ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 10/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

خواطر حول مستقبل التيار الإسلامي في سورية .. الثورة الشعبية تصنع تيارا إسلاميا جديدا بأيدي جيل المستقبل

نبيل شبيب

"الله أكبر".. عنوان يوم جمعة آخر من أيام الثورة الشعبية في سورية، تم اختياره كالمعتاد عبر التصويت المفتوح لكل راغب في المشاركة، على الصفحات الشبكية للثورة..

"يا ألله.. مالْنا غيرك يا ألله".. هتاف تعبّر به الألوف المؤلّفة من الثوّار الأحرار من أهل سورية، عن الثقة بعون الله تعالى ونصرته، وأهلُ سورية في محنة مأساوية دامية غير مسبوقة..

ومن يريد المزيد من الأمثلة على عمق الوجود الإسلامي في مسار الثورة الشعبية، لا يحتاج إلى بحث طويل، وليست سورية بذلك مختلفة عن أوضاع الأقطار الشقيقة، الثائرة وغير الثائرة، ممّا يدفع تلقائيا إلى التساؤل: هل سيشهد التيار الإسلامي دفعة إلى الأمام عبر الثورات الشعبية كتلك التي عايشها بعد نكبة 1967م؟.. وإذا صحّ ذلك.. فأي تيّار؟.. هل هو المثقل بأعباء الماضي، أم هو تيّار جديد.. إسلامي الجذور مواكب لاحتياجات المسلمين والإنسان في هذا العصر؟..

 

بين الواقع وأوهام الماضي

قبل السؤال عمّا يتوقع من مستقبل للتيار الإسلامي في سورية بعد الثورة، يحسن التوقف قليلا عمّا يتردّد بهذا الصدد حاليا.. أثناء الثورة، ممّا لا يقتصر على سورية وحدها.

لقد كان واضحا أنّ مظاهر التديّن ودوافع العقيدة لدى شعب سورية في ثورته، أثارت قلق أناس حاولوا "طمأنة أنفسهم" أو طمأنة من يلتقون معهم على فكر بعيد عن الدين على الأقل، وعبّروا عن هذا القلق مرارا، بمقولات واهنة غالبا، كقول بعضهم على سبيل المثال، إنّ الخروج من المساجد للمظاهرات الحاشدة، لا يعود لسبب ديني، بل لمجرّد أنّها الوحيدة التي بقيت صالحة للتجمع والانطلاق في العهد الاستبدادي القمعي.

وتردّدت مقولات مشابهة بصورة أو بأخرى بشأن الثورة في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا، وفي اليمن.. وجميعها أقرب إلى التشبّث بوهم كبير:

هذه الشعوب -ولا سيما جيل الشبيبة منها- غير متديّنة، ولكن ظروف كذا وكذا تجعلها تظهر كما لو أنّها متديّنة!..

أو التشبّث بوهم كبير آخر: الدين لا يحرّك ثورة، فالدين في واد، والتطلّع إلى الحرية والكرامة والحقوق في واد آخر، فيمكن أن تُصنع الثورة وفق مبادئ ومناهج وفلسفات أخرى، المهم أنّها لا علاقة لها بالأديان السماوية!..

وقد وصلت الأمور إلى استفتاء شعبي في تونس، لم يشكّك أحد في أنه جرى بشروط الحرية والنزاهة الضرورية لمعرفة حقيقة إرادة الشعب، وأسفر عن مشاركة في التصويت بنسبة عالية، ثم في هذا الإطار عن حصول الإسلاميين -بغض النظر عن تقويم عملهم في هذا الموضع- على النسبة الأكبر من أصوات الناخبين من الشعب، ولكن لم تنقطع -رغم ذلك- محاولات التأويل والتفسير بكلّ صيغة ممكنة، إلا التفسير البسيط المباشر المنطقي:

إنّ الغالبية الشعبية تريد الاتجاه الإسلامي!..

كأنّ الساسة ومراكز الفكر والبحث في الغرب استشرفوا ذاك الذي لا يريد أصحاب تلك المقولات الإقرار به، فهذا ما يفسّر أنّهم أصبحوا -فجأة- يعلنون بصور مختلفة، بمناسبة ودون مناسبة، عن إمكانية أن يتعايشوا مع وصول الإسلاميين إلى السلطة!.. وهو إعلان سياسي يفترض أن يثير أقصى درجات الدهشة عند مقارنته بسلسلة حملات لم تنقطع منذ أكثر من قرن في الاتجاه المضادّ.

هل اقتنعوا بقابلية ذلك، أم أنّهم "واقعيون" بما فيه الكفاية للتعامل مع واقع جديد تفرضه إرادة الشعوب رغم كلّ ما صُنع للحيلولة دونه حتى الآن؟.. ثم هل ستنقطع تلك الحملات المضادة فعلا، أم ستتخذ قوالب أخرى حسب المتغيّرات الجارية؟..

الأهمّ مما سبق: لا ينبغي لهذا التبدّل المفاجئ أن يغرق الإسلاميين "التقليديين" -إذا صحّ التعبير، بأنه يعبّر عن تأييد حقيقي، ولا أن يوهمهم بأن الحفاظ على ما اعتادوا عليه في حقبة ماضية، سيحتفظ لهم بالتأييد الشعبي في حقبة مقبلة.. ما لم يجد جيل تلك الحقبة ما يقبل به ويؤيّده، وقد بدا عبر الثورات على مستوى من الوعي يؤهّله للتمييز الدقيق، ويؤهّله لتثبيت تيار إسلامي "متجدّد" وفق جذور الإسلام واحتياجات العصر.

 

إسلاميّون.. ولكن!

لقد تعرّض التيار الإسلامي، الشامل للجانب السياسي، إلى حملات منكرة كما لم يتعرّض -بحجم مماثل وكثافة مشابهة- أيّ اتجاه من الاتجاهات السياسية الأخرى من التيار المقابل: العلماني، وذلك طوال عشرات السنين، وكانت تلك الحملات على درجات متفاوتة ما بين الإقصاء والتضليل والتشويه.. والاستئصال، وهذا ما يسري على سورية أيضا.

وتعرّض التيار الإسلامي أيضا إلى أخطاء من داخل صفوفه وجانب مَن يحسبون عليه، تتراوح بين الزلات البسيطة والخطايا الفاحشة، على الصعيد السياسي والفكري والسلوكي.

وتلاقى هذا وذاك على نشر صورة مفرطة من تشويه معالم ما يقوم -أو ينبغي أن يقوم عليه- "نهج" التيار الإسلامي، من أسس ومبادئ، لا تتعلّق بالعقيدة والعبادات والمعاملات الخاصة بالمسلمين، بل هي ممّا يقرّره الإسلام للإنسان، جنس الإنسان، من مسلمين وغير مسلمين، وما يتلاقى على قواسم مشتركة إلى حدّ بعيد مع ما استقرّ عبر خبرات الإرث المعرفي البشري عموما، حول حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ومبادئ الكرامة والعدالة والشفافية والمساواة.

نرصد الآن رصدا مباشرا مفعول هذه الصورة المفرطة في الانحراف، على صعيد جيل المستقبل الذي يصنع الثورات الشعبية، ومن ذلك ثورة شعب سورية.. إنّما لا يصحّ التعميم.

نرصد أن قطاعا كبيرا من هذا الجيل، قد تعرّف بدرجة لا بأس بها -دون تفاصيل لا حاجة إليها- على الإسلام على حقيقته، المتميّز بالبساطة الكافية لاستيعاب كليّاته الأساسية دون وصاية، وبالسعة الاجتهادية الكافية لطرح متجدّد يناسب المستجدّات دون إفراط أو تفريط. والمقصود بالكليات: الأسس والمبادئ التي تنبثق عنها الاجتهادات المرتبطة بنهج الحياة والحكم، للمجتمع والدولة، وللعلاقات بين المسلمين وبينهم وبين سواهم من المواطنين في البلد الواحد، أو بين دولهم ودول العالم الأخرى.

يكفي جيلَ المستقبل من ذلك معرفة تلك المبادئ والكليات الكبرى، أو ما يسمّيه العلماء: مقاصد الشريعة.. ليدرك عن علم ووعي، أن نهج الإسلام الوسطي كما أنزله الله، لا تشدّد فيه ولا تسييب، ولا إكراه ولا تعسير ولا جمود ولا تحجر.. ولا تمييع، ولا ظلم فيه أيضا ولا خنوع، ولهذا نسمع أبناء هذا الجيل وبناته، يؤكّدون الرغبة في الأخذ بهذا النهج الإسلامي.

ولعلّ هذا بالذات ما يفسّر أنّنا نرصد أيضا أن تبنّي غالبية جيل المستقبل للنهج الإسلامي مرتبطة بكلمة "ولكن.." ومحورها: ليس عبر التنظيمات والتجمعات التقليدية المعروفة خلال العقود الماضية، ومن يفعل ذلك يفعله غالبا من باب "هذا هو الموجود حاليا.. ويمكن إعطاؤه فرصة تاريخية للتطوّر كما ينبغي".

بل قد يمضي بعضهم إلى القول: نعم للنهج الإسلامي، ولكن تحت عنوان آخر، بمعنى تسمية أخرى، فلا داعي أن تكون "لفظة الإسلام" بارزة في العناوين، وهو موقف يستهدف غالبا تجنّب خوض معركة مضنية مع الرافضين لهذا النهج جملة وتفصيلا.. ومن النماذج المطروحة -دون تقدير كافٍ لخصوصيات كل نموذج على حدة- الوضع في تركيا، وحتى تسمية حزب حركة النهضة بهذا الاسم في تونس.

ولا يغيب عن هذه الصورة الإجمالية أنّنا نرصد في جيل المستقبل أيضا نسبة ما، ممّن يرفض الاتجاه الإسلامي أصلا، بمعنى أن يكون منهج الإسلام هو المرجعية في جوانب الحياة المتعددة، بما فيها الجانب السياسي.

 

توقعات متفائلة

لا ريب أن سورية ماضية على طريق الأقطار الشقيقة التي شاركت في صناعة ربيع الثورات العربية، ولا ريب أنّ التيّار الإسلامي الجديد في سورية سيحوز على ثقة الغالبية من شعب سورية، بما يشمل المواطنين غير المسلمين أيضا.. ولكن ما الذي يعنيه ذلك في مستقبل سورية؟..

لا يسمح الحديث عن المستقبل بأسلوب الجزم في تحديد معالمه التفصيلية، ولكن يمكن الجزم بالمعالم الكبرى، ومن ذلك بإيجاز شديد:

1- لن يسود في التوجّه الإسلامي الشعبي الجديد تشدّد وتنطّع، لأن الإسلام نفسه يأبى ذلك، ولأنّ جيل المستقبل يرفض التشدّد والتنطّع.

2- لن ينجح حزب أو جماعة أو حركة، ممّا كان معروفا حتى الآن، أو يمكن أن ينشأ في قادم الأيام، إذا انطوى نهجه على تشدّد وتنطّع، في الميدان السياسي وسواه، ولكن لن ينجح أيضا إذا انطوى على تفريط بالكليات الكبرى المميّزة لنهج الإسلام على صعيد التعامل مع الإنسان، جنس الإنسان.. وليس مع عقيدته وعبادته ومعاملاته الشخصية، فجميع ذلك متروك للحساب في الآخرة، ولا إكراه بصدده في الحياة الدنيا.

3- لن تتوقف الحملات المضادّة للاتجاه الإسلامي، مهما كان وسطيا.. معتدلا.. إنسانيا.. وطنيا.. عادلا.. فمن طبيعة الحياة السياسية المعاصرة، أن تقوم على الحملات والحملات المضادّة، إنّما المرجو في الحاضنة الوطنية للحياة السياسية في مستقبل سورية، أن يرتقي أسلوب التعامل وأن ترسخ قواعد التعامل، إلى مستوى ما أوجده جيل المستقبل الثائر من معطيات تاريخية جديدة.. لا يصحّ التفريط بها بحال من الأحوال.

 

لا يكفي التفاؤل

هذه نظرة متفائلة، وإن كانت مستمدّة ممّا يمكن رصده الآن.. على أرض الواقع، ممّا يجعلها مرجّحة، رغم أنّنا لا نزال نعيش في أجواء الثورة، أي في اللحظة التاريخية لوقوع التغيير وليس في أجواء حصيلة التغيير.. ولكن سيّان هل نستشرف هذه الصورة تحليلا، أو نتطلّع إليها أملا وجدانيا، لا بدّ أن نستشعر ما تفرض صنعَه الآن، أثناء الثورة، لتتحقّق غداً بأقرب درجة ممكنة إلى معالمها "المثالية". السؤال الأهم إذن هو:

ما الذي تعنيه هذه التوقعات المستقبلية بالنسبة إلى مسار الثورة الآن؟..

الثوار من جيل المستقبل.. يعطون على هذا الصعيد نموذجا مذهلا لمن يطّلع على بعض تفاصيله، من حيث درجة الوعي المرافق لكل خطوة من خطوات الثورة وتصعيدها، والتعبئة على طريقها، والعمل لضبط مسارها.

هذا بالذات ما تجلّى مثلا في النجاح مرة بعد أخرى خلال ثورة شعب سورية في إفساد جميع محاولات الاستبداد المتسلّط لإثارة الفتن على خلفية دينية، أو طائفية، أو قومية.. (وتوجد أمثلة مشابهة من أقطار أخرى) وقد تضافرت على تحقيق ذلك جهود كبيرة، تبدو أحيانا بسيطة في منطلقها والتعبير عن مقاصدها، ولكن يبدو أثر مفعولها الكبير على أرض الواقع، سواء في اختيار تسميات أيام الجمعة، أو الشعارات والهتافات واللافتات، أو البيانات والمواقف، وحتى في صناعة التنظيمات والتنسيقيات والفعاليات الميدانية، مع اتباع كافة سبل التعبير، تصويرا، وتعليقا، بأسلوب جادّ، أو أسلوب تهكمي، بسرد الخبر، أو نشر "الفكاهة الثورية"، في الإنتاج الفني الإبداعي أو في العبارة القصيرة في وقفة شبكية.

والسؤال: ماذا عن فئات من جيل المستقبل التي لم يقدّر لها لسبب ما أن تحظى بشرف المشاركة المباشرة في فعاليات الثورة على أرض المواجهة مع الاستبداد القمعي، لا سيما من يعيش في المنفى.. الطوعي أو الناجم عن حملات التشريد في عقود عديدة ماضية؟..

إنّ الحدّ الأدنى من الواجب المفروض على هذه الفئات، في الوقت المناسب، في هذه المرحلة من مسار الثورة، أن تساهم فكرا وأدبا وفنا وسياسة وتنظيما في صناعة المعطيات الأساسية للنقلة النوعية التاريخية ما بين حقبة استبداد فاسد شمولي قمعي همجي، وبين حقبة حياة كريمة للوطن وأهله، بكافة مكوّناته وكافة فئاتهم وانتماءاتهم.

ليست هذه الدعوة موجّهة إلى المسلمين من جيل المستقبل فقط، وليست موجهة إلى ذوي الاتجاه الإسلامي تحديدا.

كل فرد.. وكل مجموعة.. ممّن ينتمون إلى جيل المستقبل بحكم أعمارهم، وينتمون إلى الحاضنة الوطنية المشتركة على اختلاف انتماءاتهم، مطالبون الآن.. أن يتجاوزوا بمواقفهم وأنشطتهم، بأفكارهم ورؤاهم وممارساتهم، ما كان في حقبة ماضية من روح الصراع والإقصاء والاسئتصال والعداء، دون غمط حق من تميّز بعطاءاته في تلك الحقبة، من جيل تلك الحقبة، وكانت عطاءات إيجابية وإنجازات مبدعة، أو تميّز حتى باجتهاد حالفه الصواب أو جانبه.

يجب تجاوز تلك الحقبة الماضية وما كان فيها من أجل إيجاد أطرٍ جديدة للتعامل المشترك الآن، ولنماذج حيّة مرئية الآن، تطرح مباشرة كيف يمكن أن يسير كل فريق وفق نهجه، ويتمسّك به وفق اقتناعاته، جنبا إلى جنب مع فريق آخر.. ينافسه ولا يصارعه، ينتقده ولا يقصيه، يرفض اتجاهه ولا يرفضه، يختلف معه في أمور ولا يلغي بسببها ما يجمعه وإياه من القواسم المشتركة.

لقد نجح الثوار الأبرار -ليس في سورية فقط- في تحقيق هذه النماذج على أرض الأوطان الثائرة، أثناء الثورة، أي رغم ما واجهوه ويواجهونه من أخطار قاتلة، وما يقدّمونه من تضحيات بطولية، ولا يحقّ لأحد أن يدّعي الانتساب إلى تلك الثورة، إذا كان عاجزا عن الإسهام في فعالياتها الميدانية، وبقي عاجزا أيضا عن الإسهام في صناعة المستقبل من خلالها، عبر ما يوجده بنفسه من معطيات، وهو يعيش في ظروفٍ لا تنطوي على مثل تلك الأخطار والتضحيات، ولكن تتطلّب أن نرتفع جميعا بأنفسنا إلى مستوى ثورات شعوبنا، ومستوى حمل الأمانة في المستقبل الذي تصنعه لنا تلك التضحيات البطولية، وللأجيال المقبلة من أولادنا وأحفادنا.

===============================

السلطة الرابعة : بين الحرية والمسؤولية الإعلامية

أ.محمد بن سعيد الفطيسي

azzammohd@hotmail.com

قبل أربعة قرون تقريبا أطلق رجل الدولة والفيلسوف الانكليزي فرانسيس بيكون مقولة : ان المعلومات قوة , وكما يجادل المؤرخ روبرت دارنتون من جامعة برينستون بولاية نيوجيرسي الاميريكية بقوله : ان كل عصر هو عصر معلومات بطريقته الخاصة به , نقول : بان القرن 21 هو عصر قوة المعلومات .

 وحيث تعتبر وسائط الإعلام من جهة من أهم الوسائل الحديثة للتعبير عن الرأي والوصول الى المعلومة وطرح الأفكار والتنفيس عن الهموم ومناقشة التحديات والعوائق والتوجهات لدى أفراد المجتمع المدني الحديث , وحلقة الوصل بين المجتمعات الإنسانية في مختلف بقاع العالم .

 فهي من جهة أخرى تشكل منفذا مروريا خطيرا لحركة الأفكار والمعلومات الهدامة , والتي يمكن من خلالها قلب الحقائق وتأليب المجتمعات المستقرة ونشر الفتن وترويج أدب الانحلال وخلافه , وإذا كان غالبا ما تحمل وسائط الإعلام معلومات وأخبار وتعليقات تفيد المجتمع وترتقي بالفكر الإنساني , إلا ان بعضها – وللأسف الشديد – قد يتعمد الإساءة الى الأخلاق والمبادئ والقيم المتعارف عليها داخليا ودوليا , واستغلال تلك القوة لأهداف سيئة .

 ومن هنا ( اختلف الفقهاء ورجال الفكر والسياسة وكذلك أنظمة الحكم المختلفة في المصلحة التي يجب ان ترجح على الأخرى , ورأى البعض مساندة الحرية الى أوسع مدى , بينما اتجه آخرون الى ضرورة الحماية ووضع الحدود الدولية على ممارسة هذه الحرية ) .

 وفي هذا السياق نجد ان المقومات الفكرية الأساسية التي ينطلق من خلالها المعسكر الأول , - ونقصد – الاتجاه الذي ينادي بالحرية المطلقة للإعلام كمصدر للمعلومة وحرية التعبير عن الرأي واضحا في أفكار رجال الثورة الفرنسية كميرابو والفريد ناكيه , حيث يقول هذا الأخير بان : الصحافة لا تستطيع ان تحدث أي أذى لان الإيمان بالأفكار لا يسبب ضررا للناس , ولا تقوم أجهزة الإعلام بأفعال حتى يمكن ان نحاسبها على ما ويتجه هذا الرأي الى القول : بان الأضرار التي تنجم عن تقييد وسائط الإعلام اكبر بكثير من المصلحة التي تتحقق بتحريرها بشكل كامل من القيود .

 أما الاتجاه الآخر والذي يدعو الى ضرورة وضع بعض الضوابط والقيود المنظمة لحركة وسائط الإعلام والوصول الى المعلومات , فينطلق من فكرة إمكانية استغلال تلك الوسائط بطريقة تضر بمصلحة الدولة والمجتمع على حد سواء , فلا يعبر بشكل يؤثر على أمنها القومي واستقرارها الاجتماعي وعلاقاتها الدولية , كان يترك للدعوة للحروب او التمييز والعنصرية والطائفية والمذهبية بين الشعوب والتشهير والتحريض على الفتن .

 والواقع ان الوثائق الدولية المتعلقة بتنظيم حرية التعبير والنشاط الإعلامي متعددة بهذا الخصوص , وإذا وقفنا عند التاريخ القريب لها , فان ميثاق الأمم المتحدة يعد بداية هامة في هذا الشأن , يليه ما قامت به هذه المنظمة من جهد في بلورة هذا الحق وصياغة ضوابطه القانونية والأخلاقية , وكذا جهد منظمة اليونسكو له أهميته البالغة في هذا الجانب .

 وهكذا نرى أحكاما في الميثاق نفسه تخص حرية التعبير بشكل عام وأحكاما أخرى في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في عام 1948م , واتفاقية الحقوق المدنية والسياسية المبرمة في عام 1966 واتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي أبرمت في نفس العام , كذلك اتفاقية الحق في التصحيح الدولي لعام 1952م , كذلك الإعلان الخاص باستخدام التقدم العالمي والتكنولوجي لصالح السلم وخير البشرية والصادر عن الجمعية العامة بشان المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب لعام 1978م .

 وإذا وجدنا ان نص الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1948 – المادة 19 يقرر حق كل شخص في المجتمع في ممارسة حرية الرأي بدون أي قيود او تدخل , فإننا نجد كذلك وعن نفس المنظمة الدولية ما يمنع نشر أي موضوع إعلامي يسئ للأخلاق ويمس احترام وحقوق وسمعة الآخرين كما ورد ذلك في الفقرة الثانية من نفس المادة سالفة الذكر من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية والتي أقرتها دول العالم في اتفاقيتين ممثلتا في الهيئة السابقة , الأولى بتاريخ 23/ مارس / 1976 والثانية في 3 / يناير / 1979م .

 كذلك فان المادة ( 20 ) من نفس الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان في جانبها السابق تحظر بدورها التعبير عن الرأي في الحالات التي تضر بالمجتمع الدولي فقد نصت على التالي , أولا يمنع بحكم القانون كل دعاية من اجل الحرب , ثانيا يمنع بحكم القانون كل دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية والتي من شانها ان تشكل تحريضا على التمييز أو المعاداة أو العنف .

 وبعيدا عن القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ونصوص المعاهدات الأممية , فأننا كأمة مسلمة نستند في مطالبنا وحقوقنا الإنسانية والسياسية والمدنية على مواد ونصوص ووثائق أعظم واجل , - واقصد – بذلك كتاب الله عزوجل , والذي ينادي بالوسطية في كل شؤون الحياة , يقول عزوجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} وقوله تعالى {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} صدق الله العظيم .

 والحقيقة ان المجتمع والدولة التي تفرض القوانين التي تنظم بعض الحريات الإعلامية والصحفية ومنافذ الوصول الى المعلومات " ان صدقت في نياتها الموجهة للإصلاح والارتقاء بمستوى الوعي بالحرية " تمارس في هذا السياق نوعا من الحد , ولكن هو الحد لتلك الغرائز الفجة والانفعالات والأهواء , وهذا اللون من التقييد بحسب هيجل هو جزء من الوسيلة التي يمكن عن طريقها " وحدها " ان يتحقق الوعي بالحرية والرغبة في بلوغها في صورتها الحقيقية , فالقانون والأخلاق مستلزمات ضرورية للمثل الأعلى للحرية

 وفي هذا السياق فانه ليس في الشريعة الربانية والقوانين الأممية والوضعية والفطرة البشرية والإنسانية ما يدعو لحرية مطلقة يتم فيها الاعتداء على حقوق الآخرين والتحريض على الحروب والفتن والقلاقل واستقرار الأوطان وطمأنينة المجتمعات المدنية , او الدعوة للطائفية والعنصرية والتمييز , إنما وفي نفس الوقت فانه لا ينبغي استغلال هذا الأمر لتقييد الحريات وكبح الإبداعات والتعبير المسؤول عن الرأي .

 نعم ... نحن نرفض الطغيان وكبح الحريات الإعلامية والصحفية والوصل الى المعلومة باسم القانون , ونرفض في نفس الوقت كذلك الفوضى والتفسخ والانحلال الإعلامي باسم الحريات , ( فاستقامة الطبع والفكر تقتضي الإقرار بالحق الخالص دون ميل مع الهوى والشهوات , والحق ان كل معنى جميل يمكن استغلاله والتستر وراءه لقضاء المآرب الشخصية , وقد ارتكبت باسم الحرية أفظع الجرائم عبر التاريخ )

 اذا وكما نطالب الحكومات والأنظمة بإفساح المجال أمام الشعوب للتعبير عن رأيها ومطالبها وحقوقها الإنسانية والوصول الى المعلومة في مختلف مجالات الحياة , وعدم الوقوف حائلا دون تلك الحقوق التي شرعها الله عزوجل , فإننا كذلك نطالب تلك الشعوب بالارتقاء بمستوى الوعي بذلك الحق .

 وإذا كنا ندعو وسائل الإعلام الى ان تقوم بدورها الأساسي في بناء الثقافة العامة للمواطن , فضلا عن تأكيد دورها في إعادة بناء القيم المساندة للتطور والتحديث , كقيم المساواة والتسامح والقبول بالأخر وحق الاختلاف , وفضح الظلم والطغيان والبغي والدكتاتوريات من خلال إسماع العالم صوت المقهورين والمظلومين في مختلف أرجاء العالم , فإننا كذلك ندعو الى إعلام مسؤول يستشعر قيمة تلك الأمانة وقوتها التي يتحملها , فلا يحرض على الفتن والانفلات الأمني والفوضى او يدعو الى الحروب , كما يجب ان لا يدعو الى عنصرية او طائفية او مذهبية , – وبمعنى آخر – ان تستغل تلك القوة الكامنة في منافذ المعلومات ووسائط الإعلام بطريقة سيئة .

 كما يجب ان يتنبه المجتمع الإسلامي الى ان تلك القيم والحريات الإعلامية المطلقة واللامسؤولة التي يحرض عليها الغرب ويدعو إليها في العالم العربي , ونجد الكثير من أفراد المجتمع يتهافت عليها وينصت إليها , هي حريات سلبية وغير مسؤولة يرفض تطبقها ونشرها وتعميمها بالطريقة التي يدعونا إليها بين أفراد مجتمعه الغربي , والدليل على ذلك ما سلف وذكرناه من نصوص القوانين والمواثيق الدولية , بل والواقع اليومي في المجتمعات الغربية هو الدليل الملموس على صحة ذلك , ولنسال أنفسنا قليلا كأمة مسلمة : أليست الحرية الإعلامية التي يدعوا إليها الغرب كانت أول المتهمين بسب الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ولا زالت حتى يومنا هذا وباسم تلك الحرية الإعلامية والصحفية تحرض على هذا الأمر !!

 وبالتالي فان السلطة الرابعة ووسائط الإعلام اليوم مطالبة بالارتقاء بمستوى الوعي الإعلامي , كما يجب ان يعي الإعلامي والصحفي العربي بحقوقه وواجباته تجاه أمته ومجتمعه والبشرية قاطبة , هذا بالإضافة الى ضرورة الارتقاء بالنضج المهني من خلال البحث عن الحقيقة بكل مهنية ومسؤولية أولا , ومن ثم توثيقها التوثيق القانوني والمهني , وأخيرا نشرها اذا كان ذلك النشر سيفيد المجتمع و سيرتقي بالوعي الإنساني بعيدا عن موانع ذلك الحق كما سلف واشرنا , و( ضرورة الانتباه الى ان القوانين الصحيحة لا تحكم الناس , بل تعمل على تغذية نسيج المسلمات والسلوكيات المنضبطة , التي يحكم الناس بها أنفسهم , وتدمر الديموقراطية نفسها اذا دمرت عادات ضبط النفس , ونكران الذات او الروح العامة , وقد تكون روح المجتمع في كثير من الأحيان مؤذية لصحتهم الأخلاقية )

*باحث في الشؤون السياسية - رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

===============================

حرام عليكم

د. حكيم المصراتي

كان دائما هناك،،

في شاشات الفضائيات، في نشرات الأخبار، في الصحف والمجلاّت، في المذياع والقنوات المحليّة، على الأوراق المالية، في المدرسة والجامعة، في المحلات والأسواق، في دورات المياه وفي حافظات الأطفال..

كان دائما هناك، كما الماء والهواء، لم يكن ثمة موضع في ليبيا بإمكانه النجاة من صور القذافي أو من مقولاته..

نعم، كان هناك منذ نعومة أظفاري، ففي المدرسة الابتدائية تعلمنّا أن التاريخ ينقسم الى مرحلتين فقط، مرحلة ما قبل التاريخ ثم تليها ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة، وتعلمنا أن ( بابا معمر) لا يقل أهمية عن (بابا سنفور)، وأن قوته لاتقل عن قوة (غرانديزر) و(رعد العملاق) الذي جاء ليحمينا..

في نشرة الأخبار كان هناك - منذ الأزل - ذاك الصوت الكئيب التعيس الذي يصيبك بالفالج النصفي قائلا: من الفصل الأول.. من الكتاب الأخضر، تليها الأخبار المفصلة والبداية دائما: استقبل (الأخو) قائد الثورة…. و ودّع (الأخو) قائد الثورة..

في مراهقتنا، تعلمنا أنه هو المراهق الأوحد، فقد أحاط نفسه بكتيبة من الشقراوات على طريقة الأساطير الإغريقية، لا للحماية طبعا، ولكن ليبعث رسالة كيميائية للشعب الليبي مفادها أنه الفحل الوحيد هنا، أدونيس الذي تتهافت النساء لحمايته، معتقدا أن شعر رأسه - الذي لايختلف كثيرا عن كومة قش - كفيل بسلب لبّ كل رعبوبة دعجاء..

مرت المراهقة على خير، وبدأت أناملنا تتحسس بفضول تلك الكرة القابعة بين أكتافنا، فاكتشفنا أنها جمجمة، وأن بها عقلا يستحق الاستخدام ونفض الغبار عليه، وفجأة، وقبل أن نفكر في التفكير، ظهر لنا وجه القذافي من مكان ما، عاقدا يديه على صدره، مسعّرا وجهه إلى علّ، ومرتديا إحدى ستائر (سيدار) المزركشة، ظهر لنا على أنه المفكر الوحيد، والمعلم الأوحد، الأديب والشاعر والفنان وراقص الباليه ومهندس النظرية العالمية الثالثة..

لم يكن ثمة من يجرؤ على ادعاء التخصص في مجال ما، فقد كان يفهم اللعبة السياسيّة أفضل من أساتذة (هارفارد)، ويشخص الأمراض أفضل من أطباء (كامبريدج)، ويتحدث في الأدب العالمي أفضل من فطاحل (أُكسفورد)، ويسلّك البالوعات أفضل من الحاج (جمعة)..

قضّ مضجعه (أبو الحروف) الذي ضاقه أن يوصف بأنه أطول من المدّ وأهدأ من السكون وأسرع من لمح العين، فقررأن يلعب دور غريمه (خربوط) ويغير المسميات دون إحم أو دستور، فألبس (أوباما) العمامة، وجعل من شكسبير الشيخ زبير، وفكك الديمقراطية الى طاولات وكراسي..

لم ينجو شيء من قبضته، غيّر أسماء الشهور والسنوات، واستبدل تاريخ هجرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بتاريخ وفاته، وأنكر السّنة وتهكم على الشفاعة، وحرّف القرآن، وتوصل الى الحل النهائي لأوجاع الانسانية في كتابه الأخضر، الذي فاجأنا فيه باكتشافات علمية ساحقة لم ينتبه لها أحد، منها أن المراة تحمل وتنجب بينما الرجل لايمكنه ذلك..

لم يكتف (الزعيم والقائد) بهذا، بل فكر وقدّر، وتذكر أنه لم يتحدث بعد في الألوان، فحمل برميلا من الطلاء الأخضر وسكبه على رأس الشعب المسكين..

كنا نعيش حالة (اخضرار) حادة، فالأعلام خضراء، والأختام خضراء، والكتب خضراء، والسيارات خضراء، والواجهات خضراء، وجثث ضحاياه خضراء، كل شيء كان أخضرا باستثناء الأرض، فهي الوحيدة التي بقيت صفراء مكفهرة تعاني الإهمال والتصحر..

لو فتحت التلفاز لوجدته يتحدث، ولو فتحت المذياع لسمعت صوته عبر الأثير، ولو طالعت الصحيفة لوجدت صورته أمامك، ولو فتحت القرآن الكريم (الطبعة الليبية) لوجدت كلمة (الناس) مكتوبة بخط يده، ولو فتحت دولاب غرفتك لخرج لك من إحدى الأدراج..

هكذا كان (معمر القذافي)، شبحٌ يطاردك في اليقظة والمنام، ديناصورٌ جوراسي يرفض الانقراض، لطالما تندّر الليبيون هامسين أن القذافي يحتفظ بسلحفاة وليدة ليتأكد إذا كانت تعيش –فعلا- مائتي عام..

لعل ما ذكرته آنفا يبررُ ردة فعلي وأنا أسمع خبر مقتله على أيدي ثوارنا الأشاوس، فقد صرت أبحلق كما المصعوق في شاشة التلفاز بين مصدق ومكذب، كان برفقتي صديق ياباني، اتسعت حدقتاه مثلي وبات يردد كلمات يابانية على وزن (مش معقولة)، طلبت منه أن يقرصني في ذراعي لأستيقظ من الحلم، أطلق شتيمة يابانية على القذافي، ولا أدري إن كانت شتيمة أم لا، لكنها بدت لي كذلك، ثم قال لي أن هذه نهاية كل طاغية أجرم في حق شعبه..

كلمات صديقي الياباني أكدت لي ما أشاهده، إنه القذافي يا قوم، القذافي الذي كان ملء السمع والبصر، يستجدي الرحمة من الثوار، رغم كونه عرّاب المقولة الشهيرة (لا شفقة لا رحمة) والتي طبقتها كتائبه بإخلاص..

كان القذافي يمسح دماءه بيده، وينظر إليها غير مصدق، كان يراها للمرة الأولى، ولسان حاله يسأل، كيف يمكن لدماء (ملك الملوك) أن تسيل؟ لقد ظنّ أن الدماء التي لابد أن تسيل هي دماء الشعب فقط..

نعم، صدق أو لاتصدق، معمر القذافي مات..

لقد صار بين يدي العدالة المطلقة، حيث لا محاكم صوريّة ولا مؤتمرات شعبية، لن يجد اليوم حارساته الشقراوات، ولا لجانه الثورية، ولا أمنه الخاص، ولا أصدقائه الأفارقة، لن يجد بانتظاره سوى محاكمة إلهية شعارها (لا ظلم اليوم)، واستقبال لن يحسده عليه أحد..

انتهى الكابوس بنهاية شاعرية عادلة، وأسدل الستار على ملحمة بطوليّة ستضاف إلى كتب التاريخ، وسُتدرّس لأجيال يأتون بعدنا، يفخرون بأنهم أحفاد من ثاروا قديما على زاحف متوحش اسمه معمر القذافي، و بأنهم جيرانٌ لآخرين ثاروا على بقية الديناصورات في ربيع عربي مزهر،،

سنطوي –أخيرا- صفحة القذافي رغم ثقل وزنها، راجياً المولى أن نستبدل كلمة (الثورة) بكلمة لذيذة جذابة هي (الدولة)..

وأقول لمن يشربون الشاي ويأكلون (الكرواسون) تحت مكيفات الهواء المنعشة، الذين يتهمون الثوار بالدموية متشدقين بمواثيق العدالة وحقوق الإنسان، أقول لهم أين كانت (فزعتكم) الإنسانية تلك قبل بضعة أشهر فقط، حينما شربتم نخب مقتل (بن لادن) الأعزل مع سبق الإصرار والترصد، بطريقة قال عنها (أوباما) شخصيا أنها كانت بشعة، وإلقاء جثته لأسماك المحيط في هتك واضح وصريح لكل الأعراف الدولية، لم ينبس أي مثقف غربي أو عربي ببنت شفة، بل لهجت ألسنتكم بالدعاء على الإرهابيين، واحتفلتم حتى ساعات الصباح الأولى بانتصار (ماما) أمريكا على الإرهاب..

ثم لمَ تحمّلون الثورة الليبية أكثر مما تحتمل؟ ألم تكن كل الثورات التي أنجبت ديمقراطياتكم الغربية مغموسة في الدماء وتسودها نزعة الانتقام؟ حتى الثورة الانجليزية التي أعقبت شلالات دم الحرب الأهلية، والتي سميت تجاوزا بالثورة (المجيدة)، اعتبرها علماء التاريخ انقلابا أكثر منها ثورة، ومع ذلك حدث خلالها ما حدث من حمامات دماء، في ايرلندة على الأقل..

ولمَ نذهب بالذاكرة بعيدا؟ هل نسيتم أن عاصمة الرومانسية والجمال (باريس) قد حدثت في شوارعها اعدامات جماعية لأكثر من تسعة آلاف فرنسي عميل للنازية قبل ستين عاما فقط، كان الرجال والنساء يجلبون من بيوتهم، ويضربون في الشوارع وتحلق رؤوسهم، ثم يعدمون عراة على رؤوس الأشهاد، والشعب من حولهم يشرب النبيذ ويتناول البسكويت، ومقاطع الفيديو موجودة على موقع اليوتيوب، شاهدوها عساها تنعش مبادئكم الانسانية قليلا..

هل نسيتم (موسوليني) وحرمه المصون؟ وماذا عن (شاوشيسكو) وعجوزه سليطة اللسان؟القذافي قتل في مواجهة مع شعب منهك نفسيا وجسديا بعد أن ذاق ويلات القتل والاغتصاب والتدمير، ولم يقتل بأيدي فرقة أمريكية من القوات الخاصة المدربة على ضبط النفس والأعصاب، أحد الثوار الذين شاركوا في قتل القذافي تم اغتصاب أخته أمام أبيه المكبّل، بعدها تم إعدام عائلته بدم بارد، فعن أي عقل تتحدثون؟ اشربوا الشاي رجاءً قبل أن يبرد..

وقبل أن أغرب عن وجوهكم، ثمة كلمة أخيرة أوجهها لمن (تبقى) من القادة العرب، الربيع العربي قد أوضح بشكل لايقبل اللغط أنكم قد درستم في ذات المدرسة، فاتبعتم جميعا نفس الأسلوب، مع اختلافات طفيفة، ربما مردّها إلى اختلاف مقاعدكم الدراسية، فلاشك أن (بن علي) و (مبارك) كانا من طلبة المقعد الأمامي، أما (القذافي) و (بشار) فكانا من بلطجية المقاعد الخلفية، و اللزج (صالح) في منتصف الصف..

لا داعي لأن تبرهنوا من أي مقعد أتيتم، فقط انظروا جيدا ومليّا في جثة (عميدكم) ملك الملوك وصقر أفريقيا الذي كان يسلي عنكم في (قممكم) العربية، بادروا إلى (فهم) الدرس اليسير ودعوا عنكم العناد وما تعلمتموه في مدرستكم تلك، قبل أن (يفوتكم القطار)، وتفاجأون بأنفسكم تحت قبضة شعوبكم صارخين في استجداء:

حرام عليكم!!

===============================

سلاح الأمل مقابل سلاح اليأس

بقلم : جابر عثرات الكرام السوري

إن أحد اسلحة العصابة الأسدية المجرمة في حربه على الشعب السوري الأعزل هو بث الخوف و الرعب و تحطيم الأمل فإن أحد أهم طرق مجابهته يجب أن تكون ببث الأمل و الرجاء و تدمير الخوف و زيادة الشجاعة و انا لنعلم ان المرء يرى الضوء في آخر النفق فيحث السير و لو كان متعبا و لو مُنع الضوء لما تحرك و لو كان المخرج بجانبه.

ونحن نعلم كيف أن المسلمين في معركة أُحد لما سرت شائعة استشهاد رسول الله صلى كيف أُلقي في أيدهم و تركوا القتال و ارادوا الاستسلام للمشركين و كيف لما علموا بكذب النبأ كيف تجمعوا و قاتلوا رغم جراحهم و قلة عددهم مما منع تصفيتهم و عادوا الى النصر في معارك أخرى حتى كسبوا الحرب.

ولو بسطنا الأمور فان كثير منا شاهدوا في مباريات كرة القدم عندما يضع الفريق الأول هدفا أو بضعة أهداف في مرمى الفريق الثاني فنكون أمام حالتين:

• اما أن يصاب الفريق الثاني باليأس و يهزم بأهداف مضاعفة

• أو يمتلك الفريق الثاني الأمل و الاصرار فيعدل النتيجة لصالحه

ولولا الأمل ما كان النصر و لا بُنيت المدن و لا عُمرت الارض و لا اُكتشفت الاكتشافات العلمية و الاختراعات و لا صُنعت العجائب و لا كُوفحت الشرور و لا حُققت الرسالات و لا إنتصرت الثورات و كم من ثورة بدأت ببضعة أفراد يحدوهم الأمل و يسوقهم الرجاء دمرت ممالك الطغيان و حطمت قيود الاستبداد.

والأمل الذي بثه انتصار الثورة التونسية شجع أحرار مصر بالقيام بالثورة و كذلك الأمل الذي بثه انتصار الثورة المصرية شجعنا على القيام بثورتنا نحن و الليبين و كان لانهزام القذافي و مقتله أثر في اعادة الأمل لنا و في زيادة خوف العصابة الاسدية.

و لمعرفة أهمية الأمل لنقرأ الآيات التالية من كتاب الله :

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿١٠﴾

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴿١٢﴾

ُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴿٢٧﴾

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿١٠٢﴾

و الرسول صلى الله عليه و سلم دائما و في أحلك الظروف كان يعمد الى بث الأمل في نفوس المسلمين و لنقرأ تلك القصة الرائعة عندما كان المسلمون يتوقعون الجيوش الجرارة من قبائل العرب المشركة القادمة لاستئصالهم قال تعالى في وصف حالتهم:

 إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿١٠﴾ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿١١﴾ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿١٢﴾

ماذا فعل الرسول :

لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا نأخذ فيها المعاول ، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء فأخذ المعول فقال : بسم الله ، فضرب ضربة فكسر ثلثها ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة وقال : بسم الله ، فقطع بقية الحجر فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة . خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

هكذا يكون بث الأمل

و تكون محاربة اليأس و بث الأمل بعدة وسائل منها :

1. تفنيد أكاذيب النظام

: قال تعالى:

 وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَ‌ٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴿٣٢﴾ َلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴿٣٣﴾الفرقان

يعمد النظام الى بث اليأس و بإظهاره أنه مسيطر على الامور و أن الازمة انتهت و أن المظاهرات بضع عشرات و أن له كثير من المؤيدين داخليا و خارجيا و يعمد الى بث الاشاعات عن قوته و اهميته و عن االمساعدات التي يتلقاها وعن الدول و المنظمات المستعدة للتضحية بكيانها من أجل بقاءه ولو بخثنا في ذلك لوجدناه كله كذبا و لولا خوف الاطالة لفندنا كافة الاكاذيب و لبينا كم هو مهزوز و ضعيف و ان لا أحد عندما تحين الحقية مستعد للدفاع عنه فهؤلاء الشركاء و الداعمين من روسيا و ايران حتى الطبل وئام وهاب لديهم سجل حافل بالتخلي عن الحلفاء و تسليمهم و بيعهم بأبخس الاثمان قال تعالى:

 وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿٦٢﴾ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴿٦٣﴾ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴿٦٤﴾.

و مما أقترحه اقامة وحدة مهمتها رصد الاشاعات و الخبار الكاذبة و البحث عن الحقيقة من أجل تفنيد الأكاذيب و اظهار الحقائق

2. التركيز على اظهار شجاعة أهلنا في الداخل : فكما ان النصر في مبارزة أول المعركة يرفع الروح المعنوية للجنود كذلك الهزيمة تدمر الروح المعنوية . ولقد التقيت بكثير من الشبان الذين قدموا من الداخل و قد شاركوا في مظاهرات و في اسعاف الجرحى و بعضهم اصيب و شارف على الموت و بعضهم قضى اصدقاءه بين يديه و رغم ذلك ترى الشجاعة و الاصرار و الأمل يفيض من جوانبه و لكان المتنبي عندما قال قصيدته منذ قرون كان يعنيهم :

على قدر اهل العزم تأتي العزائم‏    وتأتي على قدر الكرام ا لمكارم‏

وقفت وما في الموت شك لواقف‏     كأنك في جفن الردى وهو نائم‏

تمر بك الابطال كلمى هزيمة     ووجهك وضاح وثغرك باسم‏

و نحن المغتربون و الصامتون الخائفون نخشى ان شاهدنا قناة الجزيرة و كأن النظام في مخيلتنا يعلم ما تخفي النفوس و لديه على كل منا رقيب حسيب فنقوم مباشرة بالتحول لمشاهدة قناة الدنيا كي نثبت ولائنا لشياطين النظام الخفية الماثلة في مخيلتنما تراقبنا في حالتي الحلم و اليقظة (رجاء كفانا جبنا )

3. اظهار خسائر النظام:

 قال تعالى : وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١٠٤﴾

و يكون ذلك بعمل تقرير دوري بحجم و اعداد المظاهرات و الاضرابات و كافة الانشطة كالمقاطعة الاقتصادية و بيان تأثيرها على النظام من الناحية المعنوية و المادية و القتالية

و هدفنا بث الرعب في أجهزة النظام الاسدي الدموي و مؤيديه و المترددين. قال تعالى :

وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴿٢٦﴾

4. قصص الثورات التي انتصرت رغم اختلاف ميزان القوى كانتصار الفيتناميين على الامريكان و الجزائريين على الفرنسيين : قال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٢٠﴾هود

5. ابراز عواقب الهزيمة و النصر : ولا يظنن أحد انه اذا انتهت الثورة أو توقفت أو اخمدت أن الحياة ستعود لطبيعتها و ان يعود الناس الى اعمالهم كما كانو من قبل سواء الثائرين أو الصامتين أو المؤيدين خوفا و لكنهم لا ينتمون الى النظام هؤلاء جميعا سيمارس عليهم التنكيل و الارهاب و الاعتقال و القتل و الاذلال و التجويع سنوات طويله لعدة أهدف:

5.1. أولهما الانتقام مما حدث من مظاهرات و تكسير تماثيل و تمزيق صور.

5.2. ثانيهما اعاة بناء جدار الخوف و جعله أعلى و اشد ظلاما مما قبل.

5.3. ثالثهما: تدمير المجتمع بتدمير افراده و نفسياتهم و تدمير أخلاقهم و ديناتهم و لحمتهم و ترابطهم من أجل ضمان عدم حدوث ما حدث ثانية.

و لمراجعة أكبر عن سورية حالتي فشل و نجاح الثورة يرجى مراجعة الرابط التالي:

http://www.arflon.net/2011/06/blog-post_7408.html

6. مآلنا و مآلهم : نحن نقاتل عن حقنا عن حريتنا عن مستقبل أطفالنا عن كرامتنا المهدورة عن وطننا السليب عن أمتنا التي تنتظر نهوضنا بها لتنهض بنا و هم يقاتلون عن فسادهم و سرقتهم و عن استمرار جرائمهم.

فمن اولى بالنصر نحن أم هم.

((وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ))

نحن نستشهد و نذهب الى الجنة و لا تصيبنا شوكة فما فوقها الا كتب لنا بها حسنة و حط بها عنا خطيئة.

أما هم فياثمون إن قتلوا و ان ماتو ذهبوا الى جهنم بأعمالهم الخبيثة.

يقول تعالى:

قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴿٥٢﴾

===============================

التوقيع الإيراني على مبادرة الجامعة العربية

معتز فيصل

كان يوم الأمس حافلاً ومشوقاً ومثيراً، فقد كان الجميع ينتظرون رد سوريا على ورقة الجامعة العربية، وتتالت الشائعات وتعددت مصادرها، إلى أن جاء الخبر الأكيد والمؤتمر الصحفي لسعادة وزير خارجية قطر، رئيس لجنة الجامعة العربية.

المفاجأة كانت كبيرة والنظام وافق على المبادرة بدون قيد ولا شرط، ولكن السؤال كيف تغير الموقف السوري الرسمي بهذا الشكل المفاجئ؟

كل من يعرف هذا النظام يدرك أنه لن يستسلم بسهولة، وأنه مازال قادراً على إخراج الأرانب من القبعات، وأنه لن يتخلى عن الحل الأمني مهما كلف الأمر. ولكن الملفت للنظر هو التطور الجديد في سلوكه الدبلوماسي، هذا التطور الذي يشي بأن المستشارين السياسيين الإيرانيين وصلوا إلى عمق القصر الرئاسي في دمشق وأن المستشارين السوريين لم يعودوا هم من يتكلم ويتصرف. لقد سلم بشار أوراقه كلها إلى ملالي قم وصارت مرجعيته هناك.

لقد شاهدنا معركة إيران النووية مع المجتمع الدولي والتي استمرت أكثر من خمس سنوات وصلت خلالها إيران إلى إنتاج القنبلة النووية رغم كل الحظر ورغم كل العقوبات ورغم كل التفتيش والقرارات والتحالفات الدولية. كان مخاضاً عسيراً، لعبت فيه إيران أوراقها بخبرة قرون طويلة من الباطنية والتقية والاحتيال السياسي، ونجحت في هذه اللعبة وهذا ما يجب الاعتراف به بغض النظر عن موقفنا من إيران وحكومة إيران، وبغض النظر وعدم الخوض في تفاصيل اللعبة الجيوسياسية في المنطقة وهي لعبة شديدة التعقيد ما يُظهر فيها هو غالباً عكس ما يُبطن.

إيران تبدو اليوم واضحة وضوحاً شديداً في القرار السوري السياسي، فهذا ليس قرار مراكز القوى السورية، التي ما زالت تدير المعركة بعقلية وخبرة ونفس وجوه أحداث الثمانينيات من القرن الماضي، حتى بشار نفسه في تصريحاته الأخيرة لم يستطع الخروج من هذه المتاهة، عندما تكلم عن الزلازل والبراكين والحرائق التي ينوي القيام بها، ولا وزير خارجيته الذي حذف أوروبا من خارطة العالم وكاد في الأسبوع الماضي أن يحذف الدول العربية، ولا مفتيه المحنك بإعلانه عن خلاياه النائمة في أوروبا وأمريكا، أو بفتاواه التي تُحرّم سجب الجيش من الشوارع!

القرار إذا قرار إيراني، يلعب لعبة إيران في المماطلة والكذب والتقية: نعم سنفعل، ولكننا لن نفعل.... إنتظروا لأننا لا نستطيع أن نحقق كل شيء في يوم واحد.... اليوم حاولنا ولكن عرقلتنا العصابات.... اليوم لم نقتل نحن ولكن العصابات التي تريد أن تخرب كل شيء هي التي قتلت..... مرحباً بالإعلام الحر ولكن سنرافقه خوفاً عليه..... سنطلق السجناء الذين ليست على أيديهم آثار الدماء..... عدد الأسرى عندنا ثلاثة آلاف فقط, الباقي من تلفيق المعارضة والفضائيات الكاذبة.... وهكذا، مئات الأوراق التي جربناها كلها وخبرناها كلها ولا غرض لها سوى إطالة عمر المأساة على الشعب وإطالة بقاء العصابة ولو تحت التنفس الإصطناعي.

الشعب السوري الذي يعرف النظام تماماً، يدرك اللعبة والمهم أن يدركها الأذكياء في الجامعة العربية، وأن تدركها أولاً دول الخليج التي تخشى من الثورات العربية المطالبة بالحرية ولكنها في الوقت نفسه عليها أن تخشى من إيران بأكثر مما تخشى الشعوب الحرة، فنجاح إيران في الملعب السوري يعني امتداد التوسع الصفوي إلى الخليج حتماً، والبحرين هي أول القطْر. لا ندعي هنا أننا نرى ما لا يراه العرب ولا أننا نعرف ما لا يعرفون ولكنها لعبة المصالح، وواجبنا أن ننبه إلى أن مصالح الدول العربية ستبقى رغم كل شيء مع الشعوب العربية المتحررة، لا مع الغرباء ولا مع إسرائيل ولا مع أنظمة القتل والفساد، فشعوب هذه الدول ترى وتسمع وتحس وتشعر ولن تقبل في القرن الواحد والعشرين بوقوف حكوماتها مع القمع والقتل والسحق والسرقة مهما كانت المبررات ومهما كانت وسائل التعتيم الإعلامي ومهما كانت الإصلاحات الشكلية.

كلمة أخيرة إلى الشعب الثائر في سوريا وإلى إخواننا في الداخل وإلى من علمونا الكرامة والحرية ورسموا لنا الطريق بدمائهم: رحماكم بالمعارضة التي أسميها هنا سياسية، فاللعبة صحيح أنكم أنتم الذين ترسمون خطوطها ولكن لكل ثورة ثوار على الأرض، وجناح سياسي يحول انتصارات وتضحيات وعذابات هؤلاء الثوار الشرفاء إلى مكاسب ملموسة ونجاحات مدروسة وإلا خسر الجميع. إن لعبة السياسة في الخارج تختلف اختلافاً كلياً عن الحراك في الشارع، وأنتم عندما أعطيتم المجلس الوطني ثقتكم كنتم تدركون هذا، وهذا هو الاختبار الأول لهذا المجلس على أرض الواقع، فإما أن يتقن اللعبة وإما أن يضيع كل شيء، العدو مخاتل ومخادع وكاذب ولا بد من مخاطبته أمام العالم باللغة التي يفهمها العالم، لا باللغة التي تقودون بها أنتم الثورة على الأرض، هما لغتان مختلفتان ولكن النتيجة واحدة وهي النصر القادم لا محالة، فكونوا على قدر المسؤولية ولا تضيعوا أعمالكم ودمائكم ولا تخربوا بيوتكم بأيديكم ولا تسمعوا للمرجفين والمنافقين الذين سيكثرون في هذه الأيام، وضعوا نصب إعينكم أن من يحاول تدمير جناحكم السياسي هو من يريد أن يمنعكم من الطيران والتحليق في سماء النصر، لا من يدعي أنه يدافع عن مكاسبكم بقطع جناحكم.

اليوم ظهر للعالم أن النظام كاذب، وغدا الجمعة عندما سيخرج مئات الآلاف، ولو قدمنا عشرات الشهداء، فلن يبقى لهذا النظام أي عذر، ويوم الأحد يوم العيد يوم النحر يوم الحج الأكبر، سننحر النظام سياسياً بخروج الملايين إلى المصليات ومنها إلى الساحات وليستقدم الأسد كل جيشه وليُحضر معه الجيش الإيراني وحزب الله والأبواق اللبنانية وسمير قنطار وأشباه سمير قنطار، فلن يوقف أحد زحف الشعب، ولن ينتصر أحد على شعب آمن بعدالة قضيته وبحقه في الحرية، ولن تهزم عصابة القتلة والسراق وحماة إسرائيل، شباباً وفتيات أقسموا أن الموت أحب إليهم من العودة إلى الذل، بعد أن ذاقوا طعم الحرية.

______

ملاحظة: نشكر للجيش السوري الحر وعيه وموقفه الرائع وإعلانه الهدنة، ما دام النظام ملتزماً بها، فهو بهذا يسحب البساط من تحت أقدام النظام، ويفضحه أمام العالم أجمع.

========================

الأضحى والتضحية بأحرار سورية وحرائرها

بدرالدين حسن قربي

لم يكن من السهل تغيير ثقافة عامة منتشرة وأمر مألوف لدى الناس بتقديم القرابين البشرية استرضاءً للآلهة المتوهمة، وتسكيناً لغضب الطبيعة التي عبدها الناس في حضارات الزمن القديم اليونانية والرومانية والفرعونية وغيرها، إلا بمعجزة خارقة وقدوةٍ بالغة الحجة مقنعة، جاءت عبر أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام حين رأى في المنام أنه يذبح ولده، الذي انصاع للذبح دون تردد باعتباره أمراً إلهياً، وكأن الوالد يحدثه عن شجرة يابسة يريد قطعها مخاطباً إياه: افعل ماتؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين. وكانت تتمة التغيير بالفداء الرباني له بذبح عظيم بديل عن اسماعيل عليه السلام، الذي شكل تغييراً تاريخياً في حياة الناس أجمعين باستبدال التضحية بالإنسان أياً كان بالحيوان الذي يذبح في وقت معلوم تخليداً لحدث تاريخي في التاريخ الإنساني بإلغاء القرابين البشرية لآلهة مزعومة ومتوهمة.

ورغم أن الناس بعمومهم يزعمون الإيمان بالله وحده، وأن ابراهيم أبوهم الذي التقت عليه الديانات السماوية التي قدّست حياة الإنسان وكرمته ومنها الإسلام الذي جعل زوال الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل امرئ مسلم، فإن مانشهده من إراقة للدماء في سوريا بات أمرأً مألوفاً عند القتلة، وبآلاف المناظر المروّعة والرعيبة ليوتوبات وفيديوهات يذبح فيها الناس أطفالاً ونساءً ورجالاً لمطالبتهم بالحرية والكرامة، وكأنهم يُقدَّمون قرابين لآلهة مزعومة من شعارات كاذبة مضلّلة وزعامات قامعة وقاتلة على فالق من الأرض تتهددنا بالزلازل والدمار وتتوعدنا بالحريق وخراب الديار، إحياءً لثقافة ماتت واندثرت وإرضاءً لأصنام بشرية في الشام وكأنها تريد أخذنا إلى ماقبل آلاف السنين من وهم الخرافة وشعوذة الآلهة.

روح الأضحى وحقيقته الحفاظ على حياة الإنسان وكرامته أياً كان، ولكن واقعنا يشير إلى إحياء الطقوس والمظاهر، وقتل الروح التي كانت من أجلها التضحية. ومن ثم فليس عبثاً أن يأتي وقوف ملايين الناس في عرفات بالتزامن مع عيد الأضحى من كل عام من مختلف الثقافات والألسنة في تظاهرة سلمية كبيرة يلبسون فيها ثياب الإحرام والتجرد، يُحرّم عليهم أي شكل من أشكال العنف بحق الإنسان والحيوان وحتى النبات، وتتجسد بينهم قيم المساواة الإنسانية، تأكيداً على نموذج للحياة البشرية تستلهم منه درس المحبة والمؤاخاة والسلام، وهم يسّمعون في فضاءات الموقف صدى الإعلان النبوي الإنساني والعالمي في خطبة الوداع في عرفات: أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم.

وعليه، فإن ما يريد النظام السوري بما آل إليه إعلان حربه على شعبه أن يقنعنا به أن الأرض محمولة على قرن ثور وأنه مزلزلها، وأن الآلاف التي قتلها وقضت في سبيل حريتها وكرامتها هي ضحايا العصابات والتآمرات من المندسين والمندسات، إنما هي قرابين استقرار سلطته وسلطانه والعائلة المقدسة، ويريد أن يبقينا في عهد الزعيم الأب المقدس والابن القائد الأشوس، القائم على فالق من الأرض والممسك بسوريا الأرض والناس أن تزول. ولكن هل يستطيع أن يقنع السوريين بالبقاء معه بهذه الخزعبلات والضلالات وقد خرج ماردهم من قمقمه بعد أكثر من أربعين عاماً من القهر والاضطهاد والنهب والفساد محققاً أروع وأنبل الأمثلة في العصر الحديث لثورة قرر معها السورييون إسقاط النظام ورحيله ومهما كانت القرابين والتضحيات.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ