ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 31/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لنجعلْ من رمضان هذا العام شيئاً مختلفاً ومتميزاً

علي صدر الدين البيانوني – أبو أنس*

ها هو ذا شهرُ رمضان، يُطِلّ علينا من جديدٍ هذا العام، وها هي ذي بشائرُه تلوحُ في الأفق، تدعونا إلى التهيّؤ لاستقباله، والتعرّض لنفحاته، في وقتٍ يخوضُ فيه أهلنا في سورية الحبيبة، معركةَ الحرية والكرامة، ضدّ الظلم والتسلّط والاستبداد، ويواجهُ فيه شعبنا نظاماً من أشدّ الأنظمة ظلماً وعتوّاً ووحشيةً وإجراما، ويتعرّضُ لأبشع الجرائم والاعتداءات، بعد أن صبرَ عدة عقود، تحت نير الذلّ والاستعباد، دون أن يرضخ أو يذلّ أو يستكين، حتى ظنّ الطغاة الفاسدون أنهم قد تمكّنوا منه، وأنهم قتلوا فيه روح العزة والنخوة والكرامة..

لذلك فإن رمضان الذي نستقبله هذا العام، سيكون مختلفاً ومتميّزاً، فهو إضافةً إلى كونه مضماراً للتسابق في ميادين التربية الروحية والعملية، سيكون أيضاً ميداناً للتنافس في الدعم والمساندة لثورة أهلنا السلمية، المطالبة بالحرية والعزة والكرامة.

وكما أن رمضان هو شهر الصيام والقيام والقرآن.. كذلك فإنه شهر الجهاد والانتصارات العظيمة. والجهاد ذروة سنام الإسلام، وإنّ أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر، وسيّد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائر، فأمره ونهاه، فقتله.

فما أحرانا - ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم - أن نذكرَ إخوتَنا وأبناءنا الأبطال الثائرين في بلدنا الحبيب، من الشباب والشيوخ والنساء والفتيان، الذين يتصدّوْن بمظاهراتهم السلمية، وصدورهم العارية، لبطش الطغاة المتسلّطين.. فمنهم من قضى نحبه ومضى شهيداً إلى ربه، ومنهم من تغصّ بهم زنازين الطغاة، يقاسون الأهوال من بطش الجلاّدين وتعذيبهم، ومنهم من اضطر إلى الهجرة والنزوح، ومنهم من لا يزالون يواجهون أبشع أنواع القمع والتنكيل، على طريق الحرية والكرامة، وما بدّلوا تبديلا..

وإن من حقّ هؤلاء الأبطال علينا أن نشاركهم ثورتهم، ونقوم بواجبنا تجاههم، نساندهم، ونشدّ من أزرهم، ونرعى أسرهم، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضا، والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. فهؤلاء الأبطال يدافعون عن الشعب السوري كله، لاسترداد حريته المسلوبة، وكرامته المهدورة، وحقوقه المنتهكة، يحملون هموم الملايين ومعاناتهم، داخلَ الوطن الحبيب وخارجَه، وإنّ العملَ لنصرتهم واجبٌ شرعيّ ووطنيّ وإنسانيّ، يقتضي منا جميعاً بذلَ الجهود، واستنهاضَ الهمم، واستنفارَ الطاقات، ورصّ الصفوف، وتنسيقَ الجهود، لنسهمَ جميعاً في نصرتهم ودعمهم ومساندتهم..

إن ما تشهده المدن والبلدات والقرى في كلّ مكان من بلدنا الحبيب، من تظاهرات سلمية، واحتجاجات تطالب بالحرية، وما يواجهه هؤلاء المتظاهرون والمحتجّون، من بطشٍ وقمعٍ وتنكيلٍ وتقتيل.. يوجبُ على كلّ واحدٍ منا، أن يتحمّلّ مسئوليتَه، ويأخذَ دوره في المشاركة والدعم والنصرة والمساندة، فهذا هو واجب الوقت، لنكون حقاً كالجسد الواحد، والبنيان المرصوص، فالمسئوليةُ كبيرة، والأمانةُ ثقيلة، وفي مقابل ذلك جنةٌ عرضُها السماواتُ والأرض، ومغفرةٌ من الله ورضوان.. ونحن في شهرٍ تُضاعَفُ فيه الأعمالُ والحسنات..

 وحتى نقوم ببعض الواجب تجاه أهلنا وبلدنا في هذا الشهر الكريم.. لا بدّ أن نعقد النيةَ والعزم، على مشاركة إخواننا الثائرين ثورتهم السلمية المباركة، وأن نؤازرَهم ونساندَهم بما نستطيع، من دعمٍ مادّي ومعنويّ، وسياسيّ وإعلاميّ وإغاثيّ، وأن نضرعَ إلى الله عز وجلّ بالدعاء، أن ينصرَهم ويسدّدَهم ويحفظَهم، وأن يرحمَ شهداءهم، ويشفيَ جرحاهم، ويفرّجَ عن أسراهم.. فرمضان شهر الضراعة والدعاء، وإن للصائم عندَ فطره لدعوةٌ ما تردّ.

رمضان شهر الصيام، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه، وحقيقة الصيام لا تقتصرُ على الامتناع عن الطعام والشراب، فربّ صائمٍ ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش، ومن لم يدَعْ قول الزور والعملَ به، فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه.

ورمضان شهر القيام، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه. ولقد كان قيامُ الليل - وما يزالُ - شعارَ الصالحين من هذه الأمة، وصلاةُ التراويح وصلاةُ التهجّد، من الخير الذي ينبغي أن لا يفوتَنا في هذه الليالي النضِرات.

ورمضان شهر التقوى، وأولُ أمرِ التقوى في رمضان، أنْ نجعلَ منه محطّةً للتوبة.. والتوبةُ بكاءٌ على خطيئة، وندمٌ على ذنب، وإقلاعٌ عنه، وعزيمةٌ صادقةٌ على أن لا نعودَ إليه.

ورمضان شهر القرآن، فلنعشْ مع القرآن في هذا الشهر الكريم، نتدبّرُ آياته، ونقفُ عند حدوده، ونتعهّد أهلينا وأبناءَنا وبناتِنا بقراءته وفهمه، فهو مأدبةُ الله التي مدّها بين أيدينا عبْرَ الزمان.

 ورمضانُ شهرُ الصبر، والصبرُ جزاؤه الجنة، والصبرُ الجميلُ هو الصبرُ الإيجابيّ الفاعل، فالمسلمُ أعظمُ من أن يقعدَ حائراً بائراً، لا يقدّمُ ولا يؤخّر، ينتظرُ ما يُفعَل به، وإنّ مغالبةَ الأقدارِ بالأقدار، والفرارَ من قضاءِ اللهِ وقدَرِه، إلى قضاءِ اللهِ وقدَرِه.. هي حقيقةُ الإيمانِ التي يجبُ أن تنتعِشَ في قلوبنا في شهرِ رمضانَ الكريم.

ورمضانُ شهرُ الجودِ والبذل، وكانَ سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضان.. وإنها لدعوةٌ إلى البذلِ والعطاءِ، في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها أهلنا في سورية الحبيبة، وما أكثرَ وجوه الإنفاق في مثل هذه الظروف.!

ورمضانُ شهرُ الدعاء، والدعاءُ مُخّ العبادة.. وما أحوجَنا في هذه الأيام العصيبة إلى الضراعة والدعاء، فلندْعُ اللهَ ونحنُ موقنون بالإجابة، أن يكشفَ الكرب، ويفرّجَ الغمّة، وأن يعزمَ لهذه الأمة أمرَ رشد، يعزّ فيه أهل طاعته، ويذلّ فيه أهل معصيته، ويؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر..

 أيّها الثائرون الأحرار في سورية الحبيبة.. إنّ مطالبتكم بالحرّية والكرامة جزء لا يتجزّأ من عبوديّتكم لله، فمن تحقّق بصدق العبوديّة لله، أبَتْ نفسه الذلّ والهوانَ لأيّ طاغوت، فالتحرّر من الطواغيت، مطلبٌ شرعيّ، فمن يكفرْ بالطاغوت، ويؤمنْ بالله، فقد استمسكَ بالعروة الوثقى.. فأخلصوا نيّاتكم لله، وامضوا في طريقكم، ثابتين على الحق، لا يضرّكم من خالفكم أو خذلكم، حتى يأتيَ نصر الله، وتحقّقوا لشعبكم آماله في الحرية والعزة والكرامة.. وما ذلك على الله بعزيز، وما هو عنكم - بإذن الله - ببعيد.

أما أنتم يا أهلنا وأحبابنا المتردّدين.. إلى متى تبقَوْن متفرّجين صامتين غيرَ مبالين؟. لقد آن لنا أن نتحمّلَ مسئوليتنا، وننبذَ الخوفَ والتردّد، لنقفَ صفاً واحداً مرصوصاً مع إخواننا الثائرين، لإنقاذ الوطن، وإنهاء عهد الاستبداد والفساد، معتصمين بحبل الله جميعاً، متمسّكين بوحدتنا الوطنية، فقد أزِفَتْ ساعةُ الخلاص بإذن الله.. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون، وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون).

28 من شعبان 1432 الموافق 29 تموز 2011

________

*المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية

========================

الثورة السورية... وبشائرها المرتقبة

بقلم: حسن قاطرجي

hasank@itihad.org

قال الله عزّ وجلّ: ((ولمنْ انتصر بعدَ ظُلْمِه فأولئكَ ما عليهم من سبيل

إنّما السَّبيلُ على الذينَ يَظْلمونَ الناسَ ويَبْغونَ في الأرضِ بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم))

وقال صلى الله عليه وسلم: ((بشِّر هذه الأمّة بالسَّناء والرفعة والنصر)) رواه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح

لا شكّ أننا نعيش منذ أوائل هذا العام ربيعاً حقيقياًَ مُزهِراًَ مخضَّباً بالدماء والتضحيات طال انتظاره منذ أمدٍ بعيد وبعيدٍ جداً كانت شعوبنا الإسلامية تنتظر أثناءه مع الآلام واللهفة والأحلام الفرصة التاريخية التي كانت تحسبها بعيدة المنال بل بعيدةً جداً لتحقيق حُلُمِها... وذلك من جراء الظلم والفساد والعَفَن السياسي في بلادنا والتخلُّف المُتفشّي وحالة الرعب المُسيطرة على النفوس من إرهاب الطاغوت المُمسك بأزمّة الأمور في كثير من بلادنا العربية والإسلامية، ومن جرَّاء تغوُّل الأجهزة الأمنية التابعة لكل نظام وبطشها الهَمَجي وقمعها الوحشي... فتحولت شعوبُنا خوفاً ورَهَباً إلى ما يشبه القطيع المرعوب من الوحوش المفترسة! فصدقَتْ فينا ما أخبر عنه الإمام عليّ مما له حُكم الرفع: "ستكون فتن تموج موج البحر يصير فيها الناس كالبهائم" رواه الحافظُ ابن أبي شَيْبة في ((المصنَّف)) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وكان من أهم مشاهد فصول الثورات فصل الثورة السورية... المباركة إن شاء الله عزّ وجلّ... ولقد اكتسبت أهميةً قُصوى نظراً لخطورة الموقع السياسي والجغرافي لسوريا بالنسبة لبلاد الشام وبالنسبة لمستقبل الصراع مع العدوّ اليهودي على أرض فلسطين، ونظراً لما كان متوهَّماً من استحالة توقُّع هذه الثورة في سوريا بالذات على المدى المنظور: إنْ كان من قِبَل المقهورين أو دعاة التغيير لما يعرفونه من طبيعة النظام الأمنية القاسية وصعوبة التحرك في ظل قبضته البوليسية، أو كان من قِبَل النظام المغرور نفسه لما كان يتوهّمه بصَلَف من أن أمور البلاد مستقرّة له.

ولكن الله غالبٌ على أمره... وقَدَرُه هو النافذ... سبحانه وتعالى.

فانطلقت الثورة بإصرار وبسالة وهذا من أهم وأروع التحوّلات التي أنجزتها في الشعب السوري بمُجمله وليس بثواره فحسب، ممّا شكّل أيضاً أرضية خِصْبة للتحولات الأخرى التي نتوق إليها والتي ستكون أولى أبرز ثمرات هذه الثورة الشعبية العارمة بإذن الله سبحانه، أذكر من أهمها:

1. تحرُّر الشعب السوري من عقدة الرعب والخوف، وهذا التحرُّر هو المنطلق لكل أداء حضاري متألِّق لأي شعب، خاصة أن سوريا هي سُرّة بلاد الشام، وهذه البلاد المباركة خَيْريّتها مرآةُ خيريةِ الأمة بأكملها، والعكسُ بالعكس، بدليل ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا فسد أهلُ الشام فلا خير فيكم" رواه الإمام أحمد والترمذي.

2. التنمية الشاملة إنسانياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لشعب تتالَتْ عليه عقود طويلة من الاحتلال الأجنبي البغيض ومن الانقلابات العسكرية المتتالية، ثم منذ خمسة عقود يُعاني من ظلم نظامه القمعي وقهره وطغيانه وخنقه للحريات وانسداد أُفُق أيّ إصلاح سياسي أو اجتماعي على يديه... مع حرب ضَروس على الإسلام الحقيقي المؤثّر الفاعل المحرِّر للإنسان والمُطلق لطاقاته والمحقّق لإنسانيّته وكرامته، ولدوره في الحياة وعزّته... الإسلام المُنزَل من عند الله الذي استبدلوا به إسلام أرباب الشعائر الباهتة والخاوية، وإسلام التذلُّل للطاغية والخنوعِ له والرغبة والرهبة منه، إنْ صح أن نسمِّيَه إسلاماً إذ دينُ الله بريء من ذلك.

3. التحوُّل الكبير والخطير المنتظر إن شاء الله في مسار الصراع مع الكيان الصهيوني الشرِّير، الذي يمثل البؤرة السرطانية الأخطر والألدّ والأخبث في جسد المنطقة الأهم من مناطق العالم الإسلامي. وحينئذ سيعرف العالم من هي دولة الممانعة بصدق: أهي الدولة العادلة الحرّة التي يتوق لها الشعب السوري ومِنْ ورائه كل المسلمين في العالَم؟ أم دولة المقاومة الصُّورية العنترية بالإعلام طبعاً أو باللَّعب بأوراق قوة الآخرين بعقلية انتهازية التي تُظهر عن طريق الخداع صورةَ دولة الممانعة ظاهراً، في الوقت الذي تؤدّي فيه الدور الوظيفي في المنطقة لحماية الكيان الصهيوني حقيقةً وباطناً.

4. فضح علماء السوء وكَهَنُوت السلطان، الذين أفسدوا الدين وأنتنوا الحياة وحوّلوا الإسلام إلى دينٍ لا يهفو إليه حُرّ ولا يبحث عنه عاقل... دين لا يُقاوم الظلم ولا ينكر المنكر ولا يواجه الطاغية... دين حُوّل الذين يَلْبَسون زِيَّه إلى طبقة لا يثق بها الناس ويعتبرونها مكرِّسة للعَفَن ومُقِرَّة للتخلُّف والعبودية للطاغية يُرغَب رضاه ويُرهَب بطشُه وأذاه، ويُلْهَث وراء فُتاتِهِ ودُنياه... لذا ما أروع انتفاضة هذا الشعب الحرّ بأهازيجه الرائعة: الموتُ ولا المذلّة... ثم صياغته المتقدمة الشجاعة لصرخات وهتافات تُعبّر عن مطالبه إلى أبعد حدّ، ولا يسعنا هنا إلا أن نرفع من مقامنا هذا في مؤتمرنا هذا دعواتٍ ضارعات إلى رب البريات نطلب فيها الرحمة وعظيم الثواب وأرفع المقامات لشهدائنا الأبرار وأبطالنا وأطفالنا، ولنسائنا الرائعات في بسالتهنّ وصبرهن وبطولاتهن، منهم من كثيرين خنساء سوريا والشهيدة طَلّ الملّوحي وأطفال درعا والأطفال حمزة الخطيب وثامر الشرعي وهاجر الخطيب والمجاهد بصوته وتحريضه وأهازيجه المُلْهِبة لأهل حَمَاة الأحرار: الشهيد إبراهيم قاشوش، رحمة الله عليه وجَعَل له الزُّلفى لديه.

وهذا التحول بالذات يحمّلنا نحن خاصة في هذا المؤتمر مسؤولية قيادة جيل جديد من العلماء وحَمَلة الدعوة الإسلامية لأنه مفتاح توجُّه الأمة كلها بصدق وإخلاص، وعزيمة وإصرار نحو دينها الذي أنزله الله لتؤدّي دورها الحضاري على أساس رسالته العظيمة ومن أجل تحقيق أهدافه الكبرى التي لخّصها الصحابي المغمور رِبْعي رضي الله عنه في جُمَلٍ ثلاث من أفصح عبارات العرب وأعمق دلالات الفِكْر مما لم ينجح أعظم الفلاسفة أن يأتي بمثل تأثيره وروعته ولو في مجلدات: (الله هو ابتعثنا: لنُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ولنُخرج من شاء من ضيق الدنيا إلى سَعَة الدنيا والآخرة، ولنخرج الناس من جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام).

لذا فإننا نناشد باسم هذا المؤتمر علماءَ المسلمين الربانيين الأحرار في بلادنا الإسلامية كلِّها أنْ يؤدّوا الأمانة التي حمّلهم إيّاها الله جلّ جلاله، وأن يكونوا طليعة المتصدّين للظلم والظالمين والمنكرين للمنكر والهادين للناس إلى رب الناس، ملك الناس، إله الناس، وأن يَنْفُضوا غُبار المذلّة ويخلعوا لبس النفاق والمهانة، وقد ضمّنت هذا النداء مقالاتي المتعددة التي كتبتها تترى في مجلة منبر الداعيات الإسلامية اللبنانية التي تصدرها جمعية الاتحاد الإسلامي التي واكبتْ الثورات طيلة أشهرها، وخاصّة فيما يتعلق بواجب العلماء المقالة الأخيرة (الثورات... ومسؤولية العلماء)، وأنوّه بالمواكبة الفكرية والتوعويّة والتحريضية للمفكر د. حاكم المطيري والكاتب الإسلامي د. عبد الكريم بكار وقد تعرّض في مقالتِه (سوريّة: علماؤها على هامشها) لوضع المشايخ في سورية، والأستاذ مجاهد ديرانية ود. حامد العلي والداعية د. أحمد خيري العمري وبالأخصّ مقالته الدقيقة الوصفيّة لواقع أداء المشايخ وأصنافهم المُعَنْونة (الثورة رَغْماً عن أنوفنا وليس بسببها).

أما إخوانُكم في لبنان أيها العلماء فقد أدّوْا جهداً نسأل الله تعالى أن يتقبَّله ويُلْهمهم المزيد، وهم يَعِدونكم بمناصرة إخوانهم الأبطال في سوريا بكل ما يستطيعون تقديمَه. وقد حَرَصوا على الرغم من الانقسام السياسي في لبنان بين قُوى موالية للنظام السوري ولها الآن الغَلَبة السياسية والنفوذ العسكري القويّ والقوى المرتَهنَة للإملاءات الأمريكية... حرصوا أن يكونوا مستقلين وأن يُثيروا قضية مناصرة الثورة السورية على منابر الجمعة وفي الاعتصامات والمظاهرات خاصّة في شمال لبنان، وفي لقاءات علمائية في طرابلس ثم بيروت ثم صيدا مع كل الصعوبات والمحاصرات التي أُحيطوا بها بشأن إفشال اللقاء العلمائي العام على مستوى كل لبنان الذي انعقد في بيروت حتى أُغلقت في وجوههم كل المساجد فكان منّا الإصرار أن يكون اللقاء ولو في الشارع في قلب بيروت وهو ما حصل بفضل الله وخذلانه للجبناء وللمتربصين، وقد تابعتم هذا الحَرَاك عبر الفضائيات. كما حرّكوا حملات إغاثية للاهتمام بشؤون النازحين والعائلات المهاجرة من سوريا إلى بعض المناطق على الحدود السورية اللبنانية في شمال لبنان... وكل ذلك جُهْد المُقِل ونستغفر الله من التقصير ونستعينه على المزيد. وهو واجبٌ نتشرّف به ونوقن أنه يجب علينا رفع مستوى المناصرة الإعلامية والإنسانية والحقوقية والسياسية والمالية للثورة السورية وهو واجبنا في لبنان وواجب علماء الإسلام نحو كل الثورات الصادقة في كل البلدان رجاءَ أن يكون لنا نصيبٌ من ثواب تضحيات المخلصين الأحرار... وما ذلك على الله بعزيز.

نسأل الله أن يعجِّل الفَرَج لإخواننا المسلمين في سوريا والخلاص من محنة تسلّط هذا النظام وإجرامه، وأن يرحم الشهداء ويشفي الجرحى ويخلِّص المعتقلين المسجونين ويخفّف آلامهم. إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

==========================

جامعة الدول العربية والثورة الشعبية السورية .. ما مدى استيعاب أبعاد لحظة التغيير التاريخية؟

نبيل شبيب

إنّ مجرّد التساؤل عن دور إيجابي وفعال من جانب جهاز جامعة الدول العربية تجاه الثورات العربية عامة وثورة شعب سورية خاصة، يخرج بصاحبه من دائرة التوقعات الموضوعية إلى دائرة الأوهام. ولئن كانت هذه الثورات تمثل لحظة تاريخية فاصلة بين عصر عربي وآخر، فإن آخر من يمكن أن تصل إليه النتائج الإيجابية لذلك هو جامعة الدول العربية، ليس بسبب الجهاز والعاملين فيه، فهم موظفون، بل بسبب كونه جهازا تابعا للواقع العربي السياسي، واقع الدول والأنظمة القائمة، قبل الثورات، وعندما يتحقق التغيير الجذري القادم فيها، يتغير واقع جامعة الدول العربية تلقائيا.. ولا يمكن وقوع ذلك في اتجاه معاكس.

 

الناطق الإعلامي المقيد

جامعة الدول العربية منذ نشأت إلى اليوم عبارة عن "قاعة مؤتمرات" تجمع المسؤولين في الدول العربية، والأمينُ العام للجامعة مع كل ما يتبع له إداريا عبارة عن "ناطق إعلامي" وليس ناطقا سياسيا، سيان كان اسمه موسى أو العربي، فمنذ رحيل عبد الرحمن عزام عن هذا المنصب، مضى عهد تأثير الأمين العام بمواقفه سياسيا على مِن يعيّنونه بالتوافق ليتحدّث باسمهم، فإن اتفقوا تحدّث بلسان عربي فصيح، وإن اختلفوا تحدث بلسان عربي مراوغ، وإن كان في اتفاقهم ما يضرّ بقضايا مصيرية كما كان في قضية فلسطين مرارا، كان عليه اختيار الصياغة المناسبة، التبريرية، المدافعة عمّا يصنعون.. ومشكلته هذه مع نفسه وليس مع الشعوب، فهو مخيّر بين الاستقالة أو أن يتّبع ما يقولون دون "مشاكسة"، وإن لم يتفقوا كان عليه أن يتكلم كثيرا ولا يقول شيئا، وإن زلّ لسانه فقال شيئا يتناقض مع رؤية أحد الأطراف المختلفين، أصبح مستهدَفا من جانبه.

لم يكن باستطاعة "العربي" في زيارته الأخيرة لدمشق -التي ما يزال الحديث عنها يدور كما لو كانت حدثا مهما- أن يقول غير الذي قال، ولو تطوّر موقف الدول العربية في اتجاه خطير يستدعي التدخل الدولي مثلا، لامتنع عن الزيارة وقال مثل ما قال به عمرو موسى من قبل، عند استدعاء القوات الأطلسية عبر الأمم المتحدة للتدخل في ليبيا، وعندما صدر عنه تصريح بهذا الصدد، فيه شيء من النقد لاحقا، توالت المواقف السياسية من جانب الدول التي يمثلها أنّ عليه الالتزام بتمثيلها وليس بتمثيل نفسه، فليس الجهاز الذي يديره "مستقلا"!..

قد يقول المواطن العربي غاضبا: علام ترضى لنفسك أيها الأمين العام لجامعة الدول العربية بهذا الموقع؟.. ولكن الغضب لا يغير الواقع.. إنما ستغيّره الثورات العربية، التي تعبّر عن وعي شعبي رفيع، وتصميم شعبي حديدي، سيصنع بعون الله واقعا عربيا جديدا، رغم المقاومة التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية، فقد انتهى عصرها مع اللحظات الأولى لنشوب الحريق في جسد البوعزيزي.

 

لغة المواطن وحديث الموظف

لم تأخذ الثورة الشعبية في سورية إذنا من جامعة الدول العربية، ولا من أي جهة عربية أخرى، ولا يرتبط مجراها بمواقف الجامعة والدول الأعضاء فيها، بل بشعب سورية الثائر.

هذا بالذات ما يبيّن جوهر المشكلة في المرحلة الانتقالية الحالية بين عصرين، أو في اللحظة التاريخية الآنية للتغيير. إنّ انطلاقة الثورات، أو الربيع العربي -سيّان ما العنوان الذي سيدخل سجل التاريخ- أوجد معادلة جديدة:

- كان صانع القرار والحدث هو الإرادة السياسية الأجنبية وكانت الأداة إلى ذلك أنظمة محلية غالبا..

- صار صانع القرار والحدث هو الإرادة الشعبية الوطنية والعربية، وصار ما سواها في موقع الدفاع عن مواقعه المغتصبة من الإرادة الشعبية منذ عشرات السنين.

لا تتحوّل المعادلات التاريخية في حقبة التغيير إلى واقع جديد متكامل بين ليلة وضحاها، وهذا ما يشهد عليه مجرى الأحداث في تونس ومصر، في صيغة المرحلة الثانية من الثورة، وما تشهد عليه أحداث ليبيا، في صيغة مواجهة محتمة للقوى الدولية بعد الاستبداد المحلي للحيلولة دون إجهاض الثورة، وتشهد عليه أيضا أحداث اليمن وسورية، في صيغة متابعة الثورة والحيلولة دون الانحراف بمسارها.

لا يزال كثير ممّن يتابعون تفاصيل الأحداث والمواقف الرسمية ينطلقون من تأثير المعادلة الماضية رغم سقوطها، بحكم "الاعتياد عليها" لعدّة عقود، ويغفل كثير منهم مفعول المعادلة الجديدة التي تفرض نفسها، يوما بعد يوم، في بلد بعد بلد، مرحلة بعد مرحلة، وميدان بعد ميدان.

إذا تحدّث الموظف "العربي" من موقعه في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية عن قابلية إصلاح نظام مستبد فاسد عصيّ على الإصلاح -وهو لا يملك أصلا صنع شيء من أجل ذلك- فلا ينبغي الالتفات إلى حديثه بما يتجاوز حدود الإشفاق عليه، مقابل الاهتمام المفروض فرضا بحديث "المواطن العربي" الثائر في سورية وأخواتها وهو يصنع "التغيير" ولا يتحدّث عنه فحسب.

 

الثورة في سورية والنخب "الموظفة"

من أهمّ ما صنعته الثورة الشعبية في سورية، أنّها أضافت بعداً بالغ الأهمية في صناعة الواقع العربي الجديد، فمع انطلاقة ثورتي شعب تونس وشعب مصر تردّد كثيرا:

- هذه ثورة شعبية على الأنظمة المرتبطة بالغرب علنا..

ومع انطلاقة ثورة ليبيا وسرعة التدخل العسكري الأجنبي فيها نتيجة إجرام القمع الاستبدادي المطلق، واستغلال "الفرصة" من جانب الأنظمة المحلية، بدأ يتردّد أحيانا (وهو ما يتردد أيضا في مواكبة نوعية التعامل الإقليمي الخليجي والأمريكي مع ثورة شعب اليمن):

- هذه ثورة مضادة للانحراف بمسار الثورات العربية واستبقاء الارتباط التبعي بالغرب..

وبقيت الصورة مهتزة لدى من يواكبون الحدث بمنظور تسيطر عليه معايير مهترئة، رغم وضوح الصورة ونقائها عن طريق الشعوب الثائرة التي تصنع الحدث، والتي تعبّر عن نفسها بنفسها:

- هذه ثورات عربية ضد الاستبداد المحلي، وهي أيضا ضد الاستبداد الدولي وضدّ معادلة "الهيمنة والتبعية" الرابطة بينهما..

أمّا ثورة شعب سورية فأضافت إلى ذلك عنصرا بالغ الأهمية، مؤدّاه:

- حتى وإن كانت هذه المعادلة تتوارى وراء شعارات "المقاومة والممانعة" وتغتال المقاومة والممانعة معاً عبر اغتيال الإرادة الشعبية.

لا يخفى هذا المشهد في لحظة التغيير التاريخية الراهنة، عن القوى الإقليمية والدولية المتشبّثة بما قبل تلك اللحظة. ولأن هذه القوى تدرك كل الإدراك أن تحرير الإرادة الشعبية هو جوهر التغيير التاريخي الجاري والواصل إلى غايته حتما، فإن مواقفها من الثورة في سورية هي مواقف إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن بصيغة مختلفة عمّا كان في مصر مثلا.

في مصر بدأت فور غياب عامل المفاجأة المذهل، جهودُ إيجاد وضع بديل يحفظ لمعادلة "الهيمنة والتبعية" بعض التأثير على صناعة المستقبل..

وفي سورية بدأت من اللحظة الأولى جهود الحيلولة دون نشأة وضع بديل يلغي معادلة "الهيمنة والتبعية" المتوارية خلف شعارات المقاومة والممانعة بمعزل عن الإرادة الشعبية.

إن كلمة "الإصلاح" -وقد أصبح مستحيلا منذ زمن طويل- تعني رفض "إسقاط النظام".. سيان هل تأتي في صيغة تصريح على لسان الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية، أو تأتي في صيغة صمت رسمي عربي مذهول أمام صلابة الإرادة الشعبية الثائرة، أو تأتي في صيغة تنديد لفظي وإجراءات شكلية من جانب القوى الدولية.

الحصيلة واحدة، فالمطلوب هو بقاء المساومة مع محاولة لَجْم الثورة عند حدود إضعاف الطرف الحاكم المساوم فحسب، تحت تأثير الخشية من انتصار الإرادة الشعبية الذي يقضي على الهيمنة، والتبعية، والمساومة في وقت واحد.

بكل وضوح: لا لوم على الموظف "العربي" الناطق باسم الأنظمة العربية وجامعتها، فهو يؤدّي مهمته الوظيفية بغض النظر عن رفضها أو قبولها شعبيا، فليست الشعوب التي وظفته، وليس هو الناطق باسمها.

ولكن بكل وضوح أيضا: لا ينبغي لبعض من ينسبون أنفسهم إلى النخب، سيان ما هو انتماؤهم، ويزعمون أنهم "ناطقون" باسم الشعوب وليس باسم الأنظمة، أن يكون في مقالاتهم وحملاتهم وأنشطتهم ما يتطابق مع ما يقول به الموظف "العربي".

ليس هذا مطلوبا منهم من أجل الشعوب الثائرة، فهي ماضية على كل حال حتى الانتصار النهائي بتحقيق التغيير الجذري وترسيخه، ولكن من أجل أنفسهم.. فمن يصنع ما يصنعون، لا يمكن أن يكون إلا جزءا من واقع مرفوض يجري تغييره عبر الثورات الشعبية، وهذا التغيير شامل للأنظمة، والموظفين، وللأجهزة، كما أنه شامل للنخب التي تتطابق مواقفها مع مواقف الأنظمة والأجهزة وموظفيها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ