ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 27/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

زكاة الفطر

أ. د. عبد الرحمن البر*

وبعد.. فقد كثُر سؤال بعض الأحبة عن صدقة الفطر، فكتبت هذه السطور إجابةً لهم، وبخاصةٍ السؤال المتكرر عن حكم إخراج القيمة في صدقة الفطر، أسأل الله أن يجعل ما أكتب وأقول عملاً صالحًا خالصًا متقبلاً.

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ" (متفق عليه) (1)، وفي رواية: قال عبد الله: فَجَعَلَ النَّاُس عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وفي رواية عند مسلم: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ.

 

في هذا الحديث بيان لما يجب على المسلم الذي أتمَّ صيام رمضان وأرضى ربه فيه، وأقبل على العيد المبارك منتظرًا جائزته من الله رب العالمين، فإن صيامه معلَّق حتى يُخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته، طيبةً بذلك نفسه، راضيًا بذلك قلبه، ففي هذه الزكاة طهرةٌ لصيامه مما قد يكون شابه من لغو أو رفث، أو حصل فيه من تقصير، كما أن فيها معنى اجتماعيًّا كريمًا؛ إذ هي طعمةٌ للمساكين؛ حتى لا يضطروا إلى سؤال الناس في هذا اليوم المبارك يوم العيد.

 

أما مقدار هذه الصدقة فيسير على العبد، فهو مقدار صاع من الحبوب التي يأكل منها ويدَّخر، أو من الطعام الذي يتناوله.. صاع عن كل فرد ممن تلزمه نفقته، حتى الوليد الذي أدرك شيئًا يسيرًا من رمضان، يشترك في ذلك الحر والعبد والذكر والأنثى، ويشترك في إخراجها من ملك ما يزيد على قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، وحتى الفقير الذي لا يجد، إن أخذ الصدقات فحاز منها ما يزيد على قوته وقوت عياله ليوم العيد وليلته؛ وجب عليه أن يخرج تلك الصدقة، وبذلك تتعوَّد الأمة كلها على البذل والعطاء والسخاء، ويتحقق فيها التكافل والتعاون بأبهى صوره وأجمل معانيه.

 

وقت إخراج زكاة الفطر

قول ابن عمر: "وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ" يدل على أن المبادرة بها هي المأمور بها، فلو أخَّرها عن الصلاة أَثِم، وخرجت عن كونها صدقة فطر، وصارت صدقة من الصدقات، كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ" (2).

وفي هذا دليل على أن وجوبها مؤقت بوقت محدد، فقيل: تجب من فجر أول شوال لقول ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نُخْرِجَهَا قَبْلَ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الصَّلاةِ، ثُمَّ يَقْسِمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَسَاكِينِ إِذَا انْصَرَفَ، وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ" (3).

وقيل: من غروب آخر يوم من رمضان؛ لقوله: "طُهْرَةً لِلصَّائِمِ"، وقيل: تجب بمضيِّ الوقتين؛ عملاً بالدليلين.

والحكمة في تقديمه قبل الخروج للعيد: إغناء الفقراء عن الطواف في الأزقَّة والأسواق لطلب المعاش في هذا اليوم؛ أي يوم العيد، وإغناؤهم يكون بإعطائهم صدقة أول اليوم.

 

هل يجوز تقديم زكاة الفطر؟

في جواز تقديمها أقوال:

منهم من ألحقها بالزكاة، فقال: يجوز تقديمها ولو إلى عامين.

ومنهم من قال: يجوز في رمضان لا قبله؛ لأن لها سببين: الصوم والإفطار، فلا تتقدمهما، كالنصاب والحول.

وقيل: لا تقدم على وقت وجوبها إلا ما يغتفر كاليوم واليومين، وقد فعله ابن عمر، فعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِزَكَاةِ الْفِطْرِ؛ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ.

 

والذي أراه مناسبًا في هذا العصر: تقديمها من منتصف شهر رمضان؛ ليتهيأ للفقير الانتفاع بها، وتحقيق الإغناء قبل يوم العيد.

 

هل يجوز إخراج القيمة نقداً في صدقة الفطر؟!

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

* فذهب فريق من العلماء إلى عدم جواز إخراج القيمة في صدقة الفطر، ووجوب إخراجها من الأصناف الخمسة المذكورة في الأحاديث، وهي التمر والشعير والبرّ والزبيب والإقط، وألحقوا بذلك الأرز ونحوه من الحبوب.

 

وحجتهم: أن هذا هو الذي ورد في السنة النبوية، وأن زكاة الفطر من العبادات، والأصل في العبادات التوقيف، ولا يجري فيها القياس ولا الاستحسان ولا الاستصلاح، وقالوا: إن الدراهم والدنانير كانت موجودةً وقت التشريع ولم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك.

 

* وذهب عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة ورواية عن أحمد ويحيى بن معين وغيرهم؛ إلى جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر تلك الأصناف لأنها كانت المتيسرة لهم.

 

قال ابن القيم في (إعلام الموقعين): "فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم، كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين، أو غير ذلك من الحبوب، فإذا كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنًا ما كان.. هذا قول جمهور العلماء، وهذا الصواب الذي لا يقال بغيره؛ إذ المقصود سدّ خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم، وعلى هذا فيجزئ إخراج الدقيق وإن م يصح فيه الحديث".

 

إلى أن قال: "وإنما نص على الأنواع المخرجة؛ لأن القوم لم يكونوا يعتادون اتخاذ الأطعمة يوم العيد، بل كان قوتهم يوم العيد كقوتهم سائر السنة، ولهذا لما كان قوتهم يوم عيد النحر من لحوم الأضاحي أمروا أن يطعموا منها القانع والمعتر، فإذا كان أهل بلد أو محلة عادتهم اتخاذ الأطعمة يوم العيد جاز لهم، بل يشرع لهم أن يواسوا المسكين من جنس أطعمتهم، فهذا محتملٌ يسوغ القول به، والله أعلم".

 

وهذا الكلام من ابن القيم جيد نفيس، يبين أن صدقة الفطر إنما شُرعت للمواساة، وأن ما يحقق المواساة يجوز العمل به، وعلى هذا يجوز إخراج القيمة نقدًا؛ لما في ذلك من منفعة الفقير ومواساته، ومن التيسير على المكلفين، بل إن الذي يُخرج القيمة يعد مخرجًا للصدقة وزيادة؛ حيث أعطى الفقير عمليًّا فرصة اختيار ما يشاء من الأطعمة، أو اختيار سواها مما يحقق له الإغناء ومما هو في نظره أهم.

 

ويلاحظ أن أصحاب القول الأول الذين يتشدَّدون في إخراج الحبوب قد قيَّدوا ما لم يقيِّده الشارع، فإن الأحاديث المذكورة لم يرد فيها من كلامه صلى الله عليه وسلم مطلقاً ولا في كلام أصحابه رضي الله عنهم أي لفظ يدل على التعيين أو على منع إخراج غيرها وعدم جوازه، ولذلك قال ابن القيم ما سبق أن نقلته عنه، بل إن هؤلاء المتشددين قد وجدوا أنفسهم مضطرين إلى أن يقيسوا الأرز أو الذرة أو غيرها من الأصناف التي لم تذكر في النصوص على الأصناف التي ذُكرت.

 

والادِّعاء بتقييدها بالحبوب- ومن ثمَّ إدخال تلك الأصناف فيها- ادِّعاءٌ لا يستند إلى نص ولا مفهوم، ولذلك أجاز ابن القيم الأطعمة من غير الحبوب، وأيًّا ما كان الأمر فإن الذي يجيز إخراج شيء من غير الأصناف المذكورة في النصوص ملزمٌ ولا بد بتجويز إخراج القيمة؛ إذ لا فرق بين الأمرين.

 

أما قولهم: إن زكاة الفطر من العبادات والأصل فيها التوقيف، فيجاب عنه بأن زكاة الفطر في أصلها معقولة المعنى كزكاة المال؛ إذ المراد منها إغناء الفقراء وسد حاجات المحتاجين، فيجب النظر فيها إلى ما هو أيسر على المعطي وأنفع للآخذ، وليست مثل عدد الصلوات التي لا دخل للعقل في تحديدها، ألا ترى أن المعطي لو أعطى أكثر مما يجب عليه قُبل منه، بينما المصلي لو زاد في عدد الركعات بطلت صلاته؟!

 

وأما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الدنانير والدراهم ولم ينقل عن الصحابة أنهم أخرجوها في زكاة الفطر، فيجاب عنه: بأنها كانت قليلة عزيزة عندهم، وكانوا يتبادلون هذه المواد الغذائية كأنها نقود، فلم يكن من الحكمة تكليفهم بما يشق عليهم، ثم إن تحديد مبلغ نقدي معين قد تتغير قيمته بتغير الأيام، لكنَّ ربطه بشيء يحتاجه الإنسان يكون أضبط، ولا يتأثر بارتفاع الأسعار أو انخفاضها.

 

فإذا كان الحال قد تغيَّر، وصارت النقود هي الأسهل، وهي المحققة للمقصود الشرعي، وهي الأيسر على المكلف والأنفع للآخذ، فما المانع أن يخرج المكلف القيمة إن شاء؟ وبذلك نعفيه من مشقة شراء الحبوب، ونعفي الفقير من مشقة تخزينها أو إعادة بيعها بأقل من سعرها، كما نحمي الأمة من جشع بعض التجار الذين يستغلون ذلك لرفع الأسعار، بل ونحمي الشريعة من العبث الذي يفعله بعض الناس في بعض البلاد حين يقف التاجر فيبيع للشخص المقدار الشرعي من الأرز مثلاً، وعلى مقربة منه يقف الفقراء الذين يأخذون الأرز من المزكِّي ليعيدوا بيعه- أو تسليمه- للتاجر ليعيد بيعه لشخص جديد، وهلمَّ جرَّا.

ولهذا فإنني مع أكثر أهل العلم الموثوق بدينهم وعلمهم في عصرنا؛ الذين أجازوا إخراج القيمة، بل اعتبروا إخراج القيمة أفضل من إعطاء الحبوب؛ لما يترتب على ذلك من مصالح شرعية وقضاء لمصالح المسلمين، والله أعلم.

---------

الهوامش:

(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر 3/367 (1503) وباب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين 3/369 (1504)، وباب: صدقة الفطر صاعًا من تمر 3/371 (1507)، وباب: الصدقة قبل العيد، وباب: صدقة الفطر على الحر والمملوك 3/375 (1509 ، 1511)، وباب : صدقة الفطر على الصغير والكبير 2/377 (1512) ، ومسلم في كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 2/677 (984/12-16).

(2) أخرجه أبو داود في كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر 2/111(1609)، وابن ماجه في كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر (1817)، وصححه الحاكم على شرط البخاري.

(3) أخرجه أبو داود في كتاب: الزكاة، باب: متى تؤدَّى؟ 2/111(1610)، وصححه ابن خزيمة (2253).

*أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

=============================

سلميّة الثورة الشعبية في سورية تحت المجهر .. سلمية الثورة إنجاز الثوار وعسكرتها -إن وقعت- مسؤولية إجرام النظام القمعي

نبيل شبيب

تطرح السطور التالية أسئلة ملحّة عديدة، ولا تطرح أجوبة شافية عليها، فالحديث عن سلمية الثورة الشعبية في سورية، وعن التساؤلات المتعالية مع الألم والغضب، عن احتمال عسكرتها بسبب وصول القمع الهمجي إلى درجة بالغة الخطورة والإجرام، هو الحديث الذي لا يمكن أن يتكامل طرحه بصورة موضوعية إلاّ في الداخل.. داخل الحدود، وداخل الحراك الثوري في سورية، ولا يحقّ لأحد -ولا يستطيع موضوعيا- مهما بلغ شأنه أن يقول من وراء حاسوبه عن بعد على سبيل المثال:

- إنّ على الأبرياء الجالسين داخل بيوتهم، أن يستقبلوا القتل والاعتقال والتعذيب والتنكيل، ثم يلتزموا إلى ما لانهاية بتطبيق ما يقال تحت عنوان: "أدر وجهك الأيسر"..

ولا أن يقول بالمقابل إنّ عليهم ممارسة الدفاع المشروع عن أنفسهم.. فهذا قرارهم وحدهم.

- أو إنّ على المتظاهرين السلميين وهم يصفقون فوق الرؤوس بأيديهم الخالية من أيّ سلاح، أن يتلقّوا الرصاص القاتل، بل قذائف الدبابات والمدفعية، ثمّ يلتزموا بالاستمرار على التحرّك بصدورهم العارية إلى أن يُحملوا في الأكفان على الأكتاف ويتعرّض مَن يحملونهم لمثل ما تعرّضوا له..

ولا أن يقول بالمقابل إنّ عليهم تحويل مظاهراتهم إلى مقاومة مسلّحة.. فهذا ما لا يستطيع رؤية أبعاده الميدانية الواقعية أحد سواهم.

- أو إنّ على الآباء والأمهات الذين اعتقل أولادهم من الناشئة ثم أعيدوا إليهم جثثا عليها آثار التعذيب، أن يمتنعوا عن التفكير بوسيلة من وسائل القوة المشروعة لدرء القتل غير المشروع عن أنفسهم وأولادهم..

ولا أن يقول بالمقابل إنّ عليهم -وعلى أمثالهم من اليتامى والثكالى والأيامى- المخاطرة بالموت قبل الاعتقال باستخدام القوة في مواجهة من يقتحم بيوتهم من جموع الشبيحة المجرمين بأزياء رسمية ومدنية.. فهذا ما لا يراه على حقيقته القائل عن بعد مهما بلغ به الخيال أو وصل إليه من معلومات أو رأى من مشاهد مصوّرة.

والقائمة طويلة.. طويلة.. ومأساوية.. مأساوية.. والآلام والأحزان تتوالى شهرا بعد شهر، يوما بعد يوم، ساعة بعد ساعة، عبر الشهور الستة التي مضت حتى الآن من عمر الثورة الشعبية السلمية البطولية في سورية.

. . .

لا يرقى إلى مستوى المسؤولية ومستوى الثورة -ولا عيب في ذلك- مجرّد الإسهام برأي من الآراء تعليما وتحذيرا من وراء الحاسوب، أو كلمات التعليم والتحذير من وراء الحدود، وإن اقتصر ذلك على التشبّث بسلمية الثورة، التي جعلها الثائرون أنفسهم خطا أحمر، واستطاعوا من خلال ذلك أن يَعْبُروا بهذه الثورة البطولية فوق أجسادهم وجراحهم وأفئدتهم ودموعهم كلّ ما نصبه المستبدّ الهمجي على طريقهم من أفخاخ، للانزلاق إلى استخدام القوة الدفاعية المشروعة، كي يصوّرها (بعد إخفاقه في نشر الأكاذيب حتى الآن) ذريعةً للوصول بقمعه الهمجي إلى مستوى إبادات جماعية..

يجب أن يدرك صاحب مثل ذلك الإسهام عن بعد حقيقة الفارق الكبير بين رجوعه هو لينام في فراشه -مهما بلغ به الألم والقلق على شعبه ووطنه- وبين من يتحدّث إليهم، أولئك الذين يتعرّضون للقتل أو الاعتقال في الفراش وفي الطريق على السواء، ثم للتعذيب من جانب كائناتٍ همجية تبرأ الوحوش من أفاعيلها، ولا أثر لإنسانية الإنسان فيها.

كل كلمة تقال عن بعد حول سلمية الثورة.. قاصرة، ولكن لا ينفي ذلك أن تكون كلمة صادرة عن رؤية عميقة، وتقدير صائب لأوضاع الثورة الشعبية البطولية السلمية ضدّ نظام همجي مسلّح.

. . .

من الأسئلة التي بدأت تتردّد هذه الأيام، أيام مرحلة حاسمة في مسار الثورة:

1- هل ينبغي استخدام السلاح المتوافر في سورية على كل حال.. في الثورة؟..

2- إذا استخدم فعلا.. فهل يوجد لدى مستخدميه ما يكفي من الضوابط ومن القدرة العملية ليبقى في إطار الدفاع المشروع عن النفس؟..

3- ألا يبيّن النموذج اليمني أنّ الحرص على سلمية الثورة رغم توافر السلاح، كفيل باقتراب مسار الثورة من تحقيق هدفها الأول: إسقاط النظام القمعي المسلّح، ولو بقي المسار بطيئا وحافلا بالتضحيات؟..

4- ألا يبيّن النموذج الليبي أنّ حمل السلاح ولو كان ضعيفا ومحدودا، يكفي -مع تدخل عسكري دولي مرجّح آنذاك- لإسقاط نظام عاتٍ لا يتردّد عن ارتكاب الجرائم الكبرى ضدّ شعب أعزل، مع ملاحظة أن التدخل العسكري الأجنبي كان لمآرب ذاتية لم يستطع تحقيقها (حتى الآن) ولم ينتقل إلى مرحلة احتلال عسكري بري مباشر؟..

5- هل ينبغي السعي لتحصيل السلاح والتدرّب عليه حيث لا يتوافر في سورية، مع التخطيط لعسكرة الثورة فعلا.. وهل يمكن تقدير ما يتطلّبه ذلك من طاقات وجهود وزمن؟..

. . .

جميع هذه التساؤلات -ويوجد كثير سواها- هو ممّا يتجاوز كافّة الخطوط الحمراء للثورة الشعبية البطولية في سورية، وليس الخطّ الأحمر المرتبط بسلميتها فقط.

وجميع هذه التساؤلات لا يجد إجابات شافية، فلا بدّ لمن يخوض فيها عن بعد، وقد أصبحت مطروحة، من التوقف عند حدود التعميم دون تفصيل ولا جزم بأمر من الأمور:

1- سلمية الثورة قرار الحراك الثوري في الداخل، ولا يستطيع أحد من خارج الحراك الثوري أن يدّعي لنفسه حقّ الوصاية في أيّ مجال من المجالات على هذا الحراك، ناهيك عن مجال سلمية الثورة تحديدا.

2- سلمية الثورة عنصر بالغ الأهمية في تحقيق ما حققته حتى الآن، ولا ينبغي التخلّي عن هذا العنصر لصالح أيّ عنصر آخر، دون ضمان قاطع أن يحقّق المزيد ولا يسبّب النكسات سواء على صعيد زيادة حجم التضحيات، أو على صعيد المخاطرة بأهداف الثورة نفسها.

3- اندلعت الثورة عفويا بقوة كبيرة لأسباب عديدة، وانتشرت في أرجاء سورية دون تخطيط مباشر، وأصبح هذا من مصادر قوّتها المتصاعدة وتأثيرها الكبير، داخليا وخارجيا، ومن الطبيعي بالمقابل ألاّ يكون من السهل -كما نشهد حتى الآن- أن تنشأ بنية هيكلية موحدة، لقيادة الثورة، أو لتثبيت تفاصيل رؤية سياسية مستقبلية للثوار، أو حتى للتعبير الموحّد عن أنفسهم إعلاميا.. وبالتالي هل يمكن أن تتحوّل الثورة عن طابعها السلمي البطولي الحافل بالتضحيات، مع ما يفرضه ذلك من قدرة على التخطيط وتأمين القيادات الميدانية، المحلية والمركزية، أم أن الاحتمال الراجح آنذاك هو خروجها من مسارها الأول وعدم تأمين مسارها في مرحلة تالية؟..

4- هل يمكن بدلا من التساؤلات عن "عسكرة" الثورة، طرح بدائل جزئية أخرى بهدف الحدّ من التضحيات، وترهيب مَن يمارسون القمع الهمجي، وهو ما لا يمكن طرحه عن بعد أيضا، إنّما يخضع لقدرة الثوار الميدانية، ولكن يمكن أن يشمل مثلا جوانب "تكتيكية" في ممارسة "الحراك الثوري السلمي"، وإبداع صيغ أخرى ممّا أبدعه ثوار سورية وعُرف مثلا بالمظاهرات الطيّارة، وانتشر عبر المظاهرات الليلية، ثمّ الاستفادة من تجارب ثورات سلمية أخرى -مع مراعاة الفوارق الكبيرة على أرض الواقع- كتلك التي ظهرت في صورة لجان شعبية في الأحياء أمام المنازل السكنية، وصدّت عن الآمنين فيها مَن حملوا وصف "البلطجية" في مصر كالشبّيحة في سورية؟..

5- لا ينبغي أن يستهان بقابلية أن تتحوّل "ظاهرة الانشقاقات" عن ميليشيات القمع، إلى "ظاهرة انهيارات" داخلية، ولا ينبغي بالتالي التباطؤ في بذل جهودٍ متواصلة لبيان الفارق الكبير بين مصير من ينجو بنفسه من ارتكاب الجرائم مع النظام القمعي الهمجي، وبين من يبقى مرتبطا به حتى اللحظة الأخيرة، علاوة على ضرورة أن يصبح الأحرار من المسلّحين المتحرّرين من المشاركة في الإجرام، وقد رفضوا البقاء في جحور النظام القمعي.. أن يصبحوا جزءا من بنية هيكلية صالحة للتعامل مع اللحظة الحاسمة الفاصلة ساعة إسقاط النظام لحماية سورية وطنا وشعبا، من الانزلاق إلى أيّ شكل من أشكال الفوضى والفتنة.

. . .

ولا بدّ في الختام من تكرار تأكيد عدد من الحقائق الأساسية المرتبطة بسلمية الثورة الشعبية البطولية في سورية، ومنها:

1- وصف الثورة بالسلمية مقتصر على وصف الشعب الثائر.. ويسري بالمقابل وصف النظام بالإجرامي المسلّح القمعي.

2- سلميّة الثورة خيار.. تمليه ظروف وشروط ومعطيات واقعية معيّنة، ولا يلغي حقّ الدفاع المشروع عن النفس في وجه القتلة المجرمين القمعيين.

3- مهما بلغ شأن ما يقال عن وقوع حوادث انفرادية متفرّقة في مواجهة القمع بالقوّة، فهي ممّا يسري عليه حق الدفاع المشروع عن النفس، ولا يؤثّر على حقيقة أنّ الثورة الشعبية سلميّة منذ اللحظة الأولى على امتداد الشهور الستة الماضية، وفي كل مكان انتشرت فيه على امتداد الرقعة الجغرافية والسكانية في سورية.

4- إذا تحوّلت الثورة السلمية إلى ثورة مسلّحة، على غير ما هو متوقع، فإنّ المسؤولية عن ذلك وما يترتّب عليه من نتائج خطيرة، هي مسؤولية النظام الاستبدادي القمعي الهمجي، ومسؤوليته فقط، وليست مسؤولية الثوار، ولا الشعب الثائر -بحقّ- على الاستبداد والقمع والهمجية.

5- حققت الثورة الشعبية السلمية -إلى جانب التضحيات البطولية الجسيمة الغالية- إنجازات كبرى من خلال سلميتها وجميع ما يرتبط بذلك من عزيمة وصلابة وصمود وإقدام، ووصلت إلى مرحلة حاسمة في مواجهة إجرام النظام الاستبدادي وميليشياته، والأمل كبير، وموضوعي تشهد كافة المعطيات عليه، أنّها ستسجّل عاجلا لا آجلا، مزيدا من الإنجازات، وستُسقط النظام المتهالك حتف أنفه، وتحقّق لشعب سورية ومن خلاله للعرب والمسلمين وللإنسان في كل مكان، نصرا تاريخيا كبيرا مؤزرا بإذن الله.

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (الصف 8-13)

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214)

=============================

تحررت ليبيا .. وانتصرت أخلاق الثورة

د. عيدة المطلق قناة

عاشت شعوب أمتنا في ظل موجة عاتية من الظلم والقهر وحكم الدكتاتوريات المستبدة .. وبات وطننا ً خليطاً عجيباً من قصور وخيام وبيوت الصفيح .. ومن زنازين وأقفاص وسجون.. شعب مفقر .. وشباب محبط مهمش .. في ظل غياب لمعايير العدل الاجتماعي.. واختلال جوهري في التوزيع العادل للثروة ، وتفش لمظاهر الفساد والإفساد.. وإهمال للتعليم والصحة والتنمية البشرية والاقتصادية والإنسانية!!

 

ولكن ومنذ مطلع هذا العام تعيش ذات الأمة حالة نهوض تاريخية غير مسبوقة .. إذ تفجرت الانتفاضات في غير مكان من هذا الوطن الممتد من المحيط إلى المحيط .. وأخذت كرة الثلج تتدحرج من تونس غربًا وحتى سوريا شرقًا.. ومن ليبيا شمالاً إلى اليمن جنوباً .. ثورات ما فتئت أن قوبلت جميعها بالعنف والقسوة.. ولكن كلما ازداد عنف المواجهة وازدادت القسوة كلما اشتد عود هذه الثورات وتنامت .. حتى أصبحت كل قطرة دم عربية بمثابة شرارة تذكي اشتعال الثورة..

 

ولكن حتى تاريخه تبدو مجريات الثورة الليبية وربما السورية معها .. حالة متطرفة من المواجهة العنفية الاستئصالية .. فالليبيون يواجهون:

  نظاماً مهووساً استعلائياً سفيها سيء الخلق ..اتسم بالتخلف والجهل والفوضى .. وإهدار قيمة الإنسان وامتهان كرامته

  نظاماً استعذب القتل والدم والإيذاء .. وقام على شلة من المتهافتين والمنتفعين .. والراقصين على كل الحبال.. والآكلين على كل الموائد ..

  نظاماً "أسروياً" ً قام على الفساد والاستبداد.. فلم يحسب للشعب حساباً ، بل اعتبره جزءاً من ممتلكاته الخاصة .. وحول الوطن – كل الوطن – إلى عزبة ..واستخدمه أداة لتحقيق أغراضه وأحلامه الشخصية ومشروعاته وأمجاده الفردية على حساب تطلعات الشعب الليبي الحقيقية.

  نظاماً فردياً مطلقاً .. أبطل الدستور، وجرم الحزبية وأمم الصحافة .. ومنع قيام مجتمع مدني .. وأفسد الحياة الاقتصادية .. ونشر الفساد المالي والإداري في كل مرافق الدولة، فتدهور التعليم والصحة والبيئة وعمت البطالة والفقر..

  نظاماً مفرطاً في الغرائزية .. قام على التسكيت والتفتيت والتشكيك.. فاستحق لقب " الطاغية الأكثر كراهية لشعبه"

 

فجاءت الثورة الليبية على نظام هذه الأسرة التي أنشبت أظفارها في رقاب الشعب وممتلكاته ومقدراته وثرواته.. وتربعت على كل مرافق الدولة ومؤسساتها.. ووقفت حجرعثرة أمام التغيير الشعبي السلمي ... ولم تضع في حسبانها أن الشعوب لا تموت .. فراحت تتهدد وتتوعد بجعل ليبيا خراباً وأرضاً محروقة .. فصدرت الأوامر من رأس الهرم السلطوي "بالقتل والحرق والتدمير والاغتصاب" .. ومضى في تنفيذ أكبر عملية تدمير للوطن – ربما في التاريخ – وإن كان العالم قد شهد على جريمة ممتدة ومتصلة طيلة أربعة عقود .. إلا أنه شهد في الشهور الستة من عمر الثورة جرائم لم تشهدها حروباً عالمية كبرى .. لقد كانت حصيلة "حرب القذافي" على شعبه (خلال هذه الشهور الستة فقط) عشرات الآلاف من الضحايا ما بين شهيد وجريح ومعاق ومفقود وسجين ومغتصبة .. ودمار شامل نال من كافة البنى التحتية والفوقية للدولة الليبية .. فضلا عن الدمار الإنساني الذي ربما يحتاج لأجيال قادمة حتى يتمكن الليبيون من تجاوز آثاره .. ناهيك عن المئات من مليارات الدولارات التي تم تبديدها في هذه الحرب المسعورة التي فتحها هذا النظام البائس على كل الليبيين دون هوادة..

 

واستمر الثوار يتقدمون يوما ًبعد يوم .. حتى كان موعدها مع العشر الأواخر من رمضان الفتح والنصر والتحرير .. حين انتفضت طرابلس .. وزحف الثوار من كل حدب وصوب لاستنقاذ عاصمتهم.. فدخلوها مكبرين وأشرقت شمسها بالحرية والفخار والعزة والكرامة.. !!

 

لقد سقط الطاغية الذي ظن أنه سيظل أبدا فوق رقاب العباد.. .. سقط مذموماً مدحوراً تلاحقه لعنة التاريخ.. ولعنات الشهداء والأمهات الثكالى والأرامل .. وآنات المعذبين والمستضعفين والمعوقين ..

لقد انهار نظام استبدادي آخر دفعة واحدة .. وسيكون لهذا الانهيار ما بعده عربياً وعالمياً وستتلوه انهيارات أخرى في جدار الاستبداد العربي السميك!!

 

فهنيئاً لشعب طويت له كل الأرض الليبية الفسيحة ليتدفق ثواره ذات فجر رائع .. فيصنعون "فجر عروس البحر" .. طرابلس العزيزة..

 

وهنيئا لشعب ليبيا العظيم انتصاره بالدم والشهداء.. والشجاعة الأسطورية .. وهنيئاً لهم ثوار أبوا وهم في غمرة الانتشاء بالنصر المضمخ بالدم والتضحيات الجسام.. إلا أن يتساموا على كل الجراح .. فكان المشهد الآسر وكانت الدهشة .. إذ حلت مفردات القوة والشجاعة والرقي والحكمة ، محل مفردات السفاهة وسوء الخلق .. فجاءت كلمات الثوار رصينة قوية واثقة تنضح بالحكمة وأخلاق الثورة .. تعلن انتهاء مرحلة الجهاد الأصغر ، وإطلاق مرحلة الجهاد الأكبر .. وتبشر بمستقبل رائع لليبيا وشعبها العظيم..

 

إننا نتطلع كما يتطلع الليبيون إلى مستقبل يقوم على دستور يعبر عن تطلعات الشعوب بالحرية والكرامة ... دستور ينظم الحقوق والواجبات ويحدد شكل الدولة ونظام الحكم .. دستور يرسي دولة القانون والحق والعدل .. ويقطع دابر الاستبداد والتفرد.. ويقر بدقة وشفافية عالية جملة من المبادئ الأساسية ومنها أن:

  الشعب وحده مصدر كل السلطات ..

  الرئيس خادم الشعب لا حاكمه .. وأنه رمز الدولة .. لا رأس السلطات فيها!

  لا رئاسة مدى الحياة

  لا توريث لابن أو صهر أو قريب !

 

وفي سياق انطلاقة مرحلة البناء والجهاد الأكبر يمكن التذكير ببعض الملاحظات ومنها :

  أن الثورة فصل تاريخي شعبي مداده الدماء..

  وأن الربيع العربي لم يكن نزوة عابرة بمقدار ما هو طوفان لن يتوقف قبل تحقيق أهداف الشعوب ..

  وأنه حين تثور الجماهير وتنتصر فإنها لا ترتضي المساومة وأنصاف الحلول.. أو النكوص عن غاياتها. ..

  وأن كل الشعوب العربية تتشابه حتى في الحالات الثورية.

  وأن فساد الحكام .. ونهجهم الظالم هو ما عرض دولنا وشعوبنا لأطماع الدول الكبرى..

  وأن "نهاية القذافي" درس لزعماء المنطقة الذين يتجاهلون مطالب التغيير التي ترفعها شعوبهم.؟؟

وختاماً

هنيئاً لشعب يؤوب ثواره للحكمة والرشد في لحظات النشوة والانتصار ..

eidehqanah@yahoo.com

=============================

لعلي فرزات المبدع تحيات وفاء ..

عقاب يحيى

 قبل أيام.. يوم اجتماع رأس النظام بما يسمى اللجنة المركزية وقادة المنظمات، وجوقة التزيين.. أدهشني المنظر فكتبت تعليقاً من عدة أسطر بعنوان : الفوق والتحت..

كان المنظر لوحة كاريكاتورية بأتمّ المعاني.. فالرأس يجلس في منصة عالية بأمتار فوق مرتية فسيحة، وعلى مسافة بعيدة يلقي تعليماته على بيادقه.. ومعظمهم يضع يديه مضمومتين بين أرجله..

وللمصادفة قلت : هذه اللوحة ستثير بالتأكيد مبدعنا الشهير، الصديق رسام الكاريكاتير.. ابن حماة البار : علي فرزات.. وسيجسّدها ، كعادته، بلوحة من لوحاته الرائعة..

 وحين استمعت إليه في لقاء بالعربية مع السيدة جوزفين خوري.. خفت عليه صراحته المعهودة، وكلماته الواضحة، البسيطة، الناعمة التي تتجه إلى قلب المستبد فتعرّيه، وتفضح أكاذيبه، وتمتمت : الله يستره.. لأن نظام التوريث لا يقبل، ولا يتحمل صوتاً أصيلاً حراً، فكيف بمبدع من عيار علي فرزات الذي يعتبر من أبرز رسامي الكاريكاتير في العالم ؟؟.. وهل يفوّت النظام رسائله التي كشفت زيف دعاويه، وأوضحت حقيقة ما يجري في حماة : مدينته الغالية.. فكان الاعتداء عليه واختطافه ومحاولة اغتياله.. والاعتيال أنواع.. حيث لم يكن هدف هؤلاء المجرمين تلقينه درساً مؤلماً وحسب، بل كسر يديه لمنعه من الرسم، وهذا أشنع اغتيال لفنان سلاحه ريشته..

نحن أبناء محافظة واحدة، وكان علي صحفياً شاباً في صحيفة الثورة، يزورنا في "الشبيبة" وبيده ريشته، وعلى لسانه دوماً نكتة لاذعة وأكثر، وغمزات انتقادية ثاقبة تدفعنا لرؤية ما وراء حجب ضجيج المألوف، والدعاية.. فنتباسط.. ويستمر.. والكاركاتور عشقه ..

لم يكن بعثياً، ولا منتمياً لحزب من الأحزاب.. حزبه فنه، وتلك الموهبة النقدية لعين ثاقبة تنظر للأشياء بزاوية خاصة قد لا يراها كثير.. وحين تخرج ننبهر لتلك الأضواء الساطعة على السلبيات التي اخترقها الفنان بطريقته فعرّاها..

 كان نحيفاً، نحيلاً، لكن عيناه تقدحان شرراً مبدعاً، كما شارباه .... يجيئنا مراراً زائراً وبالعين انتقاد فنحن عالمَان : عالَمُ ملتزم يريد الدفاع عمّا يجري، وتجميله، وتسويقه، حتى لو كانت له رؤية نقدية بحدود ما، وعالم آخر جُبل على النقد ورؤية التفاصيل الصغيرة ثم تجميعها لتشكيل اللوحة، وإذ باللوحة كاشفة للكثير، تقرع الجرس وتنذر.. فيقع علي على حدود " سوء" الفهم، ويعتبره البعض سلبياً، ومعارضاً، وربما معادياً.. ولم يكن علي ذلك، بل ربما كان كل هؤلاء مجتمعين، لكنه حريص على البلد، مؤمن عن جدّ بالمبادئ، والتطوير والتحديث، شفاف كالألماس، وقاطع مثله، يكره سجون الرأي والفكر والإبداع.. فلا يجد نفسه إلا بتسكع التمرد، والانفلات من التوضيب..والتهويم في دنيا الخلق، والنقد..

 كان يغمز من قناة لهوجتنا، وشعاراتنا الكبيرة، وكلماتنا الكبيرة، وأحلامنا الكبيرة التي تساقطت في الممارسة، ومع هزيمة حزيران ولوحاتها الكثيرة الكئيبة، والكاريكاتيرية.. كان حزيناً.. كناجي العلي.. وعموم المبدعين.. تبكي لوحاته تبخّر الأماني، وتنشر الأمل في عمق المأساة.. وتفضح مستور الدعاية المغلفة بالنفاق ..وفلسطين على مرمى حجر.. وقد ملّ المبدع كلام الضجر، وتقيّأ ترداد الشعارات فقرف.. وانزوى يكثر من تلاوين الرسوم ..

 وحين سيطر الأسد على السلطة وانفلت خزين المستبّد وحشاً يأكل الأخضر واليابس في بلادنا، ويحوّلها إلى قاع صفصف، ورزم ملفوفة في بيت الطغمة كنوع من ملكية خاصة بحكم وضع اليد المفروضة.. لم يسكت علي، لم يخف بساطير البطش، وغول الالتهام، وسيف قطع الرقاب والألسنة،رسم الكثير من اللوحات الحادة، والتي تغصبك على الابتسام لشذة السخرية المرّة، والسوداوية فيها..ودفع فاتورة الإيمان بالحرية مراراً من المنع، والتهديد، وإغلاقّ الدومري" وكثير..

وحين ذُبحت مدينته، مدينتنا، بكاها لوحات شديدة الوضوح، شديدة الغموض وكأنه يدخل السرمدي في تشكيل سوريالي يحكي انبعاثّ "دراكولا" من الأسطورة إلى واقع المستبد المكشّر عن أنياب النهم المتعطشة للدماء، الحامل داخل تلك الأنياب نياشين النصر الملوثة بالدم، وكثير الشعارات المحترقة في تنانير المال المنهوب، والشعب الزائغ البصر، المرتجف من خناجر الغدر، وقلم كتّاب التقارير اللئيمة، وسطوة المخبرين للدولة الأمنية المقفلة.. وكثير كثير من (بيانات) علي السياسية وقفشاته الساخرة عبر رسومه، أو مجلته..

وبكى فلسطين بحرقة العاشق الذي تُقتل حبيبته وتغتصب بالقطعة على مرأى منه.. كما فعلوا به شبيحة الموت الذين اختطفوه لاغتيال يديه، وعينيه، وقلبه.. فكان سِفراً لعبقرية نادرة لم يخف الخوف، ولا الوعيد.. فواصل دوره الريادي.. شاباً يكحّل عينيه بثورة الشباب، ويفنّد ادعاءات الدجل عن المدسوين والمسلحين.. ويروي قصة مدينته التي تذبح للمرة الثانية بطريقته.. فما قدروا أن يتحملوا ريشة حرّة تفضح زيفهم، وتلقي بهم عراة في لواظ ثورة شعبنا المصممة على انتزاع النصر .. وكانت صفحته على الفيسبوك كهو : طافحة بالقفشات الناقدة والساخرة المعبّرة عمّا يجري من أضاليل النظام بلوحات كاريكاتورية موجزة تجعلك مشدوداً تطلب المزيد..

 فعلوها بك.. وقبلك سليم اللوزي يوم قطعوا يده اليمنى التي يكتب بها، وطبيب العيون في حماة الشهير خضر الشيشكلي الذي فقأوا عينيه وألقوه جثة مقطعة.. وعمر الشيشكلي الطبيب الذي ألقوه قطعاً في مأساة حماة السابقة.. وحمزة الخطيب.. وكثير..كثير سابقين وحاليين .. وقوفاً عند قاشوش الثورة السورية، وناعورة حماة : إبراهيم القاشوش وهم يقطعون حنجرته.. تماماً كما كسروا يديك لمنعك من فعل التمرد العبقري ..

 هم ذاتهم : قتلة شعبنا أيها العزيز.. فماذا نقول، وماذا تقول وجراحك دامية.. أنت الذي يعرفهم، ويخبرهم بالتفصيل؟؟.. ماذا يجول في خاطرك من لوحات عن هذا الوحش المنفلت العقال المدجج بخزين الحقد الكحلي، عدو الإبداع والحرية، والشعب؟؟..

ستقول كثيراً، وستبدع لوحاتك السابحة في فضاء الحرية الرحب.. وستكشفهم أكثر وأنت تدخل نخاعهم فتنثره : هباء.. وأنت تطلق حكمك.. وحكم المبدع رؤية، ومآل ..

لك التحية.. ولجراحك الشفاء.. ولأمانيك التجسيد ..

=============================

طوّف على الشّام*

شعر/ أبو جابر

يـا  طـائرَ الشّوقِ عجّلْ كي نُناجيها
ونـسألَ الـركبَ عـن شَامٍ iiوأهليها
ونُـرسلَ  الـرّوحَ بـالآمالِ iiنُنْعِشُها
قـد كادتِ الروحُ طُولُ الهَجرِ iiيُنسيها
سـلّم  على الشّام إخوانِ الوفا iiنَفَروا
وامْـرُر مـساجدَها ، قـبّل حواريها
قـبل مـيادينَها ، وحـيّ iiكِـسْوَتها
وقـبّلِ  الـتّلّ والأركـانَ iiواسـقيها
حـيّ  الـكناكر حي الغُوطة iiانتفضت
وأهـلَ دومـا على عهدٍ مضوا iiفيها
وامْرُرْ  بحِمْصٍ وطوّفْ فوقَ iiرَسْتنها
واسْـمعْ مَـلاحِمَها ، فالكونُ iiيرويها
بـابُ  الـسّباع وبـابٌ عمرُو iiسيدُه
وابـنُ  الـوليدِ عـلى بـاب iiيفاديها
وحــيّ تـلبيسةً ، وأهـلَ iiتـلكلخ
والـخالديةَ ، صِـيدٌ فـي iiروابـيها
حـي  القُصَيرَ وحي الحُولَة iiانتفضت
أهـلُ  الـحميةِ زادوا عـن iiذراريها
حـيّ  حـماة الحِمى حيّ iiحواضرها
وحـيّ صَـورانَ والـطّيْبَا iiتـزكيها
حـيّ  الـشهّامة فـي سَلَميّةٍ iiنفرتْ
وخـانُ  شـيخونَ قـد هبّت iiتلاقيها
وانـثـرْ عـلى أمّ الـفِداء iiأزاهـرا
مـن  ذا يـنازلها ، مـن ذا يجاريها
واحْـلُلْ  مـساجد فـي دَرْعا iiمغلّقة
واصـعدْ مـآذنها ، واجْـهرْ بناديها
سـلّم  عـلى داعـلٍ عـطّر منازلها
وعـلى  الـحَراك رجالا هزّوا iiعاليها
دوّن  عـلى صـفحاتِ المجدِ iiملحمةً
درعـا تُـسطرها ، حـورانُ iiترويها
قـد  أبـصرَ الفجرُ أطفالا بها iiهتفوا
وأبـصرَ  الكونُ كيفَ الوحشُ iiيُفنيها
هـذي  الـنّسائمُ قد هبت على iiبلدي
مـن  روح طـفل وأُمٍ أُزهـقت iiتيها
حـي  الـسُّويدا وأهْلَ العِزِّ في iiجبل
لـلعُرب ، هـبُّوا رجـالا في iiفيافيها
عـرّج عـلى بادياتِ الشّام iiوالحسكهْ
والـبوكمالُ نـشامى فـي iiبـواديها
حـيّ الـجزيرة ، حيّ الرّقة iiانتفضت
حـيّ  الـعشائرَ ، أهلَ العِزّ iiوانخيها
حـيّ الـميادينَ حـيّ الديرَ iiشيمتُهم
أن  لا يـبيتوا عـلى ضيم بغى iiفيها
سـلّم  على الكُردِ أهلِ البأسِ iiتعرِفُهم
لـهم  مـكارمُ فـي الـهبات iiتُعليها
هـم الأعـزَّةُ كَـمْ ثاروا، وكم iiنفَروا
وكـمْ أفـاقوا عـلى ظـلم لأهـليها
عـيني عـلى الساحل الفِضّي iiترمُقه
فـي الـلاذقيةِ فـي بـنياسَ iiحاديها
فـي أرض جَبلةَ في البيضا iiومَرقَبِها
وفـي الـصُليبةِ ، حيُّ الرملِ iiيُزكيها
ما أخلفوا العهدَ ، ما خاب الرجاءُ بهم
شـبابها الـمُردُ ، جُـنٌّ في iiمغانيها
طـوّفْ  على حلبِ الشهباءَ إذْ iiنفرتْ
واسـأل ديـارَ الوفا عنْ عِزّ ماضيها
سـلّم عـلى مِـنْبِج والبابِ في iiحلب
والأشـرفيةُ  سـيفُ الـدّين iiحاميها
حـي  الـمناطق في إعزازَ iiصرخَتَها
واسْـمعْ  صَداها ذُرا الكُوبان iiتحكيها
طـوف على إدلبِ الخضراءَ iiصيحتُها
تـعلو  الـسحابَ رُعُودا في iiروابيها
حـيّ أريـحا الـوفا وامـرُرْ براميةٍ
وانـثُر  على مَرْعَيان الوردَ iiواسقيها
سـلّم عـلى حـارمٍ ، سلقينُ iiترفِدُها
وَكـفرَ  الـتخاريمِ لا تـنسى iiتحييها
حــي مـعرّةَ مِـصرينٍ iiوديـرتها
وأرمـنـازَ  وكِـلّي فـي iiنـواحيها
حي  البواسلَ ، جندَ الجيش إذ iiنفروا
لِـنُصرة  الشّام ، من وغدٍ بغى iiفيها
حـي  الحجازي ، رياضٌ هبّ iiيُنجدها
حـيّ  حُـسينا ، عـقيدُ هبّ iiيحميها
وانـزِلْ  على جِسرِ الشُّغُورِ iiمسائلا:
كـيفَ الـدَيارُ غَـدتْ من بعدِ iiأهليها
كـيف  الـديارُ غَدتْ من بعد iiملحمةٍ
ذاقَ الـبُغاةُ بـها مـن كأسِ iiساقيها
سـلّم  عـلى بِنْشٍ ، فاضتْ iiقرائِحُها
وتـفـتنازُ  وسـرمـينٌ iiتـلاقـيها
واحْـمِلْ إلـى خَـانِ الـسَّبيل iiتحيةً
وإلـى سَـراقبَ ، أشْبالُ الوغى فيها
طـابتْ عـزائِمُهم ، صَحّتْ حناجرُهم
نـفسي  الـفداءُ لهم والروحُ iiأُهديها
حـيّ الـمعرةَ ، فـي الهبّاتِ iiتعرِفُها
وكـفـرَ نُـبُّل والـرّومَى iiتُـجاريها
وحـيّ شُـورين ، والحُرمَى iiمعرَّتها
وجَـرجـنازَ ولا تـنـس iiدُغـيميها
ومـعصرانُ  ، والـغدفى iiوديـرتُها
وتـلُّ  مِـنّسَ ثـاروا فـي iiروابيها
يـا مَـنْ نشرتم شهيدا حِجْرَ iiصابرةٍ
تـنعى الـشهيد وتـدعُو مَنْ iiيُهنيّها
هل أبصرَ الدّهرُ مثلَ الصبرِ في iiبلدي
أو  أبـصرَ الجودُ مثل الروحِ iiتًهديها
تـقـول: إنّـي وأيْـمُ الله iiراضـيةٌ
عـلى  مـحمّدَ شـهما فـي iiفيافيها
لا تـخلعوا ثـوبَه ، لا تمسحُوا iiدمه
خَـلُّوا  الـدماءَ وريحُ المِسْكِ يُزكيها
يـاربّ فـارحمْ شـهيدا جاد iiمُبتسما
لـنُصرة  الـحقّ، لـلأوطان iiيحميها
وامرُرْ على سَرْجةٍ ، واسألْ iiحَرائرها
عَـنْ  أمّ داودَ ،هـلْ في الدّار iiبانيها
يــا أمَّ داودَ هـلْ دمـعٌ فَـنُزْجِيهَا
وهـلْ سـبيلٌ إلـى ثـكلى iiنُواسيها
وهـلْ  سـبيلٌ إلـى عيسى iiفَنسْلُكُهُ
فـي  أرضِ تَـدْمُرَ صَحراءٌ iiيُواريها
يـا أمَّ داودَ يـا أخـتَ الـرّجَالِ iiويا
أمّ الـرجَـالِ ويـا زَوْجـا iiنُـحَيّيها
من ثُلثِ قَرْنٍ وجُرحٌ في الحَشَا iiقَرَحتْ
والـيومَ جُـرحٌ وجُـرحٌ مَنْ يداويها
يـا  أمَّ داوودَ كـم خَنْساءُ في iiبلدي
وكـمْ سُـميّةُ مـا زالـتْ iiتـناجيها
وكـم بـلالٌ ، وكـم خبّابُ قد iiنذروا
لـله روحـا ونـفسا أخـلصُوا iiفيها
يـا  صَـولةَ العِزّ ، كَم هباتُ iiنذكرها
ونـذكرُ الـرّبع ، كـم كـنَّا iiنُوافيها
لـكمْ نـزلنا ، وكَـم جُـلنا iiبـأوديةٍ
وكـم قَـطفْنا الـجَنا من خير iiجانيها
وكـم شَـرِبنا قُـراحَ الماءِ مِنْ iiظمأ
وكـم طـعِمْنا كـريمَ الـزاد iiتُهديها
وكـمْ سَـلكنا دُروبـا فـي iiمَرابِعها
ورايـةُ  الـحقِّ بـالأرواحِ iiنَـفديها
أمَّ  الـشهيدِ يـا سَـيرا عـلى iiنَهَجٍ
ويـا صَـبورا وربُّ الـكون iiيجزيها
عـهدا عـلى الـدّربِ للأبرار iiنقطعُه
حـتى  نـطهّرَ شـاما مـن iiأعاديها
يـا  أهـلَ زاويـةٍ ، والعِزّ في iiجَبلٍ
ويـا  مـلاحمَ ، لـلأوطانِ iiتـحكيها
مـا مـرّ بغيٌ على الأنحاءِ في iiبلدي
إلا نـفـرتم لـها ظِـهْرا iiيُـحاميها
*                *                ii*
بـشّار  إسـمعْ وأسمعْ مَنْ به iiصَممٌ
إنّ  الـشآم أبـتْ أن تـعبثُوا iiفـيها
هـذي الـبلادُ طُـهور لا تُطيق iiأذى
وقـد  كـفاها الأذى مِنْ كَفّ iiراميها
إن الـجموعَ الـتي هـبت بـثورتها
لـتـنفضَ الـذُّل لا طُـغيان يَـثنيها
هـل يـرجع السّيل والطُّوفان مُنهمِر
أو  تـرجِعُ الـرّيحُ قد هبّتْ iiعواديها
أو يـرجعُ الـشّعبُ عن حُرِّيَّةٍ iiخَفقتْ
أو  تـرجِعُ الـرّوحُ مِنْ عَليَاءِ باريها
كـم  بـين مـحتشد لـلحق iiينصره
وبـيـن  مـحتشد بـاغ iiبـأرضيها
وبـين  مـحتشد والـروح iiيـبذلها
وبـين  نـذل جـبان خـانع iiفـيها
بـشارُ ارحـلْ رَجـيمٌ أنت في iiبلَدي
بـالسّفك والـهَتك يـا فـجَّار تبغيها
تـنفي  وتـقتلُ أحـرارا إذا iiهَـتَفُوا
أمّــا الـمساجدُ بـالدباب iiتـرميها
وتـقتل الـطِفلَ والأطـرافُ iiتكسِرها
وتـنزِعُ  الـظُفرَ ، والأعضاءُ iiتَبريها
تُـشَردُ الأهـلَ ، والأرزاقُ iiتُـحرِقُها
حـتى الـبهائمُ يـا جَـزّار iiتُـفنيها
تـحاصر الـمُدْنَ ، والأحياءُ iiتقصِفُها
وتـمنعُ الـماءَ ، والأقـواتُ iiتُخفيها
وتـأسِرُ الأمّ ، ثـمّ الـعِرضُ تسْفحُه
كـيفَ  الـحرائرُ يـا فُـجّارُ iiتسبيها
أمَـا عـلمتَ بـأن العِرضَ في iiبلدي
حُـصْنٌ  مُـحَصّنة لا عَـفْوَ iiيَطْويها
لـقد  صَـبرْنا عُـقودا لا نُطيقُ أذىً
ومـا صـبرتُم عـلى طِـفلٍ iiيُناغيها
وقـد  صـبرنا عـلى بغيٍ أحاطَ iiبها
وفـاضتِ الـكأسُ ذُلاً مِـنْ iiمجاريها
وقـد  صـبرنا على أهْلٍ وعَنْ iiوطَنٍ
حـتى  هَرِمْنا ، وعُهْرا تمرَحُوا iiفيها
شـآم  صَـارت لأهل الفِسق iiمُنتجَعا
وشَـعْبُها الـغُرُّ عـن بُـعْدٍ iiيُناجيها
والـيوم حـان مَعادٌ ، وانقضى iiأجلٌ
وهـبّ شـعب يـحطّم قـيد iiطاغيها
بـشّارُ ارحـلْ فـقد أوغلتَ في iiدَمِنا
وقـد هَـتكتَ مـن الأسـتَارِ iiغاليها
حـانَ الـرّحيلُ وعـهدٌ للبُغَاةِ iiمضَى
فـارفأ بـنفسِك وانـظرْ كيفَ تُنجيها
*                *                ii*

* * *

* مع رجاء المعذرة الأخوية البالغة ، لمناطق ومدن وقرى وأحياء كثيرة في سوريا الحبيبة الثائرة ،هي ثائرة ومستبسلة ومعروفة بتضحياتها .. وتعذر على هذه القصيدة المتواضعة أن تحيط بها جميعا!

=============================

سنة الطواغيت ورسالة سقوط القذافي إلى الثورة السورية

محمد حسن فقيه

عاشت ليبيا يوم الأحد وليلة الاثنين 22/ 8 / 2011 الموافق الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك ، فرحة عارمة ابتهاجا بدخول الثوار مدينة طرابلس وتحرير أغلب أحياء العاصمة ، بصدق إيمانهم وقوة عزائمهم ، واندحرت كتائب القذافي أمامهم هاربة واختفت ( كالجرذان ) ، بعد أن خلعوا ملابسهم العسكرية على عجل ، وتركوها مرمية وسط الشوارع في مشهد معبر ، لتدوسها عجلات الثوار وتطأها أقدام المجاهدين بنعالها .

هذه نهاية كل طاغوت مهما علا وتجبر ، وظن أن الملايين تتحرك بإشارة من إصبعه ، وأن بعض الدول العظمى هناك تؤيده ولن تتخلى عنه ، فيدمر ويقتل وينتهك ويذل ويهين ويستعبد الشعب بحسب تعليماته العليا المقدسة .

لقد كان فرعون الأشد طغيانا واستعبادا في تاريخ البشرية حتى ادعى الألوهية الكاملة لنفسه ، من غيرشريك له هنا أو هناك !

"قال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري" ( القصص – 38 )

فكانت نهايته أن تخلى عنه من صنعهم ، وأتى بهم ليدافعوا عنه أمام نبي الله موسى ، الذي هو الآخر تربى في بيته ، فأعلن السحرة انحيازهم إلى موسى وتخلوا عن فرعون غير آبهين بتهديداته ووعيده ، بعد أن تمايزت الأمور وظهر الحق لهم جليا واضحا ، وانتهى المشهد بغرق فرعون ، ونجاه الله بجسده ليكون عبرة للطواغيت من بعده ... ولكن للأسف كثير من الطواغيت لم يفهموا الدرس ولا يعتبرون ، لأن نشوة الكرسي تسكرهم وتحجب عقولهم عن إدراك الحقيقة ، ويزيد في غيهم وضلالهم تلك الحاشية المنافقة والبطانات الفاسدة الملتفة من حولهم التي تقلب لهم الحقائق ، فتصورلهم تلك الشعوب المقهورة والثائرة ضد ظلمهم بأنهم ليسوا إلا أسرابا من النمل أو الديدان ... أو جمعا من القطيع ... في حين أن جحافل الطاغوت حصن حصين وسد منيع ، لا يمكن إختراقه أو الإقتراب منه .

ثم دخل الثوار يوم الثلاثاء باب العزيزية إلى حصن القذافي وسده المنيع بعد أن تجاوزوا التحصينات والأسوارالإسمنتية الثلاثة وانطلقوا يمشطون قاعدته العسكرية ويبحثون عن فلول أنصاره الذين اختفوا معه كالفئران ، والذين أخرجهم با لأمس القريب بمظاهرات تأييد مليونية ، ووصل الثوار إلى وسط قصره ، فمزوقوا صوره القبيحة وداسوها بأحذيتهم العربية ، وحطموا أصنامه ووضعوها تحت نعالهم الليبية إمعانا في كراهيتهم له ، وتعبيرا عن فرحتهم بالخلاص من الطاغوت وحكمه الإستبدادي ، وابتهاجا بالنصر وتنسم عبق الحرية والشعور بعزة المواطن الحر وكرامته المصادرة التي استردها ، بعد أن تحرر من عفن الدكتاتورية ونتن الاستبداد وذل الإستعباد في دولة الطاغوت .

 دخل الثوار الأبطال إلى بهو عرين القذافي المسمى ( بيت الصمود ! ) وداسوا حريره وسجاده بأحذيتهم ، واعتلوا سطحه ، ومزقوا علم القذافي الأخضر ورفعوا بدلا منه علم ليبيا الثورة والثوار، ليرفرف خفاقا ويشارك الثوار فرحتهم الغامرة في بهجة النصر وأعراسه .

"كم تركوا من جنات وعيون* وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين " ( الدخان ، 25- 28 ) .

ودخل مع الثوار المدنيون والشباب المتحمسون ، المبتهجون بهذا النصر على الطاغية ، وانطلقوا يجوبون ساحات القلعة ( قاعدة العزيزية ) يسرحون ويمرحون ويعبرون عن سرورهم وسعادتهم بهذا النصر المبارك ، وانطلقوا داخل القصر المشيد ، ليحملوا غنائمهم من داخل ( بيت الصمود ) ومحيطه ، كتذكارجميل لهذا اليوم التاريخي الذي كانوا يحلمون به من سنوات وقدموا في سبيله النفس والنفيس ، من دماء الشهداء الزكية وعزائم المجاهدين الصادقة ، وأنات الثكالى المفجعة ، ودموع اليتامى الحزينة ، وآهات المعتقلين وأزيز صدورها المدوي كالمرجل ، لتكتحل أعينهم وتقر نفوسهم بهذا النصر المبين .

بالأمس كانت قاعدة العزيزية حصنا حصينا وسرا مغلقا وعالما مجهولا بالنسبة للمواطنين ، بل ربما كان مجرد المرور من أمامها أو الإلتفات جهة أسوارها يعرض صاحبه للموت ، وهاهم الأن يتجولون في أركانه ويتنزهون في جنباته ، وقد فر منه ذلك الطاغوت الذي كان يهيمن عليه ، مختبئا كفأر مذعور ، بعد أن ترك فيه كل ما لم يستطع نهبه وتوزيعه على المرتزقة والمنتفعين الفاسدين الذين اشترى ذممهم .

بالأمس كان يحشد أزلامه وزبانيته حوله وينشر الضعفاء والمنتفعين والفاسدين ، ليطل عليهم من عليائه ويوزع عليهم حماقاته وينثر عليهم أفكاره النرجسية ، ويقدم لهم تعليماته القدسية ، ليهللوا له ويلوحوا بصوره القبيحة ويهتفوا باسمه المشؤوم ، والآن يختفي في جحرلا يعلم أحد مكانه وقراره ، ويتمنى أن يبقى في هذا الجحر بقية حياته دون أن يكتشفه أحد !

إن أنظمة الطواغيت أشبه بهيكل براق من خارجه يبهر العوام والدهماء بمظهره ، وداخله فارغ أجوف منخور بالسوس ، نتن الرائحة قبيح الشكل كريه المذاق ، ينهار دفعة واحدة بشكل مفاجئ ، وإن كان يبدو للعيان ظاهرا أنه صلب ومتماسك !.

لقد عادت ليبيا حرة مستقلة موحدة بعد سقوط الطاغوت ، رغم تهديده ووعيده مع إبنه وولي عهده ، بأن يقسموا ليبيا ويحولها إلى خراب ودمار قبل أن يحولها إلى جمرة حمراء .

بورك لليبيا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها هذا النصر المبين على الطاغوت المستبد ، الذي جثم فوق صدورها أكثر من أربعين سنة ، فأعدم أحرارها واغتال ناشطيها واعتقل شرفاءها ، ونهب ثرواتها وزور تاريخها ، ومسخ حضارتها وداس قيمها ، ودثر تراثها .

أيها الشباب الثائر في سورية لقد سقط طاغوت ليبيا إيذانا بقرب موعد سقوط طاغوتكم ، فهو النظام الأقرب إلى نظامكم في القتل والظلم والعسف والاستبداد والاستعباد .

لقد أرعبكم وأرهبكم طاغيتكم بالفتنة الطائفية ... وتقسيم البلاد ... والمؤامرة ... وغيرها ، كما هدد طاغوت ليبيا من قبل ، وها قد سقط القذافي مذؤوما مدحورا ، وقد ارتد كيده في نحره ، ولم يحصل من تهديداته وهرطقاته شيئا ... حتى أبناء عشيرته يفاوضون الثوار وقد تخلوا عنه .

أيها الشباب الثائر : لا تتخوفوا بعد اليوم من النموذج الليبي ، فقد انتصرت فيه إرادة الشعوب ، وفر الطاغوت يجر أذيال الخيبة والهزيمة طريدا منبوذا .

أيها السوريون لقد أثبتم صدق وطنيتكم وسمو أهدافكم ، وقدمتم الكثير من الشهداء بسبب سلمية ثورتكم المباركة ، والتي لم يقدر طاغوتكم الظالم وإجهزة قمعه الفاسدة هذه الوطنية وتلك التضحيات الجسام ، بل استمر في نذالته وقمعه ومذابحه ليجر بكم هذا النظام إلى المواجهة والنموذج الليبي كما يزعم ...

لا يهولنكم وعيد النظام وتهديده بعد اليوم ، ولوجرّكم إلى النموذج الليبي ، فربما كان يسرع في نهايته ويجري مسرعا إلى حتفه ، وربما كان عدد الضحايا للإنتصار على الطاغوت ودحره ، أقل من عدد الضحايا الي يقتلها نظامكم القمعي بأجهزته البوليسية وشبيحته الإجرامية كل يوم في كافة مدن وأرياف وبوادي سورية الحبيبة .

إمضوا في ثورتكم المباركة ، فالنصر حليفكم قريبا بعون الله ، فهاهي سلسلة الطواغيت تتفكك وتنحل حلقة بعد حلقة ، وكل ما يحاول به هذا النظام الفاسد جرّكم إليه من التخلي عن سلمية الثورة ، والترهيب من تقسيم الوطن والفتنة الطائفية ، فإنها سوف ترتد عليه وتسرع في نهايته .

 إن بشائر النصر تلوح أمامكم ... فامضواقدما في ثورتكم ... والله معكم ... ولن يخذلكم .

" إن الله يدافع عن الذين ظلموا إن الله لا يحب كل خوان كفور " ( الحج – 38) .

========================

نصرٌ يكتمل بالتَّكامل مع مصر وتونس

صبحي غندور*

في 20 أغسطس من العام 1971، أعلنت مصر وسوريا وليبيا دستور "اتحاد الجمهوريات العربية". وانطلق هذا الإعلان آنذاك من فكرة تكامل هذه الدول الثلاث في إطار اتّحادٍ يُعزّز القدرة على مواجهة إسرائيل، ويؤكّد على ما جاء سابقاً في قرارات القمّة العربية في الخرطوم بأن لا صلح ولا تفاوض مع إسرائيل ولا تفريط في القضية الفلسطينية، وعلى أهمّية العمل من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة وتسخير كافّة الإمكانات والطاقات العربية من أجل ذلك، إضافةً إلى التأكيد على الهويّة العربية المشتركة.

طبعاً، لم تُكتَب الحياة طويلاً لهذه التجربة الاتحادية العربية، خاصّةً بعد حرب أكتوبر 1973 والتي شهدت فعلاً تنسيقاً هاماً وتكاملاً بين مصر وسوريا ودول النفط العربي أدّى إلى انتصار أكتوبر، لكن ما حدث فيما بعد على الجبهة المصرية من اتفاقاتٍ مع إسرائيل، برعايةٍ أميركية، أخرج مصر من دائرة الصراع العربي/الإسرائيلي وحتّى من الجامعة العربية نفسها، وانتهت بذلك تجربة "اتحاد الجمهوريات العربية".

كم هي ماسّةٌ الحاجة الآن لإعلان "اتحاد الجمهوريات الثورية العربية" بعد نجاح شعوب تونس ومصر وليبيا بتغيير أنظمتها، وإن بأساليب وظروف مختلفة. فتونس ومصر وليبيا تربط الآن بينهم وحدة حال ووحدة آمال ووحدة مصالح ووحدة مخاطر ووحدة أرض، إضافةً إلى ما يربط بينهم وبين كلّ العرب من وحدة ثقافة وتاريخ ومستقبل. وهذه الدول الثلاث تحتاج حالياً إلى بعضها البعض لإعادة الأمن والاستقرار على أراضيها بلا تدخّلٍ أجنبيٍّ طامع بالسيطرة على الأوطان والثروات، أو مُهدَّدٍ بوقف مساعدات. وهي أيضاً بلدانٌ تُكمّل بعضها البعض في المسائل الاقتصادية والتنموية، المطلوبة في المرحلة القادمة.

فانتصار الشعب الليبي في ثورته سيكون عند محكٍّ هو كيفيّة التعامل مع تحدّياتٍ تفرض نفسها الآن على ليبيا. فالمخاوف هي كبيرةٌ على وحدة القوى الشعبية الليبية وعلى وحدة الوطن نفسه. والتساؤلات هي عديدةٌ حول كيفيّة بناء مؤسسات الدولة، بعد أربعين عاماً من غياب "دولة المؤسسات"، خاصّةً "المؤسسة العسكرية" التي عليها يتوقّف ضبط الأمن وتحقيق الأمان والاستقرار في عموم ليبيا. ثمَّ الخوف هو أيضاً من انعكاس التنوّع القبلي وتعدّد المدارس الفكرية، وسط الجماعات الليبية المتآلفة الآن، على مستقبل النظام السياسي المنشود. فهاهما مصر وتونس تشهدان غلياناً فكرياً وسياسياً حول موضوعات الدستور والانتخابات ومصادر التشريع وتفاصيله، وهما لم تشهدا الحالة العنفية الطويلة التي سادت في ليبيا، ولم تتفكّك فيهما المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولم تسيطر على شوارعهما قوًى عسكرية غير نظامية.

أيضاً، أسئلةٌ كثيرة تطرح الآن نفسها حول مستقبل العلاقة مع "حلف الناتو"، وعن مدى تأثير الغرب مستقبلاً في القرار الوطني الليبي وفي الثروة النفطية وفي الأموال الليبية المحجوزة في الدول الغربية. وهذا أمرٌ يرتبط أيضاً بمصير السياسة الخارجية الليبية، وكيف سيكون عليه موقف الحكم الجديد من إسرائيل والقضية الفلسطينية، ومن مسألة "هُويّة" ليبيا، بعدما أبحر حكم القذافي فيها من "العروبة" إلى "الأفرقة" إلى "العالمية" وصولاً إلى ضياع الهويّة نفسها.

هذه المخاوف والتساؤلات المشروعة عن ليبيا وعن مستقبل الحكم والسياسة فيها، يمكن الحدُّ منها إذا أسرع "المجلس الانتقالي" في طلب المساعدة الأمنية من مصر- قبل أن تبادر دول "حلف الناتو" بفرض نفسها- لإعادة بناء المؤسّسات الأمنية الليبية، ثم إقامة تنسيقٍ وتكاملٍ مع مصر وتونس في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تشترك الآن هذه الأوطان في الظروف وفي المصالح وفي التواصل الجغرافي والثقافي.

فالمنطقة العربية بحاجةٍ الآن لهذا النموذج "الاتحادي الثوري العربي"، الذي يؤكّد على ضرورة التلازم بين البناء الديمقراطي وبين الهويّة العربية ورفض الهيمنة الأجنبية.

إنّ المنطقة العربية تعيش مرحلةً خطيرة من الاستقطابات الدولية/الإقليمية في ظلّ غيابٍ متواصل لمشروعٍ عربيٍّ مشترَك ولإرادةٍ عربية مشترَكة.

والآن تنتظر المنطقة العربية نتائج التحوّل السياسي الذي يحدث في مصر بعد "ثورة يناير" لمعرفة كيف سيكون عليه الدور المصري في عموم المنطقة، وما مدى تأثيراته المرتَقبة على المشاريع الدولية والإقليمية.

فالأمل بغدٍ أفضل لا يرتبط بوجود ثوراتٍ وحركات تغييرٍ فقط، بل الأساس هو مرسى هذا التغيير ونتائجه. إذ هل الديمقراطية السليمة، القائمة على وحدةٍ وطنية شعبية وعلى ترسيخ الولاء الوطني وعلى الهويّة العربية وعلى التمسّك بوحدة الكيان الوطني، هي البديل لأنظمةٍ دكتاتورية، أم سيكون بديلَها صراعاتٌ أهلية وتقسيماتٌ جغرافية وتدويلٌ أجنبي؟ وما هي ضمانات حدوث التحوّل نحو الديمقراطية السليمة طالما أنّ المجتمعات العربية موبوءة بأمراض التحزّب القبلي والطائفي والمذهبي والإثني؟ وطالما أنّ هناك أيضاً مشاريع فتنة وتقسيم وتدويل لدول المنطقة؟!

هناك بلا شك إيجابياتٌ تحقّقت حتى الآن، لكن مظلّة السلبيات ما زالت تغطّي سماء المنطقة وتحجب شروق شمس التغيير السليم المنشود فيها. فثورتا تونس ومصر اتّسمتا بالأسلوب السلمي وبالطابع الوطني التوحيدي وبغياب مخاطر التقسيم والتدويل، وبالأمل في تغييرٍ سياسي يصبّ في صالح الوطن والعروبة ونهج المقاومة، لا في صالح الأجانب وإسرائيل ونهج الشرذمة، بينما القلق يحيط بانتفاضاتٍ وثوراتٍ عربية في بلدان أخرى حيث بعضها مُهدَّد بخطر التقسيم، والبعض الآخر بخطر التدويل، والكلُّ بمخاطر الحروب الأهلية والتدخّل الأجنبي.

 

لقد حدثت على الأرض العربية في هذا العام نماذج إيجابية وسلبية: فالسودان خسر جنوبه بعد حربٍ أهلية وتدويلٍ لأزماته وتدخّلٍ أجنبيٍّ سافر في ظلّ عجزٍ رسمي عربي. ثم جاءت ثورتا تونس ومصر لتشعلا الأمل بمستقبلٍ عربيٍّ أفضل، من حيث أسلوب التغيير الذي جرى في هذين البلدين وسلمية التحرك الشعبي والبعد الوطني التوحيدي فيهما. وهاهي الأمَّة العربية تشهد الآن سقوطاً لحكم العقيد القذافي، الذي استمرّ لأربعة عقودٍ سادها الظلم والظلام والاستبداد، ولم يحدث خلالها أي بناءٍ جاد لمؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية. فالمؤسسة العسكرية في كلٍّ من مصر وتونس لعبت دوراً هاماً في إجبار بن علي ومبارك على الاستقالة، كما أنّ دورها الأساس كان، وما زال، هو في حفظ الأمن والاستقرار خلال هذه المرحلة الانتقالية. فما نجح من أسلوبٍ وأهداف في تجربتيْ مصر وتونس لم يُكتَب له بعدُ النجاح في أمكنةٍ عربية أخرى. فالظروف مختلفة، كما هي أيضاً القوى الفاعلة في مصير هذه البلدان الأخرى.

الانتفاضات الشعبية العربية لم تنتظر نضوج الأمور الداخلية في مصر حتّى تبدأ حركتها، وكذلك فعلت القوى الإقليمية والدولية، والتي سبقت أصلاً هذه الانتفاضات بوضع مشاريع وخطط تضمن مصالحها في المنطقة العربية كيفما جاء اتجاه رياح التغيير فيها.

آمال العرب هي على مصر وعلى التكامل معها، لأنّ مصر هي القوّة العربية الأساس في كلّ مواجهة خاضتها الأمَّة العربية على مرِّ التاريخ، ولأنّ المنطقة خضعت دوماً لتأثيرات الدور المصري، إيجاباً كان هذا الدور أم سلباً. لكن التاريخ يؤكّد أيضاً أنّ أمن مصر هو من أمن العرب، وأنّ استقرارها وتقدّمها مرهونان أيضاً بما يحدث في جوارها العربي.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Sobhi@alhewar.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ