ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 09/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

حوار مع فوهات الدبابات وسكاكين الشبيحة؟

جان كورد

تصوروا معي رسماً كاريكاتوريا عن الرئيس الأسد ماداً عنقه الطويل وهو مختفٍ في جسم دبابة توجه فوهة مدفعها ورشاشها صوب فندق يجتمع فيه محاورون، بينهم نائب الرئيس وبعض قردته من أمثال فلان وفلان ممن يطلق عليهم تندراً اسم "عضو مجلس الشعب!"، كما بينهم من طبل وزمر للنظام عقوداً من الزمن، فأصبح في ليلة بلا نجوم معارضاً ديموقراطياً يحث النظام المتوحش والشعب المسالم، ويحث الأسود والخراف على الحوار... وأي حوار؟ حوار المحتجين الذين لايملكون سوى صدورهم العارية مع فوهات الدبابات وسكاكين الشبيحة، ومن بينهم من عناصر حزب الله وقتلة الباسداران الفرس.. وتصور معي شاعراً سورياً كبيراً في قاعة الحوار ينصح الرئيس وأزلامه ب"تعميق هذا الحوار!"، وكأنه المبعوث الروسي ميخائيل أسدوفسكي أو سفير موسكو لافروف داماسكوف

نعم، روسيا تريد من الضحايا أن يقبلوا الحوار مع قاتلهم، والاتحاد الأوروبي يسعى لمنح الأسد هذه الفرصة أيضاً، ومجلس الأمن ينتظر أن يلين موقف الروس تجاه الشعب السوري فيرضى عن احتجاجاته ويقبله مخاطباً بدلاً عن هذا النظام الطائش، وبعض فصائل المعارضة الوطنية السورية تجتر ما يقوله الروس وتردد ما ينطق به المتوسلون للنظام من شعراء وأدباء ومعترضين

ولكن يبدو أن الشارع السوري يقول شيئاً آخر... وغداً سيكون الصوت الأعلى في البلاد: لا حوار مع القتلة ... لا حوار مع النظام المتهالك... لاحوار مع من يسفك دماء الشعب...ولا حوار من ينقل الأموال السورية سراً إلى البنوك اللبنانية للتملص من العقوبات الدولية

والذي يقوله الشارع السوري، وإن لم يدخل في حسابات موسكو وبعض الأوروبيين والأمريكان والاسرائيليين، هو الأهم في نظر أي محاورٍ وطني سوري، لأنه يستمد قوته وسبب بقائه كخصم سياسي للنظام من هذا الشارع... وأي حوار يتجاهل صوت الشعب السوري الصارخ وموقفه الواضح لن ينجح، وانما سيصب الماء في طاحونة النظام المفلس

قتل النظام حتى الآن ما يقارب ال2000 مواطن، وتفيد التقارير بأنه عازم على إعدام أكثر من 40 في سجن صيدنايا، والبارحة أو قبلها فقط قتل أكثر من 22 مواطناً سورياً...وهناك آلاف من الجرحى وعشرات الألوف من المعتقلين السياسيين، حتى تحولت سيارات اسعاف الهلال الأحمر السوري إلى ناقلات للمعتقلين على أطراف المظاهرات...

فمن هو المعارض الذي سيقفز من فوق كل هذه الوقائع التي تشكل جريمة كبرى ضد الإنسانية؟ لاتقل عن جريمة نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد في ثمانينات القرن الماضي؟ وهل على الشعب السوري من أجل خاطر الدولة الفلانية أو العائلة الفلانية أن يصبر على هذه الجرائم والمذابح أيضاً وسط عالم يزعم أنه عالم الحرية والانسانية وحقوق البشر؟

إلى أي نقطة سيقود الحوار البائس هذا؟

إلى تكريس وبقاء نظام الشبيحة؟ أم إلى إزالته من الخريطة السياسية السورية؟

بالتأكيد، النظام لن يقدم على حوارٍ ينهي وجوده ويقدمه للمحاكمات ويستعيد منه ما سلبه أزلامه من أموال واقطاعيات وما في يديه من أسباب القوة... فهل المحاور السوري مقتنع بهذا أم أنه يحلم باخلاء الأسد منصبه له أو لحزبه أو لتشكيلته المعارضة؟

برأيي، هذه المسرحية الهزيلة هي مجرد كسب وقت والايحاء للعالم الخارجي بأن هناك حواراً جاداً في سوريا الأسد، ومحاولة بائسة لايقاف مسيرة الشعب السورية المطالبة باسقاط النظام، ولو لفترة وجيزة يستعيد فيها النظام أنفاسه ويجد له مخرجاً بتقديم تنازلات للمجتمع الدولي ولدول مجاورة تسمح له بعد صفقات مخزية على حساب الشعب السوري بالاستمرار في العيش والبقاء و"التعفيس"...

فليطرح العالم الحر الديموقراطي حواراً حقيقياً بين النظام والمعارضة بعيداً عن فوهات الدبابات وسكاكين الشبيحة، في روما أو لندن أو واشنطن أو موسكو أو حتى في بكين، وذلك تحت إشراف دولي وغطاءٍ إعلامي شامل، وعندها سنرى أن النظام يكذب، وأن عدم ثقة الشعب به وبالحوار معه أمر صحيح وواقعي.

=======================

جمعة لا للحوار.. على طريق انتصار الثورة في سورية ... لا للحوار: تتحدّى تصعيد الإجرام القمعي.. وتحذر من المغامرات والمساومات

نبيل شبيب

جمعة "لا للحوار" معبّرة بعنوانها -كسواها من الجمع السابقة- عن اللحظة الآنية في مسار ثورة شعب سورية. وعندما يقول الشعب الثائر كلمته الآن: "لا للحوار"، لا يقولها اعتباطا، ولا غضبا، ولا اندفاعا، ولا تهوّرا، بل لأن قادة الثورة الميدانيين من قلب الشعب الثائر، يعيشون الثورة بوجدان الشعب وعقول شبابه وفتياته ونسائه ورجاله وكهوله، ولأنه هو الذي يصنع الثورة، وينتقل بمسارها مرحلة بعد أخرى، على جسور التضحيات البطولية الكبرى، إلى أن يتحقق الهدف الأول الثابت دون أن يتزحزح عنه قيد أنملة: إسقاط ما يوصف بالنظام مجازا.

وعندما تعلن ثورة شعب سورية: لا للحوار، لا توجّه هذا الإعلان إلى ذاك الذي ما زال يوصف بالنظام مجازا، بل إلى كل طرف من الأطراف الأخرى، داخل سورية وخارجها، من أصحاب المبادرات والمؤتمرات باسم المعارضة المنظمة في أحزاب وجماعات وهيئات مختلفة، متقاربة أو متباعدة، وباسم الناشطين، السياسيين والحقوقيين، وبأي صفة أخرى، ممّن تصدر عنهم إشارات مباشرة أو غير مباشرة، للاستعداد للحوار، أو لتلبية دعوات ملغومة لحوار لا يستحق عنوان حوار، مع ذاك النظام.. الفاقد لمعنى كلمة نظام، والمفتقر لأي ضرب من ضروب المشروعية.

 

لا للحوار.. لماذا؟..

من الأسباب على سبيل المثال دون الحصر.. فهي أكثر من أن تُحصر وأوسع:

1- قبيل حلول موعد تنفيذ الدعوة الرسمية المراوغة، الصادرة عن السلطة غير الشرعية في سورية، إلى حوار مزعوم، أضافت تلك السلطة شهيدين اثنين إلى قافلة شهداء الثورة الشعبية، وتميّزت الجريمة بطريقة تضاف إلى ما سبقها، لتشهد على تطوير نوعي لعنف الإجرام القمعي الآثم: الدهس بالدبابات في حماة الثائرة..

2- وسبق ذلك تقديمُها عربونا آخر للحوار الكاذب، وهو ذَبْح إبراهيم قاووش -منشد "يلاّ اِرحل يا بشار".. في جمعة اِرحل الجماهيرية الكبرى في حماة- من الوريد إلى الوريد، واستئصال حنجرته، قبل رميه في مياه نهر العاصي، ليذكّر أسلوب قتله الهمجي، بأسلوب قتل واحد من أوائل شهداء الثورة، الشهيد الطفل الدرعاوي الرمز، حمزة محمد الخطيب، الذي كان من ألوان تعذيبه في المعتقل قبل قتله: "دقّ عنقه"..

3- وتوزّعت دبابات السلطة غير الشرعية، ما بين إدلب وحمص والرستن وريف دمشق.. إضافة إلى المدن الأخرى التي اقتحمتها الدبابات من قبل..

4- علاوة على قتل العشرات.. بطرق أقلّ وحشية وهمجية.. بالرصاص فقط!..

5- علاوة على اعتقال العشرات..

6- وفي الوقت الذي يتساءل العالم كلّه -وليس أهل سورية فقط- ما إذا كان الرئيس الوريث سيجرؤ على تكرار ما صنع الرئيس الموروث، فيرتكب مذبحة إجرامية أخرى في حماة -وكأنه لم يصنع ذلك في أخواتها من المدن والبلدات السورية- خرج وزير الخارجية في السلطة غير الشرعية لينكر جازما أنّ الجيش اقتحم أو سيقتحم حماة.

فهل يوجد ما يستدعي السؤال: لماذا "لا للحوار"؟..

الواقع أنّ وزير الخارجية في السلطة غير الشرعية محقّ في كلامه من حيث لا يقصد، فالدبابتان اللتان دهستا شهيدين في حماة -كسواهما من دبابات الإجرام- لا تتبعان للجيش الوطني السوري!..

إنّ الدبابات.. والشبّيحة، والرشاشات.. والقنّاصة، ووحوش المخابرات.. وخبراء التعذيب، وجميع فرق الموت، لا تنتمي إلى جيش وطني (هو نفسه كالشعب رهينة الاستبداد القائم) ولا إلى شعب سورية، بل إلى عصابة مسلّحة بالأسلحة الثقيلة، تشكّل -بمعزل عن الجيش الوطني وعن الشعب، كتلة واحدة مع العصابة "السياسية والمالية"، للتسلّط على سورية وطنا وشعبا وجيشا، ولن تدخل في التاريخ بعد سقوطها، بوصفها "جمهورية بعثية أو أسدية.." سقطت، ولا بأي اسم آخر، سوى "العصابة الإرهابية الإجرامية" الساقطة..

لهذا.. لا يوجد أي نتيجة ممكنة من حوار معها، أي حوار، لتكون له أو لنتيجته صفة "الشرعية".. ناهيك أن تكون عقلانية أو قابلة للتطبيق بدعوى "حلّ أزمة".. فوق أجساد الشهداء.

ولهذا: لا للحوار!..

 

المطلوب محاكمة محتجزي الرهائن

الثورة هي السبيل إلى القبض على العصابات.. ولا يتحقق ذلك عبر حوار معها.

لم يعد يوجد طرف من الأطراف خارج نطاق تلك العصابة المسلّحة بالأسلحة الثقيلة، يرى بصيص ضوء في أي صيغة من صيغ التعامل معها.. حتّى الأحزاب التي كانت خلال عقود ماضية جزءا من السلطة، تحت مسمّى "جبهة وطنية" بقيادة ما يسمّى "حزب البعث" القائد للدولة والمجتمع (أي المتسلط عليهما).. لم تجرؤ على البقاء في موقعها باعتبارها هي المقصودة بدعوة الحوار الكاذب قبل سواها، فأعلنت قبيل حلول موعده عن مقاطعته، وإن بقي موقفها -وهي بين نيران السلطة القمعية المتهالكة وبين الثورة البطولية العملاقة- موقفا ضعيفا، بالإعلان عن "شروط!" يمكن على أساسها الدخول في حوار، كوقف القمع والإفراج عن المعتقلين..

إنّها تتحدّث الآن.. بلغة الأمس، بلغة الأيام الأولى من الثورة، وكانت لغةً الهدفُ منها في تلك اللحظة من لحظات مسار الثورة قبل أسابيع -كما يصنعها الشعب الثائر- وليس الآن: "حقن الدماء"..

لم تُحقن الدماء.. وهذي دماء شهداء حماة تضاف إلى دماء شهداء درعا، ودماء سائر الشهداء في سائر المدن والبلدات السورية، فيما بين 15 من آذار/ مارس و7 من تموز/ يوليو، ناهيك عمّا لا يحصى من شهداء ومعذبين ومعتقلين ومنفيين فيما بين 1963 و2011م.

سالت الدماء الطاهرة، ضحية غدر عصابة مسلّحة، ولم يعد يوجد مجال مع تأبين الشهداء ولا مكان بين الدبابات لحوار معها، سواء كان مشروطا أو غير مشروط.

لهذا: لا للحوار..

لا حوار مع مَن جعل من مدن سورية وبلداتها رهائن يحتجزها، ويهدّد بقتل أهلها (وينفذ يوميا) ما لم يدعه شعب سورية الثائر على حاله، في كرسي السلطة، كلّه أو بعضه، ليبطش ويعربد، وينهب الثروات ويبدّد..

لاحوار مع العصابة المسلّحة التي ما تزال تحمل وصف النظام مجازا.. إلا كما يجري مع أي عصابة مسلّحة تحتجز الرهائن، أي لتسلّم نفسها.. ليس إلاّ، ويوم تعلن عن ذلك راغمة أمام الثورة، يملي الشعب الثائر شروط الاستسلام عليها.

 

الثورة لم تفوّض أحدا للحوار

جمعة لا للحوار تخاطب الجميع بلسان الثورة الواحد:

مَن يحاور في مآتم الشهداء الأبرار.. يتلوّث بآثام القتلة من عصابة الأشرار

مَن يناور حول نار القمع والإجرام.. يحرق أوراقه مع العصابة التي تمارس القمع والإجرام

مَن يغامر بالكلام وفي أذنيه أنين من يمارِس تعذيبَهم ذاك الذي يتكلّم إليه، ولا يدرك أن وحوش التعذيب لا تفقه الكلام، إنّما يغامر بنفسه.. فقط.

من يساوم على هدف الثورة: إسقاط النظام.. ومحاكمة العصابة، يطعن -مهما كانت نواياه- شعب سورية الثائر في ظهور شهدائه.. وأحيائه، ومن يصنع ذلك لا يملك تفويضا من ذلك الشعب الثائر، ولا يمكن أن يصل عبر مساوماته إلى ما يمكن أن يقبل به الثوار، بل لن يبقى آنذاك طيفا من أطياف الشعب الثائر وقطعة من نسيج صناعة مستقبل سورية بعد تحقيق الهدف الأول لثورة شعبها الأبيّ: إسقاط العصابة ومحاكمتها.

لقد وصلت ثورة شعب سورية إلى نقطة لا يمكن أن تحمل عنوانا أصدق تعبيرا عن واقعها من عنوان "لا للحوار.. ولهذا:

لا بد أن يدرك صاحب أي مبادرة تنطلق باسم ثورة سورية.. أنّ هذه ثورة يملكها شعب سورية الثائر فقط..

لا بد أن يدرك كل مشارك في مؤتمر ينعقد حول قضية سورية.. أنّ هذه قضية يملكها شعب سورية الثائر فقط..

لا بد أن يدرك الجميع أنّ هذه السلطة غير الشرعية الداعية إلى حوار فوق الأشلاء، قد سقطت.. تاريخيا وسياسيا، وأصبحت هي في حكم أشلاء، وإن بقي شخوصها يقتّلون بأسلحتها من يعترضهم، لا يختلفون في ذلك كثيرا أو قليلا عمّن يثيرون السخط والذهول فيما يُعرف بجرائم "القتل العشوائي" عندما يحمل شخص سلاحا ويطلق النار على من حوله دون حساب، ثم ينتحر.

وصلت السلطة غير الشرعية إلى هذه المرحلة من اليأس والجنون، وبدأت تنتحر في كل مدينة وقرية من أرض سورية الثائرة.

ولهذا:

وضعت اللحظة الراهنة من مسار الثورة، الفاصلة ما بين بلوغ إجرام العصابة المسلّحة مداه وتهاويها راغمة.. وضعت كلّ طرف من الأطراف يتحرّك سياسيا أو حقوقيا أو إعلاميا أو بأي مسمّى من المسمّيات.. على حافة هاوية خطيرة أيضا، محورها أن يتحرّك هو وراء الثورة، ولا يحاول البتة أن يضع نفسه في مقدّمتها، وأن يسوق هو نفسَه بها، لا أن يحاول سوقها حيث يرى.. مهما كانت النوايا.

يجب أن يدرك كلّ من يصدر عنه بيان أو دعوة أو موقف أو تصريح، سواء كان جهة منظّمة في حزب أو جماعة أو هيئة، أو كان شخصية معتبرة من خلال نقاء تاريخه أو يعتبر هو نفسه كذلك.. أنّه لا يملك مِن التفويضِ باسم سورية، إلاّ ما يصدر عن شعب سورية الثائر فقط.

 

المطلوب من الحكماء الشرفاء

هل يمكن -مع كل ما سبق تأكيده- صنع شيء ينبغي صنعه.. خارج إطار مسار الثورة الشعبية؟..

الجواب بعد التمييز بين أمرين:

1- الثورة الشعبية تتحرك شعبيا، ولا تنتظر من أحد أن يحرّك فعالياتها، أو يحدّد لها أهدافا مرحلية، فهدفها المرحلي الثابت الآن معروف، وهدفها المستقبلي الكبير هو استرداد الوطن وبناء المستقبل.. والثورة الشعبية تتحدث بنفسها عن نفسها وتعبّر عما تريد، وكيف تصنع ما تريد، داخل ساحات البطولة والتضحيات والتحديات.

2- لا يخفى أن ساحة الوطن تشهد حراكا آخر يواكب الحراك الثوري الشعبي، ولا بد أن يبقى في حدود مواكبته دعماً لا توجيها.. ولا يخفى أنّ في هذا الحراك من ينطلق من ماضيه.. فيتحرّك وفق القوالب التي صنعها ماضيه، فيخطئ ويصيب، ولا مجال للقبول بالخطأ في مسار الثورة، ولا يخفى الخطأ ولهذا يجد من الحراك الثوري الشعبي موقف الرفض.

والجواب على السؤال المذكور:

إنّ في الحراك الشعبي من يمكن وصفهم بالحكماء المخلصين، إن تعددت رؤاهم فبينها قواسم مشتركة لا تلتقي مع سلطة آثمة، ولا تبتعد عن ثورة شعبية أبية.

هؤلاء هم المطالبون بالالتقاء الآن على "قلب رجل واحد"، وعلى تلك القواسم المشتركة بين رؤاهم المتعدّدة..

هؤلاء يعلمون في أية حدود يمكن أن يتحركوا، ولأية أهداف يمكن أن يعملوا.. الآن، دون أن ينشأ تناقض كبير أو صغير، بين تحركهم وعملهم وبين المراحل المتتالية من مسار الثورة الشعبية الأبية، بما في ذلك اللحظة الآنية: لا للحوار.

كلّ دعم لتحقيق هدف الثورة الأول: إسقاط العصابة المسلّحة.. دعم مطلوب، وكل انحراف عن هذا الهدف أو تمويه عليه انحراف وتمويه مرفوضان.

كلّ جهد يبذل لإحياء وجدان عربي وإسلامي، ولتحميل أي قوة دولية مسؤوليتها، في حدود دعم الثورة وإدانة ما ترتكبه العصابة المسلّحة من عنف قمعي إجرامي هو جهد مطلوب، وكل تواصل "تنسيقي" أو أكثر مع جهة أجنبية، وكل دعوة مباشرة أو غير مباشرة لتدخل عسكري دولي دعوة وتواصل مرفوضان جملة وتفصيلا.

ويبقى من وراء ذلك واجب كبير لا يصحّ تأخيره، فسقوط الأوضاع الشاذة الراهنة وشيك، ولا ينبغي أن تفصل بين وقوعه المحتم -بجهد الشعب الثائر- وبين الشروع في بناء مستقبل سورية، فترة زمنية طويلة، فكلّما طالت تلك الفترة يتعرّض مستقبل سورية لأخطار كبيرة، يمكن استقراء بعضها من خلال مواكبة ما تشهده الثورات العربية بعدما أنجزت الهدف الأول لها في تونس ومصر.. وواقعيا في اليمن أيضا.

لا بدّ أن يتحقّق الآن قدر كافٍ من التلاقي المبدئي بين من هم جديرون بوصف حكماء شعب سورية، ومِن ورائهم مَن يمثّلون حقا لا ادّعاءً أطياف شعب سورية بمختلف انتماءاته، بحيث يشمل هذا التلاقي:

المعالم الكبرى لبنية الوضع القويم المطلوب لتشييد مستقبل سورية على أسس قويمة..

والقواعد الأساسية الملزمة للجميع في التعامل المشترك على هذا الطريق..

والضوابط الضرورية لتحقيق الحدّ الضروري من ضمان استمرارية التحرّك المشترك دون نكسات أو انحرافات.

هذا واجب كبير وملحّ لا تكفي في أدائه العناوين العامة التي باتت تتردد على الألسنة وعبر الأقلام، كالدولة المدنية مثلا، فكثير من تلك العناوين يحتاج إلى صياغة مشتركة للمضامين بما يجنّب الخلاف.. في مرحلة الانتقال إلى العمل الفعلي بعد الثورة، وهي المرشحة لظهور الخلاف، وهي التي تنطوي على مخاطر جمة.. بسبب الخلاف المحتمل.

كيف تتم الصياغة؟..

هذا ما ينبغي أن تقتصر عليه المبادرات والمؤتمرات والاتصالات، وتقتصر عليه جهود الجميع، وواضح أنّ ما بذل في هذه الأثناء لم تظهر له نتائج مشتركة مرضية.. حتى الآن.

جميع ذلك مشروط بما سبق التنويه ببعضه ولا ينبغي الملل من تأكيده:

- مواكبة الحراك الشعبي الثوري ودعمه وليس محاولة توجيهه أو ادّعاء تمثيله..

- تجنّب طرح ما يتناقض مع مساره في مرحلة بعد مرحلة..

- التواصل المباشر مع الثوار في الداخل ليكون ما يرونه جزءا أساسيا يشارك في صنع "الرؤية المستقبلية" لا الاكتفاء بتقدير ذلك عن بعد.

وجميع ذلك لا يتطلب -ولا يبيح بحال من الأحوال- موقفا أو خطوة أو مبادرة أو مؤتمرا أو تصريحا، يتناقض مع إرادة شعب سورية الثائر في اللحظة الآنية من مسار ثورته الأبية: لا للحوار.

==========================

العلاقة بالخارج : المسموح والممنوع

جلال / عقاب يحيى

 بين الرهاب، والثوابت، وردّ الفعل ترتسم حدود تصورات العلاقة مع الخارج، وتتفاوت التقديرات والمواقف، ومستوى الحساسية، والتبرير منها.. وكان آخرها الجدل حول" مؤتمر باريس" والموقف منه ..

لنبدأ منذ البداية فنقول : أن عموم المعارضة السورية ناهضت النظام لسنوات طويلة على يساره(القصد هنا الموقف الوطني والقومي)، بل إن السمة البارزة لانقلاب الأسد " التصحيحي" على رفاقه في قيادة الحزب والدولة كان يكمن في المعارضة المغمومة الفصيحة للخط الرافض للتسوية مع العدو الصهيوني، وعنوانه القرار الأممي رقم /242/ الذي جاء تكريساً لهزيمة حزيران الشنيعة، وفرض وقائعها على الطرف العربي بقبول الاعتراف بالكيان الصهيوني وشرعية اغتصابه لمعظم فلسطين التاريخية، وضمان الحدود الآمنة، والتطبيع، وحصر الصراع معه على ما احتل في حزيران(وهو ما شكل محور العمل العربي الرسمي على مرّ العقود) .

 القيادة الوطنية في سورية ناهضت القرار ورفضته، وطرحت بديلاً له : حرب الشعب والكفاح المسلح، وكانت المقاومة الفلسطينية الردّ والأمل . هنا، وبغض النظر عن مدى واقعية الشعارات، والقدرة على تجسيدها، وعمليات الهروب إلى الأمام التي ترفض الاعتراف بأسباب الهزيمة ونتائجها، ومحاسبة المسؤولين المباشرين عنها، والمتخاذلين والمقصرين، والانفتاح على الشعب والقوى السياسية باتجاه إنهاض جبهة عريضة، ولحلحة مركزة الحزب الواحد القائد باتجاه فهم طبيعة مرحلة التحرر الوطني وقواها..إلخ، فإن أساس تكتل الأسد العسكري نهض على أرضية مناهضة هذا الخط، وملاقاة القابلين بالتسوية في مكان ما. وكان هذا يعني : التفاوض مع العدو مباشرة، أو بصورة سرية من تحت الطاولة، أو عبر وسطاء .

 حين تعرّضت الثورة الفلسطينية لمذبحة أيلول السود في الأردن/ أيلول 1970/ باستخدام تجاوزاتها وأخطائها كغطاء لتصفيتها باعتبارها الظاهرة النقيض لخط التسوية، اتخذت القيادة الوطنية السورية قراراً جريئاً، واستثنائياً بالتدخل العسكري لحماية الثورة، وهو التدخل المفتوح حتى المدى التي تقرره قيادة الثورة الفلسطينية.. فتباطأ الأسد وزير الدفاع في تنفيذ القرار أياماً، ولم ينصاع له غلا تحت ضغط وتهديد رئيس الدولة الأمين العام للحزب : الشهيد الدكتور نور الدين أتاسي الذي أعلن كشف المستور ما لم يتم إنقاذ الثورة من المذبحة، وحين دخلت بعض القطعات رفض الأسد تغطيتها بالطيران، فكان ذلك عاملاً مهما إلى جانب عوامل أخرى في الإخفاق بتحقيق الهدف الرئيس، وكانت هذه محطة أخرى لحساب انحياز الأسد لمعسكر التسووين .. ومن يدعمهم ..

 حين صار الأسد القائد الفرد صاحب الصلاحيات المطلقة.. أغلق الحدود السورية بوجه الفلسطينيين الهاربين، الباحثين عن ملجأ من مذابح جرش وعجلون عام 1971 التي كانت استكمالاً لمذابح أيلول، وبهدف ترحيل المقاومة نهائياً من أهم وأكبر جبهة مواجهة مع العدو الصهيوني.. فلجأ كثيرهم مضطراً إلى فلسطين المحتلة وتسليم أنفسهم لقادة العدو، وكانت هذه أيضاً محطة أخرى في حساب علاقة الأسد بالغرب والولايات المتحدة .

 ورغم محاولات التحايل على الكلمات، ورفع الشعارات البراقة.. إلا أن نظام الأسد الارتدادي(الارتداد يأخذ أبعاده الموضوعية في جميع المجالات) كان موافقا على التسوية والقرار /242/ بشكل ضمني، فصريح، وهذا ما يفسر أحد أسباب الترحيب بانقلابه من قبل النظام العربي الرسمي بقيادة السعودية، ومن الدوائر الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية .

 *******

 لا يسمح المجال بتعداد محطات النظام الأسدي البارزة في علاقاته مع الغرب وموقع المعارضة السورية المناهض له على هذه القاعدة الوطنية القومية التي كانت تطغى على ما عداها(المجال المطلبي والحريات العامة)، ويكفي التدليل ببعض المرتكزات والمواقف :

1 موضوعياً، وواقعياً كان البقاء في السلطة يمثل الهدف المركزي الأول، الذي تهون دونه التراجعات والتكتيكات والمقايضات واللعب بكل الأوراق، وتقديم الخدمات، والضغط باستخدام الشعارات والقضايا الوطنية، خاصة القضية الفلسطينية، ولا يخفى على أحد كمّ المناورات والتدخلات السافرة التي مارسها النظام على الثورة الفلسطينية لتدجينها وقولبتها، وإلحاقها به، أو استخدامها رأس حربة، والتخويف بها أحياناً، وزرع الانقسام فيها، وينسحب ذلك على محاولات التدخل بدول الجوار : العراق والأردن، وقوفاً عند لبنان .

2 لقد كان الدخول السوري إلى لبنان(بدءاً من عام 1975، وترسيمه عام1976) بمثابة الفاصل القطعي بين النظام وعديد القوى المعارضة السورية التي راهنت لسنوات على إمكانية التعاون معه في إطار كذبته الكبرى في " إقامة الجبهة الوطنية التقدمية"..فكان ذلك الانكشاف للدور الخطير الذي يقوم به النظام، بالاتفاق الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومباركة "إسرائيل" القشة التي قصمت ظهر كل علاقة به، ومراهنة عليه من قبل القوى الوطنية السورية، التي انضمت، من تاريخه، إلى البعثيين(الشباطيين) الذين ناهضوه منذ الأيام الأولى.. حين تعرّت النوايا، وظهر الموقع الحقيقي للنظام، واستعداده للقيام بأخطر وأقذر الأدوار التي لم يكن من الممكن أن يقوم بها غيره : ضرب الثورة الفلسطينية المتحالفة مع الحركة الوطنية اللبنانية، وإجهاض مشروعهما لصالح مشروعات مناوئة .

3 ويكفي للتدليل على طبيعة الدور في لبنان النتائج الكارثية التي نجمت عن وجوده والتي يضمها العنوان الكبير : التطييف بديلاً للقوى القومية واليسارية والعلمانية، وعمليات التمزيق والتشقيف والنخر، والاغتيال، واللصوصية، وغيرها كثير يحتاج إلى عديد المقالات، بما في ذلك التلطي خلف شعارات المقاومة الإسلامية، والممانعة، وحروبه اللئيمة ضد منظمة التحرير والقوى الحيّة اللبنانية .

4 إن جميع الشعارات الخلبية للنظام عن ممانعة، ومقاومة الأمريكان وحلفائهم سقطت في حفر الباطن حين زجّ بالجيش السوري تحت القيادة الأمريكية وحلفها الشيطاني لضرب العراق، فانكشف المستور، ومع ذلك ظل تعهير الشعارات ماشياً وكأن شيئاً لم يحدث ....

5 وحين أراد النظام قبض ثمن المشاركة في تدمير العراق... كان " مؤتمر مدريد" البائس عنوان التفاوض المباشر مع العدو الصهيوني، وفتح صفحة الحوارات المباشرة بديلاً للوسائل السرية، وعن طريق الغير.. فكان مسلسل اللقاءات المباشرة بين وزير الخارجية السابق(فاروق الشرع) وقادة الكيان الصهيوني، وبالطبع بمشاركة وليد المعلم وعديد القادة الأمنيين والعسكريين، وصولاً غلى " وديعة رابين" التي اعتبرها النظام الوريث حرز الأحراز وهو يطالب بالعودة إليها، والتمسك بها.. وهذا غيض من فيض ..

6 وخلافاً لشعارات مقاومة غزو واحتلال العراق.. فقد احتضن النظام ودعم معظم قوى المعارضة العراقية التي تعاونت مع الأمريكان(من قبل ومن بعد)، وربطته، وما زالت علاقات وطيدة بها، واعتراف بشرعيتها، وكان جزءاً رئيساً في عمليات التحضير لمرحلة ما بعد صدام حسين(وإن لم تكن حصته بالمستوى الذي كان يأمل) .

 ******

 في كل هذا المحطات الرئيسة وسواها.. كانت جميع القوى المعارضة السورية بمشاربها القومية واليسارية والإسلامية في الخندق المقابل الذي يرفض تلك المواقف، ويدين المقايضة بالقضايا القومية، بل وتذهب حدود التطرف في رفض التعامل مع أعداء الأمة، أو التنازل عن الحقوق القومية في فلسطين، ناهيك عن الحق الكامل باستعادة الجولان، والموقف من الأسكندرونة الجزؤ الصميمي من الوطن السوري..

 مع ذلك، ورغم أن عديد فصائل المعارضة أعلنت مراراً وقوفها مع الوطن، بل مع النظام، إن تعرّض البلد لأية مخاطر، أو اعتداءات خارجية، وبطريقة تصل الابتذال والاستعراض أحياناً.. ظل النظام يرفع شعارات الاتهام والتخوين، وكأنه المحصّن، الوصي، النقي، وكأنه فعلاً يقوم بفعل التحرير ومقاومة العدو، ولا يحاول التفاوض معه مباشرة أو عبر الوسيط التركي وغيره، وكأنه لا يتوسل العلاقة التعاونية مع الأمريكان(يكفي للتدليل ما قدّمه النظام من خدمات جليلة في " ملف الإرهاب" الذي اعترف الأمريكان بأهمية الملفات التي تبلغ عشرات الآلاف التي أعطاها لهم النظام، والمتعلقة بملفات مواطنين سوريين وعرب) ..

ورغم أن التكرار ملّ من إعادة موقف إدانة التعامل مع الخارج، أو الاستنجاد به، أو التعكيز عليه، أو رهن مصير وسياسة ومستقبل الوطن لأي جهة خارجية، وإدانة كل دعوة للتعاون مع الخارج، فإنه من الموضوعية، هنا، تسجيل الملاحظات التالية :

1 أكدت أحداث السنوات المنصرمة، خاصة منعطفاتها الهامة، أن الأطراف الدولية الفاعلة، ومن خلفها الصهيونية العالمية بنفوذها وهيمنتها على صنّاع القرار في عديد الدول والمراكز، ليس بواردها حتى اليوم على الأقل العمل على إسقاط النظام، وليس لديها قرار بهذا الخصوص، وأن أقصى المطلوب منه هو " تعديل سلوكه" ضمن قائمة شروط ومطالب تتفاوت وتتغيّر سقوفها بين مرحلة وأخرى. كان ذلك قرار الإدارة الأمريكية في عزّ قوة وهجوم المحافظون الجدد بإدارة المجرم بوش، واستمر الأمر حتى اليوم، وهو ما توضحه المواقف الدولية مما يجري في بلدنا من مجازر، وعمليات قتل وعنف يمارسها النظام ضد شعبه، بينما لم ترق ردود الأفعال الدولية إلى الحد المألوف في مثل هذه الحالات، كما أن الصمت العربي المشين، وتحنّط الجامعة العربية عن القيام بأي دور هو مؤشر آخر لفعل وأثر الخارج على النظام العربي(لاحظوا الفرق بين المث الليبي والسوري) .

 لقد سبق وكتبت مراراً في أسباب هذا الموقف الذي يعود إلى عاملين متراكبين : الأول الذي يرتبط بالإستراتيجية الصهيونية في منطقتنا التي تعتمد، في واحد من أسسها القوية، على عمليات التفتيت العمودي للمجتمعات العربية على أسس دينية ومذهبية(بغض النظر عن طبيعة علاقة النظام المباشرة، والتي ننفيها)، وثانيهما الخاص بالموقف من الحدود الآمنة والتزام نظلم الأسد الأب والوريث بالحفاظ على صمت الجبهة مع العدو الإسرائيلي..وإن أقصى ما تريده إضعاف النظام أكثر فأكثر، وليس تغييره .

2 لقد نبتت في السنوات الأخيرة بعض الفطريات السورية التي تدّعي المعارضة في الخارج، وهي كمشات متفرقة لا وزن ولا أهمية لها، بعضها كالغادري الظاهرة الفريدة طرح بوقاحة التعامل مع الخارج على طريقة المعارضة العراقية، وزار فلسطين المحتلة.. لكنه يبقى عملاً معزولاً، وهجيناً .

3 أمام مفاجأة النظام لبعض المعارضين بهذا المستوى من العنف الإجرامي، وعمليات القتل الواسعة، وإدخال الجيش إلى المدن، وحجم التضحيات والمعاناة التي يقدّمها الشعب السوري.. يمكن رصد بعض ردود الأفعال الشعبية، والسياسية.. التي يحلم بعضها لو يأتي الشيطان ويقوم بمساعدته على التخلص من نظام لا شبيه له، نظاماً يقتل شعبه ويفتري بأكاذيب مرعبة، وهي نوع من هبّات وقتية، بينما ينمو عند بعض الأوساط السياسية اتجاه طلب الدعم الخارجي تحت عناوين، ومبررات الخلاص من الجحيم، والتهديد بتمزيق البلد والحرب الأهلية، والبعض يجري مقارنات بين ما يجري وبين أسوأ أشكال التدخل الخارجي، مرجحاً الأخير الذي بتقديره لن يكون أكثر سوءاً ودموية من النظام، واستمراره .

 هذا الاتجاه المغمغم لم يجد مرتسماته في موقف أي قوة سياسية معارضة : قديمة، أو مما يلد كل يوم، ولذلك يبقى حصراً على أصوات فردية، دون أن نغفل إمكانية وجود قوى، وأطراف خفية تعمل على ذلك، بما فيها عملاء مجندون قد لا يكونون في صفوف المحسوبين على المعارضة وحسب، بل يمكن وجودهم في أماكن مختلفة، بما فيها داخل النظام والمحسوبين عليه .

4 الفرق كبير ونوعي بين حق وواجب ودور ومهمة المعارضة وكافة الناشطين والمنتمين إلى الثورة السورية في تأمين الدعم الخارجي لها من قبل الرأي العام العالمي، والمنظمات الحقوقية، والإنسانية، ومنظمات حقوق الإنسان، والمحكمة الدولية الخاصة بمجرمي الحرب والإبادة البشرية، والهيئة الأممية وحضها على اتخاذ قرارات رادعة للنظام القاتل، ومحاصرته والضغط عليه. بل إن الذهاب أبعد من ذلك في العمل على رفع الغطاء عن هذا النظام من قبل الجهات الدولية، ودفعها لاتخاذ قرارات لصالح الثورة السورية ومستقبل البديل الديمقراطي.. هو مهمة ملقاة على عاتق جميع المعنيين بالشأن السوري.. كل ذلك في الإطار السياسي وغيره، وبعيداً عن التدخل العسكري المباشر وغير المباشر، والذي هو أمر مشين، ومدان، ومرفوض .

5 إن العداء للنظام مهما بلغ مداه، وهو اليوم في مداه الأقصى حيث يخوض الشعب السوري الثائر معركة مصيرية بالفعل، يقدّم فيها أغلى التضحيات.. لا يبرر أبداً مدّ اليد، أو التعاون مع أطراف معادية لشعبنا وأمتنا، وهي في موقع عدونا الاستراتيجي: الصهيونية وكيانها الاغتصابي . ولا كذلك الانخراط في أنشطة ظاهرها دعم الثورة السورية وباطنها مشبوه، وهنا فإن مقولة " عدو عدوي صديقي" ليست إطلاقية، وهي خطيرة إذا ما تركنا لها العنان، حين يشرعن البعض لنفسه، أو للغير الانخراط والتورط في أنشطة، أو علاقات مع أطراف معادية لشعبنا ومصالحه العليا الإستراتيجية التي تظل أهم من أي نظام ووضع، وقبله وبعده .

6 إن سورية المنشودة، سورية الدولة المدنية الديمقراطية، سورية المساواة والتعددية والتداول السلمي على السلطة ليست منزوعة الهوية والانتماء، أو مجوّفة من تاريخها، ودورها، وموقعها في أمتها العربية، ومحيطها. إنها سورية القادرة على لعب دورها بثقله المعهود في جميع المجالات .

7 بالمقابل .. فإن بيت النظام الزجاجي المكشوف لا يبيح له توزيع شهادات الوطنية على الغير، وهو ليس الوطن الذي يدعي، بل يقع في النقيض منه.. لذلك فإن فزاعاته يجب ألا تكون رهاباً على عنق المعارضة يضعها وكأنها في موقع المتهم الذي عليه أن يقسم أغلظ الأيمانات أنه وطني وغيور، وضد التدخل الخارجي على الطالع والنازل وبشكل مبتذل وساذج، لأن الوطنية السورية متأصلة في عروق ودماء أبنائها، وفي المعارضة الرئيسة، وقيادات الثورة الشباب.. والتي تناضل على أرضية الوطن، كما تناضل على قاعدة الحريات الديمقراطية والنظام البديل .

*كاتب وروائي الجزائر

======================

مجازر النظام السوري وأزمة الضمير العالمي..القديم الجديد

بقلم: د أحمد بن فارس السلوم

في الخامس من أبريل كتبت مقالا بعنوان: مجازر النظام السوري وأزمة الضمير العالمي..

والآن بعد أكثر من مأئة يوم ما زال النظام مستدميا اكثر مما مضى، وما زالت مجازره مستعرة، ما يزال الضمير العالمي مغيبا كذلك.

اليوم تستمر المأساة، وتتجدد المصيبة، - في حماة - ونجدد لها استراجعا وصبرا وتوكلا على الله عز وجل وثقة به.

حسبنا الله ونعم الوكيل على ما يجري في سوريا من قتل بدم بارد لأبناء شعبنا.

حسبنا الله ونعم الوكيل على خذلان العالم العربي إيانا.

حسبنا الله ونعم الوكيل على صمت العالم تجاهنا.

استلهم من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم دعاءه العظيم الذي فتحت له أبواب السماء - لما عاد من الطائف مكلوما حزينا- والذي استنصر به فنصر، ودعا فأجيب، ونقول:

اللهم إليك نشكوا ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين إلى من تكلنا إلى عدو يتجهمنا، أم إلى قريب ملكته أمرنا، إن لم تكن ساخطًا علينا فلا نبالى، غير أن عافيتك أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الكريم الذى أضاءت له السموات وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علينا غضبك أو ينزل بنا سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.

هذا لسان حال الشعب السوري، وقد خذل من القريب والبعيد، اعتماده على الله وحده وتوكله عليه لا على من سواه، وهذا - ولا شيء غيره - يعلل تلك المعنويات العالية، والعزيمة القوية للثوار، رغم الموت الذي يحيط بهم من كل مكان.

السكينة والطمأنينة والتأييد وما ألقى الله في قلوب السوريين من مدد سماوي أعظم من كل مدد وعون بشري أرضي، فمن كان متصلا بالله لم يحتج معه إلى سواه..

ومع أن الابتلاء عظيم إلا أن الشعب عظيم كذلك، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتَلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان فى دينه صلبا اشتد بَلاَؤُهُ وإن كان فى دينه رِقَّةٌ ابْتُلِىَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يَتْرُكَهُ يمشى على الأرض وما عليه خَطِيئَةٌ.

لأن الحال كان كما هو لم يتغير من حيث ارهاب النظام الشبيحي في سوريا، وتخاذل العالم لن أغير شيئا مما كتبت في ذاك المقال، ففي سوريا فقط الجديد قديم في ظل هذا النظام الشبيحي.

مجازر النظام السوري وأزمة الضمير العالمي

انه النظام نفسه الذي قتل ألوفا من مواطنيه في حماة قبل ثلاثين عاما، وهو النظام نفسه الذي ارتكب مجازر لا يعلمها إلا الله في السجون المكتظة، والدهاليز المظلمة، آخرها مجزرة أظهرت الصور المسربة أن المجرم ماهر الأسد قد تولاها بنفسه إشرافا وتنفيذا ضد عُزلٍ مسجونين في سجن صدنايا، ليس لهم إلا الله ودعاء منا أن يرحمهم ويتقبلهم في الشهداء.

تاريخ مرعب من المجازر والقتل والتعذيب، وذكريات رسمها هذا النظام في قلب كل فرد من أبناء الشعب الصابر، الشعب الذي بشره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه ابن أرض مباركة لن يظهر منافقوها على مؤمنيها أبدا.

لكل فرد من أبناء هذا الشعب الصابر رواية تختلف أشخاصها وتتحد مضامينها، من لم ينل نصيبه من الظلم والاستبداد والتعذيب في مملكة آل أسد، فله قريبٌ قد ذاق من ذلك الأمرين، ومن لم يكن له قريب فأحد أبناء ضيعته سيخبره عما لاقى وقاسى ، وذلك كاف لبناء مملكة من الرعب والخوف بين أبناء هذا الشعب الصابر.

باختصار هو النظام الوحيد في المنطقة الذي يعادي شعبه، ويستميت في سبيل مقاومته، فهو نظام مقاوم كما يحب أن يعرّف نفسه، وكما يحب أن يَسمع من جوقة المزمرين.

لعقود عدة لم يفهم العالم ماذا يريد النظام من مصطلح المقاومة، فقد كان - وما زال - بعض الصم البكم يظنون أنه أراد مقاومة اليهود الذين لم يطلق نحوهم رصاصة واحدة منذ عقود، ولم يقتل منهم ولا جنديا واحدا، بينما استطاع النظام المقاوم أن يقتل -علنا - في شهر واحد من أبناء شعبه ما لعله يقارب الخمسمائة..مقاومة من نوع آخر.

سيكولوجية بشعة تسيطر على هذا النظام، أشبه ما تكون بسيكولوجية مصاصي الدماء، فالدم مصدر بقائهم، والظلام مسرح تحركاتهم، والمشكلة أنهم أحد طرفي القضية.

اما الطرف الثاني فهو الشعب السوري، شعب صبر لعقود طويلة على مر العيش وظلف الحياة، متحملا ظلم الأقربين، وغشم الحاكمين، فهم أبناء بلد واحد، وماضٍ واحد ويتطلعون لمستقبل واحد.

صبر كثيرا ليس عن ذل وخنوع فهو الشعب الذي بلغت فتوحاته الأندلس غربا والهند والسند شرقا.

ولكنه صبر على حد قول الحماسي:

قومي همو قتلوا أُميم أخي ... فإذا رميتُُ أصابني سهمي

فلئن عفوتُ لأعفون جللاً ... ولئن سطوتُ لأوهنن عظمي

وُعد كثيرا وانتظر طويلا، ثم قرر أن يضع حدا لهذا الاسفاف والتطامن الذي يعيشه في كل شيء، تطامنٌ سياسي واقتصادي وأخلاقي، وإسفافٌ في جميع جوانب الحياة.

ضاق ذرعا بكل هذه الاشياء فخرج ليقول للنظام: كفى، فقد آن لك أن ترحل، وآن لنا أن نعيش حياةً أحسن من هذه، ولأنك ورم خبيث لا بد لنا من استئصالك، كي تصح اجسادنا، وتنبت لحومنا.

اختار الشعب منذ البداية استراتيجيته في التغيير، استراتيجية يعتمد فيها على تجارب نافعة ومثمرة في تونس ومصر:التظاهر من أجل نيل الحرية، وجعل شعار مظاهراته: سلمية سلمية حتى ننال الحرية، شعار راقٍ كرقيك يا شعبي، كم يشعرني هذا بالفخر والاعتزاز بك..وهذا هو الطرف الثاني في القضية..

النظام الحاكم ما زال يظن أن هذا الشعب هو نفسه الذي كان يُسام خسفا فيقبل، وهو الشعب نفسه الذي قُتل آباؤه في حماة وجسر الشغور وغيرها، وهو الشعب الذي جُوّع وأذل وأهين، وهو الشعب الذي سيرهبه ويخيفه أزيز الرصاص، وبلطات الشبيحة، لم يستطع النظام بعد أن يتفهم أن الشعب قد تغير وأن العالم قد تغير وأن الشاعر الحماسي الذي قال ما قال أولا، قد قال بعد ذلك :

لا تأمننْ قوماً ظلمتهمُ ... وبدأتهم بالشتم والرغمِ

إن يأبروا نخلاً لغيرهمُ ... والقولُ تحقرةُ وقد ينمي

وزعمتمُ أنْ لا حلوم لنا ... إنَّ العصا قرعتْ لذي الحلمِ

نعم، إن الرصاص اليوم أطلق لذي عزم وحلم وشجاعة..

سيستمر الشعب السوري بالتظاهر حتى ينال حريته، ويسقط النظام المجرم، الذي خان وطنه وشعبه، والشعب السوري معروف أنه شعب كريم يسامح كثيرا، ويغفر كثيرا، اللهم إلا شيء واحد لا يستطيع أن يغفره: الخيانة، فالشعب لن يغفر لمن خانه، والذي في أدبيات السوريين: أن الذي يقتل شعبه خائن!..

لن يستطيع الشعب السوري ان ينسحب أو يقف في وسط الطريق، فجسده الزكي مكلوم، ودماؤه الطاهرة عطرت الأرض..ورياح الحرية قد بدأت تهب عليه.

في المقابل لن يسكت النظام أو ينسحب بسرعة، فآلته المدمرة متعطشة لدماء السوريين، وعناصره مصاصة الدماء تعلم أن وجودها مرتبط بوجوده، فمن هي لولاه، لذلك بقدر الألم الذي عصف بقلبي يوم الجمعة العظيمة لسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء إلا أني لم أستغرب هذا الإرهاب والقتل، وكنت أتوقعه في أي لحظة، فالنظام له أدبياته كذلك، أدبيات لا أدب فيها ولا أخلاق، ما هي إلا هجيرى قذرة، وشنشنة نعرفها من أخزم..

الشعب سيتظاهر، والنظام سيقتل، والسؤال أين الضمير العالمي؟.

لا أعول على العرب كثيرا فهم مفلسون دائما، ولم يكن لهم دور يذكر في الأحداث العربية التي حصلت مؤخرا، إللهم إلا بعض السلبية، والجامعة العربية ما زلت خرساء، وأمينها العام - وهو جزء من منظومة المحنطين العرب - لم ينبس ببنت شفة، ولم يقل ذا بال، الضمير العربي ميت يا سادة ، وعمرو موسى هو الذي ألحده في قبره، والضمير العالمي في إجازة..

عجيب هذا النظام السوري، له خصوصيته الغريبة، فهو النظام الوحيد في المنطقة الذي يتفق عليه الأمريكان واليهود والأتراك والايرانيون وجماعات المقاومة الفلسطينية، إنه منافق بامتياز، يستطيع ان يجمع بين الطم والرم، والحوت والضب.

السوريون اليوم لا يعولون على غير الله، ولا ينتظرون نصرا إلا منه، كربهم شديد، محنتهم عظيمة، وليس لها من دون الله كاشفة.

ولكن ألا يوجد في العالم أحرار، هل سيبقى العالم متعاميا صاما أذنيه إزاء القتل الذي في سوريا، متى يستيقظ الضمير العالمي ، كم يحتاج العالم أن نهريق من دمائنا على تراب سوريا كي يستيقظ ضميره.

وكم يريد منا أن نقدم قربانا من شبابنا كي ينتبه لنا!

اسئلة كثيرة وأخرى غيرها سنعرف أجوبتها في بحر هذا الاسبوع!..

اللهم انصر شعبي المظلوم وكن له مولى ونصيرا فإنه لا مولى له اليوم إلا أنت..

انتهى المقال القديم الجديد وما زلنا ننتظر ..

==========================

سوريا ما قبل الأسد

د/ هشام الشامي

كان رئيس سوريا المنتخب شكري القوتلي ، و كان سائقه يحمله بسيارة الرئاسة إلى منزله بعد انتهاء الدوام الرسمي ، و بعد نزول الرئيس ، يتابع السائق مشواره ، و يأخذ السيارة لتبيت بأمان الله في المرآب ، و إذا ما أراد الرئيس الخروج بعد ذلك استعمل سيارته الخاصة ، و قد شُوهد مرة وحيداً و دون سائق أو مرافق ، يدفع سيارته بنفسه أمام قصر العدل بدمشق ، فتنادى الفتوات و القبضايات لمساعدة الرئيس ، و لم يتركوه حتى سُمع صوت محرك السيارة يدور 0

و في تلك الأيام الخوالي ، شوهد أحد الوزراء ، و قد خرج بأسرته إلى الغوطة للنزهة ، و لم يكن في ذلك مشكلة ، فاليوم جمعة ، و العطلة رسمية ، و من حق أي مواطن أن يتنزه ، و لكن المشكلة التي عرّضت ذلك الوزير للمساءلة و العقوبة ، أمام مجلس النواب ( لا مجلس التصفيق و الصفاقة و الردح و الشتم و الذم ، و تمرير قوانين الطغاة ، و تعديل و تفصيل الدستور حسب المقاس ، و تنصيب الرئيس قائداً عاماً لأمم العالم أجمع وليس للأمة العربية فقط ) هي أنه استخدم سيارته الحكومية في ذلك المشوار الخاص .. !!؟؟ 0

فمن هو الرئيس شكري القوتلي : أنه شكري محمود القوتلي. المولود في دمشق عام 1891، و الذي أنهى دراسته الثانوية في مدرسة عنبر بدمشق،و أكمل تعليمه في الكلية الشاهانية بالأستانة وتخرج منها يحمل الليسانس في العلوم السياسية عام 1912.

انضم القوتلي في الأستانة إلى جمعية (العربية الفتاة) السرية، القائمة على الدعوة إلى تحرير العرب، ومقاومة ما تعمل له جمعية (تركيا الفتاة) من تتريك العناصر العثمانية، و قبل ذلك كان يعمل في صفوف شبيبة المنتدى الأدبي.

وُشي به في الحرب العالمية الأولى فاعتقل وزج به في سجن (خان الباشا) بدمشق، وهدد بالتعذيب، فخشي أن يبدر منه في حالة الإغماء ما يقضي عليه وعلى أخوته في جمعية الفتاة، فحاول الانتحار بقطع شريان يده، وكتب رسالة بدمه وجهها إلى جمال باشا السفاح يحذره فيها من مغبة الظلم، وغاب عن وعيه فنقل للمعالجة، وبهذا نجا من المحاكمة. والتقارير عن بطولة القوتلي رفعته إلى دائرة الأضواء كبطل قومي، وفي عام 1918 أسس مع بعض أصدقائه حزب الاستقلال العربي.

و بعد الثورة العربية الكبرى و دخول فيصل بن الحسين دمشق و تعيينه ملكاً عليها كلفه الملك فيصل بتشكيل ولاية دمشق، ولما احتل الفرنسيون سورية كان اسمه في قائمة المحكوم عليه بالإعدام. فنزح إلى القاهرة ثم حيفا، وبقي أربعة أعوام يتنقل بين فلسطين ومصر وأوروبا يدعو للقضية السورية. عاد إلى دمشق عام 1924، ولما نشبت الثورة السورية ضد الفرنسيين عام 1925 التحق بها فصدر عليه حكم الإعدام من جديد.

عاد إلى دمشق سنة 1930 بعد سقوط حكم الإعدام عنه، واشترك في المؤتمر العربي القومي الذي عُقد في القدس في كانون الأول 1931 ووقع على الميثاق التاريخي، وفي عام 1932 كان أحد الأعضاء المؤسسين للكتلة الوطنية التي تحولت فيما بعد إلى الحزب الوطني المنادي باستقلال سورية كهدف أساسي له.

أثناء وجود الوفد المفاوض في باريس تولى القوتلي إدارة مكتب الكتلة الوطنية، وانتخب مجلس النواب السوري عام 1936 فكان من أعضائه، ثم تولى في أول حكومة وطنية وزارتي المالية والدفاع، وفي أثناء غيابه في السعودية عقد جميل مردم بك رئيس الوزراء اتفاقيتي البنك السوري والبترول مع فرنسا، وقبل بوجود الخبراء الفرنسيين، ومتابعة سياسة التعاون بين البلدين السوري والفرنسي. لكن الوزراء والنواب اعترضوا على هذه الاتفاقية، وكان أشدهم نقمة شكري القوتلي فاستقال من الوزارة في 22/3/1938 احتجاجاً، واكتفى بالنيابة، وفي العام نفسه انتخب نائباً لرئيس مجلس النواب.

عام 1941 انتخب القوتلي زعيماً للكتلة الوطنية خلفاً للمجاهد المرحوم إبراهيم هنانو 0

على أثر دخول الديغوليين سورية في الحرب العالمية الثانية، كان القوتلي السياسي الأكثر شعبية، وبعد وفاة تاج الدين الحسني رئيس الجمهورية بالتعيين، قاد القوتلي معركة الانتخابات بقائمة موحدة في سائر البلاد، وبالتئام مجلس النواب انتخب رئيساً للجمهورية في 17/8/1943، وهو أول زعيم وطني تولى رئاسة الجمهورية السورية.

ازدهرت سورية في أيام القوتلي، كما قاد التحرك السياسي في فترة الاستقلال من 1943 ولغاية الجلاء عام 1946، والتي تميزت بالنشاط السياسي السوري في الحقل العربي، وقد تمحور هذا النشاط حول ثلاثة مواضيع:

1 دعم استقلال سوريا التام أي ضمان جلاء الجيوش الأجنبية عن أراضيها.

2 العمل من أجل قضية الوحدة العربية (الجامعة العربية) في مقابل إعلان الأمير عبد الله أمير شرق الأردن مشروع سوريا الكبرى.

3 العمل من أجل قضية فلسطين.

بعد الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم عام 1949م انتقل القوتلي إلى مصر، واستقر في الإسكندرية، وتغيرت الأوضاع في سورية مع مرور الأيام، بعد تخلي الرئيس أديب الشيشكلي عن الحكم وسفره خارج البلاد ، فعاد إلى دمشق وانتخب مرة ثالثة رئيساً للجمهورية عام 1955م .

في عام 1958 وبناء على طلب الجماهير الشعبية في سوريا قصد مصر على رأس وفد من سورية، فاتفق مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر على توحيد القطرين وتسميتهما (الجمهورية العربية المتحدة)، وتنازل عن منصبه الرئاسي لصالح الوحدة، وقد أُطلق عليه لذلك لقب المواطن العربي الأول. تنقل بعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر وأوروبا، وعندما وقع انقلاب الانفصال في 28 أيلول1961 كان في جنيف، فعاد إلى دمشق بطلب من حكومة الانفصال، وبقي في دمشق حتى انقلاب 8 آذار1963 حيث غادرها إلى جنيف وبعد عام انتقل إلى بيروت واستقر بها. ونزفت عليه القرحة الهضمية بسبب حزنه على حال السوريين بعد انقلاب البعثيين ، حتى قضت عليه تلك القرحة بعد نكسة حزيران و إعلان سقوط القنيطرة بالبلاغ رقم 66 في التاسعة و النصف من صباح العاشر من حزيران من قبل وزير الدفاع حافظ الأسد و ذلك قبل وصول أي جندي إسرائيلي إليها ، وتوفي رحمه الله في (30 حزيران1967)، فنقل جثمانه إلى مدينته دمشق حيث دفن في مقبرة الباب الصغير.

مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية

======================

قالوا ربنا الله ... ثم استقاموا

الدكتور عثمان قدري مكانسي

كيف قالوا ربنا الله ؟ أقالوها بألسنتهم دون أن يدروا كنهها،أم بقلوبهم فآمنوا مقتنعين راضين مطمئنين ،وفي أعمالهم فحققوا وثابروا ؟

 

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها " رواه النسائي .

وعن سعيد بن عمران قال : قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال هم الذين لم يشركوا بالله شيئا " ويذكر القرطبي رحمه الله أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: ما تقولون في هذه الآية " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قالوا: استقاموا من ذنب . فقال: فلم يلتفتوا إلى إله غيره . وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله ، واستقاموا على فرائضه. وكان الحسن البصري رحمه الله يقول : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .

وعلى هذا فالقول" قالوا ربنا الله " ذكر باللسان وفهم بالجنان وإيمان بالقلب ، وعمل بالجوارح ، أما القول بطقطقة اللسان واستنكافٍ عن حقيقة القول فنسمعه من المنافقين والمشركين وأصحاب الأهواء كل لحظة وآن على سبيل اللغو والعادة .

قال الزهري : تلا عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا واللهِ لله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب وقال أبو العالية " ثم استقاموا " أخلصوا له الدين والعمل .

وروى الإمام أحمد أن رجلا قال يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال صلى الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ثم استقم " قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه ..

وفي تقديم الخبر على المبتدإ " ربنا الله " - وهو الوجه الأقوى نحوياً - تحقيقُ الربوبية ، وهذا يقوله غير المسلمين "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولُنّ الله فأنى يؤفكون " وفي القرآن كثير من الآيات في هذا المعنى ..

إن غالبية البشر يقرون بربوبية الله على تفاوت في فهم معنى الربوبية وخلط في المعرفة الحقيقية للرب . أما تحقيق الألوهية فيحتاج إلى استقامة كما ذكرنا بالمعاني التي ذكرنا بعضها آنفاً. ولن تكون الاستقامة التي يرتضيها الله تعالى إلا بعد تحقيق الربوبية الحقة ، وهي - الإقرار لله بالألوهية - ترجمة صادقة للإقرار بالربوبية . فقدم" ربنا الله " على " استقاموا " وكان لحرف العطف " ثمّ " الدال على الترتيب والتراخي معنى دقيقاً يقرر أن الاستقامة تأتي بعد العلم بالحقيقة .

 وذكر بعضهم أن نزول الملائكة " في قوله تعالى " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا " أثناء الموت يطمئنون المقبل عليه أنه في أمان الله وفضله ، كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال " إن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ،اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان" .

وقال بعضهم : إن الملائكة تتنزل عليهم حين البعث والنشور ، فقد بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله تعالى من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان له : لا تخف ولا تحزن . والقولان يعضد بعضهما بعضاً .

ولعل "تتنزّل " على وزن تتفعّل تصور نزول الملائكة المتوالي والسريع على المحتضر ليأنس بهم في حالة كربه في انتقاله من برزخ إلى برزخ، وروحه تنسل من جسده وهو يعرق ويتألم . مثله مثَل الطالب الذكي الذي يعلم أجوبة أسئلة الامتحان ويؤديها بمهارة لكن رهبة الموقف والخوف من الوقوع في الخطأ يؤزم الموقف ، فيكون للمدرس دور في تهدئة الطالب وإشعاره بالراحة .

وتكون كلمات الملائكة تخفيفاً للموقف وتيسيراً لحسن الانتقال ، فلا خوف ولا حزن ، إنما بشرى بالأمان وتهنئة بالفوز بالجنة التي عمل المسلم لها كل حياته راجياً عفو ربه " أن لا تخافوا ولا تحزنوا ، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"

 ونسمع قول الملائكة في ساعة الاحتضار تقول : " نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة " ولكنْ كيف تكون الملائكة أولياء المؤمنين في الدنيا والآخرة ؟ تعال معي إلى ما قاله ابن كثير رحمه الله تعالى : تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار " نحن كنا قرناءكم في الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور وعند النفخة في الصور ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم ".

فكما كانت الملائكة معنا في الدنيا تحفظنا بأمر الله وتسدد خطانا وتحصي حركاتنا وسكناتنا " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " فسوف تزورنا في قبورنا تؤنس وحشتنا ، وتلازمنا حين ينفخ في الصور فيقودنا الرقيب ويتابعنا العتيد وتكون الملائكة عون المؤمن في تجاوز العقبات لتصل به إلى الأمان الموعود به ،بل إن الملائكة تهنئنا بالجنة وتدخل علينا مسلّمة مبشرة " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "

 إن في القرآن الكريم جنات يحس بها المؤمن ويعيش في أجوائها حين يقرأ بقلبه وعقله ويتابع المعاني ، ويفهم الألفاظ وإيحاءاتها ، فيتلذذ بما يقرأ ويفهم . فالرياض أنواع كثيرة ، منها رياض القلب ورياض العقل ورياض البصر والسمع والشم والذوق واللمس ، ولعل لكل مجتهد رياضاً يسعد بها .

وقد دنا رمضان الخير ، إنه على الأبواب ، سرعان ما يدلف إلينا بخيراته ، فلْنهيئ أنفسنا له لننعم به ونسعد ، ولْيكن القرآن رفيقنا فيه وأنيسنا في أيامه فالسعيد من يغتنم الفرص ...

=======================

نداء إلى كل السورين الأحرار

مواطن سوري

في البداية أترحم على كل شهدائنا الأبرار ، وأسأل الله أن يجمعنا معهم بالفردوس الأعلى .

وأوجه نداءً إلى كل السورين الأحرار... إلى كل سوري وكل حلبي خائف وأقول لهم باختصار

هناك أمور خطيرة تحصل في سوريا لا يمكن السكوت عليها أبدا ، ويجب على كل إنسان بالغ راشد أن يتخذ موقفاً تجاه ذلك الوضع ، وأوضح ذلك بشكل سريع .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن أكبهم الله في النار.

ومن هذا المنطلق نقول إن السكوت عن القتل الذي حصل بمختلف أنحاء سوريا هو مشاركة في الجريمة (وهذا قياسا على أهل السبت الصالحين الذين مسخهم الله لأنهم كانوا مع الذين عصوا الله ، ولم يشاركوهم في عصيانهم وأيضا لم يمنعوهم ، فبدأ بهم المسخ أولاً وفاز الذين نصحوهم وقطعوا بينهم بجدار)

وهنا فأن واجب كل إنسان أو إنسان مسلم عاقل أن يبعد نفسه عن العقوبة يوم القيامة وأن يبرأ نفسه أمام الله ، فالساكت على الحق شيطان أخرس ، وذلك بأن يأخذ موقفاً من الذي يجري . وأيضا يجب عليه أن يحدد في أي جهة هو ، هل مع المجرمين القتلة أم مع الثوار ، فالساكت والمؤيد هو شريك في القتل .

ويجب أن يكون معلوماً أن تكذيب الأخبار وتكذيب الوضع العام وتكذيب صور الشهداء وتكذيب مشاهد القتل والتعذيب كما في القنوات السورية .. لا يبرأ الإنسان من الحساب ، وإن هذا التكذيب لا يقوم به إلا الغارق في الجهل أو الجبان الذي يكذب على نفسه ليبرر تخاذله وجبنه ، وهذا لا يعفيه من العقاب أبدا أمام الله . والأولى به أخذ موقف معارض للجرائم والقتل الذي قامت به الحكومة السورية وذلك بأي طريقة كانت .

وينقسم الناس هنا إلى ثلاثة أقسام :

1_ القسم الأول وهو القسم الذي يقوم بالتظاهر لإسقاط النظام بعد أن أخذ موقفا رجوليا وشرعيا من هذا الإجرام ، وهذا من أعلى قيم الجهاد ، وهم في أعلى منازل الشهداء بإذن الله ، وكما قال رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام : إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند إمام جائر.

2_ القسم الثاني وهو القسم الذي لم يأخذ أي موقف من الذي جرى ، ولم يؤيد الحكومة أيضا ، وهذا على خطر كبير لأن مثله كمثل الصالحين من أهل السبت الذين بدأ بهم المسخ.

3_القسم الثالث هو القسم الذي خرج بمسيرات التأييد وهذا على خطر كبير ، فقد ورط نفسه بغير قصد بجريمة لم يرتكبها ، وذلك لأنه أيد الرئيس ، وشد على يديه الملطختان بالدماء ، مما سيدفعه إلى مزيدٍ من القمع والقتل والإجرام (فهو شريكه بالقتل شرعا)

وربما يقول قائل : لقد أخرجونا للتظاهر بالقوة وبالتهديد بقطع الرواتب والمسائلة القانونية .. فأقول لهم هذا لا يعفيك من حساب الله لك .. فقطع الرواتب والسجن والتعذيب لا يشكل شيئا بجانب القتل والتنكيل وانتهاك الأعراض .. والله إن قمة الخيانة والخذلان والجبن والنذالة أن تعيش أنت بسلام وأمان وأخوك بجانبك يعذب ويقتل وتنتهك أعراض نسائه ويشرد من بيته وأنت تتفرج عليه وتقف بجانب قاتله بل وتؤيده وتهتف بحياته .

وأخيرا أقول لكل القاعدين في حلب ودمشق وباقي سوريا : إذا كنت معارضا فاخرج بالتظاهر لتعبر عن رأيك برفض النظام ، وإذا كنت مؤيدا وتثق بوعود الحكومة الكاذبة في الإصلاح فتذكر أنه لولا الشهداء والثوار ما كان النظام ليقوم بهذه الوعود الكاذبة لذا عليك أن تخرج بالمظاهرات لتأييد الثوار واحتراما للشهداء ، وإذا كنت لم تقتنع بهذا الكلام كله ولم ينطبق عليك أي قسم من هذه الأقسام فأنت إذا منافق كاذب حقير نذل خائن لسوريا وخائن لنفسك ومجرم مع النظام ومن الشبيحة ..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ

وأوجه نداءً إلى كل المتخاذلين والساكتين من المشايخ العلماء فأقول لهم : إلى متى تنتظرون وإلى متى أنتم ساكتون ؟!! هل تنتظرون أن يقتل الشعب كله ؟!! ألم تشاهدوا الشباب والرجال والنساء والأطفال الذين قتلوا بدم بارد ؟!! ألم تشاهدوا التعذيب ؟!! يا أخي والله كلنا نستغرب هذا الصمت الرهيب من العلماء علماً أن بيدهم الحل .. والله لو قالوا على المنابر كلمة الحق لرأيت الشعب كله يثور ويقلب الموازين بلحظة ، فقط كلمة حق ومن يخاف أن ينطق كلمة الحق ويدين هذه المجازر فهو ديوس وحكمه – والله - أبشع من الديوس ... فأنتم كأهل السبت الصالحين (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم ) .. أناشدكم أن لا تخرجوا إلى الصلاة خير لكم من أن تخرجوا وتتكلموا وكأن شيئا لم يكن .. لعن الله كل الساكتين ولعن الله المتخاذلين ، والذين خرجوا بمظاهرات التأييد حكمهم كحكم القاتل لأنهم شجعوه وأيدوه . أيها المشايخ لقد رأيتم المنكر في كل سوريا وأنتم ساكتون وأنتم تتمسكون بالدنيا وتخشون الموت ، ألا تخشون الله ؟!! أم أنكم فصحاء وخطباء وناجحون بالكلام فقط .

وعالما بعلمه لم يعملن   معذب من قبل عباد الوثن

إن أصغر طفل استشهد بالثورة أجره عند الله أفضل من حياتكم كلها وأفضل من علمكم الذي لم تعلمتموه ولم تعملوا به ... والله المستعان

=======================

فن إهدار الثورة!

بلال فضل

كانت ثورة عظيمة، لكنها لم تؤت كل ثمارها بسبب اختلال الأولويات وغياب الرؤية، بعدها مباشرة كان يمكن أن نسير فى طريق بناء الدولة الوطنية المستقلة التى تمتلك مشروعاً تنموياً علمياً يجعلها فى مصاف الدول المتقدمة، لكنها بدلاً من أن تفرز مشروعاً وطنياً واحداً تتعدد الاجتهادات فى سبيل تحقيقه، أنتجت مشاريع متناقضة كلها يظن أنه يحتكر الوطنية، وبدلاً من أن تستمر روح القيادة الجماعية التى أدت إلى نجاحها وجعلها نموذجاً مشرقاً فى تاريخ الثورات، غلبت عليها للأسف روح الصراعات، واستبد كل قائد من قادتها برأيه فدفعت مصر ثمناً باهظاً بسبب ذلك، وفى خلال شهور اختفت روح الوحدة الوطنية التى كانت سمة غالبة على المصريين لتعلو نبرة الانشقاق فى الشارع وتتطور إلى مصادمات عنيفة أدمت القلوب.

لا أتحدث عن ثورة الخامس والعشرين من يناير، حماها الله من كل سوء، بل أتحدث عن ثورة 1919 بالمناسبة، وإذا اندهشت من أننى أقول ذلك عنها، فأرجوك أن تقرأ كتاباً مهماً اسمه «فصل مجهول من تاريخ ثورة 1919» للمؤرخ الكبير الدكتور حمادة محمود إسماعيل، صدر عام 1994 عن سلسلة (مصر النهضة) التى تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، لترى كيف تحول اثنان من زعماء ثورة 19 وهما سعد زغلول وعدلى يكن من صديقين حميمين إلى عدوين لدودين بسبب اللجج فى الخصومة واعتقاد كل منهما أنه يخدم الوطن أكثر من غيره، وعدم قدرة الاثنين ومن حولهما على الاتفاق على خارطة طريق وطنية يجتمع حولها المصريون،

وفى حين كان الخلاف يستعر بين الاثنين وفريقيهما كان كل فريق حريصاً على الحديث عن أهمية الاتحاد وخطورة الفرقة، لكن الموقف أخذ يتدهور يوماً بعد يوم خاصة بعد أن بدأ تبادل الاتهامات فى الخطب والتصريحات، وفى حين ينحاز بعض المؤرخين إلى سعد والبعض الآخر إلى عدلى، فإننا نجد رجلاً معاصراً للفترة مثل أحمد شفيق باشا يكتب فى (حوليات مصر السياسية) محملاً المسؤولية للرجلين معا وقائلا «.. لكن اللذين وضعا أول حجر فى اتحاد الأمة وأقاما عليه الأساس حتى كاد يكمل البناء مضيا فى هدمه وقضه حجرا على حجر، واستمرا فى خلافهما وهما يشعران بانحلال رابطة الأمة من حولهما ولا يرجعان عن خلافهما»، بالطبع كما يلاحظ الدكتور إسماعيل «لم يقف الإنجليز مكتوفى الأيدى بل ساعدوا على إشعال هذا الخلاف بكل ما استطاعوا، حتى وصلت البلاد إلى طريق مسدود وجلست البلاد على برميل من البارود كان يكفيه عود ثقاب لينفجر».

فى 29 أبريل 1921 انفجر مرجل الغضب فى طنطا عاصمة مديرية الغربية مسقط رأس سعد زغلول، كانت حكومة عدلى محرجة ولم ترغب فى إصدار قرار بمنع التظاهر لكى لا تظهر بمظهر من يحجر على حرية التعبير، كان ذلك اليوم يوافق يوم جمعة، وكانت قد خرجت بعد صلاة الجمعة من المسجد الأحمدى مظاهرة صغيرة لبعض طلاب المدارس الثانوية، وحصل احتكاك مع بعض رجال البوليس بقيادة مأمور قسم طنطا الذى أصدر أمراً بتشتيت المتظاهرين برشهم بالماء، فرشقوا القسم بالحجارة ثم أحرقوا سيارة بوليس كانت متواجدة أمام القسم فأصدر حكمدار المديرية أمراً بإطلاق النار فى الهواء للإرهاب، لكن جندياً مرتبكاً أطلق النار على المتظاهرين فقتل اثنين فى الحال، وأصيب أربعون، مات اثنان منهم فيما بعد، واتجه بعض المتظاهرين إلى منزل الحكمدار لإحراقه لولا أن تدخلت قوة من الجيش المصرى كانت قد استدعيت من القاهرة على عجل لدعم قوة البوليس.

بعدها وللأسف دخلت البلاد فى دوامة عنف مجنون امتدت إلى القاهرة بدءا من يوم 16 مايو ليسقط عدد كبير من القتلى والجرحى فى أول مصادمات بين المصريين وبعضهم البعض منذ ثورة 19. وكما يلاحظ الدكتور إسماعيل فقد «ساعد على توتر الأمور أن القاهرة كانت تشهد مظاهرات لعمال العنابر وشركة الترام الذين كانت لهم مطالب مهنية منذ فترة لم تتحقق، وعند عدم تحقيقها لجأوا إلى سلاح المظاهرات والعنف فأضافوا بعداً جديداً لهذه المظاهرات»، كان الموقف قد اشتعل عندما قبض حكمدار القاهرة على شاب اسمه أحمد مختار كان يتزعم مجموعة صغيرة من المتظاهرين فى شارع بولاق، وبعد هذه الحادثة صدرت أوامر حكومية بمنع المظاهرات، واستشعر مجموعة من المحامين وأعضاء الهيئات النيابية خطورة الوضع فى البلاد فوجهوا نداءً إلى الشعب بالتكاتف، لكن نداءهم لم يجد صدى، وفى يوم 18 مايو خرجت مظاهرة من منطقة الخازندار كان بها طلبة يحملون النبابيت والعصى واعتدوا على جنود قسم الأزبكية.

وفى نفس الوقت قام شخص مجهول بعمل فرقعة نارية داخل قطار فى شبرا وأطلق طلقات نارية وعندما حاول بعض الجنود القبض عليه تعرض جندى للطعن بمدية فى رقبته، واشتعلت مواجهات فى أحياء كثيرة فى القاهرة أصيب فيها ثلاثة ضباط وتسعة جنود وستة من عمال الترام، لتتجدد المظاهرات فى اليوم التالى وينتج عنها هذه المرة قتيل هو موظف تم طعنه بسونكى، ويصاب عدد كبير من المدنيين والضباط والجنود، لتشتعل حرب شرسة ضد ضباط الشرطة وجنودها فى يوم الجمعة 20 مايو، وتعلن حكمدارية العاصمة أنها «تبذل كل جهدها للبحث عن بعض الضباط والصف والجنود الذين اختفوا عقب مظاهرات الجمعة وأن الحكمدارية تخشى أن يكونوا قد قتلوا،

ويبدو أن هؤلاء بسبب شدة المظاهرات اضطروا إلى الاختفاء فى بعض الأماكن وهو ما أثار خوف وقلق الحكمدارية». بعدها بيومين وفى الإسكندرية انفجر مرجل آخر للغضب انتهى بمأساة راح ضحيتها العديد من المصريين والأجانب، برغم أن عدداً من الشخصيات الوطنية من أبناء الإسكندرية حاولت بكل جهدها السيطرة على الأمور لكى لا يقتل المصريون بعضهم بعضا، كان على رأس هؤلاء الأمير عمر طوسون أحد الشخصيات الوطنية التى كانت تحظى بتوافق كبير، والذى أصدر نداء إلى أبناء الإسكندرية جاء فى نصه «بلغنى مع أشد الأسف ما حدث من بعض الأشخاص غير المسؤولين أثناء المظاهرات السلمية مثل مهاجمة بيوت بعض المخالفين لكم فى الرأى والتقاذف بالأحجار فى الشوارع، الأمر الذى ما كنا ننتظر صدوره من أى مصرى،

ونحن قوم نريد الاستقلال ونطالب بالحرية، وأساس هذا المبدأ احترام كل فريق رأى الآخر وعدم الحظر على أحد وإن شذ فى رأيه وإذا لم نحترم هذا المبدأ فلماذا نشكو من ضغط الإنجليز على حريتنا ومصادرتهم لنا فى آرائنا. وكيف بعد ذلك تريد طائفة منا إرغام مخالفيها على اتباع رأيها بالقوة، فأرجوكم أشد الرجاء الإقلاع عن هذه الخطة التى تضر قضيتنا المقدسة أكبر ضرر وتشين سمعتنا وتحط بكرامتنا، وأناشد كل مخلص لوطنه محب لبلاده أن يجتهد فى منع ما يلصق التهم الباطلة بنا، وإننى لا أقول هذا انحيازاً إلى جانب الوزارة لأننى غير موافق على خطتها، ولكن الواجب هو الذى دفعنى أن أبين لكم الخطر الذى ينجم عن سلوك طائفة منا فى غير المسلك القويم، هدانا الله جميعاً إلى الصواب».

أتركك الآن لكى تتأمل كل ما سبق، وألتقيك فى الغد لنعرف هل استمع أحد إلى نداء الأمير عمر طوسون أم لا؟.

========================

ضاقوا ذرعًا بالكلمة

محمود صالح عودة

لقد أقام الإسرائيليون دولتهم قبل 63 عامًا وسط محيط عربي ضعيف، جاهل، وغارق في كثير من الأوهام المتراكمة، التي تحوّلت على مرّ الزمن إلى عقائد، أو عقد إن شئت الدقة.

 

ومنذ ذلك الحين عمل أبناء الحركة الصهيونية على كيّ وعي الشعب الفلسطيني في الداخل وطمس هويته، كما عمل أولئك على منع أي صحوة حقيقية لأبنائه، سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية، وعملوا على فرض الرواية والرؤية الصهيونية من خلال وسائل الإعلام وأجهزة التربية والتعليم، وغيرها من أساليب التأثير على الرأي العام.

 

ولقد فشلوا في ذلك. فبالرغم من وجود سلبيات في المجتمع العربي في الداخل، إلا أنه يشهد حالة من ازدياد الوعي بشكل عام والوعي السياسي بشكل خاص، من مشاركة وتفاعل الجماهير الحاشدة في المناسبات الوطنية، وحتى ترسّخ الهوية الفلسطينية في قلوب الناس.

 

إن ازدياد الوعي لدى الوسط الفلسطيني في الداخل يقلق المؤسسة الإسرائيلية، ليس فقط لأنه عنصر هام في تقدّم وتطوّر الشعب، بل لأنه يؤدي إلى بذل جهود أكبر للحصول على الحقوق المشروعة داخليًا وخارجيًا؛ داخليًا من خلال المؤسسات القانونية والقضائية، وهو ما أثبت فشله على مرّ العقود كون كل هذه المؤسسات ترضخ لجهاز الأمن الإسرائيلي. وخارجيًا من خلال المؤسسات الدولية والحقوقية، بإظهار سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ومن خلال التوعية العامة وسرد الرواية الفلسطينية في الجامعات الدولية ومن المنابر المختلفة في العالم، وفي المجال الفني، إلخ.

 

لقد فاجأنا - إلى حد ما - اعتقال الشيخ رائد صلاح من قبل وكالة الحدود البريطانية والسعي إلى طرده بحيث لا يعود لبريطانيا لمدة 10 سنوات، ذلك بعدما دعي بشكل رسمي من قبل منظمات مناصرة لفلسطين وأعضاء بارزين من حزبي "العمل" و"الليبراليين الديمقراطيين" الإنكليزيَين الكبيرَين، ليلقي كلمات في "يوم فلسطين" ومجلس العموم البريطاني (ألقى فيه كلمة وكان من المخطط أن يلقي أخرى).

 

لم يعتمد قرار اعتقال وطرد الشيخ صلاح على أسس قانونية، إنما جاء استجابة لمطلب اللوبي الصهيوني وأنصاره، إذ اتخذوا شعار "اللا-سامية" الزائف ذريعة للتحريض على الشيخ. هذا في الوقت الذي وعد فيه وزير الخارجية البريطاني وليام هايغ الإسرائيليين بتغيير قانون يسمح باعتقال أشخاص متهمين بجرائم حرب خارج البلاد، وهو القانون الذي منع كثير من المسؤولين الإسرائيليين زيارة بريطانيا خشية الملاحقة والاعتقال.

 

إن خضوع الحكومة البريطانية لضغوط إسرائيل يأتي في سياق "خضوع عالمي" للصهاينة يتطلب التأمل؛ 1) خضوع غالبية دول الطوق أثناء مسيرات العودة. 2) خضوع تركي-يوناني-دولي بشأن أسطول الحرية. 3) خضوع أكبر شبكة اجتماعية على الإنترنت "فايسبوك" - ومواقع أخرى - بإغلاقها الصفحات المناصرة للقضية الفلسطينية، وإغلاقها وتزييفها لكثير من الصفحات الأخرى التي تهدد مصالح إسرائيل. 4) خضوع أمريكي تام للإملاءات الإسرائيلية حول "حل الدولتين" و"عملية السلام". 5) خضوع إعلامي ليس بحاجة إلى تفصيل.

 

هذه الأمثلة بمثابة نموذج حي للنفوذ الصهيوني-اليهودي العالمي ومدى تأثيره. كما أن المذكور آنفًا يجعل القضية الفلسطينية المعيار الإنساني الحقيقي لدول العالم، والمعيار الثوري الحقيقي للدول العربية والإسلامية.

 

ذلك أنه من الظلم والنفاق والفساد أن تدعم أمريكا ودول الغرب "حقوق الإنسان" و"حق الشعب في المقاومة وتقرير المصير" و"حقوق" أخرى في سوريا وليبيا على سبيل المثال، وترفضها في فلسطين. كما أنه من الوهن والتخاذل والتقاعس أن تستجيب الدول العربية والإسلامية لأي مطلب صهيوني على حساب الفلسطينيين.

 

إن قرار طرد الشيخ صلاح من بريطانيا لمنعه من المحاضرة هناك وسرد الرواية الفلسطينية من وجهة نظر فلسطينية، يشير إلى أن الإسرائيليين ضاقوا ذرعًا حتى بالكلمة، وهي حالة أقرب إلى الضعف منها إلى القوة، وإلى الهوس منها إلى العقلانية، وهي محاولة بائسة في زمن الثورة والحرية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ