ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 13/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

إسقاط النظام أم إسقاط الدولة، ماذا يريد الغرب في سورية؟

م. عبد الله زيزان

مع وصول الثورة السورية لنقطة اللاعودة، لا نجد حتى اللحظة موقفاً غربياً أمريكياً واضحاً تجاه الأحداث في سورية... فكل المواقف والتصريحات تشير إلى وجود تخبط وتردد في الإدارة الأمريكية وكذلك الغربية... فهم من جهة يستصعبون فكرة التخلي عن النظام السوري الذي خدمهم لعقود، ومن جهة أخرى يجدون في استمرار الأحوال على ما هي عليه الآن خطورة كبيرة تهدد مصالحهم ومصالح حليفتهم "إسرائيل"...

فمع دخول الثورة شهرها الرابع لا تزال الإدارات الغربية تراهن على قدرة النظام السوري في استعادة المبادرة والسيطرة على الموقف... ويدعم فكرة المراهنة الغربية هذه ما نتابعه من مواقفهم الهزيلة والتي لا تزال تطالب بشار الأسد بالإصلاح أو التنحي...

إن الأوضاع في سورية متجهة نحو مزيد من الغموض... فالنظام السوري الآن يلعب بكل أوراقه المتاحة وهو لن يتردد بالدخول بأي مغامرة محسوبة أو غير محسوبة في سبيل استعادة السيطرة على الشعب والبقاء في سدة الحكم... وهو بذلك يدفع الدولة السورية برمتها إلى حافة الهاوية...

فلا الأوضاع الاجتماعية تُنبؤ بالخير ولا الاقتصادية ولا العسكرية... فالأزمة السورية الآن وصلت إلى كل مكونات الدولة... فمن الناحية الاجتماعية يحاول النظام أن يعبئ الجماهير طائفياً، في وقت تلوح فيه الجماهير بالعصيان المدني والذي يحرز تقدماً يوماً بعد الآخر... ومن الناحية الاقتصادية فكل المؤشرات تدل على قرب انهيار الليرة السورية وبالتالي الاقتصاد السوري برمته... ومن الناحية العسكرية فالأزمة فيها كبيرة، فالجيش والأمن يعانيان من الإرهاق والتخبط، والانشقاقات تهدد هذه المؤسسة برمتها، خاصة إذا ما وقع سيناريو الانشقاق الكبير والذي قد يوصل هذه المؤسسة إلى انهيار سريع ومفاجئ...

كل ما سبق سيؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط النظام... والمعلومات السابقة باتت معروفة لدى جميع السوريين... ويضاف إلى ذلك علم المتظاهرين المسبق بعواقب التراجع عن مطالبهم بإسقاط النظام والذي يعني بالنسبة لهم انتحاراً جماعياً...

إذاً على الغرب أن يعلم أن سقوط النظام أمر محتم لا مفر منه... فالغرب الذي كان سبباً في وجود هذا النظام وبقائه، عليه أن يتحمل مسؤولياته الآن تجاه سورية، فهو من تجاوز عن جرائم النظام القديمة في حماة وغيرها، ليتجلى لنا أعلى درجات الازدواجية الغربية إذا ما قارنا تفاعل الغرب مع الأحداث في دارفور السودانية مثلاً وتفاعله مع الأحداث الحالية في عموم سورية... فتخاذلهم إلى هذا اليوم... وترددهم في سحب الشرعية عن هذا النظام يزيد من تعقيد الأمور، فبدلاً من مجرد سقوطٍ للنظام العائلي الحالي، هم يدفعون بالأمور إلى سقوط سورية بكامل مؤسساتها المدنية والعسكرية، وسقوط سورية دولةً يعني الفوضى وانعدام الاستقرار، وبالتالي ربما تتحول سورية إلى بؤرة مضطربة في قلب الشرق الأوسط وهو بالتأكيد ما لا يريده الغرب...

إن سقوط سورية بمؤسساتها المدنية والعسكرية قد لا يغير كثيراً من المعادلة عند الشعب... فسواء سقط النظام أو سقطت الدولة، فالشعب مقبل على مرحلة بناء دولة مدنية جديدة عصرية... قد تكلفه بعض الوقت لكن السوريين بعقولهم المتنورة سيخرجون من أزمتهم لتصبح سورية نموذجاً فريداً في المنطقة... لكن هذا الوقت، من سقوط سورية كدولة إلى بناء دولة عصرية جديدة لن يكون لصالح الغرب... فالمعادلة بالنسبة لهم ليست بهذه البساطة... لأن خسارتهم من سقوط سورية كدولة سيكون كبيراً على مصالحهم، خصوصاً إذا ما ترافق ذلك مع بعض الفوضى وانعدام للاستقرار...

إذاً ما المطلوب من الإدارة الأمريكية والغرب؟؟

يتذرع الأمريكيون والغرب عند توجيه الانتقاد لهم بازدواجيتهم في التعامل مع الأزمة السورية والأزمة الليبية، بأن الشعب السوري هو من يرفض التدخل الأجنبي، هذه الذريعة جاءت على لسان جفري فيلتمان -مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى- بشكل واضح...

لكن الحل العسكري المفضي إلى احتلال أي أرض سورية هي فقط ما يرفضه الشعب... لكن ذلك لا ينسحب على رفع الشرعية الدولية عن النظام... فحتى هذه اللحظة لم تجرؤ أي دولة على حسم أمرها برفع الشرعية عن نظام الأسد... حتى فرنسا التي تعد قائدة أوروبا في التحركات ضد النظامين السوري والليبي لم تعلنها صراحة ولم تتخذ أي إجراء عملي يجسد رفع الشرعية عن النظام...

فالشعب السوري لن يمانع مثلاً من رفع الغطاء الدولي عن نظام الأسد، والذي يعني طرداً للسفراء وإلغاء لأي تمثيل رسمي لسورية في المحافل الدولية، ولن يمانع من حظر للطيران في سماء سورية لمنع استخدام الطائرات في قصف المدنيين... لن يمانع الشعب في حصار بري بحري جوي لأي قطعة سلاح أو أداة قد تدخل سورية قادمة من إيران أو حزب الله... لن يمانع الشعب من مقاطعة العالم للنفط السوري الذي تدخل ميزانيته لجيوب حكام سورية لتعود إلى المواطن على شكل رصاصة حية أو قاذفة أو دبابة...

فإذا ما أراد الغرب الحفاظ على سورية كدولة عليه الإسراع في الخطوات الضرورية لإسقاط النظام القائم وسحب الشرعية عنه وبأسرع وقت ممكن، فالوقت ليس في صالحهم كما هو ليس في صالح المواطن السوري الذي يتحرك عداد الموت عنده مع عداد الزمن...

=====================================

==============================

=====================

==========

===

شيخ القادة الملهمين

بقلم : الشيخ أبو النور قرة علي

ما سمعت بكلمة أشد جرأة من كلمة ألقاها الشيخ البوطي يوم الجمعة ، متعجبا من مجاهدين يقودهم أمريكان ، وليس هناك من تفسير لهذا التعجب الطارئ إلا كونه تعليقا على وجود السفير الأمريكي في حماه ، فالمجاهدون هناك الذين خرجوا بدمائهم وأموالهم وأرواحهم ينادون على الظلم أن يرحل وللطغيان أن يزول وللقتل وللإجرام أن يتوقف وللاغتصاب أن تنتهي فضائحه ، هؤلاء ومن أسابيع وأشهر يجأرون في كل يوم بأنه لا إله آلا الله ، ويقدمون الشهيد الشاب بأنه حبيب الله ، وأن الموت أهون من الذل ، وأن الحياة تحت سيف الهوان لا قيمة لها في نظر هؤلاء ومشاعرهم ،

 هذا ما تعجب منه شيخنا الجليل ، تعجب كيف ألقت حماة بفلذة أكبادها تذود عن أعراضها ، وتتهيأ لمواجهة دبابات الطغيان بمصابرتها ، وتعلن بأنها لن تكرر مأساتها ، وقد خرجت بكل أطيافها لا يقودها لون أو مذهب ، بل تجانست بمطالبها وتوحدت بقرارها ،

هؤلاء أدهشتهم مصابراتها ،يريدون أن يروا رأي العين ما حجبه الظالمون عن كل وسائل الإعلام، وجاء السفير الأمريكي شخصيا ودون استئذان السلطات حسب ما أُعلن ، جاء ليرى بعينه أي أمة هذه التي تجابه كل ذلك ، لينقل بعين اليقين إلى الجبارين في بلاده ليعلموا حقائق الأمور ، وأن إرادة أمة قد تبدت طلائعها ، وأن عزم شعب قد تطاولت بوارقه وراياته ،

 هذا كله تعجب الشيخ منه ، ورأى ان هذا السفير جاء ليقود هؤلاء إلى ساحات العزائم وهو الذي يمد هؤلاء بهتافات التوحيد التي تهتف لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله ، هذا السفير الذي سينقل متعجبا إلى بلاده ويقول يا قومنا لا طاقة لكم بعد اليوم بأمثال هؤلاء ، يا خطيب المنابر لعلك تكتب الخطب وحدك نعم نعم ، ولعلك تحركها في ذهنك بمفردك نعم نعم ، ولعلك تلقيها لتسمعها إذناك نعم ، لعل وعسى وإن تعجب فعجب أمرك ، فالمجاهدون هؤلاء من أبناء دينك وتلامذة دروسك رفضوا اليوم قيادة عمائم التردد لاضطراب موازينها , وجماعات التقزم لتبلد عقولها ، وارتضت الحق ان يكون رائدا لها ،

 لا تعجب يا شيخ من وقوف علماء المسلمين في جنبات الأرض ، ولا تعجب من تأييد رجال الدعوة في الوجود ، ولا من الحق والحقائق في المغارب والمشارق ، كل هؤلاء رأوا أقدار الله تتجلى وليست الشياطين التي تجتال صف المؤمنين كما ترى ، رأوا أقدار الله تحقق ما وعدت به المصابرين والمظلومين ودعاء الثكالى والمأسورين والتي كانت تتصاعد في الأسحار ، ويأتي الجواب من الله لنا يقول لأنصرنك ولو بعد حين ، فإذا جاء هذا الحين فلا راد له ، ولن يرده جبار ولا أعوان ولا متعجبون أو مندهشون ،

 كيف يأتي سفير ليقود بحار الجماهير؟ وهل رأيتم قطرة تقف أمام أمواج المحيطات ، ان هؤلاء لا تخدعهم زيارة سفراء ولا ينشدون عونا من هؤلاء العبيد لأنهم يعتمدون على العزيز المجيد ، ولا يكلون أمورهم إلا للواحد القهار، لأنهم بإرادة الله خرجوا وفي سيله بذلوا ولتحقيق كرامة العبودية له وحده استشهدوا ،

 إن الشياطين أيها الشيخ تجتال وتغتال ولكن بأساليب مختلفة فتارة عن طريق شهوة ، وتارة عن طريق شبهة ، وتارة عن طريق زلة في خطبة أو مقال ، أيها الشيخ لقد ا ارتأيت ان مجاهدي الشام قد اتخذوا السفير الأميركي قائدا وإماما ، ولا ندري من الذي تقف وراءه اليوم كإمام ،

 أيها الشيخ انك لم تعد ترى الأحداث كما هي ، أيها الشيخ لم تعد تستطيع تفسير الأمور وفق مجرياتها ، أيها الشيخ لم تعد قادرا على استنباط مدلولات التحرك الجماهيري ، كما لم تستطع استنباط تحركات السفير الأمريكي ، فقد تناسقت مرئياتك مع الفروع الأمنية والملهمين السياسيين أيها الشيخ لم تعد شيخ جماهيرك بل صرت مرهونا لأعلام الوهم وقيادات الوهن .

=====================================

==============================

=====================

==========

===

تأملات في شريط العاصفة الشعبية: في سوسيولوجيا تطبيق الشريعة

د. أكرم حجازي

كل متابع للشأن الإسلامي، العام والخاص، لا بد وأنه لاحظ نموا في الحركات والتيارات الإسلامية المنادية بتطبيق الشريعة في البلاد الإسلامية. ولا ريب أن الدعوات تصاعدت، أكثر من أي وقت مضى، مع انفجار الثورات الشعبية في بعض البلدان العربية. بطبيعة الحال فإن تعدد الدعوات المناصرة لتطبيق الشريعة لا يعني تماثلا في المناهج والآليات الموصلة للهدف. كما أن الدعوات المناهضة لا يصح ردها فقط إلى تباينات أيديولوجية أو تدخلات أجنبية. فما هي الحصيلة الإجمالية بعد عقود من المحاولات المضنية؟

 

 هذا النص ينطلق من كون الخلاف حول تطبيق الشريعة لا يتعلق بالحكم الشرعي، بل في الواقع الذي يعيق تنزيله. لذا فهو يثير بعض الأفكار والتساؤلات ذات الطابع السوسيولوجي. ويعرض للمسألة في ثلاثة محاور مركزية:

* أُس الدعوة إلى تطبيق الشريعة

* عوائق تطبيق الشريعة

* تيارات تطبيق الشريعة

* وأخيرا حوصلة

 

أُس الدعوة إلى تطبيق الشريعة

بداية نقول بأن تطبيق الأحكام الشرعية ليس حكما لاهوتيا بالمعنى الكنيسي الذي شاع في أوروبا. فالكنيسة مارست حكما استبداديا احتكرت فيه تفسير الإنجيل الذي لم يترجم من اللغة الآرامية إلى اللغة الألمانية، ومنها إلى اللغات الأوروبية، إلا بعد انشقاق الكنيسة في مطلع القرن الثالث عشر، وبعد ظهور حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في ألمانيا (1483 – 1546). وبقطع النظر عن موقف الإسلام من « الكتاب المقدس»، فقد استغفلت الكنيسة جهل الشعوب المسيحية باللغة الآرامية وبررت استبدادها وجرائمها وحروبها باسم الإنجيل. وهيمنت على السلطة والثروة والقرار، وتسببت بتحويل الشعوب الأوروبية إلى عبيد مقابل رجال الدين والنبلاء فيما بعد. وكان من نتيجة الحكم الكنيسي اختفاء أي حق أو مفهوم للمواطنة حتى بالمعنى الإنساني. لهذا لا يجب أن نعجب من صدور ميثاق للثورة الفرنسية سنة 1789 باسم: « حقوق الإنسان والمواطن». فلا الإنسان كان إنسانا في أوروبا المسيحية، ولا المواطن كان مواطنا!!! فما هي مبررات ترحيل المفهوم من أوروبا إلى العالم الإسلامي؟

 

 هذه هي « الدولة الدينية» التي أنشأتها الكنيسة وقادتها واتسمت بالتطرف والتعصب وشن الحروب والصراعات الدموية في أوروبا حتى سقوطها مع اندلاع الثورة الفرنسية. وهي الثورة التي انولد من رحمها ما يسمى اليوم ب « الدولة المدينة»! التي تحكم بموجب القوانين الوضعية، والتي لا شأن للإسلام والمسلمين في أصلها وفصلها، لا من قريب ولا من بعيد، إلا من أولئك الخصوم الذين لا يتوانون عن شهادة زور لا ترى في تطبيق الشريعة إلا نموذجا مطابقا لها!! مع ذلك ف « الدولة المدينة» في أوروبا لم تنكر الدين ولا هويتها كدول مسيحية بقدر ما أنكرت سلوك الكنيسة واحتكارها للدين وهيمنتها على الناس والحياة بلا مبرر إلا من تحريفات طبقة كهنوتية اجتمعت على تحريفات« الكتاب المقدس» لتنتهي بتجريد الإنسان من كل حق أو كرامة.

 

 وأكثر من ذلك فإن« الدولة المدينة» لم تتخلّ عن هويتها الدينية حتى في دساتيرها وأحزابها التي حملت لفظة « المسيحية» حتى في المسمى الظاهري لأحزابها الديمقراطية والاجتماعية. وحتى بعد مضي مائتي عام على الثورة الفرنسية، التي اكتسحت أوروبا، لا يخفى على العامة من الناس فضلا عن المتخصصين دعوات الحرب الصليبية التي يشنها الغرب على الإسلام بصريح القول، وعلى ألسنة قمة الهرم السياسي في دول «المركز»، فضلا عن الممارسات التي تحول دون المسلمين وحقهم ولو في بناء مسجد أو مئذنة أو ارتداء المرأة المسلمة لحجاب أو نقاب في بلاد الغرب المسيحي. والاحتجاج بكون المظاهر الإسلامية طائفية، أو تعبر عن تطرف، أو تعيق الاندماج الاجتماعي، أو، كما ترى هولندا، تمس في عادات وتقاليد البلاد!!!

 

 واضح أن الخصوم والأعداء حريصون على مسيحية «المركز» وكنائس « الهامش»، وحريصون أكثر من اللازم على هدم الإسلام، عقيدة وهوية، لكنهم ليسوا حريصين على دولة مدنية خالية من بطش الأمن والاستبداد. وليسوا حريصين حتى على لبراليتهم التي يزعمون تبنيهم لها أو دفاعهم عنها، وليسوا حريصين على التحدث وفق الحقائق التاريخية أو المنطق أو الواقع المعاش. هذا لأنهم شهود زور: (1) قبلوا الاصطفاف، طوعا، في خندق أعداء الأمة، وتنفيذ أجندات خارجية، تستهدف الإسلام والهوية الإسلامية، و (2) ولأنهم لا يستطيعون إلا أن يدافعوا عن بيئة فاسدة ومستبدة كي يأمنوا على أنفسهم من أن تطالهم، في يوم ما، أية مساءلة شرعية عما اقترفوه بحق الأمة من مظالم وجرائم وخيانات. و (3) لأنهم لا يمتلكون أية قوة اجتماعية أو سياسية بقدر ما يمتلكون قوة إعلامية ومالية ذات ارتباط وثيق ب «المركز»، فإذا عدلوا من شهاداتهم انكشف حجمهم وانخرس ضجيجهم واندثر وجودهم، وظهر «المركز» مجردا من أي أداة تنتصر له.

 

 علاوة على أن الإسلام انبعث أصلا في بيئة مدنية، بحسب التعبير المعاصر، فقد ترعرع في نفس البيئة، واشتد عوده في المدن حصرا. كانت مدينة الأمس كمدينة اليوم تحوي كل الفئات والشرائح الاجتماعية والطوائف كجزء من التكوين الاجتماعي في المجتمع الإسلامي النبوي. وفيما بعد تنوعت المجتمعات الإسلامية لتشمل كافة الأعراق والأجناس. وكلها تحاكمت فيما بينها بمقتضى الشريعة الإسلامية، وليس بمقتضى أية شريعة أخرى. ولم تكن الشريعة عبء على أحد، ولم تشْكُ منها طائفة بقدر ما تحاكم إليها المسلم والفاجر والذمي والكافر والمشرك، واستعان بها لإنصافه إلى أن دخل الإسلام طمعا في عدلها. ولعلها عبارة ذات دلالة بالغة، تلك التي وردت في كثير من الأحايين على ألسنة أهل الذمة، لما يصدر القاضي المسلم حكما ينصف الذمي الذي تساءل مذهولا قبل أن يشهر إسلامه: « أهذا هو دينكم»!!!!؟

باختصار؛ فالشريعة، بما تفرزه من نمط حياة وسلوك ومعاملات وقيم وأخلاق وأعراف، مثلت القاسم المشترك بين الجميع. وبها ميز الناس بين الحق والباطل والصواب والخطأ والحلال والحرام. ولم يك أحد من المسلمين، علماء أو أمراء، ليتدخلوا في حياة الناس أو يضيقوا عليهم.

 وحتى الفتوحات الإسلامية للبلدان والأمصار في شتى أصقاع الأرض، لم تكن في المبدأ والمنتهى أكثر من عملية تحرير للناس، نفذتها الجيوش الإسلامية دون أن تتدخل في المجتمع قط، أو تخضعه بالقوة، كحال القوى الاستعمارية التي مارست القتل والنهب والسلب، وارتكبت كل المحرمات بحق الشعوب المستعمرة. فالأمر في حقيقته كان موكولا للعلماء والدعاة الذين بينوا للناس الحقيقة، ووجهوهم لما يجوز أو لا يجوز، وبعدها لهم أن يوحدوا الله أو يشركوا به، فهذا شأنهم. وعليه فلم تكن الفتوحات غزوا عدوانيا وشريرا لتغير من الواقع شيئا، أو تمس المجتمع وحياة الناس وعاداتهم وأعرافهم، بقدر ما كانت رسالة تدعوهم إلى عبودية الله عز وجل بدلا من عبودية البشر .. فأي مكسب دنيوي أو ثروات نهبها الفاتحون وكل ما لديهم رسالة لا محتوى لها سوى الدعوة إلى الله فقط، وبيان ما يتفق أو يتعارض مع حكمه. لذا لم يجد الناس في الفتوحات الإسلامية ما يوغر الصدور، ولم يكن غريبا أن نجد الكثير من البلدان تدخل الإسلام قبل أن يصلها أو تسمع به أو تتعرض لفتح.

 

 لا ينكر أحد اليوم أن نمط الحياة السائد في المجتمعات الإسلامية ظاهر للعيان. لكنه أقرب إلى الموروث الحضاري من أية حيوية تذكر. فثمة من يختزله بوفرة المساجد وإقامة الصلاة وحضور المظهر الإسلامي بالمقارنة مع أنماط الحياة الأوروبية مثلا أو الوثنية أو الملحدة .. وثمة من يراه حاضرا ومعبرا عن هوية الدولة في صورة بند دستوري لا يغني ولا يسمن من جوع في نصه على أن الشريعة هي المصدر الرئيس أو الوحيد في التشريع. ومع أنه ما من دولة إسلامية يحق لها، شرعا، الخروج عن الشريعة، إلا أن الواقع يؤكد، نصا وقولا وفعلا، أنه ما من دولة إسلامية تطبق الشريعة. وهذا بإقرار علماء شرعيين، ورجال قانون وضعي، وحتى الدول نفسها، سواء التي تزعم التوحيد أو تلك التي تجاهر بعلمانيتها وتدافع عنها ولو بسفك الدماء.

 

 فالأحكام الشرعية نظام واسع لا حدود له، وليست مجرد مسجد أو بند دستوري مهدد بالزوال، أو حتى نظام عقوبات كما يروج الخصوم. فهي تشمل أحكاما وإخبارا عن الدين والدنيا والآخرة .. وكلها تنصهر لتشكل نمطا اجتماعيا مغايرا كليا عما هو قائم، وأشد تماسكا وأكثر عدالة. ولو تأمل الخصوم (في) أو المحذرون (من) نظام العقوبات، فقط، في حكم الزنا مثلا، لوجدوا شروطا بالغة الصرامة ينبغي التقيد بها قبل تنفيذ الحد الشرعي. ولعل الزنا، وليس المفاحشة أو الخلوة أو ... هو أصعب ما يمكن إثباته في العقوبات. فهو محصور بين الاعتراف به أو بتوفر أربعة شهود عدول شاهدوا الواقعة مجتمعين، أو بالملاعنة بين الزوج والزوجة أمام القاضي. وأكثر من ذلك. فكل الذين درسوا المجتمعات القبلية، وتلك التي تعلي من شأن القيم والعادات، أو المتأثرين بثقافة الفضيحة، يدركون أن الحكم الشرعي في المسائل الأخلاقية أرحم بما لا يقارن مع أي حكم وضعي أو عرف اجتماعي. وكثيرا ما قتلت البريئات من النساء والفتيات لمجرد الاشتباه بإتيان سلوك غير لائق اجتماعيا!! ولو كان ثمة بصيص من العدالة لكان لزاما، على الأقل، أن يتساوى في العقوبة شائن الأنثى مع شائن الذكر. لكنه التمييز الاجتماعي الظالم وليس الحكم الشرعي كما يروج خصوم تطبيق الشريعة وأعداؤها.

 

 من يرفض تطبيق الشريعة، لأي سب كان، إنما يرفض الإسلام ذاته. ومن يطالب بها فلأنه يؤمن أنه في دولة من المفترض أنها إسلامية، وفي مجتمع إسلامي، وليس في مجتمع مسيحي أو بوذي أو هندوسي أو وثني أو يهودي، وبالتالي فمن حقه أن يختار الحكم الذي يرتضيه لنفسه. ولما تكون غالبية المجتمع مسلمة فلا يجوز تعليق الحكم الشرعي على شواذ المجتمع أو على الأقليات مثلما لا يجوز التعدي على حقوقها. وهي حقوق محفوظة ومصانة أكثر مما هي كذلك فيما يسمى بالنظام الديمقراطي الذي يجعل الحكم للأغلبية بشرط احترام حقوق الأقلية. وشتان بين مزاعم دنيوية عن الاحترام قد تنضبط حينا وتختفي دهرا، وبين الالتزام الشرعي بحفظ الحقوق رغم أنف الحاكم والعالم والعامة. فالحكم الشرعي هو إرادة إلهية من فوق سبع سموات وليس حكما كنيسيا لطبقة متسلطة أهلكت الحرث والنسل.

 

واقع الحال أن غياب العمل بأحكام الشريعة نجم عنه، أو تلازم مع:

* استهداف دين الله ورسله وأنبيائه وعباده وحرماته، ومع استبدال الأحكام الشرعية بالأحكام الوضعية،

* التسابق على ما يسمى بالشرعية الدولية والتقيد بأحكامها والاستعانة أو الاستدلال والاحتجاج بها،

* التهديدات الخارجية لبلاد المسلمين،

* الاختراق الثقافي الأجنبي للمجتمعات الإسلامية،

* تغول الأقليات الإثنية والقومية،

* الانحراف العقدي،

* الدعوة إلى تجاوز الدين باعتباره ماض لا يصلح لوقتنا الحاضر،

* الطعن في التاريخ الإسلامي،

* سيادة الطوائف والفرق المنحرفة التي تنسب نفسها للإسلام،

* موالاة أهل الكفر والشرك والزندقة والإلحاد أو الاستعانة بهم على أهل الإسلام،

* سيادة الاستبداد، وعبادة الفرد،

* شيوع الفساد والظلم وضياع الحقوق،

* ظهور الفاحشة والزنا،

* القعود عن الجهاد،

* الصراعات المحلية وسفك الدماء،

* ومع ... .

 

 لهذا ثمة حاجة لتطبيق الشريعة، إذا كان للعالم الإسلامي أن يتجاوز نوازله ويعيد تجديد نفسه. لكن، رغم فداحة مثل هذه النوازل، إلا أن تطبيق الشريعة منوط ب « الامتثال» القطعي للأمر الإلهي في الحكم بما أنزل الله. ولا جادل في هذا « الامتثال» إلا استحق ما تحمله هذه الآيات البينات من توصيف:

 

* { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، [سورة النساء: 65].

* { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ }، [ المائدة: 49].

* { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ }، [ النساء: 105].

* { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }، [ المائدة: 48].

* { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }، [ المائدة: 50].

* { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }، [ المائدة: 44].

* { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، [ المائدة: 45].

* { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزل اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، [ المائدة: 47].

* { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، [ المائدة: 48].

 هذه الآيات تعني أن تطبيق الشريعة ليس مشروطا أبدا بوجود النوازل من عدمها. كما أنه ليس من الدين أو العقل، في شيء، ربط تطبيق الشريعة بالحاجة إلى العدالة أو بناء الدولة الإسلامية القوية. فمن يقبل بهذه المعادلة عليه أن يتوقع رفضا للشريعة إذا ما وقعت المظالم والمفاسد أو ضعفت الدولة، في حين أن « الامتثال» لحكم الله هو عبادة وطاعة وليس تعبيرا عن مجرد احتياج دنيوي.

 

 ولمزيد من الإيضاح في هذه النقطة بالذات يمكن التمييز بين الحكم الشرعي وتطبيقاته البشرية. إذ أن تطبيق الشريعة لا يستوجب، بالضرورة، ازدهار الأمة أو خلاصها من أزماتها أو إشاعة العدل بين الناس أو رفع المظالم عنها. فلكل أمة أزماتها ومزالقها. ولكل زمن أخياره وأشراره. وكما شهد التاريخ الإسلامي نهوضا علميا ومعرفيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا، فقد شهد أيضا خيانات، ووقوع مظالم وكوارث ونوازل عظيمة، تسبب بها أمراء وسلاطين وخلفاء، خرجوا عن حكم الله، وفسقوا وابتدعوا فضلوا وأضلوا خلقا كثيرا، وعرّضوا الأمة لمخاطر وأطماع من كل حدب وصوب. وحال الأمة اليوم لا يخفى على أحد. وبالتالي فلا حاجة أصلا للمقارنة.

 

 زيادة على كون تطبيق الشريعة عبادة، فإن أميز ما في الحكم الشرعي، دون غيره، أنه، قادر، على المستوى الخارجي، على حفظ بيضة الإسلام ودماء المسلمين، حتى في أضعف حالاته، مثلما هو قادر على حفظ ممتلكاتهم ومقدساتهم وحرماتهم وأعراضهم من أن يدنسها أو ينتهكها أو يستبيحها أقوام الكفر. أما، على المستوى الداخلي، فإن الأحكام الشرعية، حتى في ظل أشد الأمراء استبدادا، ظلت أعدل من أي حكم وضعي باعتبارها أحكاما إلهية ثابتة، وليست دنيوية يمكن للزمن والتقلبات أن تأتي عليها.

 

عوائق تطبيق الشريعة

المؤكد أن «المركز» لا يمكن له أن يسمح بأي تطبيق فعلي للشريعة ولو جزئيا. ومع ذلك فقد جرت محاولات عديدة لتطبيق الشريعة، جزئيا أو كليا، في بعض بلدان العالم الإسلامي كالسودان وماليزيا وباكستان وأفغانستان والعراق والصومال وبعض مناطق نيجيريا.

 

 لكن هذه المحاولات أثارت ( وما زالت تثير) سلسلة من الإشكاليات التي ظلت طي العرض والمناقشة، رغم أنها تقع في صلب السياسة الشرعية التي تجتهد في البحث عن كافة الوسائل الشرعية التي لا « تتعارض» مع الحكم الشرعي، وليس الاكتفاء، فقط، بالسياسة الشرعية التي « تتطابق» معه فحسب. صحيح أن الالتزام بالحكم الشرعي هو الأصل. لكن الالتزام وحده لا يكفي. فلما تكون هناك مسافة بين الحكم الشرعي والواقع؛ فمن أوجب الواجبات في السياسة الشرعية فحص مكونات المسافة الفاصلة بينهما، أو توسيع مساحة النظر في الواقع لمعاينة ما يحول بين الناس والحكم الشرعي من عوائق وعقبات وخفايا.

 

 كان بعض الصحابة في العصر النبوي ترتعد فرائصه من آية واحدة تكفيه بقية عمره للالتزام بشرع الله. أما في عصرنا هذا فالثابت أن كل المصادر الشرعية، ، لم تعد كافية لحمل النظم السياسية (على) أو إلزامها (ب) تطبيق الشريعة. بل أنها لم تعد قادرة على إلزام أي تشكيل سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي بوجوب العمل على تحقيق هذا الهدف. وأكثر من ذلك أنها لم تعد قادرة على إلزام العامة من المسلمين بأبسط وأسهل الأوامر والنواهي. ولما يكون هذا هو الحال الظاهر، على الأقل، فمن غير المجدي أو المنطقي تعليق العجز أو الفشل على المصادر الشرعية، أو على جماعة أو فرد. فالمسألة لا تتصل بتحييد حاكم ولا بكسب جماعة ولا بتأييد شيخ بقدر ما هي متصلة بهذا وذاك وغيرهما. إذ من الواضح أنه ثمة مسافة بين الحكم الشرعي والقدرة على تطبيقه. وهذا يستدعي، من أصحاب الشأن، دراسات عميقة وشديدة الحياد لمعالجة إشكاليات متجذرة في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، ليس لحصر العوائق التي تعترض تطبيق الشريعة بل ولاختبار صحتها.

 

 لو تجاوزنا كل المثالب المتعلقة بالنظم السياسية؛ ولو أحسنا الظن بها؛ ولو ظهر منها من هو ذو نوازع إسلامية، أو حتى متمردا على الفلسفات الوضعية، إلا أنها تظل، مع ذلك، نظما محكومة بالتبعية المطلقة ل «المركز» وهيمنته. وهذا يعني أنها ستكون بلا جدوى. فالتوصيف السياسي والقانوني الظاهري للدول العربية، خاصة، بموجب مصطلحات النظام الدولي القائم وشرعياته القانونية، يعطيها صفة الدول المستقلة ذات السيادة. لكنها في الواقع دول محتلة من الداخل، بقطع النظر عن هوية السلطة الحاكمة فيها. ولو افترضنا، جدلا، قدرة نظام سياسي ما على إطلاق الحريات العامة وإشاعة العدل ورفع المظالم إلا أنه يظل فاقدا لقدرته على تطبيق الشريعة.

 

 علاوة على أن النظام لا يستطيع فعل هذا ولا ذاك، فإن تطبيق الشريعة يتعارض، كنمط حياة ورسالة، مع نمط حياة «المركز» كأطروحة هيمنة. بمعنى أنه إذا كان تطبيق الشريعة بالنسبة ل « الهامش» يحقق مكاسب فهو قطعا بالنسبة ل «المركز» سيعني هزيمة ومخاسر وتهديد لمصالحه. وإذا وسعنا دائرة التحليل أكثر فإن تطبيق الشريعة تمثل بالنسبة ل «المركز» و « الهامش» ذروة الصدام بين الطرفين. وعليه فمن شبه المستحيل توقع ذهاب أي نظام إلى تطبيق الشريعة دون أن يوازيه استعداد للذهاب إلى الحرب.

 

 بالتأكيد لن يختلف الموقف كثيرا أو قليلا لو تعلق الأمر بالتشكيلات الدينية وولاءاتها أو بالجماعات والفرق الإسلامية. فقد عملت النظم منذ وقت مبكر، ولمّا تزل، على تأهيل جيوش من الطلبة في كليات الشريعة ليكونوا سدنة شرعيين للنظام طوال الوقت، وخاصة في الأزمات. وبعض هؤلاء جرى ترقيتهم كرموز دينية واجتماعية ليس لهم من وظيفة إلا تشريع الوضع القائم. هذا ناهيك عن الشريحة التقليدية الشهيرة بلقب « علماء السلاطين» والذين انحدروا من شرائح التأهيل التاريخية أو اختاروا، طواعية، جانب النظام، ظالما أو مظلوما.

 

 في أعقاب حرب الخليج الثانية سنة 1991، أو مع سيادة العولمة، وتوجه النظم السياسية نحو قيم اللبرالية بالمعنى التحرري وليس بمعنى الحرية، كشف النقاب عن رموز تلقت دعما ماليا وإعلاميا وشرعيا جبارا، لتنتهي إلى تيارات حملت أسماء مؤسسيها ك « الجامية» و« المدخلية». هذه التيارات أفصحت عن جواهر عقائدها خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على وجه التحديد لتلتحم مع النظم السياسية وتوجهاتها، وتحديدا مع الحاكم نفسه. وهي تيارات يغلب على عقائدها موضوع واحد هو الدفاع المستميت عن « ولاية الأمر» ووجوب طاعة الولي ما لم يستحل الكفر علانية. بل وصل الأمر ببعض التيارات والجماعات اعتبار النصراني أو اليهودي، مؤمن « بدرجة ما»، ولا يصح تكفيره أو وصفه بالكافر، وأكثر من ذلك يجوز له أن يتولي أمر المسلمين!!!

 

 ثمة أطروحة شائعة لدى الكثير من العاملين في الحقل الإسلامي ترى أن التيارات والجماعات الإسلامية، وحتى بعض الجهادية، تتكامل فيما بينهما لجهة سعيها في خدمة الإسلام والمسلمين والدعوة إلى الله عز وجل وصولا إلى بناء الأمة المسلمة، واستعادتها لقوتها وعزتها. والحقيقة أنها أطروحة أبعد ما تكون عن أية حقيقة تذكر. وبالتالي ليس صحيحا أنها تتفق على الهدف وتختلف على المنهج. والواقع أنها متنافرة وليست متكاملة. ومتخاصمة وليست متوافقة. وهي على خصومة، بدرجات، مع جماعات التيار الجهادي العالمي وجماعات تطبيق الشريعة وأنصارها.

 فمن جهة تبدو هذه التيارات والجماعات متشظية حتى داخل ما يفترض أنه تيار متجانس. وهذا الأمر ينطبق بالدرجة الأساس على التيارين السلفي والصوفي. والأسوأ من هذا أنها تيارات قابلة للانقسام حتى على مستوى الفرد، وليس فقط على مستوى الولاء أو المنهج أو العقيدة!!! فكل فرد ( شيخ ) صار له منهجه وعقيدته وأتباعه، وكل فرد (درويش) صار له طريقته. ومن جهة أخرى لا تتفق هذه الجماعات والتيارات على مبدأ تطبيق الشريعة!!! فثمة فريق منها يرى أن الشريعة مطبقة، والدولة دولة توحيد ( سلفية السعودية)! وفريق آخر آمن بتطبيق الشريعة بدايةً وصار يتنصل منها نهاية ( الإخوان المسلمين)، وفريق يضع الخلافة على سلم أولوياته ( حزب التحرير)، وفريق آخر لا يضع تطبيق الشريعة في أي اعتبار له ( التبليغ والدعوة) وفريق موضوعه العقدي الدفاع عن القبور والأضرحة ( الصوفية)، وهكذا ... .

 

 إذا عاينا المسألة في ضوء التركيبة الاجتماعية وخصائصها، فإن الدعوة إلى تطبيق الشريعة ستواجَه بقوىً مضادة في مستويات ثقافية وسياسية واقتصادية وإثنية متشعبة. وقد لا تبدو الصورة واضحة في المجتمعات قليلة السكان أو البسيطة التركيب. لكن لو أخذنا مثلا دولة بحجم مصر فقد نفاجأ بعشرة ملايين من البشر أو أكثر، يقفون سدا منيعا ضد أية محاولة لتطبيق الشريعة، من صنف العلمانيين، واللبراليين، والزنادقة، والملحدين، والأديان، والفرق، والمخالفين، والخصوم، والجهلة، والضالين، والمجرمين، والمنحرفين ... وأمثالهم. هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن مثل هذه الشرائح أقل أثرا في الدول المتوسطة أو حتى الصغيرة. بل أن قدرتها على السيطرة تكاد تتفوق على مثيلتها في الدول الكبرى، لاسيما وأن عملية السيطرة والتحكم في البلاد سهلة خاصة وأنها تقع خارج أية مراقبة من أي نوع.

 

 شرائح واسعة من هؤلاء، جميعا، وأمثالهم، ودفاعا عن نمط حياتهم ومصالحهم وأهوائهم، ورفضا لأية قيود عقدية أو اجتماعية أو أخلاقية، باتوا، بعلم أو بجهل، مؤهلين، لمناهضة أية محاولات لفك الارتباط بين العالم الإسلامي و «المركز»، ومؤهلين لإشاعة ثقافة التحلل الاجتماعي والخلقي، ومؤهلين للتحالف مع «المركز» بكل ثقلهم، ومؤهلين لتخذيل الأمة وإحباطها، ومؤهلين حتى للتآمر والعمالة والخيانة، ومؤهلين للتفريط بالأمة ومصيرها، ومؤهلين لحماية ما يظنون أنها مصالح ومكاسب على حساب مصير الأمة، ومؤهلين لهدم أية محاولة لتطبيق الشريعة كما حصل خاصة في العراق.

 

تيارات تطبيق الشريعة

هذه التيارات هي الأكثر تماسكا ووضوحا في أهدافها، إلا أنها متباينة في مناهج العمل. وتتخذ من المصادر الشرعية ( القرآن والسنة بفهم السلف) سندا في سعيها لتطبيق الشريعة. لذا فهي تؤمن إيمانا جازما بوجوب الحكم بما أنزل الله. لكنها تفترق فيما بينها على المصادر الفقهية المعاصرة. بمعنى أنها تتحصن بوفرة هائلة من التأصيلات الشرعية الموثقة بكل الأسانيد اللازمة لإثبات دعوى تطبيق الشريعة. لكنها تعاني فقرا في الدراسات، الفقهية أو العلمية، المتخصصة وذات الصلة بفقه الواقع.

 

تيار الجهاد المدني

فثمة تيار منه يتمسك بالأطروحة الشرعية الصارمة، ويرفض العمل بما تتيحه الظروف السياسية أو ما يعتبره شروطا غير شرعية. وحجته في ذلك عدم جواز الوصول إلى غايات شرعية بوسائل غير شرعية. ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في تقديم الحكم الشرعي على الواقع دون أن يجتهد في البحث عن مخارج أو بدائل. وتبعا لذلك يكتفي بتوصيف النظم السياسية والدول باعتبارها طائفة كفر لأنها تحكم بغير ما أنزل الله. كما أن وسائل العمل السياسي كالديمقراطية والانتخابات، والسلطات الثلاث، ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وكذا الجيوش، والأمن، والمالية، وكل ما يماثلها من أدوات القوة والدعم للنظام والدولة، تقع خارج الملة. إذ هي نظم وأدوات ووسائل كفرية لا يصح الاستعانة بها.

هذا التيار متواجد في معظم دول العالم الإسلامي. لكنه موضع لوم بسبب ما يراه جزء لا بأس به من التيار نفسه انحياز مطلقا للحكم الشرعي، بعيدا عن النظر في أية سياسة شرعية تستطلع الواقع في أعماقه قبل الحكم عليه. والطريف أنه لا هذا الجزء ولا ذاك قدم أية قراءة يمكن أن تجيب على أسئلة أي منهما.

فالدولة الحديثة شديدة التعقيد والتخصص، وهي خلاصة النظام الدولي والإنساني بقطع النظر عن مدى شرعية نظام الحكم فيها. كما أن التفاعل وحجم تبادل المصالح والمنافع والخدمات بينها وبين العامة شديد التعقيد والتداخل. ففي الدولة ثمة مؤسسات كبرى كالجيش والأمن والإدارة والمال والتجارة والصناعة والزراعة والتعليم والصحة والمياه والعمل والتربية والرعاية والإسكان والتنظيم وقضايا الأحوال المدنية والقضاء الشرعي والوضعي، فضلا عن العشرات منها وما يتفرع عنها من مئات أخرى. فكيف يمكن فك الارتباط بين الدولة والناس؟ وكيف يمكن توقع استجابة الناس لدعوى فك الارتباط بحجة أن الدولة كافرة، خاصة وأن الحديث يجري عن 56 دولة إسلامية أو 1.6 مليار مسلم؟

 

 لا توجد أية إجابات تفصيلية حول ما يُطرح من أسئلة واستفسارات ولا توجيهات أو نصائح. كل ما هو متوفر حكم شرعي مجرد من أية اجتهادات تلامس طغيان الواقع. فما هو حكم العلاقة، مثلا، بين الفرد والدولة؟ وكيف يمكن صياغة علاقة شرعية بين الناس وقطاع التعليم أو الصحة دون اللجوء إلى الدولة؟ وكيف يمكن صياغة علاقة شرعية بين الناس في قضايا الأحوال المدنية من طلاق وزواج وميراث وإثبات الشخصية؟ أو في النزاعات؟ أو في السفر؟ أو في الخدمات؟ أو في الضرائب؟ أو في .... إلخ

لا ريب أن التيار يعاني من نقطة ضعف مركزية، وشديدة الخطورة .. نقطة جعلت المسافة بينه وبين العامة كتلك المسافة القائمة بين الناس وتطبيق الشريعة. إذ أن حصر الناس في زاوية الحكم الشرعي، والصرامة في اشتراط الفقه على العامة وسط ظروف قاهرة ليس للعامة شأن مباشر في نشأتها ولا في سيادتها، تَسبَّب بردود فعل سلبية أو لامبالاة. لكن الأهم أنها مثّلت بالنسبة ل «المركز» و « الهامش»، معا، هدية ثمينة للتنفير من التيار، ودفعه، بوسائل شتى، نحو المزيد من التحصن في الحكم الشرعي أملا في توسيع المسافة الفاصلة، وبالتالي تنفير الناس وفرض ما يشبه العزلة الاجتماعية عليه بحيث يسهل تشويهه إعلاميا ومحاصرته ونبذه على نطاق واسع.

 

 وفي المقابل ثمة جناح حركي من التيار يقف على النقيض من سابقه. وهو متواجد بقوة في بعض البلدان الإسلامية خاصة في مصر وباكستان وحتى بعض بلدان المغرب العربي. وهو، في واقع الأمر، أقرب إلى أن يكون تيارا أكثر منه تعبيرا عن قوة سياسية منظمة. ولئن كان، القسم العربي منه، يرفض المشاركة السياسية أو الخروج على النظام، قبل الثورات العربية، بدعوى عدم جواز الخروج على ولاية الأمر أو تجنبا لتصعيد قد يؤدي إلى فتنة، إلا أن رياح التغيير المفاجئة، وهجمة القوى اللبرالية والعلمانية على الإسلام والهوية الإسلامية، وضغط الأتباع، فضلا عن تهديد النسيج الاجتماعي وإشاعة الفتن الطائفية المدمرة ألجأته إلى خيارات صعبة:

* فإما أن يتمسك باجتهاداته الشرعية السابقة، وينأى بنفسه عن الواقع وصراعاته الخطيرة، وهو ما يصب، في المحصلة المباشرة، في صالح القوى الخصيمة والمعادية للإسلام، وفي نفس الوقت بانفلات الأتباع وتشتتهم؛

* وإما أن يضطر إلى الاستعانة بوسائل غير شرعية لتحقيق غايات شرعية. ويقبل بالتعامل مع الدولة والواقع كما هما. وهو ما انحاز إليه اعتقادا منه أنه ما من فرصة للوصول إلى الحكم أو تطبيق الشريعة، أو على الأقل الحفاظ على هوية الدولة الإسلامية، أو مقاومة القوى المعادية إلا بالوسائل المتوفرة.

ورغم تمسك هذا الجناح الحركي بمصطلحاته الشرعية، إلا أنه يستعمل كافة الأدوات والمصطلحات الوضعية مثل الأحزاب والديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع كوسائل عمل وليس اعتقاد. ويرى أن الوحدة الوطنية باتت ضرورة ملحة للغاية، لمواجهة الحرب الشرسة على المجتمعات الإسلامية التي تتهددها التمزقات الاجتماعية القائمة على الولاءات الطائفية أو القبلية أو العائلية أو العرقية أو السياسية أو الثقافية أو التاريخية أو الجغرافية .. وليس على الأخوة الإسلامية أو العربية أو على الضرورات الاجتماعية والأمنية.

هذا الجناح له مؤسساته وأحزابه، ويحظى بشعبية واسعة النطاق، خاصة وأنه يخوض صراعا مباشرا في مواجهته للقوى المعادية والخصيمة للإسلام. وله قدرات حيوية في التأثير وتوجيه الرأي العام المحلي، مستفيدا من مكانته الشرعية وتواجده المكثف في مختلف المؤسسات ونقاط السيطرة الاجتماعية. بل أن أطروحاته وفرت غطاء شرعيا وملاذا لكثير من الناشطين في إطار تطبيق الشريعة لاسيما أولئك الذين وقعوا في حيرة من أمرهم بين الالتزام بأطروحة دعاة الحكم الشرعي في قراءته الصارمة ودعاة المرونة الحركية التي يفرضها ضغط الواقع.

 

 وفي المحصلة لا يمكن غض الطرف عن كون الأطروحتين حققتا حضورا لافتا في الأمة، أكثر من أي وقت مضى، رغم الحرب الضروس التي يشنها الأعداء والخصوم، سواء لجهة وجوب العمل على تطبيق الشريعة، أو لجهة تثبيت شرعية الدعوة. لكن الافتراق المنهجي بين جناحي تيار الجهاد المدني لا يمكن تفسيره بعيدا عن الفقر في الدراسات الشرعية الشاملة ذات العمق الاجتماعي .. دراسات تكشف عن خبايا الحكم الشرعي في الواقع الاجتماعي وليس العكس. وبالتأكيد؛ فإن ظهور دراسات من هذا النوع سيؤدي إلى تقليل مساحة الافتراق لصالح مساحة الوفاق.

 

تيار الجهاد المسلح

تتقاطع أطروحة هذا التيار، الذي اتخذ من الجهاد المسلح منهجا له، تماما مع أطروحة تيار الجهاد المدني. والساعي إلى تحقيق أربعة أهداف على التوالي هي:

 (1) تحرير البلاد الإسلامية من القوى الأجنبية ومما يعتبره أنظمة طاغوتية؛

(2) تطبيق الشريعة في حدود التمكين؛

(3) إقامة الدولة الإسلامية الممَكَّنة؛

(4) العمل على إعلان الخلافة الإسلامية.

 

 مبدئيا؛ فالتيار لا يعارض الجهاد المدني أبدا. ولا صيغة الدولة الحديثة، أو إقامة علاقات دولية وحسن جوار، من موقع الندية والحق في اختيار نمط الحكم استنادا إلى الأحكام الشرعية، واستعادة الحقوق. لكنه يدرك استحالة قبول «المركز» أو « الهامش» بدولة تطبق الأحكام الشرعية. ولديه قراءة واضحة وصارمة حول دور «المركز» تجاه دول « الهامش» التي تدور أنظمتها، طوعا أو كرها، في فلكه. وعليه فما من وسيلة لتجاوز هذه العقبات إلا بالخروج على «المركز» ومقاتلته ولو في عقر داره.

أما أولى المحاولات فكانت في أفغانستان، لكن ليس بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي (15/2/1989)، بل بعد تولي « حركة طالبان» السلطة في البلاد، حيث أعلنت إقامة أول إمارة إسلامية كاملة الأركان بقيادة أمير المؤمنين الملا محمد عمر (1996 – 2001). وبعد هجمات 11 سبتمبر غزت الولايات المتحدة البلاد وأطاحت بحكم الإمارة.

المهم؛ أن تجربة تطبيق الشريعة في أفغانستان كانت تجربة وليدة، وفاقدة حتى للخبرة الشرعية، لاسيما في مجال العلاقات الدولية. وهذا لا يقلل من أهمية التجربة وقوتها وجرأتها بقدر ما أظهر قصورا، في مستوى الفقه والسياسة الشرعية. وللإنصاف، فإن حركة طالبان، صاحبة المبادرة، في تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية بلا أية خبرة سياسية أو شرعية سابقة، تُرِكت، هي والتجربة ذاتها، فريسة ل «المركز» و « الهامش»، ودون مساندة من العلماء والفقهاء والمفكرين والمتخصصين في العالم الإسلامي، فضلا عن محاصرتها وتهميشها وحتى رميها بالتخلف.

هذا القصور الشرعي؛ عملت الحركة على استدراكه فيما يسمى ب: « لائحة المجاهدين في الإمارة الإسلامية» التي صدرت عن « أهل الحل والعقد في الإمارة» بتوقيع الملا عمر، وتناولتها وسائل الإعلام بتاريخ 27/9/2009. وفعليا تبدو اللائحة كدستور مؤقت تم تنقيحه استجابة ل (1) واقع الجهاد الأفغاني، و(2) الإجابة على تساؤلات ملحة تتعلق بالحقوق الاجتماعية والفردية، بالإضافة إلى: « ضمان تعليم الإناث في إطار ما تسمح به تعاليم الشريعة الإسلامية»، و (3) ضبط العلاقات الدولية للحركة بما فيها: « استعداد طالبان للتعاون مع الأمم المتحدة واحترام حقوق الإنسان ما لم تتعارض مع النصوص الإسلامية». ومن الطريف التنبيه إلى أن ما نشرته وسائل الإعلام العربية عن اللائحة، وخاصة « قناة الجزيرة»، اقتصر على التعريف بالجانب الميداني الذي اهتم بالتوجيه الشرعي للمجاهدين في مسائل الأسرى والرهائن. بينما ركزت صحيفة « التلغراف» البريطانية (29/9/2009) على التعديلات المتعلقة بالجوانب الشرعية.

في 15/10/2006 بثت الهيئة الإعلامية ل « مجلس شورى المجاهدين» في العراق شريطا مرئيا أعلن فيه « حلف المطيبين» قيام « دولة العراق الإسلامية» بإمارة أبو عمر البغدادي ( حامد الزاوي). وحدد الشريط ستة محافظات عراقية من أصل ثمانية عشر محافظة وهي: بغداد والأنبار وكركوك وديالا وصلاح الدين ونينوى إضافة لأجزاء من محافظتي بابل وواسط كمناطق للدولة الوليدة، بما يعادل، تقريبا، مساحة دولة المدينة للرسول صلى الله عليه وسلم، كما أشار الشريط.

لم يكن الإعلان عن الدولة « كرتونيا » كما روج البعض، بل كان حقيقة واقعة تعكس سيطرة العسكر على الأرض، مدعوم بعدد من مؤسسات الحكم، كالقضاء، والمال، وإعلام، والاقتصاد، والزراعة، والتشغيل. كما أن الإعلان لم يكن خطأ من حيث التوقيت أو القدرة على التنفيذ. فقد سيطر المجاهدون على مساحات شاسعة، وحازوا ثروات واسعة، ونسجوا علاقات عميقة مع السكان وشيوخ القبائل. ولا شك أن هذا الوضع يحتاج إلى إدارة وإلا أفلتت الأمور وسادت الفوضى. ولعل هذا، بالضبط، ما يفسر كلمة البغدادي في خطابه الصوتي: « دولة الإسلام باقية – 23/6/2008» لما قال: « إن الثمرة سقطت سقوطا حرا فالتقطناها قبل وقوعها في الوحل»!!

لكن الخطأ ربما كان في: (1) عدم تقدير أو توقع رد فعل الخصوم في الداخل والخارج، و (2) السرعة الرهيبة في الانقضاض على الدولة الوليدة وليس العجلة في إعلانها، و (3) طبيعة المجتمع العراقي الشهير بالخصومات التاريخية، والأهم (4) الانقلاب المنظم للعديد من الجماعات الجهادية على الدولة الوليدة ومحاربتها.

في المحصلة؛ فإذا كانت حركة طالبان حظيت ببضعة سنوات، فإن « دولة العراق الإسلامية» لم تحظ بأية فرصة على الإطلاق لاختبار التجربة، بحيث يمكن الوقوف بدقة على أسباب النجاح أو الفشل. لكن أيا كانت الأسباب أو النتائج، فما حصل في العراق مثّل بالنسبة لجماعات أخرى لحظة تقييم باهظة التكاليف لتدارك الأخطاء في مناطق أخرى، كما فعلت « حركة طالبان - باكستان» و« جماعات تطبيق الشريعة» في منطقتي وادي سوات ووزيرستان، وبصورة ملحوظة وقوية في الصومال على وجه الخصوص، حيث تسيطر « حركة الشباب المجاهدين» على ما نسبته 90% من وسط وجنوب البلاد، أو ما يجري في اليمن من محاولات حثيثة لتطبيق الشريعة في بعض مناطق الجنوب خاصة في محافظتي أبين والضالع.

هذه الأخطاء أو العوائق لم تسلم منها « إمارة القوقاز» بقيادة دوكو عموروف، والتي فقدت الكثير من قياداتها في الشهور القليلة الماضية. ولا شك أن الخسائر المؤلمة، خاصة لما يكون ثمنها باهظا في الأرواح والقيادات، تساهم في تراكم المزيد من الخبرات للتعامل مع الظروف المفاجئة أو المشاريع المقبلة.

 

حوصلة

الأكيد أن تطبيق الشريعة مسألة حيوية لا يمكن إحالتها إلى قرار سياسي أو مرسوم أميري، ولا هي مجرد أمنية أو رغبة رغم أن الحكم الشرعي ملزم، والعمل به عبادة وتقرب إلى الله. والأكيد أن الفشل أو العجز لا يصح رده إلى العامة من الناس لاسيما وأن الخلافات واقعة في صلب التيارات والقوى الناشطة وحتى بعض الدول.

فقد نقع على دعوات تستعمل « تطبيق الشريعة»، سلبا أو إيجابا، لتحقيق أهداف سياسية، مثلما فعلت السودان لما ألغت تطبيق الأحكام الشرعية طمعا في تفاهم سياسي مع الجنوب. لكن حين غدا الجنوب على محك التقسيم صرح الرئيس السوداني عمر البشير أنه سيعلن تطبيق الشريعة إذا ما صوت الجنوبيون، في الاستفتاء، لصالح الانفصال عن الدولة المركزية.

وقد نقع على دعوات تدافع عن شريعة مطبقة لكنها في الواقع أقرب لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: « إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، [ رواه البخاري]. ودعوات ترى أن الحرية تسبق تطبيق الشريعة، فلما شعر أصحابها بما يرونه حرية طالبوا بالدولة المدنية متخذين من المثال التركي نموذجا يقتدى!!! فما شأن تركيا بتطبيق الشريعة؟

ودعوات تقع في صلب « السياسة الشرعية» كتلك التي لا تنكر تطبيق الشريعة لكنها تنادي ب « التدرج » أو « التمكين». لكن فيما بدا للبعض دعوى وجيهة إلا أن واقع الحال يطفح بتصريحات مغايرة، وممارسات خارج أية مسؤولية شرعية، فضلا عن أن دعوى التدرج لا سابقة لها في التاريخ الإسلامي، الأمر الذي وضع دعاة « التدرج »، موضع شك، فهم أقرب إلى التنصل من أي التزام، ناهيك عما يراه دعاة « التمكين» من اكتمال للشريعة التي ينبغي تطبيقها دفعة واحدة لا أن يتم التعامل مع أحكامها وكأنها ما زالت تنزل.

أما الحركيين الذين يقرؤون « التمكين» في صورة أغلبية عبر صناديق الاقتراع، فيبدون أكثر حرارة ومصداقية من دعاة « التدرج » وأقرب إلى الشرعيين لكنهم يفترقون معهم على مشروعية الوسائل المستخدمة في الوصول إلى غايات شرعية. لكن بند « شرعية الوسائل» ليس واضح المعالم إذا ما طبق في قضايا العلاقة مع الدولة.

الواقع يقول أنه ثمة مسافة زمنية شاسعة بين الناس والحكم الشرعي قد تصل إلى أكثر من 300 سنة، وثمة عشرات الأجيال لم تعش يوما ما في مجتمع إسلامي، ولم تعد تدرك أي معنى للأحكام الشرعية، وبالتالي فهي لا تشعر، واقعيا، بأية قيمة للشريعة فيما توفره لها من منجاة وعدالة وأمن، وثمة قطاعات واسعة جدا في المجتمعات العربية لا تعرف من الإسلام أكثر من الانتماء إليه ولادة. فقد ورثت الإسلام حضارة وهوية شخصية ولم ترثه شريعة. لذا ثمة فرق بين أن نتساءل مثلا: « هل نحن معنيين برأي الناس في تطبيق الشريعة»؟ أو: « هل من الضروري أن نفكر كيف يمكن إعادة توطين الإسلام حضارة وتاريخا وشريعة وحياة في المجتمع »؟

ولا شك أن للعبارة: « رأي الناس في تطبيق الشريعة» مذاهب شتى، لا يجوز حملها فقط على أطر غير شرعية تنتهي بالمفاضلة بين الشريعة وغيرها من المذاهب الوضعية. كما أنه لا يصح توجيه مذاهب « العبارة » لخدمة أغراض ومصالح لا شرعية.

إذا كان للحكم الشرعي أن يجد له مكانا يمكن أن يُحدِث أثرا ملحوظا في الأمة، فلا مفر من اجتهادات معاصرة ودراسات عميقة تقع في صلب السياسة الشرعية، وتأخذ على عاتقها تَفَقُّد الواقع من جميع جوانبه للكشف عن كل خباياه. فحتى الآن لا تمتلك أية جماعة أطروحة مفصلة وواضحة وشاملة حول تطبيق الشريعة، ولا إجابات عن أية مشكلة أو عائق، ولا عن كيفية التغلب عليها. وكلها تعمل بمقتضى ما هو متوفر!! فتارة تراها على وفاق مع النظام، وإذا توفرت الانتخابات عملت بها، وإذا ساد الاستبداد خضعت له، وإذا ظُلمت أو هددت بالسجن هاجرت إلى المنافي، وإذا تصالحت مع النظام عادت إلى مواطنها .. هكذا هي .. لم تضف جديدا يقبل الاجتهاد أو التفكير بقدر ما كانت جزء من ذات المنظومة.

وفي المحصلة فإن كل ما هو متاح، في أحسن الأحوال، حكم شرعي على الواقع، يقبله البعض وينكره آخر. ومع ذلك فقد لاقى نجاحات محدودة، لكنه لم يحمل الأمة على دينها، ولم يقو على ردع الأعداء والخصوم عن المس بأعظم مقدسات الأمة وحرماتها وصولا إلى التجرؤ على الله عز وجل. يحدث هذا والأمة في قلب عاصفة شعبية طاحنة لا تجد من القوى الإسلامية من هو قادر على استثمارها في نصرة دين الله. فإلى الله المشتكى.

=====================================

==============================

=====================

==========

===

زيارة السفير

مازن كم الماز

الحقيقة أنه منذ قرابة 4 أشهر وقعت أعداد لا تحصى من المظاهرات و الفعاليات الاحتجاجية في معظم الشوارع السورية دون أن يحضرها لا السفير الأمريكي و لا الفرنسي و لا حتى أي شخص غير سوري , هذا يجعل واقعة زيارة السفير الأمريكي لحماة يوم الجمعة الماضي غير مؤثرة فعلا في مسار هذه الاحتجاجات و لا تعبر عنها بأي حال .. هذا عدا عن حقيقة أن الزيارة نفسها لا تشكل عملا جادا ذا معنى مؤثر سياسيا , إنها في الواقع عمل مسرحي أكثر منه فعل سياسي حقيقي , لأن تحمل كل صفات العمل المسرحي في أنه يحقق مكسبا ما دون أي ثمن , مكسبا مجانيا , فقد أتاحت الزيارة للسفير و لإدارته أن تبدو كحامية للديمقراطية في منطقتنا التي تعج بالديكتاتوريات , و هي نقطة حساسة جدا في ممارسة الإدارات الأمريكية سمحت لها في الماضي و حتى اليوم باختراع وسائل و مبررات لحروبها التي وصفتها ب"الإنسانية" أو لتدخلها المباشر في كل مكان تفرض عليها مصالحها أن تتدخل , طبعا دفاعا عن هذه المصالح و عن مصالح كبرى شركاتها أساسا , و هي أيضا قضية حساسة في وعي الأمريكيين العاديين الذين هم في الحقيقة وقود تلك الحروب "الإنسانية" الذين يجب المحافظة على هذا الوهم في وعيهم ليقبلوا بدفع التكلفة الباهظة لهذا الدور الإمبراطوري لبلادهم و لجيشها و خاصة لاحتكاراتها الكبرى ... النظام من جهته يحاول استكمال ما بدأه مؤتمر السان جيرمان للتعويض عن عجزه عن القيام بأي إصلاح جدي , ليعوض عن افتقاده لمشروع حقيقي يمكن أن يقنع السوريين الذين مازال كثير منهم ينتظرون المهل التي كان النظام يضعها و يمددها باستمرار لوعوده بالإصلاح و الحوار .. إن ممانعة النظام لا تختلف حقيقة عن إصلاحه أو عن حواره الوطني و لا تختلف أيضا عن صدق أو حقيقة دعم أمريكا للاحتجاجات في سبيل الحرية في سوريا و غيرها من الدول العربية التي تشهد حراكا شعبيا هائلا في سبيل انتزاع حرية تلك الشعوب من الديكتاتوريات التي تحكمها , إن ممانعة النظام ليست إلا شكلا مسرحيا من المقاومة , لا تعني أكثر من أنه يستخدم قوى المقاومة الحقيقية على الأرض في لعبة الأخذ و الرد مع القوى الإمبريالية لصالح بقائه أولا و أخيرا , تماما كإصلاحه المزعوم الذي "بدأ" عام 2000 و ما زال "يتقدم" و "يتقدم" حتى اليوم دون أن يصل بعد إلى أول محطاته .. طبعا الكلام يختلف تماما بالنسبة للمحتجين , لا أعنقد أن أي قوة سياسية سورية أو اي سوري حتى يمكنه أن يخاطبهم بطريقة أبوية , بطريقة ما يمكنهم أن يفعلوه أو ما لا يجوز عليهم فعله , هذا الشباب الذي خرج و يخرج بكل شجاعة ليواجه الرصاص بصدوره العارية أكبر من أن يخاطبه أحد بنبرة الأستاذ أو أن يحاول أي أحد أن يوجهه أو ينتقده , هذا ليس تأليها للانتفاضة أو للشباب المنتفض , بل تأكيد على حقيقة بسيطة جدا هي أن هذا الشباب الذي كسر كل الحواجز و هز كل شيء من النظام إلى المعارضة إلى السفارات التي كانت قد اقتصرت سابقا على إرضاء أو تهديد أو مخاطبة من في القصور , هذا الشباب هو الأدرى بثورته , هو أمل النصر , الأمل بالحرية , و بتضحياته يشق الطريق المستحيل لها بكل ثبات و قوة , هنا نتحدث جميعا كسوريين فقط , دون أن يكون لأي منا أية صفة أخرى أو أي حق إضافي , عن هؤلاء الشباب , أو عن أي سوري آخر , أنا هنا أتحدث فقط كسوري مثل باقي السوريين , و خاصة من منطق الحرص على الدماء التي سالت أو على التضحيات التي بذلت , خاصة و أن عملية استقبال السفير الأمريكي عندما تتم باسم الانتفاضة تحتاج إلى تنسيق مسبق مع شباب الانتفاضة في بقية الأماكن , و خاصة أن الزيارة لم تحمل أي بعد جدي أكثر من تجييرها لصالح إدارة واشنطن دون أن تعني تغيرا حقيقيا في موقفها من النظام السوري و لا من انتفاضة الشعب السوري , أقول بصفتي هذه أن المهم الآن هو إعادة تنظيم الصفوف فالمعركة ما تزال أمامنا و ضروري جدا الاستمرار في تنظيمها بنفس القوة , فما جرى لن يكون له أي تأثير جدي على نتيجتها أو على مسارها اللاحق , لقد ذهب الممثلون إلى بيوتهم و أسدلت الستارة , أمام الشباب و السوريين عموما الآن معركة قاسية يجب أن يواصلوها دون أية أوهام , صحيح أن ثقل المواجهة و التضحيات قد يدفع للبحث عن أي بصيص ضوء من أي مكان أتى لكن لا يجب السماح بخداع النفس أبدا , تحتاج الانتفاضة الآن لتجاوز الآثار التي تركتها هذه الزيارة عليها و على وحدتها أو قوتها و للإعداد الجاد للمعارك القادمة ... أخيرا , تحية لهذا الشباب الرائع , تحية لحماة , لحمص و لدرعا , لدير الزور , لدمشق , لركن الدين , للميدان و لكي ميادين الحرية

=====================================

==============================

=====================

==========

===

مابين جمعة ارحل ولا للحوار

بدرالدين حسن قربي

ثلاثة أسابيع حسوماً من المظاهرات في مدينة حماة لم يصب أحد فيها بسوء في غيبة شبة كاملة لقوات النظام السوري وشبيحته، بل كانت فيها أضخم المظاهرات التي عرفتها سوريا في تاريخها الحديث حشداً وعدداً. وكانت رسالتها الواضحة أنه بوجود قوات أمن النظام وشبيحته يُفتقد الأمن والأمان، وأنه بغيابهم يختفي القتل ويتوقف سفك الدماء، الذي رجع سريعاً جداً عقب (جمعة ارحل) مع عودة قوات النظام مع مئات الدبابات التي أخذت مواقعها في محيط المدينة الأبية تحضيراً فيما يبدو لاقتحامها، فاستؤنف القتل وتجدّد الرعب ومعه الاعتقالات بالمئات، مع فظائع الذبح التي تجلّت بذبح رائد التظاهرات الحموية وحاديها الرائع ابراهيم قاشوش ذبح سكين، ونزع حنجرته ورميه جثة هامدة في نهرٍ يحب مدينة أبي الفداء ويعشقه أهلها، وما بين حبه وعشقهم، رفض بوفائه ووده أن يغطي على الجريمة ومااستطاع مع عظمه وقوته أن يبتعلها، فأعاد صدّاحَ حماة شهيداً إلى أهله وأحبابه وإن جثة هامدة، وشاهداً يشهد على وحشية القاتل وانعدام إنسانيته وموت ضميره، شهادةً من العاصي موثّقة للتاريخ على مجرمي العصر ووحوشه من أصحاب الحوار، والوطني تحديداً.

ومابين جمعة ارحل وجمعة لا للحوار كان واضحاً أن النظام يتصرف بعصبية شديدة بدأت بإقالة مفاجئة لمحافظ المدينة رغم عدم الشكوى منه وكلام عن تغيير مسؤولين أمنيين والعودة عنه لتنتهي الجمعة بخبر غطّى على كل الأخبار وهو زيارة السفير الأمريكي والفرنسي إلى مدينة حماة. ومن ثم كانت فرصة لشن حرب إعلامية من قبل النظام على رجالات حماة وثائريها الأحرار باتهامهم وتخوينهم والنيل من وطنيتهم، شارك فيها أيضاً بعض شيوخه ممن اكتسبوها للسخرية من جهاد يقوده السفير الأمريكي حسب زعمهم ويوجهه، وليؤكدوا على الارتباطات والمؤامرات والخيانات للسوريين الثائرين لحرياتهم وكراماتهم.

فالسفير أو السفيران اللذان قدما الخميس الماضي وغادرا قبيل صلاة الجمعة تجولا في المدينة ورأوا على الواقع مايحصل فيها. ورغم أن الدبلوماسيين المعنيين هم المعتمدون لدى السلطة وليس لدى غيرها، ودولهم من يوم يومها تدعم النظام السوري وتسوّقه، وتوقعات السلطة لهم أن يواجَهوا بالإساءة والأذى والعدوان بعضاً من رد الفعل، فإن الأهالي واجهوا سيارتهم بأغضان الزيتون والورود تأكيداً على سلمية ثورتهم وسلام مطالبهم، فأحبطوا بسلوكهم دون أن يعلموا خطة رسمية خبيثة كانت تنتظر خلاف ذلك، لترتكب فيهم مجزرة تنتظر سبباً ومبرّراً لها، وارتدّت على من يريد السوء والشر بالمدينة غيظاً ونكداً أفقدهم صوابهم الذي تجلّى ببروباغندا إعلامية مخترعة أطلقها شبيحة النظام للنيل من الحمويين ووطنيتهم خصوصاً وأحقية مطالب السوريين في الحرية والكرامة عموماً، وشرعية إرادتهم بإسقاط النظام.

لاشك بأنه من غير المعقول البتة أن تكون الزيارة خارج علم الخارجية السورية، وإن كانت فكيف يمكن أن يكون ذلك في بلد لايستطيع أحد أن يفعل ذلك دون أن يوقفه حاجز عسكري، أو تعترضه قوة أمنية أو يقف في طريقه باص للشبيحة، فكيف بموكب أمريكي يمضي مئات الكيلومترات على الطرقات وينام في الفنادق ويدخل مدينة محاصرة بالقوات الأمنية والدبابات، ودون أن يعترضه أحد إلا أن يكون هناك موافقة رسمية وإعلام وتوافقات، أو أن سورية باتت ( سداح رداح). كما أنه من غير المعقول أيضاً محاولة جماعة النظام وشبيحته إلقاء مسؤولية ماكان على الأهالي وكأن زيارة الوفد الأمريكي وغيره للمدينة موافقة ومنعاً هي من مسؤولية أهل المدينة واختصاصهم فيما لاعلاقة لهم فيه أصلاً وفصلاً.

إن الغضب الذي أظهرته الجهات الرسمية من الزيارة تجاه الأهالي غير مبرر وليس له مصرفاً البتة إلا أن يكون كيداً أرادوه للمدينة الأبية فارتد عليهم، وإلا لماذا لم تطلب الخارجية من الدبلوماسيين من الساعات الأولى بل من اليوم الأول، العودة إلى أماكنهم الدمشقية في سفاراتهم إلا أنها تريد أمراً ولكنه جاء على غير مايمكرون.

سلطة لا تكترث بالذبح أو قتل الأطفال، بل وتقتل من شعبها بالمئات والآلاف وتعتقل بعشرات الألوف، لا ترى فيما تفعل مايخدش وطنيتها أو ينال من حيائها، ولكنها ترى في التعامل الحضاري للمواطنين وعدم اعتدائهم على بعثات رسمية أمريكية أو فرنسية أو غيرها ممن هم معتمدون عندها وفي ضيافتها أمراً تآمرياً ينال من وطنيتهم، ومع ذلك لاتنسى أن تدعوهم إلى الحوار يوم لاينفع الحوار، والسورييون قد اتخذوا القرار، بأن لافائدة مرجوة منه البتة مع قتلة شعبهم من المجرمين والشبيحة الأشرار، وأخذوا الطريق من قصيرها وقالوا: لا للحوار.

=====================================

==============================

=====================

==========

===

التشاور والحوار وانتهاء الصلاحية

المهندس/حسين محمد عبد اللطيف

لقد اصبحت شرعية نظام الحكم في سوريه منتهيه فعلا وكذلك انتهت مدة صلاحيته منذ فترة طويله وهو بنفسه النظام اعلن ذلك على الملاء منذ اول قطرة دم سالت في درعا ومنذ اول ظفر قلع من اطفال درعا ولا يزال يصرخ بذلك مصروعا من هول ما يراه من طوفان الرفض الجماهيري الرافض لوجوده واستمراره , ولا تزال اجهزته الامنيه وعصابات القتل من شبيحته أبرز مظاهر هذا الجنون الصارخ والصرع الفاضح .

ولذلك أراد أن يغطي ذلك ويختبيء وراء هذه المحاوله من أشكال التشاور والحوار ومحاولة جر بعض الناس الى حواره مكرهين او طائعين دون أن يكون صريحا في قراراته أو مواقفه:

- لماذا لم تكن دعوة جميع مكونات الشعب السوري ومعارضته في الداخل والخارج الى هذا التشاور والحوار ان كنتم جادين وصادقين.

- هذه المكابرة وهذه الانتقائيه حتى في مجال التشاوور لا يدل الا على حالة الضعف والاهتراء وعدم امكانية الارتقاء الى المستوى المناسب الذي يؤهل ممثلي النظام للتحاور مع مكونات الشعب كله.

- من كان يريد فعلا أن يكون ديمقراطيا ماذا يضيره أو يؤثر عليه أن يدعوا جميع معارضيه للحوار مهما كانت آراؤهم واتجاهاتهم وانتماآتهم.

- ماذا يضيره لو توقف عن القتل والارهاب والاعتقالات وترويع الآمنين , واحداث هذا الهلع والخوف في شتى ربوع هذا الوطن , واستمرار هذا التحشيد من الكراهية والحقد

- ماذا يضيره لو كانت هناك قرارات واضحه وصريحه بالغاء جميع القرارات والمراسيم الجائرة الظالمه التي تطبق على افراد هذا الشعب منذ عشرات السنين وتمنعهم وتحرمهم من أوطانهم والرجوع الى بلدهم بأمان وسلام من دون لف أو دوران أو مراوغه

- نريد صراحة في الاعلان وصدقا في التوجه وو اقعا على الارض يترجم امكانية تحقق الامن والامان وأن يعود المواطن الى بلده آمنا رافعا رأسه بحرية من خلال حقه في التمتع بحريته دون منة من أحد لان الحرية لايعطيها للمخلوق الا الذي خلقه فقط , (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا)

- وأخيرا نقول لقد سئم الشعب كله من أن يكون محكوما رغم انفه من قبل فلان أو علان , لقد آن الاوان أن تتركوا هذا الشعب وشأنه يختار من يحكمه , وأن تذهبوا الى حيث تريدون فهذه الارض الواسعه التي شردتم فيها الكثير من ابناء هذا الشعب لعشرات السنين يمكنها أن تؤويكم كغيركم من البشر

- اذهبو فأنتم الطلقاء الا من الحقوق الشخصيه التي لا يتنازل عنها الا أصحابها فهم الذين يستطيعون وحدهم التنازل عنها اذا شاؤوا ذلك , ودعونا نعيش كما بقية البشر فقد تعبنا منكم ومن حكمكم وجوركم وظلمكم وبغيكم أيها الظالمون .

- سنترككم لله يحكم فيكم ما يريد ولا نريد الآن الا حريتنا وكرامتنا وأمننا وأماننا , ونريد أن نحفظ دماءنا وأعراضنا وأهلنا وأموالنا بعيدا عن صمودكم وممانعتكم وبطولاتكم

- اذهبوا فمانعوا واصمدوا حيث شئتم وعند من تشاؤون فلم يعد لكم اليوم مكان بيننا فقد قطعتم كل الوشائج والعلاقات واستنفذتم كل الفرص وضيعتم كل المواقف واحرقتم كل السفن وفقدتم كل الاحترام في نفوس هذا الشعب.

=====================================

==============================

=====================

==========

===

الشعب السوري يريد (الأفعال وليس الأقوال فقط)

جان كورد

"الرئيس الاسد ليس شخصا لا يمكن الاستغناء عنه ولا نعول في شيء على بقائه في السلطة مطلقا". (هيلاري كلينتون)

الشعب السوري موافق على هذا الكلام للسيدة هيلاري كلينتون، بل إنه يذهب في مطالبته إلى ما هو أبعد من هذا بكثير، فهو يتظاهر بالملايين منذ بداية ثورته في ال15 آذار 2011، ويعلن للعالم أجمع بأنه "يريد إسقاط النظام"... نعم، إنه يوافق السيدة كلينتون على ما تقول ولكنه يريد الأفعال لا الأقوال فحسب، ولن يستكين أو يركن إلى أي سلطة أو جهة لاتزال تؤمن بأن لبقاء الأسد على رأس النظام منفعة للشعب السوري ولبلاده

الشعب السوري يدفع ضريبة ما يريده بدماء أبنائه وبناته، دماء أطفاله وشبابه وشيوخه، في حين أن السيدة كلينتون تجول هنا وهناك في العالم الواسع، دون أن يصيبها شيء مما يصيب السوريين وهم يجابهون رصاص الدبابات والقناصة المختفين على سطوح المنازل بصدورهم العارية

الفارق بين ما يريده الشعب السوري ويقوم بالعمل من أجله وبين ما تقوله السيدة هيلاري كلينتون هو الموت المتربص بقوافل يومية من هذا الشعب الصامد في وجه الطغيان. ولكن مهما يكن فإن هذه السيدة أعمق نظرة من كل وزراء الخارجية العرب الذين يبدو وكأنهم يغطون في نومٍ عميق أو أنهم مخدرون، فلا يسمعون ما يقوله الايرانيون الذين يعلنون تضامنهم التام وبقوة مع نظام القتلة في سوريا، والايرانيون لايخفون طموحاتهم في السيطرة على المنطقة.

المسافة بين ما تقوله السيدة كلينتون وما يريده الشعب السوري قصيرة، في حين أن المسافة بين الشعب السوري والسفارات العربية ووزارات الخارجية العربية طويلة جداً... ولايكفي التضامن الضمني مع الشعب السوري لبعض الشخصيات العربية، وانما يجب على هؤلاء الذين ينطقون باسم الشعوب والدول العربية أن يتكلموا بجرأة مثل هذه السيدة الأمريكية أو على الأقل أن يتجرأ السفراء العرب في دمشق على الاعلان عن موقف تضامني صارخ مع الشعب السوري، كأن يعودوا إلى بلادهم وينقلوا صورة حقيقية عما يجري في الشارع السوري ويقولوا لن نعود إلى دمشق حتى ينتهي هذا الليل المظلم الذي يخيم على بلاد الشام.

إنه عار على الذين يزعمون الايمان بمبادىء الحرية وحقوق الإنسان ويسكتون عما يقوم به نظام الأسود المفترسة في سوريا، وسكوتهم هذا سيعود عليهم بالخسران لأن شعوبهم ترى وتسمع وتسجل كل نقطة سلبية عليهم وستحاسبهم عليها مستقبلاً...

وإنه عار كبير على من يزعم أن الثورة السورية بحاجة بعد كل هذه الدماء المسفوكة إلى "استراتيجية سياسية!"، فالشعب السوري قد أعلن هدفه الأول، وهو ماضٍ على طريق التنفيذ، ومستعد لتقديم كل التضحيات في سبيل هدفه. فما قاله زعيم شيوعي صيني أو فييتنامي أو روسي أثناء زمن الحرب الباردة لاينطبق على واقع سوريا اليوم... فالشعب السوري ليس في غمار حرب تحرير على غرار حرب التحرير الفييتنامية وانما يمارس حقه في تظاهرة كبيرة، سلمية وتشاركية من قبل سائر فئاته الوطنية، ومكوناته القومية والدينية، فهي ثورة ذات هدف واستراتيجيتها السياسية تكمن في إصرار الشعب السوري على تغيير النظام وترحيل الرئيس وبناء سوريا جديدة، حرة ديموقراطية تتسع للجميع... فلا مجال لسفسطة فلسفية أوآدلجة فكرية وانما إلى تضامن معها من قبل سائر محبي الحرية والديموقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان..

وإن أكبر جريمة يقترفها راعٍ من رعاة حقوق الإنسان هو الزعم بأن مطلب "اسقاط النظام" لم يأت من تأثر مباشر للشعب السوري بالثورتين التونسية والمصرية ونتيجة خبراته المتراكمة ومعاناته الرهيبة في ظل النظام الإرهابي الأسدي، وانما هو مطلب "رفعت الأسد"... فالذي يزعم هذا ليس بأقل خطراً على الشعب السوري وثورته من النظام نفسه

=====================================

==============================

=====================

==========

===

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ