ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 21/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

سورية بين الحوار والقتل

النظام القمعي أسقط مشروعية الحوار معه

نبيل شبيب

لم يعد السؤال في سورية الثائرة مطروحا عن كيفية الحوار بين ثائر ابي ونظام مستبد، بل هو السؤال عن كيفية إسقاط الاستبداد. ولم تطرح السلطات السورية في الأيام الماضية حوارا يوقف نزيف الدم الذي تسفكه في كل مكان، بل طرحت على أرض الواقع في سورية مواصلة القتل من أجل إكراه الثوار على القبول بحوار لا جدوى منه ولا طائل، ولا مضمون له ولا نتيجة، ولا يمكن أن يكون الجواب على هذا العرض الملوّث بدماء الضحايا.. سوى مواصلة الثورة حتى النصر المحتم.

لقد جعلت من الحوار مأساة مزرية على خشبة مسرح دامية، ولا يمكن أن تحصد من وراء ذلك "تصفيق المشاهدين" وهم يرصدون غضبة الثائرين.

 

اندلعت ثورة الشعب السلمية فبدأت السلطات مواجهتها بالقتل على الفور، هنا وهناك، والاعتقال هنا وهناك، واستمرت الثورة واتسع نطاقها، فأصبح القتل في هذه الأثناء جماعيا، شاملا للمدن والقرى، وأصبح الاعتقال بالألوف، شاملا لكافة فئات الشعب الثائر، ولم يعد مقتصرا على عصابات النظام المسلّحة وشبيحته الإجرامية، بل بات يوميا، في كل مكان، عبر انتشار الدبابات والمدرعات والمدفعية، وممارسات حصار "التجويع"، وتمشيط البيوت، واعتقال الأطفال والناشئة والنساء، في بلدة بعد بلدة، وفي منطقة بعد أخرى.. وما بدا حالة استثنائية إجرامية صارخة في درعا، على وقع التهديد بمواجهة "مؤامرات" مزعومة، أصبح حالة يومية إجرامية، مع وصول محطة رحى الإجرام الاستبدادي الدائرة في مسلسلها – الدموي المتواصل دون انقطاع- إلى تل كلخ، على وقع التصريحات الكاذبة عن حوار كاذب.

لقد وضعت ثورة شعب سورية نظام الاستبداد القمعي الفاسد أمام خيارين، إمّا السقوط المحتم، أو التخلي طوعا عن الاستبداد والفساد.. عسى تسري على بعض أركانه آنذاك، وآنذاك فقط، قاعدة: عفا الله عما سلف، فاختار لنفسه السقوط المحتم، وهو يسفك المزيد من الدماء، ليثبت أنّه لم يعد قادرا على سلوك طريق آخر غير الذي سلكه عبر نيف وأربعين سنة إجرامية مضت، وليغتال أي احتمال للعفو عن بعض أركانه.

كما ضعت السلطات الاستبدادية بذلك شعب سورية الثائر أمام خيارين، إمّا الموت عبر خضوع الأموات لنظام استبدادي قمعي فاسد، أو الاستعداد للموت الكريم شهادةً عزيزة على طريق الثورة المجيدة، من أجل التحرّر المحتم من هذا النظام القمعي الفاسد، ولا مكن لشعب سورية الأبيّ الثائر إلا أن يختار مواصلة طريقه، ليرتقي بمسيرته إلى مستوى بطولي غير مسبوق، وتضحيات متوالية لا تنقطع، متشبّثا بسلمية ثورته رغم الدبابات ومن يرسلها، والمدفعية ومن يطلقها، والرشاشات ومن يضعها في أيدي شبيحته وقنّاصته وعصاباته.. ولوغا في الدماء الزكية الطاهرة.

ثم تنطلق أصوات الحديث عن حوار، فهل يمكن سماعها وسط أصوات القذائف والرصاص وأنين ضحايا التعذيب وغضب المشرّدين وهتافات الثائرين؟..

حتى لو كان عرض الحوار حقيقيا جادّا.. فإن أفاعيل الاستبداد القمعي تغتاله قبل أن يولد، ولهذا:

مهما كانت مصداقية ناشطين سوريين معروفين من قبل الثورة، وقد تناوبوا فوجا فوجا على دخول المعتقلات طوال السنوات الكالحة الماضية والآن خلال أسابيع الثورة، فسوف تسقط هذه المصداقية في الحضيض، لو استجاب أحدهم أو استجاب بعضهم إلى عرض الحوار الكاذب، وهو يرى الإجرام القمعي المتصاعد، والثورة الأبية المتواصلة، والتضحيات البطولية المستمرة.

 

ويقول فريق لا يملك بقية من حياء يدفعه إلى التخلّي عن دوره في الدفاع عن القتل والقمع.. يقول: أوقفوا المظاهرات من أجل الحوار والإصلاح!..

أيّ حوار؟..

على ماذا يدور إذن؟..

وأي إصلاح؟..

أين ما يعطي مؤشرا واحدا مهما كان ضئيلا على أن السلطات التي أدمنت الاستبداد والفساد صادقة بأنها ستخرج من جلدها، ولا تواصل بطشها؟..

إنّ جواب الثوار، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، معتقلين في الظلمات ومعتقلين في السجن الأكبر للاستبداد الفاسد، ناشطين داخل الحدود وناشطين خارج الحدود.. جواب واحد، من يشذ عنه يتحوّل في هذه المرحلة التي وصل إليها القمع الاستبدادي، إلى جزء مرتبط بجهاز القمع الاستبدادي وإجرامه:

لا توجد ثقة بهذه السلطة الحاكمة جملة وتفصيلا، كبير المستبدين فيها وصغيرهم، من يشيع عن نفسه أنه إصلاحي مثقف، ومن يقيده –بزعم الزاعمين- من قادة مجرمين، أو حرس عتيق وجديد، أو ميليشيا مدربة على سفك الدماء، أو منتفعين يبيعون إنسانية الإنسان بالدرهم والدينار.

 

يجب أن يكون واضحا اليوم لكل ذي سمع وبصر وعقل:

لا يمكن القبول بمشاركة فرد من شعب سورية، مهما كان موقعه فيما تصنعه الدبابات والمدرعات والرشاشات والمعتقلات.. وإلا فسيكون شريكا في جريمة القمع الدموي الاستبدادي، فلا مكان لسوري مخلص لسورية وشعبها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، في جهاز قمع إجرامي أو فرقة عسكرية ليست بم تصنع سوى ميليشيا مسلّحة  للقتل.

لا يمكن القبول بمشاركة فرد من شعب سورية، في جهاز سياسي أو اقتصادي أو أي جهاز آخر مرتبط بسلطة الاستبداد القمعي الفاسد.. وإلا فسيكون مشاركا في المسؤولية عما يعنيه استمرار الاستبداد والقمع والفساد، ولو لبضعة أيام أو أسابيع بقيت له قبل السقوط.. وكما بدأت الثورة بأفراد وشملت الشعب، يبدأ العصيان المدني بأفراد ويشمل الشعب.

لا يمكن القبول بلسان أو قلم، يدافع بأي حجة من الحجج، عن نظام استبدادي قمعي وممارساته، مهما قيل عن سياساته الإقليمية المزعومة وقد كشف بنفسه عن معرفته بها على حقيقتها، التي يعرفها العقلاء من قبل أن يكشف عنها، وكل من يستمرّ بالدفاع عن هذا النظام، إنّما يدافع عن ارتكاب الجرائم اليومية المتواصلة، الفردية والجماعية.

لن يقبل الشعب الثائر في سورية عذرا لهؤلاء..

لن يقبل لهم عذرا أولئك الشهداء الذين تنتقل صورهم في أنحاء العالم من وراء سجن التعتيم..

لن يقبل لهم عذرا أولئك الضحايا في "المقابر الجماعية" التي يجري اكتشافها قوافل جديدة من الضحايا بعد قوافل ضحايا الاستبداد القمعي عبر عشرات السنين الماضية..

لن يقبلوا عذرا من عالم أو داعية، من مثقف أو فنان، من مفكر أو إعلامي، من أديب أو شاعر، من سياسي أو حقوقي، من أي "إنسان" في أي موقع، وتحت أي رداء، داخل سورية أو خارجها.. فالدفاع عن الإجرام جريمة، والدفاع عن الاستبداد حماقة، والدفاع عن القمع ذنب لا يُغتفر.

 

إن هذه المواصلة الدموية المتصاعدة لارتكاب الجرائم تضع أشدّ المتفائلين بقابلية إصلاح النظام أمام حقيقة صارخة مفزعة.. فتكسّر أقلامهم التي ما فتئت تطالب بما يسمّى إجراءات مبدئية لاستعادة الثقة، وتسكت أفواههم رغما عنهم وهم يبحثون عن مخرج كريم من "معركة" تدور بين جبهتين: جبهة الدبابات والرصاص وجبهة الصدور العارية والحناجر الصادثة!..

أين معالم أيّ مخرج كريم دون أن تعود الدبابات إلى الثكنات أو تتوجه إلى الجولان، وتكفّ عن مواجهة صدور الثائرين وأجساد الأبرياء وهتافات المستعبَدين داخل حدود وطنهم.. أمّا هؤلاء فلن يعودوا إلى بيوتهم مخدوعين بوعود كاذبة، لن يعودوا إلا أحرارا أعزة، بعد أن يستعيدوا وطنهم وسيادتهم وحريتهم وكرامتهم وصناعة مستقبلهم بأنفسهم، وليس في نطاق وعود يائسة بائسة، لا يمكن ضمانها وهي تصدر عمّن مارس ويمارس الحصار والفتك والتقتيل.. مهما زعم تحت عنوان حوار بل حتى لو بدأ حوارا ما فعلا.

أين معالم أي مخرج كريم دون أن تُفتح أبواب المعتقلات، جميع الأبواب، وجميع المعتقلات، وأن يخرج منها جميع المعتقلين، وجميع المعتقلات.. ولئن خرج هؤلاء جميعا، فلن يعودوا إلى بيوتهم، فلا يؤمَن من يمارس الاعتقال طغيانا، فيسجن الإنسان والوطن، بل سيعودون إلى الساحات والميادين والشوارع، ليتابعوا ثورتهم السلمية الأبية، حتى يرجع إلى سورية وشعب سورية الاطمئنان بأنّ عجلة الاعتقال الهمجية المتحرّكة باستمرار منذ جيلين قد تكسّرت، ولن تتكسّر إلا بنشأة نظام آخر وفق إرادة الشعب، وليس رغم إرادة الشعب، ولا عبر مخادعة الشعب.. بحوار أو دون حوار.

أين معالم أيّ مخرج كريم قبل أن يجتمع ممثلو الشعب الثائر جميعا، من داخل سورية، من كل قرية ومدينة ثائرة، ومن خارج سورية، من كل فئة مشرّدة أو أبناء فئة مشردة قضى الموت على آبائهم وأمهاتهم في غربة التشريد، وأن يكون لهم هم، وليس لفريق النظام الاستبدادي الفاسد، وضع شروط الحوار.. وأوّل الشروط أن يتخلّى من عبثوا بالدستور والقوانين عن عبثهم وما أنتج، ويتخلّى عن كل آلية من آليات الاستبداد أولئك الذين مارسوا الاستبداد عبر أجهزة القمع والميليشيا المسلّحة، وأن يتخلّى كل من مارس ويمارس الفساد عن آليات الفساد عبر المؤسسات التي استلبوها وعبر انتفاع المنتفعين من خلالها.

آنذاك فقط يكون الحوار مدخلا إلى بناء سورية ما بعد الثورة وما بعد حقبة الاستبداد الفاسد.

أمّا أن يجلس الضحية مع مرتكب جريمة الاستبداد، بشروط يمليها المستبد الفاسد، فلم يعد يرى الشعب الثائر في ذك إلا خيانة لثورته ولتضحياته، وخيانة لسورية في حاضرها مستقبلها، وخيانة لكل ما ترمز إليه أمجاد تاريخ سورية من أيام فتح الأندلس وحضارتها، إلى أيام الدفاع عن فلسطين.. قبل هيمنة التجارة بقضية فلسطين على تاريخ فلسطين وسورية معا.

لا يمكن أن يقبل الشعب الأبيّ الثائر بحوار آخر!..

لا يمكن أن يقبل بحوار كاذب، ولا يمكن أن يوصل تزييف الحوار إلى نتيجة أخرى سوى انتصار الثورة، بعد أن ارتكب النظام القائم ما ارتكب!.

وقبل هذا ومن بعده.. منذا يستطيع أن يحاور الشهداء بعد استشهادهم، من أجل الحرية والكرامة وسيادة الوطن والشعب؟..

ولقد قال الشهداء أطفالا وشيوخا ونساء وشبابا كلمتهم.. ولم يعد أحد من الأحياء قادرا على مخالفتها:

ثورة سلمية أبية، متواصلة متصاعدة، حتى الشهادة أو النصر، فمن استشهد نال إحدى الحسنيين، ومن بقي.. يبقى ثائرا حتى يفوز بإحدى الحسنيين.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ