ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

يا تل ..أين شهداؤك

د. منير محمد الغضبان*

وستنبعث أصوات من أزلام الطغاة تقول : انظروا إلى الشيخ يحرض على الفتنة ، ويدعوا إلى القتل وسفك الدماء ؟ ترى أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الفتنة حين قال (( ورجل قام إلى إمام جائر أمره فنهاه فقتله ))

وأتوجه بحديثي إلى أكثر وجهاء التل أذكرهم بصدهم عن سبيل الله ومنعهم أولادهم عن قول الحق في مواجهة الظالم ..

لقد كانت مهمة غزوة أحد أن تكشف المنافقين عن المؤمنين ، وبكل ود وحب لأهلي وجهاء التل أذكرهم بمجموعة من المعاني، لأني أعلم أن في قلوبهم إيمان راسخ ، ولكن الأمر التبس عليهم .

1- ليس شرفا للتل أن لا يقتل منها شهداء . وعبقرية من الوجهاء أن حالوا دون الدماء لأن هذا يعني في مفهوم الإسلام أن التل لا قيمة لها عند الله ، فما الشهادة إلا اصطفاء من الله عز وجل كما يصطفي الرسل :

(( ..وليعلم الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ))

فالشهداء الذين يحبهم الله ويصطفيهم من خلقه لحرب الظالمين الذين لا يحبهم الله .

ليس صوت العقل من أحبابنا وجهاء التل أن منعوا الدماء أن تسيل فيها ، وفيهم الشخصيات الكبيرة والعقلاء الكبار ، فهذا الوصف هو أقرب ما يكون إلى قوله تعالى يوم تحدث عن هؤلاء العقلاء والوجهاء في منعهم أن تسيل الدماء في مواجهة الباطل :

((الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا . قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ))

2- ويعلن عز وجل بعدها مباشرة أن القتل في سبيل الله ليس خسارة وليس فاجعة وليس نكبة ، بل هو تاج لمن يختارهم الله تعالى إلى جواره :

( ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضل ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون )

3- وما أرى أحبابنا الوجهاء الذين يفخرون أمام الدولة بأنهم منعوا المتظاهرين وهددوهم وبعثوا عليهم عيونهم ليراقبوهم . ألسنا نحن العقلاء . أيعقل أن يكون الشباب الطائش أعقل وأفهم منا .

4- ويجيبهم الله تعالى

( قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ))

- وهم في الغنى والثروة . وطلاوة الحديث يُسخرون ذلك كله لخدمة الطغاة وليكونوا أحذية لهم وأبواقا لهم . ندع وصفهم لله تعالى :

 ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم ..)

فنحن نقر لكم بالزعامة والوجاهة لكن هل ترضون تتمة الحكم ؟

6-وهؤلاء ليسوا أصدقاء ولكن أعداء عند الله :

((هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنا يؤفكون ))

فيا أحبابنا أصحاب النخوة والشهامة ، يا رجال التل ووجهاءها ، أما تسمعون تهديد الله ورسوله لكم . لقد أعذرتُ والله وأنا أذكركم بكتاب الله ولن يفيدكم كثيرا تبجحكم بالإيمان وأنكم مسلمون . وأن نداء الشيخ ليشعل الفتنة سوف نحاربه ونقف في وجهه . هلا تسمعون ثانية ماذا قال الله تعالى في أمثالكم ؟

(( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكذبون . اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ))

7- تعرفونني وأعرفكم . وكم التقيت مع كثير منكم وأنتم تلعنون النظام . وتسمونه بالعصابة .

((وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون ، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ))

ووالله إني لأشفق عليكم . من تسجيل التاريخ لعناته عليكم . فالطغاة بائدون زائلون وسينظر إليكم الشعب بعد زوال الطغاة بعين الاحتقار والازدراء .

8- ولا أدل على ذلك من موقف ذلك الأخ الوجيه التلي الذي وضع رصيد مليار ليرة سورية لينقذ اقتصاد وطنه من الانهيار . ويده في المعروف معروفه . إن الوطن عنده هو النظام السوري ، ألا ليته يعلم أن سورية منذ آلاف القرون باقية . والطغاة زائلون . ليهنأ بقتل شعبه / وبإنقاذ الطغاة وإمدادهم ليتابعوا مذابح الشعب في حماة وحمص ودير الزور في دوما وحرستا وعربين وبرزة . وليهنأ بأنه لم يفته شرف ذبح الشعب وشرف إمداد هذا الجيش بماله ورصيده . وسند حكومة الطغاة المجرمين .

9- أما أنتم يا جند التل وشبابها يا أبطالها . أروا ربكم جهادكم . ولا تبخلوا بدمائكم , وتمردوا على الوجهاء وثوروا في وجوههم . وحاولوا نيل قصب الشرف بنيل الشهادة ، ليصطفيكم الله كما يصطفي رسله . ولتكن التل حومة دماء . وحومة شهداء . فما دوما وليوثها وحرستا وليوثها وبرزة والمعضمية والقابون والدير وحمص والجسر والمعرة وحماة بأشجع منكم حين لا تبذلون دمائكم الذكية لتراق في مقاومة الطغيان , أناديكم وأستصرخكم ألا تحرموا شرف الشهادة في سبيل الله : كونوا القذائف المدمرة كونوا البحر الزاخر كونوا الصاعق المحرق للطاغية وأزلامه.

لقد تقدمت حرائر التل لتكون هي بطلة المظاهرات ولتنال الشهادة إن تخلى أبناء التل عنها ، وكم هو شرف عظيم للتل بحرائرها وأبنائها .

10-وأخيرا أقدم تحيتي إلى البطل الأخ المجاهد وليد البني وابنيه الذين اعتقلوا من قوات البغي والطغيان ، فقد اعتاد على السجون ، وهو ممثلكم وممثل المئات من إخوانكم المعتقلين .

لقد فاتني شرف الشهادة ، وفاتني شرف الاعتقال ، وفاتني شرف التظاهر ضد الطغاة فلا أقل من أن لا يفوتني شرف الكلمة وهو أضعف الإيمان .

يا أبناء التل .أبناء سوريا . يا أبناء شعبنا المجاهد . استيأس الرسل واقترب النصر يا أهلي ويا أبناء وطني أيا أبناء وطني الصغير والكبير : كم أجد نفسي صغيرا أمامكم وكم أتمنى أن تقبلوني جنديا معكم ولو بالكلام ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم )

(صورة إلى أهلنا في حلب )

*باحث إسلامي سوري

===============

الرواية الرسمية السورية للأحداث

د. إبراهيم حمّامي

Drhamami@hotmail.com

سأقبل هنا أن أُلغي العقل والبصر والسمع وكل الحواس التي وهبنا اياها المولى عز وجل، وسأقبل أن أُصبح متلقٍ للأخبار والأحداث دون وعي ولا تفكير ولا تمحيص، وسأقبل الرواية الرسمية السورية للأحداث كما تبثها القناة السورية الرسمية وفضائية الدنيا، والاعلام المكتوب، إضافة لمجموعة من المدافعين باستماتة عما يقترفه هذا النظام بحجة المقاومة والممانعة ومنهم السوريون وغير السوريين.

لكن في مقابل هذا الالغاء، سأطرح عشرة تساؤلات، عشرة فقط لا غير، لكل من يتبنى تلك الرواية، ولا أدري حقيقة وبكل صدق ان كنت أنتظر عليها إجابة، أو أن الأسئلة ستغير من حقيقة الخطاب البائس الذي يتبناه النظام والتابعين له، لكني سأطرحها على أي حال!

1) سنصدق الرواية الرسمية حول العصابات المسلحة والمندسين ونسأل لماذا فشل النظام السوري وبعد خمسة أشهر بالتمام والكمال من نشر شريط مصور واحد يظهر الاشتباكات مع تلك العصابات المزعومة؟ لماذا نشاهد آلاف الأشرطة والمقاطع عن فظائع جيش البعث – ولا نقول الجيش العربي السوري – ولا يتحفنا النظام بمعركة واحدة مصورة مع العصابات والمندسين؟ وحتى لا نظلمكم نقول أننا شاهدنا مقطع أو اثنين ... لكن لحظة، لم تكن من تصويركم بل مقاطع أخذت من الانترنت لشخص هنا أو هناك ببندقية صيد أو عصا في يده، تدللون بها على وجود المسلحين لتبرروا مواجهتهم بالجيش العتيد، ولا نعلم حقيقة هل هي صور من يتظاهرون أم شبيحتكم الذين يمشون كتفاً بكتف مع جنودكم الأشاوس؟ حتى ما نشره المدافعون عنكم من أشرطة كان بلا صوت ولجنود مصابون بطلقات بالرأس مما يؤكد فرضية اعدامهم ميدانياً لرفضهم أوامر القتل ضد شعبهم، أي أن ما تنشرونه هو دليل ضدكم لا معكم.

2) سنصدق الرواية الرسمية حول العصابات والمأجورين وغيرهم، ونسأل هل تواجه العصابات بالدبابات والمروحيات - وأخيراً بالزوارق الحربية التي لم نسمع يوماً أنها أطلقت طلقة واحدة على محتل او غاصب وها هي الزوارق والبوارج تستخدم لأول مرة في تاريخ الجيش ابعثي – ولا نقول الجيش العربي السوري؟ بمعنى منذ متى تكون مواجهة العصابات بالجيش والقصف العشوائي على الأحياء والآمنين وأخيراً على مخيمات اللاجئين والمساجد ومآذنها!

3) وما دمنا نتحدث عن مواجهة العصابات المزعومة، نسأل كيف يمكن للنظام تبرير العقاب الجماعي على المدن والبلدات السورية التي تطالب بحريتها من نظام البطش الدموي وذلك بقطع الاتصالات والكهرباء ومنع ايصال المؤن وعلاج الجرحى؟ أهكذا يواجه النظام عصابات مندسة استنجد الأهالي به لتخليصهم منها كما يدعون؟ ألا تظنون أن روايتكم بحاجة للمراجعة؟

4) وفي نفس الاطار ومع تصديق الرواية الرسمية البائسة، نسأل لماذا عاشت حماة ودير الزور شهراً كاملاً دون حادثة واحدة من قتل أو نهب أو تدمير وهم يخرجون بمئات الالاف، ومع وصول جيش العار البعثي عشية شهر رمضان المبارك فجأة أصبح الحديث عن عصابات ومسلحين؟ لماذا لا يكون الدمار إلا مع وصول جحافلكم التي تقودها الفرقة الرابعة اياها؟ كيف لنا أن نصدق أن مئات الآلاف كانوا بأمن وأمان ثم تقتلونهم وتعيثون الخراب بحجة ارساء الأمن والأمان؟

5) وسؤال آخر في ذات الموضوع، لماذا لا يُطلق المندسون المتآمرون النار على مظاهرات التأييد المسيّرة دعماً للنظام؟ لماذا لم يسقط ولا حتى جريح واحد ممن يهتفون الله سوريا بشار وبس؟ طبعاً عندما كانت تخرج مثل تلك المسيرات المسيّرة – عصابات مندسة تتآمر على النظام ولا تطلق الرصاص إلا على من يتظاهرون ضد النظام؟ أليست غريبة تلك المعادلة؟

6) سنصدق أنكم ضحايا حملة اعلامية مركزة ومؤامرة خارجية، وبأن كل ما يقال هو افتراء لا أساس له، وهنا نسأل لماذا ما زلتم ترتعبون من دخول صحفي واحد أو مؤسسة مستقلة واحدة أو أي شخصية مستقلة لتتحدث وتشاهد وتؤكد روايتكم ما دمتم واثقين منها كل تلك الثقة؟ مما الخوف والرعب؟ هل كل البشر والدول والمؤسسات متآمرة هي أيضاً على نظام المقاومة والممانعة؟

7) سنصدق روايتكم مرة أخرى ونسأل، ألم تلقوا القبض على بعض المندسين والمأجورين بحسب توصيفكم ونشرتم اعترافاتهم على الشاشات – لماذا لم تتم محاكمة أي منهم؟ ولماذا يتم تصفيتهم ورميهم في الشوارع بعد اعترافاتهم المفترضة؟ أهذا قانون عدلكم؟ أم أن هناك ما تودون اخفاؤه بموت هؤلاء العملاء المفترضين؟ ثم كم "مندس" من العصابات كان في جسر الشغور ليقتل 120 من الشبيحة الذين كانوا برفقة آلاف الجنود؟ أين هم هؤلاء؟

8) ثم وبعد تصديق كلام رئيسكم الذي قاله خارج سياق الورقة المكتوبة في خطابه الأخير بأن سيارات رباعية الدفع عليها أسلحة مضادة للحوامات ( الاسم المعتمد للمروحيات في سوريا) نسأل ونتساءل يا سيادة الرئيس: من أين وكيف دخلت تلك السيارات رباعية الدفع لتصل إلى المدن مروراً بكل أجهزتكم الأمنية العتيدة التي تراقب المواطن السوري، وتحصي عليه حتى أنفاسه بقانون طواريء عمره فقط نصف قرن؟ كيف تفسرون دخولها ومرورها ووصولها؟ أين كنتم أيها اليقظون المتيقظون للعصابات المندسة؟

9) سنصدق روايتكم بأن الجزيرة وقطر هم فقط من يفتعلون الأفاعيل وينسجون القصص والروايات، ونسأل ألا تشاهدون باقي وسائل الاعلام حول العالم وما تنشره من فظائع وجرائم ومآسي بحق الشعب السوري من قِبل زبانيتكم؟ بمعنى هل الجزيرة وحدها من يغطي أحداث سوريا حتى تصبحوا أنتم الضحايا؟ هل العالم بأسره ظالم وأنتم فقط المظلمون؟

10) سؤالنا الأخير وبعد تصديق روايتكم، نسأل هل تعتقدون أن العالم والبشر بتلك السذاجة والبلاهة ليصدق أكاذيبكم وترهاتكم؟

وعلى هامش كل تلك التساؤلات تحيرني معادلة لم استطع فك رموزها، المعادلة تقول: بعد أسبوع من مسيرات الشعب المصري واعتصاماته طالب العالم حسني مبارك المرتمي تماماً في أحضان أعداء الشعب المصري، طالبوه بالرحيل وهو من هو في تقديم الخدمات، أما اليوم وبعد مرور خمسة أشهر على مجازر النظام السوري لم يطالبه أحد بالرحيل، بل أن البيت الأبيض تنصل من تصريحات كلينتون يوم قالت أن الرئيس السوري فقد شرعيته، طرف المعادلة الذي ما زال مستعصياً علي: من يخدم الغرب واسرائيل أكثر، من طالبوه بالرحيل بعد أسبوع أم من يسكتون عنه بعد خمسة أشهر من الجرائم؟ لماذا يمنحون النظام السوري الفرصة تلو الأخرى للقيام باصلاحات لن تأتي يوماً؟ معادلة ما زالت تحيرني!

مهما كذبتم، ومهما اخترعتم من أسباب ومبررات لجريمتكم، ومهما تمسّحتم بشعارات المقاومة والممانعة، ومهما جندتم من أناس باعت ضمائرها لتقف معكم مبررة الدماء والضحايا، ومهما أجرمتم وارتكبتم من مجازر، لن تستطيعوا أن تحجبوا ضوء الشمس ولا نور الحقيقة

لا نامت أعين الجبناء

======================

الاسد فقد اعصابه

عادل عبد الرحمن

دبابات وطائرات وبوارج الاسد جابت المدن والاحياء والقرى السورية. عمليات مسح بالنار والقذائف المدفعية والصواريخ للاراضي السورية من قبل قتلة نظام الاسد الابن بإسم "ملاحقة" و"مطاردة العصابات المسلحة". المحطة الدامية الجديدة كانت بالامس واليوم مدينة اللاذقية واحياءها ومخيمها الفلسطيني (الذي زج به زجا في دائرة الموت من قبل النظام) المنتفضة على النظام الاستبدادي، التي قصفتها الزوارق والبوراج الحربية السورية. ووقع جراء عمليات القصف سقوط قرابة الثلاثين شهيدا وعدد كبير من الجرحى. فضلا عن سقوط شهداء في مناطق اخرى من سوريا.

ما تقدم يؤكد ان الرئيس بشار لم يستوعب الرسالة التي نقلها له الثلاثاء الماضي الوزير التركي احمد داوود اوغلو، واحد ابرز عناوينها وقف عمليات الذبح والتنكيل بالشعب، وفتح بوابات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي على مصاريعها. كما لم يستوعب دلالات كلمة الملك عبد بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، واستدعاؤه سفير المملكة السعودية، الامر الذي يشير ان الاسد الابن فقد اعصابه، ولم يعد قادرا على قراءة اللحظة السياسية بابعادها المحلية والعربية والاقليمية والدولية. وترك العنان لآلة حربه الدموية تعمق إخدود الدم في جسد الشعب العربي السوري. ونسي الاسد الشاب إن الشعب السوري وقواه الحية من كل الاتجاهات والمشارب السياسية والاجتماعية لم يعد يخشاه، لانه إتخذ قرار إسقاط النظام مهما كانت كلفة التضحيات.

غير ان صمود الشعب السوري البطل وثورتة العظيمة تحتاج الى مواقف عربية ودولية أكثر جدية في دعم طموحات واحلام السوريين. لان المواقف العربية والتركية والدولية مازالت دون مستوى الطموح للجماهير السورية، التي يسعى نظام البلطجة والتشبيح قتل روح الثورة فيها، لاستعادة زمام الامور، وإعادة دورة الحياة للوراء كما كانت عليه قبل الخامس عشر من آذار/ مارس الماضي. المطلوب تجذير التحرك السياسي العربي على المستويين الفردي لكل دولة من الدول وعلى المستوى الجمعي للعرب من خلال موقف واضح من جامعة الدول العربية، واول المواقف المطلوبة، تجميد عضوية النظام في مؤسسة الجامعة العربية، وطرد سفراء النظام من الدول، وتجميد الاتفاقيات التجارية الاقتصادية وغيرها مع نظام بشار، إسوة بما اتخذ من مواقف تجاه نظام العقيد القذافي. وتقديم الدعم لقوى الثورة من خلال الاعتراف بالهيئة التنسيقية الاعلى للثورة، وتقديم الدعم المالي لهم لمواجهة التحديات المفروضة عليهم من النظام، ولتقديم الدعم لاسر الشهداء والجرحى وإعالة الاسر المنكوبة.

كما تتطلب المسؤلية من تركيا تضييق الخناق على النظام السوري، وكذا الدول الاسلامية ودول عدم الانحياز لرفع الغطاء عن النظام الاستبدادي. والاقطاب الغربية عليها مسؤلية في الضغط السياسي والاقتصادي، وتشديد العقوبات المفروضة على النظام. ولكن حذاري من التدخل العسكري في سوريا. لان الشعب السوري كفيل باسقاط النظام بكفاحه السلمي مهما كانت شراسة وهمجية النظام وبلطجيتة وشبيحته. لان الشعب السوري خلع ثوب الاستسلام والخضوع لمشيئة نظم آل الاسد، وحمل معول الثورة للانعتاق من براثن الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني. ولا مجال لمهادنة نظام بشار.

a.a.alrhman@gmail.com

======================

المعارضة السورية و الفريضة الغائبة ..(حكومة المنفى)

ابو عمر دراق السباعي

مضى على الثورة السورية منذ اندلاعها خمسة اشهر كاملة سطر فيها شباب الثورة ومازال يسطر ملحمة رائعة بكل انواع التضحية والوطنية والترفع عن كل انواع السقوط الطائفي البغيض الذي حاول النظام ان يجر اليه الشعب الثائر من اجل كرامته وحريته.

امتدت الثورة وبسرعة مذهلة من اقصى الجنوب في درعا الى اقصى الشمال في ادلب وجسر الشغور , ومن اللاذقية وبانياس وجبلة غربا الى دير الزور والبوكمال والقامشلي شرقا, مرورا بمدن الداخل دمشق وريفها العظيم وحمص وريفها الرائع وحماة وريفها الثائرة دائما في وجه الظلم والطغيان . فالثورة انتشرت افقيا في كل ارجاء القطر, المدن , والارياف ,والبوادي , وعاموديا ضمت كل الشرائح الاجتماعية والاقتصادية قاطبة .

اجتازت الثورة السورية خلال الاشهر الخمسة الاولى من عمرها الكثير من المخاطر والتحديات بجرأة ابنائها ووعيهم واصرارهم على بلوغ الغاية وتحقيق الاهداف كاملة غير منقوصة .

بنفس الوقت وبشكل مواز قامت قوى المعارضة في الخارج بالكثير من الانشطة والحراك لدعم الثورة , حراك سياسي تجلى بعقد عدد من المؤتمرات منها مؤتمر انطاليا ,وبروكسل , واستنبول على سبيل المثال وحراك اعلامي لشرح القضية السورية ومطالبها العادلة وشرح معاناة ابنائها وفضح فساد واكاذيب واجرام النظام وما يقترفه من جرائم ضد الانسانية .وكذلك قام شباب الثورة بمواجهة شبيحة النظام الالكترونيين على صفحات الفسبوك ,تويتر , ويوتيوب .

مع هذا الصمود الاسطوري لشعبنا السوري الاعزل من اي سلاح الا سلاح الايمان بالله وعدالة قضيته في الداخل والحراك السياسي والاعلامي لشعبنا وقواه المعارضة في الخارج ,ومع استمرار المجازر الوحشية والقمع اللامعقول من قبل النظام للشعب الاعزل, تطور الموقف الدولي والاقليمي من القضية السورية وثورته ومطالبه العادلة بالحرية والكرامة واقامة دولته المدنية الديمقراطية بشكل لافت ,سريع,وواضح ,تجلى ببيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز, والتنسيق السعودي التركي المدعوم امريكيا حتى صرح اكثر من مسؤول اجنبي ان النظام السوري اصبح فاقدا للشرعية وان سوريا سوف تكون احسن حالا بدون الاسد.

لكن هذا التطور في الموقف الدولي والاقليمي بما فيه الروسي لم يرافقه تطور في وضع المعارضة السورية في لم شملها وتأسيس مجلس انتقالي او حكومة وطنية في المنفى تستوعب كل القوى الوطنية (التنسيقيات والقوى الشابة ,اضافة للقوى المعارضة التقليدية ) وهذه المهمة لا يستطيع القيام بها احد ولا يقبل من احد ان يقوم بها نيابة عنا نحن السوريون.

ان كل يوم يمر دون تحقيق هذا الهدف يعني مزيدا من الدماء ومزيدا من الألام , ومزيدا من التضحيات , فقط لأننا لم نقم بالواجب الذي لا يتم الواجب الا به الا وهو تشكيل حكومة المنفى .

ان دول العالم والقوى الاقليمية لا يمكن ان تقبل بفراغ سياسي او اي صورة ضبابية للمرحلة الانتقالية بسوريا , لما لسوريا بموقعها الجيوسياسي الهام والخطير من تأثير على السلم الاقليمي خاصة ولما لها من تشابك مع العديد من الملفات والقضايا الاقليمية الحساسة التي تهم الغرب تحديدا ودول الجوار . فالغرب لن يتخذ قراره النهائي برفع الغطاء السياسي ويعطي الضوء الاخضر للقوى الاقليمية للانتقال الى مرحلة ما بعد سقوط النظام الا اذا اطمأن الى المرحلة القادمة والا اذا شعر وامن انه يتحاور مع معارضة مسؤولة تفي بالتزاماتها , موحدة وجادة بالانتقال والتأسيس لسوريا ديمقراطية , مدنية , يسود فيها القانون ويتساوى فيها الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية .

العالم يريد ان يطمئن انه لن تكون في سوريا حرب اهلية ولا ثارات ولا انتقامات , ويريد ان يطمئن الى مكانة ومستقبل الاقليات وحقوقها ودورها , كما يريد ان يطمئن ان سوريا المستقبل لن تكون مقرا ولا مأوى ولا داعما للارهاب . العالم يريد جهة مسؤولة يحاورها ويسمع منها تمثل الشعب السوري الثائر والمطالب بحقوقه .

أعتقد ان المعارضة السورية (بكل مكوناتها) تأخرت كثيرا عن اهم مهماتها واخطرها وعليها ان ترقى الى مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية المناطة بها, والى امال الشعب السوري الذي قدم وضحى بكل ما يملك وان تلتقي على الأهداف العريضة التي يطالب بها السوريون على اختلاف مشاربهم, وان تشكل حكومة المنفى التي تقود النضال الوطني في المرحلة القادمة وتؤسس لمستقبل سوري زاهر باذن الله .

=========================

طفلة تساعد الصومال!!

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

ذهبت سارة مع والدتها إلى السوق وأمضتا فيه نحو ساعة ونصف الساعة، وخرجت الأم وهي تدفع أمامها عربة مكدسة بالبضائع والسلع من: لحوم، ودجاج، وأسماك، وخضراوات، وفواكه، وبعض ما يسميه الناس لوازم (مقاضي) رمضان من: قمر الدين، والمكسرات، والزبيب، وجوز الهند، وكانت سارة فرحة مسرورة خلف أمها وفي يدها لعبة ثمينة،... وفي المنزل ذهبت الأم لإعداد طعام الإفطار وجلست سارة تلهو بلعبتها الثمينة أمام التلفاز، وبعد قليل بدأت نشرة الأخبار وكان جلها عن موت مئات الأطفال الصوماليين الذين يعانون من المجاعة، وفجأة توقفت سارة عن التقافز وانكمشت على الأريكة أمام التلفاز وتسمرت عيناها على الشاشة، وهي تعرض مشاهد مؤلمة لأطفال صغار هدهم الجوع وسحق المرض أجسادهم النحيلة الهزيلة، وأمهاتهم تقفن حولهم عاجزات عن فعل أي شيء لهم، والموت البطيء ينهش الجميع ويحصدهم دون رحمة، وجثث الموتى تتكدس فوق بعضها لا تجد من يواريها الثرى!!

تألمت سارة لهذه المأساة الإنسانية المروعة وذرفت عيناها دموع الحزن والفجيعة وأسرعت إلى أمها تسألها:

سارة: لماذا يموت الناس والأطفال في الصومال يا ماما؟

أجابت الأم متأثرة: بسبب الجوع يا بنيتي، فقد وقعت عند هؤلاء الناس مجاعة شديدة.

سارة: وهل نحن مسئولون عن هؤلاء الذين يموتون في الصومال يا ماما؟!

سكتت الأم هنيهة وحارت في الجواب، ثم قالت: ينبغي علينا أن نقدم لهم المساعدة يا ابنتي.

سارة: ولماذا لا نقدم لهم بعض الطعام الذي اشتريناه اليوم يا أمي؟

أحست الأم بشيء من الحرج وزاغت ببصرها عن ابنتها قائلة: نحن أيضا نحتاج للطعام يا سارة كغيرنا من البشر.

سارة: نعم يا أمي لكن التبرع بجزء بسيط من هذا الطعام لا يضرنا، وأذكِّرك بأننا نرمي الكثير من بقايا الطعام كل يوم، فنحن لا نأكل هذا الأكل كله، وبدل أن نرميه كان يمكن توفير ثمنه وتقديمه لهؤلاء المساكين.

احتضنت الأم ابنتها وقالت: بارك الله فيك يا سارة، سأكلم والدك عندما يعود بإذن الله في هذا الموضوع.

 

وعندما عاد والد سارة، سألته ابنته وهم على مائدة الإفطار:

سارة: هل يصوم الناس في الصومال يا بابا؟

قال الوالد بعد أن ارتشف قليلا من العصير: نعم يا سارة فهم مسلمون مثلنا وكل المسلمين يصومون شهر رمضان يا ابنتي.

بادرته سارة قائلة: وكيف يجد هؤلاء المساكين طعام الإفطار وعندهم مجاعة شديدة؟

أجاب الوالد بشكل تقليدي وهو يهز رأسه ويمسك تفاحة في يده: الله لا ينسى أحدا يا سارة فهو رحيم بعباده.

قالت سارة في براءة الأطفال: لقد درسنا في المدرسة يا بابا أن الله تعالى فرض علينا الصيام ليشعر الغني بالفقير، ويحس بألم الجوع كما يحس به.

هز الوالد رأسه وبصره منصرف إلى طبق بين يديه ممتلئ بالكنافة والقطايف والبسبوسة، وقال: كلامك صحيح جدا يا سارة، فمن أهم حكم الصوم أن يشعر الغي بالفقير ويدرك قسوة ألم الجوع، فيعطف عليه ويقدم له المساعدة.

برقت عينا سارة فرحا وسألت والدها بلهفةِ من يريد جواب الإثبات: هل تبرعت للفقراء في الصومال يا بابا؟

أحس الرجل بغصة في حلقه، وترك طبق المهلبية من يده وتناول بعض الماء ثم قال متلعثما: إ إ إ... في الحقيقة لم أفعل حتى الآن.

حزنت سارة وقالت بانكسار: ولماذا يا بابا؟!

تنهد الوالد تنهيدة العاجز قليل الحيلة وقال: والله رغم تعاطفي الشديد مع إخوتنا الصوماليين، وحزني عليهم ،لكن مشاغل الحياة من جهة، وا... وا... وعدم معرفتي لطريقة محددة وميسورة لمساعدتهم، كل ذلك جعلني لا أفكر في موضوع المساعدة هذا، لكنني أتمنى لو قدمت لهم ما أقدر عليه، ولو أعرف لذلك طريقة لتبرعت إليهم على الفور.

وهنا تدخلت الأم قائلة وهي تفرغ بقايا الطعام الكثيرة في كيس النفايات: والله عندك حق يا أبا سارة كان على الجهات المختصة في كل بلد عربية أو إسلامية أن تعمل حملة كبيرة لجمع التبرعات لهؤلاء المساكين، ويجب أن تفتح أرقام الحسابات الخاصة بهذا الموضوع المهم في أكثر من بنك، وتعلن عنها في جميع وسائل الإعلام، والله هذا أهم وأولى من أغلب البرامج التافهة التي تنهمر من كل القنوات علينا كالمطر!!

 

وفي اليوم التالي عندما عاد الوالد من العمل سلَّم على سارة وبادرها مبتسما وهو يقول:أبشري يا ست سارة لقد تبرعت اليوم لمنكوبي الصومال بمبلغ عشرين جنيها، وهو كل ما تبقى معي وقدرت على تدبيره.

فرحت سارة وضمت أباها قائلة: بارك الله فيك يا بابا: فرب درهم سبق مائة ألف درهم، ثم انطلقت لغرفتها وعادت مسرعة ومعها لعبتها الثمينة وهي تقول: من فضلك يا بابا خذ هذه اللعبة، وبعها وتبرع بقيمتها لأطفال الصومال!

لمعت عينا الأم وهي ترمق ابنتها بإعجاب، وما كان منها والدمع يترقرق في عينيها إلا أن عمدت إلى خاتم ذهبي في يدها وخلعته وأعطته لأبي سارة قائلة: من فضلك يا أبا سارة خذ هذا الخاتم فبعه وتصدق بقيمته لصالح أخوتنا الصوماليين.

قفزت سارة من الفرح والسعادة قائلة: والله إنني أتمنى أن أذهب إلى الصومال لأواسي أطفالها وأقدم لهم ما أستطيعه من المساعدة، وصدق رسولنا الكريم الذي قال: "ليس المؤمن الذي يشبع و جاره جائع إلى جنبه" وفي رواية: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه و هو يعلم به" وكلنا الآن يعلم، وخير لنا أن ننقذ إخواننا من الموت جوعا ونحن لا نعرف كيف نتخلص من بقايا الطعام!!

* كاتب مصري.

=========================

الدّعمُ النفسي لنشطاء الداخل .. أفكارٌ ووسائل لدعم صفحات المناطق الصغيرة

مجاهد مأمون ديرانية

توطئة وتعريف: قَصَرْتُ هذه الورقةَ على صفحات المناطق الصغيرة، وتعريفي لصفحة المنطقة الصغيرة أنها صفحةٌ تشتغل من الداخل لتغطية أخبار منطقةٍ جغرافية محدودة، قريةٍ أو بلدة أو مدينة أو ناحية، أو حتى حي معيَّن من أحياء المدن الكبيرة.

مقدمة أولى:

أحسب أنكم تعلمون أن وجود شخص فاعل محرِّك قد يكون هو العنصرَ الحاسمَ في نقل منطقة من المناطق من حالة الخمود والحياد إلى حالة الفاعليّة والثورة، فالنشاط في منطقة ما كثيراً ما يبدأ بشخص من هذا النوع؛ يبدأ هو بتحريك المظاهرات، ثم يكرّس نفسَه لتصويرها ورفع أفلامها، وغالباً فإنه هو نفسه الذي ينشئ صفحةً للمنطقة لنشر صورها وأخبارها. هذه الحالةُ شائعةٌ في المناطق الصغيرة. وتوجد حالات أخرى لا يكون الناشطُ فيها هو المحرِّكَ والموجِّهَ للنشاط الثوري، لكنه ينتدب نفسَه لتغطية الأحداث، فيصوّرُها ويعالج أفلامَها ويرفعها على صفحته الصغيرة ويرسلها إلى وسائل الإعلام وإلى صفحات الثورة الأخرى، ومن هنا تنشأ أحياناً الازدواجيةُ فتولد للمنطقة الواحدة صفحتان أو عدّة صفحات على الفيسبوك.

هؤلاء الإخوة هم جنودُ الثورة المجهولون، وهم يستحقون الوفاءَ والتكريم، لكنهم يعملون في ظروف أمنية صعبة تستدعي إحاطةَ أنفسهم بالكتمان، لذلك لن نَعْرفَهم بأسمائهم وأعيانهم فنشكرَ لهم صنيعَهم، لكننا نستطيع أن ندعمَهم بالكثير ليستمرّوا في العمل، فإنهم هم عيونُ الثورة وآذانُها التي تُبصر بها وتسمع، ومن خلالهم نتعرف على ما يجري في المناطق المختلفة من سوريا، ولولاهم لشحَّت المعلوماتُ وتراجعت التغطيةُ الإعلامية للثورة. إذن فإن هذه الصفحات تقدم للثورة خدمةً كبيرة، وهي تستحق الدعمَ الكبير الذي لا تتلقّى منه سوى النَّزْر اليسير، فكيف نستطيع أن ندعمَهم وأن نَفِيَهم حقَّهم من الوفاء والتكريم؟ هذا هو موضوع ورقتي الموجزة التي أشكركم على إتاحة الفرصة لي لتقديمها اليوم.

مقدمة ثانية:

حينما بدأت بالاتصال بتلك الصفحات لم يخطر ببالي أن أنشئ مع أصحابها علاقاتٍ شخصيةً، لا سيّما وأنني أخاطب دائماً أشخاصاً مجهولين، وظننت أنني سأقتصر على إرسال مقالاتي فينشرون منها ما يريدون ويُعرضون عمّا يريدون، لكنّ العلاقة أخذت -مع الوقت- سِمَةً شخصية وَدودة كالتي تكون بين الرُّفَقاء، على الأقل مع عدد من الصفحات وليس معها جميعاً. وبالنتيجة ومع استمرار العلاقة مع مديري بعض الصفحات الصغيرة (وأيضاً من خلال اللقاء المباشر مع عدد قليل منهم خرجوا من سوريا بصورة مؤقتة في وقت من الأوقات) استطعتُ أن أعرفَ الكثير عن ظروف عملهم وطريقة إدارتهم للصفحات.

لا أعلم إن كنتم تعرفون كيف تجري الأمور هناك؟ سأخبركم باختصار:

كل من عرفتهم من أصحاب الصفحات الصغيرة يعملون بجهد فردي أو في مجموعات صغيرة جداً، اثنين أو ثلاثة، وهم يشاركون في المظاهرات، ويصوّرونها، ويعالجون الأفلامَ لتصغير حجمها وربّما لطمس الوجوه المكشوفة أحياناً، وهم أنفسهم الذين يرفعونها لمواقع وصفحات الثورة الأخرى أو للقنوات الفضائية. وفي بعض الحالات عرفت من ينتقل ويقطع مسافةً طويلة، ربما عشرين كيلومتراً أو أكثر، ليصل إلى منطقة يستطيعُ رفعَ الأفلام منها. وهم يُشْرفون على صفحاتهم الصغيرة بأنفسهم، وقد يُمضي الواحدُ منهم عشرَ ساعات متصلة أو أكثر بلا فواصل ولا راحة، وفوق كل ذلك فإنهم ينفقون على عملهم من جيوبهم، وكثيراً ما يكونون هم أنفسُهم في ضائقة من أمرهم بسبب الظروف المعيشية التي تزداد صعوبةً في كل أنحاء البلاد.

إن الثورةَ تُزهر وتُثمر في أبهى صورها وأكمل طاقتها حينما تتكامل جهودُها ويغذّي بعضُ أطرافها بعضاً، تماماً كدَورة الماء أو دَورة الغذاء التي تعلمناها في المدارس ونحن صغار، فكيف نصل إلى هذه النتيجة، وكيف يمكن أن ندعمَ صفحات الثورة الصغيرة نفسياً وعملياً ونساعدها على البقاء؟

أولاً: ما تستطيع صفحات الثورة الرئيسية صنعه

لقد صارت صفحتا “الثورة السورية” و”شبكة شام” هما المصدرَ الأساسيَّ لتنسيق تحركات الثورة في الداخل ولنشر أخبارها في الخارج، وأنا أشبّهُهما بنهرَي النيل والأمازون، نهرَين عظيمين كبيرين يغذّيان الأرَض ويَسقيان الناس، لكنهما لا يعيشان بلا روافد، لذلك لا ينفصل الوصفُ الجغرافيّ لأيِّهما عن ذكر روافده التي تغذّيه وتنمّيه، ولولاها لما كان النيلُ هو النيل ولا كان الأمازون هو الأمازون.

فإذا كانت صفحات الثورة الكبيرة كالأنهار العِظام فإن روافدّها هي صفحاتُ وتنسيقيات المناطق الصغيرة، لأن الأخبار والصور تأتي من هناك. أخبارُ وصور دوما تأتي من تنيسيقية دوما، وأخبار وصور عرطوز تأتي من تنسيقية عرطوز، وكذلك الأمر في أخبار وصور درعا وداعل وبانياس وجبلة وتلبيسة والحولة وإعزاز وسلقين والميادين… وغيرها من مناطق وأنحاء سوريا الثائرة.

بناء على النقاش السابق فإن الصفحات الكبيرة (بشكل أساسي صفحة الثورة السورية وصفحة شام، ومعهما صفحات فلاش ويوم الغضب وحرة يا سوريا وأوغاريت) تتحمل المسؤوليةَ الكبرى في ترويج ودعم الصفحات الصغيرة، ويمكنها أن تقوم بقِسْطها من المسؤولية بوسائل بسيطة:

(1) النشرُ المتكرّر لأسماء وروابط الصفحات. إن قائمة صفحات المناطق التي نشرتُها سابقاً (وتجدون نسخة منها في مدوّنة “الزلزال السوري”) تضم -مع التحديثات الثلاثة اللاحقة- نحوَ مئتَي صفحة صغيرة. لو نَشَرت صفحاتُ الثورة الكبيرة إعلاناً عن واحدة منها مرّةً كلَّ ساعة على مدار ساعات اليوم وأيام الأسبوع (ما عدا الجمعة) فسوف يُنشَر اسمُ كل صفحة مرةً كلَّ عشرة أيام، وهذا إنجازٌ جيد وسوف يساعد على التعريف بهذه الصفحات ونشرها بين المهتمّين.

(2) اهتمامُ الصفحات الكبيرة بالمادة التي تستقبلها من الصفحة الصغيرة، أعني الاهتمامَ المخلوطَ باللمسة الإنسانية الرقيقة، كإرسال رسالة تفيد باستلام المادة المرسَلة (سواءٌ أكانت خبراً أم مقطعَ فيديو) وتشكرُ مرسلَها على إرسالها وتَعِدُه بالنشر السريع. لا تعتمدوا على الرد الآلي الجاف، بل زيدوا كوادرَ شباب الصفحة واحداً تكون مهمّتُه التواصلَ الإنساني بهذه الطريقة الدافئة. أنا نفسي في تواصلي مع صفحاتكم أحس أنني أتعامل مع آلات ولا أتلقى أي تواصل بشري ولا إشعاراً بالاستلام ولا سواه، وهذا لا أهميةَ له في حالتي لأنني لا أصنع شيئاً يُذكَر، أما إخوانكم في الصفحات الصغيرة فيحتاجون إلى الدعم والتواصل لأنهم يقدمون الكثير.

(3) نشر المادة المُستلَمَة، فلا شيءَ أكثرُ إثارةً لإحباط إخوانكم أولئك من جهدٍ كبير يقومون به ومُخاطرات يبذلونها لتوصيل الفيديوهات يعقبها إهمالٌ منكم وعدم نشر المادة. في إحدى المرات كتب لي أحدُ الإخوة في صفحة من تلك الصفحات قائلاً بمرارة: “طبعاً لم تذكر … (سمّى مدينتَه الصغيرة) لأن المظاهرات فيها تجري في المريخ وليس في سوريا”! كان ذلك عقب تسلّمه رسالة مني فيها تحديث لقائمة صفحات المناطق التي نشرتها قبل نحو شهر، وقد غفل عن القائمة الأصلية أو أنه لم يستلمها فظنّ أنّي لم أذكر صفحتَه. فرددت عليه متلطّفاً ومؤكداً على حق مدينته على الثورة ومُثنياً عليها لأنها كانت من المدن التي شاركت في المظاهرات في وقت مبكر، ولفَتُّ انتباهه إلى أنني أدرجت اسم صفحته ورابطها في القائمة الكبيرة الأصلية التي يبدو أنها لم تصله، فلما أدرك اهتمامي اعتذر وشكر، ثم نَفَثَ بعضَ ما في صدره فشكا من إهمال عدد من الصفحات الكبيرة للفيديوهات التي يثابر على تصويرها وإرسالها، مما جعل الناس يعتقدون أن مدينته لا تشارك في الثورة كما قال!

ما سبق هو بعضُ المقترحات، ويمكنكم أن تفكّروا بغيرها. المهمُّ أن تتحققَ النتيجةُ التي أتمناها وأرجو أن تعملوا على تنفيذها يا أصحابَ صفحات الثورة وشام وغيرها من الصفحات الكبيرة: ينبغي أن تشعرَ كلُّ واحدة من صفحات المناطق الصغيرة بأنها البنتُ التي تَلوذ بالأمّ الحَنون، فكأنّ الصفحاتِ الصغيراتِ بناتٌ والصفحاتِ الكبيرات هنّ الأمهات، والصغيرُ ينال من الكبير دائماً العطفَ ويحس في حِماه بالأمان.

ثانياً: ما يستطيع أن يصنعه أصحاب الصفحات العامة العاملة من الخارج

الأفكارُ السابقة التي اقترحتُها على الصفحات الكبرى تصلح أيضاً لكل الصفحات العامة التي يعمل أصحابها من الخارج ويتمتعون بالكثير من الاطمئنان والاسترخاء، وغالباً يتعاون العددُ من الأشخاص على الصفحة الواحدة منها. وبالإضافة إلى تلك الأفكار يمكنهم القيام بخدمة لا تُطلَب من الصفحات الكبرى نظراً لانشغالها بالمتابعة الحثيثة لأخبار الثورة. هذه الخدمة هي الاتصالُ المباشر.

إن أيّ اتصال مباشر يتلقاه مديرُ الصفحة الصغيرة من صفحات أخرى يدعمه دعماً كبيراً من الناحية النفسية ويُشعره بأنه ليس مقاتلاً منفرداً، بل أنه جزء من جيش كبير، وهذا الإحساس يَبعثُ في نفسه الكثيرَ من الثقة والاطمئنان. أقترح أن تتواصلوا -إخواني الكرام في صفحات الخارج- مع تلك الصفحات بأسماء صفحاتكم وأن تُشعروا أصحابها بالدعم: (أ) بنشر رابطها والدعاية لها، و(ب) بالنقل عنها والإشارة إليها، و(ج) بذكر إنجازاتها والثناء عليها.

وكل ذلك لا يأخذ منكم الكثيرَ من الجهد ولكنه يعود على الصفحات الصغيرة بالنفع الكبير.

ثالثاً: واجب عام على الجميع

نظراً للظروف التي يتحرك ويعمل فيها إخوانُنا في صفحات المناطق الصغيرة فإنهم يُصابون بجفاف روحي ونفسي، فهم يتعاملون طولَ الوقت مع جهات وصفحات جامدة لا مع بشر يحسّون ويتفاعلون، ونستطيع بجهد جماعي أن نُشعرَهم بالحياة والدفء وأن ننفخَ فيهم روحَ الحماسة. وإليكم بعضَ الأفكار التي يمكن تطبيقها وتعميمها:

(1) إنهم يصورون ويرفعون الأفلامَ وينتظرون أن يشاهدها الناس، وقليلاً ما يحصلون على تفاعل من نوع بشري، كتعليق إيجابي أو كلمات مشجِّعة. لو كُتبَت لهم عشرُ تعليقات تحت الفيديوهات التي يرفعونها على اليوتيوب فسوف تسرّهم كثيراً، مثلاً يمكن أن يقال في كلمات قليلة: شكراً لمن رفع هذا الفيديو، كل الشكر والتقدير للمصور، ما شاء الله على هذا العمل، بوركت جهودك يا أخانا الكريم… أيُّ كلمات مشجعة ستفي بالغرض.

(2) مجرد نشر الفيديو وكثرة مشاهدته (حتى بدون تعليقات) ستُشعرهم بقيمة ما يصنعون. إن التصويرَ والرفع في سوريا ليس فقط عمليةً صعبة، بل هو عمليةٌ بالغة الخطورة أيضاً، وكثيراً ما ضحّى شبابٌ بأنفسهم أو بحريتهم في سبيل توصيل الصور، فماذا يكون شعورهم عندما تمر الأسابيعُ ولا يزيد عددُ المشاهدات على مئات؟ في هذه القاعة يجلس بينكم أخٌ عزيز سمعتُه قبل أيام قليلة وهو يتحسّر على فيديو يصوّر مظاهرةً في أميركا، تعب في مونتاجه ورفعه ثم لم يَزِدْ عددُ مشاهديه على بضع مئات، ويبدو أنه قرر أن لا يُتعب نفسه في مثل هذا العمل من بعد!

(3) غالباً ينفق مديرُ الصفحة الصغيرة ساعاتٍ طويلةً وهو قائمٌ على صفحته لأنه لا يجد من يساعده، وكثيراً ما تواصلتُ مع شباب بأعيانهم ووجدتهم على رأس الصفحة في مختلف الأوقات من ليل أو نهار، وقد ارتكب أحدُهم ذات مرة خطأ مضحكاً وأدخل أسماءً ومعلوماتٍ بعضَها في بعض، وحينما نبّهته أرسل لي كلمات اعتذار قال فيها: “سامحني خيّو، والله من كذا ساعة وأنا على فَرْد قعدة أحدق في الصفحة وأرتب الأفلام وأنشرها وما عدت شفت بعيوني”! فأحسست بأهمية التواصل الإنساني مع أمثال هؤلاء الناس لكسر جمود العمل الروتيني وإضفاء الحياة على عملهم، وهذا الأمر يستطيعه أي واحد بالمشاركة في الصفحة بالتعليقات المختلفة التي تُشعر المدير (الأدمن) بأنه يتعايش مع بشر لهم مشاعر وأفكار.

(4) وجدت بالتجربة أن التواصل الفردي مع مدير الصفحة بالبريد الإلكتروني يرفع معنوياته ويمنحه قَدْراً كبيراً من التشجيع. أيُّ واحد منا يستطيع أن يشاركَ في حملة التشجيع والوفاء لأصحاب ومديري صفحات المناطق الصغيرة بسهولة. ابحث عن عنوان البريد الإلكتروني وستجده غالباً في صفحة المعلومات (info)، وراسل مدير الصفحة بصفة شخصية ولو مرة كل أسبوعين. المراسلة الشخصية تعني أن تذكر اسمك (لو كنت من هُواة التخفّي والاستتار فلا بأس أن تستخدم اسماً وهمياً) ومحل إقامتك، وتتحدث معه بشكل يُشعره بالاهتمام والوفاء، كأنْ تشكرَه على الصفحة وعلى ما يبذله فيها من جهد، وأن تثنيَ على المنطقة التي ينتمي إليها وعلى نشاطها ومشاركة أهلها بالثورة… فالمرء يفخر بأهله ويَسرّه أن يسمعَ تقديرهم والثناءَ عليهم. لقد مارست أنا شخصياً هذا الفن، فن التشجيع والإطراء، وفي بعض الحالات نشر مديرُ الصفحة رسالتي الخاصة في “بوست” عام علّق عليه العشرات من أهل المنطقة بالشكر والامتنان، كما تلقيت دعوات لزيارة المنطقة بعد التحرير. بالنتيجة اكتشفت أن أمثال هذه اللفتات الصغيرة لا تشجّع فقط صاحبَ الصفحة، بل أيضاً أهلَ المنطقة الذين ترتفع معنوياتُهم كثيراً حينما يحسّون بالأخوّة وبمشاركة الآخرين لهم في هموم الثورة وآمالها.

(5) أخيراً فإن المواساة الشخصية لها أثر كبير، وقد جرّبت في أكثر من مرة أن أرسلَ رسائلَ تعزية باسمي إلى صفحة منطقة تعرّضت لحملة من عصابات النظام المجرم أو وقعَتْ فيها مَقْتلة، وغالباً كان مدير الصفحة ينشرها في صفحته ويشكرني على المواساة، وتثير كثيراً من ردود الأفعال الإيجابية من أهل المنطقة الذين يتابعون الصفحة.

هذه أفكار ومقترحات أقدمها بين أيديكم في سبيل تحقيق الهدف، وهو تقديم الدعم النفسي لأصحاب ومديري صفحات الثورة الصغيرة، ولا بد أنكم ستجدون أفكاراً غيرها أفضل وأكمل. وفقكم الله ونفع بكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

=======================

احتجاجاتٌ شعبية إسرائيلية ذات أبعادٍ سياسية

د. مصطفى يوسف اللداوي

لا يمكن عزل الاحتجاجات الشعبية الإسرائيلية التي تجوب شوارع مختلف المدن الإسرائيلية، والشعارات المطلبية الحياتية التي يرفعها الإسرائيليون، ويطالبون حكومة نتنياهو بتنفيذها والالتزام بها، عن المناخ السياسي الإسرائيلي العام، فإن كانت أغلب المطالب الشعبية هي حياتية، فإنها تعود بجذورها وأسبابها إلى الممارسات السياسية، إذ يحمل الإسرائيليون رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته كامل المسؤولية عن تدهور الحياة الاقتصادية في البلاد، وتراجع الميزان التجاري، وانخفاض مستوى المدفوعات، ويرون أن سياسته تقف وراء الانكماش الاقتصادي، والركود العام التي تشهدها مختلف مرافق الحياة الاقتصادية الإسرائيلية، وهو الذي يتحمل قرارات البنوك المركزية التي امتنعت عن منح القروض، ورفعت قيمة فائدتها، ووضعت شروطاً جديدة لطالبيها، وأن سياسته تسببت في خسارة البورصة الإسرائيلية، وتراجع قيمة الأسهم والسندات، وانخفاض حجم التداول العام، وارتفاع أسعار الطبابة والنفقات الصحية، وأسعار الشقق وأجور الإيجار.

ويرون أن رئيس حكومتهم بيبي نتنياهو قد خضع لضغوط حلفائه في الحكومة، وحوّل مبالغ كبيرة من الخزينة الإسرائيلية لدعم برامج الأحزاب الدينية الصغيرة، وخصص بنوداً كثيرة من الميزانية العامة لتلبية الطلبات المتزايدة للأحزاب الدينية، التي تطالب بزيادة الدعم المالي لمدارسها، وتوفير ميزانيات إضافية لدعم مشاريعها الدينية، وإعفاء طلابها والمنتسبين إليها من الخدمة العامة، العسكرية والمدنية، في الوقت الذي يطالبون فيه بمنحهم رواتب ومساعدات ومنح رفاهية.

وينتقد الإسرائيليون السياسة الضريبية التي يتبعها رئيس حكومتهم، ويرون أنه يثقل كاهل دافعي الضريبة من صغار وكبار التجار ورجال الأعمال، ويقتطع من أموالهم مبالغ كبيرة، إلا أنه لا يؤدي لهم بالمقابل خدمات تشجيعية، تنعش تجارتهم، وتحسن أعمالهم، وتجذب إلى مشاريعهم رؤوس أموالٍ جديدة، بل إن سياسته الضريبية قد أدت إلى نفور رؤوس الأموال، وهروب رجال الأعمال، وتعطل مشاريع كبيرة كان يعول عليها كثيراً في إنعاش الحياة الاقتصادية الإسرائيلية، ولهذا يتساءلون أين تذهب أموال الضريبة، ومن هي الجهات التي تستفيد منها، ولماذا لا تراعي الحكومة الركود الاقتصادي العالمي، والأزمات الاقتصادية الكبرى التي باتت تهز الأنظمة والكيانات الاقتصادية العالمية.

يتساءل المواطنون الإسرائيليون لماذا يخصص رئيس حكومتهم مبالغ طائلة من ميزانية دولتهم لبناء مستوطنات جديدة، وتوسيع القديم منها، بينما هي خربة، لا سكان فيها، ولا يوجد عوامل جذب حقيقية إليها، وقد أصبحت تقتطع مساحاتٍ كبيرة من الأراضي، وتكلف ميزانية الدولة مبالغ خيالية لجهة البناء والإعمار والحماية والحراسة، إذ أن كلفة الاستيطان ليست فقط كلفة بناءٍ وإعمار، بل إن التبعات الأمنية والسياسية التي تفرضها المستوطنات تكون كلفتها المادية كبيرة، وهي كلفة دائمة ومتزايدة.

ويتساءلون عن أموال المعونة الأمريكية التي تناهز الثلاثة مليارات دولار، وهي مساعداتٌ دائمة وغير مشروطة، لماذا لا يتم استخدامها في تطوير مرافق البلاد الاقتصادية، وتحسين خطوط الإنتاج فيها، ورفع مستوى ونوعية الإنتاج الإسرائيلي بما يجعله منافساً قوياً في الأسواق للسلع الأخرى، فإن كانت المعونة الأمريكية موجهة نحو احتياجاتٍ أمنية وعسكرية، فلماذا لا يتم تحويل أو اقتطاع مبالغ موازية من ميزانية الأمن والجيش للنهوض باقتصاد البلاد، وإبعاد شبح الانهيار والركود عنها، إذ أن اقتطاع مبالغ محددة من ميزانية الدفاع والأمن يمكنه تحقيق رفاهية إسرائيلية عالية، ويستطيع أن يحقن الاقتصاد الإسرائيلي بحقن إنعاش بعيدة المدى.

ترفض الأغلبية الإسرائيلية مبررات رئيس حكومتهم المستغرق في أحلام البقاء والاستمرار رئيساً للحكومة، بأنه وحكومته لا يستطيعون تقليص ميزانية الجيش والأمن، إذ هما عماد البلاد، وأركان وجوده، وعوامل بقاءه وحمايته، ويقترحون عليه الصدق مع خصومه من المفاوضين العرب والفلسطينيين، إذ أن تهدئة الجبهات مع الدول العربية الجارة، من شأنه أن يرفع العبء المالي الكبير عن الدفاع والأمن، ويحول مبالغ كبيرة من ميزانية الجيش نحو خدمة الجمهور والارتقاء بحالته الاقتصادية وظروفه المعيشية، ويرفضون منطقه للخروج من الأزمة الاقتصادية بافتعالِ حربٍ مع غزة في الجنوب أو مع حزب الله في الشمال، أو استفزاز سوريا للدخول معها في حرب، ويرون أن أي حربٍ يفتعلها ستزيد في عمق الأزمة، وستضيق الخناق أكثر على الإسرائيليين، فإن كانت حرب يونيو 67 قد نجحت في تفكيك الأزمة الاقتصادية التي كانت تعصف بالكيان الإسرائيلي، فإن حرباً جدية ستغرقهم أكثر، وستزيد في حجم معاناتهم أكثر، إذ أن الظروف الدولية قد تغيرت، وشكل الحرب وأنواع السلاح قد تبدلت، كما أن الأنظمة الاقتصادية القديمة التي كانت تحركها الحرب قد تغيرت.

الإسرائيليون يطالبون رئيس حكومتهم ألا يفكر فقط في السبل التي من الممكن أن تبقيه في السلطة، وتحافظ على منصبه رئيساً للحكومة، وإنما عليه أن يفكر في السبل التي يمكنها ضمان المستقبل لهم ولأجيالهم، والحفاظ على حياتهم واستقرارهم، وتوفير مناخاتٍ اقتصادية جيدة لهم، تمكنهم من العيش الكريم والمنافسة الحرة، وإلا فهو المسؤول عن تفكيك المشروع الصهيوني، ورحيل الإسرائيليين عن "أرض إسرائيل"، وتنفيرهم من الإقامة والعمل فيها، فهم يرغبون في الحياة برغدٍ ورفاهية، في ظل عدالةٍ اجتماعية حقيقية، يحصلون فيها على مسكنٍ لائق ليس عرضةً للخطر أو الدمار في الحرب، ولا يريدون أن يفقدوا المئات من أبنائهم في حربٍ قد لا تعرف نتيجتها ولا نهايتها، من أجل احتمالٍ ضعيف بانتعاش الحياة الاقتصادية.

الاحتجاجات الشعبية الإسرائيلية وإن بدت أنها تطالب بالعدالة الاجتماعية والعمل والمسكن والرفاهية، وبرفع الأعباء الضريبية عنهم، وتخليصهم من شبح الأزمات الاقتصادية التي تلوح في الأفق، ووقف سلم غلاء المعيشة الصاعد دوماً، إلا أن لسان حالهم يقول لنتنياهو وأركان حكومته في الأمن والدفاع والخارجية، أننا لا نريد حرباً جديدة، ولا نريد أن نخسر حياتنا من أجل رفاهية غيرنا، فالحرب التي تلوح بها ليست هي الحل، وخوضها ليس طود النجاة، ويرون أن دعوات وزير الدفاع وقادة الجيش ورئيس الأركان من خطورة تخفيض ميزانيات الجيش لصالح المطالب الاجتماعية، وأنها ستؤدي إلى تراجع قدرات الجيش الدفاعية، وستؤثر على ميزان القوى لصالح الخصوم، ليست إلا وصفة عسكرية غبية لتأكيد الفوارق الاجتماعية، وتغيب العدالة الاجتماعية التي ستقود حتماً إلى تعاظم الخطر الوجودي على دولة إسرائيل.

Moustafa.leddawi@gmail.com

=========================

الفوضى في بقاء النظام السوري.. وليس في رحيله!

الطاهر إبراهيم*

يسرب بعض اللبنانيين المستفيدون من بقاء نظام الرئيس السوري بشار أسد في حكم سورية، سيناريوهات تزعم أن رحيل هذا النظام سيخلف فوضى عارمة، لا تؤثر على سورية وحدها فحسب، بل على معظم دول المنطقة. إذا كانت هذه السيناريوهات تبث من لبنان، فهي تفبرك في مصانع إعلام النظام في دمشق، ثم تبث إلى محطات الاستقبال في واشنطن حيث يعتقد الرئيس السوري أن هذه ستحاول وقف معاول الهدم في أساسات حكمه، خوفا على دول في المنطقة، لا يسر واشنطن أن ترى التصدع يلحق ببعض تلك الأنظمة في المنطقة.

هذه التسريبات تتجاهل قضية أساسية يتعامى النظام عن رؤيتها، وإن كانت أصبحت المؤثرَ الأهم في ما يجري في سورية الآن، وهي أن أكثرية الشعب السوري الساحقة متضررة من بقاء النظام في السلطة، ينتظر قسم كبير من هؤلاء المتضررين إعادة بناء دولتهم على نفس الأسس التي كانت مبنية عليها قبل استيلاء حزب البعث على السلطة في عام1963. وإن أي فوضى قد تنتج عن رحيل هذا النظام عن الحكم، إن كان شيء من ذلك سيتم، فإنها هامشية، أسقطتها التجربة الحية التي حصلت في تونس وفي مصر، عندما رحل النظامان من دون أن يتخلف عن رحيلهما أي فوضى كما هو واضح للعيان.

قد يقول قائل إن هذا قياس مع الفارق، بعد أن وصل الاستقطاب إلى حدود قصوى في النظام الذي هيمن على كل شيء في سورية، بينما نظام "بن علي" ونظام "مبارك" ما كان رموزهما متجذرين في تونس ومصر في مؤسسات الحكم كما هو الحال في سورية. يرد المتظاهرون أن سورية عاشت تجربة مشابهة للحالة اليوم، عندما أسقط انقلاب الانفصال دولة الوحدة في أيلول عام1961. ففي أقل من شهرين تم انتخاب مجلس نيابي ورئيس جمهورية هو الدكتور "ناظم القدسي" وتشكلت حكومة أعادت العمل في كل وزارات الدولة ومؤسساتها، كما كانت قبل قيام الوحدة ، رغم الشغب الإعلامي الذي كانت تثيره أجهزة إعلام عبد الناصر.

لو تحولنا من التأثير العاطفي الذي يشعر به الشعب السوري عندما يزول الكابوس الذي جثم على مقدرات الوطن وعلى قلوب المواطنين على مدى خمسة عقود، إلى الثورة التي أصبح الشعب السوري يتعايش معها كأنها دماء تجري في عروقه، وما عاد ينفك عنها، كما حصل عندما انسحبت بعض الدبابات من بعض شوارع مدينة حماة، حيث هب الشباب متظاهرا في تلك الشوارع تحت سمع وبصر ما تبقى من قادة الجيش وأجهزة الأمن والشبيحة في المدينة، لا يهزه الخوف، فقد زال الخوف من قلوب المتظاهرين.

استطرادا، فإن الشباب السوري الثائر، ليس في وارده التوقف عن الثورة والتظاهر كل يوم جمعة، ويوميا بعد صلاة التراويح، ثم يقبل وعود النظام بإصلاحات لم يكشف عن عمقها حتى الآن، أو أن يتوقف بسبب القمع الشديد، كما حصل عندما قصفت زوارق حربية حي الرمل في اللاذقية، وربما يؤدي الأمر بالنظام مستقبلا، إلى استخدام الطيران في سبيل إنهاء الانتفاضة، لأن النكوص سينهي، -ولعدة عقود- الأمل بالحرية والديمقراطية ورحيل النظام الذي ما عاد يطاق البقاء تحت حكمه.

فيما يتعلق بدخول قوى دولية وإقليمية على خط الإعصار الذي يجتاح سورية، فقد تأكد لدى هذه القوى صلابة الشعب السوري وتصميمه بالذهاب إلى آخر الخط في معركته مع النظام، وأنها ليست موجة ستتكسر على صخرة النظام الذي يريد، هو الآخر، أن يوحي للجميع بأنه مستعد للسير في القمع والقتل إلى آخر المشوار.

مع أن هذا المقال هو لدحض المزاعم التي يريد النظام ترويجها بأن رحيله سيأتي بالفوضى، وأن هذه الفوضى سوف تمتد خارج حدود سورية. كما أن مواقف بعض القوى المؤثرة في القضية السورية، توضح الاستماتة التي يبديها كل من نظام طهران وحزب الله في لبنان، حيث أصيب الطرفان بالهلع بعد أن أحرق علم طهران وعلم حزب الله في كل الشوارع أثناء المظاهرات. وتبدت الاستماتة بضخ طهران المليارات في اقتصاد النظام السوري لتوظيفها في دعم هذا الاقتصاد المتداعي, وأن حزب الله ما برح إعلامه يفبرك إشاعات تزعم أن هناك تهريب أسلحة إلى المتظاهرين في سورية للإساءة إلى الثورة السورية السلمية، التي كان أهم شعاراتها منذ اليوم الأول هو سلمية هذه الثورة.

ما هو واضح أن واشنطن لم تعد متمسكة بالرئيس بشار أسد. وعدم تمسكها بالرئيس بشار، قد يعني أنها ترحب بشخصية معتدلة قريبة،من النظام بشكل أو بآخر، لم يتم حرق أوراقها بعد. هذه الرغبة تصطدم بالمزاج الشعبي السوري الذي يريد أن يطوي صفحة النظام كله، لا فرق عنده بين معتدل ومتطرف. ما هو مؤكد أيضا أن واشنطن لا تأخذ على محمل الجد بأن البديل من الرئيس بشار هو حكم الإسلاميين كما يحاول النظام أن يوحي بذلك.

أنقرة من جهتها، تحاول أن يفهم الآخرون عنها أنها ليست مع رحيل الرئيس بشار أسد، وإن كانت تعتقد أن بقاءه سوف يبقي الأحداث مشتعلة. حتى الآن ليس واضحا ما هي الأوراق التي تلوح بها أنقرة في وجه النظام ليوقف إطلاق النار على المتظاهرين. هذا الرغبة، على ما يظهر أنها مشتركة مع واشنطن. باقي دول الجوار تحاول أن تنأى بنفسها عن أن تنخرط عمليا بما يجري. وكل ما توده هذه الدول هو أن لا تصيب عدوى الثورة جماهيرها.

الثوار في سورية –على ما يعتقد- يرحبون بالمواقف الإيجابية، إقليميا ودوليا، كما يظهر من اللافتات التي ترفع أثناء التظاهر. كما يرفضون أن "يجيروا" لصالح أي من القوى الخارجية ، شعارهم في ذلك: "وكل يدعي وصلا بسلمى وسلمى لا تقر لهم بذاكا".

*كاتب سوري

========================

في شعارات النظام عن المقاومة والممانعة

 جلال / عقاب يحيى*

مدخل تمهيدي :

هناك حقائق ثابتة يدركها كل سوري لأنه يعيشها ويعتنقها، والخاصة بالموقف من فلسطين .

لقد رضع الشعب السوري، جيلاً بعد جيل، حليب عشق فلسطين والإيمان بها عربية من النهر للبحر من أمهاتهم، وآبائهم، وثقافة المحيط والمجتمع، فتشرّبوها واستوطنتهم كجزء من هويتهم ومعتقداتهم وانتمائهم العربي، والسوري، والإسلامي .

 فلسطين هنا وفي المخيال، والقناعة لدى الأغلبية الساحقة من الشعب السوري على مختلف مكوناته واتجاهاته السياسية وغيرها، هي جزء من بلاد الشام افتكها التآمر الغربي(اتفاقية سايكس بيكو) بالقوة والتآمر لصالح مشروع صهيوني خاص، وإمبريالي، شكّل قاعدة متقدمة للغرب، ومنطلقاً للتآمر والاستنزاف، والتفتيت. ولذلك يؤمن الكثير بأن الصراع مع الصهيونية وكيانها الاغتصابي صراع وجود لن تحلّه أية اتفاقات تصالحية، لأنها اتفاقات إذعان، ونتيجة اختلال ميزان القوى الذي انهار بفعل النظام العربي وممارساته وعجزه عن القيام بأعباء التحرير، ولذلك فكل الحلول المرحلية، بما فيها سقفها( الأعلى) : الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع لا يمكنها حسم وإنهاء الصراع الذي سيبقى مفتوحاً حتى نهاياته المنطقية : هزيمة المشروع الصهيوني وفقاً لصيغ سيفرضها ميزان قوى قادم حين يمتلك الشعب قراره ومقدراته .

 *****

 1

الأسد وموقعه من فلسطين :

 كانت تلك المقدمة، المدخل، ضرورية لفهم توجهات الشعب السوري التي لا يقدر أي حاكم على تجاوزها، أو معارضتها علنياً، وموقعها وحضورها في الخطاب الرسمي للنظم المتعاقبة، وتلاعب نظام الأسد بها واستثمارها لصالح مشروعه الخاص، الأمر الذي أدّى بكثير الانقلابات العسكرية التي توالت على سورية بعد نكبة ال1948 ، إلى رفع شعار تحرير فلسطين كمبرر لها، وكمدخل إلى منحها شيئاً من الشرعية الشعبية، أو التحايل عليه عبر تفريغه من مضامينه، وقتله تحت رايته كما فعل الأسد (الأب) بخبث، وتكتيك مكشوفين .

 في عام 1967، أي عام حرب حزيران / جوان وهزيمتها الصارخة، كان /اللواء حافظ الأسد/ وزيراً للدفاع وقائداً للطيران، أي المسؤول العسكري الأول عن مجرياتها، فما الذي حدث؟، وأين دوره ومسؤوليته بالتحديد ؟؟..

 وبعيداً عن منطق المؤامرة المسبقة، والاتفاق، والعمالة، والأحاديث غير المسؤولة عن " تسليم الجولان"، والذي لا يمنح أصحابه سوى الخوض في هلوسة دهاليز مظلمة تمنع التحليل الموضوعي الدقيق للأحداث على ضوء وقائعها وسيروراتها..فقد تبدّت مسؤولية وزير الدفاع المباشرة فيما يلي :

1 عدم الثبات المطلوب في القطاع الشمالي من الجبهة السورية التي تمّ الخرق الإسرائيلي فيه، عبر قائد اللواء الاحتياط الذي هرب وترك بقية الضباط والجنود للفوضى، والحالة المعنوية الهابطة، ثم إيقاف الهجوم المعاكس الذي كان مقرراً قيامه في التاسع من حزيران لسدّ الخرق، وصد التوغل الإسرائيلي تحت حجة عدم القدرة على مواجهة القوة الإسرائيلية، وبالتالي : انفتاح الطريق للقوات الإسرائيلية لتوسيع هجومها طولاً وعرضاً واحتلال كامل الجولان .

2 إذاعة بيان احتلال القنيطرة(عاصمة الجولان)، وتقديم شكوى للأمم المتحدة بذلك قبل وصول القوات الإسرائيلية الغازية إليها بنحو /17/ ساعة، الأمر الذي يدلل بالقطع على مدى دقة البيانات العسكرية، ومدى إشراف وزير الدفاع على العمليات في الأرض وليس في مبنى آمرية الطيران حيث اعتاد المكوث هناك .

3 في علم الحرب والجيوش هناك خط ثاني وثالث، بعد الأول، لانتقال الجيش إليه عند الضغط من العدو، أو الهزيمة.. لكن الذي حدث، ووسط تلك الفوضى الصارخة أن وزير الدفاع أصدر أمره الغريب ب " الانسحاب الكيفي" للجيش، على طريقة " دبر رأسك".. مما أدّى إلى فوضى عارمة، وبعثرة القطعات وضياع كثيرها .

4 وفي حين كان الواجب محاسبة المقصرين والمتخاذلين من كبار الضباط، كما كانت تطالب القيادة السياسية، قام الأسد بحماية هؤلاء ومنع الاقتراب من أيّ منهم، لذلك لا غرو إن وجدناهم جميعاً عناوين بارزة في تكتل الأسد العسكري منذ بروزه/1968/، وفي انقلابه التصحيحي المعروف .

5 وبدلاً من محاسبة القيادة العسكرية، وعلى الأقل تغييرها، كما هي عادة الجيوش في كل أنحاء العالم في حالتي النصر والهزيمة، فكيف بهزيمة من ذلك العيار الثقيل، فشلت القيادة السياسية(عبر الاجتماع المشترك للقيادتين القومية والقطرية للبعث) من اتخاذ القرار الذي سقط بأرجحية صوت واحد، وسادت روح العشيرة، والتضامن، وبوس اللحى.. في حين شكلت هذه الحادثة مفصلاً في انعطاف الأسد نحو الحشد للقيام بانقلابه، وتنصيبه زعيماً أوحداً، وإدخال سورية حقبة جديدة في مملكة الرعب الاستثناء .

 ولئن كنت من أصحاب من يقول أن حب الأسد للسلطة والتحكم والتفرّد طاغ يصل حدود النرجسية، أي أنه كان يعدّ العدّة بباطنية متلونة للانقضاض على رفاقه، حيث نرى بصماته في عديد الانشقاقات ومحاولات الانقلاب التي لم تنجح.. فإنه اعتبر محاولة إخراجه من وزارة الدفاع والطيران تصفية له، وتقديمه كبش فداء الهزيمة، وربما تصويره كخائن للوطن وفلسطين، فراح يجمّع عسكره، بما فيهم عديد الضباط الذين ينتمون للطائفة العلوية، وكل متضرر من إجراءات السلطة، وكل معارض لشعاراتها النارية، وخطها السياسي الوطني الرافض للتسوية، والمصرّ على" الكفاح المسلح"، و"حرب الشعب طويلة الأمد"، ورفض القرار الأممي / 242/ الصادر بعد الهزيمة كترجمة وتجسيد لها ، والعمل على تقويض ذلك الخط ثم الانقضاض عليه في 13 تشرين الثاني 1970، تاريخ الحركة التصحيحية الذي اعتمد السادس عشر منه تاريخاً رسمياً .

 2

 كانت فلسطين حاضرة بقوة في الصراع الذي برز بين القيادة السياسية ووزير الدفاع وقائد الطيران.. فكيف تجلّى، وعلى ماذا تمحور ؟؟..

 بغض النظر عن عوامل الهزيمة وأسبابها القريبة والبعيدة، ومسؤولية القيادة السياسية مجتمعة فيها، وكشفها للفجوات الكبيرة بين الشعارات والواقع، وسلبيات مصادرة الحريات الديمقراطية واستئصال، أو تغييب الآخر، وثقوب " الديمقراطية الشعبية" ومعلباتها، وكمّ الشعارية المجوفة، والذهن الهروبي إلى الأمام الذي بدلاً من مواجهة الواقع والاعتراف بالخطأ يكثر من الشعارات النارية والمهام الكلية التي تخلط بين الاستراتيجة والتكتيك، بين ما هو آني وما هو مستقبلي، وعدم اعتراف الذهن الذاتي بالهزيمة، بل ومغالاة البعض بشعارت " فشل العدوان في تحقيق أهدافه" ضمن مقولة عدم سقوط النظام الوطني.. بمداليل تغييب أهمية الأرض التي احتلت.. والكثير من القضايا التي طالما تناولتها بمنهج نقدي صارم، والتي لا يسمح المجال للإسهاب فيها هنا ..

 فإن أهم نتاج رسمي للهزيمة كان القرار الأممي رقم /242/ بصياغته البريطانية الخبيثة المملوءة بالألغام(حول أل التعريف عندما تناول موضوع انسحاب، أو الانسحاب من أراض احتلت..)، والذي يعتبر نقطة فارقة في الصراع العربي الصهيوني، وفي موقع فلسطين كقضية مركزية(قضية العرب الأولى، كما تغنينا طويلاً بذلك)، وذلك بتكريس الاعتراف بشرعية اغتصاب إسرائيل لمعظم فلسطين التاريخية(نحو 73 بالمائة منها)، والطلب إلى الدول العربية بالاعتراف العلني بالحدود الآمنة، والتطبيع، ثم فتح كوّة مبهمة لفسلطين وكلاجئين، بحدود ما قبل الرابع من حزيران، أي الضفة والقطاع .

 عملياً : بات شعار " إزالة آثار العدوان" هو السقف الأعلى للنظام العربي الموافق على القرار، وبما يعنيه صراحة طي صفحة فلسطين(التي كانت) في عالم المستقبل ..

 ولئن قبل عبد الناصر بالقرار، ضمن ظروف الانهيار(رغم لاءات مؤتمر قمة الخرطوم المظهرية التي قاطعتها القيادة السورية) وترتيب أوضاع الجيش المصري، وإعادة بنائه، وما عرفه الحكم من صراعات في أعلى الهرم(المشير عامر وجماعته).. فإنه كان يستحيل على أي حكم سوري القبول به، أو إعلان ذلك على الملأ، فكيف بقيادة تنسب نفسها للبعث الذي كانت فلسطين أهم شعاراته، وأسباب انتشاره، والتي ترفع شعارات نارية في هذا الميدان وغيره ؟؟..

 رفض القيادة السياسية للقرار وضعها تحت ضغوط كثيفة من الاتحاد السوفييتي ومنظومته، ومن الغرب وتحدياته وتهديداته، خاصة وأن التشدد وردود الفعل كانت تدفع نحو تصعيد دعم العمل الفدائي، ومحاولة تحويل معظم حزب البعث إليه، ناهيك عن الدعم القوي لفتح الصاعدة، وتشكيلّ الصاعقة"، وذلك الاندفاع القوي باتجاه تشديد اللهجة ضد" التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي".. بينما أخذت تتسرّب طروحات أخرى مغايرة يبثها وزير الدفاع بخبث عبر عديد المحسوبين عليه، وبأشكال ملتبسة، ومغطاة بستائر أخرى : تنويع مصادر السلاح رفض سياسة التقشف التضامن العربي التوجهات الفكرية والسياسية .. إلخ ..إلى أن أفصحت تلك الطروحات عن نفسها بشيء من جلاء آخر عام 1968 في" المؤتمر القطري التاسع للبعث"، وبروز تكتل عسكري بقيادة الأسد يقف بالتعارض لمواقف القيادة الحزبية السياسية .

 ولئن كان المجال لا يتسع لفيض متابعة تلك الظاهرة، والتباساتها التي صارت مرادفة لها، فيكفي هنا الإشارة إلى مفصل هام، ومنعطف خطير، ألا وهو التدخل السوري لإنقاذ الثورة الفلسطينية من مذابح " أيلول الأسود" في الأردن .

 فنتيجة استغاثات ملحة من قادة فصائل الثورة الفلسطينية وهي تتعرض لعمليات الذبح بغية إضعافها وترحيلها من أهم جبهة مواجهة مع كيان الاغتصاب، وعبر التكشّف الفاضح للجميع لطبيعة تلك المؤامرة التي كانت الولايات المتحدة وإسرائيل على خطها، وعديد الدول العربية المغتاظة من تنامي المقاومة، وعبر استغلال أخطائها وتجاوزاتها الكثيرة، الكبيرة.. بدأت العمليات العسكرية المنظمة ضد الوجود الفلسطيني.. مما دفع القيادة السورية لاتخاذ أجرأ وأخطر القرارات بالتدخل العسكري الفوري، والقوي لنجدة المقاومة، ولما لا إسقاط نظام الملك ..إذا ما قررت قيادة الفصائل ذلك ، وهنا يظهر معدن الأسد، أو تواطؤه حينما تلكأ أياماً بتجهيز الدبابات، وحينما رفض تزويدها بغطاء جوي.. مستخدماً دوماً، كعادته، مجموعة أكاذيب تبدو عادية .

 سنقف للحظات عند موقفه الأصرح، وقد بات الحاكم الأوحد، حينما واصل الملك الأردني حربه على بقايا المقاومة التي انتقلت إلى الشمال في جرش وعجلون وإربد، وكيف أغلق عليها السد الحدود، بالاتفاق مع الملك، وكان شهر العسل قوياً بينهما، لمنع لجوئها إلى سورية، وتعرضها للذبح، أو فرار عديدها إلى الأرض المحتلة وتسليم أنفسهم لعدوهم الإسرائيلي الذي بدا أرحم لهم من الحكام العرب .

 3

ستكون هذه الحادثة مدخلاً وعنواناً لسياسة الأسد الحقيقية فيما يتعلق بفلسطين، وبكل أكوام شعارات التحرير، والمقاومة، وصولاً إلى الممانعة .

 عملياً وافق الأسد بعد زمن قصير من نجاح انقلابه على القرار/242/ بشكل مغمغم، وسري، لكنه مفضوح عبر تحالفاته القوية مع السادات، وفتح علاقات علنية مع أمريكا، وعبر شبكة علاقات أخطبوطية مع دول الخليج التي راحت تسوقه للعالم الغربي، ثم في عديد اللقاءات السرية مع قادة العدو الصهيوني التي كشفت بعض الوثائق جزءاً منها .

 وعملياً أيضاً، ومنذ العام 1970 وما تلا والنظام العربي يسرّب" مشاريع التسوية" تحت مسميات " الأرض مقابل السلام"، ودخول الصهيوني الشهير كيسنجر على الخط لتحريك حالتى" اللا سلم واللا حرب" والتي ترجمتها قيادة النظامين في سورية ومصر بحرب تشرين/ أكتوبر التحريكية.. التي كانت العبور" الشرعي" لعقد اتفاقات الفصل الرسمية مع الكيان الصهيوني . (عقدت اتفاقية الفصل بين إسرائيل والنظام السوري وقبول وجود قوات دولية فاصلة منذ أوائل العام 1974، ومن تاريخها كانت الجبهة السورية هي الأكثر هدوءاً على الإطلاق من جميع الجبهات العربية الأخرى، بما فيها الجبهة المصرية التي وقع السادات فيها اتفاقية كامب ديفيد الشاملة) .

 ومع ذلك، ومع تناغم النظام السوري مع الخطاب الرسمي العربي، ومشاركته بفعالية بجميع مؤتمرات القمة، ومشاريع التسوية(الخصبة) التي كانت تتوالى فيها، وعبر غيرها، وانخراطه التام في مقولة" الأرض مقابل السلام"، و" السلام الكامل والشامل"، وغيره من الشعارات البرقعية، إلا أنه كان يرفقها دوماً بصخب شعاري من لون آخر، وكأنه مزدوج، وبشخصيتين.. حتى إذا ما انفرد السادات بزيارة القدس المحتلة(تصريحه في مطار دمشق عن اتفاقه مع الأسد في الأساسيات، وخلافهما في التكتيك).. جنّ جنون الشعارات فتقاطرت ثم تكثّفت فيما يعرف ب" الصمود والتصدي" وجبهتها التي أقيمت، والتي قوّضها النظام السوري عملياً بدخوله لبنان ضمن صفقة مريعة، مشبوهة مع أمريكا عبر كيسنجر، وموافقة إسرائيلية صريحة .

 ولأن الحكم قدس الأقداس، ولأن الذات المتورمة تنتفخ حتى الانفلاق، ولأن الذهن الأقلوي يخشى حكم التاريخ الذي لا يرحم، ولأن فعل هزيمة حزيران، وأعقابها هزائم أكتوبر / تشرين.. هي التي تشكل العالم الداخلي للأسد، اتسمت سياساته بالمفارقات الفاضحة بين الواقع والشعار، وبنهم فاضح لتحويش الأوراق واستغلالها وتوظيفها في مناوراته ومقايضاته، خاصة الورقتين الفلسطينية واللبنانية، وما(ملكت يداه) .

 هكذا نلاحظ الضغط المحموم على الفصائل الفلسطينية لاحتوائها ووضعها في كيسه الخاص، واستغلال الموقع الجيوسياسي لسورية إلى المدى الأقصى، وحاجة المقاومة لسورية، وكونها الممر الطبيعي الوحيد للساحة الوحيدة التي بقيت لها(لبنان) وفرض سياساته وتكتيكاته عليها، والمساومة بها، وعرضها على طاولة الابتزاز والمفاوضات مع الغير لصالح نظامه ودوره، وإذا ما حاولت التمرد والعصيان كانت الحروب الشاملة المتنوعة : حروب الحصار، والتشويه، والمنع، والشقّ، والحرب المباشرة التي شكل الدخول السوري إلى لبنان عنوانها الفظ، وكاشفها الفاضح .

 الدخول إلى لبنان يحتاج فيضاً من الدراسات بمقدماته، وأفعال النظام ونتائجه، ولنا أن نتذكر والنظام يسحق الفلسطينيين بدباباته ومدفعيته، ويدمر مخيم تل الزعتر وغيره، ويقضي على التحالف الفلسطيني مع الحركة الوطنية اللبنانية، كان يرفع شعار فلسطين والحرص عليها بنفس القوة السابقة واللاحقة، وبأنه يهدف حماية فلسطين والعمل الفدائي من الانزلاقات والأخطار، وكانت أبواقه الكثيرة المجنّدة تذكّرنا تماماً بما يحدث في سورية منذ انفجار انتفاضتها الشعبية، وكأن التاريخ يعيد نفسه، وهو يعيده بذات الذهنية، والمنهج، بله والأدوات .

 من نتائج الدخول السوري الخطيرة(والنتائج كثيرة) تحويل الجنوب اللبناني من خزان كبير للقوى والأحزاب القومية واليسارية والوطنية، ومن منطلق للمقاومة الوطنية إلى احتكار طائفي للون واحد، وحزب واحد، واستراتيجية واحدة تصبّ في شبكة استراتيجته، واستراتيجية إيران .

 طبعاً لا نحتاج التذكير بحروبه الكثيرة المتلاحقة للثورة الفلسطينية، وعمليات الشق، ومواقفه المتخاذلة، والصوتية أثناء الحرب الإسرائيلية الطاحنة على لبنان لإخراج الثورة الفلسطينية1982، حين وقفت تقاتل مع حليفها الحركة الوطنية اللبنانية لأشهر ثلاث وحيدة، وحين رفض دخول المساعدات العربية(والجزائرية بالتحديد، والروسية إليها)، ثم شقّها، واغتيال بعض قادتها العسكريين، وملاحقتها في طرابلس والبقاع وإخراجها من هناك.. بينما ظلت الشعارات ترفرف رغم الانفضاح والاهتراء .

 4

 نعم برع النظام السوري في اشتقاق الشعارات وإدمان الجعجعة فيها، وتسويقها عبر شبكة واسعة من أزلامه وتابعيه وعملائه ومؤيديه، حتى اختلط الأمر على كثير من الأوساط العربية، بما فيها أوساط مثقفة، وحزبية، ووجد القومجيون العرب، وكثير الانتهازيين خبزهم ومادة تعيّشهم، وسدّ فراغات دورهم فراحوا يقصفون بها العقل العربي، والشعب السوري إلى درجة الدوخان ..

 فمن شعارات الصمود والتصدي التي ترجمها في الدخول إلى لبنان.. إلى قصة " التوازن الاستراتيجي" وما استهلكه من حذلقات وفلسفات وندوات .. والذي ظهر فاقعاً في حفر الباطن حين ألغى (بطل القومية العربية) صفاته، وخلع عباءة البعث لإرسال جيشه تحت القيادة الأمريكية مباشرة بحجة " تحرير الكويت" وبذهنه أن يقبض الثمن، كعادته، مجزياً ..فتمرّغ التوازن الاستراتيجي بتلك الفضيحة ونام زمناً حتى ابتداع شعار" المقاومة" ..

 في مدريد الثمن، ومدريد اللقاءات المباشرة مع قادة العدو الصهيوني، وتواصل اللقاءات سرّياً، فعلنياً.. وصولاً إلى ما يعرف ب" وديعة رابين" التي تعني التوصل إلى اتفاق شبه كامل مع قادة الكيان برعاية أمريكية مباشرة.. تهلهلت، وترامت جميع الشعارات، ومع ذلك لم يخجل النظام، ولم يتوقف عن رفع شعارات المقاومة، وكأنه يخوض فعلاً حرب تحرير الجولان، وكأنه منخرط حقيقة في عمليات المقاومة.. بينما كان يتصنّع عامداً، جاهراً دعمه اللا محدود للمقاومة الإسلامية، ممثلة ب"حزب الله" وما حققه من انتصارات وإنجازات حاول النظام السوري قطافها وكأنها من صنعه، وأقلها : استخدامها في مناوراته ولعبة الطميمة التي يمارسها، وقي مقايضاته التي تشكل ركيزة أساس في سياساته وتكوين ذهنه ونهجه . (هنا والحديث طويل، يجب قراءة الاستراتيجية الإيرانية بإمعان ونجاحها في الركوب على أهم قضايا العرب والمسلمين : فلسطين، بواقع استسىلام النظام العربي، وانهيار مشروعه، وغياب أي أفق، وأي قوة فعل وتأثير له، والحنكة الإيرانية في الدمج بين مشروعها القومي بالديني، والمذهبي بالإسلامي، وإنهاض حلف قوي مع قوى المقاومة وحملة شعارات الممانعة، ودعم حزب الله ليصبح قوة مؤثرة تحسب لها " إسرائيل" ألف حساب، وانعطافه نحو الداخل اللبناني والسيطرة عليه بتعاون كل من إيران والنظام السوري، وآثار هذه الوضعية على الذهن الديماغوجي السائد من جهة، وعلى خط التفتيت المذهبي من جهة أخرى .

 وبنصائح أحمد جبريل(كما يدّعي نسب الفضل إليه)، وغيره من السماسرة والمسوقين، فتح قناة مع"حماس" الجناح العسكري لحركة الإخوان المسلمين الفلسطينية، ونجح في التحالف معها، ثم في استقدام بعض قياداتها إلى دمشق في مفارقة عجيبة لا تنطلي إلا على المصابين بعمى الألوان، فهو يحارب الإسلاميين في سورية، ووصل به الأمر إلى سنّ قانون(من طبيعته) يقضي بإعدام كل من ينتسب لحركة الإخوان المسلمين في سورية وبالوقت نفسه، لا يشبع تقبيلاً، وعرضاً لعلاقته " المتينة" بحماس فلسطين، واستخدام هذه الورقة في توسيع الخندقة والانقسام الفلسطينيين، وفي المقايضة مع إسرائيل والولايات المتحدة ..

 5

حينما فرض التوريث بقوة نفوذ العائلة وأصحاب المصالح الفئوية.. كان شعار المقاومة قد تآكل، وبرزت ثقوبه عبر خلّبية النظام الذي لم يطلق رصاصة واحدة في الجولان، ولم يعدّ العدّة لوضع أكوام الشعارات في ميادين التطبيق.. فكان " الإبداع" الشعاري باختراع " الممانعة" التي تختلط مداليلها باللغة العربية .. لكنها صارت عنواناً للنظام، وسلعته التسويقية الرائجة، وغمامته التي يخفي فيها وخلفها طبيعته .

 لقد ركزنا معظم مقالنا على مرحلة الأسد الأب لتأكيدنا على أنها مرحلة التأسيس، وأن الوريث الذي وصل الحكم بتلك الطريقة الفاحشة وجد نظاماً متكاملاً، وشبكة علاقات أخطبوطية في جميع المجالات، فواصل على منوال الأب، وإن كانت بصماته لا ترقى إلى إبداع المؤسس، وتصطدم بقدراته من جهة، وبالظروف التي رافقت مجيئه من جهة أخرى، وإن لم يُظهر ذلك المستوى من الحنكة المبطنة بالمراوغة، وتماسك الشعارات، واستثمار الآخرين واللعب على الحبال، وليس الوقوع في أسرهم .

 ولئن كانت قدراته الهشّة واضحة في سلسلة هزائمه المتوالية، وفي تعاطيه الغبي مع أحداث المنطقة، ومع انتفاضة الشعب السوري، وبروزه كأسير مقزّم لنهج والده.. فإن الظروف التي لاحقته كانت تلزمه، ومستشاريه، وعتاولة النظام، على ابتداع شعارات طاقية إخفاء ممارساته..

 لقد كانت أحداث أيلول 2001 امتحاناً للتعاون الوطيد بينه وبين أجهزة الإدارة الأمريكية، خاصة (السي آي إي) تحت عنوان" مكافحة الإرهاب"، وبشهادة موثقة من المختصين الأمريكيين تشيد بتعاون الأجهزة الأمنية السورية مع الطلبات الأمريكية نعرف أن تلك الأجهزة قدّمت أكثر من /70/ ألف ملف كامل المعلومات عن سوريين وعرب"فيّشتهم" الأجهزة، ووضعتهم تحت تصرف الإدارة الأمريكية، بينما المخفي أعظم عن تسليم بعض الخطرين، وعمليات التحقيق والتعذيب لحساب أمريكا .

 ورغم أن النظام السوري كان أكثر المرحبين بسقوط النظام العراقي، وهو الذي آوى ودعّم معظم قوى المعارضة : الشيعية منها والكردية وغيرها، وكان مساهماً نشيطاً في كل عمليات التحضير على الأقل عبرها وعبر عملائه فيها لغزو واحتلال العراق، واحتضان كثير المؤتمرات واللقاءات لتلك المعارضة.. إلا أن احتلال العراق بتلك الطريقة، وتدمير الدولة العراقية، وإطلاق إدارة بوش المجرم لعديد التهديدات المنذرة التي يُفهم منها أنها تعني النظام السوري، وقد تجتاحه، فرضت على النظام السير بمزدوجته الانفصامية، وإن بطريقة ساذجة : إدانة الغزو وعمليات تفتيت الدولة العراقية بتلك الطريقة البائسة التي يمكن أن تنتقل عدواها إلى سورية، وفتح الحدود لزمن لدخول المتطوعين العرب، ثم محاولة المقايضة بهم، وبالوقت نفسه التنسيق مع إيران على تسويق الغزو عبر واجهات الحكم التي نصّبها الاحتلال والتي ترتبط بحبل السرة مع إيران، وبعلاقات وطيدة مع النظام السوري، وهنا نلمس الحبلين اللذين يسير عليهما النظام : حبل الاعتراف بواقع الاحتلال ومفرزاته السياسية، وحبل الشعارات الطويل، ومحاولة استثمار كليهما لصالح بقائه، وتحسين مواقعه لدى الآخر الأمريكي وغيره .

 وبالوقت الذي يعلو فيه ضجيج الممانعة، والإشادة الخارقة بحزب الله وما يقوم به، وتبنّيه، وكذا إظهار الدعم له ولحركة حماس، يستمر صمت النظام عن القيام بأي عمل على صعيد الجولان المحتل إلى إشعار آخر، حتى إذا ما تبجّح الطيران الإسرائيلي فوق القصر الرئاسي في اللاذقية، وإذا ما قصف موقع عين الصاحب القريب من دمشق، ودمر موقع الكبر قرب دير الزور.. التصق بشعار الممانعة تعبير طريف : الردّ في المكان والزمان المناسبين.... وما زال الشعب لسوري ينتظر تحديد الزمان، وإذ بالمكان : المدن السورية، وإذ بالجيش السوري الذي صدئت معنوياته وأسلحته يزجّ في حرب المدن ضد المطالبين بالحرية .

 نقول بالوقت الذي كانت شعارات الممانعة تثير الغبار الكثيف كانت الاتصالات المباشرة وغير المباشرة مستمرة مع قادة الكيان الصهيوني بحثاً عن التوصل لاتفاق شامل معه، بما في ذلك تلك المناشدات المهينة بالعودة إلى " وديعة رابين"، ثم توسط الأتراك ليكونوا العراب، وما قيل عن تقدّم المفاوضات ووصولها إلى ما يشبه الاتفاق الشامل لولا سقوط أولمرت وصعود المتشدد نتانياهو .

 النظام الممانع لفظاً يدرك بالملوس أن جوهر الضغوط التي تمارس عليه في أقصى مراحلها شدّة (مرحلة بوش المجرم) لم تصل يوماً إلى عتبة تغييره، أو العمل على إسقاطه، وإنما، ووفق تصريحات رسمية كثيرة معلنة، ووفق الواقع، ظلت تتراوح بين صيغ : تعديل السلوك، والتأهيل، وفك تحالفه مع إيران، أو تخفيف دعمه وعلاقاته بحزب الله وحماس.. وقد تراخت تلك الحملات حتى التلاشي في عهد إدارة أوباما، وعاد السفير الأمريكي إلى دمشق، بينما أثبتت المنعطفات، والأحداث، خاصة بعد اغتيال الحريري، أن الصهيونية ترفض إسقاط النظام، ليس لأنه عميل لها(بمعنى العمالة كما يستهوي البعض)، وإنما لعاملين متضافرين :

آ موقعه من عملية التفتيت العمودي الجارية في المنطقة على أسس مذهبية، والتي تشكل صلب الاستراتيجية الصهيونية بعيدة المدى .

ب التزامه الكبير بتعهداته على جبهة الجولان لبقائها هادئة .

وعلى ذلك فإن إضعاف النظام، و"تأهيله" على الطريقة الغربية ليكون أضعف، وأكثر قابلية للتعاطي معهم.. هو الهدف وليس غيره،وعلى ذلك يلعب النظام بشعارات الممانعة التي تشبه هنا حالة عهرية أكثر منها سياسية، وهي ممانعة مظهرية قابلة لكل أنواع المقايضات (الأمثلة كثيرة) .

 وعلى فرض أن الممانعة إفراز طبيعي لخط سياسي وفكري واقتصادي واجتماعي، وحصيلة واقع للرد على ما تعرفه المنطقة من تحدّيات، والتي تجوب فيها المشاريع الخارجية بقوة، وفيها كيان سرطاني خبيث يستهدف الأمة في جميع أطوار نظمها.. فهل يمكن لأي خط في الدنيا أن يسبح في فضاء القمع، وأن يكون مناقضاً لألف باءاته في وجود شعب حر مؤمن به، ومقتنع رضائياً، وليس بالقمع والجبرّ..

أي شعب يعامل كالعبد سيمارس ممانعة جدّية عندما تحزّ الحزّة وينتقل للتجسيد؟.. والذي لن يغدو أكثر من مفارقة صارخة للهوّة السحيقة بين السياسة الخارجية والداخلية، في حين يعلم الجميع أن السياسة الخارجية هي ، بالتأكيد، تجسيد ومرآة للسياسة الداخلية وليس العكس، ولا يمكن أن تكون منفصلة عنها، ومعادية لها على طول مساحة الوطن والزمن، والخط .

 لقد نجح النظام، أمام تهاوي النظام العربي وتهالكه، وتقويض مشاريع النهوض والاستقلالية، وأمام التنازلات المتتالية للأعداء، وللمشاريع الإقليمية التي تصول وتجول في المنطقة بكل حرية.. نجح في تسويق تصوير نفسه كنظام متمايز عن الآخرين، وكداعم للمقاومة، وكممانع للمشاريع الخارجية.. في حين ينسى، ويتجاهل هو وجميع أبواقه، وحلفائه، وسماسرته أنه من أكثر المتحمسين لشعار النظام العربي : " السلام خيار استراتيجي" للعرب، كل العرب، وموافقته الحماسية على مشروع(مبادرة) الأمير الملك عبد الله السعودي التي تبنتها قمة بيروت بالإجماع /2002/ لتصبح مبادرة عربية، وخيمة التحركات، ومنفذ المفاوضات والتنازلات..والتي لا رائحة فيها لا لممانعة، ولا أثر لمقاومة .

فكيف لنظام عربي يعتبر السلام هو الاستراتيجية ويرفع شعارات أخرى؟، وأين موقعها بالضبط من تلك الاستراتيجية، ولا نقول من الواقع.. لأننا تناولنا بعض عينات تجسيدها ؟؟؟..

 وفي الأخير لعلنا نشكر الدماء الغالية، وتضحيات شعبنا العظيمة، وآلام معتقليه، وعذابات المهجرين، وصراخ اليتامى والثكالى، والمروّعين، وأصوات الدبابات والمدافع والطائرات وهي تقصف الشعب، وتحتل المدن، وتقطّعها، وتقطع الماء والكهرباء والدواء والطعام عن المواطنين.... وكل الموبقات والجرائم الفاضحة التي ترتكب بحق شعبنا المسالم وثورة الحرية.. أنها كشفت كل أغطية النظام، وأزالت الغشاوة عن أعين من كان مغشوشاً ، وحطّمت صورة النظام المفتعلة لتظهر للملأ جوهره كأعتى نظم الطغم الدموية، وأشرسها فتكاً وقتلاً للآدمية ولحقوق البشر ..

* كاتب وروائي الجزائر

=======================

قراءة في غزوة خيبر-6

الدكتور عثمان قدري مكانسي

إسلام الأسود الراعي واستشهاده

أتى الأسود الراعي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيرا لرجل من يهود ، فقال : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقرُ أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها ، فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال - فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبدا ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن .

 

ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ؛ فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه . فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ؟ قال : إن معه الآن زوجتيه من الحور العين . والشهيد إذا ما أصيب تدلت ( له ) زوجتاه من الحور العين عليه ، تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان : ترّب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك .

 

 

إضاءة:

1-        قد يكون المرء البسيط أعقل من سيده وأقدر على الفهم ، لأنه يحمل قلباً سليماً وفكراً سديدا ، ولعل الغني المتبلد الإحساس تنطبق عليه الآية الكريمة " إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" وقد يصيبه الغرور والكِبر فلا يستطيع تمييز الحق والباطل أو هو لا يريد ذلك ويود أن يبقى منغمساً في ملذاته وكبره إلى أن يرى ما لا يسره فيندم ، ولات حين مندم.

2-        يسمع الأسود الراعي برسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل رسالة عالمية للإنسان فيقبل عليه يسأله عن هذه الرسالة ، فيقدمها له على طبق من نور ، ولا يتكبر أن يحدث راعياً فهو رسول الله لكل فئات البشر كبيرهم وصغيرهم ،غنيهم وفقيرهم ،ذكرهم وأنثاهم ،أبيضهم وأسودهم .وقد كان أغلب اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء المساكين ، وقد قال له المشركون : لا نقعد مع هؤلاء ، فاجعل لنا يوماً أو مجلساً واجعل لهم يوماً أو مجلساً . فنبهه القرآن الكريم إلى الإحسان إلى هؤلاء الفقراء : " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ولا تَعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطاً " .

3-        أداء الأمانة من صلب تعاليم الإسلام . فحين أسلم الراعي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ كان جوابه صلى الله عليه وسلم تعليماً للراعي وتدريباً على حفظ الأمانة وعدم تضييعها . لقد كان أميناً وهو كافر ، فلْيكن أكثر تشبثاً بحفظ الأمانة وهو مسلم وأمَرَه أن يؤدي الأمانة إلى صاحبها

4-        ولأنه أسلم ورغب أن يوصل الأمانة إلى صاحبها دون أن يلقاه - فيسأله السبب في ترك العمل عنده ، ولربما ناله السوء منه فقتله أو عذبه أو سجنه – باح بمكنون نفسه للنبي المعلم فكان جوابه إحدى المعجزات التي أجراها الله تعالى على يديه فقال له : اضرب في وجوهها ، فإنها سترجع إلى ربها . وقد آمن به الراعي وصدّقه في عقيدته ومجرى حياته أفلا يسمع لقوله ويعمل به؟ أخذ حفنة من حصى فضرب بها وجهها فانطلقت إلى صاحبها مجتمعة كأنها يسوقها سائق .

5-        ونلحظ أن المسلم حين يرى نفسه في مجتمعه الأصيل وبين إخوانه لا يفضل أحداً عليهم ، فهو منهم وهم منه . إنه حين أسلم رأى نفسه في مرآة إخوته المسلمين فالتزمهم مجتمعاً وحياة وعملاً . كان في معسكر الشرك والكفر فانتمى لمعسكر الإيمان والتوحيد ، ورأى نفسه جندياً في جيش المسلمين يقاتل معهم تحت رايتهم ويأرز إليهم ، إنه معهم كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضاً .

6-        يتقدم الراعي بعد قليل إلى الحصن يقاتل اليهود . كان قبل زمن يسير منهم فصار في الإيمان ضدهم " إنما المؤمنون إخوة " . ينخرط في صفوف المجاهدين ويقاتل معهم عدوّهم ، وتكتب له الشهادة ، فيُقتل ولم يصلِّ لله ركعة واحدة . ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى" وينال الجنة سريعاً وتستقبله زوجتاه من الحور العين تسرّيان عنه وتحتفيان به.

7-        من الحياء أن يغض المرء طرفه عما ليس له . ففي المعراج يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لعساء تعجبه ، فيقول : لمن هذه ؟ فيُقال : إنها لعمر بن الخطاب فيبعد نظره عنها ، متمثلاً بقوله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" , وهنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى هذا المسلم الجديد بإسلامه والسريع بشهادته. ثم يعرض عنه لأن معه زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عنه وتدعوان على قاتله. وتملّ قوله صلى الله عليه وسلم " تدلّت له زوجتاه من الحور العين " والتدلي سرعة الحضور والرغبة فيه تحملان الشوق والحب لزوجهما الذي انتظرتاه بفارغ الصبر .

8-        ومن المواقف التي تسترعي الانتباه وتستدعي الإعجاب سرعة بديهة أصحاب رسول الله الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن كل ما يبدر منه أو يفعله ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه؟ أأعرضْتَ رغبة عنه ؟ فيا ويله إذاً ! أم هناك أمر يراه الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لا يرونه ويودّون أن يعرفوه ليفيدوا منه ، ولينقلوه لمن بعدهم من الأمم . وبهذه المتابعة اللماحة لنبيهم ، وبهذا الاهتمام البالغ بما يفعله استحقوا أن يكونوا سادة الأمم ، ففتحوا الفتوح ، وسادوا العالم وكانوا المشعل الوقّاد على مرّ الدهور وكرّ العصور.

======================

العلمانيون الإقصائيون وثورة شعب سورية .. على هامش مؤتمر برلين لفريق من المعارضة في الخارج

نبيل شبيب

الثورة الشعبية البطولية في سورية لا تحتمل "معارك جانبية" مستمدّة من حقبة الصراع العلماني-الإسلامي خلال العقود الماضية.. أي خلال حقبة النكبات في فلسطين والاستبداد في الأنظمة القطرية والارتباط التبعي بالقوى الأجنبية، منذ الحرب الباردة شرقا وغربا، حتى سنوات الحرب الأمريكية ضدّ أفغانستان والعراق والتحركات الأطلسية تحت شعار "الإسلام عدو بديل" المطروح منذ عام 1991م..

طوال تلك الحقبة وما كان فيها من نكبات واستبداد وتبعيات وهيمنة أجنبية، وطوال تلك الحقبة بجميع ما كان فيها من تجزئة وضعف وتخلّف وهوان، وطوال تلك الحقبة وما كان فيها من مصادرة للحريات وهدر للحقوق وانتهاك للكرامة ونهب للثروات، لم يكن الإسلاميون في السلطة، لا احتكارا لها، ولا مشاركة فيها، إنّما صعد من صعد إلى التسلّط عبر انقلابات عسكرية وحركات تصحيحية سميت ثورات، وعبر أحزاب "وطنية" تبنّت العلمانية، فصنعت جميع تلك الكوارث.. وكان ضحاياها من جميع الاتجاهات والانتماءات، وفي مقدمة الضحايا الإسلاميون تحديدا.

الثورة الشعبية البطولية في سورية لا تحتمل "معارك جانبية" مستمدّة من حقبة الصراع العلماني-الإسلامي خلال العقود الماضية.. ولهذا كانت كسواها من الثورات العربية تشهد على أن الإسلاميين -غير المبرّئين من الأخطاء بطبيعة الحال- في تونس ومصر، في سورية واليمن، في كل مكان، عمدوا بشكل واضح بيّن إلى التزام نهج قائم على ثلاثة محاور:

- الحاضنة الوطنية جامعة لسائر الفئات والأطياف والاتجاهات

- المواطنة أساس لضمان الحقوق والحريات الفردية

- الإرادة الشعبية وحدها الحكم في تنافس المرجعيات والاتجاهات والمناهج

الثورة الشعبية البطولية في سورية لا تحتمل "معارك جانبية" مستمدّة من حقبة الصراع العلماني-الإسلامي خلال العقود الماضية.. ولهذا كانت مثل الثورات العربية الأخرى بقيادات شعبية واعية، تنطلق من المساجد أيام الجمعة تخصيصا، وتجمع أطياف الشعب على نداءات التكبير، ولكن تتجنّب طرح شعارات سياسية تمسّ "الآخر" من العلمانيين، على اختلاف مسمياتهم وبغض النظر عن حجمهم الشعبي الحقيقي.

الثورة الشعبية البطولية في سورية لا تحتمل "معارك جانبية" مستمدّة من حقبة الصراع العلماني-الإسلامي خلال العقود الماضية.. ولهذا لا بد من التساؤل:

- علام يثير العلمانيون الإقصائيون من قوى المعارضة التقليدية السورية، من خارج سورية تخصيصا، وعبر بعض من يرتبط بهم داخل سورية، أسبابا استفزازية لإثارة النزاع مع الإسلاميين تحديدا، ولمّا يسقط الاستبداد القمعي الفاسد بعد؟..

- إنّ بيوتهم من زجاج تتجاوز الأخطاءُ المتراكمة فيها ما يمكن وصفه بالصواب أضعافا مضاعفا، بما في ذلك تواصلهم مع القوى الأجنبية، التقاءً على المناهج العلمانية، وحبكاً للحلول "الوسطية" حتى مع النظام المتهالك، فعلام يتصيّدون أخطاء بعض الإسلاميين، كما كان في باريس، ليعمّموها على سائر الإسلاميين، ويقلبون حقائق التاريخ القريب الذي عرف الاستبداد الهمجي والنهب المالي الداخلي والتفريط المطلق بالقضايا المصيرية، باسم اتجاهات علمانية.. فقط، فيصوّرون أن الخطر على التعددية والديمقراطية والدولة المدنية هو خطر "ديني إسلامي".. وليس خطر علمانية لا تجد متسعا للآخر الإسلامي؟..

- إن تاريخ "استغلال العلمانية" من جانب الأنظمة الاستبدادية القطرية طوال نصف قرن مضى على الأقلّ، يستدعي مطالبة العلمانيين الآن بتقديم الدليل والبرهان على أنّهم لن يعملوا لترسيخ استبداد جديد إذا ما انفسح المجال لهم للعمل السياسي في مستقبل سورية التعدّدي.. ومن العلمانيين الإقصائيين من يقلب الصورة رأسا على عقب في الوقت الحاضر، فيطالب الإسلاميين بتقديم الدليل والبرهان، كما كان في مؤتمر الدوحة وعبر الصحافة الفرنسية كمثالين من بين أمثلة عديدة أخرى!..

الثورة الشعبية البطولية في سورية لا تحتمل "معارك جانبية" مستمدّة من حقبة الصراع العلماني-الإسلامي خلال العقود الماضية.. فعلام نرصد في الداخل في سورية ما يصدر عن العلماء من خطب في المساجد، ومن بيانات للعلماء كما كان في حمص وحلب ودمشق ودوما وسواها، رغم الأخطار الكبرى المرتبطة بمثل هذه المواقف، ثمّ نرصد في الوقت نفسه محاولات أقلّ ما يقال فيها، إنّها محاولات اغتصاب الصورة الجماعية للثورة الشعبية، الإسلامية بروحها وهتافاتها، وبمواقع انطلاقها، والمنفتحة على جميع الأديان والطوائف والاتجاهات، لتصويرها وكأنّها علمانية محضة، ولتثبيت التسلّط لصالح فريق يزعم أنّه يتحدّث باسم الثائرين عندما يتحدّث من منطلق علماني محض!..

وهل كان في مؤتمر سمير أميس، وفي مؤتمر الدوحة، والآن في برلين، إلا بذل أقصى الجهود لاحتكار مثل هذا التسلّط ليس على الحديث باسم الثورة الشعبية الجامعة فحسب، بل والتسلّط "الاحتكاري" على "حق" صناعة مستقبل سورية أيضا، مع ممارسة الإقصاء بالأسلوب العتيق ليكرّروا مقولتهم العتيقة الساقطة تاريخيا وعلى أرض واقع الثورات: الدين في المساجد والعلمانية في أجهزة الحكم!..

إن المساجد التي يريدون "سجن" الدين وحصار المتدينين والإسلام والإسلاميين بين جدرانها، هي التي تنطلق منها الثورة الآن.. لتحرير الشعب.. كل الشعب، بجميع أطيافه، بما في ذلك طيفهم السياسي العلماني، وهي في مقدّمة الضمانات في مستقبل سورية لكل حرية فردية وجماعية، فالإسلاميون -ككاتب هذه السطور- لا ينطلقون ممّا يعرفه الإقصائيون ويتقنونه ويسمّونه "مواقف تكتيكية"، بل ينطلقون من الإسلام نفسه ومن نهج الإسلام وتاريخ الإسلام عندما يؤكّدون الحفاظ على حقوق كل فرد وكل فئة، دون استثناء، وعندما يؤكّدون نهج التعددية، والدولة المدنية بمرجعية للقيم الأخلاقية والإنسانية الكبرى، يرتضيها الشعب وليس فئة من الفئات السياسية.. ولا ينطلقون في الدعوة إلى ذلك، منطلقا إقصائيا، كما يصنع العلمانيون الإقصائيون، عندما يعتبرون الديمقراطية المطلوبة هي الديمقراطية العلمانية فقط، والتي لا يجدون فيها متسعا.. إلاّ لأنفسهم!.

. . .

كلا!..

إن الإسلام هو الذي صنع تاريخيا وحضاريا أمة تتعدد فيها القبائل والأقوام والأعراق لتتعارف على أساس التنوّع والتكامل، كما صنع لُحْمةً وطنية على مستوى كل قطر من الأقطار، ومن ذلك سورية، بين المسلم وغير المسلم، بين السني والعلوي والدرزي والاسماعيلي وغيرهم، كما تشهد الثورات على الاستعمار، والثورات على الاستبداد، وتشهد الثورة الشعبية البطولية السورية الجامعة للجميع في الوقت الحاضر.. وإنّ كلّ من يحاول تشويه هذه الصورة الجامعة الشاملة مستغلا حرص هذه الأطياف الشعبية جميعا، على تجنّب شعارات تؤذي العلمانيين على قلّتهم، لا يمثل الشعب ولا ثورة الشعب ولا سورية المستقبل، وإنّما يمثل نهجا إقصائيا مستنسخا عن نهج الحكم الاستبدادي الإقصائي القائم حاليا، ولقد اندلعت الثورة الشعبية لإنهاء الاستبداد.. ولإنهاء نهج الإقصاء في وقت واحد.

لن يجرّ الأصوليون العلمانيون ثورة شعب سورية الجامعة، ولن يجرّوا شبابها الواعي وقياداته الواعية، ولن يجرّوا الجموع الهادرة في كل ساحة وميدان ومسجد، إلى معارك جانبية، تغدر بدماء الشهداء وآلام الضحايا، وإلى الغدر بالثورة الشعبية البطولية في سورية التي لا تحتمل "معارك جانبية" مستمدّة من حقبة الصراع العلماني-الإسلامي خلال العقود الماضية.

. . .

إن تنسيق قوى المعارضة يستحيل تحقيقه وفق لون واحد.. وتجريم كل لون آخر.

إن تنسيق قوى المعارضة لا يتم من خلال القفز على الداخل وقيادات الثورة فيه من خارج سورية.

هذا في مقدمة ما سبّب الضعف والإخفاق في معظم المؤتمرات والمبادرات الماضية، ولن يكون نصيب المزيد منها بمثل هذه النواقص والانحرافات، إلا الضعف والإخفاق.

الإقصاء ومن ينهج نهج الإقصاء -علمانيا كان وهو الغالب حاليا أو إسلاميا- في وادٍ وثورة شعب سورية في وادٍ آخر، ووادي الإقصاء هو بالذات الأقرب إلى النظام المتهالك، وإلى ما حاول -دون جدوى- إثارته من فتن بين أطياف الشعب الواحد.

الإقصاء ومن ينهج نهج الإقصاء -علمانيا كان وهو الغالب حاليا أو إسلاميا- هو الذي يساهم في إطالة فترة الثورة ويطيل البقية الباقية من عمر النظام الاستبدادي القمعي الفاسد المتهالك، ويضاعف من قدرته على الإمعان في البطش والتقتيل والتنكيل، ولأنه يمارس الإقصاء فهو الأضعف في ساحة الثورة وفي مستقبل سورية، وهو بذلك الأقرب إلى الاستقواء بالأجنبي.. لا سيما وأنه يعلم أن الأجنبي المقصود علماني، يتمنّى أن يتمكن من جديد من زراعة ركائز علمانية في الأرض العربية بعد ثورات الربيع العربي، فهذا ما يعمل من أجله في ليبيا بقوة السلاح، وفي اليمن بأساليب المراوغة، وفي مصر بالهروب من تحكيم الإرادة الشعبية في صياغة الدستور، وفي سورية أيضا.. متباطئا مرواغا بانتظار أن يشكل العلمانيون "كتلة علمانية" يطلقون عليها تنسيق قوى المعارضة، ليتحرّك معها، بعيدا عن إرادة الشعب، وإرادة الثوار، وواقع ما تشهده سورية هذه الأيام.

وسيتمسّك الإسلاميون -وإن كانت لبعضهم أخطاء فالأخطاء مرفوضة.. وليس المرفوض هو الإسلام ونهج الإسلام في الحياة والحكم- بالاحتكام إلى إرادة الشعب، وبتجنّب الانزلاق إلى معارك جانبية تلحق الضرر بالثورة الشعبية البطولية.

إن الإرادة الشعبية وحدها.. هي الحكم بين القوى السياسية المعارضة حاليا، المتنافسة في سورية المستقبل.

ولا يخشى من تحكيم الإرادة الشعبية إلا من يدرك أن ضعف وجوده شعبيا، لا يمكن تجاوزه إلا بأساليب التسلّط، بعيدا عن تحكيم الإرادة الشعبية.

والدعوة موجّهة إلى الأصوليين العلمانيين الإقصائيين، أن يرجعوا الآن عن ممارسة نهج الإقصاء، فهم بذلك لا يقصون إلاّ أنفسهم، وهم المعرّضون بذلك لخسارة القليل ممّا قد يتمتّعون به من تأييد شعبي جزئي يسمح لهم بوجود سياسي ما في نطاق حكم تعددي، أما محاولة الهيمنة من وراء إرادة الشعب، فهي مرفوضة.. مرفوضة.. مرفوضة.. مثل هيمنة الاستبداد العلماني الإقصائي المنحرف، الذي عرفته سورية عبر خمسة عقود.. وهو ما يثور الشعب عليه الآن، ويثور أيضا على كل من ينهج النهج ذاته بمسميات أخرى.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ