ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 17/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

حوار تحت الحصار !

محمد حسن فقيه*

لعل النظام السوري اقتنع أخيرا ولو مبدأيا – لسبب أو لآخر - أن القمع الوحشي الذي واجه به مظاهرات الإحتجاج في سورية المطالبة بداية الثورة بالحرية والكرامة والعدالة ليس حلا ناجعا ، بل قد ساهم في امتداد الحراك الشعبي أفقيا وعموديا كما ونوعا ، وانتشرت المظاهرات ليصل عددها إلى مئات المناطق في أيام الجمع وتغطي جميع محافظات ومدن وريف وبوادي سورية ، ويصل تعداد المتظاهرين الذين خرجوا يتحدون الموت بصدورهم العارية بالملايين ، كما كسبت هذه المظاهرات الرأي العام الشعبي العربي والإسلامي والعالمي ، ضد فاشية النظام ونهجه الاستبدادي وأسلوبه الهمجي في التصدي للمظاهرات السلمية ، المطالبة بتحريرها من نير الذل والعبودية ، ومعبرة عن توق الشعب إلى حياة كريمة يستشعر فيها المواطن انسانيته المصادرة ويسترد حقوقه المسلوبة .

ارتفعت الأصوات المنددة بجرائم النظام بسبب قمعه الوحشي ، ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم منادين بإسقاط النظام ، تزامنا مع ارتفاع وتيرة قمع النظام وأجهزته البوليسية وسقوط قوافل الشهداء تلو الشهداء وتهجير الآلاف إلى دول الجوار هروبا من انتقام النظام وأساليبه الوحشية من البطش الغاشم والعسف الظالم ، ضد المواطنين العزل من شباب ونساء وشيوخ وأطفال .

أطلق النظام عن طريق بعض أبواقه وأزلامه دعوة للحوار ، والحوار الجاد بشكل عام هو الوسيلة الحضارية والسلمية لحل النزاعات وإنهاء الخلافات ، وردم الهوات ومد الجسور بين النظام والمواطن أو بين الدولة والشعب ، على أن يكون هذا الحوار جادا وينطلق من مبادئ وطنية ، لا يوجه لخدمة طائفة او مصلحة شلة أو إنقاذ عصابة ، أويوظف لتثبيت كرسي مهزوز ، أو في مناورة للتسويق السياسي للخارج وكسب الوقت لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق ، أو يعمل على تجزئة المشاكل والمعوقات ومحاولة حل بعضها على حساب الأخرى، أو يتمخض هذا الحوار الصوري عن مسكنات ... لا بل مخدرات ، لا تعالج المرض بل تتركه يستشري ويستعظم كورم خبيث ، بعيدا عن الإعلام وعين الرقابة ، أو كجمر يتوهج تحت الرماد بهدف كسب الوقت ، إلى أن تحين الفرصة للإجهاز على الثورة وكتم أصوات الشرفاء المنادين بالإصلاح والحرية .

إن النظام الذي يريد حوار شعبه عليه أن يمهد الطريق أمام العوائق التي تعترض هذا الحوار، وأن يثبت حسن النية بمقدمات تسبق هذا الحوار أمام شعبه .

النظام الوطني لا يفكر في غالب ومغلوب ، لأن المحاور هم أبناء الوطن والمستفيد من هذا الحوار هو الوطن ، إلا في حالة كون النظام يعتبر المواطنين عبيدا في مزرعته التي ورثها من أبيه ، وسماها باسمه بعد أن سحق هؤلاء العبيد وصادر أملاكهم وطمس أسماءهم وعناوينهم وتاريخهم وحقيقتهم ، ويتعامل معهم كجراثيم وجرذان ! .

إن من متطلبات الحوار الناجح أن يعترف المحاور بحقوق خصمه الذي يحاوره ، ويقر به كشريك معه في المسؤولية والوطن ، دون أن يزاود عليه ، أو يدعي تفضله عليه بنثر بعض الفتات من صلاحياته الواسعة المطلقة ، ويمنّ بها عليه ، معتبرها تفضلا منه ومنة !

لا يمكن أن يبدأ الحوار بداية سليمة بين طرف أعزل بعيد عن السلطة ، وبين طرف مسؤول يشهر السلاح ويهدد به الطرف الأخر ، لإجباره على القبول بحلول ترقيعية ومعالجات جزئية ، يدعى بعدها النظام اكتساب الشرعية وتحقيق مطالب الشعب .

لا يمكن أن ينجز حوار ناجح في ظل حصار مفروض من طرف قوي ضد طرف أخر أعزل ولو كان يمثل غالبية الشعب ، مهما أوتي من قوة العزيمة ومضاء الإرادة .

إذا أراد النظام حل المشكلة بشكل حقيقي ، بحوار وطني جاد ، فعليه إيقاف آلة القمع والقتل والحصار والترويع والترهيب وسحب دباباته وعناصر أجهزته الأمنية وملحقاتها من العصابات المرتزقة كالشبيحة وأخواتها ، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ، والأهم من كل ذلك الحوار مع المعارضين الحقيقين الذين يمثلون أهداف المتظاهرين ويجسدون تطلعاتهم لحياة حياة حرة كريمة ، لا بين النظام ومن يصنعهم كمعارضين ولا يجدون لهم رصيدا بين الجماهير الثائرة ولا يمثلون أحدا خارج القاعة .

الحوار البناء يجب أن يكون بلا إستبعاد حزب أو إقصاء جماعة أو تخوين مجموعة ، بل يجب أن يكون الحوار مع شتى أطياف المعارضة الحقيقية مهما اختلفت مع النظام وكانت الهوة بينها وبين الظام شديدة والبون شاسعا ، فالحوار مع أنصاف المعارضين وأشباههم ... ومع أذناب النظام وصنائعه .. لن يحل الأزمة لا بل سيؤدي إلى تفاقم الأزمة واستعصاء حلولها والعودة بالأوضاع إلى المربع الأول .

إن الوقت يمر بسرعة وهو ليس في صالح النظام كما هوليس في صالح الوطن أيضا ، وإن محاولات الالتفاف على مطالب الشعب والتسويف لن ينجي النظام من فعلته ولن يخرجه معافى من أزمته .

 قد يكون الحل الجذري بإصلاح حقيقي مع حسن النوايا ومباشرة التنفيذ ممكنا اليوم ، ويجنب البلاد مزيدا من الخراب والدمار والنزيف ويساهم في حقن الدماء ، إلا أن المماطلة والتسويف ومواقف الضبابية والغموض والالتفاف على مطالب الجماهير ، قد يؤدي في المستقبل القريب بعدم الإكتفاء بالمطالبة بإسقاط النظام .... بل لا بد من محاكمة النظام وأركانه ... ومحاسبة المتخاذلين ... وجميع المطبلين معه .

إن الحوار الحقيقي لا يمكن أن يكون تحت ضغوط الحصار، وإن الإصلاح البناء لا يمكن أن ينفذ بقوة القمع والتهديد ... والسلاح .

فلا حواريمكن أن يتم تحت الحصار، ولا إصلاح يمكن أن يتم مع التهديد بالسلاح .

*كاتب سوري

=========================

مفاعيل الثورة السورية

جلال / عقاب يحيى*

 وصار أن حدثت الثورة السورية : المفاجأة، وامتدّ الزمان أشهراً، وسيل التضحيات لا يتوقف : شهداء بالمئات يمكن أن يصلوا الآلاف، وآلاف المعتقلين، والمهجّرين، وتصميم يخترق المعاناة ويمضغ صخر الواقع لتفتيته كي تستمر الثورة وتتصاعد، وكي تحقق الانتصار التاريخي الذي لم يك أحد يتخيّله، والذي يواجه كمّاً ثقيلاً من الأعباء، والمفاعيل ..

 لقد دمّر الاستبداد المنهّج الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأقام نمطاً منمّطاً يليق بمملكة الرعب التي أشادها عبر العقود، فحدثت فجوات كبيرة في بنى الوعي، والأدوات، والبدائل، وترنّحت المعارضة تحت وقع الضربات المتوالية، والحصار والاعتقال، والانقطاع بين الأجيال، والتهميش والتغييب.. فغابت  مقهورة  عن موقع الفعل المؤثر، وتفاعلت فيها جموع تلك الإشكاليات والوقائع لتولّد فيها عديد الأمراض والظواهر داخلها، وفيما بينها، وفي علاقتها بالمجتمع، وعلاقتها بالمستقبل والبديل، ودورها اللاحق عند حدوث المفاجأة ..

 الانتفاضة  الثورة وهي تفرض وقائعاً جديدة نوعية دعت الجميع للاندفاع نحوها : تأييداً، واستبشاراً، واحتضاناً، فمحاولات احتواء، وادعاء، ومحاولات اللحاق بوتيرتها، وبالواجب التاريخي الذي تمليه موجبات الانتماء والمبادئ، ومفردات الوقائع..

 ومع إقرار الأغلبية الساحقة من قوى المعارضة والناشطين بعدم نسب الفضل بقيام الثورة إليهم، أو ادعاء قيادتها، أو النيّة بالوصاية عليها، أو محاولات جرجرتها في هذا الاتجاه أو ذاك، أو صوب هذا الخيار أو غيره.. إلا أن واقع المعارضة : القديمة منها وتلك الحديثة، والمُحدثة، وكومة الناشطين ونجوم الفضائيات، وأعداد غفيرة من المتحمسين(خاصة في الخارج)، انعكس بأشكال كثيرة على مخاض الثورة، فكثرت المشاريع والمبادرات والاقتراحات وخرائط الطريق، والمؤتمرات، والإعلانات عن تشكيل هنا، واقتراحات حبلى هناك.. وكأنّ فوضى عارمة تختلط بقوة الحلم والاندفاع من جهة، لتعطيه ألواناً خلائطية يصعب فهمها، ومعرفة بعض خلفيات بعضها من جهة أخرى.. بينما تبدو القوى الحقيقية للثورة : الشباب الذي فجرها، والشباب الذي يقود، والشباب الذي يضحي في الميدان على الهامش، أو يُراد أن يكون ملحقاً، و"ديكوراً" على طاولة من يملكون الرؤى والبرامج والقدرات، والعلاقات، وربما : المشاريع الخاصة بهم .

 ******

 بالوقت نفسه فإن المخيال الذي يعاني اليأس، وإحباط العقود، وقلة الحيلة في فعل شيء مهم يليق بالثورة وتضحياتها وموقعها، يقوم بعملية هروبية إلى الأمام بوضع كل الأثقال، كل الأعباء، كل الآمال ، كل التفاؤل على شباب الثورة وقدراتهم ووعيهم، ووحدتهم، ودورهم....إلخ .

المخيال يخلط الوقائع المعروفة بالحلم لتوليد تصورات تتصف بالمبالغة، وترتدّ فرقعات يأسية لدى البعض، أو محاولة تحميل الشباب مسؤوليات تفوق الواقع والوقائع ..

 أغلبنا يتناسى عفوية الثورة فيذهب الخيال بعيداً إلى وجود تنظيم مكين مسبق كان يعدّ لها منذ أشهر لدن شباب متنور، واعٍ، يملك الرؤى، والتنظيم، والخبرة، ويعرف ما يريد بتكتيك من مستوى عالٍ، ويتعاطى مع أحدث وسائل التقنية والمعلوماتية، ولديه شبكة قوية من العلاقات....

نتناسى أن شعبنا، بما فيهم الشباب الذي يقود، قد نزعت منه السياسة بالقوة، وأُرشف طويلاً، وأن أجيالاً متعاقبة لا خبرة لديها بالعمل السياسي، وعديدها لا يعرف تهجية الحرية ومعانيها، وترجماتها وبنيانها وظروفها وآلياتها.. وبالوقت نفسه.. يُثبت الشباب مقدرات عالية في القيادة، وفي تكتيكات يوميات الثورة، ودقة شعاراتها، وملامح رؤى التغيير، والقادم، فيحدث الاختلاط . الاختلاط بين الحلم والواقع، والاختلاط بين الإمكانات في الميدان وبين الوهم فتكثر المبالغات، أو الانتقادات، وتزداد الأعباء على الشباب ونحن نحمّلهم ركام العقود، وأعباء خوض معركة من نوع الاستثناء، مع نظام قمة في الاستثناء والخبث والدموية..والعديد يتفرّج من واقع ترهله، أو برجه النخبوي العالي، أو التنظيري الذي أدمن، والبعض يسحب بكل ما يملك من قوة وعلاقات خارجية، وإمكانات مالية وغيرها لوضع الثورة في رفوف (حانوته) الخاص ..

 وإذا كانت النظرة المنصفة المجردة من الذات، والمصالح العصبوية، والحزبوية تعترف بهذا الدور الحيوي(الخارق  بكل ما يمثله الخارق هنا) لما أنجزه الشباب حتى الآن، ولما قدّموه لشعبهم وللقوى السياسية على أطباق شهية تدفعهم لخلق الحلم، والاندفاع في الهمّة، وتحمل المسؤولية، وهذا الحراك  المخاض العظيم، وما فعلوه في تهشيم هيبة، وبنية، وتركيبة، ومراوغات النظام.. فإن ذلك لا يخفي جملة المفاعيل الأخرى التي يجب رؤيتها، والتي يجب التركيز عليها في هذه الفترة الانتقالية الحرجة من مسار الثورة وآفاقها، وأخصّ منها :

1  ليس سهلاً الانتقال من العفوية إلى التنهيج، ومن الاندفاع إلى التفكير بالقادم، ومن التشتت إلى التنسيق، ومن التنسيق إلى التوحد، ومنه إلى التأطير، والقيادة، والبرمجة، وفرض الوجود .

 الأكيد هنا أن تصاعد الثورة كماً ونوعاً، وهذه الشجاعة الخارقة التي أظهرها شعبنا في مواجهة الموت وآلة الفتك، والتجويع، والتعذيب، والترهيب والتهديد، والتدجيل.. إنما فاجأ الشباب أنفسهم، فأملى عليهم السرعة والتسارع لمواكبة المفاجآت بأولوياتهم الوعيوية والتنظيمية، والتنسيقية العامة. وهذا غير كاف بالتأكيد، وبما أظهر عديد الفجوات والتناقضات، والاندفاعات غير المحسوبة، والتصريحات الاختلاطية المتفاوتة .

2  هؤلاء الشباب الذين تنضجهم الثورة بسرعة وتائرها.. تترك آثارها في نوع من البلبلة، وفي بروز فجوات هنا وهناك في التقدير، والموقف، ومنسوب التفاؤل، والتضارب، وهي لافحة بقوة وهجها، وبما يعنيه ذلك من تفاوت الوعي، والتأثر بذلك اللهيب القوي في تصريحات نارية، ومواقف حامية، ووعود غير واقعية.. بينما يسري نمو الوعي المطلوب في معادلة صعبة لإقامة التوازن بين الواقع والمطلوب، وبين المفردات والمجاميع، وبكل التحسّب أن تكون الوتائر غير متناسبة مع الممكن، ومع الموجبات اليومية والاستراتيجية . .

3  هناك مشارب واتجاهات سياسية وإديولوجية وفكرية متعددة، وقد تكون متعارضة، ومتناقضة بين عموم شباب الثورة، والتي لا بدّ أن تظهر صارخة، أو مبطّنة في كثير المظاهر، وعوامل الجذب بهذا الاتجاه أو ذاك، ومحاولات إصباغ لون معيّن، أو تغليب سياسة ما، ومواقف لهذا الفريق أو ذاك .

 وإذا كان الواضح عند الجميع  على العموم  أن المشتركات العامة هي القاسم الأعظم الذي يجب التحلّق والتمركز حوله، وهو هنا : الحرية كهدف، والحرية كبديل، والحرية كنظام لدولة مدنية ديمقراطية ..

وإذا كانت الأغلبية تعاف اللون السياسي المحدد، أو التعاطي بالسياسة، وتتسم مواقفها باليأس من الأحزاب المعارضة، وبإطلاق عديد الأحكام السلبية عليها..

فمن الواضح أن قيادة الثورة هي عمل سياسي من النوع الرفيع والخالص، وأنه دون وعي سياسي دقيق بطبيعة المعركة وتكتيكاتها ومراحلها والخصم والحليف، والداخلي والخارجي(ومليون عامل وقصة) يتخبّط الشباب وقد يقعون في مطبّات كبيرة وخطيرة . كما أن الحساسية من العمل المعارض، أو التوقف عند التقويمات السلبية لا تحمل الإيجاب على طول الخط، على العكس.. فمن واجب قيادات الثورة، وواجب الموقع الذي يُفرض عليهم أن يكونوا واسعي الصدر، رحبين، قادرين على التعاطي الإيجابي مع مفردات اللوحة السورية في جانبها المعارض، لأنها تخدمهم، ولأنه يجب استثمارها بما يليق بدعم الثورة وحشد كل الإمكانات لتصبّ فيها، وليس خارجها، أو في أقنية جانبية، وبديلة ... وهذا عبء ثقيل ليس من السهل على الشباب حمله دون مساعدة الجميع، ودون فتح الذهن والقلب على كل التموقعات والآراء، ومحاولات توظيفها في خدمة المسار العام، وعدم تحويلها إلى سلب . وهنا يجب تجنّب الأحادية السياسية، وأحادية الوصاية، والادعاء، وأحادية اللون الخاص، وأحادية القرار، وأحادية الانفراد .

4  لقد ولّدت البدايات العفوية، وشبه المنظمة(لاحقاً)، وذلك التباين في الرؤى والانتماء وجود عدد كبير من التنسيقيات في المدينة الواحدة، وأحياناً في المنطقة والقرية الواحدة. وطالما أن البدايات اعتمدت على المبادرات الفردية، وعلى اندفاع الشباب، ومقتضيات يوميات الثورة..فإن كثرة، وتعدد التنسيقيات بات في مرحلة لاحقة عبئاً جديداً يهدد بالتشتت والفرقة والتصارع والتباين، والتنافس الذي قد لا يكون موضوعياً، ولا لصالح تعزيز حراك الميدان، وتصليب الثورة.. وبما يستوجب السعي الدؤوب لوحدة التنسيقيات على صعيد القرية والمنطقة، فالمدينة، وان تتحوّل إلى فروع تابعة لتنسيقية واحدة على صعيد المدينة (المحافظة)، وهذا يتطلب غيرية كبيرة ترفض الأنا الذاتية، أو العصبوية الحزبية، وتنظر إلى الهدف العام الذي قد يضرّه أي فعل غير ناضج، وأية فرقعات واختلافات .

5  هذا الوضع ينسحب على مستوى القطر.. حيث تعددت التنسيقيات، وفي مرحلة لاحقة كثرت الأشكال الجمعوية لها، وبتنا نسمع عن أكثر من صيغة(اتحاد ولجان.. وما بينها)، كما تعدد وكثر الناطقون باسم التنسيقيات بحيث لم يعد يعرف عديد المراقبين المهتمين الحقيقة من الابتداع والاصطناع، وحقيقة التمثيل ومستواه .

 إن كل الموجبات، كل الضرورات، كل الأماني تستدعي العمل الحثيث من أجل وحدة التنسيقيات في إطار جامع.. وإن لم يكن ذلك ممكناً في الوقت الراهن، فعلى الأقل : إيجاد صيغة تنسيقية ما يكون من شأنها توحيد الرؤى والمواقف حول الهدف المركزي، والقضايا الرئيسة، تاركين التفاصيل مجالاً للتنوع والتباين الغنيين .

6  إن وحدة عمل التنسيقيات مقدمة لبلورة إطار سياسي جامع لها ليس شرطاً، ولا حكماً أن يكون على هيئة حزب سياسي، بل يمكن أن يتخذ منحى تيارياً، أو ائتلافياً، أو جبهوياً.. أو أي صيغة تسمح بتجسيد دور الشباب وتقدمهم الصفوف كقيادة حقيقية مسلحة ببرنامج شامل يكون البوصلة للجميع، وهو البرنامج الذي يجب أن يتناول الهدف المركزي، وصيغة الدولة البديل، والحياة السياسية القادمة، والتكتيك، ومواقع الحلفاء، ووسائل تجنيدهم خدمة للهدف المشترك.. كما يسمح ذلك بسرعة المبادرة في اتخاذ المواقف الضرورية التي تمليها التطورات في مجمل الأحداث الداخلية والخارجية، ومن مجمل الأنشطة والمبادرات، والاتجاهات .

7  إن التأكيد على الهوية الوطنية للثورة السورية باعتبارها ثورة الشعب كله، بما فيه الفئات الصامتة، وتلك التي لم تشارك حتى الآن، أو تلك الممتنعة والرافضة، وحتى المعارضة  لهذا السبب أو ذاك  إنما يعني رفض اللون الواحد، ورفض الطائفية، والمذهبية، والعرقية، ورفض صباغة الثورة بلون اديولوجي أو ديني أو قومي.. أو سواه، والتركيز على الحريات العامة، والوحدة الوطنية التي تغتني في التعددية والدولة المدنية الديمقراطية : اللادينية، اللاقومية، اللاإديولوجية ..

8  إن واجب القوى المعارضة : المنظمة وغيرها أن تقدم كل ما تستطيع من عون وخبرات وترشيد ونصح لشباب الثورة على قاعدة التكامل والمصير والهدف الواحد . كما أن من واجب الشباب أن يطلبوا دعم وخبرات من هم أكثر تجربة في العمل السياسي والفكري، وأن لا يضيقوا برأي هنا، أو شطط هناك، أو محاولة من هذا الطرف، أو تصريح من ذاك.. لأن من يقبض على جمر الإيمان في قلبه ويديه مطالب بأن يكون بموقع الأب والأم، والحضن الواسع القادر على التعامل مع كل تلاوين الوطن لتشكيل لوحته الجميلة ...

9  الأكيد أن إنجاز وحدة عمل التنسيقيات، وبلورة إطار لها، وطرح برنامجها للمرحلة.. سيقطع الطريق على جميع محاولات الركوب، والحرف، والتشويه، والاحتواء، والانتهاز، والاستعراض، بما في ذلك بعض المشاريع المشبوهة، والملغومة، ويفتح الطريق لأن تكون الموجّه، والقائد لجميع قوى المجتمع وفئاته، وأطيافه بتناغم يتحمّل ويستوعب كل التفاعلات، والتباينات، ووجهات النظر المتعددة ..

(( ملحوظة : منذ وقت ووضع التنسيقيات يدفعني للكتابة فيها، لكن مبادرات بعض الشباب في هذا المجال، وتفاعلي معهم.. كان المحرض لهذا المقال.. فالشكر لهم..))..

*كاتب وروائي  الجزائر

===========================

نداء إلى الثوار الأحرار والعلماء الأبرار في أرض الشام

بقلم / د . حاكم المطيري

الحمد لله وكفى وصل اللهم على النبي المصطفى وبعد..

فإلى أبطال الكرامة والحرية، وأحرار الثورة السورية، في أرض الرباط أرض الشام المبارك، ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)...

 

وقال أيضا كما في الحديث بإسناد صحيح (ستجدون أجنادا فعليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غدره، فان الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله)!

وفي رواية (عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده).

إلى أهل الشام.. الذين ما زال الله يصطفي لهم خيرة العرب، وخيرة أهل الإسلام، حتى غدا معدن خيارهم وأبرارهم، وما زالوا في جهاد مذ كانوا، يدفع الله بهم عن الأمة عدوها، حتى دارت الدائرة على الأمة وعليهم، منذ الحرب العالمية الأولى ومشروع سايكس بيكو الذي قسم أرض الشام أربع دويلات - كما فعل الاحتلال الأجنبي في جزيرة العرب والمغرب - وأقام فيها من يواليه منهم، فصار خمسون مليون من أهل الشام، في سوريا وفلسطين ولبنان والأردن، في ضعف وعوز وفرقة، ولم تعد لهم شوكة في أرضهم، ولا كلمة في شامهم!

 

أيها الثوار الأحرار في أرض الشام..

إنكم اليوم تستقبلون أياما لها ما وراءها من المجد لكم وللأمة معكم، فهي ملاحم كبرى ستغير وجه تاريخ المنطقة مرة أخرى، وأنتم أهل لها وأقدر عليها بإذن الله تعالى ..

على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتكبر في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم

يا أهل الشام إنكم اليوم في أشرف جهاد وأكرمه وأنتم تواجهون وحدكم الطاغوت وعصابته في ثورتكم الشعبية السلمية، حيث تمالأ عليكم العدو الداخلي والعدو الخارجي، فكانت ثورتكم ثورة إنسانية نبيلة كريمة، تماما كما كان صبركم على المحن صبرا جميلا كريما...

فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... ببؤس ونعمى والحوادث تفعل

فما لينت منا قناة صليبة .... ولا ذللتنا للذي ليس يجمل

ولكن رحلناها نفوسا كريمة ... تحمل ما لا يستطاع فتحمل

وقينا بحمد الله منا نفوسنا..فصحت لنا الأغراض والناس هزل

لقد جاءت ثورتكم، بعد عقود من الصبر الجميل على الطغيان والاستبداد الذي أستلب حريتكم، وطمس دينكم وهويتكم، وشرد أشرافكم، وسجن أحراركم، وقتل أبراركم، وقد صبرتم أربعة عقود حفاظا على الشام وسوريا إيمانا منكم بأن ليل الظلم مهما طال لا بد أن ينقشع، وأن الطاغوت مهما أستبد لا بد أن ينخلع، فآثرتم أمن سوريا ووحدتها واستقرارها على حقوقكم وحرياتكم، حتى بلغ الأمر حدا بات الشام كله في خطر داهم، حيث أن الصبر على النظام قد أودى بالإسلام، وأدى إلى ضياع الشام!

أيها الثوار الأحرار إن سر قوتكم هو في وحدتكم ووحدة صفكم، فلا تؤتوا من قبلها بدخول الطاغوت فيما بينكم بالمساومات، وشق صفكم بالصفقات لهذا الفريق أو ذاك، فهذا أول الفشل والوهن، وكما قال تعالى {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}!

وإن المحافظة على وحدة الشعب السوري بكل فئاته ومكوناته هي صمام الأمان لقطع الطريق على الفتنة الطائفية أو الدينية أو القومية بين مكونات الشعب الواحد، فهي ثورة الجميع ولصالح الجميع، فليس فيها أكثرية أو أقلية، بل شعب واحد، وهدف واحد، وقضية واحدة، الحرية للجميع، والعدل للجميع، والحقوق للجميع، في ظل حكم راشد، يختاره الشعب، ويسود فيه النظام والعدل، وتصان فيه الحقوق والحريات العامة والخاصة.

كما إن قوتكم في عدالة قضيتكم، وفي سلمية ثورتكم، فمهما حاول النظام جركم إلى الدائرة التي يرسمها ويحسن إدارتها فلا تمكنوه منها، إلا ما يضطر إليه الإنسان دفاعا عن دمه وعرضه وماله، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الشدة، وأن مع العسر يسرا!

 

أيها الشباب الثوار ..

لقد بلغ النظام آخر مراحله، وهو في النزع الأخير، فلا يغرنكم تظاهره برباطة جأشه، فما ثَمَّ إلا الضعف والخور والانهيار الداخلي، ولا بد من تطوير أداء الثورة بما يناسب هذه المرحلة، من خلال ما يلي :

أولا : الإعلان عن تشكيل جبهة إنقاذ وطنية تمثل كل مكونات الشعب وقواه السياسية ولجانه الشبابية التي تشارك في الثورة في الداخل والخارج لا يستثنى منها أحد أراد المشاركة فيها.

ثانيا : اختيار لجنة وطنية للثورة تمثل الجبهة وتكون ناطقا وممثلا شرعيا للشعب السوري وثورته الشعبية.

ثالثا : الإعلان عن عصيان مدني عام إلى أن يتم تغيير النظام.

أيها الشعب السوري العظيم إنكم في جهاد بل أشرف جهاد، فلا تلتفتوا إلى أضاليل المفتين، وأباطيل المفتونين، ممن باعوا دينهم للطاغوت بعرض من الدنيا قليل، كما جاء في الحديث الصحيح (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يمسي الرجل مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)!

فإن لم يكن جهادكم جهادا في سبيل الله وسبيل المستضعفين الذي قال الله فيه {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها}، حيث جعل الله الدفاع عن المستضعفين من الجهاد في سبيله..

وإن لم يكن جهادكم جهاد الطاغوت وحزبه الذي أوجبه الله بقوله {والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان}، وحذر من الرضا بحكم الطاغوت والتحاكم إليه فقال سبحانه {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}..

قال ابن جرير الطبري في تفسيره (الطاغوت كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء).

قال الأزهري في معاني الطاغوت (...والجبار العنيد، والظالم الذي لا يبالي ما أتى، يأكل الناس ويقهرهم، لا يثنيه تحرج ولا فرق)انتهى.

 

أقول إن لم يكن جهادكم هو هذا، فهو إذا جهاد أمراء السوء ممن جاء فيهم قوله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم (ثم تخلف من بعدهم خلوف أمراء يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن..).([1])

والمقصود باليد هنا القوة، وهذا لا يخالف فيه أحد من الأئمة بما فيهم أحمد بن حنبل الذي كان لا يرى الخروج بالسيف على أئمة المسلمين – على فرض أن النظام السوري له ولاية شرعية في نظر المفتين المفتونين - قال ابن رجب الحنبلي: (وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد، وقد استنكر أحمد هذا الحديث، وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نص على ذلك أحمد أيضا فقال: التغيير باليد وليس بالسيف والسلاح، فحينئذ فجهاد الأمراء باليد، أن يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل ذلك جائز، وليس هو من باب قتالهم ولا من الخروج عليهم).([2])

والمظاهرات السلمية تدخل قطعا في جهادهم باليد واللسان، دون السيف والقتال، لتغيير منكرهم، وإزالة باطلهم، ورفع ظلمهم عن الشعب كله، والأخذ على أيديهم، كما في الحديث (إذا رأت أمتي الظالم فلم تأخذ على يديه، أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده)، ولا شك بأن تخلي الأمة عن واجبها ومسئوليتها هو من أسباب تسلط الطغاة عليها، وهو العقاب الذي حذرها الله منه!

فإن لم يكن جهادكم من هذا الباب فهو على أقل الأحوال جهاد الدفع عن النفس والمال والعرض والدين، كما في الحديث الصحيح (من قاتل دون دمه فهو شهيد، ومن قاتل دون ماله فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد، ومن قاتل دون دينه فهو شهيد)، (ومن قاتل دون مظلمته فهو شهيد)، ولا شك بأن الشعب السوري ومنذ أربعة عقود ودمه مسفوح، وأمواله منهوبة، وكرامته مسلوبة، والدفع عن هذا كله مشروع والقتيل فيه شهيد بنص الحديث.

فأنتم في جميع الأحوال بين أعلى أنواع الجهاد وأشرف صور الشهادة وهو جهاد الطاغوت، والشهادة في سبيل الله والمستضعفين، أو أدنى أنواع الجهاد وأقرب صور الشهادة، وهو الجهاد دفاعا عن النفس والعرض والمال والأرض، والشهادة في سبيل ذلك!

أيها المجاهدون الأبرار، والمتظاهرون الأحرار، والشباب الثوار، في كل مدن الشام وقراه، إنكم لا تحتاجون إلى فتاوى المفتين في حق أبلج كضوء الشمس في رائعة النهار، وكما جاء في الحديث (استفت قلبك وإن أفتاك المفتون)، فقد لبيتم نداء الفطرة الإنسانية فضلا عن الفطرة الدينية التي توجب الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته ودينه وعرضه وماله ودمه، كما في الحديث الصحيح (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد)، وأنتم تدافعون اليوم عن ذلك كله بثورة سلمية لم تسفكوا فيها دما حراما، ولم تظلموا إنسانا، بل دماؤكم منذ أربعة عقود مهدورة، وحقوقكم مسلوبة، وأموالكم منهوبة، وأنتم صابرون على مواجهة جرائم الطاغوت بسلميتكم وتسامحكم وتساميكم على جراحكم حفاظا على بلدكم ونجاح ثورتكم، فهنيئا لكم المجد في الدنيا، والشهادة والخلود في الآخرة!

وأما ما صدر عن بعض أدعياء العلم في الشام من تجريم المظاهرات، أو الحكم على الشهداء بأنهم قتلى فتنة وجاهلية، وأن دياتهم على من غرر بهم، فهو كلام جاهل بأصول الدين وفروعه، وكما في الصحيح (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور العلماء، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوهم فضلوا وأضلوا)!

وقد فصلت أحكام الشهداء في مقال (الأحكام الفقهية لشهداء الثورة العربية)، وفي مقال (شهداء الثورة بين جرائم الطغاة وفتنة الدعاة)..

وقد نقلت فيهما اتفاق أهل العلم على أن المقتول ظلما شهيد، وإن اختلفوا هل هو كشهيد المعركة فلا يغسل ولا يصلى عليه، أم كشهيد الغريق والحريق، يحكم له بالشهادة إلا إنه يغسل ويصلى عليه..

هذا مع أن ما يجري اليوم في الشام حرب يشنها الطاغوت بكل أنواع الأسلحة على الشعب السوري المظلوم، فالقتيل فيها شهيد معركة بلا خلاف!

وأما ما يثيره بعضهم من شبهة أنه لا يقال عنهم شهداء احتجاجا بتبويب البخاري في صحيحجه (لا يقال فلان شهيد)، فقد أجاب عنه شراح الحديث، كالحافظ ابن حجر وغيره، بأن المقصود لا يقال ذلك على سبيل القطع له بالجنة، أما على سبيل الظن الظاهر والحكم الدنيوي فمشروع وجائز، كما تواترت به النصوص الأخرى، وما زال أهل الإسلام يسمون قتلاهم شهداء لا يغسلونهم ولا يصلون عليهم، لأنهم شهداء في الحكم الدنيوي، ويرجون لهم الجنة في الحكم الأخروي، فكل من أكرمه الله بسبب من أسباب الشهادة التي ثبتت بالنصوص الصحيحة، فإنه يطلق عليه وصف الشهادة، دون القطع له بالجنة، بل يحكم له بالشهادة الأخروية على سبيل الرجاء والظن الظاهر.

 

أيها العلماء المصلحون والفقهاء المجاهدون ..

إن الثورة هي أول خطوة على طريق الإصلاح والتغيير، وما بعد الثورة أبعد شقة، وأشد مشقة، وهو ما يحتاج منكم وأنتم لذلك أهل إلى رؤية علمية، وروية عملية، يكون فيها فقه المقاربات وفقه النوازل هو قطب الرحى في تحقيق الإصلاح على هدى الكتاب والسنة!

وإن الأمة كلها تتطلع اليوم فيما تتطلع إليه، بعد عقود من الفوضى والتيه، إلى بعث الإسلام واستئناف الحياة به من جديد، وهي في شوق لنور هداياته، كما قال تعالى {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}، وإلى عدله وقسطه {قل أمر ربي بالقسط}، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، وقال (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي)، وقال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور)..الخ

وربما حال دون مشاركة كثير من أهل العلم والصلاح في الثورة كونها لم ترفع شعار الإسلام، مع أنها لا تحتاج لذلك ما دامت الثورة مشروعة، وهي جهاد، وقتيلها شهيد، فالواجب على أهل العلم والفضل المشاركة فيها، والدعوة إلى ما يرونه من الحق والعدل الذي يؤمنون به، لا اعتزالها واعتزال الأمة في جهادها، ثم تمني قيادتها والاشتراط عليها، فإن لله سننا لا تتخلف، فالغنم بالغرم، ومن زرع حصد، ومن اعتزل قعد، وستمضي الأمة في طريقها، وستسلم أمرها لمن قادها نحو الخلاص ونحو الحرية، وقاتل معها وقاتل دونها..

فالواجب على علماء الشام ودعاته وأهل الصلاح والفضل القيام بالواجب الشرعي والجمع بين الجهاد وقيادة الأمة في مواجهة الطاغوت، والعلم بهدايات الكتاب والسنة في باب سياسة الأمة بالعدل والقسط، فإنه ما لم يكن هناك معرفة علمية عميقة بأصول الخطاب السياسي القرآني والنبوي والراشدي، فلا يمكن قيادة الأمة بهداية الكتاب ونور السنة، ولا يمكن تحقيق المقاربة بين الخطاب الإسلامي والواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي، الذي أفسده النظام فسادا ليس من السهل إصلاحه، إلا لمن أوتي فهما في أصول الخطاب السياسي الراشدي وكلياته ومقاصده، وفهما في الواقع السياسي ومشكلاته وتعقيداته، فمن أخذ الكتاب بقوة العلم، وتصدى للواقع بقوة الإرادة والحزم، كان أحرى بالتوفيق والسداد..

 

أيها العلماء الأخيار..

إن أسعد علماء هذا العصر حظا من أحيا سنن النبوة في الحكم وسياسة الأمة، وهو من التجديد في الدين، كما في الحديث (من أحيا سنة فله أجرها وأجر من عمل بها)، والمقصود أصلا بالسنة هنا سننه في الإمامة، وهي التي عطف عليها سنن الخلفاء الراشدين (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، وإياكم ومحدثات الأمور)، وهي المقصودة بحديث (يكون أمراء لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي) أي سننه في باب الحكم والإمامة، وهي تلك المحدثات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التحذير منها، كما في حديث (ثم يكون ملكا عضوضا ثم ملكا جبريا) (ثم يكون الطواغيت)، ثم بشر بعدها بعودتها خلافة على نهج النبوة!

 

أيها العلماء المصلحون..

إن الواجب على أهل العلم في هذه النوازل الدعوة إلى بعث الخطاب السياسي القرآني والنبوي والراشدي، وما جاء به من العدل والحرية والحق، والقسط والرحمة بالخلق، كما قال تعالى {قل أمر ربي بالقسط}، وقال {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}..

فالواجب معرفة القسط وإحياء سنن النبوة والحكم الراشد حسب الإمكان بالعلم بها وتعليمها، والدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، والتبشير بها وبعودتها من جديد، ثم عرضها على الأمة كمشروع سياسي للحكم الراشد، وقد اجتهدت في جمع تلك الأصول والسنن في كتاب (الحرية أو الطوفان)، وكتاب (تحرير الإنسان دراسة في أصول الخطاب القرآني والنبوي والراشدي)، وكتاب (الفرقان)، وكتاب (نحو وعي سياسي راشد)، ومقال (من الحكومة الراشدة إلى الخلافة الراشدة) وغيرها من الدراسات في هذا الباب..

ولا شك بأن العلم بسنن الرشد في باب الحكم وسياسة الأمة لن يكون كافيا وحده، ما لم يصبح ذلك مشروعا سياسيا يؤمن به ويحمله سياسيون محنكون، ومصلحون مخلصون، يعرفون الواقع والممكن لهم فيه، والسنن وأصولها وفروعها، والأحق منها بالتقديم، على نحو يجمع ولا يفرق، ويقيم ما أمكن من العدل، ويبطل ما أمكن من الجور، بحسب المقدور، فقد قطع الطاغوت شوطا في كل بلد في تغريب الأمة وتضليلها وإفساد واقعها، وقد قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لوالده الخليفة الراشد عمر – كما في رواية أحمد في الزهد بإسناد صحيح - (يا أبت ما يمنعك أن تمضي لما تريده من العدل؟ فوالله ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك! قال يا بني إني إنما أروض الناس رياضة الصعب، إني أريد أن أحيي الأمر من العدل فأؤخر ذلك حتى أخرج منه طمعا من طمع الدنيا، فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه).

وفي رواية المروزي في كتاب السنة (يا أمير المؤمنين ألا تمضي كتاب الله وسنة نبيه؟ والله ما أبالي أن تغلي بي وبك القدور! فقال له يا بني إني أروض الناس رياضة الصعب أخرج الباب من السنة فأضع الباب من الطمع! فإن نفروا للسنة سكنوا للطمع! ولو عمرت خمسن سنة لظننت أني لا أبلغ فيهم كل الذي أريد، فإن أعش أبلغ حاجتي، وإن مت فالله أعلم بنيتي).

وعند أبي نعيم في الحلية (يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك فقال: رأيت بدعة فلم تمتها، أو سنة لم تحيها؟ فقال: له يا بني أشيء حملتكه الرعية إلى، أم رأي رأيته من قبل نفسك؟ قال: لا والله ولكن رأي رأيته من قبل نفسي، وعرفت أنك مسئول فما أنت قائل؟ فقال له أبوه: رحمك الله وجزاك من ولد خيرا، فوالله إني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير! يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة وعروة عروة، ومتى ما أريد مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقا تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون من أن يهراق في سبي محجمة من دم، أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيى فيه سنة، حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين).

وفي رواية أخرى عند أبي نعيم في الحلية قال له (ما يمنعك أن تنفذ لرأيك في هذا الأمر؟ فوالله ما كنت أبالي أن تغلى بي وبك القدور في إنفاذ الأمر! فقال عمر إني أروض الناس رياضة الصعب، فان أبقاني الله مضيت لرأيي، وإن عجلت علي منيتي فقد علم الله نيتي، إني أخاف إن بادهت الناس بالتي تقول أن يلجئوني إلى السيف، ولا خير في خير لا يجيء إلا بالسيف).

 

فهذا ما قاله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في القرن الثاني، في شأن إحياء سنن العدل والرشد في الحكم وسياسة الأمة، وإبطال البدعة والجور في هذا الباب، فكيف بأحوال الأمة اليوم!

ولهذا فالواجب الإصلاح السياسي بحسب الإمكان، كما في قول النبي شعيب {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت}، قال الشيخ السعدي في تفسيره لها، والفوائد التي تستفاد منها (ومنها‏:‏ أن وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم، إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان، فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها، أو بتحصيل ما يقدر عليه منها، وبدفع المفاسد وتقليلها، ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة‏، وحقيقة المصلحة، هي التي تصلح بها أحوال العباد، وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية‏، ومنها‏:‏ أن من قام بما يقدر عليه من الإصلاح، لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ما لا يقدر عليه، فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه، وفي غيره، ما يقدر عليه) انتهى كلام السعدي.

 

ولهذا لم يتوقف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم وهم في مكة عن الدعوة إلى كل عدل وخير وبر، ومن ذلك قصة الأراشي - كما في السيرة - وكان رجلا غريبا عن مكة، وكان له عند أبي جهل حق، وقد رفض أبو جهل أن يرد عليه حقه، فجاء يشتكي لقريش فأشاروا عليه أن يذهب للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاءه مشى معه صلى الله عليه وسلم حتى ضرب باب دار أبي جهل وهو (فرعون هذه الأمة) كما في الحديث، وقال له أعط الرجل حقه! فارتعد منه أبو جهل ودفع إليه حقه!

فلم يتوقف النبي صلى الله عليه وسلم عن الدفاع عن المظلوم وإقامة العدل، بدعوى أنه في مكة، ولا شوكة له فيها، أو أنه لا بد من حكومة إسلامية، أو أن الطاغية لا يؤمر بإصلاح، ولا ينهى عن فساد حتى يؤمن!

وكذا قال صلى الله عليه وسلم (شهدت في بيت عبد الله بن جدعان حلفا - وكان على نصرة المظلوم - لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت)!

وهذا يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل على التزامه بهذا الحلف وهو في مكة قبل قيام الدولة الإسلامية، وكذا في المدينة بعد قيامها.

 

والمقصود أن الأمة لا تتعطل عن الإصلاح في كل مجال، وفي كل بلد، حسب استطاعتها، فتدعو إلى العدل، وتأخذ على يد الظالم، وتسعى لتحقيق المساواة، وإصلاح شئون حياتها..الخ.

فأعظم الإصلاح وأفضل المصلحين من عمل من أجل إقامة (الخلافة الراشدة) في الأمة كلها، ثم من عمل من أجل إقامة (الحكومة الراشدة) في أي بلد من بلدان المسلمين، ثم من تصدى لتحقيق أي إصلاح ولو جزئي، في أي بلد إسلامي بأي وسيلة مشروعة تحقق الإصلاح سلمية كانت أو ثورية، دستورية كانت أو جماهيرية، بحسب الظرف المحيط به.

ولا يقتصر ذلك الإصلاح على الأمة في دار الإسلام، بل وحتى في غير دار الإسلام، فللمسلمين في كل بلد، أن يدعوا إلى الإصلاح والعدل والخير والبر، والاستعانة بأقوامهم وعصائبهم وتجمعاتهم على تحقيق الإصلاح، كما قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسير قوله {ولولا رهطك لرجمناك} وأنه يجوز للمسلمين في غير دار الإسلام أن يؤيدوا قومهم في إقامة أنظمة الحكم الجمهورية الديمقراطية، لما يتحقق لهم فيها من عدل وصلاح، بخلاف أنظمة الحكم المستبدة الدكتاتورية!

 

قال السعدي في تفسيره (ومنها‏:‏ أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة، قد يعلمون بعضها‏,‏ وقد لا يعلمون شيئا منها، وربما دفع عنهم، بسبب قبيلتهم، أو أهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين، لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك، لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان‏، فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها، وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم‏، نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين، وهم الحكام، فهو المتعين، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة) انتهى كلام السعدي.

وهذا هو السبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالهجرة للحبشة - ولم تكن دار إسلام بل كانت دار سلم وأمن - لما فيها من عدل!

والمقصود أنه إن استطاع المسلمون في بلدانهم إقامة العدل والقسط الذي جاء به الإسلام في ظل خلافة راشدة وأمة واحدة، فهذا هو الأصل الذي يجب على الأمة السعي من أجل إقامته، وهو الذي بشر بعودته النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يستطيعوا في هذا العصر إلا إقامة حكومات راشدة في أقطارهم الوطنية، أو في بعض بلدانهم، فهذا هو الواجب على من استطاع ذلك منهم في تلك الأقطار، كما في الحديث الصحيح (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم).

 

فإن لم يقدروا لا على خلافة راشدة عامة، ولا على حكومة راشدة خاصة، بسبب ضعفهم وعجزهم، وقوة عدوهم، واستطاعوا مع غيرهم من أقوامهم إقامة ما يمكن من العدل والقسط في ظل حكومة عادلة، فهذا هو الواجب في حقهم، كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 6/322 (فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى : الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة)!

 

وقال أيضا في 6/340 (وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم – أي المعاصي والفجور - أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة! ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم) فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفورا له مرحوما في الآخرة، وذلك أن العدل نظام كل شيء؛ فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة).

ولهذا لم يشكل على علماء الأمة في أوائل القرن الماضي ضرورة الإصلاح بكل وسيلة مشروعة، حتى بعد سقوط الخلافة والحكم الإسلامي، وقيام الدول القطرية بدساتيرها الحديثة، وفرقوا بين الدساتير التي هي عقود تجري علها أحكام العقود بجوازها، وبطلان الشروط الفاسدة منها، والقوانين الوضعية التي تخالف أحكام الشريعة لكونها أحكاما يلتزم بها القضاة فيحرم العمل بها، وقد كان العلامة القاضي الشرعي والمحدث المجتهد الشيخ المصري أحمد شاكر السلفي من أوائل فقهاء الأمة الذين أدركوا الفرق بين الدستور والقانون، وأجاز العمل السياسي البرلماني لتحقيق الإصلاح، حيث يقول عن القوانين الوضعية التي تصادم أحكام الشريعة (القضاء في الأعراض والأموال والدماء بقانون يخالف شريعة الإسلام، وإلزام أهل الإسلام بالاحتكام إلى غير حكم الله، هذا كفر لا يشك فيه أحد من أهل القبلة)![3]

بينما يقول في رسالته (الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر التشريع في مصر) - التي كانت في الأصل محاضرات ألقاها على رجال القانون في مصر في أربعينيات القرن الميلادي الماضي - (سيكون السبيل إلى ما نبغي من نصر الشريعة السبيل الدستوري السلمي، أن نبث في الأمة دعوتنا، ونجاهد فيها ونجاهر بها، ثم نصاولكم عليها في الانتخاب، ونحتكم فيها إلى الأمة، فإذا وثقت الأمة بنا، ورضيت عن دعوتنا، واختارت أن تحكم بشريعتها، طاعة لربها، وأرسلت منا نوابها للبرلمان، فسيكون سبيلنا وإياكم أن ترضوا بما يقضي به الدستور، فتلقوا إلينا مقاليد الحكم كما تفعل كل الأحزاب، ثم نفي لقومنا بما وعدناهم به من جعل القوانين كلها مستمدة من الكتاب والسنة..).[4]

فهنا يفرق الشيخ بين التحاكم إلى القوانين الوضعية التي هي كفر بواح وردة جامحة، وقد نص على ذلك في كثير من مؤلفاته، وفي المقابل يدعو إلى الالتزام بالدستور، والاحتكام إلى الشعب المصري، والإصلاح من خلال العمل السياسي السلمي الدستوري، ومن خلال الانتخابات، ودخول البرلمانات؟!

وما ذكره الشيخ أحمد هنا يكاد يوافقه عليه كافة علماء عصره ودعاتهم كالشيخ حسن البنا وقبلهما رشيد رضا وشيخ الإسلام مصطفى صبري وغيرهم من المصلحين!

والمقصود أن مثل هذه النوازل والمشكلات يجب على علماء الأمة التصدي لها، والاجتهاد فيها، ولا تمنع تعقيدات الواقع علماء الأمة من الخوض في غمارها على بصيرة وفقه، وإنما يعتزلها رجلان رجل لم يؤت فهما في هذا الباب فهو يخشى على دينه، فيدع الدنيا يسوسها الطغاة وأهل الباطل بباطلهم، أو رجل آتاه الله فهما فيه ولم يؤت عزيمة وإرادة، كما قال عمر الفاروق (اللهم إني أشكي عجز التقي الثقة، وجلد الفاجر)!

فالله الله يا علماء الشام وأبراره لا تؤتى الثورة اليوم من قبلكم، ولا تتخلفوا عن المشاركة في قيادتها، فإن الله وعدكم بالنصر إن نصرتموه، وأنتم أحق من نصره..

فاللهم انصر المرابطين الصابرين بأرض الشام، وأنزل عليهم سكينة من عندك، وثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، واشرح صدورهم، ويسر أمورهم، وعجل لهم نصرهم، ولا تكلهم إلى أحد سواك..

 

اللهم واخذل عدوهم ومن خذلهم، واجعل كيدهم في نحورهم، وألق الرعب في قلوبهم..

اللهم واجمع كلمة أهل الشام، وارفع رايتهم، وحقق لهم غايتهم، واجعل مستقبل أيامهم خيرا لهم مما مضى، وارحم شهداءهم، وأغن فقراءهم، واجبر ضعفاءهم..

اللهم آمين آمين والحمد لله رب العالمين..

----------------

([1]) مسلم 1/70 ح 50 ، ومسند أحمد 1/462 بإسناد صحيح على شرط مسلم .

([2]) جامع العلوم والحكم ص 321 .

[3] حاشية تفسير ابن جرير بتحقيق آل شاكر 2/348 .

[4] ص 28 - 35

===========================

الاتفاق الخجول للكتل السياسية لتمديد بقاء القوات الأمريكية

ناجي الغزي

يتكررالجدل الحاد والنقاش الجاد بين الكتل السياسية بعد أن أشرفت الأتفاقية الأمنية على الانتهاء المبرمة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية عام 2008 والتي تم بموجبها انسحاب القوات الأمريكية من العراق البالغ عددها 50 ألف جندي نهاية العام الحالي 2011. ونظرا للرغبة الجامحة والطامعة للقوات الامريكية بالبقاء على أرض العراق, لذا فالتمديد أو الانسحاب هو الجولة الأصعب للمالكي وحكومته بسبب أتساع رقعة الخلافات بين شركاء العملية السياسية, ولعدم جاهزية القوات العراقية ومحدودية التسليح والتجهيز. ونرى السيد المالكي يرمي كرة التمديد بملعب القوى السياسية وينقل الحرج من حدود صلاحياته الى أروقة السياسيين وداخل قبة البرلمان.

 

والاتفاق حول التمديد يخضع للتوافقات كعرف سياسي عراقي, وعلى الرغم من كون مشروع التمديد وإبرام الإتفاقيات الدولية من حيث المنطق القانوني والدستوري هو مسؤولية الحكومة المتمثلة برئيسها بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة. يقدم مشروع التمديد كورقة الى البرلمان للمصادقة عليها متضمنة شرح مفصل لعدد القوات الامريكية التي تنوي البقاء والسقف الزمني ومناطق تواجدهم وجدوى بقاءهم على أرض العراق, إضافة الى تقييم جاهزية القوات الأمنية. ولكن الرجل يخشى من الاتهامات الجاهزة, فضلا عن توظيف تلك الورقة سياسياً وشعبياً ضد سياسته المتوترة مع البعض, وضد حكومته المترهلة التي تعاني من سوء الأداء الخدمي. ولكن مايدور خلف الكواليس السياسية وبين أروقة السفارة الامريكية, قبول ورضى كبير من قبل زعماء وأعضاء القيادات السياسية لتمديد الاتفاقية بصيغة جديدة تؤمن وجود القوات الامريكية وتضمن للطرفين علاقة شراكة على أسس سياسية وأقتصادية ودبلوماسية.

 

ومن خلال زيارة المسؤولين الامريكيين المتسارعة الى العراق هو مؤشر على تمديد بقاء القوات الامريكية في العراق. حيث قال وزیر الدفاع الامریکی الجدید "لیون بانیتا" في زيارة الاولى الى العراق أنه سیضغط على الحکومة فی بغداد کی تقرر مصیر الوجود العسکری الامریکی و ملاحقة الجماعات المسلحة الذین یهاجمون القوات الامریکیة بصواریخ ایرانیة. مما اثارت تلك التصريحات التيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر الذي قابلها بتهديد عالي النبرة وتحدي عسكري.

 

وأمريكا صاحبة مشروع النظام السياسي الجديد في العراق, تريد أن تحافظ على مكتسباتها السياسية والاقتصادية في العراق ومكتسبات العراق في التجربة السياسية. لانها لايمكن أن تترك العراق في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها العالم العربي عامة والعراق ومحيطه الجيوسياسي وأطماع جيرانه, بملئ الفراغ الامني في حالة أنسحاب أمريكا وقواتها. وهناك مبررات تقوم عليها بقاء القوات الامريكية من وجهة نظر الحكومة العراقية. بأعتبار العراق لايزال ضعيف عسكريا ولايملك القدرة على الدفاع عن حدوده وسيادته. أضافة الى أنه لايزال تحت طائلة البند السابع وحماية أموال العراق من الحجوزات القضائية ودعاوى الدائنين, هي مسؤولية الولايات المتحدة الامريكية وهذا لايتم الا ضمن أتفاقية جديدة.

 

فضلا عن عدم أكتمال قدرات الجيش العراقي على مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية التي ربما يتعرض لها العراق. إلا أن العراق بحاجة ماسة الى مساعدة المجتمع الدولي بما فيها أمريكا, لكون العراق أصبح مصدر طمع لحدوده وموارده من قبل الدول الضعيفة والقوية. فضلا عن موقع العراق الجغرافي وتركبيته الاجتماعية اللذان يشكلان أخطر التحديات لبعض الدول المحيطة التي تريد أن تجعل منه حلبة لصراعها الايديولوجي والعقائدي من خلال حالة التنافر وعدم الانسجام التي تعيشها المنطقة.

 

والقوى السياسية العراقية رغم مشاركتها في الحكومة, إلا أنها تعيش حالة أنقسام حاد وأزمة ثقة خانقة, تركت ظلالها وظلامها على المشهد السياسي وخلقت مشاكل متصاعدة جعلت عدم الاستقرار بين الشركاء السياسيين السمة الغالبة. وهذه الخلافات المتحركة والمتجددة زعزعت ثقة المواطن بالحكومة, وأضعفت هيبة الدولة وسيادة القانون. مما جعل دولة العراق بأن تكون فريسة سهلة لأضعف دول الجوار. لذا فأن وجود القوات الامريكية تحفظ العراق من تلك المخالب الطامعة وتحفظ المجتمع العراقي من الانزلاقات المحتملة التي تخلقها بعض الاحزاب وتنقلها الى الشارع. وهنا لانريد أن نبرر تمديد الاتفاقية ولكن تناول هذا الموضوع بتفاصيله الدقيقة تحتم علينا طرح الحقيقة بوضوح.

 

وإزاء هذا المشهد المتلاطم بكل حيثياته هل نصدق هذه المرة أمريكا ونحسن الظن بها بعد أن أخفقت بكل التزاماتها؟. فهي متهمة من قبل المثقف العراقي قبل غيره بتدمير العراق وبنيته المادية والبشرية, وجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات مع الجماعات الارهابية. وهنا من حقنا أن نشك بنوايا امريكا عند بقاءها فترة خمسة سنوات أضافة الى السنوات الثمانية الضائعة, التي لم تستطع من خلالها أن تؤسس للعراق منجز واضح في بنيته الاقتصادية والعمرانية والأمنية. كبناء جيش وطني يكتسب مهاراته المهنية من الجيش الامريكي, ويتسلح بعدة متطورة تواكب جيوش العالم المتحضر, تؤهله للدفاع عن حدوده وعن سيادته. أم تبقى أمريكا تسوف الزمن وتنهش بالجسد العراقي وتستنزق طاقته المالية من خلال عقودها العلنية والسرية وهيمنتها على الكثير من الملفات الحساسة.

 

وهل تستطيع أمريكا كما وعدت العراق بالاتفاقية المنصرمة, بأخراجه من البند السابع وترفع القيود عن أمواله وتجعلها طليقة دون أي ملاحقات قانونية؟ وهل تحترم السيادة العراقية دون المساس بها كما تفعل مع المانيا واليابان؟ ونحن هنا لانريد أن نلقي باللوم على أمريكا وحدها ونحملها مسؤولية عدم وفاءها بألتزاماتها القانونية والأخلاقية أتجاه العراق وشعبه. أكثر مما نلوم القوى السياسية السائرة في ركب السياسة الامريكية, التي لا تبالي لمستقبل العراق ولم تكترث لحجم الخراب والفساد المالي والأخلاقي الذي أصاب مؤسسات الدولة العراقية. وهنا لابد لنا أن نشير بجرئة الى السلوك السياسي المضطرب لزعماء وأعضاء الأحزاب السياسية والعلاقة المتشنجة بينهم والغير متوازنة مع الادارة الامريكية.

 

وتبعاً للمعطيات التي تتحرك على الأرض بالنسبة لقدرة القوات العراقية المحدودة وعدم جاهزية القوات الامنية ستدفع تلك المعطيات الكتل السياسية على الاتفاق من أجل تمديد بقاء القوات الامريكية. والكتل السياسية منقسمة في مواقفها بالنسبة لقرار التمديد رغم ضغط الادارة الامريكية عليها فالبعض يرفض ويعلن بصراحة المقاومة ضد التواجد الامريكي وهناك من ينتظر رأي الحكومة ورئيسها ومنها من ينتظر الاجماع من قبل الكتل السياسية. وهذا الاتفاق الخجول يجعل تمرير الاتفاقية بلا موقف موحد أزاء ألتزامات الأدارة الامريكية وقواتها المحتلة.

=========================

هجوم الحوار.. مع الهجمة القمعية .. هذا ما تصنع السلطة.. فما هو الجواب السياسي للثورة؟..

نبيل شبيب

أوّل ما يمكن قوله بشأن ما شهدته دمشق بإخراج السلطة يوم 10/7/2011م أنّه يريد أن يوضع الحدث الكبير في خانة "انتفاضة احتجاجية" (بعد تهاوي مقولات المؤامرة.. إلى آخره) وليس "ثورة تغييرية"، فيمكن تلبية ما تقول به الاحتجاجات جزئيا وتسميته تغييرا دون أن يحمل مقوّمات التغيير الجذري الشامل الذي اندلعت الثورة لتحقيقه على أرض واقع سورية.. الوطن والشعب والدولة.

هذا بحدّ ذاته يمثل تراجعا.. ولكن لا يمثل تسليما للثورة الشعبية الكبرى بتاريخ سورية، والمحورية في تاريخ المنطقة والعالم.

إلى الأعلى

مصداقية الحوار

العنوان يلفت النظر: "لقاء تشاوري للحوار الوطني حول أولويات الحوار"!.. وصياغة العنوان ليست اعتباطية:

- فكلمة التشاوري يحدّد الصفة غير الإلزامية..

- وعبارة "حول أولويات الحوار" تحدّد الهدف..

- أما كلمة "حوار وطني" فتجميلية تسويقية ترويجية، ويمكن أن توضع مكانها عبارة: "حوار قلب السلطة مع رئتي السلطة"..

أمّا الشعب ففي الشوارع يقاطع الحوار، وأما المعارضون -بمن فيهم عددٌ ممّن كان أقرب إلى الحوار مع السلطة أثناء الثورة- فهم غائبون ومغيّبون، ومعظمهم أعلن -اضطرارا أو اقتناعا- أنّ هذا الحوار ليس حوارا.

المصداقية لا تحتاج إلى حديث، فحديث الرصاص والدبابات والاعتقالات "أصدق إنباءً من الكَلِمِ ومن الورق ومن الخطب"..

رغم ذلك.. لو انطلقنا من مصداقية الحوار، فإنّ العنوان الذي اختير له يقول إنّ إقصى ما يمكن الوصول إليه هو "توصيات.. مرتّبة زمنيا" فعلى افتراض القول بأن إحدى التوصيات ستكون تغيير الدستور مثلا، فسيكون الاحتجاج بضرورات عملية سببا في وضعها في مرتبة متأخرة.. وإلى ذلك الحين يستمر الحكم الفردي -المسنود قمعيا- بمراسيم، قابلة للتراجع عنها أو الالتفاف عليها بمراسيم أخرى، ولئن هدأت الثورة تبعا لذلك انقطع المسار سواء سمّي إصلاحيا أو تغييريا!..

يبقى السؤال المعلّق: هل يمكن إجراء حوار له مصداقية.. ويكون فيه طرف يمثل السلطة؟..

توجد مطالب معروفة يتكرّر ذكرها، لم تجد التلبية في الوقت المناسب، فتجاوزتها الثورة وأعلنت: لا حوار. ويوجد من المعارضين السياسيين من ينتقد ذلك، بحقّ.. وفق عقلية الأساليب التقليدية السياسية، وبدون حق لأن الثورة تصنع مشروعيتها.

لهذا، لم يعد يمكن أن يجري حوار له مصداقية دون خطوتين وليس خطوة واحدة:

1- تلبية جميع المطالب المعروفة (تطهير السجون والمعتقلات.. إنهاء القمع.. عزل من مارسه ويمارسه ويصدر أوامره لممارسته.. إلغاء جميع قيود السفر والعودة دون استثناء ودون البوابة الأمنية.. إلى آخره)

2- إعلان رسمي ملزم من جانب مَن يمثل السلطة الاستبدادية الحالية بموجب دستورها -بغض النظر عن وصفه الذي يستحق- وهو رئيس الجمهورية بشار الأسد:

(1)- أن هذه السلطة لم تعد تملك صناعة القرار الوطني

(2)- أنّها تسلّم كافة الصلاحيات لصناعة القرار لهيئة وطنية جديدة.. سيان ما الاسم الذي تحمله تتولى كافة السلطات والصلاحيات من لحظة انعقادها حتى اكتمال مرحلة انتقالية إلى نشأة الدولة الجديدة

(3)- تتشكل هذه الهيئة تلقائيا وفوريا -وليس من جانب السلطة وبدعوة من جانبها- فدور السلطة هنا في أقصى الحالات: إصدار "مرسوم رئاسي أخير" خاضع لمشروعية الثورة، أي للشعب وهو سيد نفسه، بتسليم الصلاحيات والسلطات لتلك الهيئة، التي تضمّ جميع أطياف الشعب السوري، ابتداء:

(أ) بمن يمثل الثورة من كافة التنسيقيات في الداخل، انتهاء:

(ب) بالشخصيات المعتبرة تاريخيا وممثلي جميع منظمات حقوق الإنسان

(ت) كافة تشكيلات المعارضة المنظمة في الداخل والخارج..

(ث) ويمكن أن يوجد آنذاك، في نهاية المطاف، مَن ينتسب إلى السلطة الاستبدادية الحالية (أي الرئاسة والحكومة والحزب بعد إلغاء أجهزة القمع) شريطة الالتزام المسبق بتسليم آمنٍ مانعٍ للفوضى الإدارية، لجميع ما يرتبط بممارسة السلطات التنفيذية والتشريعة والقضائية وسواها للأجهزة المنبثقة عن هذه الهيئة الجديدة.

آنذاك يمكن أن توصف مداولات الهيئة بأنها شكل من أشكال "حوار وطني" محتمل.

 إلى الأعلى

رفض الحوار

مع الإعلان عن جمعة "لا للحوار" صدرت انتقادات عديدة، لا حاجة إلى تعدادها ومناقشتها، إنّما توجد ضرورة لتثبيت المقصود، لا سيما وأنّ كلمة "حوار" بحدّ ذاتها إيجابية، فرفضها قابل للاستغلال، مثلما يجري استغلال الكلمة ذاتها فيما سمي لقاء تشاوريا حول أولويات الحوار.

إن الثورة الشعبية في سورية:

- ترفض حوار السلطة مع نفسها..

- وترفض حوارا من أجل استبقاء السلطة..

- وترفض حوارا من أجل تبرئة السلطة ممّا صنعت حتى الآن..

- وترفض حوارا يمكن أن يفضي إلى الالتفاف على أهداف الثورة وإنجازاتها..

والثورة الشعبية في سورية:

- لا ترفض الحوار تحت سقف الوطن.. ولكن ترفض حوارا زائفا قبل استرداد الوطن.. إذ لا يمكن أن يكون آنذاك حوارا تحت سقف الوطن.. بل تحت سقف السلطة المتسلّطة على الوطن والشعب..

إنّ الثورة الشعبية تطالب بحوار وطني.. بين من يمثل الوطن وشعبه وليس بين المتسلّط على الوطن بأجهزته القمعية في كافة مدن سورية وبلداتها والمتسلّط على "قاعة الكلام" تحت عنوان حوار.

 إلى الأعلى

الهجوم الثوري المطلوب مقابل الهجوم الحواري والقمعي التسلّطي

على خلفية ما سبق يمكن ذكر عدد من النقاط الأساسية من منطلق الثورة الشعبية وأهدافها:

1- رغم كل ما هو معروف عن خواء الحملات الإعلامية والسياسية المرتبطة بالسلطة الاستبدادية، لا ينبغي أن يُستهان بقابلية توظيف "الهجوم الحواري" الجاري جنبا إلى جنب مع "الهجوم القمعي"، سواء على الصعيد الخارجي أو على الصعيد الداخلي.

2- هذا "الهجوم الحواري" مع ما يُطرح فيه كلاميا، تعبير مباشر عن إدراك السلطة المستبدة أنّها منهارة لا محالة، وإذا فرض مسارُ الثورة ذلك عليها، فيجب أن يكون مسار الثورة قادرا على التحرّك -الآن- من أجل اللحظة الحاسمة التالية مباشرة لسقوط السلطة المستبدة.

3- إن سقوط السلطة.. دون وجود "أرضية" لِما ينشأ بعدها وفق أهداف الثورة، يوجد وضعا بالغ الخطورة، اعتاد المفكرون السياسيون على وصفه بالفراغ السياسي، حيث يملؤه "الأسرع" وليس "الأصحّ"..

4- التحرك المطلوب الآن -وسط ظروف مواصلة الثورة الشعبية- هو تثبيت معالم تلك الأرضية الراسخة لبناء جديد، شامل لأطياف الشعب وجميع قواه دون إقصاء، ضامن لوجود آليّات تمكّن من تجاوز المرحلة الانتقالية دون زرع "بذور" لاستبداد مستقبلي آخر.

5- لا يمكن أن ينفرد طرف وطني دون آخر بأداء هذه المهمة.. وبتعبير أوضح:

أ- الإقصاء أو الاستثناء هو مصدر خطر كبير لبذور استبداد مستقبلي، وهذا ما يجب أن تخلو منه أي خطوة من جانب أي طرف من أطراف المعارضة في مبادرة أو مؤتمر تقصي طيفا من الأطياف الوطنية والسياسية، أو تعمل دون الحصول فوريا أو تدريجيا على تأييد مباشر من جانب النسبة الأعظم من تنسيقيات الثورة في الداخل..

ب- الإقصاء أو الاستثناء هو مصدر خطر كبير لبذور استبداد مستقبلي أيضا، إذا صدرت أيّ خطوة من جانب أيّ طرف من أطراف تنسيقيات الثورة في الداخل، تنطوي على استثناء مشاركة أي طيف من أطياف المعارضة التقليدية السياسية في الداخل والخارج، أو تقصي جهة من الجهات التنسيقية الأخرى..

ت- لا يصحّ أن يضع طرف وطني مخلص، من المعارضة التقليدية ومن التنسيقيات الداخلية وسواها، "قالبا من قوالب التصوّرات المستقبلية" ويعتبره جاهزا.. وعلى سواه "الانضمام" وفق شروطه..

ث- بالمقابل لا يمكن في نطاق المعطيات الحالية صدور مبادرة أو عقد مؤتمر شامل للجميع دون استنثاء بحيث يوصف ما يصدر عنه بأنه يمثل الجميع دون استثناء.

ج- لا بد إذن من أن يكون الطرح مفتوحا أمام الحوار والتعديل.. ليتسع نطاق القاعدة الوطنية التي يستند إليها يوما بعد يوم.

كاتب هذه السطور يعتقد بأن هذا الشرط الأخير هو المتوافر في مشروع "مؤتمر الإنقاذ الوطني" حاليا، ولا يتوافر بالقدر الكافي في سواه.

============================

رسالة إلى آسري شاليط

د. مصطفى يوسف اللداوي

نفذ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وعوده تهديداته ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونه ومعتقلاته، وأعلن حرباً جديدة ضد الفلسطينيين لاستعادة شاليط، بعد أن فشل عدوانُ بلاده الأخير على قطاع غزة في تحريره واستعادته، وردته المقاومة خائباً حسيراً منكس الرأس، لم يحقق شيئاً من أهدافه سوى المزيد من القتل والخراب والدمار، الذي ولد لدى الفلسطينيين المزيد من القوة والعزم والإصرار والمضاء، وهم له دوماً بالمرصاد، لن يستسلموا لبطشه، ولن يخضعوا لقتله، ولن تنال من إرادتهم آلتهم العسكرية العمياء، وسيبقون على موقفهم صامدين، وبحقوقهم متمسكين، رايتهم مرفوعة، ومقاومتهم ماضية، وهمتهم عالية، يصنعون التكافؤ، ويخلقون التوازن، ولكن حربه ضد الأسرى حربٌ قذرة وغير أخلاقية، فيها ذلةٌ وخسةٌ ونذالة، وتفتقر إلى النبل والشجاعة وصفات الرجال، فهي حربٌ غير متكافئة، وتفتقر إلى القيم الإنسانية وقوانين الحروب، وتستهدف أسرى محجوزين، ورجالٍ معتقلين، الأغلال في أيديهم، والسلاسل تقيد أرجلهم، وقضبان السجن تعزلهم، وسياسات السجان تحاصرهم، وإجراءاته تلاحقهم، فباشروا في سحب الامتيازات والحقوق التي انتزعها الأسرى بدمائهم وتضحياتهم، ودفعوا من أجلها الكثير من حياتهم وصحتهم وعافيتهم.

فهل يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي وهم يرون رجالهم في سجنهم يسجنون، وفي قيدهم يقيدون، وإلى سلاسل الحديد يجمعون، وعن أهلهم يبعدون، وعن بعضهم يعزلون، وفي زنازين كالقبور يحجزون، ويحرمون من ساعةٍ يتنسمون فيها هواءً نقياً، يتعرضون فيها لأشعة الشمس، وقد كسر السجان أقلامهم، ومزق كتبهم، وصادر أوراقهم ودفاتر ذكرياتهم، وحرمهم من التعليم والدراسة، وحجبهم عن العلم والمعرفة، وحال بينهم وبين محاميهم، وعقد زيارة ذويهم، وأجلها وهي المؤجلة من جديد، وهو الذي صادر أموالهم، ومنعهم من شراء ما يحتاجون إليه، بل صادر الموجود لديهم، وحرمهم مما وفروه لأنفسهم، واعتدى على غرفهم قمعاً وجرداً، وبحثاً وتفتيشاً، وأجبرهم على الوقوف لساعاتٍ طويلة، في صمتٍ وهدوء، وحرمة حديثٍ أو همس، وقد أجبر العديد منهم على نزع ثيابهم بحجة التفتيش، وأعلن أنه ماضٍ في سياساته العقابية، وإجراءاته التأديبية التي ينفذها سجانون مرضى، وإدارةٌ معقدة، وسلطة لا تربطها بالإنسانية علاقة، ولا تفهم غير نواميس الظلم وتجهل معايير العدل، ولا تعرف لغةً غير القمع والضرب والمداهمة والتفتيش والتعري والمصادرة والحرمان والعزل والتضييق، وهي سياستها القديمة الجديدة، تغيب عنها يوماً لتعود إلى فرضها أياماً، تذكرها ولا تنساها، تركنها ولكنها لا تتخلى عنها.

تظن الحكومة الإسرائيلية ورئيس حكومتها المأفون المريض أنه سيقوى على لي عنق الشعب الفلسطيني وكسر ذراعه، وحني رأسه وتحطيم إرادته، وأنه سيجبره على الخنوع والخضوع والجأر بعالي الصوت، مستغيثاً مستنجداً يستجدي النصرة والنجاة، ونسي أن قرابة مليون فلسطيني قد دخلوا سجونه، وعانوا من معتقلاته، وفيها حرموا وعذبوا وضربوا وقتلوا، وأن قرابة عشرة آلاف أسيرٍ لا يزالون في السجون والمعتقلات، منهم من أصدرت عليه محاكم تفتيشهم مئات السنوات، فما ذرفت عيونهم، ولا زاغت أبصارهم، ولا تاهت نظراتهم، ولم يتلجلج صوتهم، كما لم تنحنِ قامتهم، ومازالوا في سجونهم رجالاً، وأساتذةً كباراً، يعلموننا وغيرنا دروساً في الصبر والتحدي والثبات، إنهم جنرالات الصبر، وعمداء السجون وشيوخ الأسرى، يرفضون الخضوع والاستسلام، صوتهم عالي يصرخ في جلاديهم أننا سنخرج من سجننا رغماً عنكم، وسنتحرر من قيودنا، وسنحطم الأغلال، وسنكسر القضبان، وستهوي جدران السجون، وستفتح أبوابها، وسنخرج منها أعزةً، رؤوسنا شامخة، وقامتنا منتصبة، وهامتنا عالية، ولن تقعدنا ممارساتكم، ولن تهزمنا سياساتكم، ولن يزيد في قيدنا قيدٌ آخر، ولن نطلب من مقاومتنا أن تخضع لكم، وأن تستجيب إلى شروطكم.

رسالة الأسرى الفلسطينيين من قلاعهم الحصينة فكراً وثورة، ووطنيةً وممانعة، وثباتاً وشموخاً وصبراً واحتمالاً، إلى آسري الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليط، وهي المقاومة الباسلة، التي استطاعت أن تخفي سر شاليط سنيناً، وأن تبعده عن عيون الإسرائيليين الثاقبة وجواسيسه المنتشرة، وأجهزته الإليكترونية المزروعة والطائرة والحوامة، ألا يستجيبوا إلى شروط رئيس الحكومة الإسرائيلية المهووس بتحريره، العاجز عن تحقيق حلمه، وإسكات شعبه، وتطمين والد شاليط وأسرته، وهو الذي جاء إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية مهدداً ومتوعداً أنه سيحرر شاليط، وسيعيده إلى أسرته وبيته، وأنه لن يخضع لشروط المقاومة الفلسطينية، ولن يدفع ثمناً مؤلماً من أجل تحريره واستعادته، فإياكم والخضوع لشروطه، والاستجابة إلى أحلامه وآماله، فقد دفع الشعب الفلسطيني الكثير من أجل الاحتفاظ بشاليط لتحرير الأسرى، ومازال شعبنا يعاني بسببه، ويدفع فاتورة استبقائه، فلا تغرنكم تهديدات نتنياهو وغيره، فهي تهديدات العاجز الفاشل، الذي فقد كل أوراقه، وبات محتاراً لا يعرف ماذا يفعل، ولا كيف يواجه، وقد اعتاد الأسرى على تهديداتهم واستفزازاتهم، وخبروا سياستهم ووسائلهم، ويعرفون كيف يكسرونها ويجبرونهم على التراجع والانكفاء، فما زال الأسرى في قلاعهم أسوداً رابضة، وليوثاً تتحفز، يفرحهم انتصار شعبهم وصمود أهلهم، ويحزنهم كثيراً انكسار شوكتهم وخفوت صوتهم، وغاية ما يريدون من مقاومتهم ثباتاً وصموداً، وإصراراً على مواقفهم وشروطهم.

أما رسالة الشعب الفلسطيني كله عموماً وذوي الأسرى خصوصاً، إلى آسري الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليط، وإلى قيادة المقاومة الفلسطينية، فهي رسالة مزدوجة، الأولى ألا تهزهم تهديدات نتنياهو، وألا تخيفهم ممارسات سلطاته، فأسرانا قادرين على استيعاب هذه الهجمة المسعورة وما هو أشد منها، وكما أسقطوا كل السياسات السابقة فإنهم أقدر على تحدي نتنياهو وحكومته، وستنكسر عصا النحشون والميتسادا ودرور ومبتسعيم وغيرها من فرقه العسكرية، ولن يدخلوا الفرحة إلى قلبه بآهةٍ أو استجداء، ولا حزنٍ ولا بكاء، ولن تطلب أمٌ ثكلى، ولا أختٌ مكلومة، ولا أبٌ أطفأ الحزن بريق عينيه، ولا طفلً شاب ولم ينعم بالصحبة مع والده، ولا ابنةٌ تجمدت الدموع في مآقيها شوقاً لأبيها، من المقاومة أن تضعف وتستسلم، وأن تسلم الأسير الذي بين أيديهم، رأفةً بالأسرى، وحباً لهم وحرصاً على راحتهم.

أما الرسالة الثانية لآسري شاليط فهي أن يخلقوا مع العدو الإسرائيلي قبل إتمام الصفقة وتحرير الأسرى معادلة جديدة، وتوازناً آخر، قوامها أننا نحب أسرانا ونهتم بهم، وأننا نعمل كل شئٍ من أجل راحتهم، ونسعى بكل السبل لينالوا حريتهم، ويعودوا إلى بيوتهم وأسرهم، وليعلنوا عن إجراءاتٍ موازية تطبق ضد الجندي الأسير، ولتصل إلى سلطات الاحتلال وذوي شاليط رسائل مختلفة، مفادها أن حقوق جنديهم مقابل حقوق أسرانا، وراحة أسيركم في موازاة راحة أسرانا، فالقيد الذي ينغرس في معاصم أبطالنا، سيكون في مقابله قيدٌ آخر، ينغرس في عنق الإسرائيليين كلهم، والمرارة التي يحس بها الفلسطينيون يجب أن تكون مرارةً أكبر يتجرعها الإسرائيليون جميعاً، حكومةً وشعباً.

بيروت في 15/7/2011

==========================

بين جمعتين: جامعة وجامع ودماء4

إبراهيم اليوسف

إلى طفل جوبر وأخوته شهداء أسرة جمعةأسرى الحرية ومنهم شهداء ركن الدين

ياسوريا الجميلة السعيدة

كمدفأة في كانون

يا سوريا التعيسة

كعظمة بين أسنان كلب

يا سوريا القاسية

كمشرط في يدي جراح

نحن أبناؤك الطيبون

الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك

أبداً سنقودك إلى الينابيع

أبداً سنقودك إلى الينابيع

أبداً سنجفف دمك بأصابعنا الخضراء

 ودموعك بشفاهنا اليابسة

أبداً سنشق أمامك الدروب

ولن نتركك تضيعين يا سوريا

كأغنية في صحراء

رياض الصالح الحسين

1954 -1982

بعد مرور أربعة أشهر، تماماً، على الثورة السورية الأكبر، يقدم النظام الأمني السوري صورته- كما هي- مستبدّاً، جاهلاً،بربرياً، أهوج، مستقوياً بالعنف والأجنبي، والتزوير الإعلامي، يقرأ كل ما حوله بشكل مقلوب، عبرمسرحيات هزلية، يرثى لها، غير قادر على التقاط المبادرة وتصحيح نفسه، مدركاً بأن أي إصلاح حقيقي، يعني التسريع في رميه في "مزبلة" التاريخ، "مكانه الحقيقي"، بعد أن فوَّت على نفسه الاستجابة لنداءات أبطال سوريا، منذ مستهلِّ ربيعها، في بداية العقد الأول، من الألفية الجديدة، ممن نادوا بضرورة الإصلاح، بيد أنه راح يعيد إنتاج بؤس فكره، وممارساته، في كل مرة، على كل الأصعدة، وليس – قانون الإعلام 2001- والمراسيم التي صدرت-في ما بعد- لتعزز من دور رجل الأمن المجرم، وغير ذلك، إلا مثالين عن قبح وجه هذا النظام، وبالرغم من أنه زجَّ بأكثر هؤلاء المفكرين والناشطين الميامين، في غياهب السجن، وعلى نحو لئيم، أو كيدي، انتقامي، كما حدث مع د.عارف دليلة ورياض سيف ود. كمال اللبواني، وهذا غيض من فيض، وهجَّر من لم يتم سجنه، ولم يكن ذلك كله، إلا مثالاً على أن نظاماً تأسس عقله على منظومة العنف، في الوصول إلى تسلم مقاليد الحكم، ليس في مقدوره أن يتحول إلى نظام ديموقراطي، مدني، ولا يمكن لكل "مكياجات" العالم، أن تحسن صورته، و معدنه، ورائحته، وفكره المتعفن.

 

 تكاد لا توجد بقعة يتيمة في سوريا، لا تنطلق منها المسيرات، والاعتصامات، الاحتجاجية، المناوئة لهذا النظام، وها قد كانت تظاهرات اليوم، الجمعة، الخاتمة، للشهر الرابع من الثورة، تعد من أكبر التظاهرات، قاطبة، بيد أن النظام لمَّا يزل يتصامم عن سماع عبارة- ارحل- التي تقال له، نهاراً جهاراً، وبكل لغات أبناء الشعب السوري:عرباً، وكرداً، وسريان، وآشوريين، وأرمن، وغيرهم، حتى وإن حاول استمالة بعضهم، هنا وهناك، وهو يلجأ إلى ثنائية: الترغيب، والترهيب، ليقع هؤلاء في فخه، بعد تدبيج الوعود المعسولة التي لا تنتج إلا الكذب، شأن إصلاح عمره، أكثر من عقد زمني، من دون جدوى، ولعلَّ لجوء النظام في مدينة سالمة آمنة ك: قامشلي، سريانيها، وأرمنيها، وكرديها، وعربيها، بل ومسلمها، وإيزيديها، ومسيحيها، ويهوديها، كلهم من شجرة أبوين من التوادد والتحابب، وكانت أمثولة منذ ولادة هذه المدينة، في الأُلفة، والحب، ولقد لجأ النظام- -مؤخراً- إلى محاولة إشعال فتيل فتنة،كريهة، انتبه إليها حكماء رجال الدين، والوجهاء، والقوى السياسية، ولاسيما المنظمة الآثورية الباسلة، وردموا كل ذلك، في ومضة عين، لأنَّ النظام الذي يرسل دباباته إلى بعض المدن، لإبادتها بمن فيها، من أجل بقاء كرسيه، يريد أن يشعل الحرب على أجزاء أخرى، من خريطة سوريا، لم تتوجه إليها الدبابة،على قاعدة" عليَّ وعلى أعدائي"، ربَّما، نظراً لاتفاقات خاصة "، بسبب منابع النفط "، من جهة، وعدم إمكان فتح مواجهة مع أهالي منطقة الجزيرة، ذات الأكثرية الكردية، من جهة أخرى، بحسب ما يروى، لئلا تتم إعادة، ونقل، مواجهة الثورة إلى فضاء آخر، كحرب تطهير عرقي، لا سيما وأنه ملوث اليد بذلك، في وقائع وأحداث مثبتة، وإن كان الغرب – كاملاً – لا يزال يواصل تواطؤه مع آلة القمع، بعد أن بانت نوايا المفرقعات التركية التي سبقت انتخاباتها، في الوقت الذي كشفت فيه الجامعة العربية-الخنثى- عن وجهها القبيح، من خلال تصريح نبيل العربي، الذي يندى له الجبين، وهو دعم للإرهاب، يسجل نقطة عار في استهلالة سجل مهماته، غير الميمونة.

وإذا كانت المؤتمرات واللقاءات التي تتم، تشغل فضاءً، مداه مائة وثمانون درجة، حيث النظام يريد إنتاج – لهَّاية – لأربعة وعشرين مليون مواطن، من خلال اللجوء للمؤتمرات، الخلبية، المدجنة، كأداة جديدة لتبييض صفحته-وكل بحار العالم وأنهاره وأمطاره لا تغسل دنسه- وبالتالي خلق فيتامينات إطالة عمره، إلا أن هنالك – مؤتمرات – أخرى تتم خارج الوطن، وفي داخله، لابدّ لها من أن تتحرَّر من رؤية النظام للمكونات السورية، وإن كان دعم هذه المؤتمرات ضرورياً، لإسقاط النظام، إلا أنه، في الوقت نفسه، يجب ألا يتم السماح- لأحد- لإضفاء صبغة واحدة، على سوريا المستقبل، كما يتمُّ في مصر، بعيداً عن مدنيتها، وتعدديتها، و ديموقراطيتها الحقيقية.

ولعلَّ التعليق على بذاءة الدعوة للحوار، في الوقت الذي تمارس فيه الشبيحة، والأمن، والجيش، القتل، بحق مواطنينا، وتمَّ الحديث عن مقتل أكثر من اثنين و ثلاثين متظاهراً في العاصمة-ما خلا الجرحى- وهذا ما يأتي نتيجة إحساس النظام، أن امتداد التظاهرات إلى العاصمة، بهذا الشكل، ليعدّ مسماراً أخيراً في نعش الاستبداد، ناهيك عن مواجهة الأرواح الأصيلة، بالرصاص، في مدن أخرى، كأدلب، وحمص، وغيرهما، لإسكات مواطننا، من دون جدوى.

كيف تتم الدعوة للحوار، ويقتل بضعة أشخاص، قرب صالة، سيقام فيها مؤتمر سلمي، في حي القابون الدمشقي،غداً، ناهيك عن تفريق أمن النظام، قبل أيام قليلة، متظاهرين كتاباً، وفنانين، ومثقفين، في شارع الميدان، وبأسوأ أسلوب، بات يكرر حتى اليوم-حيث شاهد العالم كله شاباً يركله رجال الشرط والأمن-يذكر بما تم في مدينة البيضاء،على نحو تقشعر له الأبدان.

و لايزال بعض الطلبة الجامعيين، رهن الأسر، سواء أكانوا في دمشق، أو حلب، أو غيرهما، بعد أن تعرضوا للتنكيل، بعيد كلمة بشار الأسد على مدرج جامعة دمشق.

ولعلَّ ما قاله محافظ حماة، الجديد، أنس الناعم، المعين بديلاً عن سلفه السابق، الذي لم ينجرّ إلى ارتكاب المزيد من المجازر، ونفذ ظاهر كلام بشار الأسد، بعدم إطلاق النار، على المتظاهرين، سلمياً- ذات مرة- لا باطنه، حيث جاء على لسانه بأنه قال لأهل المدينة: إنه التقى الرئيس أثناء أدائه القسم، وقد قال له بشار الأسد: كل المطالب الخدمية، لمن يقبل به رئيساً هي موضع اهتمام، إلا أن مطالب من لايقبلون به ذلك، فهي مرفوضة، وهو الكلام نفسه الذي طالما ردده حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، ويقوله علي عبد الله الصالح والقذافي.

أجل، واضح، أن النظام، لا يستفيد من العبر التاريخية، قديمها، وحديثها، ولم يستفد من حكمة مجنون، كالقذافي، قال في أحد المؤتمرات للزعماء العرب، بأن ما جرى للطاغية صدام حسين، إنما سيجري لهم جميعاً، وإن كان هذا المجنون، قد نسي نفسه، حتى وهو- الآن- يعيد تجربة ذلك الطاغية في التواري، مخبأً، وراء آخر.

يستغرب المرء كيف أن بشار الأسد، لما يزل يُمني نفسه بالاستمرار في قيادة دفَّة الحكم، وهو الذي باع جزءاً من أرض سوريا، لموازنة ومعادلة الحكم، من دون أن يفكر بأن طبيباً يموت أحد مرضاه، نتيجة وصفة خاطئة من قبله، يعرض لإلغاء شهادته، لا سيما إذا تكرر ذلك، بل وإن موظفاً عادياً إذا أخلّ بوظيفته، ولم يكن جديراً بها ، فإنه ليُبعد عنها، أو يعزل عنها، خاصة إذا كانت وظيفته حسَّاسة، فإن إعفاءه عن المهمة-بالحسنى- هو المصير المنتظر، فلم أن رئيساً فشل في قيادة كل هذه الملايين السورية، وبلغ عدد القتلى برصاص أمنه، الآلاف، وهكذا بالنسبة للجرحى، أو المعاقين، والمعتقلين، وكذا بالنسبة للأطفال الميتمين، والنساء المترملات، لا يتطوع-وهو حامل الشهادة و المتعلم-ليترك مهمته، ويتفرغ للطب، أو لأي "عمل آخر"، ليفيد أسرته ووطنه، بل فوق كل هذا، ألا يكرر له أبناؤه الصغار عبارة: "ارحل!"، وهم يسمعونها من فضائيات العالم الحر، إن كان لا يمارس عليهم رقابة الإعلام ..؟!

إن ذاكرة ما بعد ثورة الاتصالات، لم تعد تلك الذاكرة المرهونة للمحو، المفترض من قبل النظام، الذي يظن أن عشرات الآلاف ممن قتلوا في حماة – وحلب – وحمص وتدمر، وغيرها.. ،في ثمانينيات القرن الماضي، صاروا في ذمة التاريخ، المطوي، وهكذا بالنسبة لعشرات الضحايا الكرد الذين كانوا قرابين أولى*، على مربض الحرية، في زمن الإصلاح الزائف، لأن الدماء التي تسيل –الآن- من جسد الوطن، لم تعد تقدم أوراق ذاتها – وحدها – للحرية، بل تتكئ على ذلك الإرث السابق، نفسه، وهي تصنع فجرها الموعود، عاجلاً،لا آجلاً، وهذا ما يسقط رهان كل من يحاول التماهي مع خطاب النظام التلفيقي، أو حتى من يمسك –العصا- من وسطها، لأننا نعيش في زمن سقوط الأقنعة، الذي سيتبع سقوط النظام نفسه، ما دام الطفل السوري، بات يصرخ بأعلى صوته: مافي حوار – ارحل بشار ..!.

15-7-2011

 سقط اليوم شهداء كرد مع أخوتهم في حي الكرد الدمشقي" ركن الدين"

==========================

في سورية وعود براقة وحقائق تدمي القلوب

محمد فاروق الإمام

نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية الجديد سمع كلاماً جميلاً من بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم تضمن الخطوات العملية التي ينفذها النظام للتغيير والإصلاح في سورية، معلناً عن سعادته بما سمع من المسؤولين السوريين وعلى رأسهم رجل الإصلاح بشار الأسد، مشدداً على أن الجامعة العربية ترفض أي تدخل أجنبي بشؤون سورية الداخلية، مؤكداً على أن شرعية أي حاكم عربي لا تستمد من أي عاصمة أجنبية إنما تستمد من الشعب.

لم يجف مداد تصريحات أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي من صفحات الجرائد ولا توقف من ترديد المذيعين في القنوات الفضائية والإذاعات الرسمية في دمشق والوطن العربي والعالم، حتى جاءت جمعة أسرى الحرية لتكشف الحقائق على الأرض وقد خرج الملايين في كل المدن السورية من البوكمال في شمال شرق سورية وحتى نوى في جنوب سورية مروراً بالحسكة ودير الزور والرقة وحلب وادلب وحماة وحمص واللاذقية وطرطوس والسويداء والعاصمة دمشق تردد شعاراً واحداً صدحت به حناجرهم (الشعب يريد إسقاط النظام).

النظام السادي في دمشق كعادته تعامل مع هذه الجماهير الثائرة السلمية التي كانت ترفع أغصان الزيتون وباقات الورود بالرصاص الحي تطلقه عشوائياً مستهدفة رؤوس المتظاهرين وصدورهم بهدف القتل ليسقط أكثر من ثلاثين شهيداً منهم – كما أوردت التقارير - 20 شهيداً سقطوا في العاصمة دمشق، التي شهدت يوم الأربعاء مظاهرة سلمية لنفر من المثقفين والفنانين تطالب بالحرية والإصلاح، جابهتهم الأجهزة الأمنية وشبيحة النظام بالهروات والعصي الكهربائية والاعتقالات التي طالت أكثر من 40 مثقفاً وفناناً، بينهم نساء ورجال.

النظام السوري الذي يجيد الكذب والتدليس وقلب الحقائق ودبلجة المسرحيات بواسطة رجال ساسة وإعلاميين محترفين، تفوقوا على وزير الإعلام النازي جوبلز بمئات المرات في الكذب وفبركة الأحداث، وقد تمكنوا من إقناع نبيل العربي – أو هكذا بدا - بدعاويهم بأنهم بدأوا بإصلاحات كبيرة وهامة تجاوباً مع مطالب الشعب وتنفيذاً لإرادته، وقد عبر العربي عن سعادته بما سمع من بشار الأسد ووليد المعلم.

وأتساءل هل سيتابع نبيل العربي ما يحدث على الساحة السورية ويشاهد صور الملايين التي خرجت تطالب بإسقاط النظام التي بثتها القنوات الفضائية العربية والأجنبية، ويشاهد على نفس هذه القنوات الصور المرعبة للقمع الوحشي الذي ترتكبه عصابات وشبيحة النظام السوري بحق المتظاهرين السلميين وقد تفجرت الدماء من رؤوسهم وأجسادهم في مشاهد مؤلمة يتحرك لها جلمود الصخر ويهتز لها الحجر والحيوان والشجر لبشاعتها؟! وهل سنسمع من السيد نبيل العربي كلمة صدق بحق هذا النظام ويقول: إن الجامعة العربية لن تقف متفرجة عما يرتكبه النظام السوري بحق شعبه، وأنه آن الأوان لبحث السبل الكفيلة في وقف نزيف الدم في سورية ووضع حد لقمع النظام الوحشي للمتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة والإصلاح؟!

لا أريد أن أكون متشائماً فكل أفعال النظام تؤشر على أننا قد نسمع مثل هذه الكلمات من السيد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ونشاهد تغيراً في موقفه، كما حدث لمعظم أصدقاء النظام السوري وحلفائه الذين حاولوا عبثاً أن يجنبوا هذا النظام الانتكاس والسقوط وفقدان الشرعية دون جدوى وقد صم أذنيه وأغمض عينيه عن كل نصائحهم ودعواتهم المشفقة عليه والتي لا تريد أن تفقده أو تخسره، وقد حقق لهم ما يخشون من فقدانه بعد رحيله، حتى كان لسان حالهم بعد أن يأسوا من سماع صوت العقل: يداك أوكتا وفوك نفخ!!

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ