ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 26/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

المسجد الأقصى وواجب المسلمين نحوه

أ.د. عبد الرحمن البر

عميد كلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الحمد لله رب العالمين، ناصر المؤمنين وقاهر الجبارين ومذل المتكبرين، وأشهد ألا إله إلا الله رب الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين ومالك يوم الدين، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين، القائل: « لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين على من يغزوهم قاهرين لا يضرهم من ناوأهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس» (أخرجه أحمد ، والطبرانى ، والضياء عن أبى أمامة)

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد وعلى آله وثحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.

أهمية المسجد الأقصى عند المسلمين:

وبعد ؛ فقد ارتبطتْ قُدسيَّةُ المسجدِ الأقصى المباركِ بالعقيدةِ الإسلاميَّةِ منذ أن أُسريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وعُرِج منه به إلى السماواتِ العلى، وقد خلَّد القرآنُ هذا الحدَثَ العظيمَ في سورةٍ سُمِّيتْ به، هي سورةُ (الإسراء)؛ حيث افتتحها سبحانه بقوله ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1).

 وتعزَّز هذا الارتباط منذ أن كان المسجدُ المباركُ هو القبلةَ الأولى للمسلمين، قبل أن يتحوَّلوا إلى الكعبةِ ويتخذوها قبلَتَهم بأمرِ الله، فاعتُبر أولى القبلتين، وقبل ذلك كان هذا المسجدُ الشريفُ ثانيَ مسجدٍ بُنيَ على الأرضِ، بعد المسجدِ الحرامِ، فعُرف بثاني المسجدين، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَال: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟! قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ" (متفق عليه)، ثم ربط الرسول صلى الله عليه وسلم مكانته بالمسجد الحرام ومسجد المدينة، فاشتهر بأنه ثالث الحرمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى" (متفق عليه)، وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي" ( (متفق عليه).

 وجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ فيه أعظمَ أجرًا من الصلاة فيما سواه من المساجد غير المسجد الحرام والمسجد النبوي، فجعل الصلاة فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه، فعن أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ، وَالصَّلاةُ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلاةٍ، وَالصَّلاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلاةٍ". (أخرجه الطبرانى وقال الهيثمى : رجاله ثقات ، وفى بعضهم كلام).

 اهتمام المسلمين على مرِّ التاريخ بالمسجد الأقصى وبيت المقدس:

حين أمر اللهُ المسلمين بالتحوُّلِ من بيتِ المقدسِ إلى الكعبةِ المشرَّفةِ أدرك المسلمون أنَّ عليهم استنقاذَ القبلتين، فبذلوا المُهَجَ والأرواحَ، حتى فتح الله عليهم مكَّةَ، ودخل الناسُ في دينِ الله أفواجًا، ثم وجَّهوا همَّتَهم لاستنقاذِ القبلةِ الأولى، وكان الفتحُ العُمَريُّ لبيت المقدس عام 15ه هو حجرَ الأساسِ لانطلاقةِ بناءِ المسجدِ الأقصى المباركِ؛ حيث سار الخليفةُ الراشديُّ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه إلى المنطقةِ المباركةٍِ، وزار موقعَ الصخرةِ المشرَّفةِ التي كانت قد طُمِرت تحت الأتربةِ والنفايات، وأمر بتنظيفِها، كما أمر بإقامةِ مسجدٍ في الجهةِ الجنوبيةِ منها، ثم نُفِّذ مشروعُ تعميرِ منطقةِ المسجدِ في عهدي الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وابنه الوليد.

 وظلَّ المسجدُ مع المدينةِ المباركةِ تحت إمْرَةِ المسلمين يتعهَّدونه بالرعايةِ والعنايةِ، حتى سقط عام 493ه في أيدي الصليبيين الذين استغلوا ضعفَ الخلافةِ وتفكَّك الوحدةِ الإسلاميةِ وتنازُعَ الأمراءِ وغلبةَ الأهواءِ على المسلمين، واستمرَّ الاحتلالُ الصليبيُّ حوالي تسعين عاما هجريةً، حتى حرَّره القائدُ صلاحُ الدين الأيوبيُّ الذي حلف ألاَّ يبتسمَ حتى يحرِّره، وكان له ما أراد عام 583 ه، وقام صلاحُ الدين بإعادةِ ترميمِه وإصلاحِه وتجديدِ وتزيينِ محرابِه، وقامتْ في ساحاتِ المسجدِ وحوله مدارسُ ومكتباتٌ ودورٌ لحفظش القرآنِ ودراسةِ علومِهِ ودورٌ للحديثِ النبويِّ الشريف ودراسةِ علومِ السُّنَّة.

 ثم قام الاستعمارُ الغربيُّ الذي عمَّ الأقطارَ العربيةَ والإسلاميةَ في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بزرعِ الكيانِ الصهيونيِّ في جسدِ فلسطين، ثم تَمَّ الاعترافُ الدوليُّ الظالمُ بما سُمِّيَ بدولةِ إسرائيل عام 1948م، ثم قام الكيانُ الغاصبُ باغتصابِ القدس عام 1967م، ثم كانت المحاولةُ اليهوديَّةُ الآثمةُ لحرق المسجد في 21 أغسطس 1969م على يَدِ شابٍّ يهوديٍّ يُدْعَى مايكل روهان، ثم تمَّ إعلانُ ضمِّ القدسِ سياسيًّا إلى دولةِ الاحتلال الصهيوني سنة 1980م، وتوالتْ محاولاتُ قطْعاِن المغتصبين الصهاينةِ المدعومين من دولةِ الاحتلالِ للإساءة للمسجد المبارك في غفلةٍ عجيبةٍ من المسلمين.

 محاولات تهويد القدس:

منذ بدأتْ العصاباتُ الصهيونيةُ في التوافدِ على فلسطين وهي تضع الخططَ وتبذل الجهودَ الجبارةَ لتهويدِ المدينة المباركة، وتهجير الفلسطينيين منها بشتى الطرق غير المشروعة، فمن ذلك:

- أنهم أصدروا تشريعًا يُسَمَّى "قانون الغائب" يقضي بأن مَنْ يتغيَّب من الفلسطينيين عن منزله من 8 إلى 10 سنوات تتم مصادرةُ أرضِه وبيتِه لسلطاتِ الاحتلال.

 

- وتوسَّعوا في إنشاءِ المغتصبات الضخمةِ لتسكين عشرات الآلاف من الصهاينة داخل وحول المدينة المباركة.

 

- وتوسَّعوا في حَفْرِ الأنفاقِ في المنطقةِ القريبةِ من المسجد، إلى الحدِّ الذي صار يُخْشَى منه على انهيارِ المسجدِ الأقصى قريبًا، بل قد انهارت بالفعل بعضُ ملحقاته.

 

- ولما أعيتهم الحِيَل في إيجادِ أيَّةِ آثارٍ تُشير لما يزعمون من تاريخِ اليهودِ في هذه البلادِ المباركةِ انطلقوا في تزويرِ الحقائق، ويدَّعُون بوقاحةٍ أنَّ بعضَ الآثارِ الإسلاميةِ والعربيةِ القديمةِ هي آثارٌ يهوديةٌ؛ ظلمًا وزورًا.

- وأقرب حلقات التهويد وربما لا تكون آخرها: محاولة الصهاينة هدم باب المغاربة، هذه المحاولة الأثيمة التي تريد سلطات الكيان الصهيوني الغاصب إنجازها في ظل انشغال العرب والمسلمين بمشاكلهم الداخلية وانشغال الفلسطينيين بإنجاز التصالح الداخلي بين الفصائل المختلفة، ولا يقتصر مخطط باب المغاربة على هدم طريق باب المغاربة, بل يشمل بناء جسر عسكري يمهّد لاقتحام أعداد كبيرة من قوات وآليات الاحتلال, ولاقتحامات واسعة النطاق للمستوطنين للمسجد الأقصى المبارك, لخدمة مخطط تقسيم المسجد بين المسلمين واليهود, على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل.

- كما يشمل المخطط استكمال تهويد ساحة البراق التي حولها المغتصبون الصهاينة سابقا إلى معلم ديني لدولتهم, وطمس باقي المعالم الاسلامية في البلدة القديمة في القدس, بل وربط الساحة التي ترتبط برحلة الإسراء بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بالبؤر الاستيطانية المحيطة بالقدس.

كل هذه التحديات تطرح علينا السؤال الضروري عن واجبنا نحو فلسطين والمسجد الأقصى في ظل كل تلك المخاطر.

واجباتنا نحو القدس والمسجد الأقصى:

من أهم الواجبات ما يلي:

 - العملُ على دعْمِ ونشرِ القضيةِ، وفضحِ المخططاتِ الصهيونيةِ، من خلال الفن، والأدبِ، ومناهجِ التعليمِ، ووسائلِ الإعلامِ، والمنابر الدينية والثقافية، والمؤتمرات والندوات وحلقات النقاش العلمية؛ للتأكيدِ على هُوِّيَّةِ وعروبةِ وإسلاميةِ القدس.

 - القيامُ بترميمِ الآثارِ الإسلاميةِ والعربيةِ، وعدمُ تركِها لعواملِ الزمنِ لتنهار، وتسجيلها لدى الهيئات الدولية ذات الصلة، خصوصا بعد أن تم الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في اليونسكو، مما يفتح الباب أمام العرب والفلسطينيين لتسجيل كل ما هو فلسطيني، حتى لا يستمر الصهاينة في سرقة التراث الفلسطيني.

 - إقامةُ المشاريع التي تدعم بقاءَ الفلسطينيين ببلادِهم عن طريقِ صناديقِ تمويلٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ حكوميةٍ وأهليةٍ؛ لدعمِ صمودِ شعبِنا المجاهدِ الصابرِ في أرضِ الرباطِ، وعدمُ تركِ الإعمارِ يمرُّ عبر القناة الصهيونية، ولنذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن قيمة الأرض القريبة من الأقصى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ سِيَةِ قَوْسِهِ (ما عُطِفَ من طَرَفَيْها) مِنَ الْأَرْضِ؛ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا". (أخرجه الحاكم والطبراني والبيهقي في الشعب)

 - دعمُ جهادِ المقاومةِ الفلسطينيةِ ماديًّا ومعنويًّا وإعلاميًّا، وتثبيتُ قوّتِها، والتواصلُ الرسميُّ والشعبيُ معها؛ حتى لا تظلَّ وحيدةً في ميْدانِ المعركة، وخصوصًا بعد الإنجازات الرائعة التي حققتها في السنوات الأخيرة.

 - تحقيقُ مشروعِ صندوقِ الأقصى وتفعيلُه بحيث يكون حكوميًّا وأهليًّا، فرديًّا وجماعيًّا، تُسْهِمُ فيه المؤسساتُ والأفرادُ، وتتبنَّاه جميعُ الهيئاتِ والأُسَر في الأمة.

 - العملُ على استقطابِ الرأيِ العامِ الغربيِّ والعالميِّ لنُصرةِ الحقِّ الفلسطينيِّ العربيِّ الإسلاميِّ، من خلالِ حملاتٍ إعلاميةٍ وقانونيةٍ ونشرِ دراساتٍ علميةٍ وتاريخيةٍ حقيقيةٍ، بمختلف اللغات الحية، وعبر كلِّ وسائلِ الإعلامِ وصناعةِ الرأيِ العامِ المؤثرة، تقوم بها لجانٌ متخصصةٌ يتوفر فيها الإخلاصُ للقضية، ويتوفر لها الدعمُ الماليُّ المناسبُ رسميًّا وشعبيًّا؛ حتى تتمكنَ من إحداثِ التأثير المطلوب، حتى تعي كل القوى المؤثرة في العالم اليوم أن إصرارها على مواقفها المعادية، أو المستهترة بآلام الشعب الفلسطيني، وآمال الشعوب العربية، يخشى منه أن يؤدي إلى تأسيس وتغذية نوع من الحقد بين الشعوب لا تحمد عقباه، ولا يتصور مداه، وأن الشعب العربي والمسلم لن يبقى ساكتا على هذا العدوان طويلا.

- أخذُ المجامعِ العلميَّةِ والفقهيَّةِ لدورِها في إحياءِ الروحِ الإسلاميَّةِ في الأمَّةِ، وإصدار الفتاوَى الشرعيةِ التي تُلْزِمُ الأمة حكامًا ومحكومين بالعملِ لاستنقاذِ المسجد الأقصى؛ باعتبارِ ذلك واجبًا دينيًّا ومسئوليةً شرعيةً وأخلاقيةً، لا مجال للتردد في تحمُّلها بحقِّها.

 وهنا أذكر بفتوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر المكونة من كل علماء المذاهب الفقهية في يوم الأحد 18 جمادى الأولى سنة 1375 ه الموافق "أول يناير سنة 1956" التي حرمت التصالح مع الكيان الصهيوني أو التقاعس عن مواجهة مشروعاته الاستعمارية ، ووما ورد فيها : «وكذلك يحرم شرعا على المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء من تنفيذ تلك المشروعات التي لا يراد بها إلا ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغد من العيش وخصوبة في الأرض، حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام في أعز دياره، وتفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم، ويجب على المسلمين أن يحولوا بكل قوة دون تنفيذها ويقفوا صفا واحدا في الدفاع عن حوزة الإسلا . وفي إحباط هذه المؤامرات الخبيثة التي من أولها المشروعات الضارة ومن قصر في ذلك أو ساعد على تنفيذها أو وقف موقفا سلبيا منها فقد ارتكب إثما عظيما» ، وختمت اللجنة فتواها بالقول: «وتهيب اللجنة بعامة المسلمين أن يعتصموا بحبل الله المتين، وأن ينهضوا بما يحقق لهم العزة والكرامة وأن يقدروا عواقب الوهن والاستكانة أمام اعتداء الباغين وتدبير الكائدين، وأن يجمعوا أمرهم على القيام بحق الله تعالى وحق الأجيال المقبلة في ذلك، إعزازا لدينهم القويم»

- وأخيرًا فلا بدَّ أن يعلمَ الجميعُ أن قضيةَ القدسِ والأقصى وفلسطين هي معيارُ الشرعيةِ الحقيقيةِ للنظامِ السياسيِّ العربيِّ، وهي رمانةُ الميزانِ في الوحدةِ العربيةِ والإسلاميةِ، وأن التَخَلِّيَ عنها يُسْقط الشرعية عن كل نظامٍ ينفض يده من هذه المسئولية. وهذا الربيع العربي الكريم بشير خير بأن تأخذ قضية فلسطين والأقصى موقعها الحقيقي من البرامج السياسية للنظم الجديدة التي تعبر عن ضمير الشعب العربي المسلم الذي يهتف بضرورة قطع كل علاقة بإسرائيل: دبلوماسية، كانت أو ثقافية فنية، أو عسكرية.

 وستبقى هذه القضيةُ هي قضية الأمة الأساسية حتى يأذنَ اللهُ بزوالِ دولةِ الاحتلالِ العنصرية، وحتى يقاتلَ آخرُ هذه الأمةِ الدجالَ وجيشه من اليهود، ويخلصون الأرض من شرهم.. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِىَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِىٌّ وَرَائِى فَاقْتُلْهُ"، وفي رواية: "لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِىٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ" (متفق عليه)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلاَّ الْغَرْقَدَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ". (أخرجه مسلم)

ولسنا في حاجة إلى بيان أن انتصار المسلمين في هذه القضية –قضية مقدساتهم الروحية العليا- يحقق شرطا أوليا ويعطي قوة دعم لا تقدر للنصر في قضاياهم الوطنية الأخرى.

وهو نصر قريب بإذن الله تعالى. وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَريبا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

========================

غطاء الحرب

مجاهد مأمون ديرانية

تلاحظون أن عجلة الأحداث تدور بسرعة، وقد تزايد الحديث عن منطقة آمنة وعن حظر طيران، وصارت مشاركة تركيا أمراً شبهَ محسوم. لكنكم تلاحظون أيضاً أن عبارة “الغطاء الدولي” تتردد كثيراً لدرجة أنها صارت جزءاً لا يتجزأ من أي حديث عن الحرب (أو عن “التدخل الدولي لحل الأزمة السورية” بعبارة ألطف).

التحرك الدولي لا بد أن يمر عبر مجلس الأمن كما نعلم، وقد صار هذا المجلس عقبة يصعب تجاوزها، بل يكاد يستحيل تجاوزها بوجود روسيا والصين اللتين تملكان حق النقض! في الحقيقة لم يكن هذا هو ما توقعته، فقد كتبتُ منذ نحو شهرين -في مقالة لا أتذكر عنوانها الآن- أنّ صفقةً ما لا بد أن تكون قد أُبرمت مع روسيا والصين لضمان حيادهما وحتى لا تعطّلا أي قرار ضد سوريا في مجلس الأمن. حسناً، أعترف بأني أخطأت فيما قلته حينها، فقد أثبتت الأيام أنهما ما تزالان مساندتَين للنظام السوري حتى اليوم، وأنهما ستبقيان كذلك، أو روسيا على الأقل. فما العمل؟

هل ستنجح روسيا في وقف الحملة الدولية على نظام الأسد؟ يغلب على ظني بنسبة تسعين بالمئة وأكثر أنها لن تنجح، بل إني لأكاد أجزم جزماً تاماً بأن الحرب قادمة لا ريب وأن الحملة الدولية التي بدأت لن تتوقف إلا وبشار خارج الحكم، هارباً أو معتقَلاً أو مقتولاً (الوسطى أحب إلى قلبي، حتى يحاكمه الشعب في قفص ثم يعلّقه من رقبته على شجرة بإذن الله). فكيف سيتجاوز المجتمع الدولي عقبة مجلس الأمن؟ هذه النقطة لا أستطيع الجزم بشأنها، لكن يمكنني التخمين: يغلب على ظني -ظناً لا يقيناً- أن يُمَرَّر قرارُ التدخل الأممي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ما دامت بوّابةُ مجلس الأمن مغلقةً دونه.

بل لقد بدأت بالفعل محاولةٌ من هذا النوع، حيث تلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروعَ قرار تدعمه دول أوربية وعربية لإدانة النظام السوري، وقال مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة مارك غرانت إن مشروع القرار جاء “نتيجةَ مشاورات وثيقة مع الدول الأعضاء في الجامعة العربية في رد على الأحداث الخطيرة التي تقع على الأراضي السورية”. وإنْ هي إلا أيام حتى يصل المشروع إلى الجمعية، ولنَرَ بعدها كيف ستمشي الأمور.

صحيحٌ أن القرار الذي يصدر عن اجتماع الجمعية لا يكون مُلزماً وإنما هو “توصية” تعبّر عن رأي الأكثرية، ولكنه -رغم ذلك- يضفي نوعاً من “الشرعية الدولية” على أي عمل لاحق من شأنه تحقيق توصيات الأمم المتحدة، وإذا ما سلك التحرك الدولي ضد النظام السوري هذا الطريقَ فلن تكون تلك سابقةً في تاريخ الأمم المتحدة ولن تكون المرة الأولى يستظل فيها تحركٌ دولي بمظلة الجمعية العامة. في سوابق تاريخية استعملت أميركا هذا الأسلوب ومرّرت عبر الجمعية العامة قضايا أخفق مجلسُ الأمن في حلّها، وبذلك استطاعت الالتفاف على الفيتو الروسي. هكذا تدخلت الولايات المتحدة في الحرب الكورية عام 1950، بناء على توصية الجمعية العامة فقط ودون أي قرار من مجلس الأمن، وهكذا استطاعت أن تتصدى للاجتياح السوفييتي للمجر عام 1956 أيضاً. ثم ألم تتصرف الجامعة العربية نفسُها بطريقة غير قانونية في المرّات التي اتخذت فيها إجراءً ضد دولة عربية دون الحصول على إجماع، في العراق وليبيا، ثم في سوريا؟ فإذا نجحت في الماضي إجراءاتٌ عقابية ضد دول عربية بالالتفاف على قوانين الجامعة العربية، فلماذا لا تنجح اليوم بالالتفاف على قوانين الأمم المتحدة؟

إذن فإن هذه الطريقة استُخدمت من قبل رغم أنها ليست قانونية تماماً، وأظن أنها ستُستخدَم الآن من جديد. سوف تُدعى الجمعية العامة للانعقاد بدورة استثنائية والله أعلم، وهذا الأمر ممكن قانونياً بطلب أكثرية أعضائها، ويبدو أنه أمر يجري ترتيبه لا سيما بعد الموقف الأخير لمنظمة التعاون الإسلامي. وربما كانت لجولة المنسق الأميركي الخاص بالأزمة السورية، فريد هوف، ربما كانت لجولته الأوربية علاقة بحشد المواقف في الجمعية العامة للأمم المتحدة تمهيداً لطرح مشروع القرار.

إذا لم أخطئ فإن هذا هو ما كان في بال الوزراء العرب عندما صاغوا البند الثاني من بنود المبادرة العربية الذي ينصّ على “توفير الحماية للمدنيين السوريين، وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة لوضع تصور بالإجراءات المناسبة لوقف النزيف”.

يا للمصادفة! إنه تماماً الطريق الذي تمشي فيه الأحداث:

(1) بريطانيا وفرنسا وألمانيا قدمت إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مشروعَ قرار لإدانة النظام السوري بسبب حملة العنف التي يشنها على شعبه منذ ثمانية أشهر. (2) بعض الوفود العربية (الأردن والمغرب وقطر والسعودية) أعلنت عن عزمها المشاركة في رعاية القرار. (3) نقلت وكالة رويترز عن دبلوماسيين توقعهم أن توافق لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على مشروع القرار. (4) من الموقَّع أن يُطرَح مشروع القرار بعد ذلك للتصويت الرسمي في الجلسة الموسعة للجمعية العامة بعد أيام قلائل.

في هذه الأثناء تعيش روسيا في عالم آخر: “وزير الخارجية الروسي يعارض تنحي بشار الأسد عن الحكم قبل البدء بمفاوضات مع المعارضة”. ماذا يمكن أن نقول عن الدبلوماسية الروسية التي صارت -مؤخراً- أحمقَ من هبنّقة؟! فعلاً تستحق روسيا بجدارة وسام الغباء من الدرجة الأولى، وها قد أخرجتها دبلوماسيتُها العرجاء من المنطقة غيرَ مأسوف عليها، ولله الحمد والمِنّة.

* * *

الخلاصة هي أنني لا أستطيع الجزم بنوعية الغطاء القانوني للحملة على النظام السوري، ولكن أستطيع الجزم بأن الحملة آتية؛ سوف يخترعون لها أي غطاء إذا لم يوفر لها مجلسُ الأمن الغطاء! في الماضي لعبت الولايات المتحدة ألاعيبَ شتى لتنفذ حملاتها وحروبها وأظن أنها ستفعل الأمر نفسه اليوم، وليس بعيداً عن الأذهان ما حصل في العراق عام 2003 عندما أصدر مجلس الأمن قراره التاريخي رقم 1441 داعياً إلى عودة لجان التفتيش إلى العراق، “وفي حالة رفض العراق التعاون مع تلك اللجان فإنه سيتحمل عواقب وخيمة”. هاتان الكلمتان (العواقب الوخيمة) استعملتهما أميركا لإسقاط نظام صدام واحتلال العراق! مرة أخرى حصل أمر شبيه في ليبيا، حيث استُغِلّ تعبير “حماية المدنيين” في قرار مجلس الأمن رقم 1973 للقضاء على نظام القذافي.

يبدو أن المتظاهرين في سوريا لم يبتعدوا عن الحقيقة أبداً عندما أطلقوا هتافهم الشهير الأخير: “القذافي طار طار وإجا دورك يا بشار”… ها هي الأحداث تمشي سِراعاً باتجاه تحقيق النبوءة!

========================

الطريد

الدكتور سعد عطية الغامدي

بـشار نـوشك أن نـراك iiطريدا
مـتوشحاً ذلّ الـمصير .. iiشريدا
مـتجردا مـن كـل مـجد iiشدته
زورا،ولـم  تك في الرجال iiمجيدا
مـاذا تـقول إذا الـدماء تـدفقت
يـوم  الـحساب وليس ذاك iiبعيدا
‏وأتى الأوان وجئت تذعن iiصاغرا
تـرد الـقصاص ويومه iiالمشهودا
بـشار  تـلعنك الحياة، وإن iiتعش
يـوماً  جـديداً .. نلت منه iiجديدا
أغراك بطشك .. فارتكبت مجازراً
وقـتلت  شـيخاً طاعناً .. iiووليدا
وهـدمت  فـوق الساكنين iiبيوتهم
وزرعـت من دون الحقول iiحديدا
وفـتحت لـلشعب البريء iiمقابراً
وحـميت لـلمحتلّ عـنك iiحدودا
فـمضى  إلى المستوطنات iiيقيمها
ومـضيت تـبعث للقبور iiحصيدا
يـا  نسل من منح البلاد iiرخيصة
لـيهود .. سرت على خطاه iiوئيدا
تـسعى لـتحظى بالمزيد ولم iiيكن
إلا الـبوار، وقـد جـنيت iiمزيدا
أهملت جولان الصمود، وقمت iiفي
أهـل الـشآم مـحارباً iiصـنديدا
ومـضى  أبـوك إلى حماة يبيدها
فـاخترت حـمصاً بـعدها iiلتبيدا
لـكنها  كـحماة فـي إصـرارها
يـدعو الـشهيد إلى الخلود iiشهيدا
عـادت  حـماة إلـى حماها حرة
وأبـوك  سيق إلى المصير iiوحيدا
وتـظل  أنت على الهزيمة iiقابضا
مـتلحفاً  رجـس الـطغاة، iiقعيدا
شـعب يناديك ارتحل ، iiأسمعتها؟
أرأيـتها تـهب الـجموع iiوقودا؟
هـتفوا بـها: سـلميةٌ .. سـلميةٌ
فـغدوت  تشعل بالوعيد .. iiوعيدا
ومضوا  إلى الساحات في iiراياتهم
يـستعجلون  رحـليك الـموعودا
ويـكـبّرون  الله فــي عـليائه
ويـنـاشدون  الـواحد الـمعبودا
أن  يـنقذ الـوطن المنيع، iiوأهله
مـن بطش من جعل الوقائع iiسودا
سـوداً، وقـد حشد الحشود iiلشعبه
وأذاقــه الـتـنكيل iiوالـتشريدا
يـا  مـن بسطت إلى العدو iiمودةً
مـا  كـنت للشعب العريق iiودودا
بـل رحت في جيشٍ وفي iiشبّيحةٍ
تـغتال  مـنهم ركّـعاً iiوسـجودا
فـقتلت  "إبـراهيم" يصدح iiمنشدا
مـا  كـان سـفّاحٌ يـطيق iiنشيدا
وسحقت  إذ يهدي " غياثٌ " iiوردةً
أتـخاف أن يُـهدى الجنود iiورودا
ومـحوت  "زيـنب" يا ذليل iiلأنها
أخـت  الأبـىّ، مضى يذل عبيدا
والـطفل  "حـمزة" لم تزل بدمائه
درعـاً، تـقيم مـواثقاً iiوعـهودا
ونـقمت  من "فرزات" وقع iiأنامل
فـسحقتها وكـسرت مـنه iiالعودا
وظـننت أنـك بـالغٌ قـدراً iiبهم
تـعلو  بـه، وتـنال منه iiصعودا
أتـرى سـتهزم في الرباط iiرجاله
وتـذل شـعباً لـلكرام iiولـودا؟!
مـا  أنـت إلا دمـيةٌ لـعبت بها
دول ، لـيـبقى حـبلها مـشدودا
دول  الـمصالح والمفاسد، لم تزل
تـسعى،  وتـحشد للنزال iiحشودا
لـكن إذا انتفضت شعوبٌ أسقطت
زُمـراً  .. قـياماً بـالخنا iiوقعودا
هـلكت  رمـوز البعث قبلك iiكلها
لا  قـدّمـت بـعثاً، ولا iiتـجديدا
وسـتلحق الـهلكى، لأنـك iiهالكٌ
ما  عشت، أو نلت الردى iiمطرودا
هــذا ربـيـع أيـنعت iiآفـاقه
وكـست  جـموعٌ من رؤاه iiالبيدا
واستبشرت أرض به، iiواستشرفت
مـنه الـسماء لـما يـؤمل iiعيدا
وسـمت مـآذن بـالأذان iiمجلجلا
وسـقى  وريـدٌ بـالنضال iiوريدا
وتـجلّت  الأرواح فـي iiعـليائها
تـدعو  إلـى ساح الشهادة iiصيدا
لن  يرجع الأحرار عن iiإصرارهم
أو  يـعدموا فوق الصمود iiصمودا
حتى  تراك الأرض تسقط صاغرا
مـتوشحا  ذل الـمصير iiطـريدا

========================

من هم أصدقاء النظام في دمشق ؟!

عريب الرنتاوي

تحدثنا بالأمس عن خصوم النظام السوري وأجنداتهم الثلاث المصطرعة في سوريا وعليها...اليوم سنتحدث عن "أصدقاء النظام السوري"...من هم، وما هي دوافعهم، وكيف يمكن لهم أن يتصرفوا عندما تحين لحظة الحقيقة والاستحقاق، فالصورة لا تكتمل، من دون "تشريح" مكونات هذا المعسكر، والتعرف على مواقع أطرافه ومواقفهم.

 

ونبدأ بأصدقاء النظام على الساحة الدولية، هم بالأساس روسيا والصين، وريثتا أكبر امبراطورتين شيوعيتين، اللتان تلتقي دوافعهما وتفترق، فالأولى دولة "نصف ديمقراطية" والثانية ما زالت تعيش في الحقبة "التوتاليتارية" و"نظام الحزب الواحد"...سوريا بالنسبة لهما سوق وخط دفاع أخير...سوق للسلاح والسلع الرديئة والمواد الخام...وخط دفاع أخير أمام "الموجة الديمقراطية الخامسة" التي يتعين أن تكون صينية بامتياز...لهاتين الدولتين سجل قياسي في التخلي عن الأصدقاء، وهما تبحثان عن "الثمن" الذي يمكن تقاضيه نظير تفريطهما برأس النظام في دمشق، تماماً مثلما فعلتا في ليبيا والعراق من قبل...لكل منهما مشكلة تخشى أن تنفجر في وجهها ذات يوم، بعد أن تكون قد سجلت على نفسها "سابقة" دعم إسقاط نظام على مذبح الديمقراطية وحقوق الإنسان: الشيشان في الحالة الروسية والتيبت البوذية وإلإيجور المسلمة في الحالة الصينية.

 

ونمر بأصدقاء سوريا على الساحة الإقليمية، إيران على وجه الحصر...هذه الدولة وإن كانت تتصرف بوحي من دروس نظرية "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، وتتعامل مع سوريا كنقطة ارتكاز وانطلاق – Hub - لنفوذها في المشرق العربي وعلى جبهة الصراع العربي الإسرائيلي ومياه البحر المتوسط الدافئة...إلا أنها انتقلت من مرحلة الدعم اللامشروط للنظام إلى مرحلة مطالبته بإجراء الإصلاح ووقف العنف و"المجازر" وفقاً لأحمدي نجاد...ووفقاً لأحسن معلوماتنا، فإنها تتحضر للتعامل مع مرحلة ما بعد الأسد...وفي قنوات الحوار الخلفية مع أطراف إقليمية ودولية، تتحدث إيران عن حاجتها لنظام غير معادي لها في سوريا، ولم تعد تشترط وجود نظام صديق يحل محل النظام الحليف...والمعلومات أيضاً تتحدث عن قنوات اتصال مفتوحة عبر وسطاء، بين أطراف من المعارضة السورية وطهران، ودائماً بوحي النظرية الأهم في العلوم السياسية: "مصالح ثابتة لا صداقات ثابتة".

 

عربياً ما عاد للنظام من حلفاء سوى الرئيس اليمني "المحروق" علي عبد الله صالح، ونصف العراق ونصف لبنان....حتى السودان الذي ارتبط بعلاقات طيبة مع دمشق، تاريخياً أدار لها ظهر المجنّ مؤخراً...والجزائر التي طالما "انتفضت" ضد تدخل الجامعة في الشؤون الداخلية العربية، خشية أن يأتيها الدور، عادت للانتظام مجدداً تحت رايات "الإجماع العربي"...لم يبق أحدٌ مع النظام، طائعاً أم خائفاً...مخلصاً أو معبراً عن انتهازية خالصة.

 

ونعرج على "حلف الأقليات" الذي يخشى لأسباب مُحقة أو مبالغ فيها، انهيار النظام ومجيء تيارات إسلامية متشددة للحكم في دمشق...أبرز تجسيد لهذا الحلف، مسيحيو سوريا ولبنان، الذين أظهرت غالبيتهم العظمى، قلقاً متعاظماً من مواجهة مصير مماثل لمصائر مسيحي العراق...سيما وأن القوى التي نكّلت بإخوانهم العراقيين، لها ما يماثلها ومن يمثلها على الساحة "الجهادية" السورية...البطريرك الراعي والعماد ميشيل عون، ربما كانا أبرز ناطقين، ديني وسياسي، باسم هذا التيار.

 

من دون أن ننسى "الشيعية السياسية" الممتدة من حكومة المالكي إلى ضاحية بيروت الجنوبية...هذا المحور سيفقد بسقوط النظام تواصله الجغرافي وأحد شرايين حياته، وأهم مصدر من مصادر قوته ونفوذه، لذا نراه "مستميتاً" في الدفاع النظام غير آبه بعوقب وتداعيات موقفه هذا على تحالفاته المحلية والدولية (المالكي نموذجاً).

 

وننتهي إلى مروحة واسعة من المجموعات والفصائل و"الشخصيات" على الساحة المحلية...هؤلاء بعضهم مرتبط عضوياً بالنظام السوري، وقف إلى جانبه زمن التدخل العسكري في لبنان، وفي الحرب على حماة، وإبّان الانشقاق على منظمة التحرير وزمن حفر الباطن، وما سبق ذلك وما تلاه...هؤلاء لم يسجلوا في تاريخهم مأخذاً واحداً على النظام، وهم الذين ما انفكّوا يوزعون الاتهامات بالخيانة والعمالة على الجميع حكومات وأفراد وفصائل وأحزاب، شرقاً وغرباً...هؤلاء ليسوا سوى فصيلة استخبارية متقدمة للنظام، متدثرة بلبوس إيديولوجي متهافت.

 

أما بعضهم الآخر، فما زال يرسف في أغلال نظريات ومفاهيم بالية، ليس أقلها سوءاً، نظرية "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" في طبعتها الحديثة: "لا صوت يعلو فوق صوت الممانعة"...هؤلاء وإن كانوا "الفئة الأقل تأثيراً" في معسكر أصدقاء النظام، إلا أنهم الأعلى صوتاً والأكثر ضجيجاً.

 

ينضاف إلى كل هؤلاء، تيار محافظ، يخشى الإصلاح في كل مكان، ويفضل بقاء القديم على قدمه من منطلقات فئوية ضيقة...هم يخشون إخوان الأردن لأسباب ديموغرافية أساساً...لذا تراهم يفضلون الأمر الواقع في سوريا على التغيير المعزز لنفوذ "إخوانها"، واستتباعاً، إخوان الأردن...هم يخشون التقارب مع حماس بعد أن أشبوعنا مطالبات بضرورة التحالف مع "تيار المقاومة" على حساب "تيار التوطين والتسوية"...والسبب دائماً "خرم إبرة" الديموغرافيا الذي لا يرون السماء إلا من خلاله.

 

بوجود مثل هؤلاء الأصدقاء، ما حاجة سوريا للأعداء...بوجود مثل هؤلاء الأصدقاء، تبدو المعركة الدائرة في سوريا وحولها، محسومة النتائج سلفاً...ليبقى السؤال متى وكيف وبأي ثمن ستضع الثورة السورية أوزارها؟!

=======================

بتوقيعه على المبادرة الخليجية ، الرئيس اليمني ضرب " عصفورين بحجر واحد"

بقلم: رضا سالم الصامت

توقيع علي عبد الله صالح بالسعودية على المبادرة الخليجية " لا يغني و لا يسمن من جوع" هو توقيع عادي لن يغير في حالة الاضطراب و الاحتجاجات أي شيء هو فقط محاولة لإيجاد مخرج للأزمة اليمنية ، و هنا السعودية و دولة الإمارات العربية قامتا بدورهما إزاء الأحداث التي لم تعد تحتمل و هو ما يجنب اليمن حربا أهلية و وضع حد لنزيف الدم المتواصل .

 

من الطبيعي أن يوقع صالح هذه المرة بعد أن رفض التوقيع في السابق ، لكن هذه المرة ليست كمرات سابقة

فاليمن بحاجة إلى عودة الهدوء و إنهاء العنف و التقتيل اليومي لأبناء شعب اليمن

فبعد طول انتظار ، وقع علي عبد الله صالح المبادرة الخليجية ، التي تنص على أن ينقل صالح كل سلطاته إلى نائبه عبد ربه منصور هادي الذي سيشكل حكومة جديدة مع المعارضة إلى جانب الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسة مبكرة في غضون ثلاثة أشهر. ويحتفظ علي صالح بموجب الاتفاق بلقبه كرئيس لحين انتخاب الرئيس الجديد لليمن. وكان مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر تمكن وبدعم من الولايات المتحدة ودبلوماسيين أوروبيين من التوصل إلى تسوية لتنفيذ اتفاق نقل السلطة الذي صاغته الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

و كما هو معلوم ، فان الرئيس اليمني علي عبد لله صالح عولج في السعودية جراء الإصابة التي لحقت به في محاولة اغتيال تعرض لها في يونيو / حزيران الماضي.

خادم الحرمين الشريفين في كلمته قبل توقيع المبادرة الخليجية لإنهاء الأزمة اليمنية, في قصره بالرياض بحضور الرئيس علي عبد الله صالح ووفد أحزاب اللقاء المشترك ووفود يمنية وخليجية قال : اليوم تبدأ صفحة جديدة في تاريخ اليمن , وحذر الملك عبد الله الإخوة في اليمن من إتباع خطوات الشيطان , مستشهدا بقوله تعالى " ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه عدو مبين",, ورحب خادم الحرمين بالأشقاء في اليمن في وطنهم الثاني المملكة , وأثنى على جهودهم وموافقتهم على تحكيم العقل ونبذ الفرقة , وجمع الكلمة. و أضاف يقول "اليوم تبدأون صفحة جديدة من تاريخكم , وتحتاج منكم اليقظة ,وتحديد الأهداف وتحمل المسؤولية" . وحذر الملك عبد الله من الفرقة والاختلاف , وقال "الاختلاف لن يؤدي إلا إلى الفوضى , والدخول في متاهات لا يعلمها إلا الله .

علي عبد الله صالح يكون بهذا التوقيع قد ضرب عصفورين بحجر واحد ، الآن و قد وقع على المبادرة ضمن علي عبد الله صالح و عائلته الحصانة التي تقيه من أي محاكمة إزاء الأرواح التي سقطت بسبب الاحتجاجات التي عمت اليمن.

أما عن الآلية التنفيذية للمبادرة فهي تنقسم الفترة الانتقالية إلى مرحلتين... فالمرحلة الأولى تقضي بتسليم الرئيس اليمني فور توقيعه على المبادرة صلاحياته الدستورية إلى نائبه عبد ربه منصور هادي مع بقائه رئيسا شرفيا دون القدرة على نقض قرارات نائب الرئيس لمدة تسعين يوما.... ويتعين على المعارضة أن تقدم فور توقيعها المبادرة مرشحها لرئاسة حكومة الوفاق الوطني التي ستتألف بمشاركة الحزب الحاكم والمعارضة.... ثم ستقدم صيغة الضمانات إلى البرلمان والتي تمنح الرئيس صالح ومعاونيه حصانة من الملاحقة القانونية.... وبعد الانتخابات الرئاسية المبكرة...

المرحلة الانتقالية الثانية التي تستمر سنتين يجري خلالها حوارا وطنيا شاملا لحل مشاكل اليمن تنتهي بعدها بانتخابات رئاسية وبرلمانية عامة.... ليفتح الباب أخيرا أمام إنهاء أزمة استمرت عشرة أشهر .

رضا سالم الصامت كاتب صحفي و مستشار إعلامي متعاون

=========================

التعدّديّة في الدولة العربيّة الإسلاميّة: تونس نموذجًا

محمود صالح عودة

إنه من لطف الله علينا أن نرى إخواننا التونسيين يبدأون مشوارهم في بناء الدولة بنهج تفاهمي تعددي يشمل كل أطياف المجتمع بدون إقصاء، إذ تمثل تونس الشرارة الأولى لنار الثورة العربية الإسلامية التي أشعلها الشهيد محمد بوعزيزي رحمه الله، إذ كوت وأحرقت الظلاّم داخل البلاد العربيّة وخارجها، وبدأت ترسم مستقبلاً مشرقًا بشمس الحضارة الإسلامية.

 

أقول ذلك لسببين، أولهما أن لتونس رمزيتها ومقامها في الثورة العربيّة كونها بدأت فيها، وثانيهما أن مرحلة بداية بناء الدولة في تونس تمّت بنفس الروح الثورية التي أسقطت نظام التطرّف العلماني الذي رأسه بن علي، ذلك أن معظم الحركات السياسية القديمة والحديثة - الإسلامية منها بقيادة النهضة والعلمانية بأشكالها المختلفة - ابتعدت عن التطرّف وانفتحت على غيرها وتفاهمت معه ولم تنغلق على ذاتها، فعمّت بركة الوحدة على البلاد.

 

حركة النهضة الإسلامية بقيادة المفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي حصلت على غالبية الأصوات في الانتخابات التونسية، والغنوشي معروف بتوجهه الفكري المستنير الذي يجمع فيه بين فقه الواقع والأولويات ومقاصد الشريعة. نذكر جملة منه، لا سيما فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة:

 

- هو يبدأ من منطلق هام يعترف فيه بأن حركة "النهضة" ليست ناطقًا باسم الإسلام؛ (وهو اعتراف واجب على كل مسلم كون الإسلام أكبر وأعظم من أن يتمثل كلّه في شخص أو حركة، فهل إذا أخطأ ذاك الشخص أو تلك الحركة يخطئ الإسلام؟!).

- ليس من مهمّة الدولة فرض نمط حياة معيّن والتدخل فيما يأكل الناس وما يشربون وما يعتقدون، إنما وظيفة الدولة توفير إطار عام للمجتمع يتعايشون ويبدعون فيه.

- الدول التي حاولت فرض الإسلام بأساليب القمع فشلت تربويًا، فترى الناس فيها يتفلتون من الدين، وإن من يتديّن خوفًا من الدولة يصبح منافقًا، ونحن لا نريد منافقين، فيجب أن يكون الإنسان متديّنًا عن قناعة وبحريّة.

- لا تناقض بين الإسلام والحداثة، فالإسلام دين لكل زمان ومكان.

- الإسلام أول دين اعترف بالحرية الدينية: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (سورة الكافرون: 6). {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (سورة الكهف: 29)).)

 

إنّ هذا النوع من الفكر الإسلامي يشكل سببًا في العلاقات الطيبة بين الأطراف السياسية المختلفة في تونس، ومما لا شكّ فيه أنه يعطي تطمينات للجهات التي تبدي مخاوف مشروعة من الخطابات والتصريحات المنفّرة لجزء من الإسلاميين، الذين ينظرون إلى الدين من ثقب إبرة، ولا يرون منه سوى المظاهر والقشور، والذين يدسّون في الدين ما لم ينزل به الله من سلطان، كقتل المرتدّ وعقوبات الرجم، إلخ.

 

من المبكر الحكم على الدولة التونسية الثورية، ولكن خطواتها الأولى وتصريحات قادتها الجدد تظهر تقاربًا مع النموذج التركي بعض الشيء، فلو وضعنا هوية الدولة (الدستورية وليست الواقعية) جانبًا، سنرى أن الجانبين مهتمّين بتحقيق أوّل مقاصد الشريعة الإسلامية في الحكم وهو العدل، وبينما في تركيا لم يعلن حزب العدالة والتنمية نفسه "إسلاميًا" بل "علمانيًا" - بالرغم من وضوح مرجعيته الإسلامية - فإن قضية الهويّة في تونس محسومة بالرغم من خروج البلد حديثًا من عهد علمانيّ دكتتاوريّ متطرّف، وهي كذلك في سائر البلاد العربيّة.

 

نأمل أن يكون النموذج التونسي الحضاري ملهمًا لباقي البلاد العربية، ونسأل الله التوفيق لإخواننا في تونس وفي سائر البلاد العربية، وندعوه أن نصلّي معهم في المسجد الأقصى المبارك قريبًا، {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} (سورة هود: 81).

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ