ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 24/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الثقة بنصر الله-1

الشيخ مجد مكي

نحن في بداية القرن الخامس عشر الهجري... ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) رواه أبو داود وصححه الحاكم.

وإنَّ التفاؤل يملأ قلوبنا، ويحدونا أن نتطلع بيقين وشوق لمشرق جديد لأمة الإسلام... وقد بدت لنا إرهاصات هذا المشرق مع إطلالة هذا القرن الجديد...

هناك حوادث نراها بقلب الإيمان إرهاصات ويراها غيرنا نذر سوء..

فاشتداد الحملة على الإسلام والمسلمين نعدها من إرهاصات النصر القريب، ويراها غيرنا نذر سوء لا تبشر بخير ولا تبعث على الأمل... ونرى بحس المؤمنين أن هذه الحملات الشرسة على الإسلام وأهله، ما كانت لتنبعث من أعداء الله بهذا العنف لولا شعورهم بضخامة الصحوة الإسلامية وبخطورتها عليهم.

وها هي طلائع المجاهدين في كل مكان قد انطلقت، وبدأ رجال الإسلام يحملون أرواحهم فوق أكفهم، ويقذفون بها في ساحات الوغى، دفاعاً عن الإسلام، وجهاداً في سبيل إعلاء كلمة الله لتكون الحاكمية لله وحده.

لقد هبَّ دعاة الإسلام في هذا الخضم المتلاطم من الهزائم والنكبات يسيرون بالأمة نحو الطريق القويم، طريق الجهاد في سبيل الله، الطريق الذي يؤدي إلى النصر المبين.

ومما يدعَمُ الثقة بالنصر حاجة العالم اليوم إلى دعوة الإسلام لانقاذه من الشقاء والضياع والتمزق النفسي... فإن التجربة التي خاضتها شعوب العالم لكل مبادئ المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، أظهرت إفلاسهما، ناهيكم عن التطلعات التي نسمعها هنا وهناك في رحاب المعسكر الغربي والشرقي إلى منقذ جديد، يعيد للروح رُواءَها، بعد أن تلطخت على سعير المادية، وفي قمامة المدنية الحديثة، وقهر الميكانيكية الصماء، وما حملات الجرائم التي تغيب فيها مطية الأمن... وما الإحصائيات المتعاقبة التي تشير إلى تفاقم جرائم الاعتداء على الحياة إلا دليلا ً على ما نقول... ولن تجد البشرية المنقذ إلا في الإسلام.

ومما يبشر بالنصر أيضاً وجود القاعدة الصلبة الواعية المتينة التي تتمثل في جيل مؤمن راسخ الإيمان بعقيدة الإسلام يصبغ بها حياته، ويضحي من أجلها بكل غالٍ ويحميها ويدفع عنها كيد الأعداء... ولا يهدأ له بال حتى تكون كلمة الله هي العليا وتقوم دولة الإسلام لتؤدي دورها نحو البشرية... هذا الجيل المؤمن هو الذي يقوم عليه البناء في استقرار وشموخ ويكون السعير الموقد للمعركة يبذل الدماء واللهب، ويتجلى بالوعي والفهم عن كتاب الله، وعلى أكتافه يبنى النصر بإذن الله. وهناك سنن ثانية للنصر بين يسار عليها ظفر ومن تنكبها خسر.

ومقومات النصر النهائي سبعة أمور.

1 الطاعة: وتستمد الطاعة مصادرها من النصوص القرآنية الآمرة:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] {النساء:59}. فإذا كانت طاعة الله ورسوله واجبةً فقد وجبت طاعة الفئة المتعينة لنصرة دين الله... وعبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما يرويه البخاري ومسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني... ومن يعصي الأمير فقد عصاني)، والأمير هنا وأولو الأمر هم أولو السلطة الذين يحكمون بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا تلزم طاعتهم في معصية الله، ولما فُقد الخليفة في هذا الزمان وجب الإسهام بكل طاقة مع من يقومون بنصر الدين لإقامة الخلافة... هذا وإن انتصار أيِّ فئة تدخل حلبة الصراع لا يتم إلا بتعاون أفرادها والتزامهم لأمر قيادتهم الالتزام غير المستأني خشية فوات المبادهة وما أكثر ما يسارعنا العدو... ولنا في مخالفة الرماة يوم أحد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما أصاب المسلمين يومها، عظة وأي عظة: [وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ] {آل عمران:152}.

2 القائد الكفء: فالقيادة المتميزة عامل من عوامل النصر... ومن أهم صفات القائد أن يكون موضع ثقة رجاله، وأن يتحمل المسؤولية ولا يلقي بتبعاتها على الآخرين.

وأن يعرف مزايا رجاله ويولي الرجل المناسب العمل المناسب... ويساوي نفسه برجاله ولا يستأثر دونهم بالغُنْم ويلقي عليهم بالغُرْم... مثل هذا القائد يسير جنوده معه حتى الموت... ويقود جنوده إلى النصر المبين.

وهذا أبو بكر رضي الله عنه الذي تتمثل فيه أهمية القائد الكفء... بموقفه الجازم أمام المرتدين بعد أن تراخى عمر وطالبه بمهادنتهم في أمر الزكاة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعه) وبذلك حَسَمَ مادة الخلاف وحمل الصحابة على القتال وقضى على المرتدين.

والمسلمون في اليرموك كانوا يقاتلون أرسالاً وعزين حتى جاءهم خالد بن الوليد فجمعهم تحت راية واحدة وكتب الله النصر على يديه... وكان لكفاءته الحربية وحنكته العسكرية الأثر الكبير في إحراز النصر على الروم... وفي معركة حطين كان الفضل الأول لانتصار المسلمين على الصليبيين يعود إلى قيادة صلاح الدين... وفي معركة عين جالوت يعود الفضل في انتصار المسلمين على التتار إلى قيادة قطز... وها نحن اليوم بحاجة إلى قائد جديد تجتمع عليه الكلمة ويبادر العدو ويناجزه...

3 الكلمة المجتمعة: إن وحدة الصف واجتماع الكلمة عامل من أهم عوامل النصر... والله سبحانه وتعالى: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ] {الصَّف:4}. وإن الذين يواجهون الإسلام يواجهونه بقوى جماعية، وتجمعات ضخمة، فلابد لجنود الإسلام أن يواجهوا أعداءه صفاً صفاً سوياً منتظماً صفاً متيناً راسخاً.

وصوناً لهذا البنيان المرصوص أن يتهاوى ولهذه الرابطة القوية أن تضعف حذر القرآن الكريم المؤمنين من التخاصم والتنازع وحثهم على التواد والتحاب وإصلاح ذات البين:[ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] {الأنفال:46}. وإن من العوامل الأساسية لجمع الكلمة وتناسي الخلاف وضع المسلمين أمام هدف مشترك وعدو متربص فهل آن لنا أن نوحد صفنا نوجه جهودنا لمناجزة عدونا المتربص بنا.

إن هذه القضية بمنتهى الأهمية... وقد تبدت ثناياها من خلال الفكرتين السابقتين فلولا اجتماع الجنود حول أبي بكر وخالد وسعد وصلاح الدين لما كان ثمة نصر، ولما تفرقت كلمة المسلمين في الأندلس ذهبوا حديث التاريخ، ويد الله مع الجماعة حيثما تكون.

4 التقوى: إن التزام التقوى أساس كل ما ينبني عليه... والله سبحانه وتعالى يحب المتقين، وهو وليهم وناصرهم في كل معركة يخوضونها في سبيله: [وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ] {الجاثية:19}.:[ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ] {آل عمران:76}. [إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] {النحل:128}.

وإن الله عودنا نحن المسلمين أن لا يكون التمكين إلا بمقدار قربنا من جنابه... وسلوا التاريخ وواقعنا المرير واستخرجوا من ذلك العبر... وما أحرانا اليوم أن نتدبر وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقائد جيشه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (آمرك ومن معك من الأجناد أن تكونوا أشدَّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون لمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا قوة بهم؛ لأن عددنا ليس كعددهم،ولأن عدتنا ليست كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا.

5 الصبر والثبات: الصبر والثبات عند لقاء العدو هو بداية طريق النصر... وقد أمرنا الله عزَّ وجل بالصبر والثبات:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {الأنفال:45} . وقال عز وجل:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {آل عمران:200}. وقد ناط القرآن الغلبَ على الأعداء الكثيرة بالصبر فقال تعالى [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ(65) الآَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(66)]. {الأنفال}..

والصبر على مشاقِّ الجهاد وما يصحبه من نقص الأموال والأنفس والثمرات...:[أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ] {البقرة:214}. [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] {آل عمران:142} .

والصبر على النصر المؤقت... عندما يكون للمؤمنين غلب في أثناء المعركة... فهو صبر النفس أن يصيبها غرور النصر، وإن النعم كالنقم تحتاج إلى صبر وثبات... ولقد كان درس غزوة أحد درساً لا ينسى للغرور بالنصر المؤقت... فلو صبر الرماة لما كانت تلك الجراح الشديدة التي أصابت إخوانهم وغيَّرت وجه المعركة من النصر إلى الهزيمة.

6 إعداد العدة: من أهم دعائم الجهاد، وركائز النصر الاستعداد للجهاد، والله سبحانه و تعالى يقول: [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ...] {الأنفال:60}.

ومن حق هذه الآية أن نتدبرها ونقف عند كل كلمة من كلماتها.

فكلمة (أعدوا) كلمة واسعة الدلالة تشمل كل ما يمكن الاستعانة به في مقاومة الأعداء من قوى مادية ومعنوية... وقوله تعالى:[وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] {الأنفال:60} . ففيه حدود التكليف بإعداد القوة... وهي في حدود الطاقة إلى أقصاها بحيث لا يقصر المسلمون عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتهم... أما كلمة قوة: فقد وردت نكرة لتشمل جميع أنواع القوة المعروفة اللازمة للانتصار في كل زمان ومكان، وتمشياً مع توجيه الوحي وسياسة الواقع، درب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على فنون الحرب واشترك معهم في الاستعداد للمعارك، فقد كان عليه الصلاة والسلام يحث المسلمين على أن يتدربوا على الفروسية والسباحة والرمي بالنبال.

جاء في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إنَّ القوة الرمي، إلا إن القوة الرمي )

وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على نفر ينتصلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارموا بنو إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، ارموا، وأنا مع بني فلان، قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ما لكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم فقال النبي ارموا فأنا معكم كلكم).

ولقد كشف القرآن الكريم للمؤمنين منابع القوة وعناصرها، وتبين لهم أنها في الحديد، و ما يستخرج منه من المصنوعات النافعة:[لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {الحديد:25}.

وفي هذا تأكيد بأن الحق لابد له من قوة تحميه وتدافع عنه حتى تتحقق سنة الله في النصر، وهذه قضية يشهد لها التاريخ ويقرها الواقع... وإذا نظرنا إلى تاريخ الإسلام وجدنا أمته لما تسلحت بالقوة واعتمدت عليها عاشت مهيبة الجانب مرهوبة المكانة، فكان سلطانها هو السلطان، وكان الإسلام هو القوة والقوة هي الإسلام، وظل الإسلام وبلاد الإسلام بمنأى عن عبث العابثين، وطمع الطامعين، ولما نزعت القوة من أيديهم أصبحوا أشلاء مبعثرة تهددهم قوى الباطل في كل مكان وتنذرهم بالفناء في كل وقت، فما أحرانا أن نبذل أقصى الجهد في إعداد القوة المادية والمعنوية ليتحقق لنا النصر المبين.

7 البذل والتضحية: وإن القرآن ليحرض المؤمنين على القتال وبذل المهج في سبيل الله وذلك بتصحيح حقيقة الحياة والموت في نفوس المؤمنين حتى لا تحجم عن القتال في سبيله فالحياة والموت بيد الله وحده، وأن لكل نفس أجلاً لا يقدمه القتال ولا يؤخره القرار: [أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ] {النساء:78}. [قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ] {آل عمران:154}.

وبعد أن حرَّر الله سبحانه النفس من الخوف من الموت أبان سبحانه عن مصير الذين يقتلون في سبيله: [وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ] {محمد:4}. [وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ] {البقرة:154}. [وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] {آل عمران:169}. [وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ] {الحج:58}. [وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] {آل عمران:157}.

وقد باع المجاهدون أرواحهم لله بالجنة، وقد أشاد القرآن الكريم بهذه الصفقة الرابحة:[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ] {البقرة:207}.

وما أجمل ههنا كلام الإمام ابن القيم في تزهيده من الحياة أثناء حديثه عن الحياة بعد الموت في كتابه مدارج السالكين، المرتبة التاسعة من مراتب الحياة حياة الأرواح بعد مفارقتها الأبدان وخلاصها من هذا السجن وضيقه، فإنَّ من ورائه فضاء وروحاً وريحاناً وراحة، نسبة هذه الدار إليه كنسبة بطن الأم إلى هذه الدار أو أدنى من ذلك قال بعض العارفين: لتكن مبادرتك إلى الخروج من الدنيا كمبادرتك إلى الخروج من السجن الضيق إلى أحبتك والاجتماع بهم في البساتين المونقة.

قال الله تعالى في هذه الحياة: [فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ] {الواقعة:89}.

ويكفي في طيب هذه الحياة مرافقة الرفيق الأعلى، ومفارقة الرفيق المؤذي المنكد الذي تنغص رؤيته ومشاهدته الحياة، فضلاً عن مخالطته وعشرته إلى الرفيق الأعلى مع الذين أنعم عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً في جوار الرب الرحمن الرحيم، مدارج السالكين ص 274 .

إننا نثق بنصر الله وإن وعد الله واقع، وكلمة الله قائمة: [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ] {الصَّفات:173} . هذه هي الحقيقة أن دعوة الله غالبة منصورة مهما وضعت في سبيلها العوائق، وقامت في طريقها العراقيل، ومهما رصد الباطل من قوى الحديد والنار، وقوى الدعاية والافتراء وقوى الحرب والمقاومة.

وإن هي إلا معارك تختلف نتائجها ثم تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لرسله الذي لا يختلف، ولو قامت قوى الأرض كلها في طريق، الوعد بالنصر والغلبة والتمكين... [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ] {الصَّفات:173}.

والمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة وحين ينظر الإنسان اليوم إلى الحرب الهائلة التي شنَّها أعداء الإيمان على أهل الإيمان في صورها المتنوعة من بطش وضغط وكيد في عهود متطاولة بلغ في بعضها من شدة الحملة على المؤمنين أن قتَّلوا أو شرِّدوا وعذبوا وقطعت أرزاقهم وسلطت عليهم جميع أنواع النكاية، ثم بقي الإيمان في قلوب المؤمنين.. حين ينظر الإنسان إلى هذا الواقع في المدى المتطاول يجد مصداق قول الله تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {المجادلة:21} .

إن وعد الله قاطع جازم:[إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] {غافر:51}. بينما يشاهد الناس أن الرسل ومن سار على دعوتهم... منهم من يقتل، ومنهم من يهاجر من أرضه وقومه مكذباً مطروداً... وإن المؤمنين فيهم من يسام العذاب، وفيهم من يلقى في الأخدود وفيهم من يستشهد، ومنهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد... فأين وعد الله لهم بالنصر في الحياة الدنيا؟ ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل ويفعل بها الأفاعيل... ولكن الناس ينظرون إلى ظواهر الأمور بالمقاييس المادية ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كبيرة... إن الناس يقسون بفترة قصيرة من الزمان، و حيِّز محدود من المكان وهي مقاييس بشرية صغيرة، فأما المقياس الشامل فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة من الزمان والمكان، ولا يضع الحدود بين عصر وعصر ولا بين مكان ومكان... إن عنصر الزمن لا يقاس بأعمار الأفراد ولكن يقارن بأعمار الأمم والدعوات وإن المعركة صراع بين الحق والباطل والحق باق والباطل زهوق:[بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ] {الأنبياء:18}. [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ] {الرعد:17}.

إن الابتلاء طريق النصر والله سبحانه وتعالى يقول:[حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا] {يوسف:110}.

روى البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال:أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت، ألا تدعو لنا... فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لهذه العجلة من صاحبه وألقى عليه درساً في الصبر على بأساء اليوم، والأمل في نصر الغد فقال: (قد كان من قبلكم يمشط بأمشاط الحديد ما دون عظم من لحم أو عصب، ويوضع المنشار على رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هاجر من مكة مطارداً مضطهداً... يسير بالليل ويختفي بالنهار... فيلحقه الفارس المغامر سراقة بن مالك وفي رأسه أحلام سعيدة بمائة ناقة من حمر النعم... ولكن قوائم فرسه تسوخ في الأرض، ويدركه الوهن، وينظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول له: يا سراقة كيف بك إذا ألبسك الله سواري كسرى؟ فيعجب الرجل ويقول: كسرى بن هرمز؟ فيقول: نعم.

ويذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويبدأ في كفاح دام مرير، وتأتي غزوة الأحزاب، فيتألب الشرك الوثني بكل عناصره، والغدر اليهودي بكل تاريخه، ويشتد الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قريش وغطفان من خارج المدينة، واليهود والمنافقون من الداخل ؛ موقف عصيب صوره القرآن بقوله:[إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا] {الأحزاب:11}.

في هذه الساعات الرهيبة التي يذوي فيها عود الأمل ويخبو شعاع الرجاء، ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة... في هذه اللحظات والنبي صلى الله عليه وسلم يسهم مع أصحابه في حفر الخندق حول المدينة، يحدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الغد المأمول، والمستقبل ا لمرتقب حين يفتح الله عليهم بلاد كسرى، حديث الواثق المطمئن الذي أثار أرباب النفاق، فقالوا في حنق وضيق: إنَّ محمداً يعدنا كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وحده! كما حدث عنهم القرآن الكريم: [وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا] {الأحزاب:12}.

ماذا تسمي هذا الشعات الذي يبزغ في دياجير الأحداث، فينير الطريق، ويبدد الظلام؟ إنه الأمل والثقة بنصر الله:[ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {الرُّوم:6}.

وأختم هذه الكلمات بباقة عطرة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تنير القلوب بأشعة الأمل، وقوة الرجاء في مستقبل الإسلام، وانتصار المسلمين بعون الله الواحد:

1 روى ابن حبان في صحيحه: ( ليبلغن هذا الأمر (يعني هذا الدين) ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعزُّ الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر).

2 وروى أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ثوبان مرفوعاً: (إن الله زوى لي الأرض أي: جمعها وضمَّها فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها).

3 روى أحمد والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم عن أبي قبيل قال: كنت عند عبد الله ابن عمرو بن العاص وسئل: أيُّ المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا الله بصندوق له حِلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني القسطنطينية وروية هي روما عاصم ايطاليا، وهكذا كانت تلفظ كما في معجم البلدان وقد فتحت الأولى وبقيت الثانية ولن يتخلف ما بشَّر به الصادق المصدوق.

4 روى أحمد والبزار عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مرفوعاً: ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً يعني فيه ظلم فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فيه قهر وجبروت فتكون ماشاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ) وقد تحقق جلَّ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الخلافة الراشدة، والملك العضوض، والملك الجبري، وبقيت الخلافة المنشودة الموعودة بها، ولابد أن تتحقق إن شاء الله ولكن يجب أن نعمل لتحقيقها وإيجادها، وإنما توجد وفقاً لسنن الله بعمل العاملين وجهود المؤمنين.

5 روى أحمد والبخاري: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون للناس).

إن هذه الأحاديث تطمئن القلب أن هذا الدين سيعود لينقذ الإنسان المعذب ويأخذ بيده من الهوة السحيقة إلى المرتقى السامق بعون الله تعالى.

وهناك أحاديث كثيرة صحيحة تشير أن نهاية اليهود ستكون في فلسطين وأن الجيش الذي سيقاتلهم جيش مسلم حتى يقول الشجر والحجر: (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله). وسيتحقق ذلك بعون الله كما تشرق الشمس وتغرب بعون الله تعالى.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

=========================

نموذج لمواجهة الإمام البنا للضغوط والأزمات

د. محمد عبد الرحمن المرسى

عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

مقدمة :

إن المشروع الإسلامي الذي أحياه وجدده الإمام الشهيد، مازال مستمرا وسيظل بإذن الله ليحقق أمل الأمة الإسلامية ويواجه التحدي العالمي ، بقدم ثابتة ورؤية متكاملة .

ونحتاج أحيانا إلى إلقاء بعض الضوء على جوانب ومجالات جاهد فيها الإمام الشهيد ، ووضع لها مسارات واستراتيجيات ؛ وذلك لنتعرف بدرجة أكبر على أبعاد المشروع الإسلامي ، وعلى وسائل وميادين العمل الدعوي ، وعلى جوانب من الإنجاز العملي تجاه قضايا وأحداث هامة.

وهذه الدراسة الموجزة لا تعني أنها قد ألمت وأحاطت بكل الحقائق والأبعاد ، ولكنها مجرد إلقاء لضوء بسيط ، وسيبقى الأمر في حاجة إلى مزيد من إلقاء الضوء ، وكشف جميع الحقائق والأعمال ؛ أداءً لأمانة الدعوة في حقها علينا وحق الأجيال القادمة في معرفة تاريخها .

وهو يدخل ضمن سلسلة :

" المفاهيم الإسلامية في مجال الدعوة "

والله الموفق وهو الهادي لسواء السبيل .

 

نموذج لمواجهة الإمام البنا

للضغوط والأزمات

  إن الراصد لأسلوب الإمام البنا وطريقته في مواجهة الصعاب والضغوط، وفى التعامل مع الحكومات أو مختلف الأعداء، ليدرك مدى عمق رؤيته ومدى براعته وحكمته .. كان الإمام الشهيد يدرك تماماً أن الأنظمة والحكومات فى عدائها للدعوة والجماعة لا تتحرك من دوافع ذاتية فقط، وإنما تخضع للتأثير والتوجيه الأجنبى الذى يستهدف السيطرة على هذه البلاد وإنفاذ مشروعها ومخططها، وأهدافها الحالية والمستقبلية.

وأن هذه القوى عندما تضغط أو تدفع وتحفز هذه الأنظمة التى تحولت إلى أدوات رخيصة فى يد الأجنبى – لضرب الجماعة – فإنها لا تبالى برد فعل الشعب تجاهها أو بالأثر السلبى الذى يعود عليها أو على الوطن ككل.

ولهذا كان الإمام الشهيد يحرص على ألا يستعجل الصدام والمواجهة أو يلجأ إلى الاستفزاز، بل وعند المواجهة لا يوسع من مساحتها ولا يصعّد من مراحلها، ولا يمكنهم من تصفية الجماعة بردود أفعال غير متزنة أو مدروسة، بشرط ألا يؤثر ذلك على جوهر العمل والحركة.

وإذا فُرضت على الجماعة هذه المواجهة أو ذلك الصدام، واجهه الإمام بصبر وثبات وحرص على استمرار العمل بوسائل شتى، وتحقيق تماسك الجماعة والثبات على الأهداف والمبادئ مهما حدث.

  عندما خرجت المظاهرات من الأزهر بقيادة الإمام الشهيد تجاوبًا مع القضية الفلسطينية ارتفعت بعض الشعارات التى تندد بالملك وتهتف بسقوطه، فوجههم الإمام أن يهدف بعضهم بعدها ب " يحيا الملك" وتمت المظاهرة وحققت أهدافها، وبذلك استطاع أن يلطف من جو الاستفزاز الذى قد سببته بعض الشعارت، ليواصل بعدها العمل الجماهيرى وحشد الشعب لتأييد القضية الفلسطينية.

  كما كان الإمام يحرص على أن يبقى هناك باب مفتوح، مع القوة المعارضة والمنافسة، ومع الحكام، حتى مع ألد أعداء الدعوة ممن ينتسبون إلى الوطن .. وذلك ليتمكن من إرسال الرسائل التى تحقق مصلحة الدعوة وتقلل من حدة العداء والاستعداء، كما يمكن عن طريقها نزع فتيل بعض الأزمات أو تأجيل حدوثها أو حتى تخفيفها إذا حدثت، مما يحقق مساحة أوسع للدعوة وتهدئة للأجواء حولها، فالدعوة تنمو تنطلق فى الجو الهادئ المستقر، وجهود الإصلاح تكون ثمرتها أسرع فى تلك الأحوال الهادئة.

  كان الإمام حريصاً على فتح قنوات اتصال عن طريق عناصر متعاطفة أو وسيطة تحب التفاهم مع الجماعة، أو قادرة على حمل رسالة محددة، لجميع القوى التى حكمت البلاد فى هذه المرحلة.

وعندما ازداد الضغط على الجماعة فى محنة 1948، وكان يعلم جيداً الضغط الخارجى، وأن النظام والملك يستهدف الجماعة ويستهدف قتله، استمر يحاول فتح قنوات الاتصال وتهدئة الأحوال وإرسال الرسائل حتى آخر لحظة، وذلك لتهدئة الضغط والرد على الأسباب الواهية التى افتعلوها لضرب الجماعة، وليس ذلك خوفاً أو جزعاً وإنما لصالح الدعوة والتفافاً حول المعوقات والضغوط.

والإخوان مع ذلك لا يهابون المعتقلات والسجون أو يساومون بها على دعوتهم أو يجعلهم ذلك يحجمون ويتأخرون، وإنما ميزان الفصل فى هذا هو متطلبات الخطة ومستهدفاتها، والحرص على مصلحة الدعوة ومراعاة الضوابط الحاكمة فى تلك المرحلة، ويحتملون كل أذى فى سبيل دعوتهم.

  والإمام الشهيد فى حركته ودعوته لا ينطلق من مجرد رؤية محدودة أو رد فعل لأحداث، وإنما كانت له رؤيته الاستراتيجية وتخطيطه بعيد المدى وضوابطه وتوجهاته الحاكمة لخطواته وحركته ووسائله.

ففى الوقت الذى كانت الأحزاب والقوى الوطنية مفتونة بتشكيلاتها العسكرية المسماة بالقمصان الخضراء والزرقاء والحمراء .. الخ وتقوم باستعراضاتها وفرد عضلاتها وسطوتها، وتفرح بتهليل فئات من الشعب لها والحديث عن قوتها، رفض الإمام الشهيد أن يجاريها فى ذلك رغم المغريات وحماس الأفراد، وكان أن أصر على تشكيل فرق الكشافة والجوالة بالشورت والقميص الكاكى وبالشارات المتعارف عليها فى نظام الكشافة.

وقد كان رحمه الله موفقاً فى ذلك، فبعد عدة سنوات تم حل تلك التشكيلات العسكرية بقرار نهائى، وبقيت جوالة وكشافة الإخوان فى الميدان لأنه لم يكن ينطبق عليها ذلك، وهى أيضاً تشكيل رسمى معترف به دولياً .

  وعندما ضغطت عليه مجموعة من الأفراد بالجماعة بشأن اتخاذ مواقف عنيفة واللجوء إلى بعض مظاهر القوة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومجاراة بعض الأفعال التى صدرت من تجمعات وقوى أخرى مثل مصر الفتاة، رفض هذا النهج لأنه خروج على الاستراتيجية والضوابط الحاكمة، مما تسبب فى خروج وانشقاق تلك المجموعة من الشباب التى عرفت بشباب محمد، ثم ما لبثت الأحداث أن احتوتها واستوعبتها، وأثبتت الأيام مدى عمق رؤية الإمام الشهيد.

  وفى مذكرات الدعوة والداعية يذكر الإمام الشهيد أول معركة مواجهة مع الإدارة الأجنبية بشأن المسجد الذى تم إنشاؤه فى شركة الجباسات بالإسماعيلية وانتداب الشيخ محمد فرغلى رحمه الله لإدارة المسجد والتدريس فيه، فقامت تلك الإدارة بمحاولة إقصاء الشيخ فرغلى واستبداله بآخر من عندها حتى لو تطلب الأمر غلق المسجد، وذلك لمواجهة تأثيره الدعوى والإصلاحى على عمال الشركة.. ونرى فى هذه الواقعة كيف أدار الإمام هذه المواجهة ببراعة واقتدار، فقد تمسك الشيخ فرغلى والإخوان معه بمكانه وعمله بالمسجد، وتصاعد الأمر حتى وصل إلى محافظ القنال الأجنبى ومأمور الإسماعيلية، وهددوا باستخدام القوة، فلم يتراجع الشيخ فرغلى وتجمهر عدد كبير من العمال، وأمسك الإمام الشهيد بجميع الخيوط، مع التأكيد على صلابة الموقف فاتصل بالعضو المصرى الوحيد فى مجلس إدارة الشركة حيث سافر له الإمام لمقابلته بالقاهرة وناقشه فى الأمر رغم عدم تجاوبه معه وكذلك قابل مدير الشركة الأجنبى وأوضح له بأسلوب هادئ نواحى خطئه وأن المشكلة ليست فى المسجد وإنما فى أسلوب معاملتهم للعمال. وتعامل كذلك مع المأمور فأوضح له خطورة تصعيد الأمر وأن العواقب قد تسوء إذا حدث رد فعل من العمال الغاضبين، ثم طرح الإمام الشهيد حلاً للأزمة تفاوض معهم عليه، وبعد أخذ ورد تم الاتفاق على أن يبقى الشيخ فرغلى شهرين حيث هو وتقوم الشركة بتكريمه عند انتهاء هذه المدة وأن تطلب رسمياً من الإخوان أن يحل محله واحد من المشايخ، وأن تضاعف للشيخ الجديد راتبه .. الخ .

وبذلك نجح الإمام فى إدارة هذا الصراع وحقق كل أهدافه كاملة، مع بعض التنازلات البسيطة الشكلية التى لا تؤثر وأخذ مقابلها مكاسب كثيرة.

وهذا مجرد نموذج فحياة الإمام وجهاده مليئة بالكثير من تلك المواقف.

  كما كان الإمام الشهيد يراعى فى حركته ونشاطه أن يكون مظهر الجماعة أقل من حقيقتها، وأن يكون تقدير الأعداء لمدى قوتها أقل من الحقيقة والواقع، وألا تنخدع الجماعة بالظواهر عن حقائق الأحداث، فللدعوة ميزان غير ميزان الآخرين ورؤيتهم، ليس ذلك تهويناً لشأن الدعوة وهيبتها، وإنما فى هذه المرحلة من تربص الأعداء بها، يستهدف الإمام من ذلك أن يقلل من تحفز الأعداء ضدها ومسارعتهم إلى ضربها، أو يهدئ من شدة الضربات الموجهة إليها.

  لقد وافق الإمام على التنازل عن الدخول فى الانتخابات عام 1942 وركز على الحركة بهدوء والانتشار العملى بين الجماهير رغم توتر الإنجليز وتشديد قبضتهم على البلد وإعلان الأحكام العرفية، ولم يتراجع الإمام فى ذلك الجو عن مبادئ دعوته أو أن يفصل بين الدعوة والسياسة، وليراجع من شاء رسالة المؤتمر السادس عام 1941 وهى تؤكد على نفس المبادئ والأهداف.

وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى كانت الجماعة قد وصلت لمرحلة جديدة من القوة والانتشار لم يكن يتصورها الآخرون.

  لكن يحدث فى بعض الأحيان والمواقف، أن يظهر للآخرين مدى قوة الجماعة مثلما أدرك الأعداء فى معارك فلسطين، ورأوا من بطولات الإخوان والنماذج العالية التى قدموها فى الثبات والإقدام وحسن التخطيط ما أزعجهم بشدة، ورغم هذا لم يستخدم الإمام هذه القوة فى مواجهة السعديين عندما حاربوا الجماعة وسجنوا الكثيرين من أفرادها.

  وهذا الأمر لا يجعل الإخوان يغترون بفضل الله عليهم أو يسارعون للتحدى قبل الأوان، أو يكون هذا مبرراً للتخاذل والقعود، بل يحرص الإخوان أن يطمئنوا المنزعجين والمتخوفين ولا يخرجهم الإنجاز وأقوال الناس، عن استراتيجيتهم وضوابط حركتهم وخطتهم الحكيمة.

  وإذا استحكم شيء فى مواجهة الدعوة أو أظلمت الدنيا من حولهم لم يفقد الإخوان ثقتهم ولم تهتز خطواتهم، بل أحسنوا التوكل على الله ولجأوا إلى الدعاء والاستغفار وطلب العون من الله، وحرصوا على دعاء السحر وقيام الليل، فهذا هو باب النجاة والفلاح بعد استفراغ الجهد من الأخذ بالأسباب (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))

[ الطلاق : 2 ، 3 ]

========================

يا دعاة السلمية: انظروا ماذا فعلت سلميّتكم

مجاهد مأمون ديرانية

الذين اخترعوا هذا التعبير دأبوا على استعماله تعليقاً على كل خبر مؤلم، كأخبار التعذيب والقتل والاغتصاب وأمثالها. وهذا السياق مضلّل لأنه يعتمد على “مفهوم المخالفة” ليوحي بأن الثورة المسلحة لا تتسبب في أيّ قتل وتعذيب واغتصاب، فهل هذا الإيحاء صحيح؟

يجب أن يدرك الناس أن السبب في المعاناة هو الثورة ذاتها وليس شكلها، فلو رضي السوريون بأن يستمروا في الحياة عبيداً للأسد وآل الأسد وعصابة الأسد هم وأولادُهم وأولادُ أولادهم لما قُتلوا وجُرحوا وعُذّبوا واغتُصبوا، أمَا وقد قرروا أن يكسروا تلك الحلقة الشريرة، حلقة الاستعباد والاستبداد، وأن يولَد لهم في الحرية والكرامة أولاد، فإنهم قد وافقوا -ضمناً- على دفع الثمن ولو غلا ولو زاد.

المنطق إذن هو المقارنة بين حجم الإصابات والآلام التي سيتحملها الشعب السوري في حالة الثورة السلمية وتلك التي سيتحملها في حالة الثورة المسلحة، وليس تحميل أيّ من الطريقين المسؤوليةَ عن تلك الإصابات والآلام حَصْراً وكأنّ الطريقَ الآخر لا آلامَ فيه ولا إصابات، وهذا الأمر يستحق نقاشاً واعياً عميقاً منصفاً ليس هنا محله.

حتى الآن لم أسمع أن أحداً سجل حقوق المُلكية لاستعمال التعبير السابق، فهو إذن تعبير مباح يستطيع من شاء أن يستعمله كيف يشاء، ومن ثَمّ فإن من حقي أن أستعمله بطريقتي كما استعمله غيري بطريقته، فاسمحوا لي أن أتحدث عمّا فعلته سلميّتكم يا دعاة السلمية، وهذا هو باختصار:

(1) أخرجتم إلى شوارع سوريا ملايين الشرفاء ليطالبوا بحرّيتهم غيرَ هيّابين موتاً ولا اعتقالاً ولا تعذيباً، من رجال ونساء وصغار وكبار في مدن ونواحي سوريا كلها.

(2) بدأتم بثلّة صغيرة من “المحتجّين” وانتهيتم بأمّة كاملة من “الثائرين”، ورفعتم سقف مطالب الشارع من عزل محافظ مدينة صغيرة إلى إعدام رئيس البلاد.

(3) حررتم مناطق واسعة من سوريا من سيطرة النظام جزئياً أو كلياً، لفترات قصيرة أو طويلة، وبالمحصّلة جعلتم النظام عاجزاً عن استعادة كامل سيطرته على كل المناطق في كل الأوقات.

(4) أدخلتم في قلوب جبابرة النظام الرعبَ وحَرَمتم مجرميه -صغارهم وكبارهم على السواء- من هناءة النوم في الليل وراحة البال في النهار، وصيّرتم حياتَهم قلقاً متصلاً من غد مظلم مجهول.

(5) بدأتم بتصديع الجيش السوري الذي أنفق النظام أربعين سنة في بناء ولائه المطلق، حتى صارت الانشقاقات وحوادث التمرد في صفوف العسكريين أخباراً عادية بِتنا نسمعها كل يوم.

(6) نقلتم سوريا إلى واجهة أخبار العالم، فصارت مظاهراتكم في صدر صفحات الجرائد وعلى رأس نشرات الفضائيات في شرق العالم وغربه.

(7) دخلت ثورتكم إلى المجتمع الدولي من أوسع أبوابه، فوصلت إلى الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن، وصارت الشغلَ الشاغل للمؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية والعالمية.

(8) حركتم بضحاياكم وشهدائكم ضمير الأمة الإسلامية، حتى صارت “القضية السورية” في هذه الأيام قضيةً محورية من أهم قضايا الأمة وصارت شغلاً شاغلاً للمسلمين في كل البلاد.

(9) فضحتم كذبة النظام السوري الكبرى التي أنفق عشرات السنين في ترويجها، فانقلب عليه الملايين من العرب والمسلمين الذين خدعَتهم في الماضي شعاراتُه الكاذبة عن الممانعة والصمود.

(10) القناع سقط بفضلكم عن وجه حلفاء النظام في لبنان الذين نسبوا حزبهم لله كذباً زوراً، وأحبطتم في أشهر قليلة خطةً أنفقت إيران في تنفيذها -لمدّ نفوذها في المشرق الإسلامي- ثلثَ قرن ومئات الملايين من الدولارات.

* * *

ما سبق ذكره قليلٌ من كثير مما صنعته الثورة السلمية حتى الآن، فيا دعاةَ السلمية: ارفعوا رؤوسكم عالياً وتيهوا فخراً على كل ثوار العالم؛ لقد صنعتم بسلميّتكم أعظمَ الثورات وأعجب الثورات في هذا الزمان. يا أيها الأحرار: احفظوا عني هذه الجملةَ فإني أحاججكم بها أو تحاجّونّي في الغد القريب: ثورتكم السلمية في وجه طاغية الشام الأكبر ونظامه الفاجر ليست لها سابقة وقد لا تكون لها لاحقة، فلا تعجبوا إن رأيتموها غداً مادة تُدْرَس في معاهد الدراسات وتُدرَّس في كبريات الجامعات.

على أنني قلت من قبل وسأكرر مرة ومرات: السلمية قرار تفرضه المصلحة، فالثورة اختارتها لأنها أقل كلفةً من المواجهة المسلحة، ولو ثبت العكس لتركتها وانتقلت إلى العمل المسلح.

حتى الآن يبدو أن السلمية أفضل وأقل كلفة، فأرجوكم حافظوا عليها حتى يثبت العكس. لكن لا تنسوا أيضاً أن السلمية المحمودة تختلف عن الاستسلام البغيض، وأن من حق الثورة أن تدافع عن نفسها وأن تطلب الحماية من عدوها السفاح. تحدثت عن هذه المعاني في مقالة سابقة كتبتها قبل شهر (حماية الثورة وحق الدفاع عن النفس)، ولكنها ما تزال حديثَ الساعة ومحلّ الخلاف الأكبر بين أطراف الثورة، فاسمحوا لي أن أناقشها مرة أخرى في المقالة التالية والتي بعدها، مع اعتذاري المسبق عن بعض التكرار الذي يفرضه السياق.

============================

حتى إذا بلغ أشدّه

الدكتور عثمان قدري مكانسي

قال تعالى:

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ....... حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) سورة الأحقاف

لما ذكر تعالى في الآية التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في آيات عدة من القرآن كقوله عز وجل" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً " ، وقوله جل جلاله " أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير " إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة وما ذلك إلا أن الله تعالى سببُ الخلق فهو المعبود بحق ، أما الوالدان فأداة الوجود ولولاهما ما جاء الولد،. وقد أمر المولى تعالى بالإحسان إليهما والحنوّ عليهما لفضلهما الكبير عليه " حملته أمه كرها " فقاست بسببه الكثير إذ حملته مشقة وتعبا من وحم وغثيان وثقل وكرب إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة " ووضعته كرها " فكانت المشقة أيضا من الطلق وشدته " .

الحديث الشريف الذي أمر بالإحسان إلى الوالدين ذكر الأم ثلاث مرات بحسن الصحبة وذكر الأب مرة واحدة ( من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال أمك ...) فلما قالت الآية ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ) ذُكر الأب والأم مرة واحدة فلما أتبعه ( حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ) ذُكرت الأم مرتين في الحمل والوضع فاكتمل ذكرها ثلاث مرات . فكان التوافق بين الآية والحديث واضحاً .

وبلوغ الأشد أن يصير المرء قادراً على الزواج مدركاً أوليات الحياة ، فيوسف عليه السلام بلغ في الآية ( حتى إذا بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً ) ثلاثة عشرة سنة أو أكثر بقليل . أما الحديث عن موسى عليه السلام في قوله تعالى ( حتى إذا بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً ) فقد زاد في الآية كلمة ( استوى) الدالة على تجاوزه العشرين سنة وأكثر ، والاستواء أكثر قوة وتحملاً ومتانة .

وفي هذه الآية نرى عطف كلمة ( أربعين ) بالواو على قوله : (حتى إذا بلغ أشده ) فدل العطف على وجود محذوف يفهم من السياق ، كأن تقدّر : قويَ وشبّ وارتجل و تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه فصار أباً أو جَدّاً وخبر الحياة ( وبلغ أربعين سنة )

ويخطئ من ظن أنّ الأربعين هي الأشد ، ودليل ذلك قوله تعالى في إعادة المال لليتيم الذي بلغ أشده ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه) والأشد هنا حسن التصرف بالمال من بيع وشراء وغير ذلك . ومن قدر على الزواج في سن الرابعة عشرة قدِر على التصرف بماله ، فليس من المعقول أن يسترد اليتيم ماله في الأربعين ! فالأربعون إذاً سن الكمال العقلي والفهم والإدراك فكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السنّ أهلاً للرسالة التي كلفه الله تعالى بها .

ويقال إنّ الإنسان لا يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الأربعين .قال القاسم بن عبد الرحمن : قلت لمسروق متى يؤخذ الرجل بذنوبه قال إذا بلغت الأربعين ، فخذ حذرك . وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنّ العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه ، وإذا بلغ ستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه ، وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته ، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفعه الله تعالى في أهل بيته وكتب في السماء أسير الله في أرضه " { من الدرر السنية وقالوا : إنه صالح الحُجّيّة },

وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياءً من الناس ثم تركتها حياء من الله عز وجل وما أحسن قول الشاعر :

 صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل ابعُد

ويبدأ بعد سن الأربعين – سن الكمال – منحنى الضعف فما بعد الكمال – وهذه سمة كل مخلوق - إلا النقص ، ولا بد من شكر المولى الذي حبانا حياة طويلة ، فيتجه الإنسان إلى مولاه سبحانه يحمده ويشكره على :

1-        النعمة التي يتقلب في أعطافها ، ويعيش في أكنافها .

2-        وعلى ما أنعم الله به على والديه اللذين ربياه التربية الصالحة ، فيشكره عنهما وهذا غاية في البِر والإحسان إلى الوالدين .

3-        ويسأله أن يتم نعمته عليه في ذرية صالحة تدعو له وتكمل ما بدأه من خير.

4-        ويعلن توبته عما يغضب الله تعالى ويؤوب إليه مستغفراً ، وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها

5-        أن يدعو الله تعالى أن يرشده إلى الهدى ويحفظ عليه النعمة ، فقد روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد :

 " اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها أتممها علينا " .

=========================

"لا نيابة عن الشعب" ..أليس كذلك ؟!

د. جمال حضري

   قديما كانت الكلمة تقتل صاحبها لأنه لا يستطيع مخالفة ما يلزم به نفسه. وقد حدث للشاعر المتنبي مثل هذا الاختبار الجسيم حين أراد النجاة من القتل فقيل له: ألست القائل:

الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

فقال: قتلتني يا هذا.

ولطالما دندن الحاكم العربي بشرف الكلمة وقدسية المبدأ ورمى الخصوم بخيانة حق الشعب في التعبير عن أفكاره، فكل ما لا يستهوي هذا الحاكم سرعان ما يوصم بمخالفته لآراء الشعب وفرض الوصاية عليه والحاكم وحده هو من يحتكر صوت الشعب وهو وحده الوصي على معتقده واختياره. وكم رأينا من عجائب الأفكار وغرائب المواقف ليس وراءها ولا أمامها من تبرير سوى أن الحاكم يدعي أنه يمثل إرادة الشعب وهواه. فإذا سمع صوت ينشز عن معزوفته رفعت في وجهه المقولة السائرة: لا نيابة عن الشعب، ولا وصاية عليه. ولأن الأمور بخواتيمها هاهي تلك المقولات ذاتها تذبح قائليها وتختم مصائرهم من حيث لم يحتسبوا!!

   كم بذل الحاكم العربي من موارد الدولة في سبيل ترسيخ هذا التوجه الحصري والاستحواذ القسري على حق تمثيل الشعب وما يستتبع ذلك من تسخير قنوات التواصل للصوت الواحد بل اختزال التواصل في عملية إيصال وحيدة الاتجاه من الحاكم إلى الشعب في لعبة ممجوجة تدمج صوت الشعب في صوت الحاكم وتبث صوت الحاكم على أنه صوت الشعب؟

   كم أمضى الحاكم العربي من عمر حكمه وهو يقزم كل هيئات التمثيل الشرعية ومن يشغلونها، فهو يتعمد ألا تعيش إلا على هامش الحياة وكأنها خارج الزمن في مناقشاتها أو مواعيدها الانتخابية، وحتى لعبة الانتخاب تتعرض إلى حملة من "التسخيف" والتصوير "الساخر" تجعل من نتائجها والفائزين فيها أضحوكة الناس، بل يتعمد الحاكم أن تبرز لهذا النائب صورة الانتهازي والمتملق لرضى الحاكم بدل رضى الشعب تأكيدا على أن المرجعية الفعلية مستمدة من الحاكم لا من المحكومين. وحتى المنفذون الذي يؤدون عنه كل وظائف التسيير لا يظهرون إلا في صورة الخدم المسخر الذين لا ينبسون بقرار جليل أو حقير إلا باسم الحاكم، ولا يتم إنجاز إلا برعايته مع حرص مكين على نسبتها جميعا إليه بما يترك السامع محتارا من القوم أهم في مناصبهم مؤهلين بكفاءاتهم أم موضوعين فيها قدرا مقدورا ويتحركون إلا بالمهماز ولا يعبرون إلا بالإلغاز.

   لصالح من يا ترى هذا التقزيم المريع لكل من يدور حول الحاكم حتى يبدو كالهالة المتسلطة على الأنفاس، وكالهول المتربص بالناس. أترى الحاكم الفطن كان يمد ناظريه إلى أبعد من قوائم عرشه وهو يرى حوله دبيب المسؤولين غدوا ورواحا يستمطرون "حكمته ورأيه" ولا يخرجون على الناس إلا لتذكيرهم بسابغ نعمه عليهم وطول يده من مشاغبيهم؟

   لقد تمكن الحاكم العربي بلا شك من خلال فلسفة "أنا الدولة" أن يعيش هانئا آمنا لعهود وعقود من شر المحكومين. ولكنه الأمان الذي بلّد لديه الإحساس بسنة الحياة ودورة الزمان. وإلا فهل يبقى الناس يعيشون أبدا على الوهم، وهم أنهم شعب ذو سلطة، ووهم أن لديهم دولة تحكمها مؤسسات، ووهم أن لديهم مجالس تمثيلية توصل صوتهم وتبلغ بحاجاتهم، ووهم أن لديهم جيوشا همها تحصين موطنهم ودفع غوائل الغدر من أعدائهم، ووهم أنهم أصحاب الشأن فيما يخرج من باطن الأرض وما يطير في أجوائها، وأنهم أولا وآخرا أصحاب الكلمة فيمن يلي ومن يذهب. لا بد أن يأتي اليوم لينتهي الوهم وتشرق الحقيقة، حقيقة أن الشعب باق والحاكم إلى زوال. وكان من الممكن الإفضاء إلى هذه الحقيقة بالسلاسة التي ترتقبها الأمم المتحضرة حيث يعلم كل مسؤول أنه مثلما جاء سيذهب يوما تاركا لغيره الدور والدولة. فهل ترك الحاكم العربي ليوم التداول مجالا حتى يتم "بالتراحم والتغافر" أم تراه استحال عليه حتى التفكير فيه فكان المخرج الدموي والولادة الفجائعية التي تحزن كل عاقل؟

   ها قد أطل زمن التغيير!! فهل بين الحاكم العربي وشعبه من يصل الخيط ويسعى بالحسنى؟ من سيؤدي هذا الدور الخطير في لحظة السيف والبندقية؟ لا أحد ..لا أحد !! ألم يجتهد الحاكم العربي ألا يكون بينه وبين الناس أحد؟ ألم يقزّم كل من حوله حتى غدوا كالدمى المشوهة التي لا تحسن إلا الضجيج والعويل؟ فليواجه اليوم مصيره وحيدا أمام الشعب الثائر، الشعب الهادر بعد كبت، الناقم بعد ظلم، المقتص بعد ضيم. و إذ "لا أحد ينوب عن الشعب في تحصيل حقه" كما كان يصدح بها الحاكم وهو يريد بها شرا، فليواجه بها قدره حيث لم يبق لنفسه عند الناس مكرمة تدفع عنه نقمتهم.

   كان الأمر على خلاف هذا المصير الأهوج لو أقام الحاكم العربي للناس مؤسسات جديرة بثقتهم وأحاط نفسه بكل من يقربه منهم ويمد خيط الوصال بينه وبينهم، وبالغ في تكريم هذا الرهط العزيز وحفظ ذكرهم لأنهم وجوه الدولة وخلطاء الشعب وكل ما يهين مقامهم سيعود بالوبال على كيانها ذاته، وادخر من المعروف والعدل ونظافة اليد للمكاره والشدائد. فأين الحاكم العربي من هذا كله؟

   لقد عبَّد طريق الشر بكل ما أبدعته يداه من صنوف البطش، ورسخ في أفئدة الناس صور المكروه، وتفنن في الهيمنة والتسلط حتى أصبح العنوان الأوحد على كل ما تموج به البلاد من مساوئ، ثم أسكت كل فرصة يتنسم فيها الناس حريتهم وغدر بكل من يرون فيه سبيلا إلى غدهم، فكان حريا بعد كل هذا أن تمتلئ القلوب عليه حقدا لا شفاء منه وتترصد له الأعين والأيدي بكل ما تقع عليه، كيف لا وهو الذي سعى ألا يكون بينه وبينهم أحد تجبرا وتسلطا. ها هي إذن واقعة المصير المحتوم، والخاتمة المرتقبة في ساحة أراد الحاكم أن تكون دائما له وحده لا يشاركه فيها أحد ولا ينوب عنه فيها أحد، فليذق طعم الواحدية والتوحد.

هو الشعب لا غيره من قام إلى حقه يفتكه بيديه بعد أن استبعد الحاكم كل كفاءة واقتدار. هو الشعب لا أحد غيره، الذي طالما تغنى الحاكم بالقرب منه وادعى الإحساس بطموحاته، نهض اليوم على غير ما قدر الحاكم وتوقع، لينال حريته بالشكل الذي سمحت به عنجهية الحاكم العربي وعناده وعماه.

لقد تبخرت تحت مراجل الحقيقة المرة كل ما طبخته يدا الحاكم من أصناف المكائد، وتناثرت تحت أقدام الجموع الثائرة كل الأكاذيب والشعارات التي لم تطعم جوعتهم ولم تغن معرّتهم. وكالمارد الذي لم يعد يثنيه عن مطلبه خوف أخذت هذه الجموع الثائرة بالزمام كأن لم تكن هي ذاتها التي لطالما تغنت أبواق الحاكم بسكونها ورضاها بما يصنع.

أي غرور وأي وهم سكن رأس الحاكم العربي حتى استكان للرمال الساكنة وما درى أنها تدرب الأجيال الغضة على الجلََد والعناد، وأي علة هذه التي ألمت بهذا الحاكم حتى استهان بالتململ المتعاظم وقد بدت أماراته المبرقة منذ حين في "فناء الدار أو فناء الجيران"؟ ألم يعقل أنه منذ ضرب ظهور الناس بسياط الحرمان، وأخلّ بعهد الخدمة واستحل خيراتهم بغير حق وداس على بساط حرماتهم وانتهك العزيز من عرضهم إنما بدأ فعلا بشحذ مخالبهم ليخمشوا سلطانه وبحدّ أنيابهم لينهشوا ملكه وبقتل إحساسهم ليستمرئوا مصرعه؟

فهل وجد الحاكم العربي عند شعبه ما أعدّهم له؟ اللهم نعم ...وزيادة!!

========================

الاحتمال الوحيد في مسار ثورة شعب سورية .. تعدّد الاحتمالات لدى القوى الاخرى وليس لدى الشعب الثائر

نبيل شبيب

الذين يتكلمون عن طريق مسدودة وصلت إليها الثورة الشعبية في سورية ما بين تضحيات بطولية وقمع همجي.. ينطلقون من روح اليأس والتيئيس التي سادت وانتشرت قبل ربيع الثورات العربية، أو يتعمّدون سدّ الأبواب ليفتحوا في النهاية بابا مرفوضا لدى الشعب الثائر: باب التدخل العسكري الخارجي.

 

إنجازات الثورة تصنع المستقبل

ليست ثورة شعب سورية ثورة التضحيات البطولية المتواصلة فقط، ولا القمع الإرهابي من جانب بقايا ما كان يسمّى نظاما هو طاقة قمع لا ينتهي، وليست حتمية انتصار الثورة مجرّد أمل تصنعه الثقة المطلقة بالله ووعد المظلوم بالنصرة إذا انتصر لنفسه.. وإن كان هذا الأمل منبع قوّة لا تنضب (يا ألله.. مالْنا غيرك يا ألله.. كما تهتف الحناجر يوميا) فإلى جانب ذلك حققت الثورة خلال سبعة شهور إنجازات كبرى، ووصل النظام القمعي إلى ضعف شديد، ممّا يجعل توقعات انتصار الحق على الباطل توقعات موضوعية بمختلف المعايير.

نعدد إذن الإنجازات.. ليس "دفاعا" عن مسار الثورة، ولا "ردّا" على إنكارها يأسا وتيئيسا، بل لتثبيت معطيات موضوعية لاستشراف معالم المرحلة التالية، فتراكم المنجزات عامل حاسم في تحديد "اتجاهها"، وبالتالي في تحقيق المزيد نحو الهدف.

من هذه الإنجازات بإيجاز:

1- كسر حاجز الخوف.. لدى الإنسان الفرد، بدءا بالأطفال انتهاء ببعض من كان جزءا من الآلة التي يعتمد عليها الاستبداد في وجوده واستمراره، وهذا ما ينعكس في ثبات الثائرين (ومن ذلك في حمص التي أصبحت رمزا تاريخيا منذ الآن) وازدياد أعدادهم، وانتشار الثورة جغرافيا، وتتابع التصدّع في بنية الهيمنة الإرهابية والاستخباراتية التي أقيمت عبر نصف قرن على الأجهزة.. العسكرية والأمنية والإدارية.

2- الارتقاء بفعاليات الثورة.. عبر إبداع الأساليب والأشكال التطبيقية للتظاهر الشعبي، وابتكار الآليات والوسائل العملية، ليس في نوعية المظاهرات فقط (كالأمسيات الليلية والمظاهرات الطيّارة والمواعيد التمويهية) بل ما شمل مؤخرا مظاهر جديدة للاحتجاج والمقاومة (كفعاليات روزنامة الثورة) للوصول إلى أحياء سكنية، ومناطق تجارية، وفئات شعبية، بقيت خلال الشهور الأولى من الثورة إمّا محاصرة أو معزولة أو متردّدة، ولتفعيلها في مسار الثورة.

3- تحطيم أسوار التعتيم الإعلامي.. والوصول بالحدث بتفاصيله إلى مختلف أنحاء العالم، وتطوير ما بات يوصف بالإعلام الشعبي الشبكي مضمونا وتقنية وتوزيعا، بل الوصول به إلى مستوى البث المباشر عبر بعض الفضائيات، واقترن بذلك انهيار مصداقية كل تضليل إعلامي أتقنته الوسائل التابعة للاستبداد القمعي، انهيارا كاملا.

4- نشأة شبكة تعاطف وتضامن ودعم.. على نطاق واسع، من أبرز ميزاتها الاعتماد على جهود أفراد ومنظمات أهلية ومدنية في كل مكان من العالم (مثال ذلك ساعة كتابة هذه السطور: فعاليات دعم الثورة في المعرض الدولي للكتاب في فرانكفورت بألمانيا) ممّا حوّل قضية سورية من ثورة شعبية محلية في قطر من الأقطار، إلى قضية إنسانية مشتركة، وضاعف الضغوط على مستوى الرأي العام العالمي ليساهم في فتح أبواب دعم الثورة رسميا ايضا.

5- استعادة مقوّمات الوحدة الوطنية لشعب سورية.. رغم جميع المحاولات الاستبدادية المضادّة، فظهرت تلك المقومات تدريجيا، عبر اهتراء المفعول العتيق لفزّاعة التطرّف (مندسون.. سلفيون.. إمارات إسلامية.. إلى آخره) وعبر إفشال محاولة الوقيعة "القومية" فثبت المسار السوري بأجنحته العربية والكردية وغيرها، ثمّ تجميد مفعول ما صنعه الاستبداد من "أبعاد طائفية" اعتمادا على قسم من المواطنين العلويين، وجميع ذلك يشهد جولات متتالية، ليس بين فئات الشعب المتعددة -كما أراد ويريد الاستبداد- بل بين جبهة شعبية ثائرة من مختلف الأطياف، وجبهة الاستبداد واستماتته في اختلاق مسبّبات الفتن، ولا يزال الاستبداد يخسر هذه الجولات تباعا أيضا.

6- تصعيد ضغوط الثوار داخل سورية.. عبر فعالياتهم الميدانية، وتضحياتهم الجسيمة، وجرأتهم البطولية، ومصابرتهم المذهلة، لتترك تلك الضغوط أثرها المباشر، على أطياف المعارضة التقليدية، بأقطابها وتنظيماتها، داخل الحدود وخارجها، فظهرت البذرة "الأولى" للتلاقي على كليات كبرى، وتأجيل الاختلافات الأخرى، وتمثلت في المجلس الوطني السوري، وحصوله على تأييد شعبي مشروط بمتابعة الطريق خلف الثورة، دون تمزيق نسيجها الشعبي، وبالتزام مسارها وإنجازاتها، دون الانزلاق إلى مسارات أخرى من صنع مساومات سياسية، ولا ريب في ضرورة توسيع نطاق المجلس، وزيادة قوته، لدفع المعارضة داخل الحدود، إلى التخلي عن استعدادها لحوارٍ مرفوض شعبيا مع الاستبداد القمعي.. عدوّ الشعب، ويعني مجموع ذلك أنّ الثورة حققت أوّل إنجاز سياسي وطني كبير، إذ أصبحت الشرعية الثورية تحدّد وجهة السير السياسية نحو مستقبل سورية.

7- اختراق النظرة القطرية الضيقة.. بعد أن كادت النظرة القطرية الموروثة من حقبة الاستبداد، تهيمن على مسارات ثورات الربيع العربي المشترك، فأمكن العبور -رغم ظروف داخلية شديدة الوطأة- إلى نظرة عربية أشمل، بالتوافق مع ثوار اليمن على "جمعة نصرة شامنا ويمننا"، واستمرت روح تلاقي الثورتين حتى الآن، ويضاف إلى ذلك التحرّك الشعبي والنيابي المبكّر في الكويت، ومسارعة المجلس الثوري الانتقالي في ليبيا ليكون أوّل من يعترف بالمجلس الوطني السوري (وأضيف إلى ذلك بعد كتابة هذه السطور تأثير السقوط الأخير لرؤوس الطغيان في ليبيا على الثورة داخل سورية)، وصدور الاعتراف أيضا من جانب غالبية أحزاب ثورة مصر (رغم ظروف المرحلة الانتقالية بعد تحقيق أوّل أهداف الثورة) ناهيك عن تأييد شعبي يتجلّى في أكثر من بلد كمصر والأردن ولبنان وغيرها.

8- اهتراء أساطير دعم المقاومة والممانعة.. وما زال بعض المخلصين لقضية فلسطين، ورفض الهيمنة الأجنبية الدولية وعدوانيتها العسكرية، يتعلّقون بنسيج "وهم كبير" صنعه الاستبداد الفاسد في سورية على مدى عقود مضت، فلا يمكن تقويضه بين ليلة وضحاها، ولكن تبيّن -بفضل ثورات عربية أخرى كما في مصر مثلا- أنّ الاعتماد الأعظم في نهج دعم المقاومة للتحرير لا التصفية، وفي نهج مواجهة الهيمنة الأجنبية، هو على الإرادة الشعبية المتحررة.. وليس على قمع استبدادي يغتال الإمكانات والطاقات الذاتية ويمنع تعبئتها، بل تركت ثورات الربيع العربي أثرها في "تحرير الإرادة الشعبية" في دول الهيمنة الأجنبية نفسها، كما تؤكّد الأحداث في أسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وسواها..

9- تفعيل سياسات دولية متردّدة.. فالموقف الدولي الراهن على علاّته- جزء من إنجازات الثورة، وليس مجهولا أنّ مواقف التأييد، أو المقاطعة، أو الضغوط، أو القرارات والإجراءات العملية، جميع ذلك لا تتخذه القوى الدولية إلا وفق موازينها القائمة على المصالح المادية من جهة، والمآرب الذاتية الأمنية والاقتصادية والسياسية وغيرها من جهة أخرى، وهذا ما ينعكس في "المماطلة"، بينما بات مسار الثورة في سورية مصدرا فاعلا من مصادر التأثير على توجيه ردود الفعل الدولية، وزيادة الحصار على القوى المماطلة، وحتى على القوى التي تريد ربط كلّ دعم للثورة بشرط من الشروط وفق منظورها الذاتي.

 

الدعم مشروط بشروط الثورة

تجاوزت الثورة الشعبية البطولية في سورية مرحلة اليأس والتيئيس من أن يصنع الشعب بنفسه ثورته، ويحقق أهدافها وفق رؤيته، ويمضي بها في الاتجاه الذي يحدّده، وهذه نقطة حاسمة لرؤية مسار ربيع الثورات العربية، فانطلاقته المفاجئة في تونس ومصر، حققت الإنجاز الأول سريعا وما زالت الثورة تخوض الجولات التالية لتحقيق إنجازات أخرى، ثم كانت محاولة الانحراف الفوري بثورة شعب ليبيا وثورة شعب اليمن واضحة -بعد خروج قوى إقليمية ودولية من مفعول المفاجأة الأولى- بينما انتزعت ثورة شعب سورية مواقف التفاعل الخارجي معها انتزاعا، وهو ما يفسّر تلك المماطلة إلى درجة لا تُصدّق عند مقارنة بعض المواقف الرسمية والإجراءات المحدودة، مع "مشهد الثورة" العلني بشقيه: بطولات وتضحيات مذهلة.. وقمع إجرامي همجي لا يكاد يمكن تصديقه.

إنّ كل خطوة جديدة مهما كانت محدودة، على المستوى العربي، والإقليمي، والدولي، هي خطوة تفرضها الثورة، فتمنع تلقائيا أن تكون نتيجة "مساومات سياسية" ما على مسار الثورة وأهدافها.

لهذا أصبح القول بالوصول إلى طريق مسدودة، يوظف للضغط على "إرادة شعبية ثائرة" لتقبل بقرارات تصنعها المساومات، لا سيّما ما يتعلّق بتدخّل عسكري أجنبي، فالمعادلة في هذه المساومات هي:

1- جوهر المطالبة بهذا التدخل هو القول بعجز الثورة عن تحقيق أهدافها دونه، أي ضرورة القبول بشروط القوى التي تمارسه..

2- جوهر الرفض الشعبي لهذا التدخل هو رفض الثوار لمآرب التدخل على حساب أهداف الثورة..

البديل المطروح واضح قاطع، ويشهد على وعي القيادات الشبابية للفعاليات الميدانية داخل الحدود:

- من يريد دعم الثورة من قوى عربية وإقليمية ودولية فالمطلوب "حماية المدنيين" وليس "التدخل العسكري"..

وحماية المدنيين تعني "الضغوط" عبر قرارات إقليمية ودولية حول لجان التحقيق، ورقابة دولية، وفتح الحدود أمام وسائل الإعلام دون شروط، وتأمين الإغاثة، والوصول إلى قلب المعتقلات الرسمية وغير الرسمية (كالمدارس والمؤسسات..) فضلا عن المطالبة بوقف العدوان (العسكري والقمعي باسم أمني) على الشعب الثائر، وعلاوة على قطع العلاقات الديبلوماسية، والتجارية، والمالية، ليس بصورة تدريجية بل حاسمة وشاملة لكلّ ما يعتمد الاستبداد الحاكم عليه لتعبئة قوّته القمعية ضد الشعب الثائر.

أما الحديث عن حظر جوي، فلا ينبغي للمعارضة السياسية أن تنزلق إلى القبول به، مع اتخاذه ذريعة لضرب سلاح الجو والمنشآت الدفاعية الجوية وما شابه ذلك، كما قيل مع الشروع بفرض حظر جوي في ليبيا، فجميع ما في سورية ملك للشعب السوري، وللغالبية الكبرى من قواته العسكرية، فهذه تحمل وصف الجيش الوطني وحماة الديار، وبدأت تتحرّر ممّن يتسلّط عليها من ميليشيات صُنعت لاعتقال الجيش والشعب معا على مدى نصف قرن مضى.

الدعم الخارجي واجب دون أن يدمّر الطاقات السورية، والثورة الشعبية منتصرة عاجلا لا آجلا، فمن يدعم يفتح باب "علاقات مستقبلية قويمة" ومن لا يدعم مماطلا، أو يعرقل متواطئا، فسوف يقرر شعب سورية بعد تحرير إرادته وانتصاره، كيف ستكون طبيعة العلاقات المستقبلية معه.

=============================

أثر الخطابين الديني والسياسي في التاريخ الإسلامي

بقلم :طارق فايز العجاوى

جاء الاسلام بجملة من القيم النبيلة التى هدفها دون ادنى شك اسعاد بنى البشر وهى كثيرة وجليلة منها الاخاء والمساواة والمحبة والسلام والحرية بقيمها الثابتة والعدالة باشكالها وبالمجمل جميع قيم الاسلام هى مطلب لكافة امم الارض كيف لا وهى الرسالة التى جاءت للبشر كافة وجاءت وسطية فلا هى مادية بحتة ولا هى روحية بحتة فكانت النبراس للبشرية بقضها وقضيضها الطريق وكانت الرسالة الكاملة الشاملة التى تخلو من المثالب والعيوب - باعتبار المصدر - وهذا واضح لكل منعم للنظر سالكا لدرب الحق والحقيقة وهى قطعا الرسالة التى توافق الجبلة الانسانية السليمة والفطرة التى لم يطالها التلوث وهذه الحقائق اذعن امامها الاخر والدلائل كثيرة والشواهد ماثلة امامنا فالاسلام العقيدة والشريعة طال بالتنظيم كافة جوانب الحياة ولم يهمل حتى ادق التفاصيل بينما نجد الوضعى من الايدلوجيات تغص بالمثالب والعيوب وكان سقوطها حتمى لانها لا توافق الفطر السليمة فى النفس الانسانية بينما الاسلام بكل قيمه ومبادئه يوافق الفطر السليمة بكل ما حوت وبادق التفاصيل باعتبار المصدر وهو الخالق الذى يعلم ادق تفاصيل هذه النفس الانسانية ويعلم مكنوناتها وخفاياها لهذا كانت الموافقة تماما لتلك الجبلة والفطرة البشرية ودونه تنعدم القدرات فكثر اؤلئك المارقين الذين حاولوا تشويه تلك الحقائق الاسلامية ولكن دون جدوى فالعجز حليفهم والعيب رفيقهم والنقص شاهدهم وذهبت طروحاتهم ادراج الرياح وكانت فى مزبلة التاريخ شاهدا على عجزهم فما ينفع هو الماكث

فانعم بالاسلام وبرسالته الانسانية بكل ما فيها الرسالة التى تكفل الخالق بحفظها وهذا بحد ذاته صيغة اعجازية فلم يطلها التحريف ولا التشويه رغم كل العاديات وذلك مصداقا لقوله تعالى ( نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) نعم ايها السادة تكفل الله بدستور هذه الامة - القران الكريم - وبالفعا كان الشاهد على ذلك على اعتبار ان التحريف والتشويه لم يطاله فبقى دستورنا المنزل من الله وهذا هو الاعجاز بعينه

فعلا للاسلام سحر تلك الطاقة الخلاقة التى طالت الانسانية جمعاء وكان للحضارة الاسلامية ذلك الوهج التاريخى من قيم اصيلة ومتاءصلة ومن ممارسات نبيلة اذهلت البشرية جمعاء ولقد تاءصلت الاسرار الحقيقية لحضارة الاسلام فى تلك القيم الجليلة من محبة واخاء وسلام ومساواة واستطاعت هذه القيم ان تجد من يتمرس بها ومن يحققها ويجسدها بصورة واقعية فى التطبيق لا تقبل الجدل ولا الشك وفى الخلفاء الراشدين لنا اسوة حسنة بالفعل جسدوا قيم الاسلام ومبادىء الحق ولقد ادهشوا امم الارض قاطبة بقدرتهم الهائلة على تمثل قيم الاسلام وتجسيد نظريته على ارض الواقع وبصورة حقيقية فعمت وانتشرت قيم التسامح والحرية والعدل والحق فى ارجاء الارض كافة

فكان الاسلام بكل ما حوى من قيم ومثل ومبادىء هو الانموذج الذى تسعى اليه الشعوب وتطالب فيه الامم وتناضل فى اثره طلبا للحرية وللمساواة والعدالة الاجتماعية فالحضارة الاسلامية قد ازدهرت مقاماتها ونمت على اساس هذه الخلفية التاريخية للمارسة الاسلامية الصادقة

ولكن عندما انحسرت الممارسة الحقيقية لقيم الاسلام وبداءت فى الانحسار - بمعنى التطبيق - بداءت مرحلة التراجع الحضارى وهى حكما عندما خباء وهج الممارسة الحقيقية لقيم الاسلام ولمبادىء تشريعه العظيم الثر سرعان ما بداءت مرحلة الانحسار التاريخى للوهج الحضارى الاسلامىوبنحسار هذا الوهج انتشرت وعمت المظالم الاجتماعية وغابت الشورى بقيمها النبيلة الثرة فى الممارسة السياسية وطفى على السطح الاستبداد والقمع السياسى وغربت قيم الاجتهاد والعقل حتى بالفعل تشتت طاقات امة الاسلام وبداءت شمس الحضارة العربية الاسلامية بالغروب

ولسان حالها يقول

يسعون فى خفضى واطلب رفعهم

شتان بين مرادهم ومرادى

وانا اقول ايها السادة واطلق على هذه المرحلة - مرحلة الظلام - التى يؤرخ لها فى النصف الاول من القرن الثانى عشر الميلادى حيث عم الظلم وساد القهر وتراجعت قيم السلام والمودة والالفة التى نادى بها الاسلاموعلى اثر ذلك ظهر ان التراجع الحضارى والانحسار التاريخى للمد الثقافى الانسانى الاسلامى قد ترافق وتلازم بانحسار الحضور الحقيقى لحقوق الانسان التى كما اشرنا انفا تجسدت فى القيم الاسلامية وفى مبادىء الدين الحنيف

حيث عمت قيم الظلم والاستغلال والتعصب والاستبداد فغابت الحضارة لغياب تلك الروح القيمية التى دعى اليها الاسلام وعمل من اجلها رسول الله عليه الصلاة والسلام وقادة المسلمين وافذاذهم الغر الميامين

الواقع ان حركة التراجع الحضارى لمعت منذ اللحظة التاريخية التى ثار فيها نفر من المسلمين على ولاية عثمان بن عفان رضى الله عنه واشتعلت نار الفتنة بمقتله فدارت رحى الحروب والفتن وبداء التاريخ الاسلامى يسجل الماساة تلو الماساة وكثرت وعمت الفواجع على اثر ذلك ورغم هذه المحطات الماساوية فى تاريخنا الاسلامى نهض رجال عظماء حاولوا ان يعيدوا للرسالة الاسلامية القها ووهجها وان يعيدوا للمسلمين مفاخر وامجاد العطاء الاسلامى والروح الاسلامية الخلاقة امثال الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد والمعتصم والامين والمامون والقائمة تطول الذين حاولوا جاهدين ان يعطوا دفعة حيوية للممارسات الاسلامية الحقيقية الصادقة

وفى خضم الصراع على السلطة ظهرت الى الوجود فرق سياسية ودينية متنازعة فانتقل المسلمون من حالة التجانس المطلق فى الفكر والعقيدة والمذهب الى حالة التنوع والتعدد والاختلاف ومن حالة التوافق التام الى حالة من الضياع والاصطراع فى مختلف وشتى المجالات الدينية والمذهبية والسياسية حيث سالت الدماء وازهقت الارواح ظلما وعدوانا وقهرا وبداءت تتلبد الغيوم الحالكة السواد لتخيم بظلالها القاتمة على عالم المسلمين حاجبة ذلك الاشعاع الحضارى للاسلام مغيبة بذلك قيم ومعانى الحرية والاخاء والانسانية السامية فعاشت الامة الاسلامية ولا سيما فى العصر العباسى الثانى عصر القهر والضعف والاستبداد السياسى وحالة غياب كامل لتلك القيم الحضارية وحقوق الانسان التى وهبها الله جلت قدرته للمسلمين والبشر وبداء الظلم يحل مكان العدل والقهر مكان الرحمة والتعصب مكان التسامح بمعنى غياب جليل للقيم التى نادى بها الاسلام

الشاهد ان التاريخ يعلمنا ان اى حضارة تزدهر وتمتد وتثمر كلما تاصلت قيم المساواة والعدالة وحقوق الانسان بتشعباتها المختلفة والثابت ان اى حضارة خالطها التعصب والظلم والجهل والتسلط وغياب الحرية شمسها لا محالة غائبة وهذا يدلنا ويرشدنا الى ان حقوق الانسان التىتتمثل فى الحرية والديموقراطية والتسامح هى مقومات الوجود الحضارى لا ى حضارة عرفها التاريخ الانسانى

لقد ثبت تاريخيا انه يمكن للارادات الانسانية الصادقة ان تلعب دورا جوهريا فى صنع الحضارة وهذايتطلب ايضا المحافظة على مقومات وجودها ولكن هذا التاريخ ايضا يؤكد ان المجتمعات الانسانية تنطوى على قوى اجتماعية وتاريخية هدفها وغايتها نيل ملذات الحياة وزخرفها وتضحى بالمبادىء والعقائد والقيم من اجل وضعية دنيوية تمتلك فيها المقدرة فتعيث فى الارض فسادا من ظلم وجور وفتكا

ولكن هى المفاجاءة التاريخية ان ثلاثة من اهم عمالقة القيادة فى صدر الاسلام ومن اكثرهم صدقا وحمية للخير ومبادىء الاسلام بقيمه ومثله قد طالتهم يد الخيانة وتعرضوا للاغتيال السياسى فقد سقط الخليفة الثانى الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه وارضاه شهيدا راضيا مرضيا وقد وقع ضحية مؤامرة سياسية وذلك باعتقادى بسبب اقامته حق الله وتصديه للفساد والفاسدين ووقوفه فى وجه الطبقات الارستقراطية التى كانت تسعى وبكل السبل للوصول للحكم والسلطة ولقد قام باعمال من شانها ان تهدد مصالح شريحة من الفئات الاجتماعية التى هدفها الاستيلاء على السلطة

ولقد اشتهر عن الفاروق تلك المقولة التى اعجزت الادبيات الانسانية على مر العصور وستبقى شاهدا على عظمة ديننا وعلى عدالته بكل ما حمل من قيم ومثل كرمت الانسان وصانت كرامته واحترمت انسانيته وهى التى تمثلت بقوله رضى الله عنه ( والله لو اننى استقبلت من امرى ما استدبرت لاخذت من الاغنياء فضل اموالهم ورددته الى الفقراء فلا يبقى هناك فقير او غنى ) وهى بحق من اعظم المقولات فى تاريخ الانسانية جمعاء

ولقد اجمع الدارسين لتاريخ هذا الرجل العظيم رحمه الله ان هذه المقولة البت عليه اغنياء المسلمين وغير المسلمين الذين ارهبهم قول الفاروق وايضا صفاته والتى اجلها انه كان حازما صارما فى حبه للمساواة والعدالة كل هذه مجتمعة جعلت طبقة التجار والعسكريين التىاهدافها لا تخفى على احد ان تنقم على عمر وتخطط لتخلص منه واغتياله

وهناك كثر من عمالقة حضارة الاسلام طالهم ما طال عمر نذكر منهم على بن ابى طالب رضى الله عنه والتىحقا تظهر ماسى الصراع بين الحق والباطل بين ارادة الاسلام المتمثلة فى طهارة الغاية وقيم الحب والخير والسلام الى غير ذلك من مزايا وارادة الحياة الدنيا المتمثلة فى الظلم والفساد حيث حمل على كاهله تركة ثقيلة جدا ودخل فى سلسلة من الصراعات التاريخية المدمرة صونا لحقوق المسلمين وحرياتهم انتهت باغتياله وكان هذا الاغتيال سبب خروج المسلمين من دائرة الشرعية التىتمثلت بالشورى والبيعة والحق الى دائرة اشبهها بالحكم العرفى البغيض الذى قطعا يجافى العدل

وخلال هذه المرحلة الكل يعرف ما حدث من اراقة الدماء بلا ثمن ليس الا لمارب شخصي والمعلوم لدينا ان عمالقة الحضارة الاسلامية وعظمائها مع ايمانهم الراسخ بالاسلام وبرسالته ومدى عبقريتهم التى من خلالها ادركوا معانى السياسة والغايات الكبرى للوجود الانسانى جميعها شكلت المبادىء والمنطلقات التاريخية التى دافعت عن قيم الاسلام والقوى التى رسخت قيمه ومفاهيمه وهى الحصون التى عنيت بحماية مكاسبه التاريخية

فى ظل هذه الحضارة العظيمة برسالتها وهذا الزخم من قادة وعباقرة نجد هذه المكاسب التاريخية للاسلام تبددت وتلاشت بشكل تدريجى مع وصول اصحاب النفوس المريضة التى هدفها وغايتها الدنيا وسنام طلبها الجاه والسلطة والحكم بداءت بالفعل تقرير مصير الدولة الاسلامية فعملت جاهدة على توظيف العقيدة لخدمة اهدافها ومصالحها بدلا من ان توظف وجودها لخدمة الاسلام ورسالته اسوة بالسابقين من الخلفاء الراشدين

وفى ظل هذه المعادلة السياسية فقدت القيم والمثل جوهرها والقها - قطعا فى مجال الممارسة --- لان القيم الاسلامية هى ذاتها لا تتبدل ولا تتغير - وتم تزييف كثير من التصورات والمفاهيم الاسلامية لتلائم مصالح الحكام وتعبر عنها وتجسد فى ذات الوقت مصالح واهداف طبقة سياسية واجتماعية وعسكرية رفعت اهدافها فوق كل عطاءات الاسلام الانسانية

وفى ظل هذه المقدمات اصبح الدين خادما للسياسة ولاربابها وشاهد قولنا ان ابو جعفر المنصور كرس ذلك بقوله ( ايها الناس لقد اصبحنا لكم قادة وعنكم زادة نحكمكم بحق الله الذى اولانا وسلطانه الذى اعطانا وانما انا سلطان الله فى ارضه وحارسه على ماله جعلنى عليكم قفلا ان شاء ان يفتحنى لاعطائكم وان شاء يقفلنى ) نجد هذا الخطاب نابع من نفس تسلطى فيه مطلق الاستبداد السياسى والاجتماعى ونبرز صدق قولنا بما قاله الفاروق عمر بن الخطاب ( والله لو تعثرت ناقة فى العراق لكنت مسؤولا عنها ) هنا نلمس مدى الاصالة فى نفس هذا الرجل بحمله الاسلام فى قلبه وعقله بكل ما جاءت به هذه الرسالة من سمو فى القيم والمثل والمبادىء التى كرمت الانسان وصانت انسانيته فهو يرى ان الحكم تكليف وليس تشريف وهو مسؤولية مقدسة وحملا ثقيلا وذلك حبا بالله وبرسالته بينما نلمح الدنيوية فى خطاب المنصور الذى يرى ان الحكم عطاء ونعمة من الله ينعم بها على الحكام ويدين لهم عبر هذا العطاء رقاب العباد وعطايا البلاد

والشواهد فى التاريخ الاسلامى كثيرة يصعب حصرها وسنورد شاهدا اخر للدلالة على ذلك خاصة فى مفهوم الحكم والسلطة ذلك الخطاب الدينى السياسى من خدمة العقيدة الى خدمة السلطان فها هو الفاروق رضى الله عنه يقول ( ان راءيتم اعوجاجا فقومونى ما انا الا كاحدكم فاءعينونى على نفسى بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر واحضارى النصيحة فيما ولانى الله من امركم ومنزلتى من مالكم كمنزلة ولى اليتيم من ماله )

بينما فى المقابل نجد احد الخطباء ويشير الى معاوية فيقول ( ان هذا هو امير المؤمنين فان مات فهذا هو خليفته - يقصد يزيد - ومن تحدى فالحكم لهذا -- ملوحا بالعصا -- فهتف اتباع معاوية استحسانا ومن ثم اوما معاوية واعتبر هذا موافقة بالاجماع او بيعة لهوالمعلوم لدينا ان عمالقة الحضارة الاسلامية وعظمائها مع ايمانهم الراسخ بالاسلام وبرسالته ومدى عبقريتهم التى من خلالها ادركوا معانى السياسة والغايات الكبرى للوجود الانسانى جميعها شكلت المبادىء والمنطلقات التاريخية التى دافعت عن قيم الاسلام والقوى التى رسخت قيمه ومفاهيمه وهى الحصون التى عنيت بحماية مكاسبه التاريخية

فى ظل هذه الحضارة العظيمة برسالتها وهذا الزخم من قادة وعباقرة نجد هذه المكاسب التاريخية للاسلام تبددت وتلاشت بشكل تدريجى مع وصول اصحاب النفوس المريضة التى هدفها وغايتها الدنيا وسنام طلبها الجاه والسلطة والحكم بداءت بالفعل تقرير مصير الدولة الاسلامية فعملت جاهدة على توظيف العقيدة لخدمة اهدافها ومصالحها بدلا من ان توظف وجودها لخدمة الاسلام ورسالته اسوة بالسابقين من الخلفاء الراشدين

وفى ظل هذه المعادلة السياسية فقدت القيم والمثل جوهرها والقها - قطعا فى مجال الممارسة --- لان القيم الاسلامية هى ذاتها لا تتبدل ولا تتغير - وتم تزييف كثير من التصورات والمفاهيم الاسلامية لتلائم مصالح الحكام وتعبر عنها وتجسد فى ذات الوقت مصالح واهداف طبقة سياسية واجتماعية وعسكرية رفعت اهدافها فوق كل عطاءات الاسلام الانسانية

وفى ظل هذه المقدمات اصبح الدين خادما للسياسة ولاربابها وشاهد قولنا ان ابو جعفر المنصور كرس ذلك بقوله ( ايها الناس لقد اصبحنا لكم قادة وعنكم زادة نحكمكم بحق الله الذى اولانا وسلطانه الذى اعطانا وانما انا سلطان الله فى ارضه وحارسه على ماله جعلنى عليكم قفلا ان شاء ان يفتحنى لاعطائكم وان شاء يقفلنى ) نجد هذا الخطاب نابع من نفس تسلطى فيه مطلق الاستبداد السياسى والاجتماعى ونبرز صدق قولنا بما قاله الفاروق عمر بن الخطاب ( والله لو تعثرت ناقة فى العراق لكنت مسؤولا عنها ) هنا نلمس مدى الاصالة فى نفس هذا الرجل بحمله الاسلام فى قلبه وعقله بكل ما جاءت به هذه الرسالة من سمو فى القيم والمثل والمبادىء التى كرمت الانسان وصانت انسانيته فهو يرى ان الحكم تكليف وليس تشريف وهو مسؤولية مقدسة وحملا ثقيلا وذلك حبا بالله وبرسالته بينما نلمح الدنيوية فى خطاب المنصور الذى يرى ان الحكم عطاء ونعمة من الله ينعم بها على الحكام ويدين لهم عبر هذا العطاء رقاب العباد وعطايا البلاد

والشواهد فى التاريخ الاسلامى كثيرة يصعب حصرها وسنورد شاهدا اخر للدلالة على ذلك خاصة فى مفهوم الحكم والسلطة ذلك الخطاب الدينى السياسى من خدمة العقيدة الى خدمة السلطان فها هو الفاروق رضى الله عنه يقول ( ان راءيتم اعوجاجا فقومونى ما انا الا كاحدكم فاءعينونى على نفسى بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر واحضارى النصيحة فيما ولانى الله من امركم ومنزلتى من مالكم كمنزلة ولى اليتيم من ماله )

بينما فى المقابل نجد احد الخطباء ويشير الى معاوية فيقول ( ان هذا هو امير المؤمنين فان مات فهذا هو خليفته - يقصد يزيد - ومن تحدى فالحكم لهذا -- ملوحا بالعصا -- فهتف اتباع معاوية استحسانا ومن ثم اوما معاوية واعتبر هذا موافقة بالاجماع او بيعة له

اذن الملاحظ ان العقل قد توقف وطاله التجمد على قوالب صاغها فقهاء السلطة والحكام واضحت تاليا كل نزعة تميل للتحرر بدعة تحمل صفة الخيانة العظمى وتؤدى بالتالى الى التعذيب والقتل

وبناءا على ما تقدم يمكننا القول ان القلوب الطيبة والارادات السليمة العامرة بالايمان لم تجدى نفعا لحماية المكاسب الاسلامية ذات الطابع الروحى التى هدفها الانسان وصون انسانيته وبالتالى تحفظ قيم العدالة والمساواة والكرامة والتسامح والحرية الى غير ذلك من القيم والمثل الاسلامية والشمائل التى لم ولن تعرفها وضعيات البشرية جمعاء حتى باعتقادى الديانات التى سبقت الاسلام فى النزول وبالتالى ندرك ان الاساس الدينى الخالص بالحكم ليس كافيا وحده لحماية المكاسب التاريخية لحقوق المسلمين

اذن الملاحظ ان العقل قد توقف وطاله التجمد على قوالب صاغها فقهاء السلطة والحكام واضحت تاليا كل نزعة تميل للتحرر بدعة تحمل صفة الخيانة العظمى وتؤدى بالتالى الى التعذيب والقتل

وبناء على ما تقدم يمكننا القول ان القلوب الطيبة والارادات السليمة العامرة بالايمان لم تجدى نفعا لحماية المكاسب الاسلامية ذات الطابع الروحى التى هدفها الانسان وصون انسانيته وبالتالى تحفظ قيم العدالة والمساواة والكرامة والتسامح والحرية الى غير ذلك من القيم والمثل الاسلامية والشمائل التى لم ولن تعرفها وضعيات البشرية جمعاء حتى باعتقادى الديانات التى سبقت الاسلام فى النزول وبالتالى ندرك ان الاساس الدينى الخالص بالحكم ليس كافيا وحده لحماية المكاسب التاريخية لحقوق المسلمين

 

ة مقيتة وغايات دنيوية دنيئة ومصالح ضيقة التى فعلا حصدت جموع المسلمين والمؤمنين على مر المراحل التاريخية السابقة وذلك فى اتون حروب طاحنة من اجل السلطة وحروب مذهبية وحركات سياسية ازهقت فيها ارواح المسلمين وسلبت حقوقهم

التى تمثلت فى كافة المبادىء والقيم والمثل النبيلة

وبالجزم فما يمكن ان يكرسه الايمان يمكن اندثاره تحت تاثير ايمان ضعيف هزيل وهمم فاترة او ضعف الحماس الدينى وهذا فعلا المنطق بعينه فالواضح ان ما حدث تاريخيا لا نستطيع عبره ان نقارن بين عهدين لخليفتين امويين هما يزيد بن معاوية وعمر بن عبد العزيز فالشقاء كان فى عهد الاول بينما نعموا باعظم عطاءات الاسلام فى عهد الثانى فهو بحق الخليفة الراشدى الخامس على اعتبار اصالته الاسلامية

ولا شك باجماع ارباب العلم ان كتاب الله وسنة نبيه هما دستورا لحقوق الانسان فى المجمل الا ان هناك فئة كانت ترفع شعارا قوامه ان كتاب الله هو دستور المسلمين ومع كل ذلك هذا لم يكن كافيا حتى يتم المحافظة على القيم وايضا العمل بالدستور القدسى فكتاب الله لا يحقق نفسه بنفسه وايضا السنة النبوية لا تجد طريقها بنفسها الى ساحات العمل وكلاهما يقتضيان سواعد المسلمين الصادقين القادرين على تجسيد هؤلاء الذين تعمر وتتشبع قلوبهم بالايمان ونصيرهم العزيمة والقوة والارادة الصلبة للنهوض الدائم والذين يجب عليهم ان يكونوا ايضا فى سدة الحكم والمسؤولية والقيادة بغض النظر عن الموقع حتى يتمكنوا من تحقيق وتطبيق القيم الانسانية الشاملة للاسلام قرانا وسنة

وباعتقادى ليس كافيا لتطبيق وبث قيم الاسلام فقط بيد من هم فى موقع المسؤولية فالتاريخ الاسلامى بعد عصر الرسول عليه الصلاة والسلام وجزء قصير من تاريخ الخلفاء الراشدين تؤكد ان دولة القانون التى تشكل اساس حقوق الانسان لم تتحقق فعلا وعليه فالنصوص القرانية والسنن النبوية التى تعبق بقبسات نورانية من حقوق الانسان لم تجد تاريخيا ضمانات تجسدها والضمان الذى تقر به بعض الاتجاهات الدينية لهذه الحقوق يدور فى فلك الايمان وتشعباته وهذا يعنى ان المجتمع الذى يغيب عنه الايمان او يضعف يتم فيه حقا التنكر لحقوق الانسان والتعسف باستخدام السلطة باشكالها اما المجتمع الملتزم بالثوابت الايمانية تتراجع فيه اطماع الحكام وتتغلب فيه ايضا المصلحة العامة على الخاصة وتنحسر الشهوات بصنوفها المعهودة

على كل الاحوال ان الدارس للتاريخ الاسلامى يجد ان مجتمع الايمان النقى والمتجرد من الاطماع الدنيوية يجده فقط فى قديم هذا التاريخ ويلمسه تحديدا فى ممارسات الخلفاء الراشدين وعصر عمر بن عبد العزيز علما بان العهد الراشدى ايضا لم يخلو من النزاعات والصراعات الدامية والممارسات المجافية لحقوق الانسان والاطماع الدنيوية

اذن النصوص الدينية يجب ان تجد من يطبقها فهى لا تفرض نفسها بنفسها ومهما بلغت الثقة بقواعد الاسلام الثرة كمنطلق لفرض العدالة الاسلامية بشمائلها الجمة بواسطة من يملكون الضمائر الحية والحرة كالقضاة مثلا ينسون احيانا ان تعببنهم فى وظائفهم كانت نتيجة تسامح نفس الحكام الذين ممكن ان يكونوا موضع مساءلة هؤلاء القضاة على اعمالهم ففى ظل الحكم العثمانى امثلة حية لشيوخ الاسلام وعلمائه كانوا يقفون فى وجه الحاكم ولكن ايضا هناك الصورة المعاكسة بحيث كانت الوظيفة الاساسية لهم هى اضفاء الصفة الشرعية على الافعال المشينة التى كان يقوم بها الحكام

ليس فالباحث فى الفكر الاسلامى يفاخر بالجزم بما جاء به الاسلام قرانا وسنة من قيم ومثل سامية ورغم ذلك فان هذا يجب ان لا ينسيه ابدا هذه المفارقات التى تقوم بين علياء النظرية الاسلامية لحقوق الانسان والممارسة والتطبيق وعلينا ايضا الانتجاهل تلك المواقف التاريخية التىتعرض فيها المسلمون لمواسم القهر والتعذيب هذا عداك عن الظروف التى يعيشها الانسان العربى فى العصر الحالى من قهر وظلم وتنكيل وفقر واغتراب الخ فى ظل انظمة شمولية يدركها القاصى والدانى ويدرك انجازاتها على صعيد قهر هذا المواطن وهى ايضا تسعى الى تبديد كل المحاولات التى تعمل على النهوض به وتعمل على بناء حقوق فعلية للانسان فقد تحمل ما لا تحمله الجبال ولكن قدرنا النهوض ان شاء الله فلا بد للقيد ان ينكسر والبوادر ظاهرة على الساحة وربيعنا ات لا محالة فجل الممارسات والاعمال المنافية لحقوق الانسان تسطر حضورها فى بعض المجتمعات العربية المعاصرة وجميعها يتنافى مع الحقائق القرانية والسنن النبوية التى خطها الاسلام فالانسان العربى خارج صف التكريم كخليفة الله على الارض لان الظلم والقهر الذى حاق به ويجلده علنا واضح لا ينكره الا جاهل

وبعد ذلك هل يمكن للنصوص الدينية ان تقف سدا فى وجه الانتهاكات المتكررة لحقوق هذا المواطن رغم كل ما نشر من تقارير وشهادات تدمى القلب ويندى لها الجبين حتى اضحى مهزوما من الداخل وعاجز عن الرد تحت هول الضربات المتكررة والمتلاحقة حتى اضحى فاقدا للاحساس بحقوقه تحت تاثير هزيمة داخلية شاملة افرزتها مراحل تاريخية طويلة من الشقاء الانسانى والممارسات التى تتنافى مع مبادىء الحق والوجود فالاستبداد والظلم والقمع المزمن الذى شهده تاريخنا العربى استطاع ان يجرد الانسان من القدرة على الاحساس بقيمته كانسان يمتلك حقوقا تاريخية فى الوجود الانسانى المتحرر من كافة اشكال الاضهاد والظلم ولانه لم يعد قادرا على المطالبة بحقوقه ازاء هذا المد التاريخى البائس فانه يلتمس فى النص القدسى ما يعوضه هذا الاحساس الشامل بالهزيمة التاريخية

الواقع ان الشورى فيها الميراث الاصيل المتصف بالغنى ويجعل من الشورى فلسفة للحكم والحياة والسلوك ولم يطبق بكل قيمه الرفيعة الا فى العهود الزاهرة فى التاريخ الاسلامى هذا من جانب اما الميراث الثانى فهو الذى استبدل الاستبداد بالشورى فعمت من خلاله مقولات الشرعية لمن نال الغلبة اما الامامة فى السياسة والصلاة لمن تغلب على تعبير الدكتور محمد عمارة وما الرعية الا ان تشكر الحاكم اذا عدل وتصبر عليه اذا جار وظلم جملة هذه الاراء وزبدتها هى ثمرة لواقع تاريخى استثنائى تنسب الى ائمة وفقهاء مثل احمد بن حنبل وغيره

اذن كافة القيم والمثل والمبادىء كونت فى الاسلام عصر الازدهار الذى حقا تميز بانتشار الاجتهاد والاستنباط العقلى على ضوء المستجدات والواقع المفروض وذلك ضمن اطار النصوص الشرعية المعهودة الثابتة بغاياتها واهدافها اما عصر التخلف قطعا نجد ان دور العقل والاستنباط فيه قد تراجع وانحسر وعم ما يعرف بالتقليد وحل الجدل مكان تلك المناظرات العلمية الحرة واشتد النزاع بين المجتهدين الذى يفترض ان يعم بينهم التسامح وانقسم الكثير من ابناء الامة الى فرق وطوائف وكتل واحزاب ادت بوحدة كلمتهم وشتت شملهم وبالتالى وقعوا فى شباك الضعف والوهن ولكن الخير سيبقى فى هذه الامة الى ان يرث الله الارض ومن عليها

والله من وراء القصد

============================

لقطات اغتيالية : الصحفي الشهير سليم اللوزي

عقاب يحيى

كثيرة هي الجرائم الفظيعة التي ارتكبها نظام الطغمة، وأكثرها ترويعاً وأثراً تلك التي اقترنت بالتمثيل الذي ينفث حقداً، ويبثّ رسائل الموت والاستهانة بحياة البشر، وحقوقهم فيما يعتبر ماركة خاصة لنظام القتل توارثه الابن عن الأب.. فواصله بنكهة مشابهة لتلك التي حدثت قبل عقود.. وهي كثيرة، والمعروف منها قليل، بل إنه يريد أن يسجل تفوقه بما يضفيه على عمليات القتل من "تفنن" غرائبي تكشف وجهاً مريضاً لحقد كحلي يغرف من خزين دمامل التصنيع المعبّأة بشرعنة الفتك بالآخر لمجرد المعارضة، او القيام بفعل يخالف" السلطان: ويتجرّأ على شيء من مقدّساته التي فرضها على الشعب بالبسطار، والرصاص ..

 عندما مثّل بجسد الطفل حمزة الخطيب بتلك الطريقة التي لا تفعلها الضباع.. راحت أبواقه تكذّب الأمر وتفتعل قصصاً كاذبة لرميها على " العصابات المسلحة"، وكأنّ تاريخ الطغمة خالٍ من جرائم التفظيع والتمثيل بالضحايا !!! ..

 وحين قضموا حنجرة إبراهيم القاشوش بلبل حماة والثورة السورية بتلك الطريقة التي لا يمكن تخيلها.. حبكوا روايات الدجل.. في حين كانت تسري القصة في أوساطهم كتعبير عن قدرة الانتقام الرهيبة التي تملكها الطغمة ضد كل من يرفع الصوت، ويصدح بحنجرته..

 وتكررت الفظائع مع الشاب غياث مطر والتمثيل بجثته، ومع زينب الحصني أو شبيهتها.. وآلاف السوريين الذين تتم تصفيتهم في مشارح التعذيب، والذين تُسرق أعضائهم وتباع، والطين يتعرضون لفعل قصابة من جزارين محترفين ماتت من زمان ضمائرهم وإنسانيتهم، وتجاوزوا الضواري المدمنة، والمكلوبة .. وستكشف الأيام كمّاً رهيباً من الجرائم التي ترتكب بحق شبابنا وشعبنا..بما يضع الطغمة في مرتبة خاصة من مجرمي البشرية ..

 *****

حكاية عميد الصحفيين العرب، اللبناني سليم اللوزي تكشف جزءاً من عقل الطغمة الافتراسي الحاقد.. تماماً كالطبيب خضر الشيشكلي طبيب العيون من حماة الذي وجدوه مقلوع العينين.. وممثلاً بجثته بشكل فظيع في مدينة حماة.. لمجرد أنه رفض تدمير مدينته.. وكما يحدث اليوم لكثيرين من شباب الثورة، وناشطيها ..

 كان اللوزي مدرسة صحفية متكاملة، تزيدها قوة وانتشاراً الديمقراطية اللبنانية التي كانت المنارة العربية الأسطع، وشبه الوحيدة.. فعمل في عديد الصحف والمجلات، وفي عام 1957 أسس مجلة الحوادث السياسية الاجتماعية التي نافست غيرها، وباتت من أهم المجلات العربية الجريئة الشهيرة بمقالات صاحبها ورئيس تحريرها..وكان صديقاً مقرباً للزعيم عبد الناصر، وللرئيس ياسر عرفات، وعديد القادة والمفكرين العرب وغيرهم.. رغم أنه لم يتوقف عن أسلوبه الناقد، وخبطاته الصحفية المستندة إلى معلومات مهمة كان يبحث عنها بكل الوسائل لترصّع مقالاته وافتتاحياته..

 ككثير اللبنانيين كان مفجوعاً ب"الدخول السوري" إلى لبنان، ولم يصدّق أن النظام السوري سيخلع جميع أردية شعاراته ويكشف جوهره بصفقة خطيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لضرب الثورة الفلسطينية وتحالفها مع الحركة الوطنية اللبنانية ولصالح" الحلف الانعزالي".. لذلك وقف ضدّ ذلك التدخل، وراح بقلمه الجريء يفضح بعض فظائعه في لبنان بلده العزيز، وحين تمّ الاعتداء على مقر جريدته وحرق المبنى انتقاماً.. قرر الرحيل إلى لندن.. ومعه مجلته التي راح يصدرها من هناك ..حيت واصل كتابة مقالاته الجريئة التي ترتكز إلى معلومات مهمة قيل أن مصدرها بعض أعوان رفعت الأسد الذي انفضوا عنه وهربوا غلى الخارج.. خاصة بعد مقتل شقيقه مصطفى اللوزي بالرصاص في طرابلس .. انتقاماً منه لتقرير نشرته الحوادث عن فساد وتجاوزات " زعيم حركة الشباب العلوي" التي أنشأها النظام، ودعمها رفعت بكل الإمكانات لتكون ذراع الفتك والتطويف والبلطجة والتشبيح ..

مع ذلك واصل مقالاته الجريئة ضد النظام السوري، واذكر مقالاً له من أقوى وأسطع المقالات التي قرأناها ونحن في سورية(عام 1979) بعنوان : هروب رئيس.. ينسج فيه سيناريو عن هروب الأسد عن طريق لبنان بطريقته الصحفية الممتعة، وقد ضمّنه معلومات ورؤى تجعل القارئ يعتقد أن الهروب تمّ فعلاً، أو أنه سيتمّ كما توقع، وكان ذلك في أوج المواجهة بين النظام و"الحركة الدينية" ..

 في شهر شباط توفيت والدته.. وقرر حضور دفنها، ورغم أن عديد أصدقائه نصحوه بعدم السفر خوفاً عليه من حقد وانتقام نظام الطغمة الأسدي.. إلا أنه أصرّ على الذهاب، معتقداً، رغم معرفته الدقيقة بحقد وطبيعة النظام.. أنه لا بدّ أن يراعي حرمة الموت.. وهو يقول لأصدقائه :

 " ..وغدًا ، اذا نجحت المخابرات العسكرية(السورية) في تنفيذ الحكم الذي أصدرته باغتيالي . وهي قادرة على ذلك بوسائلها المختلفة، فإني أكون قد استحققت هذا المصير . وعزاء زوجتي وبناتي وأولاد أخي مصطفى التسعة، أنني أحببت بلدي ، وأخلصت لمهنتي، أكثر مما أخافني الإرهاب وردعني حكم المخابرات العسكرية .“

 وفي مقال لجوزيه بيطار بعنوان : (( واحفر الكلمات على جدار الصمت)) يصف فيه تفاصيل اختطاف سليم اللوزي.. يقول فيه على لسان زوجة المغدور سليم اللوزي :

((جاء يوم الأحد الأسود 25 فبراير وتم حزم الحقائب، وخرجت أمية في الصباح الباكر لتسدد الحسابات قبل المغادرة، وعند عودتها فوجئت بإنقطاع الكهرباء عن المبني وكان المسكن في الطابق العاشر وطلبت من الحارس أن يصعد ليطلب من زوجها النزول .. وتأخر سليم لأنه كان في انتظار اثنين من زملائه لمرافقته إلي المطار ولم يحضرا.. وكان الجو يسوده التوتر والريبة من شيء مجهول.. وكما روت أمية بعد ذلك في لندن مأساتها الحزينة:

‘إتجهنا إلي المطار في سيارتنا وجلست بجانب سليم في المقعد الخلفي، وتصحبنا سيارة مدير الإعلانات البيجو، وعلي جانبي الطريق إلي مطار بيروت كانت تنتشر قوات الردع، وعند الحاجز الرئيسي أوقفتنا مجموعة *ضابط وثلاثة جنود* وصوبوا أسلحتهم نحونا وطلب الضابط جوازات السفر وقال سليم: اعتقد أنني المطلوب!

وأمرنا الضابط (السوري) بالنزول من السيارة، وأمر شقيقتي المرافقة بالعودة في سيارة مدير الإعلانات.. وبقيت مع سليم في عرض الطريق حتى جاءت سيارة أخري وداخلها شخصان مسلحان وسائق وأخذوني معهم وأعطاني الضابط جوازات السفر، وبينما أخذوا سليم في سيارته بمفرده بعدما انزلوا السائق والحارس الخاص، ولاحظت أن السيارة الأخري مزودة بجهاز لاسلكي *ويبدو أنها من سيارات المخابرات* وانطلقت السيارة التي تحمل سليم وسيارتنا تتبعها وبها المسلحين، واتجهنا إلي طريق خلدة وإلي الدامور ولم تغب عني سيارة سليم المرسيدس، وأيقنت أنها عملية اختطاف من جانب المخابرات قبل وصولنا إلي مطار بيروت.

وعندما وصلنا إلي الدامور طلب الحارس إيقاف السيارة لشراء علبة سجائر، ولم أتصور أنها خدعة للتعطيل.. وعندما عاد بعد فترة كانت سيارة سليم قد اختفت تماما من أنظارنا.. ولم أعرف إلي أين؟

واتجهنا إلي طريق عرمون وكانت حقيبة أوراق سليم مازالت معي، وتوقفنا عند الوادي وأنزلوني في منطقة منعزلة مليئة بالصخور والبرك الراكدة، وخطفوا الحقيبة وفتشوا أوراقها وسألوني: أين الملف؟ وجردوني من مصوغاتي وحقيبة يدي وكنت أرتدي جاكيت من الفراء ووضعوا رباطا علي عيني وفي يدي وبقيت هناك ست ساعات حتي المساء وتخلصت من قيودي ومشيت بلا حذاء وسط الأحراش حتي وصلت طريق عرمون *وكنت أخفيت الملف تحت الجاكيت* وأوقفت سيارة تاكسي متجهة من الجبل إلي بيروت، وجلست بين الركاب وسمعت في الراديو: أن الصحفي سليم اللوزي مازال مخطوفا!’

*****

وعادت أمية اللوزي إلي بيتها في حالة يرثي لها واتصلت بياسر عرفات ولكنها لم تعرف أية أخبار عن زوجها وعن مصيره؟ ...))..

بعد ثمانية أيام من التعذيب المريع وج راعي غنم جثة مرمية في أحراج عرمون.. كانت هي جثة سليم اللوزي بحالة فظيعة من التمثيل والتشويه..فقد كان ملقى على بطنه وطلق ناري في مؤخرة الرأس حطّم الجمجمة ومزّق الدماغ، ورصاصة أخرى اخترقت الوجنتين يبدو أنها في فترة التعذيب، بينما سلخ لحم اليد اليسرى عن العظم حتى الكوع، أما اليد اليمنى فقد حرقت أصابعها الخمسة بالأسيد واهترأت، وعثر على أقلام حبر مغروزة بعنف في أحشائه ومؤخرته وظهره وصولاً للبطن والأمعاء...

كان ذلك في 4 آذار عام 1980 ........

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ