ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 27/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مصراتة غراد تضع حدا لحقبة ألقذافي وعائلته، والجميع بات ينتظر حمص غراد ،وتعز غراد لإنهاء حكم الأسد وصالح...!!!

د.خالد ممدوح ألعزي*

الأسد ،صالح ،القذافي تلاميذ ميكافيلي:

الميكافيلية: هي مبدأ يطلق على كل إنسان يتبع مبدأ ميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة"، والذي يعتبر أشهر مبدأ ،يستخدمه الزعماء لحماية كراسيهم ، فالمبدأ يرى بان الهدف النبيل السامي يضيف المشروعية لجميع السبل والوسائل التي تؤهل الوصول لهذا الهدف ،مهما كانت قاسية أو ظالمة ،فهو لا ينظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف ،وإنما ينظر إلى مدى ملائمة هذه الوسيلة لتحقيق هذا الهدف فالغاية تبرر الوسيلة ،فكان هذا المبدأ الأساس في أشهر كتاب في التاريخ العالمي الذي ألفه ميكافيلية عام والذي بات يعرف ب الأمير 1513م.

أهم صفات الحاكم في نظر ميكافيلي :

1-من ناحية الأخلاق:عليه التخلص من الأخلاق والقيم الدينية وخاصة التواضع والتقاليد والبدع والرضوخ للحكام، واستعمال الدين كوسيلة لكسب الشعب فقط.

من ناحية 2- من ناحية السياسة الداخلية :عليه أن يجمع بين حب الناس وخوفه منهم وان تعسر ذلك فعليه في أن يتأكد من كونه مخيفا ومهابا

 3- من ناحية السياسة الخارجية :عليه أن يتعلم وإذا كانت وعوده عبئا عليه وعدم التردد ،في التخلص منها عن الحاجة،وفي استعمال القوة عند الضرورة .

 4- من ناحية الاقتصادية:أن وجود طبقة فقيرة سوف تدفع بقيام ثورة على الحاكم.

 5- من ناحية الدفاع لقد اقر ميكافيلي بوجوب جيش وطني قوي وان الجيش المكون من المرتزقة غير نافع فالمرتزقة لا ولاء لهم إلا للنقود والمال .

ولكن عندما يكتب في كتابه من الأفضل أن تكون محبوبا أكثر من إن تكون مهابا ،وهذا السؤال الذي يطرحه ميكافيلي على كل من يتبع نظريته كحاكم قوي جبار ،فالجواب يتلخص بان يخاف الناس ويهابونك كحاكم قوي ويحبونك كحاكم عادل،لكن قلة قليلة في العالم من يتوفر فيها القوة والعدالة ،وهن يتوجب على الحاكم الاختيار بين القوة والمحبة فالجميع يتوجهون نحو القمع والبطش الذي يشكل أساس لثورة الشعوب على الحاكم

،فعلى الحاكم الاختيار بين هذان الأمران فالأغلب

يغترون البطش والقتل كما هو الحال في عالمنا العربي، ويعتبرن الشعوب ناكرة للجميل وبدون مبدأ كما نعتوها بأنها جرذين وجراثيم ،وكل يشه ذلك

من اجل تبرير بطشهم وحقدهم فارتكبت أبشع الجرائم بحق الشعوب العربية من قبل هؤلاء الجلادين الذين يعتبرون أنفسهم فوق كل شيء

مقولات شهيرة لمكيافيلي،تجسد شعور الاسد الحالية :

حبي لنفسي دون حبي لبلادي.

من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك.

الغاية تُبرر الوسيلة.

أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلحين احتلوا وانتصروا، بينما فشل الأنبياء غير المسلحين عن ذلك.

إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس.

من واجب الأمير أحيانا أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده.

ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة.

لايجدي أن يكون المرء شريفاً دائماُ.

الأسد ، ميلوسيفيتش والفيتو الروسي :

من يقرءا التاريخ السياسي جيدا ،فان القرن الماضي سجل قصة شهيرة لبطل دكتاتور راحل من ذلك الزمان اسمه سلوبودان ميلوسيفيتش كان زعيم صربيا الكبرى الذي قضى عليها بسبب غباءه السياسي وعدم تصرفه الصحيح ،لقد تفتت بلاده ودمر شعبه وتم تسليم مع126 شخص من قياداته إلى المحكمة الدولية في لاهاي عام 2001 ،فالقصة ابتدأت عام 1999 عندما شن الزعيم الاشتراكي الدكتاتور حرب إبادة عنيفا على شعبه في إقليم كوسوفو بعد أن ارتكب الجرائم العديدة في دول يوغسلافية السابقة ،فكان الاضطهاد الإنساني والأخلاقي لشعبه ،مما استدعى حماية دولية بدوافع إنسانية بسبب جرائم الرئيس الصربي ،غضب العالم من تصرفاته وتعنته السياسي ،حاولوا إنذاره دوليا من خلال قرار أممي يدين جرائمه الوحشية ،لكنه احتمى بروسيا التي حمته ومنعت أي قرار دولي ضده ،استخدمت روسيا حق النقض الفيتو في مجلس الأمن ،حاولت روسيا حمايته دوليا ،لكن الولايات المتحدة والعالم الحر قرر معاقبة الدكتاتور فاتخذ حلف الأطلسي قرارا جريئا بحماية الأقلية المسلمة التي يقوم باضطهادها رئيسها ،فقررت ضرب صربيا عسكريا بعد أن تم تهجير الكوسوفار خارج صربيا ،إبادة جماعية يرتكبها سلوبودان ميلوسيفيتش ،فكان الغضب الروسي السياسي مما دفع برئيس وزراها آنذاك يفغيني بريمكوف بطريرك السياسة الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، المسافر إلى الولايات المتحدة بالعودة من فوق المحيط بعد سماعه بناء قصف صربيا بالطيران ،موسكو الغاضبة والمنزعجة لم تستطيع إقناع رجله بعدم ممارسة هذا الإجرام والتعنت ،انتهت الحرب وقام الشعب اليوغوسلاف ضد رئيسه الدكتاتور،جرت انتخابات حرة في البلاد خسر الحزب الاشتراكي وتم تسليم الرئيس وكل المطلوبين للعدالة الدولي ،فانتهى به الأمر عام 2006 إلى وفاته في لاهاي ،فأمام هذا المصير الذي وضع نفسه بشار الأسد الرئيس السوري في مطلع الألفية الثالثة ،من خلال اضطهاد شعبه وممارسة أبشع الإجرام بحق الشعب الأعزل تحت حجج وقحة بأنهم إرهابيون وعصابات مسلحة ،بالرغم من الغضب الدولي تعود روسيا لتمارس نفس السلوك ،واستخدمت حق النقض في الأمم المتحدة ،لكن العالم لن يهتم لموسكو التي تبيع وتشتري بأصدقائها في الربع الساعة الأخيرة ،فروسيا سكتت في صربيا والتي انتهى بها الأمر إلى تقسيم قصري وتسليم قيادة الحرب الإجرامية ،فإنها سوف تعيد نفس السيناريو مع سورية الأسد اليوم. فان مصير الأسد كمصير ميلوسيفيتش ،ومصير سورية كمصير صربيا الحرة ،والفيتو الروسي لم يجدي في صربيا ولن ينفع في سورية .

جمعة جديدة من ايام الثورة السورية:

لقد استطاعت هيئة الثورة والتنسيقيات الثورية بإخراج مظاهرات شعبية كبيرة إلى الشوارع مجددا للمطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد الذي يمارس اشد أنواع العنف بوجه المتظاهرين الذين يواجهونه يوميا ليلا نهارا صغارا كبارا نساء وشيوخا ،فالمظاهرات أضحت خبز يومي للشعب السوري ،والقتل أصبحا أرقاما عددية في صفوف الشعب السوري الذي يعلم جيدا بان تكلفت استمرار الثورة هي اقل بكثير من إيقافها ،فالشعب يواجه نظام شرس حقود يدافع عن وجوده واستمراره منذ 50 عاما،والشعب الذي يعتبر نفسه بأنه كسر حاجز وحاجب الخوف الذي فرض عليه طوال فترة حكم البعث وسيطرت الأسد على سورية ،فالمواجهة أضحت تشتد يوميا،بين الطرفين الشعب الذي لا يمكنه العودة إلى الوراء والسماح لهذه السلطة بحكمه،والنظام الذي يحاول قتل الناس بحالة هستيرية جنونية لكونها لكون الشعب يسحبون البساط من تحته ويهددون دكتاتوريته بالزوال .

جمعة شهداء المهلة العربية :

لقد كانت لهذه الجمعة التي أطلقت عليها "جمعة شهداء المهلة العربية"بتاريخ 21 تشرين الأول "أكتوبر"2011 ، والتي كانت تعبر عن نفسها المظاهرات الكثيفة التي خرجت بهذا الأسبوع ،لان القتل لم يعد له طعما ،فالجميع ينتظر النصر ،فمقتل ألقذافي أضحى له انعكاسات كبيرة على الساحات العربية المنتفضة والمحتجة ،وخاصة في سورية واليمن ،لهذه الجمعة كان لها لونا وطعما خاصا ،لان نهاية ألقذافي أعطت انطبعا مختلف للتحركات السورية واليمنية لقد خرجت المظاهرات والمتظاهرين إلى الشوارع والأمل يروضهم جميع بتحقيق الحلم الذي وعدوا أنفسهم به منذ فترة ،فقتل ألقذافي أحياء فيهم عزيمة النصر والانتقام بنفس الوقت .لان ألقذافي الذي خاطب الرؤساء العرب في قمة دمشق عام 2008 وطالبهم بالتحقيق بمقتل صدام وعرفات كان يخاف من الموت على أيادي الأمريكان ،وكان متوقع الموت له ولكل الرؤساء العرب طالبهم بالا سرع للالتفاف على هذا المصير المحزن للقادة العرب ،لكن ألقذافي إلى جانب كافة الرؤساء لم يكن يتوقع الموت على أيادي بني شعبه الذي ظلمه طوال 4 عقود ومن الزمن ،لقد وصف شعبه بالإرهابيين والجرذان ،فأضحى هو الجرذ المبلول بالماء طيعا أن طريقة قتل ألقذافي غير صحيحة لدولة ثار ثوارها على الظلم والتنكيل ،في دولة تحاول أن تلبس ثوب العافية بعد فقد منها طوال كل هذه الفترة لكن مصير الطغاة هو حبل المشانق.

فالمتظاهرين الذين فرحوا من عملية الانتهاء وتوعدوا قادتهم بنفس المصير ،كان غاضبين من بطء دور جامعة الحكومات وعدم وقوفها إلى جانب الشعوب التي يتم ذبحها كالأغنام في أعياد الأضحى ،فكان جواب أهل الشام برفض المهلة التي قدمتها الجامعة العربية لنظام الأسد ،لقد حملت تنسيقيات الثورة السورية دم كل هؤلاء الضحايا الذين سقوا في هذه الجمعة بالتحديد على ذمة القادة والزعماء العرب الذين لا يزالون يتواطئون مع بشار الأسد على ذبح الشعب السوري البريء والأعزل .

فالتقييم العام لمصير الحراك الشعبي السوري يدل على مدى زخم وتطور الحراك الاجتماعي والشعبي المتسع في العديد من النواحي والمدن التي تدخل من جديد على باب الانتفاضة إضافة إلى فشل ذريع في قمع الحراك في المدن التي يتم احتلالها من قبل الجيش ،بالمقابل هناك انكفاء للتحرك العسكري والأمني الذي أضحى مرتبط بقدرات هذه القوات التي بدأت تتلاشى يوما بعد يوما وأضحى التعب يسيطر عليها والتقشف سوف يدق بابها،وبدأ الموضوع الاقتصادي يدق ناقوس الخطر ،

الوضع الاقتصادي:

فالوضع الاقتصادي السوري يزداد سواء والنظام بدأ يستنزف كل إمكانيته ،وخاصة بظل الحصار الاقتصادي المفروض على النظام بكل أشخاصه ابتدأ من الهرم حتى المراتب الأصغر ،فالحركة الإنتاجية متوقفة ،الدخول القومي متوقف الزراعة معطلة ،السياحة مجمدة قطاع الخدمات لا يعمل ،العقارات جامدة الاستثمارات غائبة ،وهذا مما يدفع الدولة بالوقوع تحت حجز بسبب عدم القدرة على صرف الرواتب للمواطنين ،وتامين الحاجات الهامة للمواطنين ،وبالتالي هذا النظام أمام ضغط كبير في تسليح القطاعات المقاتلة التي يستخدمها لقتال الشعب وتتطلب ذخائر وتأهيل ومحروقات وصيانة عسكرية ،مما ينهك هذه القطاعات العسكرية التي تفرض عليه تامين الراحة لها والاستنجاد بالوحدات الثابتة التي تقل بولائها للنظام والتي هي مهيأة أكثر للانشقاقات .

التدخل العربي :

فالمحاولة الأول التي حاول العرب طرحها في سورية أفشلها النظام لعدم فسح مجال لأي وساطة عربية ،فالتعنت السوري والغطرسة التي ينتهجها نظام الأسد سوف أدت إلى فشل المهمة بالرغم من السماح السوري للامين العام للجامعة العربية من الدخول إلى سورية ، فسورية التي كانت تصر على الحلول العربية دائما بالسابق ،وبالتالي هذه المواقف سمحت لها بالتدخل في الشؤون العربية الداخلية وتحديدا لبنان وفلسطين مما أتح لها احتلالها للبنان بوجود مظلة عربية ساعدتها بالتحرك الداخلي والخارجي لضبط الشارع اللبناني ،مما ساعدها بالبقاء فيه طوال 30 عام ،فهذه التدخلات السابقة وقعت أسيرتها دمشق ،فاليوم تعتبر بان قرارات الجامعة العربية تدخل في شؤونها الداخلية وتسلط مدافع هل على الدول العربية وقراراتها ومجلس الجامعة العربية الذي لايزال يهادن سورية كنظام لان مجلس الدول العربية هو مجلس للحكومات العربية وليس للشعوب العربية ،وبالتالي لاتزال لهجة الجامعة حتى اليوم هادئة مع سورية بالرغم من دخول الحركة الاحتجاجية شهرها الثامن ،فالنظام السوري الذي سمح لمجلس الوزراء العرب بزيارة سورية فورا بعد مقتل ألقذافي لزيارة سورية ،فهل يريد طاغية الشام الالتفاف على قرارات اللجنة الوزارية والرسالة العربية من خلال شراء الوقت ظنا منه بأنه لايزال قادر على إنهاء الأزمة السورية من خلال القبضة الحديدية التي تقع بقبضة الأجهزة الأمنية والعسكر .

بالرغم من سمح النظام السوري بزيارة دمشق لطرح مبادرتها القائمة على الحوار بين السلطة السورية والمعارضة السورية التي باتت تشكل وزننا كبيرا من خلال مجلسها الانتقالي .

لكن النظام الذي يحاول استيعاب الرسالة يصر بدوره على إرسال رسائله الخاصة باستمراره بممارسة العنف والبطش والقتل ،وبالتالي مبادرة الدول العربية تصدم بالحائط فالنظام مستمر بسياسته وتسويقها بالرغم من عدم اقتناعه شخصيا بالرواية التي مصر على روايتها منذ اندلاع الانتفاضة ،لكن السؤال الذي يطرح ينفسه بقوة في 26 أكتوبر مع قدوم الوفد العربي ما هي النتيجة التي يمكن للوفد التوصل إليها من خلال محاورة النظام طبعا الوصول إلى مفاوضات ذكية تنتهي بتسليم السلطة السورية تدريجيا ،والذهب مع وفد النظام إلى القاهرة حسب ما تنص عليه المبادرة العربية للاجتماع بوفد المعارضة.لكن من المحتمل جدا بان يستطيع وفد النظام الالتفاف على اللجنة الوزارية بأخذ مهلة إضافية لمتابعة إجرامه عفوا إصلاحاته. وهذه الخطوة ستفهم على كونها مراوغة جديدة من قبل النظام لتضيع الوقت.وبالتالي هذه الخطوة سوف تعمق عزلة النظام وتفتح نافذة أمام المجلس الانتقالي السوري بالاعترافات الرسمية ،ومن المحتمل بعد الاعتراف الرسمي الذي تلقه المجلس السوري من المجلس الليبي سوف يكون اعتراف قطر بالمجلس وهذا الاعتراف سيفجر قنبلة موقوتة في داخل النظام السوري الذي سيكون انعكاسه الخطير على النظام وبالتالي ستكون الاعترافات متتالية عربيا وإسلاميا ،وهذا مما يفقد شرعية نظام الأسد ويضعه في مواجهة واسعة مع المجتمع الدولي وبالتالي سوف تكون روسيا محرجة جدا في مجلس الأمن التطور السريع لسير الأمور التي تضيق الخناق على صدر النظام .

 

 

الحرب الخاسرة:

فالأسد يخوض حرب استنزاف ضد شعبه ،فخسر كل أوراقه الذي جمعها والده طوال 50 عاما من خلال مواجهة مباشرة مع شعبه الأعزل الذي يحاول فيها إلى جر الشعب لحرب كبيرة من اجل الحافظ على بقاءه وبقاء عرشه الذي كسر من قبل أطفال درعا وصمود أهل حمص وباقي المدن السورية الثائرة في الشوارع ضد طاغية الشام،فما جدوى دعوة العرب وبعض الدول للجلوس مع الأسد على طاولة التحاور بالوقت الذي يخوض فيها الشعب حرب وجود أو لا وجود مع الأسد ونظامه.

نهاية القذافي تهدد بقاء الاسد:

انتهى ألقذافي بتاريخ 20 أكتوبر 2011 بعد ثورة شعبية قتالية دامت 8 شهور عمت كل إرجاء ليبية ،مات الطاغية وارتاحت ليبية والعالم كله من جنون ألقذافي ومشاكله وإرهابه التي كان يمارسها ضد العالم كلها وليس ضد الشعب الليبي طوال 42 عام من سيطرة دكتاتورية مستبدة على ليبيا ثرواتها التي بددها العقيد وأولاده في أحلام لا تعرف حدود من نشر فكر ثوري جنوني له ،أنهت مدينة مصراتة غراد حكم الطاغية ألقذافي وعائلته، مصراتة المدينة الليبية الذي حصرها ألقذافي طوال 5 شهور وتمكنت من فك حصارها والتمدد نحو معاقل ألقذافي في باب العزيزية ،وصولا إلى محاصرة كتائبيه في مدينته في سرت ،قتل ألقذافي من قبل كتيبة مصراتة التي نقلته بدورها إلى مصراته ووضعته في مشارحة مشفاها المركز لتقول للعالم كله بان مصراتة تحدت القتيل وانتصرت عليه لموت الطاغية وتبقى مصراتة ،لتقول لكل العالم هذا مصير ألقذافي كما كان مصير الطغاة الذين سبقه إلى هذا الموقع الأبدي فالقذافي سلم نفسه لله وانتهت حقبة تاريخية وسخة من تاريخ ليبيا ،لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم متى تقوم حمص مدينة الثورة السورية وتنتقم لنفسها ولشهدائها من جرائم كتائب الأسد التي تحاصر مدينة الثورة السورية ،فحمص سوف تتار لنفسها من نظام الأسد وسف تنهي حقبة إلا الأسد التي سيطرت على سورية منذ 1970 ،ومارسه أبشع الممارسات بحق شعب سورية وأهلها البلاد الطيبين الشرفاء ،فالثورة حقيقة ثابتة باقية إلى الأبد والطغاة إلى زوال حتما.

الاحتمال الأخير للأسد:

لكن مع انتهاء الأزمة في ليبيا والتي تمثلت بقتل ألقذافي وانتهاء حقبة كاملة من دكتاتوريته ،وقرار مجلس الأمن الذي يطلب من صالح الموافقة السريعة على شروط المبادرة العربية والتوقيع عليها ،فالأزمة السورية بدأت تأخذ منحى أخر،فالتصعيد هو سيد الموقف وسلاح النظام ،لكونه أضحى يفقد صوبه في حربه مع المدنين من خلال استخدامه للسلاح الثقيل في حمص ومدنها ،إضافة إلى اتساع حركة الانشقاقات في صفوف الجيش الذي تبلور في مواجهات عسكرية قتالية عنيفة ،والتي فتحت باب الأزمة على مصراعيها ،والرسالة التي وجهت للنظام السوري بمقتل ألقذافي لم تردع جنونه ،فجئت الرسالة الثانية الممثلة بسحب السفير الأمريكي من سورية بتاريخ 24 أكتوبر تشرين الأول ،فسورية التي استشر ست من اجل عودة السفير الأمريكي إلى دمشق هذا هو اليوم يرحل ، وينتهي شهر العسل بين واشنطن ودمشق ،فالعملية تنظر بغيوم ملبدة فوق سماء دمشق ،فالجميع ينتظر نهار 26 أكتوبر وزيارة الوفد العربي إلى سورية ،فهل يتم انقاد النظام وتسليم السلطة تدرجيا ،أو يستطيع النظام شراء مزيدا من الوقت من خلال وعود كاذبة بمتابعة إصلاحات وهمية ،أو تكون الزيارة الأخيرة التي تقول الله ما إني بلغت ،وجنيت على نفسها براكش.

لننتظر جميعنا ونرى كيف ستسير الأمور وأي قطار سوف يركب النظام السوري،لان النظام بات الخناق يضيق على رقبتها وتدرجيا أوراقه بدأت بالسقوط كحبة ك "حبة لوز في نيسان" ،فألقذافي خرج من المباراة بضربات الترجيح ،التي أبقت صالح والأسد فمن الذي سوف يخرج قبل من البطولة ،ولمن ستون البطولة النهائية.

الجواب سيكون إمامنا جميعا في الأيام القليلة القادمة.

*كاتب صحافي، وباحث إعلامي مختص بالإعلام السياسي والدعاية.

dr_izzi2007@hotmail.com

============================

الأزمة وراءنا

د / نور الدين صلاح

عبارة سمعها السوريون من بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بعد أول أسبوع من الثورة السورية وكررها (المعلم) وزير الخارجية في حديثه الشهير للصحافة الذي نسي فيه أوربا من الخارطة ويكررها الرئيس بشار لكل من زاره هذه الأيام فقد نقلها (الحص) رئيس وزراء لبنان الأسبق ونقلها كل من يزور دمشق في هذه الأيام ويسعد بلقاء الرئيس، ويعبر عنها بعبارات مختلفة كعبارة الأصعب مضى، والأخطر ولى، والأزمة وراءنا، وهنا أريد أن أثبت النقاط التالية:

الأولى : إذا كان الرئيس يقصد الوضع الداخلي فأعداد القتلى بازدياد، ورقعة الاحتجاج تتسع، وجيش السوري الحر بدأ ينظم صفوفه وبدأ يزعج النظام بعملياته وكمائنه، والجيش يقتحم المدن، والدبابات في كل مكان، ورائحة القتل تشم من كل حارة وطريق، والاعتصامات تتوالى، والإضرابات تزداد يوماً بعد يوم، والغضب يزداد، والحقد ينمو والمجتمع ينقسم، والوضع الاقتصادي يزداد بؤساً، والحصار الاقتصادي يشتد، وهناك أزمة الوقود ونحن قادمون إلى الشتاء عما قريب، وما زال الرئيس يقول الأزمة وراءنا

الثانية : وإذا كان يقصد الوضع الخارجي، فالضغطان السياسي والاقتصادي يزدادان يوماً بعد يوم، بل وبدأ النظام يرضخ للتدخل الذي يعتبره (خارجيا) ويصفه السفير السوري في الجامعة العربية بأنه (مؤامرة) ويخدم (أجندة غربية) بعد استخدام (الفيتو) المزدوج من روسيا والصين، وإذا كان التحرك العربي عن طريق الجامعة مؤامرة فلماذا قبل به النظام السوري بعد رفضه ورحب باللجنة الوزارية، وهل القادم سياسياً بالنسبة له هو الأفضل فلو قبل النظام بالحوار في الخارج فليس هذا هو الأفضل وهو ما كان يرفضه ويعتبره خطاً أحمر، ويرفض كل حوار خارج سقف الوطن ويعتبره خيانة فما باله (يشرعن) الخيانة !!!! ولعله يقبل أن يفاوض من كان ينعتهم عبر وسائل إعلامه بالخونة ويعطيهم شرعية واعترافاً، وإذا رفض قرارات الجامعة العربية ومبادرتها فلن يكون القادم (عربياً) و (دولياً) أفضل ولن تكون الأزمة وراءه بل أمامه

الثالثة : وأما إعلامياً فكل يوم تتكشف عورة النظام وتنكشف كذبة (الممانعة) الكبرى، ويظهر زيف وهشاشة الرواية السورية في إدارة الأزمة، فالشهود على ما يجري على الأرض صاروا في كل المدن وكل القرى ولم يعد يستطع الإعلام السوري أن يكذب على شعب بأكمله، وبدأت فضائح ممارسات النظام القديمة والحديثة تظهر، وكل يوم تزداد القنوات والمواقع المؤيدة للثورة والفاضحة للنظام، والانشقاقات الأمنية والعسكرية وما يعقبها من فضائح واعترافات عبر (اليوتيوب) لا يبشر أن القادم هو الأحسن والفائت هو الأسوأ، والفضيحة تزداد كل يوم بفتح ملفات جديدة ورفع غطاء الستر الدولي عنه

الرابعة : وسقط القذافي وهو أقرب الطغاة شبهاً بالأسد، ونظامه أقرب الأنظمة إلى نظامه، وانتهى بهذه النهاية المهينة بنفس الطريقة واللغة التي وصف بها ثوار شعبه بأنهم (جرذان) وقد استخرجوه من عبّارة المجاري في المواضع التي ترتع بها (الجرذان) وكما كان يقال (البلاء موكل بالمنطق) وكان يبشر القذافي الزعماء العرب في مؤتمر القمة الذي عقد في دمشق (بأن الدور جايه عليكم) وهذه أصدق كلمة قالها القذافي، فقد جاءه الدور ولاحقه الثوار مدينة مدينة وقرية قرية ودار دار وزنقه زنقه حتى وقع وحيداً في قبضة الثوار، والأسد على قائمة الانتظار ولعل من تدبير القدر أن تكون آخر مكالمة أجراها القذافي بهاتفه النقال (الثريا) كانت لسوريا قبل أن يقع، والأسوأ لن يكون وراءك يا بشار بل سيكون أمامك

الخامسة : هذا الاستخفاف بالثورة والثوار مارسه كل الطغاة قديماً وحديثاً، فرعون قال عن المستضعفين (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) وقذف البحر ببدنه غريقاً ليجعله آية لمن يأتي بعده من الطغاة الجبابرة، وطاغية تونس فهم بعد فوات الأوان لكنه نجا بجلده وهرب ولم يكابر ولكن ستطاله يد القضاء والعدالة في يوم من الأيام وليس ببعيد، وطاغية مصر الذي كابر بخطاباته واستخف بشعبه وسلط عليهم البلطجية والسيارات تدوسهم والخيل تطؤهم بحوافرها في الميادين، رأيناه في سريره داخل قفص الاتهام لا يهش ولا ينش، وقد جعله الله عبرة بعد العظمة والكبر والغرور، وقبله السادات قال عن أحد الفضلاء (رميته في السجن زي الكلب) ورأيناه كيف سحب من بين الكراسي في المنصة وقد خرج على قومه في زينته، و(صالح) اليمن يتهم المعتصمين بالخيانة والعمالة ويخبرهم بأنهم (فاتهم القطار) وقد رأيناه كيف سحب من مسجد النهدين بين الموت والحياة وكاد قطار الحياة أن يفوته وليطل علينا بعد عمليات التجميل بمنظره الذي يثير الشفقة، وقد عاد اليوم ليعربد من جديد وهذا ممن ينطبق عليه قوله تعالى (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) وسوف نرى كيف ستكون نهايته وهو يتنافس مع الأسد على الدور، والأسد ينعت الثوار بالجراثيم والمندسين والإرهابيين، وننتظر قدر الله فيه فلعله يموت بسبب جرثومة أو يستخرج من أماكن تكاثر وتجمع الجراثيم، وسوف (يضل الله الظالمين) لأنه سبحانه وتعالى (لا يصلح عمل المفسدين) وسوف يمضي هؤلاء الطغاة إلى حتوفهم بأظلافهم وإلى مصارعهم بما كسبت أيديهم، وسوف يبقى الغرور (غرور القوة) و (جنون العظمة) و (آفة الاستعلاء) تمضي بهم بخداع وتسوقهم بمكر إلى يوم الأخذ كما قال تعالى (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أذناهم بغتة وهم لا يشعرون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)

وأخيراً الأسوأ للنظام قادم والأزمة ليست وراءك يا بشار، بل تتعقد حلقاتها وقد وقعت في شراكها ولن تنفع سياسة التهوين ولا التسطيح، ولن ينفع دس الرؤوس في الرمال بما يعرف بسياسة الزرافة، وإن من تغافل عن السنن فإن السنن لن تتغافل عنه، والأيام بيننا وسيكون التعبير الصادق الأزمة وراءنا وأمامنا

مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية

============================

وهكذا أخطأ "سيد المقاومة" !

عريب الرنتاوي

للسيد حسن نصر الله مكانة خاصة في قلوب ملايين العرب والمسلمين...ولقد شقت شعبيّته عنان الأرض والسماء بعد حرب تموز 2006 والصمود الباسل الذي سجّلته المقاومة الإسلامية اللبنانية في وجه آلة الحرب الإسرائيلية و"الجيش الذي يقهر"...وكاد الرجل أن يصبح منافساً جدياً لأكثر رموز السياسة العرب شعبية، وفي أوطانهم بالذات...وتمتع بميزة قلما حظي السياسيون و"المناضلون" في هذه المنطقة، وأعني بها الصدقية العالية الناجمة عن مزيج مبدع بين المبادئ والبراغماتية.

 

لكن "سيد المقاومة" يواجه هذه الأيام، وبعض سنوات خمس من الوصول إلى "قمة الشعبية"، تحدياً حقيقياً لشعبيته، حتى في المناطق والأوساط التي رفعت صوره وشعاراته على الأكف والأكتاف...بل أنه بات في نظر بعض قوى "ربيع العرب" عبئاً لا ذخراً، ومصدر تهديد لا عنصر دعم وإسناد، وحلقة من حلقات "الثورة المضادة" لا موقعاً متقدما في صفوف ثورات العرب وخنادق انتفاضاتهم الشعبية.

 

وللحقيقة والإنصاف، فإن ما آلت إليه "شعبية" الرجل، لم يكن محض صدفة مجردة، أو نتيجة منطقية لأخطاء وممارسات قارفها الرجل وحزبه و"مقاومته"...فهناك إلى جانب هذا وذاك، الهجوم المنظم الذي تعرض له "السيد" و"الحزب" و"المقاومة"، من قبل جبهة عريضة تمتد من لبنان وتمر بعواصم الاعتدال ولا تنتهي في بعض عواصم صنع القرار الدولي...خصوصا بعد تفشي حالة الهلع في فرائصها بنتيجة "نصر تموز"، حيث تأكد للشعوب العربية أن النصر

على إسرائيل، أو على الأقل، الصمود في مواجهتها، أمر ممكن...وأن الهزيمة ليس سوى قدر المهزومين والمتخاذلين والجبناء.

 

مع اندلاع "ربيع العرب"، وجد حزب الله في السقوط المدوي لنظامي مبارك وبن علي، نصراً مجانياً لخيارات الحزب الأساسية...لقد تخلص من عدو لدود وخصم عنيد في القاهرة...وبدا أن "أنظمة الاعتدال"، قد فقدت توازنها، وانتقلت إلى أضعف خنادق الدفاع عن الذات والوجود...ولقد عبر مهرجان التضامن الحاشد مع الثورات العربية الذي نظمه الحزب في الضاحية الجنوبية، عن ذورة "الانتشاء" بيقظة الشعوب العربية وهزيمة أنظمتها الفاسدة والمتهافتة.

 

لكن "ربيع العرب" أخذ حزب الله على حين غرة، وفاجأه من حيث لا يحتسب...ولقد وجد "السيد" نفسه في خضم لحظة صعبة للغاية، إن لم نقل مستحيلة...خصوصاً بعد انتقال شرارات هذا الربيع إلى سورية والبحرين....فكل موقف سيصدر عن الحزب، ستترتب عليه أكلاف هائلة...وهذا ما حصل فعلاً، ومن دون زيادة أو نقصان.

 

في الموقف من انتفاضة البحرين، بدا "النفس المذهبي" واضحاً، بل و"فاقعاً" في خطاب الحزب، وبالأخص في خطابه الإعلامي...لقد خسر

الحزب في "المسألة البحرينية" كل المحاولات التي بذلها بجهد واجتهاد، وبصدق وإخلاص، لتقديم نفسه خارج "الإطار المذهبي الضيّق"، وفي غضون أيام وأسابيع، كان الحزب يبدد ثمار جهد مضنٍ، أمتد لسنوات طوال...ولقد تكرست الصورة المذهبية للحزب بما لا يدع مجالاً للشك، بعد اندلاع احداث البحرين، ومواكبة الحزب، سياسة وإعلاماً، لتطوراتها وتداعياتها.

 

إلى أن جاءت الثورة السورية، لتكتمل "دائرة الخسران" حول الحزب، فما زال ملايين السوريين والعرب، يتذكرون مناشدات السيد حسن نصر

الله للسوريين، للالتفاف حول "نظامهم المقاوم والممانع"...وهو أمر طرح الكثير من علامات السؤال، حول "الصدقية" و"الطهرانية الثورية" و"منطق الانحياز للجماهير والمحرومين والمظلومين" إلى غير ما هنالك...لقد غلّب الحزب مصالحه وحساباته، على مبادئه ومنطلقاته، وبدا في أعين كثير من القوى والفئات والشرائح، حزباً "سلطويّاً" يتنفس من رئة النظام السوري، فضلا عن روابطه الخاصة بالنظام الإيراني، المعروفة للجميع على أية حال.

 

أمس الأول، أطل حسن نصرالله بخطاب، حاول فيه الجميع بين نقيضين، دعم الأسد من جهة ودعم غالبية السوريين من جهة ثانية...وهي "مهمة مستحيلة" بكل المقاييس، خصوصاً بعدما سقوط ما يقرب من الأربعة آلاف قتيل ومرور ما يقرب من الأشهر الثمانية على اندلاع الثورة السورية...ولا أحسب أن أحداً، في سوريا أو خارجها، باستثناء أعوان النظام والمقربين منه و"أزلامه"، قد "اشترى" البضاعة التي عرضها أمين عام حزب الله في حديثه الأخير.

 

لقد بدا أن السيد نصر الله، يفتقر "للمواكبة اللصيقة" للأحداث والتحليل الدقيق للمشهد السوري، في بعديه الإقليمي والدولي، وقد تأكد ذلك حين أطلق نبوءته المتفائلة حول قرب خروج النظام السوري من أزمته، والتي قال أن الأصعب من فصولها وحلقاتها، قد بات وراء ظهورنا.

 

هما فرضيتان، ما كنّا نأمل أن تندرجا على لسان السيد نصر الله...فالغالبية السورية المؤيدة للإصلاح، لا يمكن جمعها والنظام القائم في سلة واحدة، وإدعاء تأييدهما معاً من دون تعارض...والأصعب في الأزمة السورية، ما زال في انتظارنا، ونحن مقبلون على فصول جديد من المسرحية الليبية التي سيعاد إنتاجها سورياً...ويخطئ من يظن أن "السيناريو السوري" الذي يستلهم نظيره الليبي، لم يعد مكتملاً.

 

نحن نعرف مأزق حزب الله في سوريا ومعها...وكنا سنجد له العذر لو أنه وقف على شرفة الحياد..وهذا تحدٍ بحد ذاته...أو أن هو اكتفى بنسخ بيانات حماس وإعادة طبعها ولصقها...لكن الحزب أبى إلا أن يكون في خندق دفاعي متقدم عن النظام الحليف، وإلى الحد الذي باتت قوى الحراك السوري، تنظر للحزب بوصفه "الجهاز الأمني الثامن عشر"، وامتداداً لمن يسمون ب"شبيحة" النظام.

 

ليس للحزب على المدى البعيد من حليف سوى الشعوب العربية...فلا "جغرافيا المذهب وديموغرافيته" يمكن أن توفر غطاءً آمناً واستراتيجياً للمقاومة، ولا أنظمة الفساد والاستبداد، يمكن أن تكون صديقاً وفياً لحركة آلت على نفسها، أن تقارع إسرائيل، وان تقارعها بجدارة وصلابة....ومن هذين المنظورين، ما كان على الحزب وأمينه العام، أن ينزلقا إلى مواقع التصفيق والتطبيل للنظام السوري، برغم كلفة الموقف وصعوبته.

 

من المؤسف حقاً، أن واحدة من أنبل ظاهرات المقاومة العربية وأشجعها، قد سقطت (أو أُسقطت) في اختبار "ربيع العرب"، وفقدت (أو أُفقدت) شعبيتها وصدقيتها، وباتت جزءا من "الثورة المضادة" في عيون كثيرين من الثوار...وأحسب أن على حزب الله، والسيد حسن نصر الله بالذات، أن يتوقفا مطوّلاً أمام هذه المشكلة/التحدي، لاستعادة البوصلة ووقف مسلسل الخسارة المتوالي فصولاً وحلقات.

============================

أحزان وأفراح وأتراح!!

محمد فاروق الإمام

الكلمات تعجز عن مواساة الإخوة الأتراك في مصابهم بالحدث الجلل.. الزلزال الذي ضرب جنوبها الشرقي قبل أيام وأودى بحياة المئات وشرد الآلاف.. والكلمات تعجز عن التعبير عن الفرحة التي انتابت شعب تونس الشقيق وهو يكحل عينيه بأول انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها نحو 90% من المواطنين بمليء حريتهم واختيارهم منذ إعلان الاستقلال عام 1956.. وتعجز عبارات التهنئة بكل ألوانها وبلاغتها للأشقاء الليبيين وقد سقط هُبل وقضي على أسطورة القذافي وانجلت الظلمة من سماء ليبيا بعد تلبد دام أكثر من أربعة عقود.. وذرف دمعة حزينة على الشعب اليمني الشقيق الذي يتعرض لقمع دموي واستهبال من دكتاتوره الأرعن المستبد الذي يتمسك بصولجان الحكم ضد إرادة شعبه، الذي يخرج متظاهراً بالملايين كل يوم منذ أكثر من ثمانية أشهر مطالباً برحيله.

أما الحديث عن سورية فالأمر جلل.. فلا زالت آلة القمع الأسدية تستبيح الإنسان السوري في الشارع متظاهراً سلمياً، وفي البيت مع أسرته آوياً، وفي جنازة الشهداء مشيعاً، وفي المسجد عاكفاً أو مصليا، أو إذا ما دفعته نخوته لإسعاف جريح ينزف.. فالمدن والبلدات والقرى السورية محاصرة ومقطعة الأوصال، تستبيحها قطعان الذئاب الكاسرة ومجموعات الضباع الجائعة التي يطلقها النظام الأسدي لتفتك بالسوريين، بغض النظر إن كانوا نساءً أو أطفالاً.. شيوخاً أو شباباً.. فالكل مستهدف والكل مطلوب، فمصاصو الدماء لا يتورعون حتى عن الجرحى والأموات ولا يميزون بين إنسان أو حيوان.

كل هذا القمع الفظيع والوحشي يحدث واللجنة العربية التي شكلتها الجامعة العربية في طريقها إلى دمشق بعد موافقة النظام على استقبالها بعد تردد وإحجام، وقد أعد جوفة من المقربين على أنهم يمثلون المعارضة، بعد أن أخفق في إقناع بعض رموز المعارضة في الداخل على اللقاء مع اللجنة، وستطالب هذه الجوقة (الديكور) لجنة الجامعة العربية بأن يكون الحوار مع السلطة تحت سقف الوطن، ودون أي تدخل خارجي سواء كان عربي أو أجنبي، دون الممانعة بوجود رمزي للجامعة العربية كمراقبين.

لقد كان أول بنود قرار الجامعة العربية الطلب من النظام السوري أن يتوقف فوراً عن قمع المتظاهرين السلميين ووقف عمليات القتل وسحب الدبابات من المدن وإبعاد كل المظاهر المسلحة من الشوارع، ورداً على ما طلبته الجامعة العربية لإنجاح مبادرتها، قام النظام بعكس ذلك بقتل وجرح واعتقال وتهجير المئات قبل الترحيب باللجنة والقبول بزيارتها لدمشق، تعبيراً عن رفضه لأي مبادرة عربية أو دولية، لوقف هذا القمع الأعمى والمجنون الذي يتبعه كوسيلة وحيدة لإجهاض الثورة التي انطلقت في سورية على امتداد رقعتها بكل مدنها وبلداتها وقراها منذ نحو ثمانية أشهر، مطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية ورحيل النظام الديكتاتوري والشمولي الذي جثم على صدر سورية لنحو نصف قرن، ذاق خلاله الشعب السوري كل طعم المرارات وألوان العذابات وفنون الفساد والتخلف، وتردي الحالة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصناعية والتجارية والمهنية، إضافة إلى فقدان أجزاء عزيزة من تراب الوطن (الجولان)، وهزائم وانكسارات عسكرية (حرب حزيران 1967 وحرب تشرين 1973 وحرب لبنان 1982 وضرب المنشأة النووية في دير الزور وضرب عين الصاحب العسكرية والتحليق فوق القصور الرئاسية)، ومشاركة الأعداء في احتلال بعض الأقطار العربية (احتلال الأمريكيين للعراق 2003) أو في دعمها في اعتدائها على البعض الآخر (دعم إيران في حربها مع العراق 1980-1988)، والتدخل بشؤون بعض دول الجوار ودعم الإرهابيين في إثارة القلاقل والخلافات والصراعات الطائفية بين أعراقها وطوائفها وفصائلها (لبنان وتركيا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية).

ستحل اللجنة العربية ضيفة على النظام وقد انقضت نصف المدة التي أعطتها الجامعة العربية مهلة للنظام السوري، كي يتوقف عن قمع المتظاهرين السلميين ويتوقف عن قتل السوريين المدنيين ويبدأ بالحوار الجاد مع المعارضة السورية برعاية الجامعة العربية وتحت سقفها، وهذا ما رفضه النظام على لسان مندوبه في الجامعة العربية قبل صدور بيانها، فماذا ترتجي هذه اللجنة من النظام السوري الذي أخل بأول بنود المبادرة التي تدعو النظام إلى الوقف الفوري للقمع والقتل، وسحب الدبابات وكل المظاهر المسلحة من المدن والبلدات والقرى السورية؟!

المجلس الوطني الذي يمثل المعارضة السورية الحقيقية في الخارج والداخل أعلن أنه يمكن أن يلتقي مع النظام تحت سقف الجامعة العربية فقط على أساس تسليم السلطة ورحيل النظام بكل مكوناته، وأعلن رئيس المجلس برهان غليون أن النظام سقط ولم يعد أمامه إلا الرحيل.

كما دعا غليون الشعب السوري إلى الإضراب العام في كل المدن والمحافظات السورية الذي يمكن أن يصل إلى العصيان المدني، الذي سيكون الضربة القاضية التي ستسرّع في سقوط النظام ورحيله، وقد بدأت العديد من المدن والبلدات في درعا ومحافظتها وحمص ومحافظتها وإدلب ومحافظتها ودير الزور ومحافظتها تنفيذ هذا الإضراب منذ أيام ولم يتمكن النظام بكل وسائل قمعه البربرية من ثني الناس عن هذا الإضراب الذي شل الحياة في تلك المدن والبلدات والقرى.

بقي من مهلة الجامعة العربية للنظام نصفها ولم يتحقق على الأرض أي شيء من طلباتها، فلا يزال النظام سادراً في غيه موغلاً في بطشه وقمعه، يسفك الدماء ويستبيح المحرمات والمقدسات، ويقصف المدن والبلدات والقرى بالمدفعية ويدك منازلها على رؤوس ساكنيها، مخلفاً الخراب والدمار والأنين والعويل والبكاء في كل مدينة أو بلدة أو قرية يدخلها قطعان شبيحته ورجال أمنه، فماذا سيكون عليه موقفكم بعد كل هذا الذي يقترفه النظام من آثام وفواحش إذا ما انتهت مدة الخمسة عشر يوماً التي أعطيتموها لهذا النظام وماذا ستفعلون؟!

الشعب السوري تعب من سماع الكلمات وهو بانتظار الأفعال.. مجَّ التصريحات النارية والمتخاذلة والبيانات المنددة.. يريد قرارات فاعلة تجسدها الوقائع على الأرض، فهذا النظام الذي لا يعرف سوى القمع والعنف لا يمكن كف يده إلا بالوسيلة ذاتها التي يفهمها، فهل سنسمع عن قرارات حاسمة للجامعة العربية تنصف بها الشعب السوري وتساعد في وقف المسلسل الدموي الذي يعيشه منذ أكثر من سبعة أشهر، قدم خلالها أكثر من خمسة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والمعتقلين والمهجرين، وعندها فقط سينشد الشعب السوري (بلاد العرب أوطاني.. وكل العرب إخواني)!!

============================

حزب "النهضة"، ونهضة تونس

أ.د. ناصر أحمد سنه

كاتب وأكاديمي

nasenna62@hotmail.com

النتائج الأولية لفرز الأصوات في أول انتخابات للمجلس الوطني التأسيسي بتونس، بعد الثورة، تدعو للتوقف عندها، وتأمل مدلولاتها.

 

رغم عقود متطاولة من الإقصاء والتهميش والتشوية والتخوين والتخويف والإضطهاد والتشريد والتعذيب.. فازت حركة/ حزب النهضة الإسلامي بأفضل نتيجة، وتبوأت صدارة المشهد ما بعد الإنتخابات.

 

رغم عقود متواصلة من القهر والطغيان والإستبداد ، سياسة الضرب "بيد من حديد"، كانت الثورة. وجاء التحرر والحرية، وفازت "النهضة"(بأكثر من 50% من مقاعد المجلس التأسيسي).

 

وكم كنا، ومازالنا، سعداء ونحن نري ألوفا مؤلفة، وطوابير ممتدة رجالاً ونساء، (نسبة المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي التونسي فاقت ال 90 % من الناخبين المسجلين في السجلات الانتخابية، وعددهم 4.1 مليون ناخب) متراصين غير متكاسلين، ولا سلبيين، كي يدلوا بقناعاتهم.، ويحققوا خيارهم.. وقد كان في "النهضة".

 

رغم عقود من سرقة تونس ونهبها وفسادها وإفسادها وإحتكارها رأي أغلبية التونسيون أن " الخلاص في النهضة".

 

رغم كل مظاهر "التجمل/ والتغني" بمعدلات نمو في حقبة المستبد الهارب. نعم أعلي معدلات "نمو رؤوس أموال السارقين والفاسدين والطغمة الحاكم البائدة". وها قد تبين أن غالبية الشعب التونسي، وبخاصة عموده الفقري.. الشباب/ المتعلم، المثقف، هم من المتعطلين الفقراء،المستنزفة مواردهم، المستلبة مقدراتهم، المسروقة ثرواتهم. وما "محمد البوعزيزي"، مفجر ثورة "تونس الخضراء" والعربة التي كان يعتاش منها ببيع الخضراوات عنها ببعيد. رغم كل هذا، وغيرهن يتطلع التونسيون لأيد غير ملوثة بدمائهم، لأيد غير ملوثة بسرقة مقدراتهم، لأناس ليس لديهم حسابات سرية مُهربة، وإحتكارات، وغسيل أموال، وممارسات غير مشروعة الخ.

 

رغم عقود من "الفرانكوفونية"، ومحاولات عابثة فاشلة عاجزة لإلحاق "تونس العربية الإسلامية"، "تونس الزيتونة" بركب فرنسا. هاهم التونسيون يستعيدون هويتهم العربية الإسلامية، وخير من توسموا فيه التعبير عنها "حركة النهضة الإسلامية".

 

رغم محاولات حثيثة، لم تكل ولم تمل، للجمهورية الأولي، ولحقبة "البورقيبية" في فرض "العلمانية" فرضا. والتلاعب وتغيير ثوابت من الشرع الإسلامي، وتهميش الجذور الإسلامية للشعب التونسي. عاد الشعب وقلب الطاولة، وطوي صفحة "جمهوريته الأولي"، لتولد الثانية من رحم الثورة. وليؤسسها كما يريد الشعب، لا كما فرضت عليه من قبل.

 

طويت صفحة دستورية سابقة من تاريخ تونس، وها هي تستشرف وضع دستور جديد، بروح الثورة، "عيش، حرية ، كرامة أنسانية". ورأت في "حزب النهضة" من سينهض بعبء كبير في وضع هذا الدستور الجديد. فسلمت الأمانة لمن تظن أنه "مؤتمن عليها".

 

 

بعد عقود في المعتقلات الداخلية، والمنافي الخارجية. مقتولين، مُعذبين، مطاردين، ملاحقين، هاهم "أصحاب النهضة" يعودون ليتحملوا المسئولية. ولا يقول قائل: إن هذه الكلمات والسطور تصنع "دكتاتورية جديدة". كلا وألف كلا، فبعد الثورة التونسية الرائدة لم يعد الزمان هو الزمان، ولا المكان هو المكان، فاقد انتزع الشعب حريته، وحسم قراره، وحدد مصيره، وملك زمام أمره، وعينه شاخصة مراقبة محاسبة. إن حركة يقودها الشيخ "راشد الغنوشي"، و"أخوته"، نحسبهم، وقد ذاقوا ما ذاقوا، بعيدين عن "صناعة الدكتاتورية" التي عانوا منها ما عانوا. لقد كنا، ومازلنا، نسمع ونري، الرجل/ المنفي/ المطارد/ الملاحق لايكف، وهو بحماسة الشباب، عن التعبير عن الثقة بنصر الله تعالي لتونس علي مغتصبيها. متطلعا، وقد جاء هذا اليوم لتنهض من كبوتها، وتستعيد مكانتها اللائقة بها، وقد كان.

 

فكانت "تونس الخضراء" الرائدة في الإنتفاضة العربية، والثورة علي الظلم والبغي والطغيان والإستبداد والفساد والإفساد. وهي تلك الدولة الوادعة الساكنة، بدلال، في خاصرة المتوسط. ولعل تقدمها/ تحررها داخل المتوسط، كان حافزا لها لقيادة قاطرة الثورة العربية فيها فضلاً عن مصر وليبيا واليمن وسوريا. لكن مع هوية مستعادة، ومفاصلة متميزة، وقطيعة حاسمة مع حقبة بائدة من غزو الشمال إلي الجنوب عبر ضفتي المتوسط.

فهاهم المصوتون في الخارج يمنحون "النهضة" نصف عدد المقاعد المصوت عليها.. خارجياً.

 

أيتها النظم الغربية الإستخرابية.. لقد فشلت كل محاولاتكم البائسة اليائسة، أنتم، وعملائكم، الذين تركتموهم خلفكم، بعد دحر الشعوب لكم. فشلت في أقصاء ودفن "روح الأمة وأصالتها وعروبتها وأسلامها".

 

لقد جئتم بالعسكر لإقصاء "جبهة الإنقاذ الإسلامية" في الجزائر لما نجحت في الجولة الأولي. لتفشلو أول أنتخابات حقيقة شهدها العالم العربي في تسعينيات القرن الفائت، ولتدخلوا الجزائر الشقيق في حرب أهلية دفع ضريبتها الشعب، ومقدرات بلده الغني. ومازال يعاني من جراء هذا التدخل السافر في شانه الداخلي. ويكفي الموقف المُخزي للنظام الجزائري من ثورة الشعب الليبي علي طاغوته، ومساندته للطغيان ضد رغبة الشعب الليبي في الحرية والتحرر. ولم يبد النظام الجزائري موقفا أيجابيا من المجلس الوطني الإنتقالي الليبي إلا علي استحياء ومتأخرا كثيرا. ولن ينسي له الليبيون ذلك الأمر.

 

لقد فشلتم وأعوانكم في أقصاء فصيل عربي أسلامي أساس عن الساحة السياسية. فهاهي الشعوب تختاره، وستختاره حيثما تحررت وملكت زمام امرها. لتسلك معه سبيل "نهضتها، ولتجرب معه، كما جربت، وتوجهت، شرقاً وغرباً، فباءت بفشل وهزيمة وطغيان وفساد وفق وأفقار وتبعية وتغريب وإذلال. و"لتتقدم به"، لما كرس العملاء تأخرها وإرتهانها، جملة وتفصيلا، وك"فناء خلفي، ومستعمرات سابقة".

 

فعوداً حميداً يا تونس.

وعوداً حميداً يا كل شعوب أمتنا العربية الإسلامية.

فلسنا كغيرها. لنا خصوصيتنا وهويتنا وتميزنا الذي لم ولن ننهض إلا مرتكزين علي دعائمه.

 

فيا حزب النهضة، و"حركته":

ها قد جاء دورك فتحمل مسئوليتك بجدارة. المسئولية كبيرة وثقيلة، وأنتم أهل لها.

ها هي الأنظار عليكم معقودة، وريادتكم مرصودة، فاجتهد للنهوض بتونس من كبوتها، واستبدال ارثها البائد.

لا تخيب ثقة الشعب التونسي فيك. أنتم منفتحون علي كل التيارات وإلإجتهادات والسياسات.

لستم بحاجة لهذه الكلمات لكنها تهنئة للشعب التونس، ولكم، وتذكرة:"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات:55)

============================

“السلميّة” مرة أخرى وأخيرة

مجاهد مأمون ديرانية

فأما أنها مرة أخرى فلأني سبق وأن كتبت مقالة كاملة عنوانها “إعادة تعريف السلمية” ومقالة كاملة عنوانها “حماية الثورة وحق الدفاع عن النفس”، ولأني كرّرت ما أقصده بالسلميّة حتى مللت من نفسي قبل أن تملّوا أنتم مني. وأما أنها المرة الأخيرة فلأني أدرك أنكم ستتوقفون عن قراءة ما أكتبه لو مضيت بتكرار المعاني نفسها بلا نهاية، ولأن علينا أن ننتقل إلى الخطوات العملية المفيدة لا أن نستمر بالدوران في تلك الحلقة المفرغة: سلمية، لاسلمية، سلمية، لاسلمية…

سأعرّف “السلمية” المقصودة للمرة الألف، واسمحوا لي أن أنقل فقرتين من مقالتين سابقتين:

قلت في مقالة “إعادة تعريف السلمية” التي كتبتها يوم الجمعة 9 أيلول: السلمية موقف تُمليه المصلحة ويُختار بمفاضلة أقل الضررين وليست مبدءاً أخلاقياً مطلقاً، والسلمية لا تعني الاستسلام لأن الاستسلام سلوك قبيح لا يلجأ المرء إليه إلا مضطراً وتجنباً لشر كبير. وقلت في مقالة “حماية الثورة وحق الدفاع عن النفس” التي كتبتها يوم السبت 17 أيلول: الفرق بين الثورة السلمية والثورة العسكرية هو في آليات التغيير. الثورة المسلحة تسعى إلى إسقاط النظام بالقتال والقتل، فتحمل جماهيرُها السلاحَ وتخوض معارك مسلحة ضد الخصم (النظام) فتقتل عناصره وتغتال رموزه وتهاجم مراكزه بالسلاح، ويمكن أن تلجأ إلى العمليات الانتحارية لاستهداف مراكز وشخصيات أمنية، إلى غير ذلك من أوجه استعمال السلاح بكل شكل متاح. بالمقابل فإن الثورة السلمية ترفض أن تستعمل السلاح في فعالياتها الثورية وتعتمد على الضغط الجماهيري البشري السلمي كما رأينا في سوريا حتى اليوم. لكن أجهزة النظام المجرمة لا تقتصد في حمل السلاح واستعماله، فتهاجم المتظاهرين العزّل بالرشاشات والقنّاصات وتقصف القرى والمدن بالمدافع وتقتحمها بالدبابات، أليس من حق الثورة السلمية أن تدافع عن نفسها ولو بالسلاح؟ وهل تتحول إلى ثورة مسلحة لو فعلت؟ بلى، من حق الثورة أن تدافع عن نفسها ولو بالسلاح. ولا، لن تتحول إلى ثورة مسلحة بمجرد الدفاع عن النفس.

* * *

أرجو أن يكون في الاقتباسَين السابقين ما يُغني عن أي تكرار لاحق وأن يوضح تماماً ما أعنيه كلما كررت مصطلح “سلمية” من الآن إلى آخر يوم في عمر الثورة بإذن الله، إذ لا يُعقَل أن أشرح المصطلح كلما استخدمته، ولا أريد أن يضيع الوقت في خلافات ومناقشات على الألفاظ لا على المعاني.

الذي أتمناه وأرجوه من إخواني الثوار الأحرار الكرام في سوريا هو أن لا يُعَسكروا الثورةَ نفسها، بمعنى أن لا يحوّلوها إلى ثورة عُنفية تسعى إلى التغيير بالسلاح، لا أن يتوقفوا عن الدفاع عن أنفسهم وعن ثورتهم. أنا لا أدعو إلى “السلمية المطلقة” ولم أكن يوماً من دعاتها، ورأيي أنّ مَن ضربني على الخد الأيمن فإني أضربه على خدّيه الأيمن والأيسر معاً، وإذا استطاع الثوار أن يدافعوا عن أنفسهم وعن أعراضهم وممتلكاتهم بالسلاح فليدافعوا بالسلاح، بشرط أن لا يتسبب دفاعهم المسلّح في ضرر أكبر من ضرر عدم الدفاع. فلا تخلطوا بين ما يروّجه البعض على أنه مبدأ أخلاقي صارم وبين ما نختاره لثورتنا من باب المصلحة.

للتوضيح وليفهم كل الناس الفرق بين الثورة السلمية والثورة المسلحة يكفي أن أقدم بعض الأمثلة على الثورات المسلحة، وبعد تأملها سنجد أن الثورة المسلحة تتميز بخمس خصائص تجعلنا نفكر ألف مرة قبل اختيارها طريقاً للتغيير في سوريا:

(1) النسبة الأعلى من الثورات المسلحة تنتهي إلى فشل.

(2) أكثر الثورات السلمية انتهت في أسابيع أو شهور، أما الثورات المسلحة فمن النادر أن تنتهي قبل مرور سنوات طويلة، ربما عشر سنوات أو أكثر.

(3) محصلة الضحايا في الثورات المسلحة تزداد على الأقل بمقدار خانة واحدة عنها في الثورات السلمية (أي أنها تتضاعف عشرة أضعاف فأكثر)، ودائماً يكون أكثر الضحايا من المدنيين.

(4) ليست الزيادة والمضاعَفات هي في أعداد القتلى فقط، بل تشمل جميع أنواع الإصابات، بما فيها أعداد الجرحى والحوادث البشعة كالتعذيب والاغتصاب، وأيضاً الخسائر المادية من نهب وتدمير.

(5) أخيراً فإن تسليح الثورة يحوّلها في أغلب الأحوال إلى حرب أهلية، وذلك لأن انتشار السلاح يشجّع على استثمار التناقضات الكامنة -من اختلافات عرقية ودينية وطائفية- واستقطاب أطرافها لهذا الطرف أو ذاك.

* * *

وإليكم -ختاماً- قائمة بعدد من الثورات المسلحة التي يعيها الكبار من أمثالي لأننا عاصرناها، وأكثرها تنطبق عليه أكثر الخصائص الخمس السابقة، أسردها فيما يأتي -مرتّبة تاريخياً- بلا تعليق وأختم بها المقالة:

(1) الثورة الكردية المسلحة بقيادة مصطفى البرزاني ضد نظام البعث في العراق (1961-1970): لم تحقق الثورة أي نتيجة تُذكَر. الضحايا من الطرفين 105 آلاف.

(2) ثورة الشيوعيين في ظفار أيام السلطان سعيد بن تيمور (1962-1975): انتهت بهزيمة الثورة. الضحايا من الطرفين 10 آلاف.

(3) الثورة اليمنية على النظام الملكي (1962-1970): شاركت فيها قوات مصرية، انتهت بسقوط النظام الملكي وولادة الجمهورية العربية اليمينة. الضحايا من الطرفين 126 ألفاً.

(4) ثورات مسلحة في كولومبيا (1964 إلى اليوم): لم يتحقق أي حسم بين أيّ من أطراف النزاع حتى اليوم، وغرقت البلاد في حكم العصابات وتجّار المخدرات. الضحايا 200 ألف أو أكثر.

(5) بيافرا (نيجيريا) (1967-1970): كانت ثورة مسلحة هدفها فصل إقليم بيافرا عن نيجيريا في دولة مستقلة، انتهت الثورة بالفشل وعاد الإقليم إلى نيجيريا. الخسائر نحو مليون قتيل.

(6) الصحراء الغربية (1975-1991): الثورة قادتها جبهة البوليساريو بهدف الانفصال عن المغرب، انتهت بلا نتيجة وبقي الإقليم تحت السيادة المغربية. الضحايا بحدود 24 ألف قتيل.

(7) ثورة موزمبيق (1977-1992): انتهت بانهيار النظام الماركسي الحاكم وإنشاء حكومة برلمانية. الضحايا 900 ألف قتيل.

(8) أفغانستان (1979-1989): انتهت الثورة بانتصار المجاهدين الأفغان وهزيمة الحكومة الشيوعية وانسحاب الجيش الروسي من أفغانستان. الضحايا أكثر من مليون.

(9) سيريلانكا (1983-2009): انتهت الثورة قبل نحو سنتين بالقضاء على جبهة نمور التاميل المتمردة وتصفية المتمردين والقضاء على قياداتهم. الضحايا نحو 100 ألف قتيل.

(10) السودان (1983-2005): النتيجة انفصال جزء من السودان في دولة مستقلة بدعم ورعاية غربية أميركية. الضحايا نحو مليونين.

(11) ثورة الأكراد في تركيا بقيادة حزب العمال الكردستاني (1984-اليوم): لم تحقق الثورة أي نتيجة حتى الآن. الضحايا 56 ألف قتيل.

(12) الثورة المسلحة في الجزائر (1992-2002): بدأت بسبب إعلان حالة الطوارئ وإلغاء الانتخابات التشريعية التي فاز فيها الإسلاميون، واستمرت عشر سنوات دون أن تحقق أي نتيجة. الضحايا نحو 200 ألف قتيل.

وبطبيعة الحال فإننا نعتبر الأحداث الدامية التي وقعت في سوريا في السبعينيات والثمانينيات نوعاً من أنواع الثورات المسلحة، وقد نتج عنها عشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المعتقَلين والمعذَّبين ومئات الآلاف من المشردين خارج سوريا، دون أن تؤدي إلى أي تغيير حقيقي.

============================

في سنة الابتلاء

الدكتور عثمان قدري مكانسي

الابتلاء من سنن الكون ، ففيه التمحيص والتربية والاختبار ورفع الدرجات وإبعاد الخبث وكشف المستور

وما يحصل من سورية من قتل وتشريد واعتقال وإيذاء وتعذيب ابتلاءٌ واختبارٌ لاستحقاق الأمة للنصر ، فلا يأتي النصر إلا بعد ابتلاء ومكابدة : (لقد خلقنا الإنسان في كبّد) .

وقد قال المولى تبارك شأنه في ذلك :

1-        ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم.- محمد

2-        إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً – الكهف.

3-        الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً – تبارك

4-        ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشر الصابرين – البقرة.

5-        فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول : ربي أكرمن ، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن. كلا- الفجر

6-        إن في ذلك لآيات ، وإن كنا لمبتلين.- المؤمنون

ولعلنا في هذا المقال نقف على بعض هذه الحكم من الابتلاء ، ونسأل الله العفو والعافية والنجاة من كل بلاء

للابتلاء حكم عظيمة منها :

-1 التحقق من العبودية لله سبحانه :

إن كثيراً من الناس عبدٌ لهواه وليس عبداً لله ، يعلن ظاهراً أنه عبد لله ، ولكنه إذا ابتلي نكص على عقبيه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين , قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) .

فالابتلاء تمحيص واختبار يظهر فيه صدق المدّعي. فالمؤمن الصادق في إيمانه يصبر لقضاء الله وقدره ، ويحتسب الأجر منه ، وحينئذ يهون عليه الأمر ، ويذكر عن بعض العابدات أنه أصيب أصبعها بقطع أو جرح ولكنها لم تتألم ولم تظهر التضجر فقيل لها في ذلك فقالت : إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها ، والمؤمن يحتسب الأجر من الله تعالى ويسلم تسليماً

ولا تتم عبودية السراء وهي الشكر وكذلك عبودية الضراء وهو الصبرإلا بأن يقلب الله عز وجل أحوال عبده حتى يتبين صدق عبوديته ، فإن كان المرء مؤمناً حقاً فإن كل أمره خير ،وذلك إن كان في سراء شكر فكان خيراً له

وإن كان في ضراء صبر فكان خيراً له فالسراء والضراء كلاهما خير له

بصبرهوشكره . قال تعالى :{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص

من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم

المهتدون} والمصيبة تشمل كل ما يسوء المرء قال بعضهم :

( لولا حوادث الأيام لم يُعرف صبرالكرام ولا جزعُ اللئام).

وعن أنس مرفوعا " أن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله اذا أحب قوما أبتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط"

وما أروع قول النبي صلى الله عليه وسلم : " عجبا لأمر المؤمن إن امره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن."

2- الابتلاء كفارة للذنوب

روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) رواه الترمذي.

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي .

وأخرج البخارى عن أبى هريره رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما يصيب المؤمن من وصب ولاهم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه

وقال صلى الله عليه وسلم ولا يزال البلاء بالمؤمن فى أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئه ، ومن كان من أهل الجنه فلا تزال هداياه من المكاره تأتيه حتى يخرج-

3- إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض

قيل للإمام الشافعي رحمه الله : أَيّهما أَفضل : الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين ؟ فقال : التَّمكين درجة الأنبياء ، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة ، فإذا امتحن صبر ، وإذا صبر مكن ( المحنة أولاً والصبر عليها ثانياً ، والتمكين جزاء الصبر على المحنة وهو المرحلة الأخيرة ) وكم من عبد لم توجه إلى الله إلا لما فقد صحته وذلك إن على العبد عبوديه فى الضراء كما أن عليه عبوديه فيما يحب وأكثر الناس من يعطى العبوديه فى المكاره والشأن فى إعطاء العبوديه فى المكاره وفيها تتفاوت مراتب العباد وبحسبها تكون منازلهم عند الله من الدنيا نقياً.

 

4- رفع المقام والدرجات

روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ) . فإن الله سبحانه أثنى على الصابرين ثناءً كبيراً وأخبر أنه معهم وأنه يوفيهم أجرهم بغير حساب ، والصبر درجة عالية لا ينالها إلا من أبتُلي بالأمور التي يُصبر عليها فإذا صبر نال هذه الدرجة العالية التي فيها هذا الأجر الكثير ، فيكون ابتلاء الله للمؤمنين بما يؤذيهم من أجل أن ينالوا درجة الصابرين ، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم الناس إيماناً واتقاهم لله وأخشاهم لله كان يوعك كما يوعك الرجلان

واذا نزل المرض بالعبد فحمد الله بنى له بيت الحمد فى جنه الخلد

أخرج الترمذى عن جابر مرفوعا يود أناس يوم القيامه أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض فى الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء

وما أجمل هذا الحديث وأروعه: روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :

إذا مات ولد لعبد قال الله عز وجل لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟

فيقولون : نعم .

فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟

فيقولون : نعم .

فيقول : ماذا قال عبدي ؟ .

فيقولون : حمدك واسترجع .

فيقول : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة ، وسموه بيت الحمد .

 رواه الترمذي في سننه

وشُدد عليه صلى الله عليه وسلم عند النزع كل ذلك لأجل أن تتم له منزلة الصبر فإنه عليه الصلاة والسلام أصبر الصابرين ، ومن هذا يتبين لك الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمن بمثل هذه المصائب ،

5- الابتلاء تفكر وتدبر في الحال والمآل:

ليس الابتلاء عقوبة ، ولكنه كما ذكرنا تمحيص وجلوٌ للنفس وتدريب على تحمل المسؤولية ، وتفكر في الدنيا المنتهية والآخرة المقبلة ، وتبرير لفع الدرجات وتقديم من يستحق التقديم ، وتأخير من يستحق التأخير ، والابتلاء تفكر في الماضي وعزم على التصويب للمستقبل . ورحلة إلى عاقبة من سبق خيراً أو شراً ..

6- الابتلاء يخرج العجب من النفوس ويجعلها أقرب إلى الله .

قال ابن حجر : " قَوْله : ( وَيَوْم حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ ) رَوَى يُونُس بْن بُكَيْر فِي " زِيَادَات الْمَغَازِي " عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ : قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ : لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْهَزِيمَة .." التي أقر بها المسلمون فعادوا إلى ربهم بالاستغفار والذل ، فنصرهم حين عادوا إليه .

قال ابن القيم في زاد المعاد :

" واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته " .

وقال الله تعالى : ( وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ )

قال القاسمي :

" أي لينقّيهم ويخلّصهم من الذنوب ، ومن آفات النفوس . وأيضاً فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين ، فتميزوا منهم. .........ثم ذكر حكمة أخرى وهي ( ويمحق الكافرين ) أي يهلكهم ، فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبطروا ، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ، إذ جرت سنّة الله تعالى إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم ، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم والتسليط عليهم ... وقد محق الله الذي حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر جميعاً " .

7- الابتلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل

الإنسان ضعيف بنفسهلا يملك شيئاً من القوة إلا إذا قواه الله تعالى ، لا حول له ولا قوة إلا بربك ، فتتوكل عليه حق التوكل ، وتلجأ إليه حق اللجوء ، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء ، والعجب والغرور والغفلة ، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه ، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه . ولو دامت للعبد جميع أحواله لتجاوز وطغى ونسى المبدأ والمنتهى،ولكن الله سلط عليه الأمراض والأسقام فيجوع كرها ويمرض كرها ويموت كرها ، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياه ولا نشورا،أحيانا يريد أن يعرف الشىء فيجهله ويريد أن يتذكر الشىء فينساه وأحيانا يريد الشىء فيه هلاكه ويكره الشىء وفيه حياته بل لا يأمن فى أى لحظه من ليل أو نهار أن يسلبه ربه ما أعطاه

قال ابن القيم في زاد المعاد:

" فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه : أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه "

8- إظهار حقائق الناس ومعادنهم . فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلا في المحن

قال الفضيل بن عياض : " الناس ما داموا في عافية مستورون ، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ؛ فصار المؤمن إلى إيمانه ، وصار المنافق إلى نفاقه "

ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلائِل" عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ : اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير - يَعْنِي عَقِب الإِسْرَاء - فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ : أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق . فَقَالُوا : وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة ؟ قَالَ نَعَمْ , إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ , أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء , قَالَ : فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق

9- الابتلاء يربي الرجال ويعدّهم لتحمل المسؤولية:

لقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد ، منذ صغره ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال ، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها ، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها .

نشأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيماً ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى ماتت أمه أيضاً .

والله سبحانه وتعالى يُذكّر النبي صلّى اللّه عليه وآله بهذا فيقول : ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) .

فكأن الله تعالى أراد إعداد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحمل المسئولية ومعاناة الشدائد من صغره .

10- ومن حكم هذه الابتلاءات والشدائد : أن الإنسان يميز بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء المصلحة

كما قال الشاعر:

جزى الله الشدائد كل خير *** وإن كانت تغصصني بريقي

وما شكري لها إلا لأني *** عرفت بها عدوي من صديقي

11- الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها

والله عز وجل يقول : ( وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ ) ، ويقول سبحانه : ( وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ )

فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة ؛ فإنَّ الله تعالى يقول : ( وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ ) والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر .

وإذا استمرت الحياة هانئة ، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله ، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه .

12- الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور

إن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا ، في حياة لا مرض فيها ولا تعب ( وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ ) ، أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ : ( لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ ) . أما كونه يعطي العصاة والفساق والفجار والكفار العافية والرزق يدره عليهم فهذا استدراج منه سبحانه وتعالى لهم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر . فهم يُعطون هذه الطيبات لتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ، ويوم القيامة ينالون ما يستحقونه من جزاء ، قال الله تعالى : ( ويوم يُعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) فالحاصل أن هذه الدنيا هي للكفار يُستدرجون بها وهم إذا انتقلوا إلى الآخرة من هذه الحياة الدنيا التي نعموا بها وجدوا العذاب والعياذ بالله ، فإنه يكون العذاب أشد عليهم لأنهم يجدون في العذاب النكال والعقوبة ، ولأنه مع فوات محبوبهم من الدنيا ونعيمهم وترفهم ، وهذه فائدة ثالثة يمكن أن نضيفها إلى الفائدتين السابقتين فيما سينال المؤمن من الأذى والأمراض ، فالمؤمن ينتقل من دار خير من هذه الدنيا فيكون قد انتقل من أمر يؤذيه ويؤلمه إلى أمر يسره ويفرحه ، فيكون فرحه بما قدم عليه من النعيم مضاعفاً لأنه حصل به النعيم وفات عنه ما يجري من الآلام والمصائب

13- الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية

فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة ، ولم تتذوق حلاوتهما ، ولم تقدِّرهما حق قدرهما .

المصائب تذكرك بالمنعِم والنعم ، فتكون سبباً في شكر الله سبحانه على نعمته وحمده .

14- الابتلاء يشوّق إلى الجنة

لن تشتاق الجنة إلا إذا ذقت ألم الدنيا ومرارتها , فكيف تشتاقها وأنت هانئ في الدنيا متمسك بها ؟ أخرج ابن حبان فى صحيحه عن ابى هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليكون له عند الله منزله فما يبلغها بعمل فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ، ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته ومع هذا فربها يرحمها . (مَّايَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً)

فهذه بعض الحكم التي وقفت عليها في سنن الابتلاء وحكمة الله تعالى فيها نسأل الله تعالى أن ينفعنا بها إنه أكرم مسئول ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

========================

الانتخابات التونسية وتأثير الدومينو

بقلم/ حسام الدجني

في منتصف القرن الماضي وصلت الشيوعية كأيديولوجيا ونظام حكم إلى أعلى درجات القمة، بحيث بدأت كل الدول التي تخضع للنفوذ الشيوعي -منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي سابقاً- تؤثر على جيرانها، مما دفع الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور إلى طرح نظرية الدومينو في خطابه الشهير الذي ألقاه عام 1954.

ونظرية الدومينو ظهرت في الولايات المتحدة وتقول بأنه إذا كانت دولة في منطقة معينة تحت نفوذ الشيوعية فإن الدول المحيطة بها ستخضع لنفس النفوذ عبر تأثير الدومينو.

ولم تكن نظرية الدومينو بعيدة عن عالمنا العربي، فربيع الثورات العربية تأثر بتلك النظرية، فمن ثورة تونس التي فجرها الشهيد محمد بوعزيزي الذي رفض القهر والظلم وأعلن بدمائه الزكية عن انطلاق مشروع التخلص من الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية في المنطقة العربية، فأسقط الشعب التونسي نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لينتقل ربيع الثورات إلى دول أخري ليعلن عن سقوط أنظمة كلاً من مصر وليبيا، ومازالت اليمن وسوريا تنتظر، وربما تشهد مناطق أخرى في عالمنا العربي ثورات سلمية للتخلص من مرحلة الاستبداد.

وبما أن الرئيس الأمريكي أيزنهاور طرح نظرية الدومينو للتعبير عن تأثير الأيديولوجيات وقصد الشيوعية بالذات، فإن ملامح تأثر عالمنا العربي بعد ربيع الثورات العربية بنظرية الدومينو بدأت تظهر للعيان، حيث بدأت ملامح نتائج العملية الديمقراطية تتكشف، وتعلن انتصار الإسلاميين، وهذا بدأ بالفعل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس، والتي حصدت حركة النهضة ذات الجذور الاخوانية بقيادة المفكر الإسلامي راشد الغنوشي على نصف مقاعد المجلس البالغة 217 مقعد.

وتنبع أهمية المجلس الوطني التأسيسي من حجم مهامه في المرحلة المقبلة، حيث يقع على عاتقه صياغة دستور جديد لتونس، وإقامة سلطات تنفيذية جديدة، والقيام بمهام التشريع خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد حتى تنظيم الانتخابات العامة وفق الدستور الجديد.

وضمن نظرية الدومينو، وحسب المؤشرات على الأرض، فنحن أمام تكرار مشهد فوز الإسلاميين في مصر، بحيث أولى تلك المؤشرات على فوز الإخوان المسلمين بدأت في الانتخابات النقابية، بحيث اكتسحت جماعة الإخوان في مصر منصب نقيب الأطباء، وكذلك حصدت مقاعد العاملين في جامعة قناة السويس بفروعها الثلاث، ومازالت العملية الانتخابية في الجسم النقابي مستمرة، ولكن مصر على موعد خلال شهر نوفمبر القادم مع المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، والتي تشير التوقعات إلى فوز حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان بها.

وفي حال حكم الإخوان في كل من مصر وتونس، فنحن أمام مشهد تأثر الدول المجاورة وخصوصاً ليبيا الحرة، واليمن، وسوريا، بنظرية الدومينو الإسلامية، ولا أحد ينكر أن أحد محركي ربيع الثورات العربية هي القضية الفلسطينية، وبذلك قد يكون لفوز الإسلاميين في فلسطين عام 2006م، ممثلين بحركة المقاومة الإسلامية حماس، نواة التأثير على المنطقة برمتها نحو تشكيل الشرق الإسلامي الكبير، وهو مرادف للرؤية الأمريكية والصهيونية للشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وهذا ليس خيالاً، فمعالمه بدأت تتشكل، وقبول العالم بنظام إسلامي وسطي معتدل أصبح أمراًُ واقعاً، ونستطيع القول بأن الإسلاميين لو أحسنوا أداء تجربتهم في الحكم، فإن نواة دولة الخلافة الإسلامية ستنطلق من الرحم العربي الإسلامي، لتصل إلى العالم الإسلامي، ويتحقق حينها الوعد الإلهي بإقامة دولة العدل، دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة...

Hossam555@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ