ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 04/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مع سورة الفاتحة

سَبَحَ في ملكوتِ هذه السورة:

الدكتور عثمان قدري مكانسي

عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {الحمد لله رب العالمين} أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني"

وهي الوافية والكافية قرأها رسول الله ثم قال : هي سبعٌ يا أم سلمة . أي سبع آيات

وأخرج مسلم والنسائي وابن حبان والطبراني والحاكم عن ابن عباس قال "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق،( جلبة قوية ) فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: يا محمد هذا ملك قد نزل ، لم ينزل إلى الأرض قط، قال: فأتى النبيَّ فسلم عليه فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي من قبلك. فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفا إلا أوتيته".

وأخرج أبو عبيدة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثلاثين راكبا، فنزلنا بقوم من العرب، فسألناهم أن يضيفونا فأبوا، فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا: أفيكم أحد يرقي من العقرب؟ فقلت: نعم أنا. ولكن لا أفعل حتى تعطونا شيئا قالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة فقال: فقرأت عليها {الحمد} سبع مرات فبرأ، فلما قبضنا الغنم عرض في أنفسنا منها، فكففنا حتى أتينا النبي فذكرنا ذلك له قال "أما علمت أنها رُقية! اقتسموها واضربوا لي معكم بسهم".

وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن عبد الله بن جابر أن رسول الله قال له"ألا أخبرك بأخْيَر سورة نزلت في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: فاتحة الكتاب. وأحسَبه قال: فيها شفاءٌ من كل داء".

وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: أمرني رسول الله ، قال "كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج".( والخداجُ النقصان)

عن أبي هريرة قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل"قسمتُ الصلاة بيني وبين عبديَ نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤا... يقول العبد {الحمد لله رب العالمين} فيقول الله: حمدني عبدي. ويقول العبد {الرحمن الرحيم} فيقول الله: أثنى علي عبدي. ويقول العبد {مالكِ يوم الدين} فيقول الله مجدني عبدي، ويقول العبد {إياك نعبد وإياك نستعين} فيقول الله: هذا بيني وبين عبدي، أولها لي وآخرها لعبدي وله ماسأل. ويقول العبد {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فيقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل". (من الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي )

يقرؤها الإنسان في اليوم عشرات المرات

-  يقرؤها في الفرض سبع عشرة مرة .

-  يقرؤها في السنة المؤكدة عشر مرات .

-  يقرؤها في السنة غير المؤكدة ست مرات .

-  يقرؤها في النوافل ما شاء الله له أن يقرأها .

-  يقرؤها في غير الصلوات ما شاء الله له أن يقرأها .

بسم الله

-  كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بسم الله فهو أقطع.

-  الاسم من الوسم أو من السمو ، وكلا الأمرين حقيق بالاسم.

-  من السمو: ( فع) ومن الوسم ( عل) .

-  الله : من ( أله) والوزن : ( العال) ، حذفت فاء الإله.

-  الإله من يستحق العبادة فهو الخالق العظيم.

الرحمنِ الرحيم

إن جذر كلمتي " الرحمن والرحيم " هو –رحم – ومع ذلك فإن كل واحدة تمتاز بسمات خاصة ، وهذا من جمال اللغة العربية وروعتها ، ولهذا مدح الله تعالى هذه اللغة مرات عديدة في كتابه الكريم .

 

فالرحمن : كلمة تدل على القوة والعظمة ، والقدرة والقهر ، والسيطرة والهيمنة . ونجدها ترِدُ مع العذاب وتهديد العاصي والمشرك وتهديد الكافر ، وترد مع الدعوة إلى الإيمان بالرحمن والسجود له و.. مثال ذلك :

 وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً

 إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب

 ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيّضْ له شيطاناً فهو له قرين

 أمّن هذا الذي ينصركم من دون الرحمن ؟

 قل : هو الرحمن آمنا به ، وعليه توكلنا .

والرحيم : كلمة تدل على اللطف والرحمة ، والعطف والغفران ، والسماح والصفح .. ونجدها في كل الآيات الداعية إلى الإيمان والاستغفار والتوبة ، ترِدُ مع الحِلم والمغفرة والعفو و.....مثال ذلك في الآيات التالية :

 فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم

 فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم

 أولئك يرجون رحمة الله ، والله غفور رحيم

 واستغفروا ربكم ، ثم توبوا إليه ، إن ربي رحيم ودود

 إن ربكم لرؤوف رحيم .....

وقد ترِدان معاُ لتدلا على الأمر كله :

 إنه من سليمان ، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم

 وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم

-  والملاحظ أن الصفتين حين تجتمعان ترى كلمة الرحمن قبل كلمة الرحيم . فهو الذي يفعل ما يشاء ويقدر عليه ولا يحتاج لأحد ( هو الصمد)، وهو رحيم بعباده حين يقبلون عليه سبحانه .

الحمد لله رب العالمين :

-  ال: الحمد ( للاستغراق. ال: الجنس)

-  لماذ لاأقول : حمدي لله. ( ابن قيم الجوزية رحمه الله ينبه إلى أن تعظيم الله أن أخاطبه باسم البشرية كلها وأنا واقف أمامه ، وكل منا يستحضر إخوانه ويخاطب ربه بألسنتهم جميعاً . والدليل على ذلك في هذه السورة مخاطبة العبد ربه بصيغة الجمع ( إياك نعبد وإياك نستعين،اهدنا الصراط المستقيم )

-  لماذا لم أقل : أحمد الله رب العالمين. بالفعل المضارع.

-  الفرق بين الحمد والشكر :

 الشكر على الخير" وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم.

الحمد على السراء والضراء ، فهي أعم من الشكر .

-  والسور الخمس في القرآن التي بدأت بالحمد هي: (الفاتحة الأنعام الكهف فاطر سبأ) . ففي الفاتحة : ( الحمد لله رب العالمين )

 وفي الأنعام ( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل

 الظلمات والنور )

 وفي الكهف ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم

 يجعل له عوجاً )

 وفي فاطر( الحمد لله فاطر السوماوات والأرض )

 وفي سبأ( الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض

 وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير)

-  اللام لام الملكية ( لله) فالذي يستحق الحمد هو الله تعالى ، والحمد كله لمولانا.

-  ربّ من الربوبية فهو الخالق والرازق والمنعم والمتفضل.

-  ومن التربية والتنمية والعطاء .

-  ولأنه رب العالمين ( من الربوبية ) . وأغلب الناس حتى الكفار يقرون لله بربوبيته ويعترفون أنه خالقهم ورازقهم والمتفضل عليهم .

-  لكنّ المسلمين فقط يقرون له ( بالألوهية ) وأنه وحده يستحق العبادة ، ولا تكون العبادة لله إلا بالطاعة والعمل بشرعه سبحانه ، فنعمل بما أمر وننتهي عما نهى .

العالمين :

-  أهناك عالم واحد أو أكثر من عالم ، فقد قال : رب العالمين ...

-  قد يكون المقصود بالعالمين : عالم الأنس وعالم الجن وعالم الحيوان وعالم الجماد ، وعالم الحركة وعالم السكون.

-  وقد يكون المقصود عوالم أخرى غير السموات والأرض . استدلالاً بقوله تعالى في سورة الصافات : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)

-  موسى يقول : يارب لو أنهما لم تأتياك طائعتين ما أنت فاعل بهما؟

قال : أسلط عليهما دابة من دوابّي فتبتلعهما .

قال يارب : فأين دابتك؟

قال: في مرج من مروجي .

قال : يارب : فأين مروجك ؟ .

قال : في علم من علمي .

سبحانه من إله .

-  ولا ننسَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو ذر وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، و فضلُ العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة"

-  كنت أقرأ في السبعينات من القرن الماضي في مجلة حضارة الإسلام أن قطر السماء الدنيا سبعون مليار سنة ضوئية ، ونعلم أن سرعة الضوء في الثانية ثلاث مئة ألف كيلو متر فإذا ضربت هذا العدد بستين علمت سرعة الضوء في الدقيقة ،

فإذا ضربت الناتج بستين علمت سرعة الضوء في الساعة ،

فإذا ضربت الناتج بأرعة وعشرين علمت سرعة الضوء في يوم ،

فإذا ضربت الناتج بثلاثمئة وخمسة وستين يوماً علمت سرعة الضوء في سنة ،

واضرب الناتج بعد ذلك بسبعين ملياراً ،

ثم قال العلماء : وقد يكون قطر السماء الدنيا أضعاف ذلك والله أعلم .

-  وفي السنة الثانية من هذا القرن قدر العلماء قطر السماء الدنيا بمئة وأربعين مليار سنة ضوئية وقالوا : قد يكون قطرها أضعاف ذلك والله اعلم .

-  وفي السنة الخامسة اكتشف العلماء مجرة جديدة قطرها خمسون مليار سنة ضوئية ، ولا ننسَ المسافة الهائلة بين المجرات وبين كل مجرة ومجرة سديم عظيم من الظلام. .. فسبحان الخالق العظيم.

مالك يوم الدين:

-  هناك مالك وملك

-  قد يملك المالك ولا يحكم .

-  وقد يحكم الملك ولا يملك .

-  لكن الله مالكٌ وملكٌ يحكم .

-  يوم الدين : يوم الخضوع لحكم الله تعالى : وسمي المَدين هكذا مديناً لأنه يخضع للدائن. وذلك اليوم ( أطول يوم في الحياة ) مقداره خمسون ألف سنة ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله ) .

-  وهذا تنبيه إلى الحساب والعقاب

-  وأسلوب فيه ترغيب وترهيب.

إياك نعبد وإياك نستعين:

-  نعبدك ونستعينك غير إياك نعبد وإياك نستعين.

-  في الثانية أسلوب القصر، فلا عبادة إلا لله . وليست الأولى كذلك.

-  وقدم ضمير النصب المنفصل على الفعل لقصر العبادة والاستعانة على الله تعالى .

-  وقدمت العبادة على الاستعانة ، فمَن عَبدَ الله حقَّ العبادة لم يستعن بغيره.

-  إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .

-  ولا ننس أن العبادة إفراد الله بالطاعة أمراً ونهياً . فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

اهدنا الصراط المستقيم:

-  يأمرنا الله تعالى أن نضرع إليه في الهداية مراراً وتكراراً؟

-  والمضحك أن نصرانياً سخر من المسلمين في إحدى غرف (البالتوك) إذ قال : إننا معشر النصارى هادون مهديون . وأنتم يا مسلمون ضالون مضلون.والدليل على ذلك أنكم تطلبون الهداية بإلحاح في الفاتحة ، ولو كنتم تشعرون بالهداية في جوانحكم ما دأبتم على طلب الهداية !.

-  فكان جوابي مختصراً :إن الهداية في أمور عدة وهي مطلوبة باستمرار ما دمنا على أ- قيد الحياة ..

 1- فالهداية إيمان بالله لا ينقطع ،

 2-وطلبٌ من الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا فالإيمان يزيد بالتقوى ، وينقص بالخطايا ، والقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ،

 3-ونحن ندعو بدعاء نبينا صلى الله عليه وسلم " يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك" ،

 4-ومن معاني الهداية أن نعمل بمقتضى الإيمان عبادة وسلوكاً فلا إيمان بلا عمل ولا عمل بغير الإيمان.

 5- وفي الغرغرة نسأل الله أن يميتنا على الإسلام .

 ب بعد الموت ..

1-        تكون الهداية بالثبات في سؤال القبر عن الإيمان بالله تعالى والإسلام ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم .

2-        ثم بالبعث مطمئنين إلى عفو الله الكريم حيث لا شمس ولا قمر وإنما لكل إنسان نور منبعث منه حسب قوة إيمانه في ظلام البعث والنشور ،

3-        ومن الهداية أن يستظل المرء بظل عرش الرحمن في ذلك اليوم الطويل حين ترسل الشمس قريبة من رؤوس الخلائق،

4-        ومن الهداية ذلك اليوم أن يأخذ المرء كتابه بيمينه فيفوز فوزاً عظيماً ويحاسب حساباً يسيرا.

5-ومن الهداية في ذلك اليوم أن تكون حسناته بفضل الله أكثر من سيئاته فينجو من النار .

6-ومن الهداية أن يجوز الصراط المستقيم فينجو من السقوط في جهنم بفضل الله ومنّه سبحانه .

7-وأعظم هداية في الحياة كلها أن يفوز بجنة عرضها السموات والأرض وأن يحظى برؤية وجه الله الكريم سبحانه ..

اللهم بلغنا ذلك يارب العالمين .

صراط الذين أنعمت عليهم :

-  تعريف بالصراط الذي ينشده المسلم :

هوالصراط المستقيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

-  إن الذين نالوا النعمة هم المؤمنون الموحدون

-  والله تعالى هو الذي أنعم علينا بنور التوحيد ، ولولا الله ما هتدينا ولا صمنا ولا صلينا .

-  ولا يدخل أحد الجنة بعمله حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر الحديثُ الشريف " ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا : و لا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته.

-  ولم يقل (غير الذين غضبت عليهم ) تأدباً مع الله تعالى ، فلا ينسب الخير إلا إليه ، فقال : ( أنعمت عليهم) ولم يقل ( غضبت عليهم) .

-  ومن هذا الأدب قوله تعالى( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً ) والذي يريد الأمرين هو الله تعالى ، ولكن ذُكرَتْ إرادة الشر بضمير الغائب وذكر الخيرُ بالفعل المبني للمعلوم.

-  وفي قصة موسى مع الخضر ( الرجل الصالح ) نجده يقول ( وما فعلته عن أمري ) مع أنه نسب القتل لنفسه والإبدال لله ، وقال (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) وهذا أدب رائع للعبد مع الله تعالى.

غير المغضوب عليهم:

-  من رضي الله عنه وأيده كان الجميع معه واقرأ معي قوله تعالى ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ،والملائكة بعد ذلك ظهير ) ولن يحتاج الله سبحانه لمؤيد وظهير ، إنما هو متابعة لما يريده الله تعالى من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم.

-  إن في المبني للمجهول تهويلاً على من غضب الله عليه وكرهه.

غير المغضوب عليهم ولا الضالين:

-  الضال من حاد عن درب الهداية وفقد البوصلة فتاهَ في سراديب الكفر والضلال . ومنهم النصارى

-  المغضوب عليه من خالف الحق وهو يعلمه ورضي الكفر وهو يستسيغه ،وهؤلاء اليهود عرفوا وأصروا على الكفر .

-  وعلى هذا كان النصارى ضالين وكان اليهود مغضوباً عليهم .

-  من هنا نفهم في آيتي الملاعنة لماذا لُعن من رمى زوجته بالزنى وهو كاذب وغضب الله على المرأة التي ألحقت بزوجها ولداً من الزنى ليس هو أباه ، فهي تعلم أبا الطفل فطمست الحقيقة . " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء ... والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذيبن " ويدرأ عنها العذاب أن تشهد .... والخامسةَ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين." فكانت اللعنة له والغضب عليها.

بقي أن نقول : إن في فاتحة الكتاب أركانَ الإيمان :

-  بالله تعالى وقد ذكر اللهُ تعالى باسمه وبصفات أخرى في هذه السورة ، فهو الله الرحمن الرحيم ، الرب ، مالك يوم الدين.

-  باليوم الآخر : في قوله مالك يوم الدين ، فإليه نقلب وهو يوم الحساب الذي لا بد من حصوله.

-  بالرسل : من الذي عرفنا بالله تعالى وأوصل إلينا هذا الدين كاملاً وشهدنا له بالصدق

-  بالملائكة : ومن الذي كان الصلة بين الخالق عز وجل وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم : إنه جبريل عليه السلام

-  بالكتب : وما هذه السورة التي قرأناها وعشنا في ظلالها إلا سورة كريمة في كتاب ربنا سبحانه والإيمان بها يستدعي الإيمان بالكتاب الكريم الذي نزلت في ثناياه .

اللهم علمنا التأويل وفقهنا بدينك الرائع المبين

 الفقير عثمان قدري

 ========================

الرحمة والرضوان للأخ الرباني الشيخ الأستاذ أحمد كرزون

رحمه الله تعالى

بقلم : محمد فاروق البطل

الأمين العام لرابطة العلماء السوريين

رحمك الله أخي أبا أنس ، وأسكنك فسيح جناته ، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة ، ورزقك صحبة النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصَّالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً... لا أزكِّيك على الله ، ولكني أحسب أنك كنت من الصالحين الربَّانيين ... فأنا أعرفك منذ الخمسينيات من القرن الماضي، لم تُغيِّر ولم تُبدِّل، رغم ما مرَّ بك من محنة قاسية وغربة طويلة.

الأخ الحبيب الأستاذ أحمد كرزون درس في الثانوية الشرعية بحلب ، ثم تابع دراسته في كلية الحقوق بجامعة دمشق ، ومارس المحاماة بعض الوقت ، ولأن المحاماة لا تُعطي مورداً معيشياً مناسباً بالنسبة للمحامي المسلم الملتزِم الصادق ، فإن الأخ أبا أنس تحوَّل عن المحاماة إلى التعليم، فأنشأ بمعونة إخوانه ثانوية أهلية خاصة في حي الجميلية بحلب ، أطلق عليها اسم ( الثانوية العلمية) واستمرت هذه الثانوية حتى الثمانينيات حين اندلعت الأحداث، واضطر الأخ أبو أنس إلى الهجرة في سبيل الله بسبب أن أولاده الذين أحسن تربيتهم كانوا من شباب الحركة الإسلامية الناهضين والأشبال الثائرين ، ولأن السلطة أقدمت على اغتيال آباء أمثال هؤلاء الشباب المجاهدين، انتقاماً من أبنائهم ، أو أنها كانت تأخذهم رهائن، حتى إنَّ الأخ أبا أنس خطيب – رحمه الله تعالى - سُحِل في الشارع (أي: عُلِّق في إحدى الدبابات، وبدأت تجرجره في الشارع) لا تحفظ له حُرْمة ، ولا ترعى له كرامة ، ولا توقِّر له عمراً ، والحمد لله إذ سلَّم الله أخانا أبا أنس كرزون، وكتب له النجاة ، وآواه إلى أم القرى مكة المكرمة، ورزقه مجاورة المسجد الحرام والكعبة المشرفة طيلة ثلاثين سنة، واستفادت منه جامعة أم القرى مستشاراً قانونياً ومشرفاً على الطلاب ، وكانت له مكانته ، وكان له احترامه وتقديره على مستوى الجامعة ومسؤولِّيها، وخاصة عمادة شؤون الطلاب، وبقي في هذه الجامعة حتى بلغ السن القانونية ، وقد مددوا له فترة الخدمة ليفيدوا من كفاءاته واستشاراته.

كنت صغيراً في سنِّ الفتوة والشباب حين تعلَّق قلبي بمحبة عجيبة له ، وللأخ الدكتور الشيخ عدنان السرميني شفاه الله وعافاه ، وقد كانا أخوين متلازمين لا يفترقان ، كانا في الثانوية الشرعية معاً وتخرجا معاً ، ودرسا في كلية الحقوق معاً وتخرجا معاً ، وكنت أراهما في مركز الإخوان بحلب في الجميلية شارع اسكندرون، كانا شابين ملتزمين متألِّقين يمارسان الرياضة في ملعب المركز ، افترقا مؤقتاً حين سافر الأخ السرميني إلى مصر لمتابعة الدراسة في الأزهر الشريف في بعثة لوزارة المعارف ، لكنه ما يكاد يعود إلى حلب في الإجازة، حتى يصطحب أخاه الودود أحمد كرزون رحمه الله تعالى .

بل إنهما شغلاً معاً في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي عضوية الإدارة في مركز الإخوان المسلمين بحلب انتخاباً .

لقد كانا بالنسبة لي وفي سنِّ الفتوى والشباب قدوة وأسوة مع المحبة والتقدير والإعجاب، ولا زالت مكانتهما في قلبي حتى اليوم، ولعل إعجابي بهما كان أحد الأسباب في انتمائي لجماعة الإخوان المسلمين منذ أوائل الخمسينيات.

والأخ الآخر الذي كان شديد الحب والصلة للأستاذ كرزون ولا زال هو: أستاذنا الكريم الأخ الحبيب الأستاذ عادل كنعان حفظه الله تعالى ومدَّ في عمره، وهو الآخر أخ مِثال نموذج للداعية المسلم الملتزم المصابر المربي، أحسن الله إليه، فقد ربانا وكان له فضل كبير في تربيتنا والتزامنا جزاه الله خيراً.

كان يجمع بين الأخوين الكريمين كنعان وكرزون أخوة ومحبة والتزام وتعاون فقد كان الأخ كنعان مديراً لثانوية الغزالي الخاصة بحلب ، وكان الأخ كرزون مديرأً للثانوية العلمية الخاصة بحلب .

والأخ الأستاذ كرزون كان يتمتع بأخلاق رفيعة وسجايا كريمة، كان دمِثاً وديعاً، رقيقاً لطيفاً، شديد التواضع ، كريم الخلق ، طيب المعشر ، دائم البسمة ، حلو الحديث ، منوَّر الوجه ، صبوراً، فُجِع بثلاثة أولاد ، شهيد في أحداث الثمانينيات حسان وشهيد في حادث سيارة محمد وولد اعُتِقل رهينة عن إخوته، ثم فك الله أسره بعد سجن طويل ، وتعذيب شديد.

 مع هذه الفواجع المؤلمة لم تكن تجد الأخ أبا أنس إلا راضياً بقضاء الله وقدره ، سعيداً بمحنة الله، محتسباً فلذات كبده أمانةً عند الله تعالى.

وكان الأخ الحبيب أبو أنس رحمه الله تعالى ربَّانياً، مشرق الروح، مقبلاً على العبادة ، كثيراً ما كنت أراه في الجامع الأموي بحلب يحضر درس الشيخ أحمد إدلبي، علماً أنه كان مدير ثانوية ، كان يجلس القرفصاء، يستمع الدرس من العالم الرباني الشيخ أحمد إدلبي ابن العالم الرباني الشيخ محمد سعيد الإدلبي ، رحمهما الله تعالى.

وكان سلوك الشيخ أحمد كرزون متأثراً إلى حد كبير بالتوجيهات الروحية والإشراقات الروحية للعبد الصالح الشيخ الإدلبي.

كتب الأستاذ كرزون رحمه الله تعالى كتباً قيمة في أمور قانونية وشرعية واجتماعية.

هنيئاً للأخ الكريم الأستاذ أبي أنس ما ترك من ذِكر حسن، ومكانة رفعية، ومحبة في قلوب إخوانه... وهنيئاً له إذ ترك أولاداً بررة صالحين على رأسهم الأخ الكريم الدكتور أنس كرزون الذي كان يدرس الهندسة في حلب ، وبعد الهجرة درس الشريعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، وحصل على البكالوريوس، ثم الماجستير، ثم الدكتوراة، وكانت رسالته في شهادة الدكتوراة حول فقه التزكية، والأخ أنس من حفظة كتاب الله المتقنين ، وممَّن كتب الله له أن يسهم في تأسيس ذلك الصَرْح العلمي القرآني العالمي (الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم التابعة لرابطة العالم الإسلامي). وإنه لمشروع عظيم يقوم على خدمة كتاب الله ، وخدمة حفاظه ، ودعم معاهده ، والإشراف على مراكزه ، وتزويدها بالحفاظ والكتب والمراجع وما يلزم من دعم مالي ، وإشراف فني وذلك على مستوى العالم كله.

وأسأل الله أن يِكرم أخانا أبا أنس بما وعد به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد قال : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، وولد صالح يدعو له ، وعلم ينتفع به).

وأحر العزاء للحِب ابن الحِب الأخ الدكتور أنس كرزون ولأسرته الكريمة.

رحم الله أبا أنس وتقبله في الصالحين (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده).

========================

بلى ياصديقي ...يمكننا بعد وقفتنا هذه أن ننظر في عيون اطفالنا ، لنقول لهم : لقد بذلنا مافي وسعنا لنصرة المظلومين.

نوال السباعي

يوم زيارة بابا الفاتيكان الى مدريد قبل شهر تقريبا ، شهدت مدريد مهرجانا شعبيا احتفاليا شبابيا مذهلا ، شاركت فيه وفود شبابية من جميع دول العالم ، وبطبيعة اعتصام شباب مدريد أمام السفارة السورية ، وموقع السفارة في واحد من اهم شوارع مدريد الرئيسية ، والذي خصص يومها لمسيرات الشباب وعروضهم الفنية ، فلقد وجدنا انفسنا في مركز الحدث .

 

وكانت تمر بنا طوال اليوم وفود من جميع دول العالم من الشباب للسلام والاستفسار والتحية والتعاضد والمؤازرة ، وأنا وإن لم اكن من الشباب فقد كنت هناك ، ذلك ان بعض "شبيّحة السفارة" من الشباب السوريين الآتين الى إسبانيا بغرض المشاركة في المهرجان ، مروا على مجموعة التنسيقية المدريدية لنصرة الثورة السورية المعتصمين أمام باب السفارة منذ بدء اندلاع الثورة في سورية ، وكان مرورهم كما هو متوقع ومعروف !!...بالسباب القذر والشتيمة والإهانة لفتيات التنسيقية ، كما هي أخلاق الشبيحة وألفاظهم !، فذهبت نصرة وحماية للبنات المرابطات هناك ، ريثما يصل الشباب، خاصة أنني استطعت الوصول بسرعة نسبية لنجدة البنات.

 .

اللافت للنظر ، أن مجموعة من الشباب المسيحي السوري من المشاركين في المهرجان ، مروا علينا وسلموا ، وبعد ان عرفوا أننا ضد النظام ، اضطربوا قليلا ، بعضهم انسحب بهدوء ، والبعض الآخر وقفوا معنا وأكدوا لنا اننا شعب واحد ، وأنهم يحترمون خياراتنا ، ونحن بالمقابل قابلناهم بمثل ذلك وأكثر ، وكانوا من الأدب والوعي واللباقة والرقي ، إلى درجة يشعر فيها المرء بتلاحم هذا الشعب العظيم ، ولو اختلفت المشارب والانتماآت ، وحتى لو اختلفت المواقف السياسية ، فبمثل هؤلاء الشباب تبنى الاوطان.

الملفت .....أن "الشبيحة" لما رأوا هذا التناغم بيننا وبين الشباب المسيحي ، أرسلوا علينا هاتفا منهم ، بأسلوب جديد ، دون سباب ولاشتائم قذرة ، فوقف غير بعيد منا ، ينادي علينا وسط الآلاف من شباب المهرجان الوافدين الى مدريد من كل حدب وصوب ، وكانت إحدى بناتنا ، تغني وتقول "سورية بدها حرية"! ، فصار ينادي علينا :" لن تستفيدوا شيئا...لن تستفيدوا شيئا أبدا!!، اللي في بالكم لن يقع ابدا...أبدا!..والله العظيم لن يتغير النظام ، ولن يسقط....وكل هذا الذي تقومون به لن يفيدكم في شيء ...إنكم مخطئون تماما ياصحبي " .

ذهبت إليه إحدى الفتيات وقالت له : مادمت تتحدث بأدب وهدوء ، فسأقول لك شيئا : نحن لسنا هنا ليسقط النظام فقط ، إننا هنا لنكون مع المذبوحين والمعذبين والمعتقلين من أبناء شعبنا.

قال لها : ولكنكم لن تستفيدوا شيئا.

قالت : بل نستفيد...أننا عندما ننظر في وجوهنا في المرآة كل صباح ...نعرف أننا اخترنا الوقف مع المظلومين ، وليس مع الظالمين ، وأننا وقفنا مع المجلود وليس مع الجلاد .

قال: أنتم لاتعرفون الحقائق داخل سورية !

قالت : نحن نعرف أن هناك ضحية تُسلخ...وجلاد قذر يَسلخ فروات رؤوس البشر ...وكائنة ماكانت حجة هؤلاء البشر ، فإن الإنسان لايستحق أن يسلخ جلده لأنه يطالب بالحرية .

نعم ياصديقي ..لقد اخترنا الوقوف مع الحق ، لكي نستطيع النظر في عيون أبنائنا في المستقبل ، ولنقول لهم لقد بذلنا مانستطيع لنخلصكم من الأغوال ..ولم نكن في صفوف القتلة والظالمين.

قال لها: هؤلاء الارهابيون القتلة يريدون تدمير مشروعنا القومي الممانع للصهيونية

قالت له: ياأخي ...أي مشروع ، والصهاينة في أنحاء الأرض مستنفرون للدفاع عن النظام السوري ، عشرون قناة إسبانية تبث 24 ساعة يوميا ضد ثورة الشعوب في منطقتنا

قال: إنهم يحملون السلاح ، فقالت : والله لو كانوا يحملون السلاح ، لرأيتم والله منهم ماتكرهون

أنتم المخدوعون ، ولسنا نحن الذين نقف مع الحق ، أنتم الذين لن تفيدوا شيئا من وقوفكم مع الباطل ، نحن لانقيس الاشياء بمن فاز ومن لم يفز ، نحن نقيسها ، بالحق ، ونحمد الله أن وفقنا للوقوف مع الحق ولو وقفت الدنيا كلها ضده.

بلى ياصديقي ...نحن راضون ..بأن ترضى ضمائرنا ، ونستطيع النوم دون ان يكون في أذهاننا سؤال يقض مضاجعنا ..."أن وقفنا مع القاتل"...لأن القتل ودائما جريمة ، أما أن تكون مقتولا ...فهي وجهة نظر.

وقد اخترنا أن نكون مع خيري ولد آدم

===========================

الجامعة العربية ومأساة الشعب السوري!!

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

لا ينكر أحد أهمية الجامعة العربية ككيان كبير يفترض نظريا أن يشمل العرب جميعا، ويوحد صفوفهم، ويلم شملهم، ويجمع كلمتهم، ويضم دولهم في منظمة إقليمية قوية تحميهم، وتصون كرامتهم، وتحفظ مصالحهم، وتسعى من أجل تحقيق رفاهيتهم، لكن ما يحدث حاليا للأشقاء السوريين عرَّى الجامعة العربية، وفضح عجزها، وبدد أحلامنا، وكشف أوهامنا التي عشنا فيها طويلا؛ فقد بدت هذه الجامعة مشلولة وعاجزة تماما أمام النظام السوري، ولم تستطع أن تحرك ساكنا لوقف جرائمه البشعة ومجازره اليومية التي يرتكبها في حق شعبه الأعزل الذي كل جريمته أنه خرج في مظاهرات سلمية مطالبا بالعيش في حرية وكرامة كبقية شعوب الكوكب!!

 

ورغم القتل اليومي وتعامل النظام السوري الوحشي مع المتظاهرين، وعدم تورعه عن ذبح النساء والفتيات والأطفال والشيوخ والشباب، وتقطيع أوصالهم والتمثيل بجثثهم، ورغم هدم المنازل والمساجد والمحلات والأسواق، وقتل وتشريد واعتقال عشرات بل مئات الآلاف...، رغم كل ذلك لا تزال الجامعة العربية عاجزة عن التنديد بشكل واضح وصريح بهذه المجازر المروعة وحرب الإبادة التي يشنها بشار الأسد ونظامه على شعبه الأعزل المسالم، ويقول الكثيرون: إذا كانت الجامعة العربية قد فشلت في استخدام لهجة حازمة لتوجيه إدانة واضحة ورادعة للنظام السوري، وعجزت حتى عن تحذيره من العواقب الوخيمة، وتحميله مسئولية ارتكاب هذه الجرائم البشعة، فكيف ستجبره على إيقافها؟!! كما يتساءل العرب في كل مكان: ما الفرق بين الشعب العربي الليبي والشعب العربي السوري؟! لماذا تصرفت الجامعة العربية سريعا في ليبيا، بينما نراها واهنة مترددة أمام النظام السوري، وربما غضت عنه الطرف كثيرا، ومنحته وقتا طويلا لإنهاء مهمته...؟!! أكل هذه السرعة في التعامل مع الملف الليبي كانت بسبب النفط؟!! وهل نفط العرب أهم من العرب أنفسهم أم أن هناك حسابات خاصة فيما يتعلق بالنظام السوري إذ هو الوكيل الحصري الوحيد لضمان سلامة الصهاينة والحفاظ على كيانهم الغاصب تحت شعار المقاومة والممانعة؟!!

وقد يقول البعض: وماذا في يد الجامعة العربية أن تفعل وليس لديها صلاحيات لاتخاذ أية خطوات أو إجراءات عملية على الأرض؟! ثم ألا يكفي اعتراف أمين عام الجامعة العربية شخصيا الدكتور نبيل العربي بعجز الجامعة عن اتخاذ أية قرارات حاسمة في معظم القضايا العربية؟! ومفهوم أن ميثاق الجامعة العربية لا يخولها اتخاذ إجراءات عملية ناجزة ويكبلها ويعيقها عن التعامل السريع الفعال لمحاصرة أية مشكلة عربية قبل تفاقمها واستفحالها، لكننا لا نتكلم عن هذا المستوى من الفعل والقرارات، بل نتحدث فقط عن اتخاذ الجامعة العربية كما فعلت مع النظام الليبي لبعض المواقف الجادة مع النظام السوري والتي من شأنها كبح جماح عدوانيته المفرطة ضد شعبه، والحد من شهيته لقتل المواطنين السوريين الأبرياء صباح مساء، كما أن الجامعة العربية بيدها اتخاذ بعض الإجراءات المهمة ضد النظام السوري، والتي يمكنها إحراجه إقليميا ودوليا، وقد تجبره من خلالها على التفكير مليا في عاقبة ما يصر عليه من البطش بالمتظاهرين المسالمين وقتلهم دون رحمة، ومن هذه الإجراءات:

1. تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، وسحب الاعتراف بنظام بشار الأسد كحاكم وممثل للشعب السوري، ورفع غطاء الشرعية العربية عنه، وإظهاره للعالم على أنه نظام ديكتاتوري قمعي معادٍ لشعبه.

2. الاعتراف بالمجلس الوطني السوري الانتقالي، وتقديم كل أشكال العون والمساندة له سياسيا واقتصاديا ولوجيستيا، وتشجيع الدول الكبرى على الاعتراف به، والتعامل معه على أنه بديل مؤقت للنظام السوري الفاسد الذي فقد شرعيته بسبب ظلمه واستبداده.

3. دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لإقامة منطقة حظر طيران فوق الأجواء السورية؛ لحماية الشعب السوري الأعزل من القصف الجوي بالطائرات كما حدث في (الرستن) وغيرها.

4. دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لحظر استخدام المدرعات والدبابات، والآليات الثقيلة في ضرب الأحياء السكنية في المدن السورية.

5. فرض حصار اقتصادي شامل وجاد على النظام السوري؛ للتضييق عليه وشله اقتصاديا، ومنعه من توفير الدعم اللازم لآلات القمع والإجرام التي يمتلكها.

6. إرسال مبعوثين عرب للدول الكبرى(روسيا والصين...) التي لا تزال تدعم نظام الأسد؛ ليشرحوا لها حقيقة ما يرتكبه هذا النظام من مجازر مروعة على الأراضي السورية، ويفضحوا بالوثائق قتله للآلاف من أبناء شعبه، وتدميره لمنجزات وطنه مقابل بقائه في السلطة!!

7. الضغط على دول مجلس الأمن لإصدار قرار دولي واضح ومباشر يندد بجرائم نظام الأسد الديكتاتوري ويحمله مسئولية الدماء التي تسفك يوميا في سوريا.

8. توفير الرعاية للنازحين السوريين، ودعم المعارضة السورية، من خلال احتضان المعارضين الذين يفرون من سوريا نجاة بأنفسهم من نيران نظام الأسد القمعي المتوحش.

9. توفير المنابر الإعلامية والسياسية، وكافة الوسائل والقنوات الدبلوماسية المختلفة للمعارضة السورية لشرح موقفها ونيل الاعترافات الدولية بمجلسها الوطني الانتقالي، وفتح مكاتب تمثيلية له في عواصم دول العالم المهمة.

10.       دعوة المحكمة الدولية لجرائم الحرب والإبادة الجماعية للنظر في جرائم النظام السوري ضد شعبه الأعزل، وتقديم كافة الأدلة والمستندات التي تثبت ذلك.

في الواقع يشعر السوريون جميعا بغصة في حلوقهم بسبب موقف إخوانهم العرب المتخاذل من مأساتهم المفزعة؛ فبكل أسف كان هذا الموقف المخزي دون المطلوب بكثير، بل تقدمت مواقف عدد من الدول الغربية على مواقف معظم الدول العربية، حتى بدا الأمر وكأن الشعب السوري ليس شعبا عربيا، أو كأن العرب لا يدركون مدى بشاعة الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد بني جلدته، وفي الحقيقة فمن حق الكثير من السوريين أن يتساءلوا عن جدوى جامعة الدول العربية وما الذي قدمته لهم في محنتهم الحالية؟!!

 

وبصراحة لا ترى غالبية الشعوب العربية أي دور إيجابي مهم للجامعة العربية، لاسيما في السنوات الأخيرة، ولا تلمس أية فوائد تنعكس مباشرة في حياتها، ولا تفهم أهمية الانضمام إليها والمساهمة في دعم ميزانياتها من دمائها؛ خاصة أنها في معظمها شعوب فقيرة، ويعتبر الكثيرون أن هذه الجامعة ما هي إلا إحدى وسائل خداع العرب ومنعهم من إنشاء وحدة حقيقية فيما بينهم من خلال إيهامهم بأنها تجسد هذا الهدف، لكنها عاجزة عن النهوض بأي دور فاعل في أية قضية عربية، ولا تستطيع القيام بأي عمل ينفع الشعوب العربية مهما كان بسيطا أو رمزيا، ويعتقد أغلب العرب أن الجامعة العربية هي أكبر تجسيد للعجز والخور العربي!!

وبعيدا عن العواطف والكلام الإنشائي المرسل فلا يستطيع أي باحث مدقق الزعم بأن نجاحات الجامعة العربية تعادل إخفاقاتها الكثيرة المتتالية، ولا تبلغ حتى عشرها، وتكاد الذاكرة الجمعية العربية لا تحتفظ لجامعة الدول العربية بأي مظهر من مظاهر النجاح والتوفيق في أي قضية محورية تهم العرب، وجل ما يتذكروه جيدا تلك المظاهر الكرنفالية المستفزة بالغة الإسراف والترف الباذخ في القمم العربية المتلاحقة، والمشاهد الكوميدية التافهة والمسفة التي برع في تنفيذها على الهواء مباشرة بعض القادة العرب كالقذافي، ولا ننسى بعض مواقف الردح العربي الشهيرة التي شنف بها قادتنا أسماع العالمين!! وكأن الجامعة العربية أُسِّست لتكون منتدى للقادة العرب يتسابون فيها ويتنابذون بالألقاب، ويتشاتمون بين أرجائها، أما شعوبهم المسكينة فلا مكان لهم فيها لبحث قضاياهم المصيرية والانتصار لحقوقهم، ويظن بعض اليائسين أنه على ما يبدو لا خلاص ولا مهرب للعرب من الشبيحة والبلاطجة، لا في أرض الواقع ولا حتى في الخيال...!!

* كاتب مصري.

=============================

ساعة غيرت التاريخ العربي

أ . محمد بن سعيد الفطيسي*

بكل تأكيد لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 م , مجرد حدث تاريخي عالمي عابر يمر على البشرية, فقد غيرت تلك الأحداث التاريخ الإنساني بشكل كامل, وكما هو مستوى ذلك الحدث التاريخي عالميا, فقد كان العالم على موعد مع تاريخ آخر لا يقل أهمية وتأثير على الصعيد العالمي واقصد ال 17 من ديسمبر من العام 2010م, وهو اليوم الذي احرق فيه الشاب التونسي محمد البوعزيزي ما تبقى من فصول رواية قديمة من التاريخ العربي الحديث.

 نعم ... ان القرن الحادي والعشرين لم يكن بحاجة إلى حرب عالمية نووية ليشهد ما يمكن ان نصفه بأسرع انقلابين في التاريخ السياسي العالمي الحديث, فقد كانت الأدوات المستخدمة في تلك الأحداث لا تتجاوز عربة خضار وكمية من الاسمنت وبعض من الطائرات المدنية, ورغم اختلاف الأدوات والأساليب المستخدمة في كلا الحدثين, فإن البساطة في التنفيذ والإخراج كانت أشبه بحكاية من حكايات ألف ليلة وليلة, باستثناء ان الأحداث لم تكن لتنتهي مع طلوع فجر اليوم التالي.

 وبالرجوع إلى المشهدين سألفي الذكر, فإن النتيجة التاريخية في كلا الحدثين كانت واحدة, واقصد أنها تغيير مجرى التاريخ البشري الحديث وبشكل كامل, وعلى مختلف الأصعدة والجوانب الإنسانية, وهو ما تأكد من خلال ما وقع من تحولات سياسية واجتماعية وتغيرات فكرية وثقافية وغيرها على الصعيدين العالمي بوجه عام, والعربي على وجه الخصوص.

 وباختصار، فإن قيمة الأحداث سالفة الذكر وأهميتها التاريخية وقيمتها الإنسانية وتأثيرها الحضاري, تدفعنا لجعلها الفاصل ما بين زمنين, هما ما قبل التاريخ وما بعده, وإذا كان التاريخ السياسي العالمي قد احتاج إلى برجين وعدد من الطائرات المدنية الحديثة ليبلغ منتهاه, فإن التاريخ العربي الحديث لم يكن بحاجة إلى أكثر من عربة خضار لينتهي.

 ومما لا شك فيه, ان النتائج التي ترتبت على تلك الأحداث لاحقا, كانت هي التأكيد على مدى قيمتهما التاريخية عالميا, ومدى عمق تأثيرهما الثقافي والسياسي على الإنسانية, وبمعنى آخر، ان البشرية في القرن الحادي والعشرين قد شهدت ما يمكن ان نطلق عليه بأغرب انقلابين وأسرعهما تأثيرا في التاريخ العالمي الحديث, وقع الأول في الولايات المتحدة الاميركية في العام 2001م , ووقع الآخر في تونس العربية في العام 2010م.

 وبعيدا عن أهمية تفاصيل المشهدين, فإن للنتائج أهمية اكبر بكثير على ارض الواقع, فقد قسم الحدث الأول الذي انطلقت شرارته الأولى من مدينة نيويورك الاميركية العالم سياسيا وعسكريا وثقافيا إلى قسمين او فئتين حتى اللحظة, واحدة تقاتل شبح الإرهاب وأخرى تقاتل معه بحسب التصور والإخراج الاميركي, ليتم بناء على ذلك السيناريو وذلك التصور الهوليوودي تحويل العالم إلى ساحة حرب عالمية, بدأت من جبال أفغانستان ولم تنته حتى الساعة.

أما الحدث التاريخي الآخر فقد انطلقت شرارته الأولى من ولاية سيدي بوزيد التونسية, ليمتد ضرام نارها جل الخارطة العربية والعالمية, وبناء على ذلك التصور الذي لم يكن للاستخبارات الاميركية دخل فيه, ولم يتوقع ملامحه تلك محمد البوعزيزي عندما قرر حرق نفسه احتجاجًا على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ, غير الشعب العربي تاريخه السياسي والثقافي بالكامل, متحولا إلى ما أطلق عليه لاحقا بالربيع العربي.

 ذلك الربيع الساخن الذي كان من ابرز ملامحه السياسية الداخلية, تلك الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي وأدت لإسقاط العديد من الأنظمة الحاكمة كما حدث في تونس ومصر وليبيا, وبالطبع فإن استمرار الأحداث في سوريا واليمن وغيرها من الدول العربية ليؤكد ان ذلك الربيع لن يتوقف في القريب العاجل, كما كان من نتائجه المهمة الأخرى, ما أدت إليه تلك الثورات العابرة للحدود من تغيير جذري على مستوى التفكير الثقافي والصعيد الاجتماعي العربي.

 هذا بخلاف التغيير الجذري الذي حدث على مستوى العلاقات الدولية, حيث لم تعد كل أزرار الريموت كنترول الذي يتحكم بالسياسة الخارجية للدول العربية بيد الزعماء العرب, بل آل بعضها إلى الشعوب العربية التي أصبح بيديها التحكم في مصيرها الداخلي وشكل علاقتها مع الخارج, وإذا استمر الفكر السياسي العربي والثقافة السياسية العربية في الطريق الذي رسمته الثورات العربية للشعوب العربية, فإنني أتصور بان خارطة السياسة العربية وخصوصا على صعيدها الخارجي ستتغير بشكل كبير خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

 صحيح أنني لا ألمح في الأفق القريب شكلا عربيا واضحا للاستقرار, أو نهاية تحسم مشاهد الربيع العربي وملامح مستقبله, ولكن في تصوري الشخصي ان ما حدث في العالم العربي خلال الفترة السابقة كان اكبر بكثير من المتوقع او المأمول, فالصدمة السياسية التي أصابت صميم المشهد الثقافي العربي, تحتاج إلى فترة طويلة للخروج منها إلى مرحلة الاستقرار, وهذا بالطبع في حال استقرت الأوضاع العربية نفسها, وهو أمر غير وارد في القريب العاجل.

 فأجواء الحماسة والانفعال والاندفاع النفسي والعاطفي والثقافي التي تقود تحرك معظم المشهد العربي الراهن كما يؤكد ذلك الدكتور محمد عادل شريح تشدنا اليوم إلى المشاهد المتحركة في ساحة التحرير التي أسقطت نظام حسني مبارك، ومثيلاتها الممكنة في الساحات العربية، لكن ذلك كما يقول, لا يلغي حقيقة غياب الرؤى النظرية المكتملة للمستقبل العربي، المتمثلة في غياب ما اصطُلح على تسميته "المشروع السياسي العربي", ذلك المشروع القادر على تأمين الشروط لبناء حياة كريمة تتوفر فيها مقومات حقوق الفرد وكرامة الأمة.

 فإذا كانت صبيحة الحادي عشر من سبتمبر قد أنهت كما يؤكد ذلك السياسي الألماني المخضرم يوشكا فيشر في كتابه عودة التاريخ, المرحلة الأخيرة من حقبة ما بعد الحرب التي بدأت مع سقوط جدار برلين في التاسع من نوفمبر من العام 1989م, فإنه بحسب قول تيموثي جارتون اش في كتابه قرار أميركا ان القرن الحادي والعشرين قد بدأ بضربة هائلة هزت العالم, فإذا كان سقوط الجدار يمثل النهاية الحقيقية لقرن قصير, فهناك ما يكفي من الأسباب للقول بان تدمير مركز التجارة العالمي هو بداية الحقيقة للقرن الحادي والعشرين.

 وجديرا بالقول كذلك ان ما تشهده الساحة العربية اليوم أشبه ما يكون بسقوط جدار برلين وانهيار مبنى التجارة العالمي بالولايات المتحدة الاميركية, ولكن بملامح وسيناريوهات عربية خالصة, فقد أنهت ثورات الربيع العربي معالم الحقبة العربية التي تلت سقوط البرجين في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م, وهناك ما يكفي من الأسباب للقول بان تلك الثورات العربية سترسم ملامح فصل جديد من فصول التاريخ العربي الحديث.

 (ان مسار التاريخ يمكن ان يتحدد في كثير من الأوقات في يوم واحد, او حتى خلال ساعات قليلة, وفي مثل ذلك اليوم سيصبح بإمكان أي فرد ان يشهد التاريخ ويعيشه, ان أقدار العالم تتخذ عقب ذلك اليوم مسارا آخر, والذين شهدوا ذلك يدركون فورا هذا الحدث الدرامي غير العادي, لان الأحداث السياسية تتكثف إلى درجة من الانفعال نادرة الحدوث, إنها أيام تهز التاريخ).

 ولقد كان العالم العربي, والتاريخ العربي, على موعد مع ساعة لن تنساها الأجيال العربية القائمة والقادمة, إنها ساعة هزت العالم العربي, وغيرت من مسار التاريخ العربي, إنها ساعة في يوم الجمعة الموافق السابع عشر من ديسمبر من العام 2010م .

* باحث في الشؤون السياسية ، رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية .

azzammohd@hotmail.com

===========================

مبروك كبيرة...تشكيل المجلس الوطني السوري

د.نصر حسن

مبروك لثورة الحرية والكرامة وأبطالها الشجعان وللشعب السوري الأبي الذي يتصدى بحناجره وصدوره لأعتى عصابة وحشية همجية , مبروك المجلس الذي يمثل من اليوم شرعية الثورة الواحدة وعنوانها المعروف والناطق بأهدافها والهادف إلى دعمها على كافة المستويات وبكافة الوسائل التي تساعدها على تطوير عملها السلمي الميداني حتى إسقاط النظام المجرم كله من رأسه حتى أسفله.

مبروك لأبطال الثورة الذين يضحونلسبعة أشهر عصيبة بدمائهم ويعيشون قمع النظام الوحشي بكل آلته العسكرية ، إنها لحظات ومواقف بطولية نادرة في التاريخ حيث أن الثوار الذين يواجهون القتلة بحناجرهم وبثورة سلمية صبغها القتلة بدماء السوريين ،وحاز هؤلاء الأبطال بحق وشرف امتياز تمثيل الثورة ومشروعية تشكيل قيادة وطنية ،فأبوا إلا أن تكون جماعية يشترك فيها جميع أطراف العمل الوطني في الداخل والخارج ،وفي هذا صفعة لنظام المادة الثامنة قائد الدولة والمجتمع الذي سطى على سورية بانقلاب عسكري دموي عنيف واحتكر كل شيء.

مبروك للسوريين هذا المجلس رمز الثورة ،الذي أسس لعملية ديمقراطية أو نصف ديمقراطية لأنها محكومة بظروفها ،تسجل تفوقها السياسي والأخلاقي على نظام فردي أقصائي من الطراز الشاذ،إنها الخطوة التي عمل النظام المجرم بكامل طاقته المادية والعنفية والإعلامية والمخابراتية في الداخل والخارج على منعها ،بمساعدة عملائه ومرتزقته من كل الأصناف الذين يصولون ويجولون على ساحة المعارضة،وعمل مافي وسعه على إرباك المعارضة بتناسخ المؤتمرات والمجالس ، لخلخة العمل الوطني وتقسيمه إلى دواخل وخوارج ،والتسلل إلى نسيج المعارضة والثورة ومحاولة نقل أمراضه لها عبر مجالس ورقية وأحزاب وأسماء وتنظيمات نبتت كالفطر وذلك لإشاعة الانقسام والبلبلة واللبس بتعويم الكثير من البرامج والأجندة المشبوهة لإرهاق الثورة والمعارضة لكنه فشل بالمحصلة، واثبتت الثورة بأبطالها قدرة فائقة على كشف مخططاته وحالة بطولية نوعية على امتصاص حملات العنف والقتل الوحشي الذي يمارسه .

إن الأيام التي سبقت تشكيل المجلس كانت استثنائية بحملات القتل والتمثيل بالشهداء واختظاف البنات والإبادة الجماعية بالغازات السامة والطائرات وكل مخزون عنفه وحقده وكراهيته للشعب ، شهدت الكثير من فوضى المبادرات وسجال الحراك السياسي في الداخل والخارج، حاول النظام بكل إمكانياته على تفتيت المعارضة وتطويل زمن مشاوراتها ، كانت أيام عصيبة لأن الثورة في طورها الحالي تتطلب وجود قيادة تنطق باسمها وتوفر لها ممكنات استمراريتها موحدة ً حفاظا ًعلى قوتها وسلميتها،وتبعد حالة الإحباط وتقويعزيمتها،جاء تشكيل المجلس ليرد على النظام المجرم وعملائه الظاهرين والمخفيين وكل المراهنين على التشققليقول للعالم أصبح للثورة والمعارضة عنوان.

طبعا ً هناك الكثير من الملاحظات حول التمثيل والعدد والنسب وآلية التشكيل وأمور كثيرة تقال ويجب أن تقال، يجب أن يكون باب النقد مفتوحا ً في الإطار المؤسسي للمعارضة الذي هو المجلس ، والذي رغم كل عيوبه أعطى إيجابية كبيرة في طي صفحة المجالس، ولاشك أنه خلاصة ماسبقه ، لكنه مثل فرزا ً كاملاً لنسقين ونهجين ، نسق التكرار والدوران حول النظام ونسق الحسم والدوران حول الثورة , وتمايزاً بين نهج النظام وأهله ونهج الثورة وأهلها ، وبالتالي يجب أن ينظر له على أنه البداية المؤسسية الشرعية المفتوحة على الجميع الملتقي على أهداف الثورة بدون لف ودوران وضمن آليات محددة وبرنامج واحد ثلاثيته شعار الثورة ( إسقاط النظام كله ) ووسيلتها السلمية وهدفها سورية الجديدة دولة مدنية ديمقراطية يتساوى فيها جميع السوريين بدون تمييز أو امتياز .

أخيرا ً تحية إلى أبطال الثورة أطفالاً ونساء ً ورجالا ً الذين انتشلونا من فرقتنا وسجالنا ومجالسنا التي أوشكت أن تنحدر بالمعارضة إلى التضارب والكيدية والسباق المحموم على التسميات وخلق حالة الفوضى على الساحة الوطنية ، جاء المجلس تتويجا ً للثورة وشعارها ووسيلتها وهدفها بشكل صريح لايقبل التمويه والاستبطان واللف والدوران ، وهو اليوم أمام مرحلة جديدة مفتوحة عليه العيون كلها ومعقودة عليه الآمال الكبيرة وأمامه عمل كبير مطلوب أن ينجزه ، ومطلوب أولا ً وأخيراً أن يكون بمستوى الثورة وبمستوى الدماء التي تسيل وبمستوى المرحلة ، وألف باء نجاحه هو اعتماد العمل الوطني المؤسسي الجماعي المبرمج الكفوء على طريق دعم الثورة وإسقاط هذا الكابوس عن كاهل سورية.

========================

تفريغ الجيش

(1 من 2)

مجاهد مأمون ديرانية

لو أردتم ترتيب الأجهزة التي يستعملها النظام ضد الشعب من حيث إجرامها وأذاها فكيف ترتّبونها؟ غالباً سوف تختلف الإجابات ويختلف الترتيب بين جواب وجواب، أما أنا فأرتبها على النحو التالي (من الأشد ضرراً إلى الأقل):

(1) المخبرون (العواينية). وضعتهم على الرأس لأنهم أصل بلاء الثورة، وسوف أتحدث عنهم وعن شرهم في مقالة قادمة مستقلة بإذن الله، ولي رأي شبه متطرف في الطريقة المناسبة للتعامل معهم (قد لا يرضى عنه المغرقون في السلمية الذين يعتبرونها موقفاً يمليه المبدأ لا موقفاً تمليه المصلحة كما بينت في مقالة تعريف السلمية).

(2) الشبيحة، فهؤلاء مجرمون وقَتَلة غير نظاميين، لا يتحركون فقط لحماية النظام كما تفعل أجهزة الأمن النظامية، بل أيضاً للمكاسب والأهواء الشخصية كالسرقة والانتقام. أيضاً سأتحدث عنهم في مقالة قادمة، وأيضاً لن يرضى عن رأيي فيهم دعاة السلمية المطلقة.

(3) أجهزة الأمن والمخابرات، وخبرهم معروف.

(4) القوات العسكرية المصمَّمة لحماية النظام، وهي تضم: فرقة الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة (وريثة سرايا الدفاع سابقاً ثم الوحدة 569 لاحقاً)، والقوات الخاصة التي تتكون من نخبة مدربة على الولاء المطلق للنظام، وهي موزعة على نحو عشرة أفواج مستقلة تتبع لقيادات الفيالق مباشرة وليس لقيادات الفرق.

(5) الجيش النظامي.

لا تستغربوا من هذا الترتيب. هل يُجبَر أحدٌ على الانضمام إلى عصابات الشبيحة وممارسة التشبيح، أو على الانتساب إلى أجهزة المخابرات والمشاركة في قمع الأبرياء؟ لا، إنما يصنعون ذلك مختارين ويمارسون القمع والإجرام بتصميم واستمتاع. بالمقابل يتكون الجيش النظامي -في معظمه- من مجنَّدين يقضون خدمتهم الإلزامية، وهم ليسوا سوى أبنائنا وإخواننا الذين لم ينضموا إلى الجيش مختارين بل مجبورين. حتى المتطوعون الذين انتسبوا إلى الجيش أو درسوا في الكلية الحربية وتخرّجوا فيها ضباطاً لا يلزم بالضرورة أن يكونوا أصحاب ولاء مطلق للعصابة الحاكمة، بل ربما تطوعوا في الجيش مدفوعين بوهم الدفاع عن الوطن… ربما باستثناء كبار الضباط الذين يصعب أن يصلوا إلى مناصب عالية إلا إذا كانوا أصحاب ولاء مطلق للنظام أو للحزب الحاكم.

لم أقدم الترتيب السابق من باب الثقافة وزيادة المعلومات، بل ليساعدنا في تصميم خطة مناسبة للعمل. عندما نفكر مثلاً في خيارات الثورة سنجد أن من بينها طلب التدخل الخارجي بصورة من الصور التي ناقشناها في المقالات السابقة وتشمل عمليات جوية واسعة أو حظراً جوياً يسبقه ضربٌ للدفاعات الأرضية ومحطات الرادار ومراكز التحكم، إلخ. عندما نفكر في تلك الخيارات سنجد أن ضحاياها هي أعداء الثورة الخمسة التي ذكرتها سابقاً، ولكن بترتيب معكوس: (1) سوف يتلقى الجيشُ النصيبَ الأكبر من الضربات فتتحطم آلته العسكرية ويسقط عدد هائل من جنوده ضحايا للقصف. (2) الفرقة الرابعة وفرقة الحرس الجمهوري ستتلقى ضربات مركزة على الأغلب، ولكنها ستُحاط بأشد الدفاعات الممكنة بحيث تكون خسائرها أقل من خسائر الجيش النظامي. (3) سوف تتلقى مراكز الأمن والمخابرات (العامة والسياسية والعسكرية والجوية) بعض الضربات ولكنّ مَن سيُصاب من مجرميها سيكون عدداً قليلاً جداً لأنهم سيهربون منها قبل وقت طويل من ضربها. (4) الشبيحة لن يصابوا بأذى يُذكر لأنهم سوف يتجنبون التجمع في مراكز ثابتة ويمكن أن يختلطوا بالمدنيين، فيصبح استهدافهم أقربَ إلى المستحيل. (5) المُخبرون والجواسيس لن يصلهم شيء لأنهم يعيشون أصلاً وسط جماعة السكان المدنيين.

العرض السابق سبب إضافي يمكننا تقديمه لإقناع الناس بالتخلي عن فكرة طلب التدخل العسكري الخارجي والضربات الجوية، ولكنه ليس هو الغرض من هذه المقالة. الفكرة التي أردت توضيحها هنا هي أن الجيش ليس عدواً بذاته، ليس عدواً أصلياً للشعب والثورة، بل هو أقرب إلى العبيد الذين كان الرومان يجنّدونهم من بلدان معينة ليحاربوا بهم بلداناً أخرى (وقد صنع الفرنسيون شيئاً قريباً من ذلك في بلادنا عندما جندوا الجزائريين -العرب المسلمين- لحربنا أثناء الثورة السورية الكبرى، وكانوا بين مُكرَه ومخدوع).

بما أن الجيش ليس عدواً لنا بالأصل، بل هو منّا وإلينا، فماذا تقترحون أن نصنع به؟ ندمره بأيدي غيرنا؟ فكرة غير حكيمة. نحاربه بأيدينا؟ لا تبدو هذه فكرة جيدة أيضاً. إذن ماذا؟ ببساطة: نسترجعه.

لقد أطلقَت صفحات الثورة قبل شهرين حملة موفَّقة عنوانها “لن نخدم في جيش يقتلنا”، ولكنها كانت حملة مؤقتة للأسف ولم تستمر، مع أن الحاجة إليها مُلِحّة، كما أنها اقتصرت على دعوة المطلوبين للتجنيد إلى عدم الاستجابة لطلب التجنيد. تعالوا نتعاون في ابتكار وسائل أخرى تساعدنا على استرجاع جيشنا، وبالطبع فلن نتوقع أن نسترجعه كله قبل سقوط النظام، بل ولا أكثره، لكن تذكروا أن أي جزء ننجح في استرجاعه منه هو مكسب عظيم للثورة، لأنه سيقلل أعداءها ويزيد أصدقاءها. سأقدم هنا ما يساعدني خيالي المحدود على تصوره من وسائل، ولا بد أن يُبدع قادةُ الثورة وجنودها في الشام أكثرَ منها وأفضل، فاعتبروها بداية وزيدوا عليها، وسوف أقسمها إلى مجموعتين: ما ينبغي توجيهه إلى أهالي المجندين، وما ينبغي توجيهه إلى المجندين أنفسهم. المجموعة الأولى سأعالجها في هذه المقالة، أما الثانية فسوف أناقشها في المقالة الآتية بإذن الله.

* * *

أولاً: الخطاب المطلوب توجيهه لأهالي المجندين

علينا أن نوصل المعاني التالية إلى أهالي المجندين وأن ننشرها على أوسع نطاق ممكن، نشراً شفهياً وتحريرياً، بالتواصل الفردي مع الأهل والأصحاب وبالنشر الكتابي في المواقع والمنتديات:

يا أهالي المجنّدين: أنتم تعلمون أن النظام أرسل أبناءكم إلى مدن بعيدة وأرسل أبناء تلك المدن إليكم، فإذا استجاب أبناؤكم للأوامر واستجاب لها أبناؤهم قتلكم أبناؤهم وقتلهم أبناؤكم. اكسروا تلك الحلقة الشريرة؛ اتصلوا بأبنائكم الذين يخدمون في الجيش، مجنَّدين كانوا أو متطوعين، أفراداً أو ضباط صف أو ضباطاً، وأبلغوهم الرسائل التالية:

(1) يا ابني (أو يا أخي): زملاؤك الجنود يحاصرون بلدتنا ويقتحمون بيوتنا لأن قادتهم أخبروهم أن فيها جماعات مسلحة تهاجم المدنيين والعسكريين. لقد أخبروكم بالأمر نفسه فيما يخص المدن والقرى التي تحاصرونها وتقتحمونها. يجب أن تعلم أن قادتكم كاذبون، فليس فينا مسلّحون، وأنت تعلم ذلك. لقد كذبوا على زملائك ليبرروا لهم الهجوم علينا كما كذبوا عليكم ليبرروا لكم الهجوم على غيرنا من أهل سوريا المدنيين الأبرياء.

(2) يا ابني (أو يا أخي): جنود الجيش يهاجموننا ويقتلوننا هنا فيما تهاجمون وتقتلون أهلهم حيث أنتم. توقفوا، تمردوا، حاولوا الهرب، وإذا فشلتم في كل شيء ولم يبقَ إلا خيار القتل فليكن الواحد منكم المقتولَ لا يكن القاتل. هذه الرسالة سيوصلها الأهالي الذين تحاصرونهم الآن وتهاجمونهم إلى أولادهم المجنّدين الذين يهاجموننا ويحاصروننا، فإذا حاصرتموهم أو اعتقلتموهم أو قتلتموهم فسوف يعجزون عن توصيل الرسالة، وبالنتيجة هم ونحن سنشترك في نفس المصير وسنكون ضحايا القمع الظالم.

(3) يا ابني (أو يا أخي): إن الجنود الذين يحاصرون بلدتنا ويقتحمونها ليسوا سيئين ولا يقتلون الأبرياء ولا يسرقون الممتلكات، ولكنهم يوفّرون الحماية والدعم لأجهزة الأمن التي تقوم بذلك وتقوم بما هو أسوأ من ذلك، ولا شك أنكم تعملون الشيء نفسه حيث أنتم، ولذلك فلا شك أنكم تعرفون الكثير عن جرائم عصابات الأمن. إن الجنود الذين يشاركون في الحملة علينا شركاء في الجريمة لأنهم يساعدون المجرمين على تنفيذ جريمتهم، وأنتم أيضاً شركاء في الجريمة إذا شاركتم المجرمين الذين يهاجمون المدنيين الأبرياء.

(4) لذلك فإننا نرجوكم أن تتخلوا عن مساعدة العصابات المجرمة وأن تتمردوا أو تفروا من القطعات العسكرية، ونرجوكم أن ترجوا أهالي المدن التي تقتحمونها أن يرجوا أبناءهم المجندين الذين يخدمون في المناطق الأخرى أن يفعلوا كما تفعلون، فإذا استجبتم أنتم لرجائنا واستجاب الجنود الذين يحاصرون بلدتنا لرجاء أهاليهم فسوف يرتفع ضغط كبير عن الشعب المسكين ويزداد الضغط على عصابات الأمن والشبيحة من المجرمين.

ثانياً: العمل المطلوب من أهالي المجندين

(1) امنعوا أولادكم من الالتحاق بمراكز التجنيد. عليكم -ببساطة- أن تتجاهلوا كل نداءات وطلبات التجنيد، ولا تخشوا العواقب لأن أجهزة النظام مشغولة في هذه الأيام بحيث لن تجد الوقت الكافي للبحث عن أبنائكم وجرّهم إلى الجيش. علمت أن الدفعة الجديدة سوف تُستدعى إلى الخدمة في أول تشرين، أي بعد أسبوع، فإياكم أن تستجيبوا لأي نداء استدعاء يا أيها الأحرار. إن متوسط عدد المجندين في الدفعة الواحدة هو 128 ألف عنصر تقريباً، وهذا هو العدد الذي سيكسبه النظام ويستعين به على قمع أهل سوريا الأحرار لو أنكم سمحتم لأولادكم بالالتحاق بالخدمة العسكرية الآن. أكرر: إياكم أن تستجيبوا لنداء التجنيد يا أيها الشرفاء الأحرار.

(2) القاعدة نفسها تنطبق على إعلان التعبئة الذي أطلقه الرئيس المخلوع مؤخراً (ولم يحدد موعد تنفيذه بعد). امتنعوا عن تلبية النداء، لا تلتحقوا بقطعاتكم العسكرية. رجائي هذا موجَّه إلى كل عناصر الاحتياط من ضباط وجنود، وإلى إخوانهم وأخواتهم وأمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم وأولادهم… أيُّما واحد من هؤلاء له عنصر من عناصر الاحتياط (ابن أو أخ أو زوج أو أب) عليه أن يضغط عليه وأن يمنعه من الاستجابة للتعبئة. فكروا: هل يخوض الجيش الآن حرباً ضد أعداء الوطن أم أن الاحتياط سيوجَّه لضرب أبناء الوطن؟ التخلف والعقوبة على التخلف (لو وقعت) أهون من تحويلكم إلى قَتَلة لحساب زعيم العصابة. لا تستهينوا بهذا الرجاء بل ادعموه وانشروه، فإن استجابة عناصر الاحتياط لطلب التعبئة العامة سوف يضع في يد النظام 343 ألف عنصر جديد سيستعملهم في قمع الثورة!

(3) اسحبوا أولادكم من الجيش. إذا زاركم ابنكم المجند في إجازة فامنعوه من العودة، وإذا تواصلتم معه بأي طريقة وهو في قطعته فأقنعوه بالهروب. لا تخافوا، فإن فرص القبض على الهاربين تتضاءل مع ازدياد أعدادهم. إن الأمن العسكري لا يستطيع تعقب عشرات الآلاف من الهاربين من الخدمة، وهو يواجه أصلاً مشكلة مع أكثر من اثنَي عشر ألف هارب إلى اليوم، حيث تحمل عناصر الأمن العسكري بطاقات بحث عنهم وتتعقبهم منذ شهور ولم تنجح في الوصول إلاّ إلى أقل القليل منهم. هذا أولاً، وثانياً وهو الأهم: إن عقوبة الهرب من الخدمة هي الحبس وتمديد فترة الخدمة، وربما بعض الإهانات والبهدلة، وهذا كله لا يقارَن بمصير الجندي الذي يرفض تنفيذ الأوامر. إن العصيان في ساحة الحرب يمنح الضابط المسؤول الحق في محاكمة ميدانية وإعدام فوري، وهذا هو ما يحصل باستمرار حيث استُشهد حتى الآن مئات من المجندين الشرفاء لأنهم رفضوا تنفيذ أوامر قادتهم بإطلاق النار على المدنيين. أكرر: اسحبوا أولادكم من الجيش قبل أن يتحولوا إلى قَتَلة أو إلى مقتولين.

======================

هل الغرب يريد إسقاط النظام السوري ؟ !

محمد حسن فقيه

بعد إطلالة الربيع العربي في سورية ، والذي طال شتاؤه واشتد برده وادلهمت خطوبه واسودت لياليه وأظلمت حلكتها ، وبعد ردة فعل النظام الفاشي ضد مطالب الشعب الثائر المطالب بحريته التي سلبوها وكرامته التي داسوها ، فقام هذا النظام المستبد بتنفيذ كل الممنوعات والمحظورات ، واقتراف جميع الجرائم والموبقات ، من اعتقال وقمع وقتل وانتهاك للحرمات ، واعتداء على الأعراض وتدنيس للمقدسات ، واغتصاب للحرائر العفيفات ، وتمثيل وحشي بأجساد الأطفال الأبرياء وأفعال إجرامية مشينة تنم عن نفسيات حاقدة وعقول مريضة ، يتحكم بأصحابها طبيعة سادية ، ومهنية احترافية في القمع والقتل ، للتلذذ بسفك الدماء وتقطيع الأعضاء ، وتنفيذ المذابح والمجازرالجماعية بحق المواطنين العزل الشرفاء .

قامت قوات القمع الأسدية من عناصر أمنية وعصابات الشبيحة والفرقة الرابعة لماهر الأسد ، مع العصابات الفارسية الحاقدة والميليشات الطائفية المستوردة ، بقمع المواطنين وقتل الناشطين واغتيال العقول والكفاءات والخبرات ومطاردة الشرفاء ، وإذلال المواطنين من نساء وشيوخ وأطفال بعقاب جماعي مهين .

وقد وقف العالم الغربي يدين منددا بهذه الأفعال الإجرامية والانتهاكات الانسانية والمجازر الجماعية ، ففي كل يوم تطالعنا تصريحات من زعماء الغرب تدين وتندد بالقمع الوحشي والنهج الأسدي:

* ساركوزي : النظام فقد شرعيته ، كماأكد للراعي أن نظام الأسد قد انتهى .

* كلينتون وأوباما : على الأسد أن يتنحى .

 * كاميرون : الأسد فقد شرعيته تماما .

* ميركل : دعت بشار الأسد إلى التنحي .

* الأتحاد الأوربي وأميركا : على بشار الأسد التنحي عن السلطة .

* تركيا واردوغان : يطالب بشار الأسد بالتنحي بعد أن ضاق ونفذ صبره وهو يقدم له النصائح لإيقاف الحل الأمني وعمل إصلاحات حقيقية بالصدمة .

* روسيا : حتى مديفيديف الحليف الأقوى للنظام السوري نصح الأسد بالقيام بإصلاحات حقيقية ، وإلا فإن مستقبلا حزينا ينتظره .

* واتهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس الأسد ، بأنه لم يف بالوعود التي قطعها ، داعيا إلى القيام بعمل دولي موحد ضد النظام السوري .

* حتى الجامعة العربية ونبيلها الذي لم يتحلّ بأية مواقف نبيلة تجاه الشعب السوري الذي يذبح كل يوم حتى الآن ، صرّح أخيرا أن الأسد لم ينفذ وعوده ويف بالتزاماته ....

* وبعض الدول العربية سحبت سفراء ها للتشاور .

* كما أوصى البرلمان العربي بتجميد عضوية البرلمانيين السوريين ووقف العمل بمكتبه الرئيسي ومقره دمشق .

استبشر الشعب السوري الحروالشباب الثائر بهذه التصريحات ، وتوقع دعما جديّا وقربيا لإسقاط هذا النظام الفاشي ... وكيف لا وقد رأى كيف تخلت أمريكا عن عرّابها في المنطقة حسني مبارك خلال أسبوعين ، وطلبت منه التنحي وضغطت عليه مع تزايد الضغط الشعبي حتى أجبر على ذلك صاغرا، ومن قبله زين الهاربين الذي فرّ تحت جناح الليل بعد أن باعته أمريكا وتخلت عنه .

لكن الشعب السوري ومع مرور الأيام والشهور ، لاحظ أن هذه التصريحات خالية من أية إجراءات حقيقية على الأرض ، يمكن أن تجبر هذا التظام الغاشم على السقوط والتنحي عن السلطة ، بل بدا للمعارضين والمحللين والسياسيين أن الغرب يقدم الفرصة تلو الأخرى ، ويمنح المزيد من الوقت لهذا النظام السفاح كي يقضي على المعارضة ويجهز عليها .

إذا كان هؤلاء الزعماء في الغرب أو غيرهم يريدون فعلا إسقاط هذا النظام ويعنون فعلا ما يقولونه من تنحيه عن السلطة ، وأن شرعيته فعلا قد انتهت ، كان يمكن لهم أن يتصرفوا بأكثر من طريقة عملية لإسقاطه .

لقد تدخلت أمريكا في العراق وأفعانستان واحتلتهما احتلالا عسكريا وحشيا ، دون موافقة الأمم المتحدة ودون أن تصغي أو تلقي بالا إلى المجتمع الدولي أو غيره .

لقد قامت الأمم المتحدة باستصدار قرار إدانة لليبيا وسمحت بتدخل عسكري فيها لحماية المدنيين ، تبع ذلك تدخلا من قوى الناتو حتى تم طرد القذافي ، وأخرجوه من جحره في باب العزيزية هائما على وجهه لا يعلم أحد قراره .

وبالطبع فإن هذا التقديم لا يعني الموافقة على ما حصل أو الدعوة إلى تكرار النموذج العراقي أو الليبي أو ... خاصة وأن المعارضة السورية أصبحت ممثلة بمجلسها الوطني والذي أصبح صوتها الناطق ويعبر عن أهدافها ، مازالت متمسكة بخيارها واستراتيجيها من رفض التدخل الأجنبي في الشأن السوري .

إن رفض التدخل العسكري الخارجي من الغرب في الشأن السوري ، لا يعني رفض تصريحات زعماء الغرب وأنه لم يعد لها معنى .

لقد سمع الشعب السوري ومعارضته ذلك الكلام المعسول من الغرب ، مع ما سمعه من تركيا وبعض الزعماء العرب والشعوب العربية في انتقاد النظام السوري، وممارساته القمعية والتي ترقى الى جرائم ضد الانسانية ، فشد ذلك من أزر الشعب الثائر والمعارضة ، ودغدغ حلما طالما داعب خيالهم عن سقوط النظام وتنسم الحرية التي طال انتظارها ، وخرج بمظاهراته يطالب بالحماية الدولية .

إن الغرب لو كان صادقا في دعواه ضد النظام ، كان يمكن أن يساهم بشكل كبير في إسقاط هذا النظام أو إجباره على التنحي ، ليس بعمل عسكري ولا نموذج عراقي أو ليبي ، خاصة وأن أغلب الشعب السوري والمعارضة يرفضون ذلك جملة وتفصيلا ، ولكن عندما يعلن زعماء الغرب بأن هذا النظام الفاشي قد سقط وعلى بشار أن يتنحى ، فإنهم يمكن أن يقوموا بأعمال كثيرة من حراك سياسي وضغط دبلوماسي

ومقاطعة اقتصادية ... وحصار... وغير ذلك تؤدي إلى استسلام هذا النظام وانهياره .

كان يمكن أن تقوم هذه البلدان بتشديد العقوبات على النظام السوري لتضييق الخناق عليه .

كان يمكن لهذا الغرب من استدعاء سفرائه من سوريا وقطع علاقاته السياسية والدبلوماسية بهذا النظام الفاشي القاتل .

كان يمكن لهذا الغرب أن يطرد السفراء السوريين من أراضيه خاصة ، وأن كثيرا منهم إن لم يك جميعهم يقومون بعمل استخباراتي ونشاط إرهابي ضد المواطنيين السوريين المعارضين في تلك البلدان .

كان يمكن لهذا الغرب أن يضغط على كثير من البلدان العربية التي تدور في فلكه ، لتحذو حذوه وتسحب سفراءها من سورية وتطرد السفراء السوريين من أراضيها.

كان يمكن للأمم المتحدة أن تطرد ممثل سورية من مقرها ، والذي يدافع عن جرائم نظامه المستبد الفاسد وجرائمه الوحشية بحق شعبه .

كان يمكن للغرب والأمم المتحدة أن تضغط على روسيا والصين - وهي قادرة على ذلك لو أرادت - لإدانة النظام السوري واتخاذ عقوبات جماعية ضده .

كان يمكن للجامعة العربية أن تطرد ممثل سورية فيها وتجمد عضويتها .

كان يمكن للمجتمع الدولي أن يقوم بحظر الأسلحة على سورية ومراقبة حدودها البرية والبحرية والجوية ، لمنع دخول أية شحنة سلاح أو دعم لوجستي من روسيا أو طهران أو غيرهما تساهم في قتل الشعب السوري .

كان يمكن لهذا المجتمع الدولي أن يقوم بالضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي بشكل حقيقي وفاعل حتى يسقط هذا النظام .

لو أراد الغرب فعلا إسقاط النظام لفعل ، ولكن يبدو أن الغرب حتى هذه اللحظة مازال يمنح هذا النظام المزيد من الوقت والكثير من الفرص ، وأنه فعلا حتى هذه اللحظة لا يريد إسقاط النظام ! .

======================

الثورات العربية تربك العقل السياسي العربي

د/إبراهيم أبراش

لا شك أن العالم العربي يعيش مخاضا غير مسبوق فيما بات يُعرف بالربيع العربي أو الثورات العربية،ولكن،ككل مخاض تبقى التخوفات واردة،ليس بالضرورة من باب التشكيك بالثورة بل من باب الخوف عليها وأحيانا منها . تدل الشواهد التاريخية بأن الحكم على الثورات لا يكون من خلال خروج الجماهير للشارع ضد النظام ولا من خلال إسقاط رأس النظام ،بل من خلال مخرجاتها النهائية بمعنى التغيير الجذري للنظام: سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ،أيضا أن الثورات لا تؤتي أكلها مباشرة فقد تحتاج لسنوات حتى تستقر أمورها ويشعر الشعب بأن تغييرا إيجابيا قد حدث،إلا أن مؤشرات تظهر في بدايات الثورة يمكن من خلالها تبليغ رسائل طمأنينة أو رسائل قلق وخوف من المستقبل .

الثورتان التونسية والمصرية ما زالتا في المرحلة الانتقالية ومجرد استمرار خروج الشعب إلى الشارع في مظاهرات ومظاهرات مضادة يدل على أن الثورة ما زالت تبحث لها عن اتجاه وهدف وأن مجرد سقوط رأس النظام – مبارك أو زين العابدين- لا يعني نهاية النظام،كما أن البروز المتزايد للنزعات الدينية والتدخل الخارجي في مجريات الثورة يثير القلق على الثورة ومن الثورة . مع أن الثورتان التونسية والمصرية أنجزتا حتى الآن نجاحات لا يمكن إنكارها منها 1)- كسر حاجز الخوف – والذي نتمنى ألا يتحول إلى حالة فوضى لأن كسر حاجز الخوف في مواجهة النظام إن لم يكن في إطار رؤية وقيادة ثورية توجه الجمهور سيتحول لحالة فوضى - 2) – إنهاء التمديد للرئيس إلى مالا نهاية 3)- نهاية التوريث للرئيس 4)- إعادة ثقة الشعب بنفسه ورد الكرامة له 5)- عودة الروح الوطنية كجامع للكل الوطني ،إلا أن هذه الإنجازات يمكن فقدانها مع مرور الوقت إن لم تنتج الثورة ثقافة الثورة بمضامين ديمقراطية تحررية .

لا شك انه من السابق لأوانه نشر روح الشك والإحباط من حالة عدم الاتستقرار حتى الآن في مصر وتونس فما يجري أمر طبيعي في المراحل الانتقالية في الثورة بالرغم من التخوفات المُشار إليها،وأن نشير لهذه التخوفات إنما للتحذير من وهم سيطر على بعض قطاعات الشعب بأنه بمجرد خروج الشعب للشارع وسقوط رأس النظام تكون الثورة قد حققت أهدافها.إن كانت مصلحة الشعب هي الهدف والمبتغى في أية ثورة ،وإن كان لا يمكن أن نتحدث عن ثورة بدون خروج الشعب للشارع ،إلا أن دور الشعب في الثورة يظهر ويكون مهما في المرحلة الأولى أي مرحلة الخروج للشارع وإسقاط رأس النظام ،أي أنه مجرد أداة،أما تغيير النظام وبناء نظام جديد فهذه مهمة القوى السياسية والنخب المنظمة،عسكرية كانت أو مدنية.هذه القوى تقرر إن كانت ستغير النظام جذريا أو التضحية برأس النظام السابق لتعيد إنتاج النظام بنفس أدواته الأمنية والعسكرية والإدارية وبنفس نهجه السياسي ولكن بشعارات جديدة وشخصيات جديدة،وإلى هذه القوى السياسية المنظمة تعود مسؤولية فشل أو نجاح الثورة وليس للشعب.

في الحالتين التونسية والمصرية يمكن الحديث عن ثورات شعبية وطنية وخصوصا في بداياتها حيث شاركت كل القوى وقطاعات الشعب بالخروج إلى الشارع وحيث كان التدخل الخارجي محدودا أو جاء لاحقا ليركب موجة الثورة،فواشنطن مثلا ركبت موجة الثورتين لاحقا في محاولة لتبييض صفحتها السوداء في العالم العربي،وكانت هاتان الثورتان وطنيتين لأنهما حررتا الوطنية من الحزب الحاكم الذي صادرها لسنوات ونصَّب نفسه مدافعا وناطقا باسمها وهو في حقيقة الأمر صادر الوطنية لصالح الحزب الحاكم ثم وظف الحزب لخدمة نخبة قليلة ،وهو نفس ما جرى لعقود في غالبية الدول العربية ،فمثلا صادر حزب البعث القومية العربية والوطنية السورية والعراقية لصالح الحزب ثم لصالح الحاكم .

بالإضافة إلى هاتين الثورتين توجد تحركات شعبية أو (ثورات ) في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين ،في هذه الحالات يصعب الحديث عن ثورات بنفس سياق الحالتين التونسية والمصرية ،أو فلنقل إن الثورة في هذه البلدان بدأت تثير التخوفات منذ بدايتها،ذلك أنها أثارت نزعات طائفية وشعوبية من بدايتها و تم اللجوء إلى السلاح بشكل كبير و الأخطر من ذلك أنها موجهة ومدعومة بشكل كبير من الخارج وخصوصا في ليبيا ،فكيف نتكلم عن ثورات شعبية بقيادة ودعم واشنطن وحلف الأطلسي؟ كما أنها ثورات لا تهدد فقط بإسقاط النظام بل تهدد وجود الدولة ووحدة الشعب.

لا محاجة أن الأنظمة العربية أنظمة استبدادية ومعيقة لنهضة وتقدم الأمة وبالتالي لا يمكن الدفاع عنها أو التباكي عليها،ولكن في نفس الوقت ليس بديل الثورة وصاية غربية جديدة واحتلال جديد مباشر أو غير مباشر قد يكون أكثر خطورة من أنظمة الاستبداد.تجربة العراق ما زالت حاضرة حيث تم توظيف نصوص دينية وقوانين دولية بالإضافة لاختلاق الأكاذيب حول السلاح النووي والكيماوي وانتهاك حقوق الإنسان الخ لتبرير الاستعانة بواشنطن وجيوش الأطلسي واليوم نشاهد حال العراق المأساوي بعد عشرين عام من العدوان الأول عليه .

التحدي الأكبر أمام العقل السياسي العربي لمرحلة ما بعد الاستقلال وأمام الجماهير العربية الثائرة يكمن في كيفية اشتقاق مناهج وأدوات للموازنة بين الثورة والتغيير من جانب والحفاظ على الاستقلال الوطني من جانب آخر؟ كيفية التوفيق بين المأمول من ثورة تحرر الوطن والوطنية من ربقة عبودية النظام والحزب الحاكم وتحفاظ على وحدة الشعب من جانب و تجنيب البلاد النزعات الأثنية والطائفية والشعوبية من جانب آخر؟.

سكوت المثقفين والمفكرين عما يجري في العالم العربي وبقاء أغلبهم في حالة ترقب وانتظار وانحياز بعضهم لأحد الفريقين المتصارعين يعبر عن حالة تيه فكري أو أنهم يعيدون النظر في برادغمات ومنظومات فكرية سادت لعقود، وخصوصا إن كان سكوتا من مثقفين ومفكرين قوميين نظَّروا كثيرا وكتبوا طويلا عن الحرية والاستقلال والوحدة العربية وعبأوا الشعب بمعاداة الغرب والامبريالية الأمريكية ونظروا لديمقراطية يؤسسها الشعب ومفارقة للديمقراطية المفروضة من الخارج .

يبدو أن المفكرين والثوريين العرب في مواجهة متغيرات غير مسبوقة وهي ان الثورات العربية الراهنة تشكل حالة انقلاب على فكر ومفاهيم الثورة والتحرر والديمقراطية التي استقرت في العقل السياسي العربي حيث كانت مفردات الحرية والاستقلال والقضاء على الاستعمار ورفض التبعية للغرب والتحكم بثروات البلاد الخ تشكل المضمون الفكري للثورة أو أيديولوجية الثورة الديمقراطية التحررية.

ما يجري في الدول المشار إليها وخصوصا في ليبيا يثير تساؤلات كبيرة حول مفهوم الثورة وأدواتها وأهدافها،بل تفرض على العقل السياسي العربي إما أن يعيد النظر في كثير من مقولاته وتصوراته السابقة وخصوصا نظرته للغرب ولواشنطن باعتبارهم قوى استعمارية امبريالية وحلفاء لإسرائيل وللصهيونية العالمية وأعداء للشعوب العربية ونهضتها،أو يعيد النظر في مفهومه للثورة والتحرر والديمقراطية المشتق من الفكر الثوري والقومي ويتعامل معها ضمن مفاهيم وثقافة عصر العولمة والهيمنة الغربية.

حتى لو وضعنا جانبا كل التساؤلات السابقة فإن ستة دول عربية فقط تمر بحالة ثورة فيما ست عشرة دولة تعرف حالة استقرار حتى أن إرهاصات الثورة التي لاحت فيها إثر الثورة التونسية تراجعت،فهل نفسر ذلك بأن الدول التي تشهد ثورات أكثر استبدادا وسوءا من غيرها؟أم أن هناك حسابات خارجية بأدوات داخلية تحدد بوصلة الثورة ؟.

ليس من السهل إعطاء إجابة الآن ،ولكن من المؤكد بان العقل السياسي العربي والمثقفون العرب المنتمين لجيل ما بعد الاستقلال وما قبل العولمة يواجهون تحديات غير مسبوقة ،تحديات فكر وتحديات واقع وتحديات تدافع الأجيال بسرعة غير مسبوقة.

Ibrahemibrach1@GMAIL.COM

=========================

بلير وجهٌ قبيح وتاريخٌ أسود

د. مصطفى يوسف اللداوي

لعله من السخافة والبله وقلة العقل أن نصدق طوني بلير، وأن نعتقد أنه يحمل الخير لنا نحن الفلسطينيين، كما لم يحمل وبلاده الخير يوماً للعرب، فهذا رجلٌ مقيتٌ سيئ السمعة والصيت، يسيئ أكثر مما يفيد، ويضر أكثر مما ينفع، وما كان اختياره لهذا المنصب إلا لأنه الأسوأ، والأكثر ضرراً علينا والأكثر منفعة لعدونا، فقد أثبت جدارته في فعل الشر وإضرام نار الحرب، وقتل الملايين من العرب عندما كان رئيساً للحكومة البريطانية، حيث كان صنواً وشبيهاً وتابعاً لجورج بوش الابن، الذي كان الأسوأ علينا وعلى أمتنا، والذي ألحق الضرر بشعوبنا وبلادنا، وأشعل ناراً للحرب بين المسلمين والغرب، وقد أرادها حرباً صليبية جديدة، ولكن الله أطفأها، فلما كان بلير شريكاً له، وشبيهاً به، فقد ولاه هذا المنصب، وكافأه على ما قدم، وحمله أمانة الإساءة إلى العرب، والتضييق على الفلسطينيين، وتشويه سمعتهم، والإضرار بمصالحهم، كما حمله أمانة الحفاظ على الكيان الإسرائيلي، ومساعدته للخروج من أي أزمةٍ تواجهه، والعمل على حمايته، وتطهير سمعته، والدب عن سياسته، وتبرير جرائمه، وتسليط الضوء على ضحاياه، وتعظيم الأخطار التي تتهدده، ليسهل تفهم الغرب لردود الفعل الإسرائيلية وتقبل نتائجها.

أصبحت الرباعية الدولية التي ينسق طوني بلير أعمالها في فلسطين المحتلة أداةً إسرائيلية، وعصا يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لتهديد الفلسطينيين وعقابهم، وتجريدهم من كثيرٍ من حقوقهم، بل إنها مؤسسة إسرائيلية تعمل وفق تعليمات وتوجيهات وزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليتين، ولعل بلير في منصبه أسوأ على الفلسطينيين من الإسرائيليين أنفسهم، فهو ينطلق في تصريحاته وأقواله وتقاريره المشينة من موقعٍ محايد، ومركزٍ مراقب، مدعياً أنه لا ينحاز لطرف، ولا يؤيد فريقاً على الآخر، في حين أنه يستكمل ما فاته من أجندة استهداف العرب والمسلمين، ويسعى في فلسطين لقتل من لم يتمكن من قتلهم في العراق وأفغانستان، فهو لا يعتمر القلنسوة اليهودية فقط، وإنما ينفذ بأمانةٍ وإخلاص الأجندة الصهيونية، إذ قبل أن يضع القلنسوة اليهودية على رأسه، فقد وضع الآمال الصهيونية في قلبه، وأسكن الهواجس الإسرائيلية في صدره، ورهن عقله لتنفيذ مخططاتهم، وأقسم أن يكون جندياً وفياً للدولة العبرية التي كانت بلاده سبباً في تأسيسها، في الوقت الذي يغمض فيه عينيه عن جرائمهم في حق الفلسطينيين أرضاً وسكاناً ومقدساتٍ وممتلكات.

ولعله كان من المستغرب قبول الفلسطينيين قديماً بطوني بلير ممثلاً للرباعية على أرضهم، والجلوس معه على طاولة الحوار وهم يعلمون يقيناً عداءه للفلسطينيين، وكرهه للعرب، وحقده الدفين على الإسلام والمسلمين، وولاءه المطلق للإسرائيليين، وقد كان بإمكان الفلسطينيين أن يرفضوه منذ اليوم الأول، وأن يعلنوا عنه أنه شخصية غير مقبولة، بل شخصية مقيتة ومعادية، ولكن الفلسطينيين تأخروا في إدراك هذه الحقيقة، أو أنهم أجبروا على إهمالها وعدم الأخذ بها، ولكن مزيداً من الصبر على هذا الرجل يسيئ إلينا أكثر، ويضر بمصالحنا أكثر، بل إن استمرار وجوده يستفز مشاعرنا، ويتناقض مع قيمنا وموروثاتنا، فكيف نقبل برجلٍ نعرف يقيناً أنه قاتلنا، وأنه يساند ويؤيد من يقتلنا، بل إنه يشتري السلاح لعدونا ليقتلنا به، ويدمر بيوتنا به، ثم نستقبله في بيوتنا، وتبش له وجوهنا، ونخف لاستقباله في بيوتنا ومؤسساتنا، وهو الذي مازالت أسنانه مليئة بدماء أمتنا، وسكينه حادة لذبحنا، وروحه الشريرة تفكر في وسائل جديدة لقتلنا وسرقة خيراتنا ومقدراتنا.

طرد طوني بلير من المنطقة العربية ورفض الاجتماع به والجلوس معه خطوةٌ فلسطينية حكيمة وإن كانت متأخرة، ولكنها واجبة ومطلوبة، فإذا تمكنت السلطة الفلسطينية من اتخاذها فإنها ستكون منسجمة مع معاني الكرامة، ومفاهيم العزة العربية، وسيرضى عن قرارها الكثير من الفلسطينيين، وسيجد غيرهم من العرب الفرصة للحذو مثلهم، والتضامن معهم، ورفض التعامل معه، فليس منا ذليلاً يقبل الهوان، ويسكت على الصفعة، ويصعر الخد، ويبتسم لشانئه، وفي هذا حثٌ جلي لدول الاتحاد الأوروبي للاستقلال عن الإرادة الأمريكية، والانعتاق عن سياستها، ومحاولة انتهاج طريقٍ مخالفٍ لهم، فهم أقرب إلى عالمنا العربي، وأقدر على تفهم ظروفه ومشاكله، وأحرص على علاقةٍ طيبةٍ به وبشعوبه، فطوني بلير مع استمرار الاستيطان الإسرائيلي ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وهو مع استمرار الحصار على قطاع غزة، كما أنه مع تهويد القدس، وإشهار الدولة الإسرائيلية دولةً يهودية، وهو ضد الدولة الفلسطينية، وضد استعادة الفلسطينيين لحقوقهم، وضد مساعدة الفلسطينيين، وهو مؤيد لفرض عقوباتٍ عليهم، فهل هذه هي السياسية الأوروبية تجاه الفلسطينيين؟ ...

إن كان على السلطة الفلسطينية أن تعجل في طرد طوني بلير والإعلان عنه أنه شخصية غير مرغوبة، وأنه يضر بمصالح الشعب الفلسطيني، فإن على دول الإتحاد الأوروبي أن تعجل بنفسها في تنحيته وتغييره، فهو يسيئ إلى الدول الأوروبية التي ينتمي إليها، ويشوه صورة بعض دولها، ويفسد جهودها، ويخرب مساعيها، ويئد مبادراتها، فهو ليس الرجل الأسوأ من الجانب الفلسطيني والعربي فقط، بل لعله أسوأ رائدٍ لأهله، وأكذب مبشرٍ عن قومه، فهو يسيئ إلى الأوروبيين أنفسهم، فما على الدول الأوروبية إلا أن تقترح شخصيةً أخرى، تكون أكثر اعتدالاً وصدقاً ومصداقية ومهنية منه، وإلا فإنها ستكون مسؤولة عن تصرفاته وسلوكياته، وستتحمل وحدها تبعات مواقفه وتصريحاته، فهو ليس الرجل الأنسب والأمثل، وإن كانت دول أوروبا تدعي أنها تختلف في سياستها تجاه القضية الفلسطينية عن السياسة الأمريكية، وترفض سياساتها المنحازة إلى الحكومات الإسرائيلية، فما عليها إلا أن تعجل بالتخلص من إرث جورج بوش المقيت، وأن تلقي إليه بمتاعه وأدواته، فهو متاعٌ قذر، وأداةٌ مقيتة مكروهة، وسياسةٌ عنصرية منحازة، وتقاريرٌ كاذبةٌ خاطئة، همازةٌ مشاءةٌ بنميم، والفلسطينيون يكرهونه ولا يريدونه، ولا يرحبون به ولا بجهوده، ويرون فيه قاتلاً وسفاكاً، ومخرباً مفسداً لئيماً، مناعاً للخير معتدياً أثيماً، أم أن الدول الأوروبية قررت بلسان الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الإيطالي أن يكونوا تبعاً للإدارة الأمريكية، ومؤيدين لسياساتها، ومنفذين لأجندتها، فإنهم بذلك يقضون على دورهم في المنطقة، ويحكمون على جهودهم بالفشل، ويجعلون من صورتهم المختلفة نسبياً عن الصورة الأمريكية، صورةً سوداء جديدة، يتقدمها عتلٌ زنيم ضالٌ مضل، مجرم حربٍ قاتل الأطفال في العراق وأفغانستان وفلسطين، طوني بلير المرتشي صاحب الوجه القبيح والتاريخ الأسود.

moustafa.leddawi@gmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ