ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 07/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

القتلة في حماه مرة ً أخرى!

د.نصر حسن

أرادها شباب الانتفاضة السلمية جمعة أطفال الحرية في حماه وفاءً لروح الشهيد الطفل حمزة الخطيب وتخليدا ً لروحه الطاهرة , واحتراما ً لكل أطفال سورية الأبرياء الذين يعيشون مسلسل رعب دموي مخيف ينتجه ويخرجه هذا النظام القاتل ,وأيضا ً لعنة أبدية على الطغاة القتلة الوحوش الذين لم يردعهم رادع ولم توقفهم قيمة إنسانية أو أخلاقية أو وطنية , ببساطة لأنهم غرباء عن الوطن ودخلاء على الشعب , مجردين أو بالحقيقة والواقع لا صلة لهم بالإنسانية وسلوكهم الوحشي ضد الشعب السوري كله يثبت بالدليل الدموي القاطع والتصرف المشين وبفجور العنف العاهر وقتل الأبرياء بدون تمييز وبدون احترام حتى للطفولة ,وصورة الشهيد حمزة الخطيب تلخص أصلهم وفصلهم ودورهم وانحطاطهم الأخلاقي ستلاحقهم أرواح الشعب السوري لعنة إلى أبد الآبدين.

جمعة أطفال الحرية أرادتها مدينة حماه يوما ً للتضامن السلمي مع حمزة الخطيب وأطفال سورية كلها ,الذين يتعرضون بظل هذا النظام اللقيط لكل أشكال القمع والقتل والتمثيل بأجسامهم البريئة بشكل مهين ومحط بالكرامة البشرية , إنه النظام الشاذ الذي يفرغ كل حقده وجبنه ضد الشعب السوري كله , إنهم الرعاع بأحط ما للكلمة من معنى وسلوك لم تعرفه شعوب الأرض كلها بظل أعتا قوى الاحتلال وفي أكثر حروب التاريخ همجية وبربرية وانحطاط.

 في جمعة الشهيد خرج المدنيون في حماه بعشرات الآلاف يهتفون بالحرية والكرامة يرددون بصوت واحد وقلب واحد وهدف واحد حرية كرامة وحدة وطنية , وكان رد النظام وعصاباته ومرتزقته واحد كما في كل سورية إدمانا ً على القتل العشوائي وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين الذين يحملون الورود والأطفال والوطن والمستقبل الذي أطلق رعاع النظام وحثالته كل حقدهم رصاصا ً يمزق الأجسام البريئة ويحصد الأرواح الطاهرة ويذبح الوطن من الوريد إلى الوريد.

حماه مرة أخرى والقاتل الرعديد نفسه مرة أخرى يتجاوز كل المحرمات ويلعب بالنار من جديد ,ولم يدرك بعد أن عام 1982 الأسود الذي دمر حماه الفاعل نفسه النظام ومرتزقته بقيادة المجرم رفعت أسد وبقية القتلة المجرمين المعروفين اسماً ولقبا ً وحسبا سابقا ً ولاحقا ً,القتلة الموثقين في ملفات منظمات حقوق الإنسان في العالم كله تمهيدا ً ليوم محاسبتهم وهو قريب , هي أيام سوداء أخرى مضت لكن بتخلفهم الجيني وبساديتهم الموروثة وإدمانهم على الجريمة وقتل الأبرياء هي أيام أخرى , اليوم العالم تغير والزمن تغير والشعب السوري تغير وقيمة الإنسان ارتقت إلى أعلى القيم العصرية الإنسانية والحقوقية والقانونية إلا لدى هذا النظام الشاذ , وأصبحت الأرض والسماء مفتوحة والعالم كله يرى جرائمهم ويشاهدها بمنتهى الاحتقار والغرابة ولا معقولية التوصيف بأن هذا القاتل يسمى مجازا ً نظام أمام المجتمع الدولي !.

قلناها ونحن نضغط على الجراح النازف لثلاثين عاما ً ونتحمل ظلما ً وجورا ً وطنيا وإنسانيا ً لا مثيل لهما, وأكدناها صبرا ً وكرامة ً وكبرياءً حفاظاً على وحدة وطن وكرامة شعب ودرءاً لمخططات القتلة المهووسين بتحويل سورية التاريخ والحضارة والياسمين إلى مجازو ومسالخ وجثث مرمية على قارعة الطرقات ومقابر جماعية والتمثيل الوحشي بالمدنيين, والعزف الكاذب المخزي على وتر المؤامرة والدس والتطرف وهم خميرة وعجينة كل ذلك ويزيد .

عشرات الشهداء ومقابر جماعية في حماه مرة أخرى , لكن لا نقول ما أشبه اليوم بالبارحة , بل ما أشبه قاتل حماه بالأمس بقاتلها اليوم , لكن حماه هي هي على مر التاريخ حماه أبي الفداء عصية على الفناء ونارا ً في أعين الجبناء , الجديد في الأمر هو هذا النظام الذي يريد أن يطبق الوصفة الدموية الحموية مرة أخرى وعلى كل سورية هذه المرة لكن الصورة تغيرت وانقلب السحر على الساحر وأصبح النظام بجرائمه الوحشية وإصراره على القتل الجماعي يسرع كما الجسم الساقط إلى قفص العدالة لينال جزائه على جرائمه وتخليص سورية من هذا الفيروس القاتل وتبرئة الضمير الوطني السوري من هكذا رعاع .

ما يرتكبه النظام اليوم في حماه خطرا ً للغاية ,إنه اللعب الغبي الأحمق بأرواح الناس الأبرياء والمدنيين الذين ينشدون الحرية والكرامة ودولة المساواة والحق والقانون , هذا اللعب بالنار سيكون خطرا ًمفتوحا ً ,ومعروف أن هذا النظام قاتل محترف جبان رعديد ,يظهر كل فجوره الدموي وانحطاطه الإنساني ضد شعبه فقط , مع كل ذلك عليه أن يدرك أن الزمن السوري تغير وأن الشعب السوري تغير وأن سجال الصوت والرصاص هو طور في الثورة لن يدوم , وأن الشعب السوري سيفاجئه بلحظة الحسم النهائية كما فاجأه ببدء ثورة الحرية والكرامة وهي قريبة, عندها ستحرق كرة النار كل القتلة والمجرمين الذين مارسوا أبشع صور الجريمة ضد شعب سورية الأبي...إنها كرة النار السورية التي ستحرق هذا العار...

تحية إلى شباب حماه وكل شباب سورية الأبطال... الذين قرروا موحدين دفع فاتورة حرية سورية وكرامتها مرة ً واحدة وتحقيق الانتصار وطي تلك الصفحات المظلمة من تاريخ سورية ...وفتح صفحات الحرية والحياة والمستقبل المشرق الذي تستحقه سورية وشعبها الجبار...

تحية إلى شهداء حماه وكل شهداء سورية الأبرار ...

===========================

حضارتُنا ستنتصِر

حامد بن عبدالله العلي

أروع ما في الثورات العربية أنهّا :

  أثبتت أنَّ هذه الأمة العظيمة ، لايستطيع أحدٌ أن ينتزع منها حنينها إلى الكرامة ، و العزّة ، والتوْق إلى الحرية ، وأنّ هذه القِيم الوضَّاءة ، ستبقى فيها كامنة ، مهما اشتدّت سطوةُ الطغاة فيها ، وطال زمنُ الإسبتداد عليها ، إلى أن تتفجر منها كالبركان الهائج ، والبحر المائج .

  وأنَّ أشجع أمم الأرض ، هي أمّتنا المجيدة ، ذلك أنهّا وحدها التي ابتُليت بأسوء أنظمة سياسية عرفها التاريخ ، وأشدّها قسوة ، وأشنعها تغوُّلاً ، ووحشيّة ، وأخسها في التعامل مع شعوبها ، ومع ذلك ، فقد ثارت شعوبنا على الطغاة ، وانتفضت ضدّ البغاة ، رغم إهراق الدماء ، وتمزّق الأشلاء .

  ولاريب أنَّنا إذا ذكرنا شجاعة شعوبنا ، فلنضع التاج الأضوء تألقاً ، المرصَّع بلآليء الشموخ، وجواهر الشمَم ، على رأس الشعب السوري ، ذلك أنه أعظم شعوبنا بلاءً بقسوة النظام ، وأتعسها حظاً ونصيبا بالحرية ، ورغم ذلك ، فقد انطلق ثائراً كالإعصار ، وماج كلهيب النار ، غير عابئ بالدم الدفيق ، ولا بوَعَثِ الطريق ، ولا بخذلان الصديق .

  أما اليمن فللّه درُّ أهل اليمن ، ولَنعْمَ الشعب ، في نعم الوطن ، ولقد سبق هذا الشعب جميع شعوبنا ، في عزيمة التغيير ، مع حكمة التنظير ، وأثبت أنَّ المجتمع القبلي المحافظ لايعني أنه سيخضع للاستبداد ، أو يجهل طرقَ الحكم الرشاد ، بل هو يتفوَّق على غيره في الإبداع السياسي ، في وضع نظام العدالة ، والكرامة ، مكان نظام عبادة ( الزعيم ) و( الكراسي) .

 ثمَّ انظروا بفخر إلى نساء اليمن كيف شاركن بكمال الحشمة ، في إصلاح الأمة ، فأثبتنَ أنّ الحجاب لايحجب الدور الألق لعقل المرأة المسلمة ، بل يحجب عن عقلها خرافات العلمانية المجرمة .

 هذا .. ولاتسلْ عن شعب ليبيا البطل ، عجيبٌ أمرُه ، جليلٌ خطرُه ، طويلٌ صبرُه ، عليٌّ في الجهاد شرفهُ ، وذِكرُه .

  أما الجزائر فتريَّثوا عليها ، فلن تلبث حتى ترنُوَ أبصارُكم جميعاً إليها ، فإنه شعبٌ يحسب الأعداء لغيره الحساب ، ويحسب له ألف حساب ، وإنهم لفي الطريق ، فإن ثاروا فخلُّو لهم _ لعَمْري _ الطريق .

  وفي المغرب .. يا له من مغرب .. إنا لنسمع زئيرَ الأسود الصارمة ، والليوث العازمة ، للوثبة اللاّزمة ، والثورة العارمة ، بالنهضة الحاكمة .

 وقريباً سيشتعلُ شعبها متسلقاً جبالَ الثورة الماجدة ليأخذ نجوم الجَوْزاء بيمينه ، فيجعلها شعار الحرية على جبين المغرب الجديدة القائدة ، بإذن الله تعالى .

  وإنَّ العروبة لتنتظرُكِ يا موريتانيا فأين دورُك؟ ومتى يزول عنك جَوْرُك، ويرتفع بالعدل أمرُك ، ويعلو إلى أبعد مدى بالحرية شأوُك؟

  أما تونس الحبيبة ، فليت شعري أيُّ شيء نقول لتونس ، وهي التي أيقظتنا من سُباتنا ، بل أحيتنا من مواتنا ، وأنارت لنا السبيل ، وأوضحت لنا الدليل ، وإيم الله إن الكلمات لتقف باستحياء ، إذ هي عاجزة عن حقِّ الوفاء .

  أما خليجنا المحروس ، وشعبه المحبوس ! فلن أقول :

إلى كمْ أنتَ تهتفُ بالعبيدِ ** وما أجْداكَ إيقاظُ الرُّقودِ

فدعْكَ فلنْ تثيرَ نيامَ قومٍ ** وطبعُ الرقِّ فيهم من عهودِ

 بل سأقول :

إذا أيْقَظْتهمْ ذكروُا جدودا ** سموْا فتسلَّقوُا المجدَ المجيدا

فثاروُا للعلاءِ لهمْ زئيرٌ ** كأنَّ القومَ قدْ خُلقوا أُسُودا

 غير أنِّ لكلِّ عزٍّ أوانه ، ولكلِّ مجدٍ إخوانه

  أما العراقُ فهو _ واسوأتاه _ ضحية لإحدى جنايات النظام العربي الذي في طريقه إلى الهلاك . شمخَ العراق حتى بلغ فلكَ العزة الأعلى ، ونجم المجد الأجلى ، ثم خانُوه فأسلموه ، وخذلوه فضيَّعوه ، وبكلِّ سوء كافأوه ، حتى صار تحت مِخْلب الفُرس المجوسية ، وبين أنياب الصهيوصليبية ، يستصرخ فلا صَريخ ، ويستنجدُ فلا مُصيخ .

 غير أنَّ شعب الرافدَيْن لن يطول به الزمن حتى يثِبَ نمورُه ، ويعتلي الأطوادَ صُقورُه ، فتربَّصوا به تربُّصَ المستيقنين ، فقد انطلقت شرارةُ ثورته الآن في صلاح الدين ، وبهذا الاسم تيمن المسلمين .

  وأما السُّودان فسبقت بالإصلاح ، وعاشت منذ زمن تلك الأفراح ، وأهلها سيكملون المسير ، بهدوئهم المعتاد ، وسكينتهم المعروفة بين العباد !

  ودعنا من ذكر مصر ، فهي الأمُّ التي بقِيم حضارتنا مُفعمة ، وهي الكبيرة المعلِّمة ، وهي بحرُ التغيير المحيط ، وبركانُ الثورة النشيط ، وما من تغييرٍ صالح في الأمة ، إلاّ وفي رقبته لمصر منّة . والخلاصة أنَّ شعوبنا أثبتت أنها أمّة الكرامة ، والعزَّة ، والشجاعة ، والحرية .

 وما سيأتي بإذن الله أعظم تألُّقا ، وما ستشرق به شمسها من الخيرات ، بإذن الله أروع مشرقا .

 هذا وتأملوا معي فيما أنزل الله على هذه الأمة من أعظم الهدى ، وأرشد الخير العاصم من الردى ، في قوله تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا ، وما استكانوا.

 وكيف دلَّ ربُّنا هذه الأمة على أنَّ الوَهْن الذي يصيب الإرادة ، والضعف الذي يصيب العزيمة ، والاستكانة التي هي ضد وأنتم الأعلون ، هي الأدواء العظيمة التي تُسقط الشعوب في براثن الرضا بالظلم ، وتُقيّدها بأغلال الرقِّ للطغاة .

 فإنْ هي تخلَّصت من هذه الأدواء ، فامتلأت النفوس بصلابة الإرادة ، وقوة العزيمة ، وشموخ العزّة ، بعد التوكُّل على الله تعالى ، فسوف تنتصب هامَتها ، وسترتفع قامتها ، وتعلو رايتها بإذن الله تعالى .

 وإذ قد نفضت أمتنا غبارَ الوهن ، والضعف ، والإستكانة ، فحريٌّ بنا أن نقول : إنَّ حضارتنا قريبة بإذن الله إلى النصر المبين ، لتُشعل منار الهدى للعالمين .

 نسأل الله أن يتممَ ربيع أمتنا بإشراقةِ الزهور ، وعبيرِ العطور ، وأفراحِ الحبور... بعهد جديد يفوحُ بعبَق العدل ، وينْتشي بنسائم الحرية ، وينتعشُ بضياء الكرامة ، في ظلالِ إسلامنا الوارفة ، وأُخوّته الآلفة ، وتعاليمِه التي بكلّ خيرٍ سالفة .

والله المستعان ، وهو حسبنا عليه توكلنا ، وعليه فليتوكل المتوكلون

===========================

أنّى لهؤلاء أن يخافوا الله؟

د. أكرم حجازي

الأسئلة التي طرحتها الثورات العربية كثيرة جدا. لكن أفضل بيئة لاختبارها تقع في إطار الثورة السورية بالنظر لاشتمالها على أعظم نوازل الأمة. فالنظام السوري يستأثر بورقة الطائفة الحاكمة .. وورقة الجولان وأمن إسرائيل .. ورقة الأمن والرقابة والاستبداد .. ورقة الحرب والقتل والفتن.. ورقة التحالف مع الصفوية في إيران ودعاتها في ليبيا .. ورقة المقاومة الفلسطينية في لبنان وفلسطين .. ورقة حزب الله .. ورقة تأمين العراق .. ورقة الابتزاز والخدمات العامة ... وكلها أوراق تحظى برضى إقليمي ودولي، لم يرق حتى اللحظة إلى إدانة جرائم النظام أو يتجاوز عتبة الدعوة إلى الإصلاحات أو التعجيل بها مقرونا بعصا التنحي !!!

 

 إذن للثورة السورية تداعيات محلية وإقليمية ودولية أكثر من أية ثورة أخرى لاسيما وأن أوراق النظام ثمينة إلى الحد الذي تمكِّنه من التحكم بتوازن المنطقة واستقرارها لفترة طويلة جدا لصالح إسرائيل فقط وليس لصالح أحد غيرها إلا النظم ذاتها. ومن جهة أخرى، وحتى تستقيم الأمور، فالإصلاح بالنسبة للنظام يعني نهايته، وهو إجراء، حتى لو افترضنا جدلا صدق النظام فيه، من المستحيل أن يفكر به حقيقة، أو يلجأ إليه، أو ينجح به، أو يقبل به أحد من الشعب السوري. لا لشيء إلا لأنه ليس بمطلب ولا بمشكلة الشعب السوري.

 

 لذا فالسؤال الذي نطرحه في هذه المقالة يتصل بهوية النظام، ومكانته، وحقيقة الصراع الاجتماعي معه، والذي تجسد في وقائع ثورة طاحنة، لا خيار أمامها إلا إسقاط النظام ولا خيار أمام هذا إلا القتل!!! أما السؤال فهو: هل كان من الممكن أن يحظى النظام بهذه المكانة والقوة والقدرة على الإمساك بأغلب الأوراق لو لم يكن نصيريا في الصميم؟ أما الوجه الآخر للسؤال فهو: هل يمكن للثورة السورية أن تتجنب طبيعة النظام الطائفية، أو تسقطه دون أن تدفع ثمن كل هذه الأوراق وفي مقدمتها الورقة النصيرية؟

 

جوهر المشكلة

واقع الأمر أن النظام السياسي في سوريا هو الوحيد الذي يلعب بالورقة الطائفية المحلية. وحين يتحدث عن فتنة طائفية فهو يعني بالضبط القول بأن الثورة السورية تستهدف الطائفة النصيرية بعينها ولا أحد سواها. وهذا تقييم صحيح وفي الصميم. فالمجتمع السوري ليس طائفيا البتة حتى فيما يتعلق بنظرته إلى الطائفة النصيرية. وهذه حقيقة تاريخية وشرعية، وليست مجازا ولا مجاملة ولا تساوقا مع ما يسمى بالوحدة الوطنية. فالنصيرية، كغيرها من الطوائف والفرق، عاشت في رحاب المجتمع الإسلامي طوال تاريخها دون أن يثير هذا التعايش أية إشكالات اجتماعية إلا ما تثيره الطوائف ذاتها في فترات معينة.

 

 لكن بنية النظام الأمنية والسياسية قائمة على الطائفية المغطاة بعلمانية مصطنعة توفرها فلسفة حزب جرده النظام من أية فاعلية في إدارة البلاد أو حكمها إلا من ورقة توت يستر بها عورته الطائفية.. معادلة يعيها ويعيشها السوريون بكل طوائفهم وأعراقهم مثلما يعيها النظام نفسه، ويستقوي بها على المجتمع.

 

 مع ذلك فالسوريون، من باب اجتماعي، يعلمون، كغيرهم، أن النصيرية فيها الغث والسمين، وأن غالبيتها مسحوقة كبقية الطوائف. ويعلمون أن النظام يستغل معتقداتها لتخويفها بمحيطها مثلما يجري تهديدها ورميها بخيانة النظام فيما لو دخلت على خط الثورة .. رؤية شرعية فيها من العدل والقسط والإنصاف ما يفيض عن حاجة المظلوم للنصرة في مواجهة الظالم. وعليه فلا النظام ولا أبواقه ولا حلفائه بقادرين على رمي الشعب السوري بفزاعة طائفية مزعومة أو موهومة لاسيما إذا كان الهدف هم أهل السنة والجماعة الذين يشكلون الغالبية الساحقة منه بنسبة تزيد عن 80% من مجموع السكان.

 

 الثورة ضد أشد النظم الأمنية استبدادا ووحشية وفتكا لم تستثن أحدا من حق التمتع بالحرية، وما من أحد ينكر أن أهل السنة هم الذين يدفعون فاتورتها من دماء أبنائهم بالآلاف من القتلى والجرحى والمعذبين ممن أمكن معرفة أسمائهم. ومع ذلك، وحتى هذه اللحظة، لم تخرج أية مظاهرة مساندة للثورة من الطائفة في أي تجمع لها في البلاد، ولم يسقط أيا من أفرادها، لا قصدا ولا غدرا، ولا جريحا ولا قتيلا. أما لماذا؟ فلأن السوريين يعلمون جيدا أن عناصر الطائفة يشكلون، بالفعل، القوة الضاربة الأعظم للنظام، سواء تعلق الأمر ب « الشبيحة » أو بالفرقة الرابعة أو بسلاح الطيران أو بأجهزة الأمن.

 

 ما يعرفه جل الخبراء والمراقبين والعالمين ببواطن المجتمع السوري ونظامه أن السوريين يتجنبون الحديث عن الطائفة بعينها، تحسبا من توظيف النظام لأي موقف يمكن من خلاله تخويف وابتزاز الطوائف والأعراق الأخرى. لكن الحقيقة الصارخة أن مشكلة الطائفة النصيرية، التي أصابت كل المجتمع وليس جزء منه، واقعة في صميم معتقداتها وليس في كونها صاحبة الحكم والامتياز، وتبعا لذلك واقعة في ثقافتها الاجتماعية التي تتصادم دائما مع الثقافات الأخرى المكونة للمجتمع السوري. هذا هو جوهر الإشكال التاريخي مع النظام السياسي في سوريا، وهذا هو جوهر انحياز الطائفة للنظام .. صمتا أو علانية .. ضعفا أو قوة.

 

 كان من الممكن لكافة الطوائف الدينية والأعراق التعايش معها، كما هو الحال طوال التاريخ الإسلامي، لو لم تكن معتقدات الطائفة بالغة الانحراف، وذات محتوى مخالف للفطرة الإنسانية، وأثر مدمر على المجتمع، الأمر الذي تسبب بنفور اجتماعي من الطائفة، وحولها إلى جماعة منبوذة اجتماعيا. ولعله من الطريف حقا أن الشيعة الجعفرية الإثنى عشرية، بكل غلوها وخرافاتها وانحرافاتها وفسادها ودجل دعواتها وأطروحاتها، لا تعترف بالنصيرية واحدة من طوائف الشيعة باعتبارها طائفة غلو!!!

 

 فالنصرية، كما سبق وأشرنا في مقالات سابقة، طائفة تروم القبول والرضى الاجتماعي في نفس الوقت الذي تؤمن فيه بمعتقدات تصل إلى حد إباحة اللواط!!؟ وتقديس الخمر!!؟ وتصر على إشاعة الفاحشة وتحويل البلاد إلى خمارة وبيوت متعة!!! وهذه حقائق عقدية لا تنقصها الأسانيد ولا تحتاج إلى إنصاف!!! فمن يتردد على دمشق لا بد وأنه فوجئ من كثافة باعة الخمور المهربة على قوارع الطرق .. ومن عرف بيروت، منذ دخول القوات السورية إليها ( 1975 – 2005) يعلم جيدا دور المخابرات والجيش السوريين في إدارة تجارة الخمور والمخدرات ودور الدعارة فيها .. معتقدات ومسائل وسلوكيات تصادم الفطرة الإنسانية، وتستعص، ولا شك، على الفهم أو القبول في مجتمع غالبيته الساحقة من أهل السنة والجماعة.

 

 النصيرية، طائفة لا تحكم فحسب بقدر ما تفرض على الآخرين التسليم بحق احتكارها للسلطة التي تمكنها فعليا من ممارسة معتقداتها وشهواتها وسياساتها كيفما تشاء، ودون أن تضطر لإخفاء مشاعر الدونية والحقد على كل ما يمت للعروبة والإسلام بصلة .. معتقدات لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها أو غض الطرف عنها إلا بقبضة أمنية متوحشة، وبتحالفات شاذة، وأكاذيب مجلجلة تعكس عمق الانحرافات العقدية، وتلائم مضامينها وتطلعاتها، بل وتستعمل أشد السياسات دموية لتشريعها ودوامها، حتى لو تطلب الأمر قتل عشرات الآلاف من البشر كما حدث في مجزرة حماه (2 فبراير 1982 ) أو تشريد الملايين، أو تعذيب لا يمكن أن تحتمله نفس سوية .. ولقد كان وصفا معبرا ذاك الذي أدلى به عم الطفل حمزة الخطيب تعليقا منه على وحشية التعذيب الذي تعرض له الطفل حين قال: « هؤلاء لا يخافون الله »!!! فلماذا يتحمل المجتمع السوري، لاسيما أهل السنة فيه، وزر ضعف الطائفة، وانحراف عقائدها، وهلعها، وبطش نظامها، ورعونة قتلتها، وفظاعة جلاديها؟ وما الذي تركته الطائفة أو النظام للتصالح مع الشعب؟

 

الفرصة اليتيمة للنظام

كل الأنظمة العربية، بلا استثناء، أمنية الطابع. وذات طبيعة استبدادية في بنياتها الظاهرة والباطنة. لكن إذا كان القذافي قد لجأ مبكرا إلى خيار الحرب الأهلية .. وكذا جهد الرئيس اليمني في ممارسة القتل بالجملة، متنقلا من ساحة إلى ساحة، ومن مدينة إلى مدينة، أملا في إحداث حرب أهلية، تدخل فيها البلاد في فوضى، اعتاد النظام على التعايش معها، عبر إشعاله لعدة حروب فيها خلال سنوات حكمه الثلاثين .. فإن النظام السوري يفتقد إلى احتياجات الحرب الأهلية وأدواتها. وكي لا يخسر سلطانه أو يتعرض وطائفته لانتقام اجتماعي، فقد لجأ النظام، منذ اللحظة الأولى، إلى إفراغ أقصى ما يستطيع من فزعه في كل من يعترض عليه أو يشعر بأنه قادر على اعتراضه، صغيرا كان أو كبيرا، عبر الاحتماء باستراتيجية وحيدة لا يمتلك سواها، بديلا عن الحرب الأهلية، وهي: « الترويع .. ولا شيء غير الترويع».

 

استراتيجية قابلة للتصعيد بحسب الحاجة ابتداء من:

  فرض الحظر الإعلامي كأول الأدوات اللازمة للسيطرة على ردود الفعل المحلية والدولية. ولعله أمر لا يخلو من دلالة بالغة أن تلجأ إيران الصفوية إلى تزويد النظام بما يحتاجه من خبرات في تقنيات الاتصال، ووسائل للمراقبة والتحكم والسيطرة؛

 

  إطلاق النار على المتظاهرين في أول مسيرة بمدينة درعا. وهذا يكذب مزاعم النظام ووسائل إعلامه ومتحدثيه الرسميين وغير الرسميين عن لجوء قوات الأمن إلى استعمال السلاح بعد مضي أسبوعين على انطلاق الأحداث، وكذا إيقاع أقسى صنوف التعذيب والقتل ضد المعتقلين لاسيما الأطفال منهم، كما حدث لأطفال درعا الأربعة عشر، أو للطفل حمزة الخطيب (13 عاما)، الذي بدا جسده مصليا كما لو أنه شُوِيَ في مخبز، فضلا عن قطع عضوه التناسلي وتثقيب جسده بالرصاص؛

 

  ممارسة القتل والتعذيب والتمثيل على أوسع نطاق عبر الاستهداف المتعمد لمنطقة الرأس، وإحداث فجوات وشروخات وتصدعات مرعبة، فضلا عن قلع العيون وسلخ الجلود وقطع الأرجل؛

 

  استعمال أسلحة استراتيجية كالدبابات والطائرات في مواجهة الأعداء كأدوات قمع ضد المدنيين!

 

 بطبيعة الحال؛ فالنظام الذي حظر على وسائل الإعلام العربية والدولية، وكل المؤسسات الحقوقية والإغاثية والإنسانية، الاقتراب من الحدث السوري للتحقيق في وقائعه، ليس معنيا بأي حوار أو إصلاحات، ولا بإثبات مصداقيته أو براءته أو إنسانيته بقدر ما هو معني باستمراريته .. ولا ريب أن كل من شاهد أنصار النظام، من شبيحة وأمثالهم، قد تملكته الدهشة والذهول من مستوى الفحش والبذاءة الأخلاقية في ألفاظهم وشعاراتهم .. لكنها الحقيقة الصارخة لمن لم يسبق له أن خَبِرَ العفة والكرامة أصلا، أو عرف لها سبيلا .. ففاقد الشيء لا يعطيه.

 

 لكن هذه الثقافة والاستراتيجية يدركها الشعب السوري قبل أن تنطلق ثورته!!! فقد جربها وعاشها لعقود طويلة، ودفع ثمنها من الدماء والقهر ما لم يدفعه أي شعب عربي. ولئن نجح اليمنيون في إسقاط خيار الحرب الأهلية فإن الريف الذي أطلق الثورة السورية، وغذاها بدمائه صعَد من احتجاجاته وتحديه للسلطة إلى حد إسقاط استراتيجية الترويع، وتفريغ أعتى أدوات الردع للنظام من فاعليتها .. وإلى الدرجة التي أفقدته صوابه.

 

 سقوط استراتيجي يتوالى تباعا في صورة: (1) اتساع رقعة الثورة في الريف كما في المدن، و (2) دخول المزيد من القوى الاجتماعية والمهنية المنظمة على خط الثورة، و (3) تفاقم مستوى البغض للنظام رغم فداحة الخسائر والكلفة الباهظة. ولعله من المدهش، بكل المقاييس والتجارب الإنسانية، أن تتحدى بلدات صغيرة كالرستن وتلبيسة وتلكلخ ودوما ونوى والعامودا ومعرة النعمان وجسر الشغور وغيرها آلة القتل الفتاكة للنظام، ابتداء من الشبيحة والقناصة وصولا لأعتى الأسلحة الثقيلة كالدبابات والطائرات.

 

 في المحصلة ثمة نظام غير قادر على التصالح مع شعب يرى فيه وبأطفاله خصما لا يمكن التعايش معه أو السيطرة عليه إلا بالترويع، ويخشى، إلى حد الجنون، من عواقب انتزاع السلطة منه بسبب ماضيه الدموي!!! وثمة شعب كسيرٌ مهيأ، نفسيا وموضوعيا وتاريخيا، ليس لتأديب النظام فحسب بل لتقديم ما يلزم من الدماء لإسقاطه، فلماذا يتصالح معه وهو يتحين الفرصة للتخلص منه؟ ... وكيف لنظام أن يتصالح مع شعب ضج أطفاله من القهر والظلم فحملوا راية الحرية، وتقدموا الصفوف، ليصنعوا، من أنفسهم البريئة وأجسادهم الغضة فرصة عظيمة للتضحية، لم تتح للآباء من قبل، كما يلزم، لكنها الآن متاحة في كل البلاد!!! .. فلماذا يفرط بها؟

 

 وأخيرا

يبقى القول أن الثورات العربية لم تتجاوز، بعد، مشكلة التعامل مع الأقليات الطائفية والإثنية ودعاة المذاهب والفلسفات الوضعية بالرغم من كونها ليست من أية طبيعة أيديولوجية أو طائفية. وهذا مؤشر بالغ السلبية، خاصة وأنه يوفر للنظم والمتسلقين على رقاب الشعوب والحقوق، وكذا الأعداء والخصوم فرصة اعتراض الثورات، إما بهدف تحقيق مكاسب عاجلة، عبر جعل حقوق الأغلبية رهينة لحقوق الأقليات والقوى اللبرالية والعلمانية بلا مبرر أو منطق، وإما لتوظيف هذه النقيصة في ضرب الثورات نفسها، أو التلويح بها لتحقيق انقسامات اجتماعية أو اختراقات تحرف الثورات عن مساراتها وأهدافها، أو استغلالها في التخويف أو التمهيد لحروب أهلية مصطنعة.

 

 فالمجتمع السوري مثلا لا يحتاج لمن ينصحه في مسألة الطائفة النصيرية. وهو كالنظام السياسي، يدرك كل الإدراك أن وقائع الصراع لا تخرج عن المحتوى الطائفي، مهما بدا إعلام الثورة حريصا كل الحرص على إبعاد شبح الطائفية عن الثورة. لكن تغطية الشمس بغربال الطائفية، لا يمكن أن يحول دو سفك الدماء أو ارتكاب أبشع الجرائم .. فلماذا لا يكون الصراع مع النظام صريحا؟ .. ولماذا لا تكون العلاقة مع النصيرية صريحة أيضا، وواضحة إعلاميا مثلما هي في الواقع؟

 

 مع أن بعض الأصوات بدأت تتحرر من قيود الاتهام بالطائفية، في صورة بيانات وتساؤلات عن موقف النصيرية، وهي تحمل نبرة تحذيرية من قادم الأيام إذا ما استمرت الطائفة بالانحياز للنظام، إلا أن الحسم مع الطائفة لا يزال حبيس النفس، خشية المساس ببعض أفرادها المعارضين للنظام أو تجرع الاتهامات الظالمة. وهذا ما نعنيه بالضبط حين نقول بأن حقوق الأمة يجري تعليقها على ناصية عاطفية أو أخلاقية لا أثر لها ولا وزن في مسيرة الأمة، ولا منطق يجيزها أو شريعة تبرر لها. بل هي الظلم بعينه. فإن كانت النصيرية (معارضة أو مساندة للنظام) لم تعلم بعد أن الحرية والأمن حق للجميع، وليست امتيازا لطائفة على حساب أخرى .. فمن الأولى بها أن تعلم بأن عقيدة الأمة وأخلاقها وقيمها وسلوكها وثقافتها ليست معرضة للمساس من أية جهة كانت، فردا أو جماعة أو طائفة .. ولا هي موضع توافق أو مساومات أو مجاملات أو ترضيات.

 

 جملة أخيرة: فالثابت أن وقائع الثورة السورية لم تعد بحاجة لذي عقل كي يتأكد أن النظام، أيا كانت هويته، لا يمكن له أن يستمر في الحكم. والسؤال: هل ثمة فرصة للطائفة للإفلات من عقاب ذو نكهة تاريخية؛ تعلم النصيرية مدى فداحتها جيدا؟ ربما! لكن؛ إذا تَعَقَّل مشايخها، ولو لمرة واحدة، وقبل فوات الأوان!!!

===========================

نفاق الفن ... وردّته الأخلاقية

محمد حسن فقيه

الفن : شعور راق وإحساس مرهف يتمخض عنه إبداع وجمال .

يتجلى هذا الفن في لوحة بديعة خطتها أنامل مرهفة دقيقة ، تبعث في نفس من يطالعها راحة وانشراحا ، أو قصيدة شعرية مفعمة بالمعاني والقيم العالية ، ترسخ معاني الشجاعة والفداء ، أو منشد يصدح بصوته الشجي فيبث معاني الرجولة والوفاء ، ويرفع الهمم الضعيفة والهامات المنحنية عاليا ، ويوقد العزائم المحبطة والمخدرة لتقفز من سباتها ، أومطرب ينشر مشاعر الحب والإخاء ، بلحن عذب ندي يهز المشاعر الراقية والأحاسيس المرهفة ، أو في مسرحية هادفة تصور مشكلة إجتماعية أو وطنية ، تشخص الخلل وتؤطر المشكلة ، وترسم سبل الخروج من تلك الأزمة ، فتصلح المجتمع وتنهض بالأمة .

وفي جميع الأحوال فإن الفن الحقيقي الأصيل يبقى رسالة سامية ، ترقى بمشاعرالأمة نحو السؤدد والصلاح ، وتزرع معاني القيم العالية والأخلاق الرفيعة ، وتبث مشاعر البطولة والرجولة والوفاء ، وتؤصل حب الوطن والذود عن حياضه .

كل انسان يمكن أن يكون فنانا ناجحا في عمله ومعاملاته ، مع البيئة التي تحيط به ويعيش فيها ، فالمهندس البارع يمكن أن يكون فنانا في تصميماته وإبداعاته ، والدكتور الماهر كذلك يكون فنانا في طريقة تعامله مع زواره ومرضاه ، أو حتى في طريقة ودقة إجراء عملية جراحية لمريضه ، وكذا المعلم في أسلوب شرحه وتقديمه وطريقة توصيل المعلومة وعرضها بشكل واضح ومشوق لطلابه ... ومثلهم الرسام ... والخياط ... والنجار ... والحلاق ... وغيرهم .

 

والفنان : هو ذلك الشخص المبدع الذي يتمتع بشعورسام وإحساس مرهف ، يجنده لهدف مشروع بناء ، فيصلح من حال الإنسان وينهض بالأمة .

وحتي يكون الفنان فنانا حقيقيا بمعنى الكلمة يحترم هذه المهنة ولا يسيء إلى معناها ولا ينتقصها حقها ، عليه أن لا ينحرف بها عن جوهرها النقي ، ولا يهبط بها إلى طريق التجارة وكسب الأموال ، ويحولها إلى وسيلة للثراء على حساب الفن وأهدافه المنشودة .

فإن في هذا تجنيا على الفن ورسالته السامية وافتئاتا عليه ، ولكن الأقبح من ذلك أن يضع الفنان إمكانياته ومواهبه تحت الطلب ، فيؤجرها هنا ويبيعها هناك في سوق نخاسة رخيص ، فيتحول بالفن إلى درك الهوان والإبتذال .

عندما يتحول هذا الشخص الوصولي إلى أداة رخيصة تستعمل لخدمة الآخرين من أصحاب الشأن وتحقيق أهدافهم الشخصية الهابطة أو المتخاذلة ، بعيدا عن مشاعره وأحساسيسه وقيمه وأخلاقه ... وفكره ، عندها لا يمكن أن يسمى مثل هذا فنانا بل يصبح ممثلا وضيعا ... لا بل مهرجا محترفا .

والممثل : بيدق على رقعة شطرنج ، يحركه لاعب من عل إلى المكان الذي يريده ، وفي الوقت الذي يختاره ، وشتان ... شتان بين رجل لا يختلف عن بيدق من خشب أو زجاج ، وبين رجل من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس يتحرك على أرض الوطن لبنائه ، وخدمة شعبه والدفاع عن أرضه ومقدساته .

الممثل : شخص يتقمص مشاعر وأحاسيس مزيفة ومتناقضة بحسب الدورالمسند إليه ، أو الدور الذي ربما يكون قد اختاره بنفسه ... لتحقيق مصالح الذات وأهواء النفس ، متنكرا لرسالة الفن ومبادئه السامية الأصيلة ، وبطريقة مغمسة بأساليب التزلف والتذلل ، ومعبدة بأرصفة الخنوع والهوان .

الممثل : صالة عرض لبيع المشاعر والأحاسيس ..... يباع فيها الفرح والحزن معا ... يباع فيها الصدق صباحا والكذب مساء ... يباع فيها الخيانة والوفاء ... والعمالة والغدر والوطنية ... وغيرها من القيم والأخلاق والشيم والمعاني المتباينة والمتناقضة بنفس السعر .

يبيع الممثل دمعة أم ثكلى كما يبيع ضحكة عاهرة فاجرة ، يبيع نهرا من دموع أم فقدت وحيدها في حجرها ، كما يبيع الدم المسفوح لذلك الطفل الوحيد الذي فجعت به أمه .

يتبلّد إحساس الممثل ويتحجّر شعوره ويفقد معاني القيم والأخلاق والأعراف والرجولة وينسى كل ماحوله ، ويتحول إلى مجرد أداة توجهها المصالح الهابطة والأهواء المزيفة والأماني الرخيصة ، لا يرى معاناة الأمة وإذلال الشعب وهوان الوطن ، لا يسمع صراخ المظلومين وأنات الثكالى وبكاء اليتامى ، ويخرس لسانه أمام قمع الحاكم المستبد وقتله لأبناء الوطن وسفكه لدمائهم ، في حين ينطلق مدويا يلهج بحمد الطاغية ويسبح له ويقدس ... صباح مساء .

عندها لم يعد هذا الشخص فنانا ... ولا ممثلا ... ولا مهرجا ، لأنه أصبح من حاشية هذا الحاكم المستبد وبطانته الفاسدة ، وشريك السلطان المستبد في تضليل الشعب وتزييف الحقائق ... وقمع المواطن .

 لقد أوغل في انحرافه وتنكر لرسالة الفن ومبادئه ، وباع كل القيم والأخلاق والمشاعر ، ليؤصل للطاغية ظلمه ، ويشرع له إجرامه ، ويبارك له قتله ، ويلمع له صورته المشوهة ، ويغطي على أفعاله الذميمة والقبيحة ، ويثبت له عرشه المهزوز بصخور ملحية منخورة وفاسدة ! .

لقد خان نفسه وخان شعبه .... وخان الوطن ، لقد باع نفسه وباع أهله وباع الوطن ، بسعر بخس في سوق نخاسة رخيص .

الفنان إما أن يحترم مهنته ويكون رجلا على مستوى رسالة الفن السامي وأهدافه الإنسانية ، وإلا فليكسر قلمه ويحبس لسانه ويعتزل عمله ، خير له من النفاق للسلطان وخيانة الشعب والأوطان.

إن الفنان الذي يقوم بتجسيد القيم والهمم العالية والعزائم القوية الصادقة ومواقف النخوة والشهامة أمام جمهوره ، لا يليق به كرجل وانسان وليس كفنان فحسب ، أن يتنازل عن هذه القيم والأخلاق ويتخلى عنها تحت أي ظرف من الضغوط ، ولو هدده أعوان الحاكم في رزقه ولقمة عيشه ، ولو حتى امتد تهديد الطاغية إلى أمنه وسلامته ، وما رفضه للإبتزاز والتنازل عن رسالته السامية ومبادئه الأصيلة ، إلا جزء من هذا الوفاء لمهنته التي اختارها والقيم التي جسدها ... والوطن الذي أحبه .

إن الفنان الذي اختار تجسيد عظماء الأمة ، ورسم بطولاتها ومواقفها ، وصور صدق إيمانها وقوة عقيدتها ، ومضاء عزيمتها ، وترجم وطنيتها ووفاءها ... لا يجدر به أن يخون الدور الذي جسده ويخذل جمهوره الذي شجعه ، وينقلب على القيم والأخلاق التي عززها ودعا إليها .

إما أن يكون الفنان رجل مبادئ ومواقف عند الأزمات والمحن على مستوى من الرجولة والاحترام للأدوار والقيم والمواقف التي قدمها بما يخدم مصلحة الشعب وأبناء الوطن ، متجاوزا ترهات المستبدين وضغوط زبانيتهم وحواشيهم ، ومتجاهلا تعليماتهم التي تبحث عن مصلحة الحاكم المستبد على حساب حقوق ومطالب الشعب ، وإما أن يعتزل الفن ويختفي من الساحة ، خير له من أن يطالع جماهيره كل يوم جديد بالخيانة والخذلان ، لما في ذلك من تآمر على الفن وانقلاب على أصالته وانحياز ضد جمهوره وبني وطنه ،

 

فاعتزال الفن خير من اصطفاف الفنان خلف السلطان المستبد ضد جمهوره العريض من أبناء أمته ووطنه .

الإعتزال خير ألف مرة من هذا النفاق الفني ... والردة الأخلاقية .

===========================

حتى يكون أيلول (استحقاقا)

د/إبراهيم أبراش

من المراهنة على المفاوضات إلى المراهنة على ما بات يُعرف في الخطاب السياسي الفلسطيني ب (استحقاق أيلول) حتى بات البعض يعتقد بأن هناك بالفعل استحقاق واجب في أيلول بمقتضاه سيتم الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية على كامل حدود 67 وعاصمتها القدس مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين ،وان هذا الاستحقاق بديل للمفاوضات التي وصلت لطريق مسدود .فما مفهوم الاستحقاق؟وهل بالفعل هناك استحقاق واجب في أيلول ؟ وهل استحقاق أيلول بديل للمفاوضات ؟.وفي حالة صدور القرار الذي نريد فهل سيطبق تلقائيا؟.

تثير كلمة استحقاق لبسا لان الكلمة لغة مشتقة من حق ،والكلمة تعني الحق الواجب أو التاريخ المحدد بناء على التزام سابق،وفي واقع الأمر فإن الأمم المتحدة – مجلس أمن وجمعية عامة خصوصا- ليسا دار ندوتنا أو احد دواوين العرب لتنعقد مؤسساتها متى نريد ولتصدر القرارات التي نريد ،ومن جهة أخرى لا يوجد أي اتفاقات موقعة أو قرار دولي يلزم الأطراف الدولية بالاعتراف بدولة فلسطينية بالمواصفات الفلسطينية على حدود 67 .سبتمبر لن يكون استحقاقا حقيقيا إلا بالإرادة الفلسطينية وبخلق ظروف وطنية ودولية مواتية تدفع دول مجلس الأمن أو الجمعية العامة للاعتراف بهذا الحق الفلسطيني الشرعي الذي نؤيده ونباركه.الوعود الأمريكية والأوروبية المبهمة حول الدولة الفلسطينية لا تعتبر مرجعية لاستحقاق ولا يمكن الركون إليها ،والاعترافات الدولية المنفردة بدولة فلسطينية على حدود 67 مهمة ولا شك ولكنها لوحدها لا تكفي لتحويل المطلب الفلسطيني لاستحقاق ملزم وخصوصا أن هذه الاعترافات موجودة منذ سنوات ولم تُوقِف استيطانا ولا عدوانا إسرائيليا.

 نفهم ونبارك خطوة الرئيس أبو مازن بإعادة القضية الفلسطينية للأمم المتحدة وهي خطوة عاقلة وواقعية لان تدويل القضية يعتبر تصحيحا لخطأ بدء من مدريد واستمر لأكثر من ثمانية عشر عاما من المفاوضات العبثية،عبثية ليس لان مبدأ المفاوضات مرفوض بل لأنها كانت مفاوضات بدون مرجعية وطنية جامعة وبدون مرجعية دولية وبدون حتى مرجعية اتفاقية محددة .إعادة القضية للأمم المتحدة اعتراف بخطأ حتى وإن كان اعترافا متأخرا.

ولكن ومن باب التفكير والاستدراك وليس من باب التشكيك فإن قلقا ينتابنا من طريقة إدارة ملف استحقاق أيلول ونخشى أن يؤدي سوء إدارة الملف وغياب الرؤية الواضحة للهدف من الذهاب للأمم المتحدة لإفقاد هذا الاستحقاق أهميته وإفقاده قوة الدافعية قبل الوصول للتاريخ المحدد .

حتى يكون أيلول استحقاقا واجبا وحتى لا نصاب بنكسة جديدة ،و لأن استحقاق أيلول يتعلق بقضايا تمس وجود ومصير الشعب الفلسطيني ،ونظرا للتشنج الصهيوني والرفض الأمريكي لهذا التوجه الفلسطيني ،فإن استحقاق أيلول معركة حامية الوطيس يجب الاستعداد لها وحُسن إدارتها.وفي هذا السياق نبدي الملاحظات والتساؤلات التالية:-

1. هل استحقاق أيلول خيار استراتيجي أم ورقة ضغط؟

كثيرا ما نسمع من الرئيس ومن مسئولين في المنظمة انه إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان أو اعترفت بدولة فلسطينية أو طرحت أية جهة مبادرة جديدة للتسوية تتضمن وقف الاستيطان فإن المنظمة ستعود للمفاوضات وستتخلى عن استحقاق أيلول !.وفي رأينا أن هذا القول خطير وخطأ من حيث التكتيك السياسي لأنه يُفقد استحقاق أيلول أهميته ويظهره وكأنه مجرد ورقة ضغط لدى المنظمة وليس خيارا استراتيجيا ،هذا الأمر يجعل كثيرا من الدول لا تأخذ مأخذ الجد التهديد الفلسطيني بالذهاب لمجلس الأمن ويجعلها تتردد في اتخاذ موقف من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

هذا لا يعنى عدم التعاطي مع أية مبادرة جديدة للتسوية تتضمن المتطلبات الفلسطينية وبالتالي العودة لطاولة المفاوضات،ولكن ما نرمي إليه هو ضرورة الاستمرار بالتمسك باستحقاق أيلول كخيار استراتيجي لا يتعارض مع المفاوضات التي ستستمر قبل وبعد صدور قرار دولي يثبت حق الفلسطينيين بدولة مستقلة .

2. العودة للمفاوضات ليس بديلا عن الذهاب لاستحقاق أيلول.

لا نستبعد أن تطرح واشنطن أو جهة دولية أخرى -كالمبادرة الفرنسية - مبادرة جديدة للتسوية وفي حالة تضمنها الحد الأدنى من المطلوب فلسطينيا يمكن العودة لطاولة المفاوضات،ولكن يجب أن لا يكون هذا بديلا عن استحقاق أيلول .العودة لطاولة المفاوضات يجب أن لا تقطع الطريق على استحقاق أيلول ،لان استحقاق أيلول سيقوي المفاوض الفلسطيني والقرار الذي سيصدر عن المنتظم الدولي سيشكل مرجعية للمفاوضات بدلا من المرجعية التفاوضية وسيشكل ضمانة مستقبلية في حالة فشل المفاوضات ،وأكبر خطأ يقع فيه المفاوض أن يتراجع عن استحقاق أيلول أو يضع المفاوضات بديلا عنه .

3. حتى الآن من غير الواضح هل ستبحث الجمعية العامة موضوع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية أم أن مجلس الأمن وبضغط من واشنطن سيقطع الطريق على الجمعية العامة ،وفي حالة صيرورة الموضوع عند الجمعية العامة فهل سيناقَش الموضوع ضمن اجتماع عادي للجمعية وفي هذه الحالة ستصدر الجمعية قرارا أو توصية غير ملزمة تضاف لعشرات التوصيات التي لم تنفذ حول الشأن الفلسطيني كقرار التقسيم 181 لعام 1947 وقرار عودة اللاجئين 194 لعام 1949 ؟ أم ستجتمع الجمعية تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام )؟ وآنذاك يمكن للجمعية إصدار قرارات ملزمة .

4. لا تجتمع الجمعية العامة تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام) إلا إذا كانت هناك حالة او صراع يهدد السلام العالمي،كالسابقة المشهورة في حرب كوريا 1950 ،وعلى هذا الأساس إذا أراد الفلسطينيون قرارا ملزما لإسرائيل وواشنطن يجب خلق ظروف نضالية منذ الآن تدفع العالم للمسارعة لبحث الصراع في الشرق الأوسط خوفا من تداعياته على السلام العالمي ،وفي هذا السياق نقترح تفعيل المقاومة السلمية وتصعيدها حتى سبتمبر .إن لم يحدث ذلك فلن تنعقد الجمعية العامة لتمنحنا القرار الذي نريد أو ستجتمع لتصدر توصية مبهمة يمكن لكل طرف تفسيرها كما يريد.

5. حتى الآن من غير الواضح صيغة القرار الذي سيُقَدم للجمعية العامة وما هي التعديلات التي ستطرأ عليه داخل أروقة الجمعية،فهل سيكون القرار المطالبة بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة ؟أم الاعتراف بدولة فلسطينية على كامل أرضي الضفة وغزة عاصمتها القدس الشرقية وحق عودة اللاجئين؟ أم مجرد قرار ينص على حق الفلسطينيين بدولة فلسطينية على حدود 67 بدون التطرق للقدس واللاجئين؟إذا كان القرار بالصيغة الثانية سيعتبر هذا تراجعا عن الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية محل التوافق الوطني وسيكون محطة جديدة من محطات التنازل مما سيؤدي لتوتير الوضع الفلسطيني الداخلي وتخريب المصالحة التي ما زالت في بداياتها.

 

وأخيرا نقول بان المنتظم الدولي لا يمنح حقوقا سياسية للشعوب تلقائيا بل يُضطر للاعتراف بحقوق الشعوب التي تناضل دفاعا عن حقوقها ويُضطر للتدخل إذا ما شعر أن السلم والأمن الدوليين مهددان بالخطر،وعليه فدرجة من التصعيد الشعبي السلمي المدروس ضرورة حتى يأخذ المنتظم الدولي مطالبنا مأخذ الجد.

Ibrahemibrach1@gmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ