ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 28/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الله أكبر الله اكبر..الله أكبر ..ولله الحمد في جمعة حماة الديار

نوال السباعي - مدريد

الله أكبر ..الله أكبر ..الله أكبر لاإله إلا الله ..الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا

الله أكبر ياسورية ..الله اكبر يادرعا..الله اكبر يادوما ..الله اكبر يابانياس ..الله أكبر ياحوران..الله أكبر يالاذقية ..الله أكبر ياحمص ..الله اكبر ياحمص ..الله أكبر ياحماة..الله أكبر ياحلب ..

الله أكبر يادمشق وياحلب رغم الحصر والحصار والأموات والمنافقين والأذلة العبيد

الله أكبر ياقامشلي

الله أكبر ياقامشلي وياالحسكة

الله اكبر في كل شبر في بلادنا المؤمنة الجميلة

لقد جئتمونا بالنهار في اليل ..وبالعيد في مايو - مايس

لقد جئتمونا بالنصر مع القهر

وبالفرج مع الكرب

وبالسرور والحبور مع الدموع والآلام

الله أكبر ياسورية لقد جئتنا بالعيد ونحن عنك بعيدون ...لاعيد ولافرح

الله أكبر ياسورية ...جئتنا بالفرح على الرغم من سقوط الآلاف مابين شهيد وجريح

وعلى الرغم من الاعتقال والتعذيب والأذى والحصار

الله أكبر كبيرا ...ترتفع مع نشيد حماة الديار ..فلها طعم الحياة بعد طول موت

الله أكبر كبيرا ...ترتفع مع حماة الديار فلها طعم العزة بعد الذل

الله أكبر ترتفع مع حماة الديار فلها طعم الامل بعد اليأس

ومن هناك وحول العرش ...ينظرون إلينا بصفاء وسلام ورضى ...تلك الكوكبة الغالية من شهداء سورية الأبرار

اللهم تقبل شهداءنا ..اللهم اشف جرحانا ..اللهم فك أسر من سلبت حريته

اللهم اجبر كسر نا وتول أمرنا وفرج همنا

اللهم عليك بعدوك وعدو الإنسانية وعدونا

اللهم عليك بالطغاة القتلة في اليمن وليبيا وسورية وفي كل مكان من أرضنا المعذبة

الله أكبر ..الله أكبر ..الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا

نداء يصل الارض بالسماء ، والامس بالغد ، والقبور الجماعية بكواكب السماء

نداء يزلزل ويطهر ويعمر ويرمم

الله اكبر ياسورية

الله أكبر ياأطفال درعا

الله أكبر يافلذات كبد سورية وأكبادنا

يامن جعلكم الله قرابين الخلاص

الله أكبر يانساء بلادي ..الله أكبر ياسهير الاتاسي رمز كل حرة سجنت وعذبت ، الله أكبر ياطل الملوحي رمز كل من قهر وظلم في بلدنا التي كانت قد اختُطفت من الأغوال دهرا

هذه ليلة من ليالي الله تتردد فيها التكبيرات من حناجر الأبطال والشجعان والأحرار

هذه ليلة من ليالي الله تردد فيها سورية التكبير فيرجع الحرم الصدى بالتكبير والدعاء

الله أكبر ياسورية ...الله أكبر ياسورية

الله أكبر ياحماة الديار من الأحرار والشرفاء ذوو المروءة والأخلاق والإيمان

نفوس أباة ...وماض مرير

وأرواح الضحايا المظلومين المعذبين تستصرخكم

وترقبكم وتسألكم وترجوكم

فمنا ابناء درعا ..ومنا أبناء إنخل..ومنا أبناء دوما ..ومنا ابناء حمص ..ومنا أبناء بانياس

فلم لانسود بالعدل ..ولم لانشيد بالحرية

أصوات التكبير تشق سطوة الليل ، ونشيد حماة الديار يهبها روعة العناق بين الخير والسلام والرحمة

في ليلنا هذا ...أشرقت الشموس الوضيئة من عيون شهداء سورية

شهداء الحق والحرية والكرامة

الله أكبر ..الله اكبر ..ولله الحمد

الله أكبر ..الله أكبر ..لاغله غلا الله

الله أكبر ..الله أكبر ..الله أكبر لاإله إلا الله ..الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا

http://www.youtube.com/watch?

v=Y-SiTU_hKdE&feature=player_embedded

http://www.youtube.com/watch?

v=-swst1P2SEc&feature=player_embedded#at=107

http://www.youtube.com/watch?

v=webwDbh2EeE&feature=player_embedded

http://www.youtube.com/watch?

v=lZECMi-7c5Q&feature=player_embedded

=============================

يا إعلام قوى المقاومة اللبنانية! من فضلك، اصمت!!

غازي أبو ريا

 "بعد عودة الهدوء إلى سوريا....."، كان هذا الخبر يوم الجمعة الفائت في النشرة المسائية لتلفزيون n.b.n أي نبيه بري نيوز، المحطة الناطقة بلسان حركة أمل اللبنانية، أو الناطقة بلسان زعيمها الأبدي نبيه بري. نعم، عودة هدوء! يوم الجمعة التي قُتل فيها أكثر من ثلاثين، جُرح المئات، اعتُقل المئات، كل هذا يسميه إعلام أدعياء المقاومة يوما هادئا!!

 لا شيء يستحق الانتباه في سوريا! حادثة تصادم قطارين في جنوب أفريقيا تأخذ أهمية قصوى في فضائيات المقاومة! أما مسيرة القتل للشعب السوري فهي مجرد حوادث في دولة نائية يسكنها شعب من كوكب آخر، ومن العيب التدخل في شأن الدول الأخرى!

 لكن، واأسفاه! اعلام الممانعة في لبنان يسحب بيديه شرعيته من الشارع العربي، ونحن نريد له العودة الى جادة الصواب، فليس مقبولا على الإطلاق أن يضخم إعلام الأحزاب الشيعية في لبنان الثورة في البحرين، ويهمش ثورة شعب سوريا! ويشارك الإعلام السوري في بث الأكاذيب، والعجيب في الأمر أن حركة أمل وحزب الله يصوران ما يحدث في البحرين وكأنه يحدث في دولة عظمى ويؤثر على مسار التاريخ، مع أن كل سكان البحرين بمليكها وشيعتها وسنتها أقل من عدد سكان منطقة درعا السورية، ومع أن منطقة درعا بسكانها الوطنيين هم الذين استقبلوا اللبنانيين النازحين عام 2006 خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، فإذا كان إعلام المقاومة اللبنانية قد اختار الوقوف مع النظام السوري حفظا للجميل، فمن باب التنبيه، أقول بأن الشعب السوري، لن ينسى هذا الموقف حين تنتصر ثورته، والعرب لن ينسوا أن إعلام الممانعة تخصص في الثورة البحرينية ليس من باب دعم الشعوب العربية المتعطشة للحرية والكرامة، بل لأسباب طائفية خالصة، وكل هذا يصب في غير مصلحة الممانعة والمقاومة.

 إن الكذب المكشوف لا يجلب إلا المزيد من النقمة، والشعب السوري اليوم ناقم على إعلامه وعلى الشخصيات السورية التي تدافع عن القمع والقتل، وتمجد السفاحين وقتلة الأبرياء، وهذا الإعلام سقط ولم يعد أحد يصدقه حتى لو صدق في خبر ما، وهذا ما يجب أن لا يسقط فيه إعلام المقاومة اللبنانية، لأن حرب الإعلام هي نصف النجاح في أية معركة، فإذا صُنف إعلام المقاومة في خانة الكذب، إضافة إلى وقوفه ضد الشعب، فمن أين سيأتي الدعم الإعلامي والشعبي والمعنوي في المواجهة القادمة مع إسرائيل؟

 الخطاب الديموغاغي لن يكون كافيا، والتأكيد على الوقوف في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي لن يقنع الذين اقتنعوا به بالأمس، والإعلام العربي والعالمي سينظر إلى المقاومة اللبنانية كأداة عسكرية بيد المشروع الإيراني الشيعي، وسيجد اللبنانيون المعارضون لحزب الله امتدادا عربيا يحثهم على الثورة ضد سلاح المقاومة، خاصة إذا نشبت حرب وتركت دمارا مؤلما.

 يبدو أن جنون العظمة لا يقفز عن أحد ممن يملكون بأيديهم كل القرارات، وكلهم يعتقدون أن هذا التمرد "لن يحدث عندي"، ألم يصرح بشار الأسد قبل اندلاع الثورة السورية بأنه مطمئن، وأن سوريا ليست تونس أو مصر، ويومها، كتبت هنا في هذه الصحيفة منبها بشار الأسد إلى أنه مخطئ وعليه أن يقود بنفسه الإصلاح قبل أن يُطاح به، وأكرر الأمر نفسه بالنسبة إلى أمل وحزب الله، وأقول، وضعكم غير مريح على الإطلاق، انقلابكم على الحكومة كان خطأ قاتلا سببه جنون شعوركم بالقوة، وثقتكم المبالغ فيها في قدرتكم على السيطرة العسكرية على لبنان خلال ساعات قليلة، وكذلك انحيازكم "المبرر لشيعة البحرين" لو ظل على نار هادئة، لكن كما يبدو فإن ثقتكم الكاملة بأن رصيدكم في المقاومة سيجعل الجماهير العربية تناصركم في كل موقف.

 خلال حرب 2006 كنت محررا لجريدة، وقد تجندت من خلال الجريدة بالأخبار والمقالات إلى جانب المقاومة، وحقها في الدفاع عن لبنان، وغالبية الإعلام العربي في إسرائيل والعالم العربي تجند في نفس المهمة، لكنني على ثقة بأن هذا الإعلام لن يكون كما كان، هذا إن لم يتخذ موقفا متجاهلا، ولا أستغرب أن يكون معاديا.

 فيا إعلام المقاومة! لا تربط نفسك بالإعلام السوري الذي يمارس الكذب، ولم يتقن حتى اليوم كذبة واحدة، لا تسقط في وسخ الإعلام السوري الذي يشيد بالقاتل ويتهم الضحية، وماذا ستقول يا إعلام المقاومة للشعب السوري غدا بعد أن يحاكم المجرمين والإعلاميين الذين أدانوا الضحية؟ ماذا ستقول لشعب وقفت لتمنعه من أخذ حريته رافعا شعار الكرامة ومحاربة الاستعمار؟

اصمت يا إعلام المقاومة! من الأفضل لك أن تغلق كل أبوق إعلامك على أن تساند بقوة ثورة الشيعة في البحرين، وتساند بقوة مسيرة القمع في سوريا. اصمت! اصمت قبل أن يتمنى الشعب السوري أن تقصف إسرائيل محطات إعلامك.

=====================

الثورات العربية.. رحلة نحو التغيير والبحث عن الذات

بقلم حسان القطب

مدير المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات

hasktb@hotmail.com

عقود طويلة مضت وبعض القيادات العربية الحاكمة تحدد مسار شعوبها السياسي والاقتصادي مع الحرص على أن تبقى ضمن ثوابتها الشخصية، وبما يخدم مصالحها العائلية والحزبية وحتى الطائفية منها، ومنعت هذه القيادات عن شعوبها كل حق في النقاش والاعتراض على أي سياسة أو واقع اجتماعي واقتصادي ومعيشي معين، وحرمتها استعمال واستخدام كل منابر الحوار والتواصل مع المواطنين للتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها، وربطت هذه الأنظمة سلطتها بعناوين حماية القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وتحقيق التحرير وتثبيت حق العودة، واعتبرت القضية الفلسطينية أولوية وطنية وإقليمية وقومية تتجاوز في أهميتها كل برامج التنمية المحلية ومشروعات التطوير الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، واعتبرت أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأشاعت أن العمل السياسي إن لم يكن تحت شعار التحرير والمقاومة والممانعة وحماية النظام ورموزه، فإنما هو لخدمة توجهات أجنبية تستهدف هذا النظام وقياداته وأفكاره ومشاريعه وتوجهاته وخططه، وكذلك لخدمة المشروع الإسرائيلي كمقدمة لإلصاق وإطلاق الاتهام بالعمالة والخيانة، وبالتالي لم يعد هناك من مبرر لنشوء وقيام وتأسيس أحزاب وطنية وحتى هيئات اجتماعية مدنية مهما كانت عناوينها وتوجهاتها، لأن الحزب الحاكم أو القائد الملهم وفريقه سواء كان حزبه أو عائلته أو طائفته إنما يلحظ في تفكيره وتوجهاته وتطلعاته من موقعه المتقدم في قيادة الأمة والشعب كل ما قد يفكر فيه مواطن عادي أو حتى مجموعة من المواطنين..

وقد أضاف البعض على نظام حكمه نوعاً من صفة الضرورة الوجودية، بحيث يكون سقوطه أو التخلي عنه ضرباً من الجنون أو من العبث السياسي الذي تترتب عليه مشاكل أمنية خطيرة في دولته أو في محيطه، وتتكفل وسائل إعلامية وقيادات سياسية لتتحدث محذرةً عن الفوضى المتوقعة سياسياً وامنياً، والأخطار المحدقة ببعض المجموعات الإثنية أو الأقليات العرقية أو الدينية في هذه المنطقة نتيجة هذا السقوط أو التحول السياسي المتوقع في هذه الدولة أو تلك، فقد تحدث القذافي في بداية الثورة على نظام حكمه عن دور تنظيم القاعدة المفترض في ليبيا في حال سقوطه والأخطار التي ستتهدد أوروبا والعالم نتيجة عدم بقائه في السلطة.. واليوم انتقل هذا الموضوع ولكن بعناوين مختلفة إلى التحذير والتنبيه من تداعيات ونتائج الوضع المتفجر في سوريا، حيث يتطوع البعض في لبنان وغير لبنان ليتحدث عن المخاطر التي قد تنتج نتيجة سقوط نظام الأسد في سوريا والتداعيات والمعاناة التي قد تصيب الأقليات في المنطقة العربية وخاصةً في سوريا ولبنان..وكان المطلوب أن تبقى حالة الظلم والقهر مستقرة في سوريا ولو على حساب كافة شعوب المنطقة وبالتحديد في سوريا كضمانة استقرار لمجموعة أو فئة، رغم أن الثورة أو الانتفاضة في سوريا وغير سوريا اندلعت نتيجة سياسات القهر والتعذيب والاعتقال التعسفي وسوء الإدارة الاقتصادية والحالة الاجتماعية التي تمارسها هذه الأنظمة ولم تنطلق هذه الثورات أو الانتفاضات تحت عناوين وشعارات دينية أو عرقية أو حتى قبلية وعشائرية..ولتدعيم وجهة النظر هذه فقد نشرت جريدة النهار ما مفاده: (ينشط بري أيضا على "جبهة باريس" في إطلاق عملية دعم لنظام الأسد والتحذير من انفلات الوضع الأمني في سوريا وانعكاسه على لبنان.وهذه الخلاصة السياسية ابلغها بري بحسب معلومات ل"النهار" إلى قصر الاليزيه، مفادها أن عدم الاستقرار في سوريا سيؤدي إلى الوضع نفسه في لبنان.وحذر من التلاعب بهذا الشريان الحيوي الذي يربط قلبي البلدين. وإذا أفلتت الأمور في سوريا فان لبنان سيكون أول بلدان المنطقة الذي تنتقل إليه هذه الشرارة التي ستفتك في حال اندلاعها، على قوله، بكل مقومات لبنان..ودعا بري الفرنسيين إلى التدقيق جيدا في أوضاع المسيحيين في المنطقة العربية وما اختبروه من مجازر وحمامات دم في العراق، لم توفر كنائسهم وديارهم، وان العدد الأكبر منهم وجد في سوريا الملاذ الآمن. والمطلوب من باريس أن تعي جيدا حقيقة ما يحصل في سوريا إذا خرجت الأمور عن السيطرة والمطلوب في النهاية الحفاظ على كل مكونات هذا البلد من المسلمين والمسيحيين.ويؤيد رئيس المجلس الإصلاحات التي يقدم الأسد على تنفيذها في بلاده. وقد حذر في رسالته إلى القيادة الفرنسية من اللعب بخريطة سوريا وممارستها الضغوط على نظامها)... أما وئام وهاب رجل سوريا في لبنان فقد قال في كلمة له: (إن التدخل الغربي في سوريا مستحيل، وهو يعني أن عشرات الآلاف من الصواريخ ستتساقط على المستوطنات الإسرائيلية. وهذا يعني أن كل المنطقة ستشتعل من فلسطين إلى العراق)..والبعض من الإعلاميين والسياسيين قد بدا يتحدث عن ضرورة الحفاظ على الترسانة العسكرية السورية من الفوضى القادمة مع ما قد تحتويه من أسلحة كيماوية وصاروخية قد تستعمل أو تتطاير في كافة الاتجاهات وهذا يتطابق مع كلام وئام وهاب.. وهذا معناه أن استقرار وبقاء النظام السوري ضروري ليس للشعب السوري فقط بل للمنطقة وخاصةً المستوطنات الإسرائيلية بحسب الناطقين باسم النظام السوري، واستقرار هذا النظام ضروري ليس لقدرته على تطوير البلاد وحياة شعبها ومواطنيها بل كضمانة لضبط إيقاع الصراع مع إسرائيل وإبقاء لبنان مستقراً أيضاً كما أشار نبيه بري، وحماية الأقليات في المنطقة من عبث العابثين، وضمان السيطرة على الترسانة العسكرية السورية من قبل النظام الحالي الذي لا يهدد باستعمالها إلا في حالة تعرضه للسقوط وليس لتحرير الأرض كما ذكر وأكد وئام وهاب..

لكن واقع الأمر يقول أن الثورات العربية جميعها ودون استثناء قد رفعت شعارات الإصلاح وتحقيق التنمية ومعالجة مشاكل البطالة وزيادة فرص العمل للشباب العربي الذي يضطر للهجرة الشرعية وغير الشرعية للعمل في دول محيط البحر المتوسط وغيرها مع ما يتعرض له من مخاطر وعراقيل وصعوبات، كما طالبت كافة التظاهرات في مصر وتونس وليبيا وأخرها ولا زالت ناشطة في سوريا بتعددية الأحزاب والسماح بحرية الإعلام والعمل السياسي، فأين الخطر الذي يتهدد الأقليات والإثنيات الدينية والعرقية في المنطقة وقد خرج المسيحيين والمسلمين وأبناء سائر الديانات ومختلف الأعراق في مسيرات واحدة موحدة لتحقيق التغيير والخروج من دائرة التسلط الديكتاتوري والفكر الشمولي للأحزاب والعائلات الحاكمة، صحيح انه قد تقع أخطاء وممارسات غير مقبولة ولكنها تبقى ضمن دائرة الصراع المحتدم للخروج من واقع مرير إلى رحاب مرحلة أكثر إشراقاً وأملاً.. فأيرلندا الشمالية مثلاً لا تزال إلى اليوم تعانى من بعض المشاكل بين المذاهب ولكن هذا لم يمنع من بناء دولة ومجتمع متطور وناهض تحت سقف الاتحاد لأوروبي وهي لا زالت خاضعة للتاج البريطاني.. ومجزرة بلدة سربرينيتشا المسلمة التي وقعت في دولة البوسنة والهرسك خلال عقد التسعينات على يد الصرب المسيحيين لم تمنع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي من مساعدة هذه الدولة الناشئة على إعادة بناء ديمقراطيتها ولمّ شمل المسلمين والمسيحيين وتجاوز هذه الأزمة العابرة رغم عمق جراحها.. وما جرى في العراق من هجمات مجرمة بحق الأقليات الدينية والتي أشار لها بري في نصيحته للفرنسيين، لم تكن لتقع لو مارست دول الجوار وعلى رأسها سوريا وإيران سياسة عدم التدخل في الشأن العراقي والعمل على تأجيج الصراعات الدينية والعرقية..

أبناء الأمة العربية الذين أعلنوا ثورتهم التي تنتقل اليوم من دولة إلى دولة ومن وطن إلى وطن، إنما يعانون وفي كافة دولهم من الأزمة عينها ومن سوء الأوضاع نفسها مهما اختلف اسم الكيان أو الوطن، وانتفاضة هذه الشعوب على واقعها السيئ والمؤلم يجب مناقشة أسبابها بموضوعية والتعامل مع تداعياتها بكل صدق وشفافية، والعمل على مد يد المساعدة لأبناء هذه الدول ومواطنيها لبناء ديمقراطيات وسلطات وطنية حقيقية يتم تداول إدارة مؤسساتها بين أبنائها دون ضغط أو إكراه أو تسلط، بل عبر نتائج صناديق الاقتراع التي تفرزها انتخابات حرة ونزيهة، وان يتم تطوير البنية الاقتصادية والحالة الاجتماعية لهذه الدول ومواطنيها لاستيعاب الشباب الطامح لبناء مستقبله في بلاد غنية بثرواتها وإمكاناتها المالية..فرحلة البحث عن الذات في العالم العربي قد بدأت، ومسيرة التغيير والتطوير قد انطلقت، ولن تخيف شعوبها بعد اليوم سياسة قمع التظاهرات وقتل المتظاهرين والاعتقالات التعسفية، وإطلاق تصريحات تحذيرية من مستقبل قاتم وأسود وخطير في حال سقوط هذا النظام أو ذاك عبر هذا السياسي وغيره.. ولن تجدي نفعاً تلك السياسة الإعلامية القائمة على ترهيب المواطنين من بعضهم البعض على قاعدة احتمال نشوب صراعات بين أقليات واكثريات دينية وعرقية، لأنه في حقيقة الأمر لا يمارسها أو يطلقها أو يبشر ويحذر منها إلا من كان مستفيداً منها ويعيش عليها، ويبني سلطته وزعامته على أشلاء أبنائها حين يدفعهم للصراع مع إخوانهم في الوطن والمواطنة، ليس لحماية أبناء الطائفة أو العرق أو القبيلة والعشيرة أو الوطن والنظام، بل لحماية مكتسباته وعائلته وسلطته وجبروته وزيادة ثرواته وبقائه على كرسي السلطة باسم شعبٍ يعاني ومواطن يتألم سواء كان من الأقلية أو الأكثرية..

===========================

الاستراتيجية الأسدية للقضاء على الثورة السورية

جان كورد

مثل أي نظام استبدادي، قمعي أو دكتاتوري آخر، فإن للنظام الأسدي السوري أيضاً استراتيجية في مواجهة الثورة الشعبية الناشبة ضده، ولاتختلف عن استراتيجيات تلك الأنظمة فيما إذا قارناها مع التجارب التاريخية السابقة.

ولقد لاحظنا، قبل قيام أول مظاهرة سورية في منتصف آذار هذا العام، كيف أن إعلام النظام ورأس النظام أيضاً قد أنكرا أن تكون سورية معرضة لأي هزة على غرار ما حدث في تونس ومصر أو ليبيا من قبل، ثم عندما جرت أول مظاهرة كيف تم الاستهزاء بها على مستويات مختلفة في النظام وفي إعلامه العميل الخانع...

واليوم، بعد أن سقط ما لا يقل عن ال900 إنسان سوري ضحية لقمع وعدوان ووحشية النظام، وجرح الآلاف من المدنيين واعتقال عشرات الألوف، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وتم بالمقابل تحطيم معظم الأصنام الأسدية في شتى أنحاء البلاد، لم يعد يقدر إعلام النظام على الاستمرار في كذبه الغوبلزي، وحتى اعترافاته على لسان بعض "المحنكين" من الصحافيين و"خبراء السياسة" بأن ما يجري في الشارع السوري "احتجاج شعبي مشروع!"، ما عادت تستطيع إخفاء عورة النظام، فهؤلاء حاولوا منذ المظاهرة الأولى وإلى اليوم ابتكار عدوٍ آيديولوجي خفي من "سلفيين مندسين" وغير مسالم "مخربين وعصابات" يحاول النظام اصطيادهم في المظاهرات وما حولها من مساجد وأسواق وعمارات مليئة بالسكان... وذلك تبريراً لكل هذه الوحشية التي فاقت وحشية قوات الخمير الحمر في جنوب شرقي آسيا، في سبعينات القرن الماضي. والفارق بين الوحشيتين أن السورية منهما تجري على مرأى ومسمع العالم من خلال خلويات ال"سيريا تيل" التي مالكها أحد أقرباء الرئيس الحاكم مباشرة. وهذا النقل اليومي الحي له تأثيرات كبيرة وانعكاسات قوية، في الداخل السوري وفي خارج البلاد على حدٍ سواء.

ومن خلال الأحداث الدموية والانفجار الثوري الهائل تولدت الاستراتيجية الأسدية المعادية للثورة، وهي مبنية على أسسٍ منها:

- تخويف المجتمع الدولي من "مستقبلٍ مجهول" لسوريا، وبالتالي للمنطقة، في حال انهيار النظام القائم، رغم أن سائر المظاهرات الشعبية تريد الخلاص من حكم الاستبداد واقامة نظام ديموقراطي حر، ولا شيء آخر يستدعي الخوف.

- توقيف وتعذيب وتقتيل أكبر عددٍ ممكن لدى قيام أي مظاهرة وأينما كانت (كما حدث في مدينة درعا البطلة)، والقيام بتهديد مركز بهدف اثارة الرعب في قلوب المواطنين المتظاهرين وغير المتظاهرين.

- الاستمرار في سياسة التعتيم الإعلامي من خلال منع وكالات الأنباء العالمية من رؤية الحقائق على أرض الواقع السوري ونقلها إلى الرأي العام .

- تسخير الإعلام السوري الرسمي لترويج الأكاذيب والزعم بأن "التخريب المدعوم من دول أجنبية" قد انتهى و"المجرمون ورجال العصابات" قد تفرقوا تحت ضربات النظام.

- عرض عروض سخية لكل من اسرائيل القلقة مما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من حولها، والولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة يائسة ومكشوفة لانقاذ حكم العائلة الأسدية من نهاية مرعبة.

- القيام بتنازلات و"إصلاحات!" سياسية تكتيكية تكون كالحبر على الورق ولاتطبق في الحيز العملي، مثل"إلغاء قانون الطوارىء" الذي نرى استمراره لا إلغاءه عملياً على أرض الواقع وكأن المرسوم الخاص به لم يصدر أبداً، وكذلك موضوع السماح بالقيام بالمظاهرات، دون منح أي رخصة بذلك، إلا لمن يريد التصفيق للنظام.

ولتمرير وإدامة استراتيجيته هذه يستفيد النظام مما في يديه من وسائل أو يستخدم عدة أدوات، منها:

-غياب معارضة سورية موحدة، على الرغم من أن الشعب السوري أثبت وحدته الوطنية الشاملة في الشارع السوري، وإصراره على اسقاط النظام واضح وصارخ، وغياب وحدة المعارضة هذا يسنح الفرصة للنظام للزعم على الصعيد الدولي بأنه بلا بديل، في هذه المرحلة على الأقل. ولا أدري هل سيتمكن مؤتمر أنتاليا للمعارضة الذي سيعقد خلال أيام قلائل من سد هذه الفجوة بالشكل المناسب.

-الاستخدام الفظ للقوة القمعية وللجيش الوطني، حيث أن القوى الأمنية والجيش تحت أيدي نسبة عالية من أبناء الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس وبطانته المحيطة به، كما أن هناك نسبة كبيرة فيهما من المنتفعين والمستفيدين شخصياً وعائلياً من الطوائف الأخرى بما فيها طائفة الأكثرية السنية. وهذا الافراط في استخدام القوة يمنحه الفرصة لفرض قواه على الساحة ولو بصعوبة ومخاطر ودماء ودمار.

-عدم وجود إعلام معارض في الداخل السوري، حتى على مستوى جريدة يومية، في حين أن هناك جيش جرار من مرتزقة النظام من حملة القلم، يكذبون على الشعب ويمررون مخططات النظام وينشرون دعاياته الغوبلزية مع الأسف، وقلة هم أصحاب الضمائر الحية الذين يرمون أقلامهم ويقولون: لن أركن إلى هؤلاء الذين ظلموا بعد الآن.

-التأليب الطائفي والقومي وتخويف بعض الطوائف من وصول ممثلي الأكثرية إلى الحكم، والعمل باستمرار على دق اسفين بين مكونات الشعب السوري، ولكن الحياة البرلمانية الديموقراطية رغم هزالها قبل استيلاء البعث على السلطة في عام 1963 أثبتت أن التلاحم الاثني والطائفي كان بالتأكيد أفضل مما عليه في ظل البعث والعائلة الأسدية.

-المواقف المخجلة للجامعة العربية وبعض الدول العربية تجاه ما يحدث في سوريا، في حين أنها تصرفت بسرعة حيال ليبيا التي زعيمها المختفي مكروه من قبل قادة عرب أقوياء وظلالهم تخيم على الجامعة العربية.

-الدعم الاستخباراتي والمالي للنظام من قبل الحكومة الايرانية وحزب ألله وأوساط أخرى في المنطقة لاتريد رحيله حالياً.

-التردد الدولي في اتخاذ مواقف أكثر تشدداً حيال نظام الأسد لاعتبارات تتعلق بالمخاوف الاسرائيلية، حيث ظلت الحدود الشمالية لها (الجولان) هادئة طوال عقودٍ طويلة من الزمن في ظل العائلة الأسدية التي تتبجح ليل نهار بشعارات التحرير العروبية الفارغة من الجدية والبعيدة عن الحقيقة.

ولذلك فإن البحث عن حلٍ حاسمٍ للمشكلة السورية المعاصرة يكمن في:

- فهم التجارب التاريخية التي تقول لنا بأن النظم الدكتاتورية لاتفهم سوى لغة القوة، ولاتتعامل مع شعوبها إلا بهذه القوة، ولاتزول إلا بهذه اللغة، وهكذا كانت الأنظمة النازية (ألمانيا)، الفاشية (إيطاليا)، الفرانكوية (اسبانيا)، البينوشيتية (التشيلي)، الميلوزوفيتشية (يوغسلافيا)، الصدامية (العراق)، القذافية (ليبيا)...

- لابد من الاتفاق على إيجاد صمام أمان حتى لايعود للحكم أي نظام دكتاتوري في سوريا كهذه الأنظمة الاستبدادية، وهذا يعني اقامة نظام ديموقراطي اتحادي يضعّف من هيمنة الحكومة المركزية ويقوّي اللامركزية ويعمقها ويوسعها لتكون الدولة بهيكليتها الجديدة (الاتحادية) والديموقراطية قادرة بذاتها على ايقاف أي قوة غاشمة تحاول فرض الهيمنة عليها وتسخيرها لسياسات ومنافع حزبية ضيقة أو فئوية متخلفة، كما هو الحال الآن.

- الاسراع في بناء وتأسيس مجلس انتقالي وطني بمشاركة سائر المكونات والاتجاهات السورية السياسية والاجتماعية، وبوضع سائر المشاكل العالقة على بساط البحث وجدولة الحلول دون تعقيد أو تبسيط، أو تأجيل أو تهميش لقضايا معينة، بل بواقعية وموضوعية وجدية ومسؤولية وطنية وتاريخية.

- تحييد الجيش وقوى الأمن الداخلي والضغط على النظام بهدف تفكيك أجهزته الاستخباراتية وشبيحته وبلطجيته ومرتزقته ودفعه عن طريق التلاحم الشعبي التام صوب السقوط.

ولابد من قبول الرأي الذي يؤكّد على أن سوريا ليست جزيرة منعزلة عن عالمنا المعاصر، دون إفراط أو تفريط، وأن للمجتمع الدولي ومنظماته الدولية، وبخاصة للعالم الحر الديموقراطي والعالم العربي الذي يتجه صوب الحرية والديموقراطية، أدوار هامة وأساسية في مجال تحقيق وانجاز الحل المناسب للأوضاع السورية الفاسدة والمزرية، بل لوقف حمامات الدم وتسفير العائلة المتهمة بمختلف أنواع الجرائم ضد الإنسانية.

وليعلم السيد الأسد ومن حوله من متملقين ومنافقين ومنتفعين بأن العائلة الأسدية ليست بأقوى من عائلة الشاهنشاه الايراني محمد رضا القاجاري، الذي دهسته الشعوب الايرانية في مسيرتها المظفّرة، والتي انتزع زمام ثورتها بعد النصر مباشرة ملالي قم مع الأسف. فالشاه كان يملك أموالاً هائلة وكان ذا سطوة وبأس أشد، وكان أزلامه يقبلون حذاءه أثناء توديعه، ومع ذلك تم ترحيله وهدم كل ما يدل عليه من آثار في البلاد.

===========================

سيادة القانون وإقامة العدل

الدكتور عادل عامر

إن السلطة القضائية تكتسي أهمية خاصة باعتبارها أهم ضمانة لاحترام حقوق الإنسان وحماية مصالح الأفراد والجماعات، وباعتبارها الآلية المعهود إليها بضمان سيادة القانون، ومساواة الجميع أمام مقتضياته؛ ويترتب عن الثقة في استقلال ونزاهة القضاء دوران عجلة الاقتصاد بشكل فعال ومنتج، وتنشيط الاستثمارات، وتحقيق التنمية؛ وقد أكد ذلك إعلان القاهرة المنبثق عن المؤتمر الثاني للعدالة العربية، المنعقد في فبراير2003، والذي جاء فيه:«أن النظام القضائي المستقل يشكل الدعامة الرئيسية لدعم الحريات المدنية وحقوق الإنسان، وعمليات التطوير الشاملة، والإصلاحات في أنظمة التجارة والاستثمار، والتعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي، وبناء المؤسسات الديمقراطية»، وهناك مقولة معروفة وهي أنه: إذا كان العدل أساس الحكم، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل. والاستقلال الكامل للسلطة القضائية يعني أنه لا يجوز باسم أي سلطة سياسية أو إدارية، أو أي نفوذ مادي أو معنوي، التدخل في أي عمل من أعمال القضاء، أو التأثير عليه بأي شكل من الأشكال، ولا يجوز لأي شخص أو مؤسسة من السلطة التنفيذية، ولو كان وزير العدل أو رئيس الدولة، أن يتدخل لدى القضاء بخصوص أي قضية معروضة عليه للبت فيها، أو ممارسة ضغط مباشر أو غير مباشر للتأثير على المحاكم فيما تصدره من أحكام قضائية، وألا يخضع القضاة وهم يزاولون مهامهم إلا لضمائرهم، ولا سلطان عليهم لغير القانون.أبرز ملامح أي نظامٍ ديمقراطي هو سيادة القانون، وإقامة العدل بين كل المواطنين، على قدم المساواة، وهي أساس مشروعية الحكم وسند بقاء الدولة نفسها، والحقيقة أن البشرية لم تعرف القانون العادل الذي يقيم المساواة بين الناس إلا عندما نزلت الشرائع السماوية.. يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ (الحديد: من الآية 25)، والمساواة في الحقوق والواجبات مَعْلَم مهم من معالم الدولة الديمقراطية، والإسلام يكفل هذه المساواة بين كل مَن ينتمي لمجتمع المسلمين. أما المساواة أمام القانون والخضوع لأحكام القضاء من جانب كل المواطنين، حكامًا ومحكومين، مؤمنين وكافرين، طائعين وعصاة، فهو ما يفخر به المسلمون في تاريخهم وعصورهم الزاهرة؛ فها هو الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم يقرر: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". ويغضب أشد الغضب عندما يشفع لديه حبيبه وابن حبيبه أسامة بن زيد في امرأة شريفة من بني مخزوم سرقت لكي يعفيها من قطع يدها كعقوبةٍ مقررة.. فيقول صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، ويم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" (رواه البخاري). ويشهد تاريخ الإسلام وقائع عديدة تطبيقية لهذا المبدأ المهم والخطير، منها ما سطَّره التاريخ بأحرفٍ من نور كيف قضى القاضي (شريح) لليهودي ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في درعٍ مسروقة، كما تدل الوقائع على غضب علي بن أبي طالب نفسه في مجلس القضاء عندما خاطبه القاضي بلقب أبي الحسن بينما نادى غريمه باسمه المجرد. والأمم تبقى وتزدهر بدوام العدل وسيادة القانون، والأمم تندثر وتُمحى وتنهزم عندما يسود الظلم والفساد؛ لأن الله تعالى لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين. وعندما جاء الإسلام جاء ليقرر قاعدةً أصوليةً أصَّلتها كل الشرائع السماوية التي نزلت من عند الله تعالى؛ هي "حاكمية الشريعة الإلهية"، وتستمد الشريعة السماوية الإسلامية قدسيتها في أن مبادئها العامة وأصولها المستقرة وبعض أحكامها التفصيلية هي من عند الله تعالى، وليس للبشر فيها إلا الاجتهاد في الفهم والاجتهاد في التطبيق. وهذا المبدأ يجعل الجميع خاضعًا لها خضوعًا تامًّا، فلا ينفك أحد- مهما كان- عن تطبيق الشريعة الإسلامية، لا حاكمًا ولا محكومًا، لا مشرِّعًا وضعيًّا أي عضوًا في مجلس الشعب أو قاضيًا أو فقيهًا شرعيًّا أو حقوقيًّا، ولا مواطنًا عاديًّا، ولا مواطنًا يتمتع بأي درجة من الامتياز، فلا حصانات أمام الشريعة الإسلامية الإلهية. ويكفي إقرار النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لهذه القاعدة عندما طالبه أحد الصحابة بالقصاص منه؛ لأنه آلمه عندما ضربه في بطنه فآذاه، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن كشف عن بطنه الشريف ليقتص منه الصحابي الجليل في ساحة الميدان قبل النزول للمعركة، فما كان من الصحابي إلا أن قبّل بطن النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: "إنني أقبل على الموت وأردت أن يكون آخر عهدي بالدنيا أن أمسَّ جسد النبي الشريف صلى الله عليه وسلم". ولكنه طبّق القاعدة العظيمة في أن القصاص حقٌّ مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما قرره النبي صلوات الله وسلامه عليه نفسه في آخر حياته عندما خطب في الناس يدعوهم لأخذ حقوقهم من قبل أن يلقى ربه في حديث طويل يخاطبهم فيه: "من كنت أخذت منه مالاً فهذا مالي يأخذ منه ما شاء، ومن كنت اقتدت منه فهذا حقه فليقتد منه.." إلخ الحديث الطويل المشهور. إن إقامة دولة الحق والعدل وسيادة القانون حيث يخضع كل المواطنين لأحكام الدستور والقانون هي مبدأ إسلامي أصيل، ولم يحدث الانحراف في تاريخنا إلا حديثًا في عهود الظلم والاستبداد، عندما تخلَّت الأمة عن تطبيق الشريعة الإسلامية كمبدأ أصيل، واستبدلت بها قوانين أخرى ليست لها نفس القدسية والمكانة في نفوس الشعوب، وبدأ الهوى يتدخل في صياغة الدساتير التي تتغير حسب مقاس الحكام وفي سَنِّ القوانين التي تصدر بهوى الحاكم أو وفقًا لمصالح النخب المسيطرة وليس لصالح المجموع العام، وفي تشكيل الهيئة التشريعية المنتخبة لصياغة القانون، فإذا بها لا تمثل إرادة الشعب ولا تدافع عن مصالحه، بل وصلنا للتحالف المشبوه الخطير بين السلطة والثروة؛ ما أدى إلى إهدار مبدأ المشروعية نفسه، وانهارت دولة الحق والعدل، ولم يعُد هناك سيادة للقانون في البلاد الإسلامية، بل سادت مقولات: "أنا القانون" يطلقها كل حاكم مستبدّ ظالم، والناس في صمت؛ خوفًا ورهبةً، ومَن يعارض فمصيره القتل أو النفي أو السجن!. الديمقراطية الحقيقية تعني إعلاء شأن القانون العام فوق رأس الجميع، بمَن فيهم من الحكام وأصحاب الثروة، وإعلاء مبدأ سيادة القانون يعني بالتالي تقرير أهم حقوق المواطنة، وهو المساواة أمام القانون، والمساواة في الحقوق والواجبات، فلا فضل لأحد على أحد، ولا ميزة لمواطن في الدولة على مواطن آخر، لا بسبب الدين ولا الجنس ولا اللون ولا الثروة ولا المكانة، فالجميع أمام القانون سواء. وسلوك عدم المساواة في تطبيق القانون لو تم تعميمه في التعامل مع أعمدة النظام الفاسد بحجة كبر السن أو المرض أو تقديم خدمة وطنية للوطن أو التنازل عن المال المنهوب من قوت الشعب سيقوم آخرون بتقليدهم في ارتكاب جرائم الفساد مقابل عمل مصالحة لا ندري هل هي منصفة أم لا؟! إن سيادة القانون هي الأساس في تطبيق العدالة بحيث يقف كل الناس أمامه ويخضعون لأحكامه لا فرق بين إنسان وآخر يطبق على الكبير والصغير ، وعلى المسؤول وغير المسؤول 0فهو مجموع القواعد التي تسنها الدولة من أجل تنظيم شؤون البلاد والعباد وتسيير أمورها ، ووضع النظم والضوابط التي تطبق على جميع الأشخاص في علاقاتهم الإجتماعية ، وفي علاقاتهم مع الدولة وهي التي تنظم الأمور المدنية والتجارية ، والجزائية وهي التي ترسي أصول الحكم 0 والقانون يصدر عن السلطة التشريعية المختصة 0

إذن يتجلى القانون بمجموعة القواعد القانونية التي تفرض على الناس بغية تحقيق النظام في المجتمع وعلاقات الأفراد فيه ، وبغية تحديد سبل سيرهم وسلوكهم 0ويسهر على تطبيق القانون القضاة الذين يحملون رسالة مهمة في إقامة العدل بين الناس فيما يتعلق بحرياتهم وأموالهم ، وأحوالهم الشخصية 0ورسالة القضاء هي رسالة مفتوحة ، وليست مغلقة قد كتب فيها النزاهة ، والحياد ، والعدل وقد قيل : إمام عادل خير من مطر وابل ، وقيل أيضا عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة 0وإن الظلم يجرح عواطف العدالة ويدمي فؤادها فلا بد من حمايتها من العبث والفساد 0

========================

كلام في ثورة الياسمين السورية

بدرالدين حسن قربي

نزعم أن ثورة الياسيمن السورية التي تطالب بالحرية والكرامة في خطها العريض هي ثورة ضد الاستبداد والفساد ولاشيء غيره. فلو لم يكن هناك قمع فاضح طال، وقهر واضح استطال، ونهب ولصوصية انعدم فيها الحياء بالمرّة لما تحرك أحد. ولو أن النظام رغم كل عُطله وأعطاله استجاب وإن جزئياً لمطالباتٍ ومباداراتٍ استحقاقاتُها قائمة من عشرات السنين لما تحرك أحد أيضاً. وإنما عناده ورفضه لأي حلحلة أو إصلاح، بل اختياره للحل الأمني والدبابات والرصاص وإراقة الدماء في مواجهة الاحتجاجات كان بمثابة إعلان الحرب على السوريين، ومحاصرتهم بحلٍ لاخيار لهم فيه: الشعب يريد إسقاط النظام.

النظام السوري من طرفه يرى في الاحتجاجات مؤامرةً خارجية، أدواتها في الداخل من يطلق عليهم حسب مزاجه وزنقته تارةً اسم مندسين، وحيناً عصاباتٍ إرهابية، وأحياناً سلفيين وطائفيين وأحياناً مؤامرات حريرية خدّامية بندرية صهيو أمريكية تهدف للنيل من مقاومته وممانعته وصموده، وهو كلام يقول بمثله حلفاؤه وإن بدا لنا بعض التفاوت في ارتفاع الصوت وشدة الخطاب، وطريقة الدعم والمساعدة، فلكل منهم حساباته، التي يجب أن تصب في طاحونه النظام السوري انتهاءً. ولخروج النظام من أزمته كانت له محاولات كثيرة تعددت ملامحها، جربت كل الطرق إلا الابتعاد عن المذابح والمجازر اليومية، أوعمليات الرصاص المصبوب وصدمات الرعب أو حتى التهدئة فيها، مع تخويفنا من حروب طائفية، وتكسّر الخط المقاوم الذي سيذهب بالمنطقة إلى الخراب.

في مقابل اتهامات النظام ومحاولاته، خرجت أصوات جهورية خشنة من بعض عرب الخليج ومشايخهم ومعها أصوات ناعمة لقلةٍ لاتكاد ترى من السوريين يدوّرون الممارسات الطائفية للنظام وفق رؤيتهم من زاوية دينية بحتة لتاريخٍ مضى كانت له قضاياه وفتاويه مما لاعلاقة له بحقائق التعايش وواجبات المواطنة في عصورنا الحديثة، وكأنه يراد لنا العودة إلى مئات من سنين خلت، تجاوزها الناس وباتت في ذمّة التاريخ. وفي مقابل اتهامات النظام أيضاً لثورة أحرارٍ وحرائر على الامتهان والإذلال والنهب واللصوصية بالارتباط والتآمر والنيل من شعاراتٍ اقتات ويقتات عليها ويقمع الناس بها ويقهرهم، ارتفعت أصوات تؤكد على أحقية الثائرين بالمقاومة وصدقيّة احتضانها، ومستقبلها في تحرير الجولان وفلسطين وتكسير الحدود.

مانحب تأكيده أن حقيقة ثورة الياسيمن هي في استعادة حرية سليبة وكرامة مهانة، بالخلاص من الاستبداد واللصوصية بفعل وطني بحت، بعيداً عن التأثير والممارسة الطائفية، بدليل الشعارات المرفوعة دائماً المؤيدة لذلك من مثل الشعب السوري مابينذل، مسلمين ومسيحية وسنية وعلوية الكل بدو حرية، الشعب السوري واحد واحد واحد، والتي كانت تعلو أكثر وتتجدد بوعي شعبي ووطني لافت، وتتأكد مع توحش القمع والقتل وإراقة الدماء من قبل السلطة، وأنه أيضاً لولا الممارسات الظالمة والمتوحشة وسرقة الأموال العامة على رؤوس الأشهاد التي تجاوزت كل الحدود لما استقيقظ سوري من رقدة العدم التي وضعه فيها النظام الأسدي، وكذلك فإن مواجهة النظام في حقيقتها ليست في جدليات ومزاودات ليس وقتها عن المقاومة والممانعة والاسترجاع والتحرير بما لايعني أبداً غياب الجولان وفلسطين عن ضمير كل سوري. بل هي في التأكيد على استحقاقات شعبية ناجزة تريد إسقاط النظام، أكّدها أحرارنا وحرائرنا أطفالاً ونساءً ورجالاً وعمّدوها بدمهم على أرض البطولات.

==========================

معنى سورية 2011 :النظام التسلطي الثابت والمجتمع السوري المتحول

أحمد عاصم عثمان

في - جمعة حرائر سورية - التي دعا إليها نشطاء الثورة السورية مؤخراً – أيار 2011 - ظهرت امرأة من حماه وهي تهتف بهذه العبارة الدالة: مكتوب على بلادي – الأسد يذبح أولادي !! لقد التقطت هذه السيدة, بحساسية تأريخية فطرية حارقة, استمرارية ما في سلوك نظام غريب في فاشيته ودمويته وقدرته على ارتكاب المجازر بحق شعبه, دون خوف من مساءلة أو عقاب . وهذه السيدة التي أجزم بأنها فجعت في الثمانينيات من القرن الماضي بعزيز أو أكثر على يد قوات النظام السوري, يسكنها الآن, ومن جديد, القلق والرعب والسؤال الكبير: هل سيحرمني الأسد مرة أخرى من أولادي ؟! .

إن العودة قليلاً إلى الوراء يمنح القدرة على التدبر في مفارقة دالة وربما كاشفة لمآل واحدٍ مِنْ أبشع الأنظمة التسلطية في المشرق العربي المعاصر, وتتحدد المفارقة هنا في ثبات هذا النظام على تسلطيته التي لا تقبل على الإطلاق بحق الآخر/ المجتمع, وقواه الفكرية – السياسية المختلفة, في الوجود وامتلاك الكيان المستقل, من جانب, و في تحول هذا المجتمع بشكل كبير وجذري إلى درجة القطع مع تاريخه القريب جداً, بفعل عوامل داخلية خاصة, وخارجية إقليمية وعالمية عامة, من جانب آخر.

في مطلع الثمانينات من القرن الماضي, وخلال ثلاث سنوات متتابعة : آذار 80 – نيسان 81 – شباط -آذار 82 قامت وحدات مختلفة من القوات السورية ( وحدات خاصة, سرايا الدفاع , أجهزة مخابرات عسكرية, جيش نظامي ...الخ) بارتكاب مجازر فظيعة بحق السكان المدنيين في مدينة حماه وسط سورية (بكل ما تعنيه كلمة مدني هنا من تحديدات أخلاقية وقانونية ). وقد أسفرت هذه المجازر عن قتل وإخفاء عشرات الآلاف من الشبان والرجال والنساء والأطفال. بعض مجهولي المصير ما يزال أقرباء لهم, من أبناء أو آباء أو زوجات ...الخ ينتظرون معرفة ماذا حل بأولئك الذين اعتقلوا أو اختطفوا على يد قوات الراحل حافظ الأسد, وأخيه رفعت قائد قوات سرايا الدفاع آنذاك. على سبيل المثال: فوجئ الأهلون بحماه بعد ظهر أول يوم جمعة من شهر آذار عام 82, أي بعيد انتهاء حصار المدينة وأعمال القتل والاعتقال التي تمت فيها منذ فجر 4 شباط , باقتحام قوات من الوحدات الخاصة أحياء وشوارع المدينة, والقبض على عدد كبير من المدنيين, ممن صادف وجودهم في الشوارع أو أمام بيوتهم . لقد اختُطف مئات المواطنين في ذلك اليوم ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و 50 سنة. وهم حتى الآن مجهولي المصير, ويطلق عليهم أهالي المدينة مصطلح ( جماعة يوم الجمعة ) للإيحاء بالغموض التام الذي ما يزال يكتنف مصيرهم. ( تحدثت منهل سراج عن هؤلاء في روايتها الجميلة والمؤثرة: كما ينبغي لنهر).

إن أمام المؤرخ الذي يتطلع إلى كتابة تاريخ سورية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين, معضلة حقيقية تتمثل في الحصول على وثائق عما حدث في حماه, من جهة, وفي إيجاد اللغة المناسبة للكتابة عن أهوال تلك الفترة, من جهة أخرى. ستكون لغة مثقلة إلى درجة الأنين والارتياع, من هول ما ستخبر عنه وتصوره.

لقد جمع الجنود شباناً في - حارة الجسر - وأغلقوا عليهم باب متجر وأشعلوا النيران. كانت أصواتهم الفظيعة تخترق الفضاء المخنوق بالرعب, فيسمعها أهالي البيوت في الأحياء المجاورة وهم في منازلهم ينتظرون الموت القادم . وفي حي الدباغة دخل الجنود منزلاً اجتمعت فيه عدة أسر من نفس المبنى, وسرعان ما انطلق الرصاص حاصداً الجميع في شقة الدم والرعب تلك. وعندما أراد الضابط أن يتأكد من أن الجميع قد فارق الحياة, قام بصب الماء الذي يغلي على الضحايا, من إبريق كان فوق المدفأة في الغرفة - لديّ شهادة الناجية الوحيدة ( ز – ص) وكانت فتاة في الثانية عشرة من عمرها بقيت 4 أيام بلياليها في الشقة مع الجثث قبل أن تنقل إلى المشفى الوطني بحمص في أواخر شباط 1982 - .

لقد حوّلت قوات النظام مبنى المعهد الصناعي في مدخل حماه الجنوبي إلى معتقل للتحقيق والتعذيب وتنفيذ عمليات الإعدام. وقام الجنود بحشر رؤوس بعض الموقوفين بين دفتي الملزمة الحديدية المستخدمة في التدريب داخل المعهد. كان الجنود بأوامر مباشرة من الضباط يقومون بكسر جماجم هؤلاء الموقوفين من خلال الضغط الشديد عليها بدفتيّ الملزمة.

إن أسراً أبيدت بالكامل في حماة 82, وأحياءً تم قصفها براجمات الصواريخ وبداخلها عشرات الأسر ( حي الكيلانية مثلاً ). وقبل ذلك بسنة تقريباً, في فجر يوم الجمعة 24 نيسان 1981 داهمت القوات الخاصة حيَّ المشارقة وباب البلد وحي بستان السعادة في حماه, وأخرجت ما لا يقل عن 450 رجلاً وشاباً من بيوتهم وأعدمتهم أمام منازلهم. بعضهم كان قد أوقظ من نومه على عجل, وأوقفَ أمام جدار الإعدام واخترقت الرصاصات جسده قبل أن يدرك ما يحدث. وقد اعترف اللواء علي حيدر في لقاء مع صحيفة محلية أجري معه في تلك الفترة, بحدوث أعمال عنف في ذلك الفجر, وقال إنه يحب حماه ولولا ذلك لرأى أهلها من قواته ما هو أفظع بكثير !!

لقد نجح النظام السوري آنذاك في التعتيم على ما حدث, على الرغم من أن ما حدث تاريخي ونادر ومهول بكل المقاييس. وقد ساعدت عوامل عديدة على طي تلك الصفحة, وكأن شيئاً لم يكن :

1- لم تكن وسائل الإعلام, وتقنيات الوصول إلى الحدث, وتوصيل الخبر والصورة إلى أكبر عدد من المتلقين, تسمح آنذاك بنقل حي وجليّ لما حدث, كما هو الحال الآن. لم يكن الهاتف الجوال قد نزل إلى الاستخدام الجماهيري بعد, ولا القنوات الفضائية بدأت حضورها الإعلامي الفاعل في المنطقة العربية. فضلاً عن الإنترنت وبرامج التواصل ومواقع تداول المعلومات والأخبار. كانت قنوات بث وتلقي الخبر والصورة بدائية إذا ما قورنت بما هو حاصل اليوم. فضلاً عن أن ثقافة الرعب والمنع وهول المخبر والمنظر, كانت تجبر الشاهد على التفكير بأي وسيلة لإخفاء ما رأى وما سمع . ولم يكن يفكر على الإطلاق بأن يكون مصدراً للحقيقة, يصرح بها فتتلقفها مباشرة أرجاء المعمورة, كما هو حاصل الآن.

2- تدَعّم هذا الوضع العام بإجراءات الحصار التي فرضتها القوات السورية على المدينة ومنعت بذلك الصحافة من الدخول منعاً باتاً. الصحافي الوحيد الذي دخل مدينة حماه أثناء مجازر 82 هو روبرت فيسك من الأندبندنت البريطانية. دخل برشوة ضابط كان يقف على مشارف المدينة, سمح له بالدخول للقيام بجولة سريعة بالسيارة مقابل حفنة من الدولارات. وكان الضابط برفقة فيسك, الذي اكتفى بمشاهدات عامة وخارجية, من دون أن يتاح له مقابلة أحد ممن عاين المأساة, وغادر فوراً باتجاه حلب.

3- لكن العامل الحاسم في طمْر تلك الأحداث, وإدراجها في غياهب العتمة والتجاهل, كان التواطؤ الدولي, وحسابات المصالح في التجاذبات الإقليمية والدولية آنذاك. لقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً خجولاً عما حدث في حماه 82 , لكن التقرير لم يكن أكثر من محاولة لرفع العتب من جهة, ومقدمة لاستخدام ملف الأفعال المشينة والوحشية التي قام بها النظام السوري في حماه, كورقة للابتزاز والضغط على النظام في ملفات إقليمية عديدة على رأسها الملف اللبناني والوجود الفلسطيني المسلح في لبنان آنذاك. وكان انصياع الرئيس الأسد للمطالب الأمريكية في لبنان , وذلك بعد انتهاء أحداث حماه 82 مباشرة؛ عاملاً حاسماً في طمر وتغييب جرائم النظام الفظيعة في حق المدينة وأهلها.

لقد كرست مجازر حماه 82 حالة من الخوف العام في سوريا, استمرت فاعلة ومسيطرة على المجتمع السوري, بشكل متواتر في تصاعده وشموله, حتى وصل الأمر إلى أن النظام كان قادراً – منذ أواسط الثمانينات - على حشد رجال دين وضباط كبار في الجيش, وقيادات حزبية كبيرة, وسَوْق الجميع كي يدبكوا في الساحات, ويصفقوا ويرقصوا وهم سائرون في شوارع المدن, كتعبير عن الابتهاج بتجديد البيعة للديكتاتور, أو بمناسبة الحركة ( التصحيحية ) ..الخ. ومما لاشك فيه أن القبول الغريب بمهزلة التوريث, والصمت الشعبي حيال كل الخطوات العلنية التي اتخذها النظام لتهيئة الوريث الأول, ثم الوريث الثاني الذي بدأ تأهيله بشكل حثيث بعد وفاة الوريث الأول؛ إن ذلك القبول والصمت المعيبين في حقيقة الأمر بحق شعب عظيم مثل الشعب السوري؛ كانا من بين نتائج ومفاعيل الخوف والإذعان اللذين كرستهما مجازر حماه 82 .

إن الأحداث الأخيرة – ربيع 2011 - في مدينة درعا, وفي عدد من المدن والمناطق الأخرى في سوريا: – بانياس, قرية البيضا , حمص , تلكلخ , الرستن , معرة النعمان , دوما , سقبا , المسيفرة الخ...- تشير إلى تلك الاستمرارية الدموية لدى النظام, والتي كانت قد استشعرتها السيدة الحموية في جمعة الحرائر. ويبدو من خلال مؤشرات أولية أن السيناريو المنفذ في هذه المناطق خلال حصارها واقتحامها منذ نيسان 2011, يتطابق إلى حد بعيد مع ما حدث في حماه منذ 30 عاماً : مجازر بدون رحمة, قبور جماعية حول التجمعات السكانية, وربما بين الأحياء, اعتقالات على نطاق واسع يتخللها تعذيب وتصفيات واقتياد إلى أماكن مجهولة, أعمال تفتيش يتخللها ترويع مشين للنساء والأطفال, وتدمير ممتلكات ونهب مصاغ ومقتنيات ثمينة وأموال على نطاق واسع . يؤطر ذلك قصف عشوائي على المنازل والأبنية, وترك الجثث لتتفسخ في الشوارع, ومنع إسعاف الجرحى, وتصفية من يصل منهم إلى المشفى ( في حماه 82 قتلت قوات الأمن العشرات من الجرحى الذين وصلوا إلى المشفى الوطني , ثم مثلت بجثثهم ) .

إن العقل الاستبدادي هو عقل جامد ومظلم وأعمى بالضرورة, وغالباً ما يكون قاصراً عن تلمس التحولات العميقة الهادئة – لكن الجذرية والحاسمة - في المجتمع المحكوم له. إنه عقل محكوم بالثبات وعدم القدرة على فهم التحولات أو قبولها. تأسيساً على هذا النعت الأبدي للحكم التسلطي, يمكن القول: إن واضعي الخطط والتصورات والإجراءات لإخراج النظام السوري من مأزقه الراهن, وهم غالباً من القتلة الدمويين, خريجي نفس المدرسة التي شكلت قناعات وممارسات قتلة الأبرياء في حماه, ذهب بهم الوهم إلى أن سيناريو حماه إذا ما تمت استعادته وتطبيقه في درعا وغيرها من المناطق المتمردة على التسلط, يمكن أن يكرس لدى الشارع السوري حالة من الخوف والانكماش, تتلوها حالة من الإذعان والخنوع, تتيح للنظام إعادة إنتاج تسلطية جديدة تمده بالقدرة والطاقة اللازمتين لاستمراره من جديد, ولعقود قادمة, مهيمناً شمولياً يتعامل مع المجتمع كحشد من المصفقين والعبيد.

المفارقة التي أشرت إليها في فاتحة الكلام تتمثل في أن العقل الاستبدادي والنظام المتسلط المحكوم لثباته وتصلبه, وقد هيأ له وهمه إمكانية تطبيق الإجراءات التي اتبعت قبل 30 عاماً في حماه, الآن, والحصول على نتائج مطابقة؛ هذا العقل فاته التقاط المتغيرات في المجتمع السوري, وهي متغيرات من شأنها أن تجعل ممارسات النظام شيئاً غير ذي جدوى على الإطلاق, فضلاً عن وحشيتها وفاشيتها التي فاقت حدود المعقول.

لم يلاحظ النظام السوري, وهو ما يزال منتشياً بطقوس التقديس التي كرستها مفاعيل مجازره في حماه 82, ومستريحاً إلى قدرته على البطش والتنكيل, بما يكفل له خنوع الجموع وإذعانهم؛ لم يلاحظ ذلك القطع الحاد والتحول الجذري والانتقال الكامل إلى حال جديدة كلياً, في عدد من مستويات الموقف والوعي المتشكلين لدى الشارع السوري خلال الأحداث الأخيرة في المنطقة العربية عموماً, وفي سوريا بشكل خاص.

إن ممارسات النظام على المستويين الأمني والاقتصادي, الناهضة على أرضية من الفساد الشامل والتعالي الأجوف, كانت تفعل فعلها في نفوس السوريين و وجدانهم و وعيهم. زاد من حدتها الإحساس بالخيبة من وعود الإصلاح التي قامت على شعارات التحديث والتطوير, وهي في الواقع شعارات جوفاء وما كان لها أن تتحقق أبداً. فالحداثة والتطور يتناقضان بنيوياً مع النظام الذي َيعِدُ بهما, والذي تأسس على أكثر أشكال الولاء والمشروعية تخلفاً وقسراً وهمجية. إن كل خطوة إصلاحية حقيقية تحدث انطلاقاً من الإيمان بالحداثة والتطوير, مهما كانت ثانوية وغير ذات علاقة مباشرة بالحقل السياسي, تشكل نقيضاً قوياً وبنيوياً للنظام, لسبب بسيط وهو أنها تطرح الشرعية مقابل المشروعية التي افتضح زيفها ومدى سوئها وضررها على المجتمع أفراداً ومؤسسات وهيئات مختلفة.

هذا السياق السوري الخاص / العام في آن معاً لم يكن يحتاج كي يتحول من عامل معاناة وقهر, إلى رافعة فعل وتحرك شعبي – ثورة ببساطة -, إلى أكثر من مثال يثبت بالمحسوس والوقائعي قدرة الشعب على أن يقرر بالفعل شروط تقدمه نحو المستقبل. وقد قدمت تونس ومصر هذا المثال. وتابع ملايين السوريين وقائع الثورتين من خلال البث التلفزيوني الحي, والمواقع الالكترونية المتاحة على الإنترنت. والثورتان التونسية والمصرية في واقع الأمر كانتا المثال الناصع والأكثر إغراءاً وفتنة , لما تضمنتاه من جماليات تجمع بين البطولة الملحمية والفعل الشعبي والغنائية السهلة, ككنز عظيم تتناوله اليد بثقة وارتياح وإيمان كبير بتحقيق الهدف. وقد انتصرت الثورتان بالفعل, وأزاحتا نظامين متجبرين فاسدين, وما كان أحد ليظن أن مجرد رفع اليد كان كافياً لإسقاط كل تلك العظمة الزائفة, على حد تعبير – أوكتافيو باث - .

هذا التحول في عمقه وجذريته وشموله لقطاعات واسعة من الشعب السوري, وبخاصة الشباب, كان غائباً في منظور النظام السوري وظنه, في قراءته التي تشكلت أبجديتها في مدرسة حماه 82, واكتملت صحائفَ سوداء خلال عقدي الثمانينات والتسعينات, تمجّداً – بلغة الكواكبي – وتعالياً أجوف أعمته قوته المتوهمة عن رؤية الحقائق المتشكلة على أرض الناس. وعندما جاءت اللحظة التي ينتقل فيها ذلك التحول من مستوى الوعي والنظر والتراكم البطيء المؤلم والحاد, إلى مستوى الفعل والمبادرة التاريخية, كان من المستحيل على النظام أن يقرأ ما يحدث بأبجدية أخرى تتيح الفهم والاستيعاب والاستجابة المناسبة. لقد بدا واضحاً أن النظام فوجئ في البداية بجرأة المستوى الوقائعي للتحول, وهي بالفعل جرأة غير متوقعة, زهدت برموز السلطة حتى حدود القرف, وكفرت بقداسة مزيفة فابتذلتها حتى حدود التحقير القصوى. وعندما تحرك النظام لمواجهة ما حدث, تبين بكل وضوح أنه يستعيد سيناريو حماه 82 بحذافيره, من دون أن يساوره الشك لحظة بأن التحول أكبر من أن يواجَه بسيناريو جُرّب قبل 30 عاماً, وفي ظروف مختلفة كلياً.

لكن العقل الاستبدادي المتسلط يمتاز, فضلاً عن الجهل وعدم القدرة على فهم التحولات, بالعناد والإمعان في قسر ثوابته على احتواء التحول, واهماً أن الوقت كفيل بتحقيق النجاح, وأن الثوابت لابد أن تفلح أخيراً في لجم التحولات, بينما هو في واقع الأمر لا يفعل أكثر من تأكيد حدود لحده وتعميق قعر الهاوية التي يوشك أن يقع فيها.

لم يلاحظ النظام التسلطي في سوريا, وهو ينقل دباباته وناقلات الجنود والشبيحة والقناصة القتلة من مكان إلى آخر, على امتداد ربوع سوريا في ربيعها الدامي, مكرراً مرة تلو المرة سيناريو حماه 82, الفوارق الفاقعة والعديدة بين ما كان في 82 وما هو كائن في 2011 :

ففي مقابل الجموع الخرساء التي كانت لا تجرؤ على مجرد الهمس حول ما حدث في حماه 82, وحيث كان كل واحد من الناجين من أحداث تلك الأيام السوداء بمثابة خزان هائل مصمت مقفل وبلا قعر, من صور الرعب ووقائع الهول, وكان كل واحد من هؤلاء رقيب ذاته الصارم اليقظ الذي لا يسمح للسانه بأن يزلُّ أبداً بالرغم من وجود الأهوال تحته, في مقابل ذلك كله لدينا اليوم جموع شهود عيان, جموع ناطقين على الملأ , ومستعدين للإدلاء بالشهادة. كل واحد منهم ينتظر على أحر من الجمر فرصة اعتلاء منصة الشهادة بالصورة أو الكلام أو الكتابة, عبر الفضائيات ومواقع التواصل والاتصال على الانترنت. ولدينا مثال حي على ذلك, مثال كامل البهاء والنصاعة في دلالته على المدى الذي بلغه التحول. إنه أحمد بياسي الذي ما إن غادر فضاء اللؤم والخسة التي أبدتها قوات الأمن السوري في ساحة البيضا تجاه الشبان المعتقلين, حتى سارع إلى البحث عن وسيلة كي يشهد على صحة الفيديو ويخبر العالم أنه كان هناك وأن جسده يشهد. إنني أعلم علماً يقينياً مدعماً بالوثائق أن عدداً ممن قتل ذويهم أمام أعينهم في حماه خلال السنوات الثلاث المرعبة تلك, كانوا لا يجرؤون على الكلام عما حدث داخل غرف مغلقة وأمام أقرب الناس إليهم, وأنهم حافظوا على عادة الصمت تلك طوال ما تبقى لهم من سني العمر. والأدهى من كل ذلك أن عدداً من هؤلاء كان قادراً باستمرار على تملق رموز صغيرة ومبتذلة للسلطة, وقد حوله الرعب إلى مسخ يعتاش على التنكر لصرخة دم الأهل .

الآن الأمر ليس كذلك أبداً . الشاهد يفضح ويكشف الحقيقة, وهو يعرف تماماً ما يفعله, ومصمم على فعله حتى النهاية. إن جزءاً صميمياً من حالة التحدي ومواجهة النظام لإسقاطه, يتجلى في فعل التصريح أمام الملأ, والتقاط المشهد لبثه على الجمهور في أصقاع المعمورة, والقبض بالكف والقلب على الهاتف المحمول, كناقل للشهادة, كلاماً وصورة, تحت وابل القتل والهمجية والعطش البهيمي للدم البشري.

أمر آخر لم يلاحظه النظام, يميز سوريا 2011 عن سوريا / حماه 82 :

إن الجموع التي دجنها الخوف وأخرسها السيف المسلط على الرقاب, والتي سيقت إلى ساحة العاصي بحماه بعد انتهاء المجازر والتدمير في آذار 82, لتهتف مجبَرة ومهانة, لكن بصوت قادر على الانطلاق والدوي, بحياة القائد, وترفع إليه كلمات التقديس والولاء, تلك الجموع, وبما ارتهنت إليه من إذلال وتدجين وإهدار للكرامة والكيان الإنساني؛ لا يمكن استعادتها أبداً الآن, ولا تشكيلها في أي ساحة من ساحات سورية العامرة بحشود تطالب في النور وعلى المكشوف بإسقاط النظام. لقد مضى نهائياً الزمن الذي كان يمكن فيه سوْق الناس إلى عروض الإذعان والخنوع المذلة, الزمن الذي كان فيه الناس يرقصون ويدبكون على جراحهم وكراماتهم في الشوارع, محاولين الإيحاء بفرحهم بالقائد والتعبير عن ولاء مقرر سلفاً بالحديد والنار.

الجموع الآن هي معنى مختلف تماماً, إنها تشكيل مطابق تماماً لكيان شعبي امتلك وعي رفض القسر والعبودية والتقديس, كيان تجاوز الخوف والخنوع, وقرر التمرد على طقوس الإذعان والإذلال التي أُجبر على أدائها طوال أربعين عاماً. ومما لاشك فيه أن مشاهد الحشود في ساحات تونس والقاهرة وصنعاء وبنغازي, قد دفعت بالتحول في وعي الحشد لقوته الكيانية وقدرته على المبادرة والتحدي, إلى مواقع متقدمة, و تركت تأثيرها الواضح على الحشود السورية, يبدو ذلك من خلال إيقاع الشعارات ومضامينها والتصميم القوي الذي تُطرح من خلاله.

أمر آخر يظهر في مفارقة التحول المجتمعي والثبات السلطوي:

كان الصمت حيال حماه تعبيراً عن تسلطية النظام وقدرته على تعميم الرعب والخنوع طوال الوقت. صَمَت الجميع حيال حماه, مع استثناءات قليلة تؤكد رسوخ حالة الحذر والرهبة. وإن قيل شيء عن المدينة المنكوبة – بكل ما تعنيه الكلمة - فقد كان يُقال همساً, ولم يستطع تجاوز فضاءٍ ضيّق وجهات مغلقة. بقيت حماه كذلك طوال 30 عاماً, حتى جعلتها الأحداث الأخيرة نموذجاً مستعاداً لبطش النظام وفاشيته. ويبدو أن استعادة النظام لسيناريو حماه في مواجهة أزمته الراهنة, جعل الناس يستعيدون بشكل عفوي وسريع ذكرى المدينة الضحية.

أما درعا فقد قيل رزؤها منذ البداية, وفاح جرحها منذ انفتاحه البهي, وعلت الحناجر في كل مكان تندد بجزار درعا وتطالبه بالرحيل.

تحولت درعا إلى رمز ومحرك نبيل لوجدان السوريين, وبدا أن التنكيل البشع الذي مورس بحق المدنيين في درعا, خلف سور حديدي من التعتيم الإعلامي, والحصار الكامل, قد لامس وجدان وجسد كل سوري, وكانت درعا الحاضر الأجل في فضاءات التظاهر الذي جرى خلال الحصار وبعده على امتداد الوطن. وهكذا تتابعت سلسلة من الوقائع المترابطة التي بمقدار ما تكشف عن تحول المجتمع وتجاوزه لمعنى حماه / سوريا 82 , فإنها تكشف ثبات النظام في عقله التسلطي الهمجي البشع عند تلك المجزرة, وارتهانه المشين لخيار وحيد يواجه به استحقاقات التحولات الكبرى الجارية في العالم, وهو خيار الحديد والنار أمام شعب أعزل. ففي كل مرة يتجاوز فيها المجتمع خوفه وصمته اللذين خبرهما طويلاً منذ مجازر حماه 82 , ويهب مندداً بسيناريو حماه المستعاد والمطبق بحذافيره, في درعا أو البيضا أو بانياس ..الخ, يسارع النظام للبطش بالناس المحتجين, في حمص أو تلكلخ أو معرة النعمان.. ويعيد من جديد ممارسة الثبات المرعب, فيقوم المجتمع , ومن جديد أيضاً ليعبر عن تحوله بالرفض وتجاوز الخوف.. وهكذا. من هنا فإن الأحداث في سوريا طوال شهري نيسان وأيار 2011 لم تكن غير سلسلة من التعبير عن عظمة التحول في المجتمع السوري, وخسة وغباء ووحشية ثبات النظام الأمني الاستبدادي الذي ما انفك يحكم سوريا منذ أربعين عاماً .

========================

في جمعتهم .. ما الذي يريده السوريون من حماة الديار؟؟!

بقلم: د أحمد بن فارس السلوم

يقولون: إن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تتغنى بجيشها في نشيدها الوطني، وتسلم عليه كل صباح قائلة: حماة الديار عليكم سلام..

ويقولون كذلك: أن الجيوش في العالم على نوعين، إما أن تكون جيوشا وطنية، تنتمي إلى التربة التي تعيش عليها، وإلى الشعب الذي تنتسب إليه، أقسمت على حماية الوطن وأهله ثم التزمت بذلك.

وإما أن تكون جيوشا مرتزقة، ولاؤها لمن يدفع أكثر، وانتماؤها إلى الدرهم والدينار، كتائب لا ذمة لها ولا أخلاق، تماما كتلك الكتائب المرتزقة التي أحرق بها القذافي ليبيا وشعبها.

ويقولون أيضا: قد كان للجيش في الثورات العربية دور بارز في تونس ومصر واليمن، وحتى في ليبيا التي ما زالت تئن من القتال الدائر بين الجيش الوطني وكتائب المرتزقة، الجيوش قالت كلمتها في كل هذه الثورات، والتزمت مواقف سواء أعجبتني أو لم تعجبني.

الآن وبعد مضي نحو الشهرين ونصف على الثورة السورية قرر الثوار تسمية الجمعة القادمة بجمعة حماة الديار، وفي هذه التسمية دلالات كثيرة

لعل أهمها استنطاق الجيش السوري الذي ما زال صامتا، وتذكيره بدوره الذي وجد من أجله، منذ أسس في العصر الحديث.

الجيش الوطني السوري مهمل من قبل القيادة السورية، فسوريا دولة أمنية تعتني بالأجنحة الأمنية التي تحمي الحاكم وزبانيته، شأنها في ذلك شأن سائر الدول الديكتاتورية، والسوريون يعلمون أن شرطيا صغيرا في الأمن - لا سيما اذا كان علويا - برتبة مساعد قادر على عزل ومحاكمة ضابط كبير في الجيش برتبة لواء، بل وسحبه من شواربه أمام الناس -لا سيما إذا كان سنيا-.

هل يحتاج الجيش السوري أن نذكره بهذه الحقيقة؟!

الجيش السوري كان محل احترام وتقدير العالم العربي، وكان له دور بارز في صناعة الحياة في سوريا، بل والعالم العربي، وعرف من الجيش السوري ضباط كبار كانوا محط إعجاب العالم كله، ولكن الصورة تغيرت منذ وصل نظام البعث وآل الأسد إلى الحكم، فهل يحتاج الجيش أن نذكره أن دوره قد انحسر في صناعة الحياة في سوريا وأنه أصبح على هامش الحياة فيها؟؟!

هل نحتاج أن نذكره أنه اصبح كلاًّ على الشعب السوري، وعبأً عليه، ليس له دور إلا أن نرسل أبناءنا الى الخدمة الإلزامية وجيوبهم مكتظة بالمال،وأيديهم مثقلة بالهدايا للضباط كي يغضوا الطرف عن أبنائنا؟؟! أو ندفع لهم البدل النقدي إذا كنا مغتربين؟؟!

أشياء كثيرة تدور في خلد المواطن السوري عن جيشه الوطني.

واليوم جاء درو الجيش وجاءت جمعته كي يثبت لنا أنه سيتحمل مسؤليته أمام الله ثم الشعب والوطن.

جمعة حماة الديار هي النداء الأخير الذي نوجهه لجيشنا الوطني، ونريد منه في هذه الجمعة أمور:

أولا: مطلوب منه أن يثبت لنا أنه جيش وطني ذو عقيدة وطنية تدافع عن الأرض والشعب، وليس جيوبا من المرتزقة ولاؤها لشخص واحد، ولأسرة واحدة.

ثانيا: مطلوب منه أن يوقف شلالات الدم التي تتفجر هنا وهناك، فدماؤنا التي تجري هي دماؤه، وأشلاؤنا التي تتقطع هي أشلاؤه، فهو أولا وأخيرا منا وإلينا.

ثالثا: مطلوب منه أن يفك الحصار عن المدن والقرى المحاصرة من قبل كتائب الشبيحة وفرقة المجرم ماهر الأسد، فهذه المدن مدنه، وتلك القرى قراه.

رابعا: مطلوب منه الثأر لأفراده وأحراره الذين قتلتهم الكتائب الأمنية لمجرد رفضهم إطلاق النار على المتظاهرين، فهل عقوبة الأحرار عندكم هي الإعدام؟!.

خامسا: مطلوب منه تحقيق مطالب الشعب بإسقاط النظام ومحاكمة رموزه.

سادسا: مطلوب منه أخذ زمام المبادرة في هذه المرحلة التاريخية والمنحنى الخطر الذي تمر به سوريا، وألا يكون أقل من الجيش في مصر وتونس واليمن الذي التزم بحماية الثورة وحماية شبابها، وتلبية مطالبها.

اعلم أن هناك أحرارا في الجيش السوري، وما أكثرهم، ولكن لا نريد منهم أن تذهب مواقفهم ودماؤهم هكذا دون جدوى، فمن وقت لآخر نسمع عن تصفية ضباط وأفراد رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين.

لذلك ولكي لا تضيع دماؤكم هدرا يا حماة الديار ننتظر منكم تحركا جماعيا مدويا يزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة، وينتصر للشعب والثورة، فهذه جمعتكم، وهذا شعبكم، وهذا املنا فيكم، ونرجو ألا يخيب!!.

=============================

الثورة والأخلاق

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

من الأمور الرائعة التي كشفت عنها ثورتنا المباركة رقي وتحضر الشخصية المصرية، وحرصها الشديد على التميز والتحلي بمكارم الأخلاق، والاتصاف بالقيم العظيمة والتمسك بالمبادئ السامية، وقد أثبتت هذه الثورة المجيدة أن ما نشكو منه باستمرار في حياتنا وتعاملاتنا اليومية ونعده ونتخذه دليلا على اهتزاز منظومة القيم واختلال معايير السلوك الحميد لدينا ما هو في الحقيقة سوى تغير طفيف وسطحي فقط لم ينفذ للعمق بعد، وأكدت أن جوهر الشخصية المصرية الفريدة لا يزال نقيا وبعيدا عن كثير من الشوائب والسلبيات المخيفة التي قد نظن أنها متمكنة منا؛ فالشخصية المصرية تتمتع بقدر كبير من العراقة والأصالة والتميز، بفعل الانصهار الحضاري الوئيد الذي صقلها وجعلها جوهرة نفيسة لا يدانيها شيء، لكنها أشبه بجوهرة مطمورة في التربة ويعلوها ركام هائل من التراب، وتعاني من الفقر والمرض والجهل والتخلف العلمي، فازدراها الكثيرون وأهملوها، وعاملوها باستخفاف وصاروا لا يدركون قيمتها الحقيقية، ودور كل مصري الآن بعد نجاح هذه الثورة الميمونة يتلخص في استخراج هذه الجوهرة الكامنة في أعماقه ونفض التراب عنها وتقديمها للدنيا من جديد في أبهى وأعظم حلة.

وفي الواقع هناك عوامل كثيرة وأسباب موضوعية ساهمت بشكل أو بآخر في تكوين مفهوم سلبي لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري عن ذاتها، وأدت إلى رسم صورة سيئة لدى الكثيرين عن الشخصية المصرية المعاصرة، من قبيل: اتهامها بقلة الضمير والفهلوة (واللعب بالبيضة والحجر، وسرقة الكحل من العين، واللعب بالتلت ورقات) وعدم الجدية، وإمكانية انجرافها للتيار بسهولة، وقابليتها السريعة للتأثر بالفتن والجري وراء الشهوات، وإمكانية تخليها السريع عن القيم والمبادئ، انطلاقا من حرصها البالغ على التمتع بملذات الحياة، ولو عن طريق المال الحرام الذي يجلبه الإثراء السريع من طرق غير مشروعة، إضافة إلى اتهام المجتمع المصري باتصافه بحالة من الانسيابية والميوعة أدت إلى افتقاره لوجود معايير أخلاقية معينة، وعدم وجود سلَّم قيمي محدد يضبط السلوك الفردي والجماعي في الحياة المصرية.

وقد ساعدت الدراما المصرية بشكل أو بآخر على تكريس هذه المفاهيم المشوَّهَة (والمشوِّهَة) للشخصية المصرية من خلال تضخيمها للسلبيات والعيوب الكثيرة التي يعاني منها أفراد في المجتمع المصري، فرغم أن هذه حالات فردية وليست جماعية إلا أن هناك رغبة غير مفهومة في جعل هذه السلبيات سمة عامة للمجتمع ككل!! وتظهر هذه الرغبة الغريبة في الإصرار على المبالغة في عرض الأخطاء والفضائح والإلحاح عليها بأكثر من طريقة وبأكثر من أسلوب، مع الإقلال الواضح وربما المتعمد في عرض النماذج السوية المشرفة!! وكأن المقصود هو نشر الفساد وتنفير الناس من الفضائل والقيم، وتيسير إقدامهم على ارتكاب الخطأ واقترافهم للإثم والرذيلة!!

ومع ذلك لا يمكننا نفي العيوب والمساوئ التي نشكو منها جميعا على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وصحيح أن معظم ما يحصل بيننا من تجاوزات وتصرفات غير أخلاقية تدفعنا إليه ضغوط الحياة المتزايدة وقسوتها بل شراستها التي لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى أن العولمة قد أوجدت في الواقع نمطا حادا من الحياة المادية الجافة الجارفة، كما أن تسارع إيقاع الحياة قد جعلنا جميعا نركض ونركض حتى نلهث من أجل إشباع مطالبنا التي لا تنتهي، وفي ظل هذا الركض الدائب وحركتنا التي لا تهدأ شكلنا ما يسمى بثقافة الزحام، وهي ثقافة خاصة لها مفرداتها وتعبيراتها وأخلاقياتها المختلفة، وهذه الثقافة تُسْقِطُ منا ولا شك بعض القيم، وطبيعي أن ننسى مؤقتا بسببها ما جُبلْنا عليه من فطرة سوية وعزيمة قوية! والتحلي بمحاسن الصفات ومكارم الأخلاق وحب الخير للجميع!!

وطبعا نحن بشر كغيرنا من البشر، فلسنا ملائكة مقربين ولا أنبياء معصومين؛ وبالتالي يجري علينا ما يجري على غيرنا من الناس، فمنا المسيء ومنا المحسن، ومنا المصيب ومنا المخطئ، ومنا الظالم لنفسه ومنا ما دون ذلك، ولكن بعد نجاح ثورتنا المظفرة ينبغي أن يقف كلٌّ منا وقفة جادة مع نفسه، هذا على المستوى الفردي، أما على المستوى الجماعي فيفترض أن نتعاون معا لإصلاح عيوبنا الأخلاقية والاجتماعية المشتركة، ووسيلتنا إلى ذلك هي السلوك العملي الحسن، والمعاملة الكريمة الصادقة الشفافة القائمة على: الثقة بالله تعالى، وحسن الظن بالناس، وحب الخير لهم، وخدمة مصالحهم، والحرص على تقديم العون للآخرين ونفعهم بكل ما نستطيع.

ومن وجهة نظري فإن من أهم الأمور المطلوبة من الجماعات الدينية المختلفة الآن هو التركيز على إصلاح الأخلاق، وترجمتها في حياتنا بشكل عملي واضح، وممارسة الفضائل والقيم ممارسة عملية واضحة وتلقائية وعلى نطاق واسع، ودعوة الناس إليها من خلال التمسك التام بها، حتى ولو ترتب على ذلك بعض الخسائر المالية أو الدنيوية، لكن أن تتسرب أخطاء المجتمع إلى بعض الشباب المتدين وتترسب في أعماقهم، ثم يتعاملون مع الناس كتعامل غير المتدينين وربما أسوأ، فلا يجدون منهم سوى الغلظة والجفاء والقسوة، والأثرة والأنانية وكل مظاهر حب الذات، وعدم الإنصاف مع الآخرين، حتى على مستوى المشاعر والأحاسيس!!! فأنى لهؤلاء بهذه الأخلاقيات الملوثة أن يؤثروا في غيرهم أو يقنعوهم بهم ويجعلوهم يثقون فيهم؟!!! وما أروع أن نتدبر ونتمثل ونطبق معاني هذه الأحاديث الشريفة التي ترشدنا إلى أهمية حسن الخلق:

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكمل المؤمنين أيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" رواه الطبراني وصححه الألباني، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم والقائم"رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " "خياركم أحاسنكم أخلاقا " أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا : يا رسول الله ما المتفيهقون ؟ قال : "المتكبرون" أخرجه الترمذي، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال:" كل مخموم القلب صدوق اللسان " قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال صلى الله عليه وسلم : "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني.

وختاما أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا ويسدد خطانا لكل خير، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، ومن العمل لما يحب ويرضى، وأن يوفقنا لكل صلاح وهدى ورشاد، كي نرفل جميعا في أطهر وأنقى حلل الإيمان، وسكينة الطاعة وطمأنينة الاستقامة، ونجعل حياتنا وحياة كل من حولنا أكثر بهجة وسعادة وأمنا.

• كاتب إسلامي مصري.

=========================

أعلى من جدار .. إلى حسن صالح وكل معتقلي الرأي في سجون البلاد

إبراهيم اليوسف

منذ اندلاع الثورة السورية المباركة، يخطر ببالي اسم صديقي المناضل حسن صالح، الذي اعتقل بتاريخ 26-12-2009 مع صديقي العزيزين: معروف ملا أحمد ومحمد مصطفى، بعد تدبيج اتهامات ملفقة، بحقهم، ضمن سياسة الاعتقال، والتهجير، وكم الأفواه، والمطاردة، التي لاحقت كل من تقدح كلمته شرراً، ليضوي ليل الوطن الحالك، وهؤلاء الأصدقاء من رادة الاعتصامات السلمية، الحضارية، ولعل اسم حسن صالح- حين يخطر في البال بقوة- وهو لم يغب في الأصل عن بال كل شريف، فلأن الرجل-وكما أؤكد- من بين أطهر، وأنبل قياداتنا الكردية الميدانية، التي تعمل بصدق، ونبل، وتفان، وبعشق صوفي، عال، و أنا حين أستحضراسمه،هنا، فلأنني لأتعامل معه -كرمز لمن اعتقلوا - بل وكل من صمد في زنزانته، وهنا أتذكر صديقي مشعل التمو وإبراهيم بركات ولقمان سليمان ومصطفى إسماعيل، وغيرهم بالمئات، والآلاف،ممن هم الآن رهن الاعتقال التعسفي، وكذلك الأخ عبد الباقي خلف وطالبي العزيز كادارسعدو الذي أتذكر يوم ولادته، و الأخوة الثلاثة من آل أوسكان، وغيرهم من معتقلينا الأشاوس، ممن أشعر براحة أنني لم أترك اسماً من بينهم، إلا وطالبت بإطلاق سراحه، عبر البيانات، والنداءات، وسواها، كل باسمه، وهو لشرف كبير لي أعتز به، كسائر زملائي في منظمة ماف، بل كسائرمنظماتنا السورية-الباسلة-ومن بينها منظماتنا الحقوقية الكردية.

أجل، سيستيقظ حسن صالح-الرمز كما أسلفت- بعد ساعات جد قليلة، في صباح غد الجمعة، وذلك بعد أن غاب عن مدينته، عاماً ونصف، بالتمام والكمال، واشتاق لهواء قامشلي التي يحبها إلى درجة الهيام، وكان شعاره: اعتصام، من أجل كل معتقل سياسي، حتى يتمّ إطلاق سراحه، وهو ما قام به من أجل الشيخ معشوق الخزنوي الذي تحلّ ذكرى الإعلان عن استشهاده هذه الأيام-أثناء فترة اختطافه للكشف عن مصيره، وكذلك بالنسبة لمشعل حين تعرض للاختطاف، وهذا الشعار الذي لم يطبقه أحد –في حدود معرفتي بعد اعتقاله من أجله بشكل جاد- وهو لم يكن لديه، ليخضع لبارومترالسياسي ، بل كان يرفع بوتيرة واحدة، من قبله، ومن يلتقيه في الشجاعة والرأي، سواء أاشتدت هراوة التهديد، أم خفتت سطوتها قليلاً، وهذا دليل على أن أنموذجه الكريم الاستثنائي، ومن يمثلهم، هو أنموذج من يعيش فكرته، ويترجمها سلوكاً وممارسة، لا كظاهرة صوتية- والعبارة أستعيرها من معجمه- من دون أن يكترث بوعيد المستبد، ولا بتهديداته التي كانت تلاحقه كظل، أو كمخبر يتتبع على دراجته نمرة مركبة البيك آب الاسطورية التي كان يقودها......

سيسمع حسن صالح-بعد صلاة جمعة حماة الديار- وربما يصليها جماعة في السجن، لا أدري" -وأنا أتذكر الآن سجادة خاصة به كنا نتركها في ركن مكتبتي يسميها أولادي سجادة عمو حسن وكان يصلي عليها صلاة العصر أو أكثر، مرات عدة في الأسبوع، وظل من قلة من الأوفياء الذين يدأبون زيارة بيتي، بعد خروجي الاضطراري من بلدتي " بسبب سوطي الاستبداد والفقر، ليشرح لمن حوله-إن سمح له اللقاء بأحد- عن إبراهيم هنانو، ابن سوريا، الكردي-وهو مدرس التاريخ-يتخيل نفسه، يعبر جدار السجن، ينطلق مع الشباب المحتجّ سلمياً، لينطلق من أمام جامع قاسمو حتى دوار الهلالية الذي أقترح أن يسميه الشباب" دوار التحرير"أو مستديرة التحرير، كي تستقيم لغة المعجم، لا الحياة.

أجل، سيسمع حسننا-أبو جهاد- وجهاد من أوائل أعضاء إدارة ماف، الذين أعلنوا أسماءهم- سيسمع حسننا من سجنه، الأخير، هذا، هتافات المجموعات الشبابية التي تترى، منطلقة من علاية، صوب الحي الغربي، الذي مضى عام كامل لم أكحل عيني بملاعب شبابي فيه، ولعل بعض نزلاء السجن، سيشرحون له كل ما كان يتم، بعد أن عاش كل هذه الفترة الطويلة، معزولاً عن العالم الخارجي، وقد كان آخر من رآه لمحاً خاطفاً -ذات فسحة تنفس في زنزانة فرع الفيحاء- حفيظ عبدالرحمن الذي بقي معه في المعتقل نفسه، من دون أن يلتقي أحدهما الآخر-أو من دون أن يسمح لحفيظ أن يصرخ باسمه، ليراه هو الآخر، لتلتقي عيناهما معاً، ولو لمحاً بلمح، ويكون ذلك مدعاة طمأنينة له، وهي طريقة اعتقال شائنة، لا تليق بأي مجرم، عات، فكيف ونحن أمام أصحاب رأي، وناشطي حقوق إنسان، في بلد بلا رحمة، ولا حقوق إلا للجلاد واللص.

أعرف أن صديقي حسن سوف يحس أنه سيغسل روحه في سجن مدينته- وسجن المدينة له نكهته- وإن كان قد دخله لأول مرة، وهو المربي الذي تعلمت أجيال على يديه العلم، وهو الشيخ الذي لا يخاف السجون، ولاسمه : شيخ المعتقلين الكرد، وكل معتقل شيخ، طبعاً، لكني وفي حدود معرفتي، لم أجد شخصاً يستتفه السجن والخوف مثل أبي جهاد.

أعزائي، القادمين للتو إلى سجن قامشلي- كمعتقلي رأي وضمير- ليس لي إلا أن أهرب وردة لك، ولكل منكم باسمه، وأنتم في سجن مدينتكم، السجن الذي سيشار إليه-كمحطة في تاريخ كل مناضل دخله- ولكل معتقل في كل سجن وزنزانة ومنفردة، ومنفى، وأسر، بعد أن يمسح شبابنا السوري-آباؤنا في البسالة- السجون ورهبة السجان وفكره، وهم يرسون لنا صرح الديمقراطية والعدالة والحب، الآتي ، مؤكداً، وما لاريب فيه، ليكون كل ذلك محطّ افتخار لكل بطل دخل السجن، ومدعاة لعنة بحق كل من تسبب في إدخال هؤلاء السجون والمعتقلات والزنزانات- وهم أصحاب رأي- يجدرأن تتم مناقشة آرائهم-في حديقة أو مركز ثقافي- لا أن يتم إلحاق الأذى بهم، من دون ضمير، أو رحمة أو شفقة.

-تحية إلى أبي البسالة والوفاء، صديقي، البار، حسن صالح، وهو يرهب جلاديه أينما حل

فجر جمعة حماة الديار27-5-2011

============================

معلومات رقمية في خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي

الدكتور عثمان قدري مكانسي

معلومات رقمية في كلمة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن – مقر الكونجرس - مساء يوم الثلاثاء 24 مايو ايار 2011 –

1- زمن الخطاب الكلي / 49/ دقيقة

2- الدقائق الأربعة الأولى قبل الخطاب كانت تصفيقاً حداداً من الجميع وهم واقفون حتى نائب الرئيس /بايدن / ورئيس أعضاء الكونجرس.

3- الدقيقة الأخيرة تصفيق حاد من الجميع أيضاً .

4- بقي من مدة الخطاب / 44/ دقيقة ، هي التي تحسب من زمن خطاب نتنياهو .

5- تخلل الخطاب الذي استمر / 44/ دقيقة / 55/ تصفيقاً من الحضورعلى الأقل.

6- منها / 29/ تصفيقاً حاداً استغرق الواحد منه أكثر من / 10/ ثوانٍ والمصفقون قيام.

7- والباقي / 26/ تصفيقاً متوسطاً استغرق معدل التصفيق الواحد من 4- ثوان إلى 10 .

أ‌- نصفها تقريباً كان الحضور يقفون والآخرون يجلسون.

ب‌-  ونصف التصفيق الآخر كان الحضور فيه يصفقون جالسين .

 وهذا يدل على أن تأثير اللوبي الصهيوني كبير في نفوس صانعي القرار الأمريكي ، وأن بعضهم ينافق خوفاً على مركزه ، والبعض الآخر من المسيحيين المتصهينين، ولاؤهم الحقيقي للدولة العبرية.

وهذا يعني أن حالهم من حال مجلس الشعب السوري ( مجلس التهريج الأسدي ) . الذي كان تصفيقه الصفيق لسيده يعادل مثيله في أقوى دولة في العالم .

ولا ننس أنّ الدولة الإسرائيلية ذات التأثير القوي على الإدارة الأمريكية وبرلمانها ومجلس شيوخها تضغط باتجاه الحفاظ على النظام الأسدي الدموي في سورية ، وأن على الشعب في بلدنا المصابر أن يعتمد على الله أولاً ، ثم على الصبر والمصابرة في جهاده لبشار أسد عميل الموساد الإسرائيلي ، فما بعد الصبر إلا الفرج .

(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . )

==========================

أليس في النظام السوري رجل رشيد؟!

محمد فاروق الإمام

من يستمع لأعمدة النظام السوري وأبواقه يشعر وكأنه أمام نظام لا ينتمي لأهل الكرة الأرضية ولا سكانها، جاؤوا من عالم آخر قد يكون سفلي أو علوي، فحديثهم غريب وقولهم عجيب وتعليقهم أغرب وتحليلهم أعجب.. ففي الوقت الذي يتقدم الأصدقاء منهم بالنصيحة الصادقة والتحذير المشفق نراهم يديرون الظهر لهم ويتبرمون من سماع ما يقولون، وإذا ما كرر حلفاؤهم ما يدّعون ويتوهمون انبسطت أساريرهم وملأت الضحكة أشداقهم!!

هذا الحال الذي عليه النظام السوري يجعل المرء يتساءل: أليس في هذا النظام رجل رشيد يخرج علينا بكلام موزون ومنطق معقول وتحليل مفهوم يحسب حساب العواقب وينظر بجدية لما يتخذه المجتمع الدولي من عقوبات متدرجة ضده جزاء ما تقترفه يداه من آثام وما يرتكبه من فواحش بحق المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة، ويتعظ بما أصاب من سبقه ممن ركبوا رؤوسهم وغرتهم أنفسهم فناطحوا الصخر وجروا على أنفسهم المهالك وعلى دولهم الخراب والدمار وعلى شعوبهم المرارات والعذابات، أليس في هذا النظام رجل رشيد يتفاعل بجدية مع تصاعد الاحتجاجات في طول البلاد وعرضها، التي تمتد يوماً بعد يوم أفقياً وعمودياً، وقد أخفقت كل الحلول الأمنية التي راحت أبعد مدى تصل إليه وهو التصفية وزهق الأرواح، ويأخذ الدرس مما حدث في تونس ومصر، ويصيخ السمع للأصدقاء ويحذر مما يردده الحلفاء، فالصديق يصدقك ويهمه أمرك، والحليف يخدعك لأن همه مصلحته وأجندته!!

للنظام السوري صديق مهم هو تركيا التي يئست منه من كثرة ما قدمت من نصائح وتحذيرات دون جدوى وقد ضرب بها عرض الحائط وبلا مبالاة، مما دفعها إلى القول الفصل: إذا ما أصر النظام على انتهاج سياسة العنف والقمع والقتل وتكرير ما حدث في حماة وحلبجة، فإن المجتمع الدولي سيأخذ القرار الذي لابد منه من أجل وقف شلال الدم، وتركيا جزء من هذا المجتمع وستقوم بما يتوجب عليها القيام به.

أيضاً للنظام السوري حليف مهم هو إيران التي ما فتئت تردد نفس دعاوي النظام وما يوزعه من اتهامات بحق المتظاهرين والمحتجين المطالبين بالإصلاح والتغيير من أنهم مندسون وعملاء وخون وطائفيون ومثيري فتن ومنفذي أجندة خارجية، وتشد على يده وتدعمه بالخبراء في القمع وتقدم له أحدث أدوات القمع والوسائل المبتكرة في التصدي للمحتجين والمتظاهرين، وتزين له أعماله وتسوغ له أفعاله وتعده بالوقوف إلى جانبه إذا ما تعرض لأي عمل عدائي. وإلى جانب هذا الحليف القوي يقف حلفاء صغار هم صنيعة النظام في لبنان.. يتمثلون بمليشيات وتنظيمات فئوية وطائفية تقوم على البلطجة والزعرنة كحزب حسن نصر الله والحزب القومي وحركة أمل وتجمع ميشيل عون وبقايا حزب البعث، الذين ارتبطوا بهذا النظام وبقاؤهم من بقائه. وإلى جانب هؤلاء يقف قلة ارتبطوا بصداقة مع النظام يتوجعون لحاله ويشفقون عليه، ومن بينهم الزعيم الوطني اللبناني وليد جنبلاط الذي تناسى دم والده الذي كان أهم ضحايا النظام السوري في لبنان تناغماً مع ما يدعيه النظام من ممانعة واحتضان للمقاومة ودعماً لها، هذا الصديق لم يعد يحتمل مشاهدة ما يجري في سورية من قمع دموي وإزهاق للأرواح فأدلى بدلوه ناصحاً بشار الأسد بأن يصغي لنداء العقل ويبدأ بالإصلاحات الجذرية التي تجنبه السقوط وتجنب سورية من كل المخاطر التي قد تحل بها كما هي الحال في ليبيا، ومما جاء في مقاله الأسبوعي في جريدة "الأنباء" التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه: (أناشد الرئيس بشار الأسد أن يبادر بسرعة إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة بتحقيق تغيير جذري في مقاربة الوضع الراهن والتحديات التي تعيشها سورية، والذهاب إلى مقاربة جديدة يتم من خلالها استيعاب المطالب المشروعة وتلبيتها للحيلولة دون انزلاق سورية نحو التشرذم والنزف المستمر كما يتمنى كثيرون(.

وأشار جنبلاط إلى أن موقفه هذا ينطلق (من موقع الحرص على سورية وأمنها القومي ووحدتها الوطنية واستقرارها الداخلي ومناعتها وحصانتها، وحفاظا على وزنها السياسي في المنطقة).

واعتبر أن (سوريا تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الصدق في التعامل والموقف لأنها تمر بمنعطف تاريخي لا تنعكس تداعياته على وضعها الداخلي فحسب، بل تمتد إلى لبنان والمنطقة بأكملها).

وفي لبنان عدد من الصحف الصديقة للنظام السوري، ومن بينها صحيفتا (الأخبار) و(السفير) اللتان لم تتوانيا، منذ بدء التحركات الاحتجاجية، عن التأكيد على (مشروعية) مطالب المحتجين وضرورة الإصلاح في سورية.

وفي افتتاحية لافتة، كتب رئيس تحرير جريدة السفير طلال سلمان الاثنين 23 أيار الحالي، والذي يعتبر من أهم أصدقاء النظام في لبنان: (أين هو الرئيس الشاب ولماذا لا يخرج ليواجه الناس بخطته الفعلية للإصلاح؟!).. (أين هو لا يتحرر من قيود الشكليات ومن المحطات الوسيطة، ليعلن بنفسه أنه قد أمر بوقف العمليات العسكرية، داعياً الجميع إلى المشاركة في الحوار من أجل إنقاذ الوطن ودولته من أخطار مصيرية؟!).

وأمام تخوف أصدقائه في لبنان عليه وعلى سورية نرى مواقف حلفائه هم رجع الصدى لدعاويه وفبركاته، فهذه قناة (المنار) التلفزيونية التابعة لحليفه نصر الله تتبنى رواية النظام فيما يجري على أن مبعثه، وجود (عصابات مسلحة ومندسين ومؤامرة خارجية)، ولم نسمع منهم نصيحة واحدة للأسد أو دعوته لوقف شلال الدم التي تفجره أجهزة الأمن والشبيحة والحرس الجمهوري من أجساد السوريين، وزهق أرواح المحتجين الذين يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة التي كم تغنى بها حسن نصر الله وضحك فيها على عقول السذج من أبناء هذه الأمة، هذا الشعب الذي وقف مع المقاومة الوطنية اللبنانية عام 2006 عند تعرض لبنان للعدوان الذي شنته القوات الصهيونية، واستقبل مئات الألوف من الفارين من الضاحية الجنوبية من قصف الطيران الإسرائيلي المدمر، وفتح لهم بيوته وقاسمهم رغيف الخبز وحبات الماء وقطرة الدواء، وكان جزاؤهم عند حسن نصر الله، عندما طالبوا بالحرية والكرامة والعدالة بشكل حضاري وسلمي، أنهم مندسون وإرهابيون وينفذون أجندة مؤامرة خارجية، وأنه مع النظام السوري في إزهاق أرواحهم وقتلهم وقمعهم وقلع أظافرهم وبقر بطونهم وجدع أنوفهم وكسر رؤوسهم وتقطيع أطرافهم والدوس على ظهورهم ولطم وجوههم بالأحذية، ومع محاصرة المدن وقطع الماء والدواء وحليب الأطفال والاتصالات عن سكانها، ومع انتهاك الحرمات وأماكن العبادة وتمزيق القرآن ونهب الممتلكات الخاصة والعامة وتحطيم كل ما في الدور والمحلات والشوارع، ومع تكديس جثث القتلى وبقايا أشلاء المعذبين حتى الموت في مقابر جماعية، شاهدناها وشاهدها العالم على شاشات القنوات العربية والعالمية، ووحدها قناة المنار امتنعت عن نشرها في تعتيم متعمد عما تقترفه العصابة الحاكمة في دمشق من جرائم وموبقات بحق الشعب السوري.

هذا هو الفارق بين صديق محب ومشفق وحليف همه تحقيق مصالحه.. فالغاية عنده تبرر الوسيلة مهما كانت قذارتها ووحشيتها، ومن هنا علينا أن نتساءل بحرقة أليس في هذا النظام رجل رشيد؟!

============================

سقطة منظمة حزب الله وزعيمها .. تأييد الاستبداد في سورية طعنة في ظهور الثوار الأحرار على حساب المقاومة

نبيل شبيب

يجب أن تعلم منظمة حزب الله وزعيمها حسن نصر الله:

لئن تخلت وتخلى عن دور المقاومة اللبنانية في لبنان ضدّ العدو الإسرائيلي فلا يمكن أن يتخلى عن ممارسة المقاومة شعب سورية وشعب لبنان..

ولئن وجد هو ووجدت منظمته تأييدا من شعوب عربية وإسلامية في مواجهة عدوان إسرائيلي متغطرس فإن التأييد لممارسة المقاومة وليس لسياسات أخرى وارتباطات بنظام حكم قائم في إيران أو نظام حكم قائم في سورية..

ولو أنّه ومنظمته التزما موقف الصمت إزاء ما يرتكبه الاستبداد الفاسد في سورية من جرائم بحق شعب سورية الثائر، فلربما وجد من يعذر صمته، بسبب ارتباطاته بذلك النظام الاستبدادي وبحجة أداء دور المقاومة في لبنان..

ولو لمّح هو ومنظمته فيما صدر حتى الآن من مواقف، وما نُشر عبر فضائية "المنار" من صور بائسة منقولة أو طبق الأصل عن الإعلام الرسمي المنحرف في قبضة النظام الحاكم في سورية.. لو لمّح مجرد تلميح إلى اتخاذ موقف اضطراري، أو إلى استيعاب تطلّع شعب يحكمه الاستبداد الفاسد منذ عقود، إلى الحرية والكرامة، كشعوب الأرض قاطبة.. بدءا بشعب البحرين.. انتهاء بشعب إيران، فلربما وجد المرء له ولمنظمته عذرا لما صدر حتى الآن واتخذ صورة الاندماج المخزي في سلوك القمع الاستبدادي الهمجي، المتواصل على حساب الإنسان والوطن، ما بين درعا والحسكة وما بين اللاذقية والبوكمال.

أما أن يجد هو ومنظمته لإنسانٍ لبناني أو فلسطيني أو سوري أو عربي أو مسلم حق الحياة ومقاومة العدوان، ولا يجدا للإنسان حق مقاومة الاستبداد وجرائمه داخل أرضه، فهذا يُسقط عنه وعن منظمته صفة المقاوم النزيه، والمقاوم العربي، والمقاوم المسلم، ويحوّله هو ومنظمته –ولا يحوّل شرف واجب المقاومة وممارستها- إلى موضع الرفض والتنديد والإنكار والاستنكار.

إنّ الموقف النزيه الشريف واجب مفروض على كل إنسان نزيه شريف، وعندما لا يؤدّي هذا الواجب، فلا عذر له إلا الإكراه.. ولا يزعم هو ومنظمته الخضوع لإكراه، بل يزعمان الانطلاق مما يوجبه الإسلام، دون تمييز طائفي، والعروبة، دون تمييز فئوي، والحق دون تمييز انتهازي.. ومثل هذه الشعارات توجب على الإنسان النزيه الشريف أن يؤيد الحق ضد الباطل، والحرية ضد الاستعباد، والعدل ضد الظلم، والثورة السلمية ضدّ القمع الهمجي، وأن يؤيد الإنسان.. ضدّ من ينتزع عن نفسه حق الانتساب إلى الإنسان من خلال ممارساته كما يجري في سورية، منذ عقود، وبلغ أقصى مداه خلال ثورة شعب سورية الأبي.

إن تحقيق الانتصارات العسكرية والسياسية في ساحة المقاومة بلبنان وفلسطين، لا يعطي أحدا "صكا على بياض" أن يصنع فيما عدا ذلك، ما يشاء، ويقول ما يشاء، ويدافع عمّن يشاء من المستبدين، ويتنكّر كما يشاء للشهداء الأبرار..

لا يمكن أن يقبل شهيد مخلص على تراب لبنان وتراب فلسطين.. بأي موقف يصدر عن أي "زعيم" أو أي "منظمة"، يبتذل صاحبه من خلال ابتذاله لما سقط من أجله الشهداء الأطفال والرجال والنساء والشيوخ في درعا الثائرة وحمص الأبية وبانياس المحاصرة ودوما الجريحة ودير الزور الشامخة.. وكل بقعة من بقاع سورية تحت وطأة الحرب الاستبدادية الهمجية على الشعب الثائر الأعزل.

إن المواقف الصادرة عن منظمة حزب الله وزعيمها حسن نصر الله أثناء الأسابيع الأولى للثورة الشعبية في سورية، المنتصرة رغم كل من يسيء إليه ويفجر بحقها، هي مواقف تعطي أعداء المقاومة في لبنان وفلسطين في أنحاء الأرض، وخصوم المقاومة في لبنان وفلسطين من وراء ظهورها داخل الأرض العربية والإسلامية، الأعذار أن يضاعفوا حملاتهم ضد المقاومة، ويعزّزوا ما يذكرونه لذلك من ذرائع وحجج حقيقية أو وهمية.

فهو ومنظمته لا يسيئان للثورة الشعبية في سورية، المنتصرة بإذن الله وليس بإذن أحد من خلقه، ولا برضى أحد سواه أو سخطه، ولا بتأييد فئة من الفئات أو عدائها، بل يسيئان لما حققته المقاومة من مكاسب، وما وجدته من مكانة لدى الشعوب رغم الأنظمة، بما في ذلك نظام الحكم في سورية، الذي يمتطي ظهر المقاومة لترسيخ استبداده الفاسد داخل سورية، وموقعه الإقليمي في المنطقة، ويمنع أن تولد بذرة مقاومة مهما كانت صغيرة في أرض سورية نفسها.

على أن شعب سورية إن كان لا يغفر له ولمنظمته هذه السقطة الخطيرة، فإنه قادر على التمييز بين "البشر" والمبادئ، وبين المنظمات والواجب، وكذلك ما بين الزعماء الكبار في ميدان.. الصغار في ميدان آخر.

لن يتخلى شعب سورية عن واجبه الوطني.. القومي.. الإسلامي.. المصيري، في احتضان المقاومة بل واجبه في صناعتها وممارستها بنفسه بعد أن حرمه الحكم الاستبدادي القائم من ذلك طوال أكثر من أربعة عقود، ولن يتطلع شعب سورية الأبي إلى تحرير "الجولان" فقط فما كان غافلا طوال تاريخه، ولن يغفل في مستقبله بعد انتصار ثورته، عن فلسطين ولبنان، فهما، ككل أرض عربية وإسلامية.. أرضه، وتحرير كل أرض هو جزء من واجبه وواجب الشعوب الشقيقة الأخرى القادرة على التحرّر من قيود الاستبداد والتضليل، والقادرة على مواجهة العدو الأجنبي والاستبداد الداخلي.. وهذا بالذات ما يخشاه العدو كما يخشاه المستبدون، وتخشاه الصهيونية كما يخشاه الفاسدون، فإرادة الشعوب المتحررة هي التي تصنع الانتصارات وهي التي تكتب التاريخ، وآنذاك يدرك الذين يسوّدون صفحة المقاومة التي مارسوها، والوطنية التي رفعوا شعارها، أنّهم أساؤوا لأنفسهم بالتنكر لشعب سورية، وتنكروا من خلال ذلك في الوقت نفسه لشعب فلسطين، وشعب لبنان، وسائر الشعوب العربية والإسلامية.

والزلّة.. يمكن تصحيحها بالاعتذار، أما السقطة الصارخة، فلا يمكن تصحيحها.. إلا بتصحيح المسار، ولا يبدو بعد كل ما جرى في سورية وما صدر من مواقف بحق سورية وشعبها، أن من سقط تلك السقطة سينتصب مرة أخرى على قدميه، ليثبت شجاعته ونزاهته من جديد، وليحاول أن يخفف من وطأة ما أصاب مكانته في وجدان الشعوب، وفي سجل التاريخ.

=========================

قوتنا بالله ثم بوحدتنا

عبد الله بن سعيد

إن ثورة الحرية السورية التي عبرت بسلميتها آفاق البلاد قد فتحت أعينا عميا وأسمعت آذانا صما عن واقع مرير يعيشه السوريون وأظهرت تماسكا وتلاحما ساميا في نسيج هذا الشعب العربي الأصيل ولم يكن مستغربا ما جوبه به هذا الشعب الأعزل من بطش نظام بنيته طائفية مقيته وحقد عقدي دفين لم يتورع في يوم من الأيام في كبت الحريات والتفنن بامتهان كرامة المواطن على مدار عقود حكمه  الجائر الذي طالما كان قدوة سوء لأهل البطش والتجبر وما زال هذا النظام الفاسد يحاص الناس ارزاقهم ويضيق عليهم معاشهم إمعانا منه في الإذلال والتنكيل

ومثالبه أكبر من أن تحصى وأوسع من أن تضمها الأسفار فما من خزي إلا اقترفه وما من جريمة إلا فعلها متسترا بالمقاومة وملبساً على كثر وموافقاً لأهواء آخرين ومطامعهم

إن هذه الثورة التي روتها دماء طهر زكية أوقدت همم النفوس وشدت رباط عزم شعب يستشرف الخلاص ويتطلع الحرية فهل يجد هذا الشعب الأعزل من يرفع له دعاء عون ونصرة رحم أم ستتقاذفه دهاليز سياسة مقيته لايفقهها شارع حركته نخوته ودفعته حميته للخلاص من كابوس جاثم فوق الصدور عقودا  طويله

وأمام هذا الإجرام المنظم والقتل الممنهج فإن على أحرار العالم والعرب والمسلمين وعلى وجه الخصوص كل سوري يقيم خارج الوطن بواجب الإنتماء  ألا يكون عبئا على الثورة بصمت مطبق أومتابعة تلفزة وقنوات فضائية ومشاهدة ما يتقيء به أذناب نظام بال مهترئ لا يعرف قيما ولا مبادئ اتخذ الكذب  شعارا والتدجيل منطقا فكال تهم الزور واباطيل الإختلاق للأحرار الذين عارضوا فكره الإجرامي ومنهجه الإستئصالي فما استمع لناصح ولا اهتم بوطني وما قبل من منصف بل انقلب على الجميع يكيل تهمه ويوزعها يمنة ويسرة بمبدأ مقاومته ممانعته الكاذبه

فتتحتم نجدة هؤلاء المحاصرين بكل الوسائل الإعلامية وعلى كل الأصعدة الدولية والعربية وذلك أضعف الإيمان وتعرية هذا النظام المستبد ثم بالتظاهر في كل مكان بشكل مستمر وعلى الحدود من جميع المنافذ السورية  فهذا النظام الماكر لن يتوقف ولن يرعوي ولو كان الثمن الشعب بأكمله ولن يضيره فنائه فهل نستقوي بالله قبل كل شيء ونرفع صوت اتحادنا وتلاحمنا مستلهمين ممن خرجوا بصدور عارية أمام ترسانة ملئت حقدا قبل ذخيره لنقدم أنموذج شعب قوي واحد أراد بإرادته الحياة وصنع برجاله المجد   فالعالم لا يعرف الضعيف ولا مكان له عنده ....

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ