ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 26/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

رسالة الشباب العربي لإسرائيل... هل وصلت؟!!

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

ما زالت القضية الفلسطينية ضائعة وممزقة بسبب الانقسام الفلسطيني والوهن العربي والضعف الإسلامي، ولا زالت لهجة الغطرسة الصهيونية ولغة الصلف والغرور والكبرياء التي يتحدث بها قادة الكيان الصهيوني على حالها معتمدين على الممالأة الغربية والدعم الأمريكي اللامحدود، ويغذي نزعة التطرف والاستقواء لدى الصهاينة ضعف العرب وتشتتهم، وهوانهم على أنفسهم وعلى الآخرين، وأما خرافة السلام والحديث عنه فوهم كبير وأفيون لإلهاء و تخدير الفلسطينيين والشعوب العربية!

ورغم كل هذه التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقات أوسلو لم تحصل في المقابل على شيء ذي بال، ولم يزد دورها على أن تكون وكيلا لقوات الاحتلال الإسرائيلي وبديلا عنه في قمع المقاومة الفلسطينية، وأمام كل هذا العنت الصهيوني والدعم الأمريكي والغربي غير المشروط لإسرائيل، وبعد مرور قرابة عقدين كاملين على ما يسمى بمباحثات السلام وجدت السلطة الفلسطينية أنها كانت تحرث في البحر، وأنها لم تجنِ من كل هذه المفاوضات سوى الوهم والسراب وضياع الأوقات وتبديد الجهود والطاقات، وأخيرا قرر محمود عباس (أبو مازن) الذهاب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية فيها، ورغم رمزية هذه الخطوة وأنها لن تقدم شيئا مهما على أرض الواقع للفلسطينيين، ورغم وجود حالة من الجدل الواسع حول جدوى الاعتراف بدولة فلسطينية هلامية بلا حدود واضحة وبلا سيادة وبلا عودة للاجئين... رغم كل ذلك رفض أوباما هذه الفكرة، وهددت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار بهذا الخصوص يناقش في مجلس الأمن الدولي، وهو ما يعني عمليا إجهاض مساعي الفلسطينيين للحصول على اعتراف دولي بدولتهم، حتى مع كونها دولة هلامية بلا سيادة حقيقية دولة مقطعة الأوصال منزوعة السلاح، وهذا يعطينا إشارة ذات دلالة مهمة وهي أن الوسيط الأمريكي في عملية السلام المزعومة بين العرب وإسرائيل ليس نزيها أبدا، بل منحازا تمام الانحياز لدولة الكيان الصهيوني، وأن لا نية حقيقية لديه للسماح بقيام دويلة فلسطينية، وأن مفاوضات السلام ما هي في الواقع إلا مسرحية ممتدة العرض لكسب الوقت والضحك على العرب والمسلمين، والتمكين عمليا كل يوم لإسرائيل من خلال تغيير الحقائق على الأرض عبر التهويد والاستيطان ومصادرة منازل الفلسطينيين، والاستيلاء على مزارعهم وممتلكاتهم! هذه هي الخطة إذن وهذا هو الموقف السياسي الذي يستغل الأوضاع الإقليمية والعالمية، وهي حاليا ليست في صالح الفلسطينيين!!

 

لكن الربيع العربي أفرز نتيجة غاية في الأهمية وأحسبها كانت مفاجِئة للساسة الصهاينة والأمريكيين والأوربيين، فها هي أجيال جديدة من الشباب العربي لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة يعبرون عن كراهيتهم العميقة لإسرائيل، ويرفضون وجود هذا الجسم الغريب في جسد الأمة العربية، وهؤلاء الشبيبة ليسوا من فلسطين وحسب بل من كافة الأقطار العربية (والإسلامية...) والأجمل أنهم ليسوا عينة حصرية من الشباب المؤدلج المحمل بالفكرة الإسلامية مثلا، بل هم شباب غض يعبر بفطرته عن قناعة راسخة لديه، وفي هذا ضربة قوية لكل المحاولات الصهيونية على امتداد العقود الماضية لتحسين صورتها في أعين الشباب العربي وتزييف وعيهم التاريخي، واستمالتهم لقبول فكرة تواجد دولة يهودية صهيونية في عمق أراضيهم!

 

وعقب أحداث السفارة الإسرائيلية في القاهرة سمعنا بعض المفكرين والمنظرين الصهاينة يتساءلون: لماذا يكرهنا المصريون؟! وهذا التساؤل الغريب يتعامى عن الواقع وفيه من التضليل ما فيه سواء تضليل الآخر أو تضليل الذات، والمنطقي أن يتساءل هؤلاء: ولماذا يحبنا المصريون؟! نعم لماذا نحبهم؟! إن ذاكرتنا القريبة جدا متخمة بمشاهد الجرائم الإسرائيلية التي نصحو وننام عليها كل يوم، مشاهد الحرب والدماء والدمار والخراب والعنف والقتل، فهل ننسى تدمير أهلنا وشعبنا الأعزل في غزة الصابرة المجاهدة؟! هل ننسى صور آلاف الضحايا والقتلى الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب وحتى المعاقين؟! هل ننسى صور مئات الأطفال الذين ذبحهم جنود الاحتلال الصهيوني وأشلاؤهم تسبح في بحار من الدم المسفوح؟ هل ننسى طلقات الرصاص تخترق جسد الطفل الصغير محمد الدرة وهو متكور كعصفور مبتل في حجر والده؟! هل ننسى صور المعاقين الذين اقتلع جنود إسرائيل أعينهم وهشموا عظامهم وكسروا ضلوعهم وأرجلهم وأيديهم؟ هل ننسى صور الثكالى والأرامل؟! هل ننسى صور أشلاء الشهداء والناس يجمعونها في حالة من الذعر والهلع؟!!

نعم، لماذا نحب إسرائيل؟! أي مشاهد للفرح والبهجة أو الرحمة والإنسانية خلفها الصهاينة الغادرون في ذاكرتنا؟! لقد تعاطفنا مع اليهود وهم يتعرضون للاضطهاد النازي؟! أفمن العدل أن ندفع نحن الثمن عن جريمة لم نرتكبها؟! أمن المقبول أن يشرد شعب بكامله وتنتهك حرماته وتغتصب أرضه وتعطى لشعب آخر؟! أهذا هو عدل الدول المتحضرة التي أرادت أن تكفر عن خطأ ارتكبه بعض أبنائها؟! لقد قبل حكامنا السلام على أساس حل الدولتين ورضي بعضنا بذلك لدعم الاستقرار والبناء في المنطقة، لكننا لم نرَ من الصهاينة إلا المكر والخداع والمماطلة والتسويف والإسراف في إذلال حكامنا، ورمي مبادرة السلام العربية في وجوههم مرارا وتكرارا، وكلما دندن حكامنا بالسلام ازداد الصهاينة علوا واستكبارا، وتمادوا في احتقارنا والاستخفاف بنا وبمشاعرنا، ولا يزالون يضربون حصارهم الظالم غير المشروع على غزة الأبية، ولا يزال أكثر من مليون ونصف المليون إنسان من أبنائها محرومين من حق الحياة الكريمة بسبب هذا الحصار الفاجر، وهذا مجرد شيء يسير جدا مما تختزنه ذاكرتنا عن الإجرام الإسرائيلي بحق أطفالنا ونسائنا وأبنائنا، ولن نستدعي صور ضحايا مدرسة بحر البقر، ومذابح دير ياسين، وقتل الأسرى المصريين... كل هذا السجل الحافل بالجرائم الصهيونية الآثمة ويتساءلون لماذا نكره إسرائيل؟!!!

عموما لا داعي لنكئ الجراح ونبش الأحزان، وهي لم تُنْسَ على أية حال، لكن الرسالة البليغة التي أرسلها طلائع الشبيبة العرب في مصر وتونس وليبيا وسوريا وفلسطين وفي كل أرض عربية وإسلامية أبلغ من أي كلام يقال، وأوضح من أي بيان أو تنظير، وأحسب أن إسرائيل اليوم لا خيار أمامها سوى الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولن ينفعها على المدى المتوسط (وربما القريب وليس البعيد كما يتوهمون...!!) إلا قبول هدنة طويلة المدى مع الفلسطينيين والعرب، تضمن من خلالها العيش في أمن وسلام سنوات أخرى، فعليها الإسراع في قبول ما يعرض عليها الآن، وإن رفضت واستكبرت كعادتها فرسالة الشباب العربي حاسمة وواضحة لا لبس فيها، والشعوب الحية لا تموت أبدا، فيذهب الحكام، وتتغير الظروف وموازين القوى، وتبقى الشعوب قوية هادرة لا تنسى حقوقها أبدا مهما طال الزمن... وإن غدا لناظره قريب!!

* كاتب مصري.

==========================

زهرة شهداء سوريا ... زينب الحصني

اتحاد أحياء حمص

بدأت هذه القصة في أحد أحياء مدينة حمص الثائرة لقد انطلقت من أزقة حي باب السباع التي كانت من أوائل الأحياء التي دخلت فصول الثورة ورفعت لواء التمرد على سطوة الظلم والاستبداد وللمطالبة بالحرية والكرامة .

حينها كان الشاب محمد الحصني شقيق زينب هو أحد أهم الناشطين المعروفين في مجال الثورة ولطالما غنى للحرية والكرامة ، وكان محمد مطلوبا بسبب نشاطه الثوري في المظاهرات وقد برز محمد بمشاركته في اغلب المظاهرات في عدة أحياء وكان له دور بارز في إسعاف ومساعدي الجرحى ، ليس لدينا علم انه كان مع احد التنسيقيات لكنه كان نشطا منذ بداية الثورة وكانت عنده من الشجاعة المفرطة التي كانت تدفعه للخروج في كل المظاهرات والبقاء في الشارع لأخر لحظة تحت الرصاص ليقوم بإسعاف الجرحى مما أعطى للأمن معرفة به من خلال المخبرين المتواجدين في أماكن المظاهرات ومثله كثر .

 لذلك قام رجال الأمن والشبيحة بعمليات دهم واقتحام لمنزل الشاب أكثر من مرة بحثاً عنه ، ومع هذه المعاناة لم تستطع الأسرة الاستمرار في ذلك البيت الذي أصبح هدفاً للعمليات الأمنية المتتابعة فخرجت تبحث عن بيت آخر تلتمس فيه الأمان الذي افتقدته لتستقر أخيراً في بيت تم استئجاره في حي النازحين ظناً منها أن مسكنها الجديد سيكون أحسن حالاً وأكثر أماناً من سابقه ، لكن و مع غياب محمد عن البيت كان لزاماً على ابنة التسعة عشر ربيعا أن تجلب احتياجات البيت التي أصبحت مطلباً صعباً في ظل الحصار الخانق والفقر الذي أصبح يخيم على أهالي هذه المدينة المنتفضة حينها كانت يد الغدر والخيانة تترقب خروج زينب من بيتها في حي النازحين في صبيحة اليوم الثاني من شهر رمضان لتقوم باختطافها بعد سلسلة من الرقابة الشديدة التي طالت حتى مكالماتهم الأرضية والخلوية وبعد مرور خمسة أيام على اختطاف زينب اتصلت إحدى الفتيات وقالت أن زينب قد أصبحت لديهم وأنهم مستعدون لتسليمها مقابل محمد المطلوب للأمن وحددوا مكاناً ضمن أحد الأحياء الغير آمنة فساومهم الأهل على مكان أخر في قلب المدينة ولكن المتصلة أقفلت سماعة الهاتف وبقيت الأسرة ومنذ ذلك الحين لا تعرف عن مكان ابنتها أي شيء وفي الثالث عشر من شهر أيلول فجعت الأسرة بنبأ استشهاد ابنهم محمد على يد رجال الأمن والمخابرات أثناء العملية العسكرية على بابا عمرو بتاريخ العاشر من شهر أيلول .

 فتوجهت لاستلام جثمانه الذي كان يرقد في ثلاجة المستشفى العسكري بحمص وأثناء تواجد الأسرة في المستشفى علموا بطريق الصدفة عن تواجد فتاة في التاسعة عشر من عمرها في ثلاجة المستشفى فسارعت الأسرة المكلومة لتقصي الخبر لكنهم في البداية لم يستطيعوا التعرف على ابنتهم زينب لقد بدت مقطوعة اليدين من الكتف مقطوعة الرأس وقد حرق وجهها وكان واضحا على ظهرها أثار التعذيب والحروق التي غطت جسدها كله .

لم يسمح لتلك الأسرة المكلومة أن يستلمو جثمان ابنتهم الطاهرة إلا بعد التوقيع على إقرار يمنعهم من تصوير الجثمان ويمنعهم من إقامة جنازة يحضرها الناس وبالفعل فقد حملت الأسرة الجريحة جثمان الشهيدة زينب لتدفنها في مقبرة باب السباع في جمع صغير من الحاضرين أقتصر على أسرتها وبعض الأقارب لكن وبعد مغادرة المشيعين سارع بعض الشباب لنبش القبر وتصوير تلك الجريمة البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية وتتبرأ منها كل معاني الرحمة .

ثانياً: قصة زينب قد لا تكون الوحيدة ... وقد تتكرر

إن قضية زينب هي مثال للعديد من الحالات التي يتم فيها اختطاف واغتصاب نساء الناشطين كنوع من الثأر والانتقام الدنيء والحيواني والذي يرقى لجرائم انسانية يندى لها الجبين.

لم تتوقف حالات الاغتصاب والخطف في حال سلم الناشطين أنفسهم ، فقد قام بعض الناشطين بتسليم أنفسهم ولكن مع ذلك تم اغتصاب أهلهم .

إننا إزاء هذا الوضع الإنساني المتردي لا نملك إلا أن نتوجه إلى شعبنا السوري للقيام بواجب تقديم العون والحماية لأهالي جميع الناشطين من يد السلطة السورية الظالمة، ونتوجه أيضاً إلى كل النشطاء لبيان ما تلاقيه سوريا بسبب مطالبتها بالحرية والكرامة والمساواة، وندين بقوة السلوك الهمجي للسلطة السورية ونطالبها بالتوقف الفوري عن عزل المنطقة وتهجير سكانها واعتقالهم وتعذيبهم واغتصاب النساء وقتل أعداد كبيرة منهم، ونعتبرها مسؤولية مباشرة عن هذه الانتهاكات والخروقات الخطيرة المخالفة للدستور ولكل الاتفاقيات الأممية المشاركة فيها والموقعة عليها.

=========================

سوريا: حكومة متآمرة أم مُقاوِمة!!

احمد النعيمي

Ahmeeed_asd@hotmail.com

تمهيد:

ما طالعت تاريخ قادتنا العظام، قديماً وحديثاً، إلا ووجدتهم قد حملوا سلاحهم وقدموا أرواحهم وأموالهم وجهدهم نصرة ورفعة لراية التوحيد، وطرد الغزاة والمحتلين من بلادنا، كما فعل عماد الدين ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي – رحمهم الله– حيث رفعوا راية الجهاد ضد الصليبين، الذين دخلوا بلاد الإسلام واخذوا بيت المقدس وجعلوه عاصمة لهم، فكانت الموصل مركزاً ومنطلقاً للجهاد بداية من واليها آق سنقر الذي اخذ الراية من بعده عماد الدين بعد أن قتل على يد الحشاشين، وبجهاد سنوات عديدة توج هذا العمل الجهادي بفتح الرها، ومنذ ذلك الوقت ولحين فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين – بعد هزيمة الفرنجة في معركة حطين – وإعادتها إلى دولة الإسلام، وعلى مدى ما يقارب الخمسين سنة، أي من سنة (539 – 583 ه) لم تخل سنة منها إلا وحقق فيها المسلمون نصراً أو فتحاً، وهذا كان حال قادتنا الأفذاذ؛ جهاد وتضحية، إلى أن يمن الله عليهم بالنصر والتمكين ودحر المعتدين عن بلاد الإسلام، وهو حال من جاء بعد صلاح الدين، حتى طهرت الأراضي من دنس الصليبيين ولم يبق لهم شبر فيها إلا واسترجعوه، وكان هذا الفتح على يد السلطان الأشرف خليل – رحمه الله –.

 

كيف يسترجع سلاطين العصر حقوقهم:

وأما المطلع اليوم على تاريخنا في العصر الحديث، فلا يجد أي مظهر من هذه المظاهر من قبل سلاطيننا مطلقاً، وإنما يجد بلاداً إسلامية يحكمها أمراء طوائف متناحرين متفرقين، باعوا ذممهم وأنفسهم للغرب مقابل الوصول إلى سدة حكم هذه الدويلات، مرتضين أن يكونوا مجرد حرس لحدود دولة يهودية أخذت بيت المقدس وجعلت منه عاصمة لها، فما عاد يسمع قرقعة سلاح أو تقدم أية تضحيات، وإنما اخلدوا إلى الراحة وتسخير الجيوش لحماية عروشهم، وملاحقة كل من سولت له نفسه بالاقتراب من الحدود، يرافق هذا الواقع إعلام وأكاذيب وشعارات ترفع مدعية وجود دول تدعي كذباً وزوراً أنها تقاوم هؤلاء الغزاة، بينما على الأرض فلا ترى إلا الهزائم تلو الهزائم، والخيانات إثر الخيانات.

وعلى سبيل المثال الحكومة الأسدية التي بدأت مشوار خيانتها ببيع الجولان، مما أدى إلى وصول المجرم حافظ من وزارة الدفاع إلى سدة الحكم في سوريا، وبعد حرب الثلاثة وسبعون وقعت هذه الحكومة مع اليهود اتفاقية "فض الاشتباك السورية الصهيونية" والتي أقرت بها سوريا الاعتراف بحدود الدولة اليهودية وفقاً لقرار مجلس الأمم المتحدة رقم338 المؤرخ في 22 تشرين الأول 1973م، ومنذ ذلك التاريخ لم تحدث أي مواجهة بين الطرفين، إلا بالحروب الكلامية فقط، وبعد رحيل الهالك الأب وتسلم الابن من بعده، بقيت الحيثيات نفسها والحرب الإعلامية تحاول أن تؤكد وجود عداوة بين الحكومة الأسدية والمحتل اليهودي.

وعلى مدى أربعين عاماً من المقاومة والصمود الكاذبين، لم تحقق هذه الدول المزعومة أي انتصار يذكر، سوى الخيانة والتآمر على الأمة الإسلامية، وتسليم الجولان للمحتل اليهودي وتنصيب أنفسهم حرساً لحدوده، وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي قام المحتل اليهودي باختراق الحدود السورية، ووصلت طائراته إلى عمق المدن السورية، وقصفت في دير الزور – ما قيل أنه مفاعل نووي– وعادت وحلقت فوق قصر الأسد الابن لمدة ثلاثة ساعات، دون أن يجرؤ الابن على إطلاق أي قذيفة نحو الطائرات الحربية، ثم عادت إلى قواعدها سالمة، واكتفى أسد المقاومة الابن بالقول بأنه سيرد في الوقت المناسب، مع احتفاظه بحق الرد طبعاً!!

 

كذبة الصمود والمقاومة:

والأخطر في هذا الواقع محاولة إظهار دول الصمود المزعومة بالبطولة حتى وإن كانت كلاماً فقط!! من أجل بهرجة العداء وتمويه الحقائق وزيادة التضليل – حتى وإن كان شأنها في هذا شأن بقية دول الاعتدال الأخرى– فالمطلوب هو إظهار هذه الدول بأنها تعادي الغرب وتقاطع اليهود، من أجل استقطاب الجماعات الإسلامية وسيطرتهم عليها وتحجيمها، كما فعل مع حماس وغيرها من بقية الحركات الإسلامية، في الوقت الذي تجري فيه العلاقات على أتمها بين الطرفين!!

 

الثورات العربية تكشف المستور:

إلى أن جاءت الثورات العربية وخصوصا الثورة السورية فكشفت ما كان يراد له أن يبقى طي الكتمان، وفضحت العلاقات الخفية بين الغرب وأمراء الطوائف، وكشفت تواطؤا الغرب وسكوته عن المجازر التي تجري في سوريا طيلة أشهر الثورة المباركة، بل وإعطائه الفرصة للمجرم الأسد فرصة تلو أخرى، من اجل محاولة إخماد شعلة الثورة السورية المباركة، وتوجيهه تهم الخيانة – الغارق بها من رأسه إلى أخمص قدميه– إلى شعبه، ووصفه بالعمالة بالتآمر، إذ كان المفترض أن لو كان الأمر مؤامرة مقصود منها الإطاحة بالأسد الابن، أن يتدخل الغرب لإنقاذ هؤلاء الذين حركهم – كما يزعم الخائن الأسد– من أجل تحقيق ما زعم أن الغرب يسعى إليه!! بينما كانت الحقائق على أرض الواقع تؤكد أن الغرب يقف إلى جانب الأسد الابن تاركين الشعب السوري نهباً للقتل والإبادة.

وليس الغرب وحدهم المشاركين في هذه الجرائم والسكوت عنها، وإنما أمراء الطوائف العرب والمسلمين، وذلك كما كشف عنه عدد من أعضاء الجالية السورية في الكويت "للرأي" بعد اللقاء الذي جمعهم مع الأسد الابن في دمشق بتاريخ التاسع والعشرين من شهر آب الماضي، حيث أجاب الأسد عن سؤال يتعلق بالموقف الخليجي وسحب بعض الدول الخليجية لسفرائها للتشاور، بقوله: " إن الموقف الخليجي مساند لنا في الخطوات التي نتخذها، والاتصالات التي أتلقاها من زعماء الخليج ناهجة لنهجنا.. ودعكم من المواقف التي تعلن في وسائل الإعلام" وبالنسبة للموقف التركي أجاب الأسد: " إن أردوغان والجيش والأمن في تركيا داعمون لنا".

مما جعل الأسد يفرد له مقالاً كاملاً في صحيفة "هآرتس" الصهيونية بعنوان" الأسد ملك إسرائيل" جاء فيه أن اليهود يصلون للرب من أجل بقاء هذا النظام الذي لم يحاربهم ولم يطلق عليهم أي رصاصة بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك، ولا يهمهم كلامه لأنه يستخدمه شماعة لقمع شعبه، ومن ثم جاءت تصريحات "رامي مخلوف" ابن خال الأسد الابن بأن أمن اليهود من أمن سوريا، وكذلك فضيحة حضور السفير السوري "بشار الجعفري" في واشنطن، حفل زفاف ابنة "جاك افتيال" رئيس اليهود الشرقيين في "بروكلين" حيث ضم الحفل جمعاً من شخصيات يهودية مرموقة، من ضمنهم الحاخام "يوشياعو بنتو" والذي وجهت له دعوة من قبل السفير باسم الحكومة السورية لزيارة دمشق وإقامة الصلاة على ضريح أجداده في العاصمة السورية، ورغم كل هذه الحقائق إلا أن النظام الذي ألبس ثوب المقاومة بالرغم عنه، كان يحاول جاهداً أن يكذبها، ويفندها، مدعياً أن رامي مخلوف يمثل نفسه، وأن الدعوة لم توجه للحاخام اليهودي، وإلصاقهم تهمة الخيانة والتصهين بكل من يعمل على فضحهم، ويكشف حقيقتهم، وهو نفس الوصف الذي الصقوه بالشعب السوري واتهموه بالتآمر والخيانة؛ زوراً وبهتاناً، شأنهم في هذا شأًن من قيل بها "رمتني بدائها وانسلت" ولا ذنب لهم في هذا إلا أننا نحن من أعطيناهم هذه الصبغة، وألبسناهم ثوب المقاومة كذباً ودجلاً، فباتوا يصدقون أنفسهم، وأصبح الخائن يدعي شرفاً!!

 

القاصمة والكاشفة للعميل الأسد:

ولم يطل بهم الأمر كثيراً في التخفية والتعمية، إلا وجاءت القاصمة والفاضحة، حيث أفاد تقرير دبلوماسي حصلت صحيفة "الجمهورية" اللبنانية على نسخة منه، بأن اتصالات سرية تجري في كل من واشنطن وباريس وبروكسل، بين موفدين من الأسد الابن وبين ديوان "بنيامين نتياهو" أفضت إلى اتخاذ الصهاينة قراراً يقضي بوجوب دعم بقاء النظام الأسدي، على اعتبار أنه "مصلحة إستراتيجية لإسرائيل".

 ويشير التقرير إلى أن هذه الاتصالات تجري في أكثر من عاصمة غربية وأوربية، بدأت بعدما حصل في يوم الأرض، إذ بعث الأسد برسائل مفادها: " إن ضعف النظام السوري الحالي والتهاء جيشه بقمع الثورة التي تستهدفه، سمحا بفلتان الحدود، مما مكن الفلسطينيين من اختراق خطوط الهدنة التي كانت مستقرة مع استقرار النظام" ويفيد التقرير أن الصهاينة تعاطوا مع هذه الرسالة بايجابية وتم إطفاء كل حديث عن الضحايا الذين سقطوا على الجبهة في ذاك اليوم، وتم إعادة فتح القنوات المغلقة بين تل أبيب ودمشق، حيث اشترط اليهود أن تكون الأبواب المفتوحة محمية بالسرية لعدم إحراج المجتمع الدولي المستاء من العنف المفرط ضد الشعب السوري.

وفي رسالة العميل الابن أقرار بكونه حارس حدود وأنه قد قصر بعمله هذا لما يعانيه على يد الشعب السوري، واستدراراً لعطف أسياده واسترحاماً، لكي يبقوا داعمين له، مقابل مسامحتهم في الدماء التي ازهوقها نتيجة لتقصيره في الحراسة، وهو ما أكد عليه رامي مخلوف وروسيا والصين والمالكي ونجاد ونصر الله، وحاولوا جهدهم أن يرسخوه، قبل أن تأتي واضحة جلية من الكيان الصهيوني، وهي أن أمن كل من هذين النظامين من أمن النظام الآخر!!

 

أتباع دول المقاومة المزعومة، كشفت ملفاتكم:

وفي هذه الحقائق درس وعظة لهؤلاء الخونة الذين يدافعون عن هذا النظام الخائن ليل نهار، والذين يعيشون بيننا، وفي كل زاوية من بيوتاتنا، يدعون الشرف وهم شر الخونة وأسوءهم على الإطلاق؛ واضعين نصب أعينهم بأن الناس قد فهتهم ووقفت على حقيقتهم، وحقيقة الأنظمة الخائنة التي يدافعون عنها، وما عادت تنخدع بهم، كما قالت إحدى المعلقات في ردها على الشبيحة الالكترونيين تحت مقالي السابق، حمل التعليق عنوان: " هل ترون بغير العين التي نرى أو تعقلون بغير العقول التي نعقل" وجاء فيه :" ما أظن كل هؤلاء المعلقين إلا موظفون ومسخرون من قبل النظام لتصيد مثل هذه المقالات والإجماع على الرد عليها بلسان واحد يدعي غير ما نشاهد ونرى ونتابع الأحداث عبر القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية، هل أصبح سطوة الحاكم وأسرته ما يزيد على أربعين عاماً شرعاً!! وإذا طالب الشعب بالحرية في اختيار من يمثله ويحفظ أمنه ويحرس دستوره يعد خروجاً وكفراً واستحقاقاً للقتل والتنكيل!! إن ما تدعونه إيه المعلقون منافي للعقل والمنطق ولا يدل إلا على أنكم إما مرتزقة أو عبيد، ألفتم العبودية، تخافون أن ترون نور الحرية والشورى، وإما تخافون أن تنكشف خيانتكم واحتماؤكم واستعانتكم بمن يكيد لإخوانكم وأمتكم ودينكم وعربيتكم".

 

ثورة أخرجها الله لتعيد الأمور إلى نصابها:

الجميع اليوم يتآمر على ثورة الشعب السوري ويحاول تشويهها، ولكنهم ما دروا وما أدركوا بأن هذه الثورة التي قمعت بكل الأساليب واخسها وأحقرها كل شهورها الماضية، فصمدت واستمرت واشتعلت جذوتها كل يوم بازدياد البطش والقتل، واجتمع الجميع حولها؛ لأن من أخرجها هو الله – عز وجل– بعد أن نفض الخوف عن قلوب أهل الشام – أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم– وهو المتكفل بها، رغم تخاذل الجميع وتآمره، وثورة أخرجها الله لتحق الحق وتبطل الباطل وتزيل الخونة والعملاء وتعريهم، لن ترجع إلا بهذا المطلب، وستغير وجه العالم اجمع بإذن الله، والعاقبة للمتقين.

==========================

يا أحرار الخارج: ادعموا الثورة

مجاهد مأمون ديرانية

هذه المقالة موجَّهة إلى سوريي الخارج الذين يعيشون في الغربة والشتات، فلا داعي لأن يُتعب أهل الداخل أنفسَهم بقراءتها (إلا من كان منهم من الأثرياء)، وهي موجهة أيضاً إلى كل عربي حر أبيّ ومسلم مؤمن صادق الإيمان.

يا أيها الناس: إنكم لا تزالون عامّةَ شهركم تشترون وتنفقون، تشترون الغذاء الذي تأكلون والكساء الذي تلبسون، وتدفعون إيجارات البيوت وأقساط المدارس وفواتير الكهرباء ومصاريف السيارات التي تركبون… وكل ذلك في سبيل سلع مستهلَكة ومشتريات لا تدوم، فالقوت يَفنى واللباس يَبلى، والإيجارات والأقساط والمصروفات كلها تدور في حلقة لا تنتهي، فلماذا لا تدفعون وتستثمرون في سلعة لا تفنى ولا تبلى ولا تزول، سلعة تتنعّمون بها ويرثها منكم الأولاد والأحفاد؟ تقولون: وأي سلعة تنطبق عليها هذه الصفات؟ ألا تعلمون؟ إنها “الحرية” التي فقدها آباؤنا فحُرمت منها ثلاثة أجيال، وقد آن لنا أن نسترجعها لتبقى لنا وللأجيال اللاحقة. ولكنها لا تأتي بلا ثمن، والثمن غال، فتعالوا نشارك بدفعه.

إن ثمنها الدم. لقد جاد بالدم إخوانكم على أرض الشام، ولكنها بقيت من الثمن بقيةٌ تُدفَع بالمال، أفلا تدفعون قليلاً من المال حينما فاتكم أن تدفعوا كثيراً من الدم؟ لقد قرر أهل سوريا أن يعقدوا الصفقة وأن يشتروا “الحرية” بالثمن الأغلى، لكن الدين والمروءة والأخلاق تأبى أن يُترَك أهل الداخل ليواجهوا المحنة وحدهم، لذلك فإنني أرسل في هذه المقالة نداء إلى كل سوري يقيم خارج سوريا، وإلى كل عربي وكل مسلم:

إن النظام المجرم يسعى إلى خنق الثورة بخنق حياة الناس، ويحاول أن يحطمها بتحطيم أسباب المَعاش التي يعيش عليها الناس. إنه لم يكتفِ بأن حاصر أهل الثورة في مدنهم وفي قراهم، بل زاد على ذلك فدمر أقواتهم وممتلكاتهم، ولم يَسْلم منه حتى الزرع ولم تسلم الماشية، بل إنكم رأيتموه وهو يبيد حتى الحمير! فإذا لم يعوّض أهلُ الخير على أهل الثورة خسائرَهم فلن يلبثوا أن يعجزوا عن الحركة. ثم إن النظام قتل واعتقل وطارد وشرّد وحاصر، فحال بين الناس وبين أعمالهم وأرزاقهم. في هذه الظروف العصيبة يأتي دور الأخ القريب والصديق الوفي. لقد قاموا هم بحصتهم من الواجب خير قيام، وما بقي من الواجب هو حصتكم يا أهل الخارج الشرفاء.

* * *

يا أيها السوري المغترب: أن أهلك في الداخل يخوضون الحرب بالنيابة عنك، ليس ليكسبوا هم وحدهم بل لتكسب أنت أيضاً ويكسب أولادك، لتعود إلى بلدك كريماً وتعيش فيها كريماً ويعيش فيها أولادك وأولاد أولادك بحرية وكرامة. فلا تتنكّرْ لأهلك، بل ابسط إليهم يديك بما تستطيع من دعم ومساعدة، وأقله المال. إن النظام المجرم يخنق الأحرار في سوريا ويضيّق عليهم سُبُلَ الحياة ليخرّوا على قدميه راكعين مستسلمين، ولن يفعلوا بإذن الله… ولكنهم يعانون اليوم وسوف يعانون في الغد وغداة الغد ما لم تُمَدّ لهم اليد بالمساعدة. آلاف الأسر انقطع عنهم المال بسبب غياب المُعيل تحت التراب، وعشرات آلاف بسبب غياب المعيل في المعتقلات، ومئات آلاف بسبب الحصار. إنهم ماضون في ثورتهم بك وبغيرك من العباد، قد اعتمدوا على رب العباد ووثقوا بنصر رب العباد، وجاء دورك لتفيض عليهم مما رزقك الله. ولكن لا يخطرنّ لك ببال أن تَمُنّ عليهم بما تدفعه لهم، ولا تظنّنّ أنك تتنفّل بمساعدة أهلك بالمال؛ لا، إنها الفريضة عليك بعدما قاموا هم بالعبء الأكبر بالنيابة عنك. ولا تدفع مرة وتقول: قد وفيت بالذي عليّ! أرأيتهم خرجوا بمظاهرة مرة ثم قالوا: قد وفينا بالذي علينا؟ إنهم لا يتوقفون ما دام عدوهم وعدوك في قصر الرئاسة في الشام، وأنت حريٌ بك أن لا تتوقف ما داموا هم لا يتوقفون.

حينما نشرت مقالة “إلى أهلنا في الغربة والشتات: ادعموا صفحات الثورة” كان في نيتي أن تكون واحدة من عدة مقالات أخاطب فيها سوريّي الخارج وأقترح عليهم فيها وسائل لدعم الثورة ولدعم إخوانهم في الداخل، ثم تشعبت بي سبل الحديث وقال غيري ما كنت أريد قوله فلم أجد داعياً لإضاعة أوقات الناس بكتابة المزيد. لكنّ موضوعي الذي أناقشه اليوم أعادني إلى تلك الأفكار، وكما تتوقعون (وكما سمعتم من غيري) فقد كان الدعم المادي واحداً من أهم ما ينبغي أن أتحدث عنه وأحثّ عليه أهلنا في الخارج.

لن أضيع وقتكم إن عدت اليوم إلى هذا الموضوع، فالحاجة لم تتوقف ولم تتراجع، بل هي في ازدياد مع ازدياد معاناة أهلنا في سوريا. منذ اليوم الذي نشرت فيه مقالة “إلى أهلنا في الغربة والشتات” في السادس من تموز إلى اليوم تضاعفت الحاجةُ عدةَ مرات، وزادت معاناة الناس عدةَ أضعاف، وما يزال السوريون الذين يعيشون في الخارج مقصّرين في استشعار الهمّ ومقصّرين في تقديم الدعم اللازم. سأروي لكم حادثة واحدة: بعدما نشرتُ تلك المقالة بأيام دُعيَت زوجتي إلى حفل أقامته إحدى الأسر السورية، ثم أخبرتني أن الحفلة كانت في قاعة فاخرة وأنها ربما كلّفت عشرين ألف ريال. أقسم لكم إني لما سمعت ذلك أحسست بالنار تشتعل في قحف رأسي! ربع مليون ليرة سورية تُهدَر في ثلاث ساعات احتفالاً ب… بماذا؟ بسقوط النظام المجرم في سوريا أم بتحرير بيت المقدس؟ لن تتخيلوا. احتفالاً بنجاح بنت من صف في المدرسة إلى صف! من أجل هذه المناسبة “العظيمة” أنفقت عائلةٌ سورية في ثلاث ساعات ما يمكن أن تعيش به ثلاثون عائلة سورية لمدة شهر! أيُّ دين يُجيز هذا البذخَ وأيّ ضمير، في الوقت الذي يَطوي فيه آلافُ الأطفال في سوريا بطونَهم على الجوع لأنّ مُعيلهم مغيَّبٌ في السجون أو هارب هائم على وجهه في الجبال والبساتين؟

يا أهلنا في الغربة والشتات: اتقوا الله! إن الثورة لا تستمر بغير وَقود، وإن إخوانكم في سوريا يُوقدونها بالدم كما يوقَد السراج بالزيت، ولكنهم إن لم تمدّوهم بالمال نفد وقودهم وسكنت ثورتهم وانتصر عليهم عدوكم وعدوهم، وأين ستذهبون من الله لو أن هذا حصل لا قدّر الله؟

لا تقولوا إني أستطرد وأطيل وأضيع أوقاتكم بالتكرار، فإنها لا قيمةَ لوقت ضائع في جَنْب نُفوس تُزهَق وثورة تُخنَق، ولو وجدت حاجة للعَوْد إلى هذا الموضوع مئة مرة لعدت مئة مرة ولا أبالي.

* * *

أخيراً فإنني أرسل نداء إلى كل عربي وكل مسلم: إن أهل سوريا يخوضون الحرب بالنيابة عنكم، الحرب ضد عدوكم الذي تعرفون والذي قارب أن يكمل مشروعه وكاد يلفّ الأنشوطة على أعناقكم لولا ثورتهم المباركة. إنها إن تهلك اليومَ عصابتُهم فلن يُرفع ذكر الله في أرض الشام أربعين سنة، فلا تتخلَّوا في هذه الساعة عنهم؛ مُدّوا إليهم يدَ العون بما تستطيعون.

لا، ليس إخوانكم في الشام أهلَ حاجة ولا يتسوّلون الإحسان، وقد طالما أغاثوا إخوانهم في فلسطين وفي غيرها كل وقت وحين، ولكن النظام المجرم اقتحم عليهم المدن والقرى فهدم البيوت والجوامع وأهلك الزرع والماشية وأتلف أسباب الحياة، ثم قتل واعتقل ولاحق فغاب المُعيل وانقطعت عشرات الآلاف من الأسر إلا من رحمة الله ورحمة الأخ القريب، فلا يَجْمُل بالأخ القريب أن يقطعها من فضله.

إنها ساعةٌ من الساعات التي لا تتكرر كثيراً في أعمار الأمم، ساعةُ حاجة لشعب لم يحتَجْ قبل اليوم إعانةً بل كان هو المبادر بالإعانات، وما أحوجَه اليومَ إليكم إلا نظامٌ مجرم لن يلبث أن يبلغكم شررُ ناره لو أنه بقي وانتصر لا سمح الله، فلا تفوّتوا عليكم فرصة المساعدة والبِرّ فتفوّتوا الخير الكثير.

=======================

"البُعبُع" السنّي!

محمد سلام

صفعني غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بخوفه على المسيحيين من المسلمين السنة كما عبّر عنه في فرنسا، فصرت أعتقد أنني "بُعبُعٌ" فقط لأني لبناني مسلم سنّي.

ليس لأنه لا يوجد مسيحي واحد لا يعتبر السنّي بُعبُعاً. فسعادة النائب العماد ميشال عون (ومتفرعاته) غير مُقصّر في هذا المجال.

بل لأنه لم يسبق أن صدر عن أي بطريرك ماروني ما يعكس توجساً من المسلمين السّنة، حتى في زمن الحرب الأهلية أو الحروب الأهلية (1975-1990) أو في حقبة الحرب الأهلية الأولى (1958).

بل لأنه عندما تجنّى الخليفة العباسي الأول المنصور على المسيحيين تصدى له إمام بعلبك المسلم السنّي السّلفي عبد الرحمن الأوزاعي ورفض أمره على قاعدة أن "أهل بلادي ما ارتكبوا ذنبا ... ولا عقاب لمن لا ذنب له".

لم أفهم، فعلا، سبب توجّس غبطته من المسلمين السنّة الذين حكموا سوريا حتى العام 1970 فما اضطهدوا مسيحياً في سوريا، وما أطاحوا بما عُرف ب "المارونية السياسية" في لبنان التي احترم قاعدتها حتى رئيس دولة الوحدة جمال عبد الناصر في لقائه مع الرئيس فؤاد شهاب في خيمة خارج الحدود اللبنانية.

دولة البعث الأسدي، التي تخوّف غبطته من تداعيات سقوطها، هي التي رفضت ترسيم حدود لبنان التي نطالب بها كلنا، السنّة كما المسيحيين، علماً أن من خطّها هو الكنيسة المارونية.

وفي ظل حكم دولة البعث الأسدي للبنان أُلغيت امتيازات رئيس الجمهورية اللبناني الماروني، ولم تعط لأي طائفة أخرى، بل شُطبت من الوجود ويزعم عون أنه يريد أن يسترجعها ... من السنّة الذين لم يأخذوها.

وفي ظل حكم دولة البعث الأسدي قتل الرئيس المنتخب الشيخ بشير الجميل، ولم يقتله السنّة يا صاحب الغبطة. فلماذا نحن "بعبع" ؟

في ظل حكم دولة البعث الأسدي والفقيه الفارسي قتل رئيس الجمهورية رينه معوّض، وليس السنّة هم الذين قتلوه. فلماذا تُشعرني يا صاحب الغبطة بأني "بعبع" سُنّي.

في ظل حكم دولة البعث الأسدي والفقيه الفارسي ارتكبت مجزرة كنيسة سيدة النجاة. ولم يرتكبها السنّة، كما تعلم يا صاحب الغبطة. فلماذا نحن "بعبع"؟

هل تلوثت أيدي السنّة بدم الشهيد الشيخ الوزير بيار الجميل؟ أو النائب أنطوان غانم. فلماذا سيعمل "البعبع السنّي" قتلاً وتهجيراً في المسيحيين إذا سقط البعث الأسدي في سوريا يا صاحب الغبطة؟

نحن، المسلمون السنّة، لم نقتل سمير قصير، ولا جورج حاوي، ولم نحاول قتل مي شدياق. فلماذا سيقتل "البعبع السنّي" من لم يُقتل ويُهجّر من لم يُهَجّر إذا سقط البعث الأسدي في سوريا يا صاحب الغبطة؟

نحن نتمسّك بحدود لبنان المعترف بها دولياً، ونسعى لترسيمها فعلياً، ومن قال لك إننا سنتخلى عنها إذا حكم السنّي سوريا يا صاحب الغبطة؟

من قال لكم يا صاحب الغبطة إن اللبنانيين المسلمين السنّة يريدون أن يكونوا رعايا في دولة سورية أو عربية أو إسلامية أو سيخية أو عمّالية أو بوذيّة أو زنديقيّة؟

من قال لكم يا صاحب الغبطة إنني سأتنازل عن شرف الكتابة لموقع حزب الكتائب المسيحي-الماروني إذا سقط بعث الأسد في سوريا ... حتى ولو خرج معاوية بن أبي سفيان من قبره واستوى على عرش دمشق؟

من قال لكم يا صاحب الغبطة إن المسلمين السنّة سينسون يوماً أن صالونات بكركي تقبلت التعازي بسماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد في عزّ الحرب الأهلية.

ومن قال، يا صاحب الغبطة، إن أنين أجراس الكنائس التي قُرعت حزنا على العلاّمة الشيخ الدكتور صبحي الصالح لم يعد يضج في وجدان كل لبناني مسلم سنّي.

هل السنّة هم الذين اقتلعوا باب كنيسة لاسا وأعطوا مفتاحه للعماد عون يا صاحب الغبطة؟

أم ترى هم السنّة الذين احتلوا بساتين جزين وأملاك الكنيسة في ضاحية بيروت الجنوبية!

سجلاّت بكركي ما زالت تحفظ شعار اللبنانيين المسلمين السنّة في حقبة التكوين الاستقلالي "مع بكركي ضد التركي"، فيما كان شعار غيرنا "التركي ولا بكركي". فلماذا نحن "بعبع" يا صاحب الغبطة؟

ومع أني لست من أهل التسامح والغفران، أدير لكم يا صاحب الغبطة خدي الأيسر، متوسلاّ أن تصفعني عليه ... كي أستفيق من صفعتكم اللّوردية-الفرنسيّة.

أنا مسلم سنّي من أهل العدل والقصاص. قاصصني يا صاحب الغبطة. إصفعني رأفة بي لأنني، ولو للحظة، كدت أصدق أنني "بعبع" سنّي.

========================

من المعارضة السلمية إلى المقاومة المدنية

مجاهد مأمون ديرانية

أعتذر من القراء الذين أتعبتهم بقراءة المقالات التسع السابقة وصولاً إلى هذه المقالة، فقد اضطَرَرتكم إلى المشي في دهليز طويل لتصلوا أخيراً إلى الصالة الرئيسية، ولكني لم أصنع ذلك بنيّة تضييع أوقاتكم الثمينة بقراءة ما لا يلزم، بل إني اعتبرت أن المرور عبر المحطات السابقة أمر ضروري لازم للوصول إلى “النتيجة” التي سننطلق منها منذ الآن في هذه المقالة وما بعدها، وهي هذه:

لقد كانت الثورة السورية معجزة كبرى ونجحت في تحقيق جملة من المعجزات الفرعية في وقت قياسي، وهي ما تزال تمشي في الطريق الصحيح حتى اليوم وأرجو أن تستمر كذلك، بعيداً عن تحويل سوريا إلى ساحة حرب دولية. إن هذه الثورة لن تنتصر -بإذن الله- إلا بهمّة أبنائها وصمودهم، ولكن الطريق ربما يطول، لذلك تحتاج الثورة إلى تطوير أدواتها وتجديد دمائها، أو باختصار: على الثورة أن تدرك أنها حققت المطلوب في المرحلة الأولى من مراحلها وبات لزاماً عليها أن تنتقل إلى مرحلة جديدة بروح جديدة ووسائل جديدة، مرحلة أهم خصائصها:

(1) ابتكار أدوات جديدة للمرحلة الجديدة. لقد بلغت الثورةُ مرحلةَ النضج في التعبير عن رأيها بالمظاهرات الشعبية الصاخبة، فأيقظت النائمين من شعبنا وأذهلت الدنيا بجرأتها وعظمتها، ومن ثم صار لزاماً عليها أن تنتقل إلى أدوات جديدة ذات أثر في النظام، مع الاستمرار في المظاهرات لا بديلاً عنها. لا نريد من المظاهرات أن تقف، ولكن لا نريدها مقياساً وحيداً على نجاح الثورة، ولا نريدها وسيلة وحيدة للضغط على النظام.

(2) من أهم سمات المرحلة المقبلة ومن أهم خصائص أدواتها الجديدة أن تُبقي النظام تحت الضغط الدائم وأن تعمل على إنهاكه بشكل مستمر، وهذا ما ستهتم بتفصيله المقالاتُ القادمة إن شاء الله.

(3) الاستعداد لحرب طويلة. الذين تابعوا مقالاتي السابقة -منذ أيام الثورة الأولى إلى اليوم- سيقولون إنني استبدلت بالتفاؤل تشاؤماً وبالأمل يأساً. وليس الأمر كذلك، فأنا أحمل في قلبي أجمل الآمال على الدوام وأبُثّها في الناس، لأن الأمل والتفاؤل هو زادنا في المواجهة الصعبة مع النظام المجرم، لكننا الآن في طور التخطيط لعمل طويل، والتخطيط والعمل لا يُبنى على الآمال والأحلام، إنه يُبنى على توقع أسوأ الظروف والاستعداد لها، وكما يقول القادة الناجحون: “تفاءلْ بالأفضل وخطّطْ للأسوأ”، الأولى تبقيك في سلامة نفسية وعزيمة عالية والثانية تجهّزك لكل أنواع الطوارئ والمفاجآت.

* * *

بعد نشر عدد من المقالات التسع سمعت من بعض الإخوة في بعض مناطق سوريا الثائرة أنهم قد فرغوا من المرحلة الثانية وباتوا على أعتاب المرحلة الثالثة، لذلك فإنهم يريدون القفز من فوق المرحلة والانتقال إلى العمل المسلح كما يقولون! لا يا إخواني الكرام، ما تزال الثورة في مرحلتها الأولى طالما أنها لم تطوّر أدوات جديدة، أما ما ذكرتموه فهو رؤية رأيتموها نتيجةَ القفزات الكبيرة التي قفزتموها والخطوات العملاقة التي أنجزتموها حتى الآن. لا شك أن مناطق سوريا المختلفة ليست سواء في مواكبتها للثورة، بل إن فيها السابق واللاحق والمتقدم والمتأخر، ولا يسعني أن أعلق على هذا التفاوت إلا بكلمة كتبها ابني حارثة في حوار له مع بعض المستعجلين الداعين إلى الحرب، أستعيرُها منه لمناسبتها لهذا الموقف، قال: “يبدو لي أن شاباً مقيماً في حمص المشتعلة التي بات أهلها على قلب رجل واحد يصعب عليه أن يدرك أن مدينته الأبيّة قفزت في طريق الثورة في سرعة هائلة وأن عليها أن تنتظر المناطق الأبطأ حتى تلحق بها، فالثورة لا تنضج بنفس السرعة في كل مكان، بل إن أهل سوريا يمشون فيها بسرعات مختلفة، فليت المتقدّمين ينتظرون المتخلّفين قبل أن يفكروا في حمل السلاح”.

إن التفاوت في السرعة بين الناس وبين الجماعات أمر طبيعي، وما دمنا كلنا في رحلة واحدة باتجاه الحرية فلا مناص من أن ينتظر السابقُ منا اللاحقَ حتى لا تتشتّت الثورة وتصبح جماعتُها جماعات. فأرجو أن يصبر السابقون على ثورتهم التي صارت مصدرَ إلهام للمناطق الأخرى وقدوةً لها، وسوف تتفجر تلك المناطق المتأخرة بالثورة مثل السابقة، إن عاجلاً أو آجلاً بإذن الله. ورد في الأثر: “سيروا على سير أضعفكم”، وهو توجيه مهم لحفظ حياة الجماعة الصغيرة المسافرة في الفَلاة حتى لا ينقطع بعضها فتتخطفه السباع أو يقتله العطش، ولكنه توجيه أهم لحفظ حياة الجماعة الكبيرة التي يقاتلها نظامٌ مجرم بَطّاش هو أفتك من سباع الفَلَوات ومن وحوش الغابات.

* * *

قبل الانطلاق في تفصيلات المرحلة الثانية ومناقشة أدواتها وآلياتها يجب أن نكون على يقين من أمر جوهري، بل لعله أكثر الأمور جوهرية في كل ما يمكن أن أكتبه أنا أو يكتبه غيري: إن عدم حسم المعركة حتى اليوم لا يعني أن الثورة لا تحقق إنجازاً في كل يوم.

فكروا في هذا المثال البسيط هُنَيهة: أنتم تشربون الشاي في كل يوم وتُعدون منه أباريقَ وأباريق طول النهار، فماذا يصنع من أراد إعداد الشاي؟ إنه يملأ الإبريق ماء ويضعه على النار ويلبث ينتظر، حتى إذا غلى الماء قذف فيه كمية من الشاي “الفرط” أو دلّى في الإبريق أكياس الشاي الجاهزة. ربما استغرق الماء عشر دقائق للوصول إلى نقطة الغليان، فهل يقول أحد في الدقيقة التاسعة: لم يحصل شيء إلى الآن، لا فائدة من هذه الطريقة في صنع الشاي، علينا أن نجرب غيرها؟ هل تبلغ قلة الإدراك بأحد من الناس لدرجة أن يزعم أو يظن أن غليان الماء هو العلامة الوحيدة على نجاح عملية إعداد الشاي؟ لن يفعل، بل إنه سيكون على يقين أن الأمور تمشي في الاتجاه الصحيح طالما أن حرارة الماء تزداد دقيقة بعد أخرى، وهو يعلم أن لحظة الغليان وتلقيم الشاي هي الثواني الثلاث الأخيرة التي تأتي نتيجة لمئات الثواني السابقة من التسخين البطيء.

لماذا يقبل القاعدةَ السابقةَ كلُّ الناس بلا تردد عندما تتعلق بالشاي ويرفضونها عندنا تتعلق بالثورة؟ لا، إنهم لا يرفضونها ولكنهم ينسونها، فأرجو أن يساعدني كل من يقرأ هذه المقالة على إعادة تذكير الناس بما ينسون، لا على تعليمهم ما لا يعلمون. إنهم يعلمون وسوف يقولون لك لو فكروا: “ثورتنا السلمية تمشي في الاتجاه الصحيح ولا بد أن تصل إلى هدفها بإذن الله”، لكن الضغط الشديد يعطل أحياناً مَلَكة التفكير. هل ألوم من يعاني من الحياة الصعبة مع التهديد المستمر بالقتل والاعتقال لو نسي تلك القاعدة؟ معاذ الله، لا أفعل، ولكني أساعده على التذكّر وأساعده على التفكّر، لأن التفكير الصحيح هو الطريق لاتخاذ القرار الصحيح.

يا أيها الثوار الأحرار: ضعوا أصابعكم في إبريق الماء مرة كل أسبوع، فإذا وجدتموه بارداً كالثلج فعودوا إلى بيوتكم، إن الثورة السلمية لم تصنع شيئاً، أما إذا سخن الماء فأكملوا الطريق، فإنكم في الطريق الصحيح. وما علامات ارتفاع حرارة ماء الثورة؟ منها: ازدياد عزلة النظام واستمرار الضغط الدولي عليه، ومنها تصاعد توتر وجنون النظام وأجهزة النظام وإمعانه في القتل والتنكيل والإجرام. والمظاهرات؟ إنها لم تتوقف رغم القمع والقتل والاعتقال والحصار والترهيب. هل تريدون رأيي في مظاهرات تخرج رغم ذلك كله؟ إن الواحد فيها بألف من الذين خرجوا من قبل. وكلما زاد القمع والترهيب سأرفع النسبة، حتى يأتي يوم أقول فيه إن الواحد من المتظاهرين بمليون. قبل أسبوعين اعتقل مجرمو الأمن في ركن الدين بدمشق سيدة متقدمة في السن وقفت وحدها تتظاهر وتحمل لافتة كُتبت عليها عبارات الثورة المطالبة بسقوط النظام، هل يقول مُنصفٌ إن تلك المرأة كانت شخصاً واحداً؟ ألا ترون فيها -بعين الإنصاف- عشرين ألف شاب من شباب الحي الذين اعتُقل منهم مَن اعتُقل وحُبس الباقون عن التظاهر بالقمع ومنع التجول في حي يخضع للاحتلال العسكري منذ شهرين؟

يا أهل الثورة: لا تظلموا ثورتكم السلمية، لا تكونوا أكثرَ جنايةً عليها من عدوكم. اخرجوا بخيالكم من عالم اليوم وعودوا إلى الوراء مئة وتسعين يوماً، ألا ترون أنكم حققتم المستحيل أو ما كان يبدو في حكم المستحيل؟ فكروا في وضع ثورتكم قبل ثلاثة شهور وقبل شهرين وقبل شهر، ألا ترون مبلغ صمودها في مواجهة آلة إجرام وقتل قلّ مثيلُها في الدنيا؟ أليس هذا نجاحاً عجيباً بحد ذاته بعد كل ذلك الجهد الهائل والسعي المحموم من قِبَل النظام لقتل الثورة؟ أليس كل يوم يمر على الثورة وهي ما تزال حيّة هو يوم نصر جديد؟ إنه نصر للثورة ولسلمية الثورة، وأرجو أن تتراكم انتصارات الأيام المتتالية الصغيرة وصولاً إلى يوم نصر شامل عظيم غيرَ بعيد بإذنه تعالى.

لا تستمعوا لصوت مثبّط يقول إن المظاهرات في تراجع. من قال ذلك فعزّروه أو أسكتوه. أما قلت لكم من قبل (وقال غيري) إن كل متظاهر حِيلَ بينه وبين التظاهر قسراً فهو متظاهر ولو لم يتظاهر؟ حسناً، أنا لا أعلم وأنتم -يا ثوار سوريا- تعلمون، كم علمتم من ثائر أو متظاهر قال: الثورة مكلفة، سأعود إلى تأييد النظام؟ كم من الثائرين كفر بعد إيمان؟ لا يبلُغْ بكم الإجحاف أن تَعُدوا من استُشهد ومن أُسر ومن حوصر ثم تقولوا: هؤلاء خرجوا من صفوف الثورة! أما إنهم ليزدادون إصراراً على ثورتهم في كل يوم ولو تخلّفوا عنها راغمين، حتى الشهداء في السماء يتمنون أن يعودوا إلى الأرض ليشاركوا فيُستَشهدوا مئة مرة بعد المرة الأولى لما يرون من الكرامة.

 * * *

كلمة على الهامش

منذ بدأت بالكتابة عن الثورة السورية وأنا أتلقى رسائل وتعليقات من شبّيحة وعبيد النظام المجرم تحتوي على قصائد هجائية تبدأ بي وتنتهي بجدودي الأعلَين، وقد اعتبرتها جهداً ضائعاً ورصاصات طائشة في الهواء لأنها لم تهزّ في بدني شعرة، فقد علمت أنهم عدوٌّ وأن سهامهم لا بد أن توجَّه إلى صدري فلبست درعي، درع اللامبالاة فلا أبالي بما يصنعون، ودرع الاحتساب فأحتسبه كله عند الله فداء لثورة الحق والخير. لكني تلقيت -بعد نشر المقالات التسع الأخيرة- كثيراً من التعليقات من أهل الثورة وأنصارها، أقلّها موافق وأكثرها معارض، معارَضةً تتراوح بين الرفض الرفيق والهجاء الشديد. النوع الثاني لا يفيد لأننا نبحث كلنا عن الصواب ولا نريد بالثورة إلا خيراً، فلماذا يسبّ بعضنا بعضاً وينشغل بعضنا بحرب بعض؟ أما المخالفة المنهجية في الرأي فإنها تسرّني وأرحب بها، فأنا لست سوى فرد محدود العلم والرأي، والثورةُ أعظم من أن يحتكر الرأيَ فيها آحادُ الناس وأفرادُهم، ولولا أني أؤدي زكاة قلمي وأرى الكتابة واجبةً عليّ انتصاراً لثورة الكِرام المستضعفين لما قرأتم لي حرفاً. إنني أقدم ما أستطيعه ضمن قدرتي على التفكير والاجتهاد، وغيري يقدم ما يستطيع، والثورة -بجمهورها وقياداتها- ستنجح بإذن الله في انتخاب ما يصلح واستبعاد ما لا يصلح، وإذا سَلِمت النوايا فلن يخلو مجتهدٌ من واحدٍ من أجرين إن شاء الله.

===========================

المرجوّ من المجلس الوطني السوري

الدكتور عثمان قدري مكانسي

لم أسمع في حياتي ولم أقرأ في تاريخ الأمم أن حاكماً ادّعى حب شعبه له يترجم هذا الحب دماء وقتلى تتوالى يومياً على مدار الساعة . ولماذا القتل ومحاصرة المدن إذا كان هذا الشعب يهتف له مؤيداً ومناصراً ؟! ربما لوجود قلة من الكارهين لرئيس النظام أدّى وجودها في المظاهرات التي كانت مؤيدة له أن تنقلب إلى كارهة تطالب بسقوطه ورحيله! هكذا دون مقدمات ولا أسباب . فلم يجد الرئيس المحبوب جداً ! غير أن يجابه هذه الحشود التي خرجت من كل حدب وصوب تعلن عن رغبتها بالحرية .

ولأن هذا الرئيس المحبوب جداً – كما يدّعي هو وأبواقه ومأجوروه – وجد نفسه بين أمواج متلاطمة تعلن دون خوف ولا وجل عن وجوب رحيله فقد ارتأى – بحكمته المعهودة وفلسفته الممجوجة – أن يجابه الشعب بإجراءات ديموقراطية ليس غير تظهر أن هذا الشعب الذي دجّنه – كما يظن – لا يحق له - والقائد فلتة من فلتات الزمان – أن يعق الرئيس الذي وهبه أبوه الهالك هدية للشعب خالصة لوجه الله !. والهدية – عُرفاً – لا تُردّ ولا توهب . فينبغي أن يظل هذا القائد الفذ جائماً على صدور شعبه عرفاناً بنفاسته وحب أبيه الخالد – في جهنم طبعاً- وما ذا سيُفعل بالهدية النفيسة إذا سقط الصنم وغاب عن الحياة السياسية الذهبية في حياة السوريين ؟!

وقد كانت الإجراءات الديموقراطية الأسدية دالة على ذكاء حادٍّ صدرت عن ذبذبات العقل الديماغوجي الخلاّق في ذهن السيد الرئيس وأعوانه المفكرين !! وكان مما صدر عنه وعن أعوانه جملة قوانين وأعمال تناسب الحراك الوطني الآخذ في الاتساع ، يمكن أن تعيد الأمور إلى نصابها ، منها :

1-        آلة القتل المنظم ، ففي كل يوم يقتل عشرون أو ثلاثون أو أربعون من ناشطي الشعب ، وعلى مدى أشهر يتفاقم الوضع وتندر الكفاءات الناشطة .

2-        اعتقال المتمردين تباعاً كل يوم وعلى مدار الساعة فيخف زخم المتظاهرين وتضعف المناشط.

3-        تشريد الكثيرين خارج الوطن لإضعاف المقاومة السلمية وتكبيل الحراك الإيجابي .

4-        الضغط الاقتصادي الخانق على الشعب ليرى الثورة بمنظار قاتم وليعيش في حاجة ماسة لضروريات الحياة فينقلب على الثورة ، ثم ليكون أداة طيعة من جديد بيد الأمن أو خامدة خمود الموات .وليكون الشعب نفسه من يقاطع الثورة ويهاجمها.

5-        استعمال الجيش في ضرب الثورة ليخلق بينه وبين الشعب الذي وجد لحمايته ابتداءً توجساً وحذراً ، ومن ثم يخلق بين الطرفين عداوة وشرخاً كبيرين يتجذر بسبب التدمير الذي يمارسه الجيش العقائدي ضد أبناء الوطن .

6-        وإذا ما ما سوّلت لبعض نفوس أفراد الجيش من ضباط وجنود أن يرفضوا الأوامر فهناك اصطياد لهؤلاء الذين يرفضون الأوامر وينحازون للشعب . أما الانشقاقات التي تحصل في الجيش فتطوّق ويجهز عليها سريعاً كي لا تتفاقم الأمور

7-        وينبغي أن يستعين النظام بمرتزقة مبرمجين عقائدياً لينفذوا كثيراً من المهمات التي لا يستطيع الجيش القيام بها أو يرفضها ابتداءً .

8-        والاعتماد على اللعبة الطائفية التي أتقن النظام فنونها على عقود طويلة في غفلة من الأمة .

9-        منع الإعلام العربي والدولي من وصول إلى بؤر التجمعات والتظاهرات للتعمية والتجهيل وليتفنن الإعلام السوري بأكاذيبه ودجله الإعلامي دون رقيب.

10-      صنع مؤتمرات هشة مفضوحة ، ودعم مؤتمرات كتب لها الفشل منذ البداية .

إنّ هذه الإبداعات الأسدية ! انتبه لها الشعب الرائع في سورية فقام بعمل مناسب يبطل هذه التكتيكات الإجرامية بإجراءات تدل على عزم ومصابرة ، ولا يفل الحديد إلا الحديد ولا يبطل الفساد إلا عمل محكم . من ذلك :

1-        التلاحم الوطني بين الشعب والتأكيد على وحدة المصير للشعب السوري ,

2-        ارتفاع المطالب بشكل موجات متلاحقة بدأ بالدعوة إلى الحرية ثم بالإصلاحات ثم بالتغيير الجزئي ثم بإسقاط النظام.

3-        امتداد التظاهرات بشكل عمودي ثم بشكل أفقي ( البؤر الصغيرة الفاعلة ثم الامتداد الأفقي في المدن والريف )

4-        تفاعل التظاهرات المربك للنظام حيث بدأت الثورة في درعا ثم في الساحل ثم في الوسط ثم في الشرق ، وأعيدت الكرة مرات فكان هذا التشكيل ذا تأثير سلبي على النظام وإيجابي على الثورة .

5-        انتشار التظاهرات بمجموعات سريعة التحرك في أماكن محاطة ومغلقة تجنباً لمزيد من الدماء مما شتت المتابعة الأمنية وأخّر تحركات الدهم للجيش ووزّعه ، وهذا سبب للنظام إرهاقاً واضحاً .

6-        تعويض التعتيم الإعلامي باستعمال الهواتف بأنواعها والنت والفيسبوك والوسائل الإعلامية المتاحة لتوثيق الثورة ونشرها في الوسائل الإعلامية والفضائية العربية والدولية. وكان النجاح في ذلك ملفتاً للنظر بقوة.

7-        انتشار التنسيقيات الشبابية وصناعة القيادة المتحركة المتواصلة بين الداخل وبين الخارج دعّم التظاهرات ووحّد الهدف . وكان للمؤتمرات نجاح ملموس نشأ عنها قيادات اتصلت بالعالم العربي والغربي .

والمطلوب من المعارضة الواعية الشريفة التي ستجتمع بعد يومين أن تثبت قدرتها على دعم الثورة وأن تبني الثقة بين مكونات الشعب السوري وأن تحافظ على مكتسبات الثورة في الداخل وأن تسرع بلم شمل المؤتمرين لتؤسس المجلس الوطني السوري الذي يقود البلاد إلى بر الأمان والنصر بإذن الله والذي سيضطلع بمهمة إنجاح الثورة والوصول إلى تحرير الأمة من براثن النظام الدموي المتهالك معتمدة على الله سبحانه ثم على تلاحم الشعب في سورية وأن يكون هدفها الأول العطاء والبذل وتقوى الله في الشعب الذي يقدم التضحيات وما يزال في سبيل الحرية والكرامة . والبعد عن الأهداف الشخصية والمكاسب الفردية ,,,,,,

============================

الشعوب العربية باتت عصية على "التدجين"

أ.د./ ناصر أحمد سنه

كاتب وأكاديمي

nasenna62@hotmail.com

أيتها النظم العربية البائدة، وتلك التي تنتظر.

أيها الطغاة المستبدون الظالمون، القاتلون السفاكون، الغاصبون المعتدون، الفاسدون المفسدون، العملاء المتاجرون.

يا بائعي الأوطان، وناهبي الثروات، وخائني الأمانات، ومصاصي التركات، وسارقي العقارات، ومُورثي البلاد، وقاتلي الشعوب، ووائدي الإحلام والآمال.

يا من فرضتم الوصاية، وكممتم الأفواه، وكبلتم الإرادة، وشيدتم المعتقلات، وأشعتم الإغتيالات، وقهرتم الثكالي، وعقمتم الأرحام.

يا من سممتم الحياة والمياه والأجساد، واستطلتم علي العباد والبلاد وكأنكم "رازقوهم".

يا من جعلتم الولدان شيباً، وفرضتم صنوف التعذيب والموت علي الشباب والشيوخ.

يا سبب كل خراب في البشر والشجر والحجر.

يا من تدبرون بليل ونهار، محاولين إخماد جذوة الثورات العربية، وعرقلتها، و"تبريدها، وتجميدها"، والإلتفاف عليها، وإجهاضها، ووئدها، وإفشالها.

 

يا أعداء الثورة في الخارج والداخل. يا كتائب المرتزقة، وفلول النظم، وأرتال البلطجية، والبلاطجة، والشبيحة.

رويدكم.. هونوا علي أنفسكم.

 

لم يعد الزمان العربي هو الزمان.

ولم تعد الأرض العربية هي الأرض.

ولم تعد الشعوب العربية هي الشعوب.

ولم تعد الأمة العربية هي الأمة.

لقد خرج المارد العربي من القمقم.

 

لقد باتت الشعوب العربية عصية علي التدجين.

لقد أمست عصية علي السوق كالقطيع.

وعلي قدر أهل العزم تأتي العزائم.

ولقد كانت الشعوب العربية أهل عزم، وستأتي العزائم.

لقد عرفت الشعوب العربية ثمن حريتها وعزتها.. فبذلته رخيصاً عن طيب خاطر.

دفعت الثمن.. واستحقت الكرامة والعزة والحرية والتحرر والعدالة والتنمية الحقيقية.

دفعت الثمن.. وستأخذ القصاص.

دفعت الثمن، ورفعت الرأس. لا لتحصد بل لتبقي عالية خفاقة.

إن عيونها شاخصة، لتحقق كل أهداف ثوراتها، وتحافظ علي مكتسباتها، وزخم "حالتها الثورية". فلا تراخ أو تكاسل كي لا ينحرف المسار، أو تضيع الثمار، أو يقطفها آخرون.

أملها معقود علي ألا "تأكل الثورة أبنائها"، أو يتفرق توحدها، أو يتشتت فرقائها. فليس الوقت ولسنوات قادمة وقت مغانم بل مغارم.

 

وهيهات .. هيهات أن تعود تلك الشعوب أدرجها.

هيهات .. هيهات أن تعود لزمن القهر والقمع والذل والظلم والطغيان والإستعباد والفساد.

فالشعوب باقية، والمتحكمين الطغمة الطغاة الفاسدين المُفسدين إلي زوال. ولن تُغلب الشعوب العربية اليوم من قلة، ولا من قوة، ولا من إرادة، ولا من عزة، ولا من عزيمة، ولا من شجاعة، ولا من تضحية، ولا من وعي، ولا من حكمة الخ.

 

لقد تنسمت العبير، نقيا بعد تلوث.

لقد ذاقت العزة والكرامة بعد إذلال.

لقد حلقت في سماء الحرية التحرر بعد طول سجن وإعتقال.

لقد عرفت قدرتها، وحررت إراتها، بعد قهر وأسر.

لقد عرفت حقوقها بعد طول هضم وغمط.

لقد حققت شرعيتها، وكرست سلطتها دون وصاية فهي التي قامت بالثورات، وقدمت التضحيات. فلا ينبغي بحال إختزال رغباتها، أو إغفال أهدافها، أو الإستهانة بطموحاتها لصالح أفراد أو فئات أو جماعات.

وستسعي لتطهير كل مؤسسات دولها، وجنبات مجتمعها، ومن ثم بنائها علي أسس سليمة وصحيحة، وشفافة. سيولّ كل مسئولية، صغُرت أم كبُرت: الأكفأ والأصلح، والقوي الأمين، الصالح المصلح، الحفيظ العليم ألخ. فليس ثمة "إحتكار لمنصب أو سلطة"، أو"اغتيال لحلم" الأبناء.. الأكفاء الأقوياء الأمناء.

لقد قضي الأمر.. بثورات الشعب العربي الحر الأبي.. سيصون مقدراته، ولن تطأ قدم محتل خارجي أو داخلي أرضه لتنهب ثرواته.

قضي الأمر.. يا تونس "الخضراء" .

قضي الأمر.. يا مصر "المحروسة".

قضي الأمر يا ليبيا "المختار".

قضي الأمر.. يا يمننا "السعيد".

قضي الأمر.. يا سوريا "الإباء".

قضي الأمر.. يا كل شعبنا العربي المسلم.

إذا الشعب يوما أراد الحياة= فلابد أن يستجيب القدر.

ولا بد لليل أن ينجلي = ولا بد للقيد أن ينكسر.

=======================

فلسطين .. وميلاد عهد جديد

بقلم الباحث: علي زيدية

فلسطين مهد الحضارت والدينات السماوية، والقدس مدينة السلام تعيشتحت الاحتلال العسكري الإستيطاني الإسرائيلي منذ أكثر من 63 عاماً، ومازال الشعب الفلسطينييعانيأبشع سياسات الظلم والاضطهادمنذنكبة فلسطين عام 1948 (التي كان ضحيتها أكثر من 900 ألف لاجئ فلسطيني، واليوم يزيد عددهم عن 7.5 مليون لاجئ)،وما زال الاحتلال مستمرا ببناء الاستيطان غير الشرعي في الضفة الغربية والقدس، ومن خلال بناء جدار الفصل العنصري، وتهويد ومحاصرة المدينة المقدسة، واغلاق المعابر، واقامة نقاط التفتيش بين المدن والقري الفلسطينية، ومصادرة وهدم البيوت في القدس الشرقية والاعتقالات والاقتحامات وسياسة الإبعاد، كل ذلك بهدف تكريس الاحتلال الإسرائيلي، وللنيل من عزيمة الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقة الطبيعية والتاريخية في الحرية والعدالة وبناء دولته المستقلة.

وفي نفس الوقت تواصل دولة الإحتلال الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، فرض حصارها البري والبحري والجوي المشدد على سكان قطاع غزة منذ أكثر من 5 سنوات واستهداف المدنيين بالاغتيالات والقصف المدفعي والغارات الجوية واغلاق المعابر، ومنع امدادات الغذاء والدواء والمحروقات والمواد اللازمة للصناعة والزراعة والبناء والنقل والمواصلات، مستكملة حربها العدوانية التي شنتها على سكان القطاعقبل 3 سنوات، والتي أدت لتدمير هائل في المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد وتدمير 50% من شبكات المياه والكهرباء، واستشهاد أكثر من 1400 فلسطيني، بينهم 431 طفلاً، و114 امرأة واصابة أكثر من 5000 جريح فلسطيني، وما زال الحصار مستمراً...

المفاوضات..وشاهد الزور

منذ أكثر من 20 عاماً من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، التي بدأت مع انعقاد مؤتمر مدريد للسلام 1991، كان الأتراك طرفاً شاهداً ومتابعاً وداعماً للفلسطينيين والإسرائيليين، على أمل أن يحصل تقدم حقيقي للعملية التفاوضية، ولكن الواقع على الأرض يقول أن الإسرائيليين غير جادين، وذلك للأسباب التالية. أولاًالمؤسسة السياسية والعسكرية الإحتلالية الإسرائيلية لم تؤمن بالسلام كخيار استراتيجي مع العرب أو الفلسطينيين (لذلك هي دولة قائمة على العدوان والحرب)، وثانياً أن الطرف الراعي للمفاوضات أي الولايات المتحدة ليس طرفاً نزيهاً أو حيادياً (لاعتبارات خاصة بنفوذ اللوبي الصهيوني اليهودي في الكونغرس الأميركي)، وثالثاً أحتاج للقول أن الكثير من دول المنطقة والعالم ينظرون للصراع العربي الإسرائيلي من خلال العين الإسرائيلية الأميريكية، وكل ذلك تحت ادعاء المصالح!!اذاً فقطار المفاوضات الثائية يجب أن يتوقف ما لم يأتي بنتائج حقيقية، الاستيطان الإسرائيلي يتضاعف ويتوسع باستمرار دون رادع او مساءلة لدولة الاحتلال، وهذا الأمر يهدد جدياً فكرة حل الدولتين.

تركيا الجديدة.. وكسر الصمت

أصبحت المسألة الفلسطينية أحد أهم محددات السياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، تحديداً مع تولي حزب العدالة والتنمية الحكم منذ نهاية العام 2002 الي الآن، فمهندسي السياسة الخارجية التركية، (المثلث أردوغان - غول - داوود أوغلوا) يعتبرون أن أي نجاح أو تقدم لمكانه الدولة التركية في المنطقة يتطلب المساهمة في استقرار وسلام المنطقة، وهذا يعني لعب دوراً مركزياً في انهاء الصراع العربي الإسرائيلي، من خلال دعم مفهوم "حل الدولتين إسرائيل وفلسطين" وذلك بمنح الفلسطينيين حقوقهم ببناء دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي. وهذا بالضرورة يعني اجبار إسرائيل على احترام قواعد القانون الدولي، وبالتالي وضع نهاية للاحتلا العسكري الإستيطاني للأرضي الفلسطينية.

شهداء "مرمرة الزرقاء" .. وتصحيح المسار

في إطار جهود أصدقاء الشعب الفلسطيني في العالم لكسر الحصار المفروض على سكان القطاع، نجحت العديد من المؤسسات الإنسانية والدولية في ايصال الامدادات الإنسانية لسكان القطاع براً وبحراً، وكان من بين تلك الجهود الكبيرة، تنظيم أسطول الحرية "مرمرة الزرقاء" الذي ضم مواطنين من 33 دولة، والذي انطلق من الجمهورية التركية الشقيقة، لكن الاعتداء البربري للقوات البحرية والجوية الإسرائيلية على النشطاء المدنيين المنظمين للأسطول في المياه الدولية للبحر المتوسط بتاريخ 31 مايوا 2010، والذي أسفر عن استشهاد 9 مدنيين أتراك، فتح البابأمام مرحلة جديدة في العلاقات التركية الإسرائيلية، وتداعيات ذلك على المسألة الفلسطينية وحصار غزة...

بالإضافة الي سجل قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسود مع الشعب الفلسطيني، فقد كشف الهجوم على سفينة "مرمرة الزرقاء" قبح صورة حكومة وجيش دولة الإحتلالكدولة راعية للارهاب، حيث بارك رئيس حكومة الإحتلال "نتنياهو" عمليه الإعتداء،في الوقت الذي استنكرت فيه كل دول العالم ذلك الهجوم. وكما صدم الهجوم الإسرائيلي الرأي العام العالمي فقد طالب الرأي العام التركي بالرد القاسي على وجشيه اسرائيل، خاصة أنالمشاركين في سفينة "مرمرة الزرقاء" كانوا نشطاء مدنيين عزل حاولوا ايصال صوت الضمير الإنساني للمحاصرين في قطاع غزة، ولم يتوقعوا أبداً تلك النتيجة المأساوية. وعلى أثر ذلك الاعتداء، كان للحكومة التركية أن تأخذ موقفاً يهدئ من غضب الشعب التركي الكبير،ويحفظ الكرامة الوطنية لتركيا، البلد الحليف الإستراتيجي الأول الإسرائيل في المنطقة. فطالبت بفتح تحقيق دولي، واعتذاراً رسمياً، وتعويض أسر الشهداء التسعة، وفك الحصار غير الشرعي المفروض على قطاع غزة.

ومع تواصل الرفض والغرور والغباء السياسي لحكام تل أبيب، استمرت العلاقات بين البلدين في حالة من التوتر الدبلوماسي، إلي أن نشرت صحيفة أميركية مسودة التقرير الأممي "بالمر" في 2 ايلول، وكان الرد التركي سريعاً هذه المرة، فأعلن وزير الخارجية التركي داود أوغلوعن طرد السفير الإسرائيلي غابي ليفي من أنقرة، وتجميد الاتفاقات العسكرية بين البلدين، والتقدم بدعوة قضائية أمام محمكمة لاهياي للدفاع عن حقوق عائلات الضحايا الأتراك. وكان تقرير "بالمر" قد وصف الاعتداء الإسرائيلي بأنه "مفرط في القوة وغير مقبول"، وقال أن الحصار الإسرائيلي لغزة "شرعي".!!

وفي تصريح قوي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قال:"أن الإحتلال الإسرائيلي لن يفعل ما يشاء في عرض البحر الأبيض المتوسط بعد اليوم، وأن السفن الحربية التركية ستكون في عرض البحر المتوسط في أي وقت تراه".

لقد أصيبت العلاقات التركية الإسرائيلية في مقتل، فتحول التحالف الاستراتيجي بين البلدينالي قطيعة دبلوماسية حقيقية، وفقدت اسرائيل حليفها الاقليمي الأكبر، الذي كان صديقا مخلصا لها لعقود طويلة...ولن تعود العلاقات إلي طبيعتها بين البلدين الا بالضغط الجدي على اسرائيل لاجبارها على الالتزام واحترام قواعد القانون الدولي، وأن تصبح دولة عادية كباقي دول المنطقة وليست دولة فوق القانون. وهذا عني الاعتذار الرسمي للحكومة والشعب التركي والتخلي عن عقلية الاحتلال والاستيطان بمنح الفلسطينيين حقوقهم في اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

تركيا ليست غريبة عن المنطقة، فالعمق الحضاري والتاريخي والجغرافي والإستراتيجي لتركيا والعالم العربي والإسلامي هو العمق المشترك والطبيعي ، والحزب الحاكم حاليا في تركيا قدم مواقف سياسية داعمة للقضايا العربية، سواء موقفه من الحرب على العراق 2003، والموقف التركي من الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، والموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة 2008، جميعهامواقف مؤيدة للشعوب العربية الثائرة في وجه الاستبداد في ليبيا وتونس ومصر وسوريا واليمن وهناك دول على الطريق... ودفاع تركيا عن فلسطين في كل المناسبات والمحافل الدولية بطريقة تتسم بالشجاعة السياسية لاقي احترام وتقدير كل العرب والمسلمين والشعب الفلسطيني بالتأكيد.كما قامت تركيا برعاية "المؤتمر السنوي لسفراء فلسطين في اسطمبول يوليو 2011"، واعلنت تركيا دعمها القوي للقيادة الفلسطينية بشأن طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وقد استمعنا للخطاب التاريخي والمسؤول والشجاع للرئيس الفلسطيني محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الربيع العربي .. ميلاد تاريخ جديد

ان الأحداث في المنطقة تتغير وتتغير بإستمرار، وكل المؤشرات تدلل على أن المنطقة ستشهد ميلاد نظام إقليمي جديد يساهم في تغيير ميزان القوي الحالي، فحركة الاحتجاجات والثورات العربية ضد النظم العربية المستبده والمدعومة أميريكياً، ومع صعود وازدهار واستقرار الحياة الإقتصادية والديمقراطية في تركيا، ومع فشل سياسات الولايات المتحدة في كل مناطق الصراع تقريبا (الملف الإيراني ولبنان وفلسطين والعراق وأفغانسات ومصر)، والعزله المتصاعدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي المدعوم أميريكياً (القاهرة وعمان وأنقرة)، وعودة الفلسطينيين للوحدة والمصالحة (فترتيب البيت الفلسطيني الداخلي يشكل ركيزة حاسمة)، خاصة مع انتهاء وموت ما يسمي بعمليه السلام، كل ذلك يساهم في اعادة تشكيل النظام الإقليمي وبناء ميزان قوي جديد.

فالسعودية ومصر وإيران وتركيا أبرز وأهم القوي التي صنعت تاريخاً وحضارة تفخر بها شعوب المنطقة جميعاً، ولذا ستكون المساهمة الكبري في بلورة وبناء النظام الإقليمي الجديد بمباركه ورعاية أصحاب الحقوق والقيم والتاريخ، وهنا لابد من الإشارة إلي أن حقوق الشعوب في الحرية والعدالة والكرامة تتعارض مع الاحتلال وسياسات القوة والغطرسة الأميريكية والإسرائيلية، فالديمقراطية والاحتلال لا يلتقيان، وعلى من يعنيه الأمر أن يقرأ الرسالة جيداً.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ