس حزبية بعثية، ورؤوس من زعماء أقليات أغريت بالوعود وانتهت بالغدر، وكان من هؤلاء -على سبيل المثال- محمد عمران وصلاح جديد من العلويين، وقد انتهى هذا المسلسل الدموي بما سمّي الحركة التصحيحية في 23 شباط/ فبراير 1970م، التي شهدت بلوغ حافظ الأسد غايته، فكشف عن أنيابه فتكا ومخالبه همجية.. بعد أن حصل على "موقع متميّز" إسرائيليا وأمريكيا وغربيا من خلال تسليم الجولان دون قتال عام 1967م.

ومن يقتل رفاق الدرب، لا يرتدع عن قتل أيّ "صديق" أو "خصم" -في وطن الوحدة والحرية والاشتراكية- وإن كان ما ورثه الابن عن أبيه على هذا الصعيد أشدّ همجية وإجراما.

ومن يسلّم أرض الوطن دون قتال كما شهد مصطفى خليل، رئيس المخابرات البعثية في الجولان آنذاك، في كتابه (سقوط الجولان).. لا يتورّع عن توجيه القذائف القاتلة إلى قلب الوطن وصدور أبنائه وبناته.

الدرس الأول: من ذا الذي يأمن اليوم على نفسه من رفاق درب بشار بن حافظ مهما كانت مسارات التعامل الحالي مع ثورة الكرامة في سورية الأبيّة؟..

الدرس الثاني: من ذا الذي يقبل لنفسه هذه الأيام ذلك الموقف المخزي وهو يزعم أن مجرّد رفع الشعارات الكاذبة قلبا وقالبا، بدءا بالوحدة والحرية والاشتراكية، انتهاء بالممانعة والمقاومة، كافيا لتسويغ ممارسات التقتيل الإجرامي للشعب نفسه، وتسويغ تحويل أرض الوطن إلى أشلاء ممزقة؟..

. . .

لا ريب أن إخفاق أول تجربة للوحدة بين أقطار عربية، كان محبطا للآمال الكبيرة التي عقدت على تحقيق هدف الوحدة، إلا أنّ قراءة حدث الوحدة فحدث الانفصال ثم الانقلاب العسكرية تحت راية بعثية لاحقا، عبر منظور "المؤامرة الخارجية" وحده، قراءة قاصرة، لا تكفي -مهما ظهر من أدلة وبراهين على صحة وجود تلك المؤامرة- فالذي يعطي أيّ مؤامرة خارجية فرصة للنجاح هو المخاطرة بكرامة الإنسان وحرية الإنسان وحقوق الإنسان، وجميع ذلك هو عين المخاطرة بهدف عزيز من قبيل توحيد الأوطان وحمايتها من عدوّ خارجي.

وإنّنا لنعايش هذه الأيام وجود فئات تحمل من إرث القرن الماضي في توجّهاتها النخبوية ما يفصلها عن الإنسان.. عن الشعوب، وأخطر ما في ذلك الموروث أن يوضع هدفان مشروعان جليلان في أسواق المقايضة والمساومة والتضليل، وكأنه لا يمكن تحقيق أحدهما إلا عبر ذبح الهدف الآخر.

لا تتحقق الوحدة دون الحرية، ذاك ما ثبت قبل أكثر من خمسين عاما، ولا تتحقق هذه الأيام مقاومة عدوّ خارجي، واحتلال استيطاني، ومؤامرات دولية، واستغلال عالمي، دون الكرامة الفردية، والحرية الفردية، والحقوق الفردية.. لا تتحقق دون الإنسان، فالإنسان الكريم الحر العزيز هو الذي يصنع أسباب "المقاومة والممانعة" جميعا.

كل من يرفض تطلّع الشعوب للتحرّر من الاستبداد، يمكن أن يصل بها إلى "قصف الدبابات والمدفعية للأحياء السكنية" فيذبح الوطن، وأن يصل بها إلى "آثام التعذيب الهمجي للأطفال والنساء والشباب والشيوخ"، فيذبح الإنسان، ولكن يستحيل أن يصل عبر ذلك الرفض إلى "مقاومة وممانعة وتحرّر" ناهيك عن "مناعة الشعوب والأوطان" تجاه تآمر دولي واستغلال عالمي.

الدرس الثالث: لا بدّ في ثورات الحرية في سورية وأخواتها من العمل دون كلل ولا ملل، من أجل الجمع بصورة مطلقة، بين تحرّر الإنسان وتحرر الوطن.. كالجولان، بين مشروعية العدالة الداخلية ومشروعية الأهداف المشروعة الجليلة.. كتحرير فلسطين، بين إسقاط الاستبداد المحلي وإسقاط الاستبداد الدولي.. كالاستبداد الأمريكي.

. . .

لقد جاء البعثيون في 8/3/1963م وهم يعزفون لحن إنهاء "الانفصال".. رغم أن تدبير مسيرة "اللجنة العسكرية" السرية التي أوصلت إلى ذلك الانقلاب بدأت في عام ميلاد الوحدة.. ولكن الأزمة الحقيقية لم تنشأ نتيجة "كذبهم" بل نتيجة وجود من صدّق شعاراتهم وغضّ الطرف عن ممارساتهم..

وقد جاء كل انقلاب عسكري من بعد ليقول أصحابه إنهم يريدون القضاء على مساوئ أسلافهم، وترسيخ وضع بديل أفضل.. حتى كانت الحركة "التصحيحية" بمثابة الدمغة الأخيرة لذلك المسلسل، والوصول به إلى الدرك الأسفل من منحدر ترسيخ الاستبداد الدموي.

لم تولد الطاقة الهمجية لممارسة الاستبداد كما نراها هذه الأيام.. دفعة واحدة، بل كانت وليدة "محاضن الاسبتداد" في مسيرته الدموية الأولى، التي كان من محطاتها البارزة بين 1963 و1965م:

- سنة 1963م: أوّل "أحكام عسكرية بالإعدام تصدر وتنفذ خلال 24 ساعة" بحق مجموعة ضباط حاولت الانقلاب على الانقلابيين..

- سنة 1964م: أوّل هجمة إجرامية على مسجد السلطان في حماة وجامع خالد بن الوليد في حمص..

- سنة 1965م: استخدام الدبابات في اقتحام المسجد الأموي في دمشق..

- من السنة الأولى وعبر السنوات التالية: رافق تصفية الأجنحة المتصارعة في الحزب والجيش تنفيذ مخططات السيطرة الاستبدادية الحزبية من خلال تغلغل "التسلّط المباشر" في جميع الميادين، بدءا بما كان مع تأسيس اتحاد الطلبة، مرورا بتبديل أعداد لا تحصى من المعلمين والنقابيين والإعلاميين والعسكريين وغيرهم بمن يوالي السلطة، انتهاء بتنظيم المخيمات الشبابية الأولى..

الدرس الرابع: كل بذرة من بذور الاستبداد في أي صيغة سياسية لحكم سورية خلال الفترة الانتقالية ومع ترسيخ دعائم الدولة الجديدة عبر ثورة الحرية والكرامة، يمكن أن تنطوي على مخاطرة كبرى بالوصول إلى حقبة استبدادية تالية، حتى وإن كانت البذرة الأولى جانبية لا يؤبه بها.

الدرس الخامس: لا يُحكم على أي حزب أو جماعة أو تيار أو حركة من خلال الشعارات وإنما من خلال واقع من يحملون تلك الشعارات وأخلاقياتهم وسلوكهم، فكل من يعمل لفرض ما يراه على سواه، مرفوض مهما كانت شعاراته ووعوده مغرية.

. . .

لقد أنهت الثورة الشعبية البطولية في سورية مسيرة 8/3/1963م الإجرامية، فلن تكمل سنتها الخمسين التي تبدأ هذا اليوم، يوم 8/3/2012م.

ستسقط بقايا العصابات الإجرامية المتسلّطة.. مهما بلغ الثمن الفاحش لسقوطها، وهي تنتزع الثمن انتزاعا من الشعب الثائر، وتنتقم من ثورته برصاص الرشاشات وقذائف الدبابات والمدفعية، وبآثام الشبيحة وسواهم من الوحوش الشبيهة بالبشر، وهم يرتكبون ما تعاف وحوش الغابات ارتكابه.

وهنا لا ينبغي أن يغيب لحظة واحدة عن الثوار من الشعب الصامد صمودا بطوليا لا مثيل له في التاريخ، أنّ ما وقع قبل نصف قرن لا "يجوز" أن يتكرّر الآن. ليس المقصود "وقوع انقلاب عسكري" فذاك أسلوب للتسلّط لم يعد يجدي في هذه المرحلة، إنّما المقصود تكرار أساليب التحالف أو الافتراق، والتعاون أو الخصومة، على أسس حزبية ضيقة، أو مصلحية وقتية، أو شعارات خاوية من المضمون.

إن كل انحراف في الفترة الانتقالية القادمة فور إسقاط بقايا (8/3/1963م) يعني بداية حقبة استبداد بشكل آخر قد تمتد نصف قرن من الزمن.. كل انحراف يبدأ الآن، يمكن أن يسبب التضحيات الجسيمة لزمن طويل، ربما أضعاف أضعاف ما تقدّمه الثورة الأبية، وسواء كان الانحراف:

- في صياغة الدستور والبنية الهيكلية للدولة الجديدة..

- في تركيز أسباب القوة المادية أو التقنينية لدى جهة على حساب أخرى..

- في إعطاء الأولوية للعلاقات الحزبية خارج الحدود على العلاقات مع الشركاء في الوطن الواحد..

- في صناعة تحالفات كبيرة أو صغيرة لإقصاء طرف أو أكثر من الحاضنة الوطنية المشتركة..

- في فرض حالة طوارئ منفلتة بذريعة من الذرائع..

- في تغليب مفعول الرؤى الانفرادية على القواسم المشتركة..

كل انحراف في شيء من ذلك أو ما يشابهه، يعني التنكّر لدماء الشهداء وآلام الضحايا، في هذه الثورة المنتصرة بإذن الله، كما يعني أيضا المخاطرة بمزيد من الدماء والآلام بعد حين.

لقد ثار شعب سورية على الاستبداد ثورة تاريخية بانطلاقتها وتاريخية بمجراها وتاريخية بنتائجها، ولن يستكين لأي طرف من الأطراف يحاول اختطاف ثورته لممارسة استبداد جديد تحت أي عنوان وخلف أي قناع..وكل التقدير والإجلال لضحايا نصف قرن مضى، وكل التقدير والإجلال للثوار الذين يصنعون مستقبلا عزيزا مشرقا، وجنة الخلد للشهداء الأبرار الأطهار، لدى رب العزة، وما النصر إلا من عند الله القوي العزيز.

===========================

زيارة قصيرة لعنترة

الدكتور عثمان قدري مكانسي

تركنا الأدب والشعر منذ فترة ليست بالقليلة وغصنا في التربية القرآنية والنبوية أولاً والسياسة ثانياً حتى كدنا ننسى أننا قضينا أكثر من خمسة وخمسين عاماً في رحاب الأدب تعلماً وتعليماً شابَ فيها الرأس وضعفت العينان وكل البدن ولو عصرْتَ عقولنا ما وجدت غير الأدب من شعر ونثر.

لكنني وجدت نفسي صباح هذا اليوم وأنا عائد من صلاة الفجر أترنم بمعلقة عنترة بن شداد ، أردد مقدمتها وأقف على معنى كل كلمة فيها وأقلب فيها الوجوه وأغوص في معانيها ، ثم أراني أنتقل إلى شوقي رحمه الله في (جارة الوادي) ثم أراني أعقد مقارنة بين وقوف عنترة على الأطلال وأمّ شوقي الرياض التي التقى فيها المحبوبة مرات عديدة وأقول : إن الشاعر ابن بيئته ، فمن عاش في الصحراء تذكر النؤي والأثافيّ السفع وجذم الحوض . ومن كان في المدينة ذكر الرياض الغناء وأشجارها وعيونها وريّاها .

فعنترة يريد اختصار الموقف وعدم الاسترسال في وصف الأطلال فأعلن أن من سبقه من الشعراء لم يتركوا له ولا لغيره جديداً ولا قديماً في هذا الباب ( هل غادر الشعراء من متردّم) فإذا بالمعري يخالفه إذ يقول :

إني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه=لآت بما لم تستطعه الأوائلُ

فأقول هذا – المعرّيّ- فارس الشعر والمقال وليس فارس الضرب والنزال ، ثم هو ذكي أريب ومتكلم بارع عاش في قرون العلم والحضارة العربية في (بغداد)عاصمة الدنيا آنذاك ، فأين البدوي البسيط عنترة منه في صحراء ما قبل الإسلام؟

والجميل في بساطة عنترة وسهولة معانيه أنه يخبرنا بأسلوب الاستفهام في بيته الأول أنه اهتدى إلى أطلال مضارب الحبيبة بعد أن ضرب أخماساً بأسداس( أم هل عرفت الدار بعد توهّم) والمعرفة قبل العلم فلم يقل ( أم هل علمت ..) فالتوهم ثم المعرفة ثم العلم . ويأسى المحب حين يمر بآثار المحبوب فتتوارد على قلبه قبل عقله كلُّ أحاديثهما ولقاءاتهما وأحلامهما ،وما كان أجملها فإذا به ينتبه إلى الواقع الحزين وينادي بأعلى صوته ( يا دار عبلة بالجواء تكلمي ) وهل تتكلم الصخور الصم والحصى الصغيرة والرمال المتحركة ، إنه لن يسمع غير صوت الريح أو عواء ذئب شم رائحته فأقبل يعسل إليه ، أو نباح كلب ضال يرجو ما يسد رمقه. ولْيتكلمْ وحده ممنياً نفسه بلقاء قريب يغسل أدران البعد وآثار الحرمان.

ولعله فرح حين عرف المضارب المقفرة مهد الحب ومرابع الأحلام الوردية ثم تألم إذ انتبه لواقعه المرير ، فلا حسّ ولا أنس. لقد شدّت القبيلة إلى مكان آخر قد يعرفه فهو منطلق إليه . لكنْ لا بد وقد مرّ على ذكريات الأمس أن يقف عنده سويعات بل دقائق يسلم على دار عبلة ( وعِمي صباحاً دارَ عبلة واسلمي) . إن السلام والتحية عنوان الشوق واللهفة.

وأتذكر مجنون ليلى يمر على ديار المحبوبة ليس حباً بها إنما حباً في الحبيب الغائب :

أمر على الديار ديار ليلى=أقبل ذا الجدارَ وذا الجدار

وما حب الديار شغفن قلبي=ولكنْ حبُّ مَن سكن الديارَ

تراه يقبل الجدار ثم يعلل في البيت الثاني فعله هذا كي لا يظنه الراؤون مجنوناً . وعلى رغم هذا وصفوه بالجنون فأصبح لا يُعرف إلا به.

وقف عنترةُ ناقته ولم يُنِخها ، وحُق له أن يفعل ذلك فلن يُطيق البقاء في منعطف أو تل أو أرض كان يلقى فيها الحبيب وهو الآن بعيد عنه. أو لا يعرفه فهو يبحث عنه ، وبقاؤه في مرابع ذكرياته وإن كانت تخفف عنه قليلاً فإنها تحرك أوار الحب في قلبه وشوك البعاد في جسده. ولن يُطيق اجترار ذكرياته ليصحوَ على سراب واقعه.

لكنني وقفت طويلاً أمام وصف ناقته (بالفدن) والفدن :القصر المنيف ، أتساءل لم جعلها قصراً ، فكان في رأسي أكثر من تعليل:

1-        بما كانت الزيارة لأطلال حبيبته قصيرة ، فإنزال الأحمال عملية مرهقة لا حاجة إليها.

2-        لو أناخها وعليها حمل ثقيل فقد يضطر لتخفيف الحمل عنها كي تقوم مرة أخرى.

3-        صرّح أنه وقف ناقته على الأطلال ( ليقضي حاجة المتلوّم) فمن اللائم يا ترى ؟! أيلوم نفسه لو أنه لم يقف؟ ولربما تسأله عبلة أوَقف أم لا ؟وتظن عدم التوقف دليلاً على عدم اهتمامه بها ؟ وهو لا يريد أن يقف هذا الموقف. ولعله لا يحب أن تكون قصيدته مبتورة على عادة شعراء ذاك الزمان فمن سمات القصائد إذ ذاك الوقوف على الأطلال.

4-        والحقيقة أنني لم أرتح لوصف ناقته بالفدن ورأيته حشواً .

قلت إنني قارنت بين قصيدة عنترة وقصيدة شوقي في الحديث عن جارة الوادي ، وترنمت بلحن محمد عبد الوهاب يغنيها، فوجدتني أدخل البيت أردد:

ولقد مررت على الرياض بربوة=غنّاء كنت حيالها ألقاك

ضحكت إليّ وجوهها وعيونها=فشممتُ في أنفاسها ريّاكِ

======================

قصص قصيرة جدا/14

بقلم : يوسف فضل

صناعة رئيس

-أي بني، ماذا تريد أن تدرس؟

-علوم سياسية ، تخصص (رئيس عربي)

-أولا ،يجب أن تجري عملية استئصال الضمير.

- لماذا؟

- حتى تنام مرتاح !

ما الجديد؟

أصحو على نبضات أماني النفس بسقوط زعيم عربي جديد . لكن اسمع وأشاهد وقوع مجزرة جديدة . يا لهذا الليل الذي يخبئ لنا السهاد وينجز لنا آثام عند الصباح .

 

جيران

كتب إفادته عن حادث سرقة بيت جاره : انه رأي أثاث جاره أول مرة أثناء تنزيله من الشاحنة . وبعد سنتان، رآه وهو يُحمّل على الشاحنة. لكنه لم ير جاره المسروق .

 

جائزتان

طرب (أبطال) باب الحارة بجائزة النجومية الرخيصة . وفاز حي باب الصحابي عمرو بن معدي كرب الزبيدي بجائزة شرف مقارعة الهالك بن الهالك.

 

صرقعة

نشطت خلايا مخ المشاهدين بالتفكير عندما لحسوا عصير عنب الممثلة حين عبرت عن رأيها السياسي (الصائب):" أن العنف الذي يجري في بلدنا بعيد عن عاداتنا وشيمنا ، وأنني انشد الأمن والأمان". ودللت على حكمة رأيها :" أن ال( آل) الحاكمة سادت بالانتخابات والتفاهم والورود"!

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ