ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 09/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

ثورة ربيع سورية تحدي للأسد ونظامه ...!!!

د.خالد ممدوح العزي

 يتعبر خروج المظاهرات السورية في "جمعة التحدي" والتي خرجت إلى الشوارع بعد ظهر يوم الجمعة في 6 أيار2011م. لتقول للنظام السوري بأنه فشل بكل معالجته الأمنية والعسكرية للمشكلة السورية ،والشعب مصر على المواجه إلى النهاية من خلال التظاهر السلمي الشوارع، مهما ارتفع عدد القتلى، ومهما مارس النظام أبشع الممارسات وتفنن في التنكيل والاعتقال ، فأنهم عازمون على التحرك لا نجاح ثورة ربيع سوريا .

مما لا شك فيه بان النظام السوري لا يزال صامت أمام روعة الأحداث التي تعصف بسورية،الصمت الكامل و الغياب المتعمد عن المشهد السياسي ،هم السمات الأبرز التي تسيطر على النظام السوري ،مشهد الخوف والإرباك في هذا الوقت قد يفسرها عما قريب إطلالة ثالثة للرئيس بشار الأسد يشرح للأمة ماذا يريد إن يفعل بشعبه ...

الصمت سيد الموقف في متابعة سير الإصلاحات التي وعد بتنفيذها الرئيس ،وغياب الحديث عنها من قبل الرئيس والنظام ، والتي وعد بها في بداية الانتفاضة الشعبية الاحتجاجات التي لا تزال تعم كافة المناطق السورية،لقد حاولوا استباق الأمور من خلال الإعلان عن بعض إصلاحات تجميلية، ضننا منهم بأنهم يستطيعوا مص نقمة الشعب الثائر الغاضب المطالب بتغير جذري في الدولة الهرمة والعفنة .

الرئيس رأس الهرم :

بالطبع بان النظام السوري فقد مصداقيته وشرعيته ،من خلال كذبه العلني في عدم تنفيذ وعود الرئيس بشار الأسد التي قطعها على نفسه إمام العالم وأمام شعبه في الاتجاه الفعلي نحو التغير الجذري، وإعلانه رزمة إصلاحات حقيقية ،طال أمدها منذ إحدى عشرة سنة ،عندما اعتلى الرئيس سدة الحكم و ألقى خطاب القسم الذي وعد فيه الشعب بالتغير وبإلاصلاح .

إصلاحات كرتونية ، لم تنفذ ولم يكتب لها النجاح بظل وجود مستفيدين من رأس النظام وقابضين على عنقه ،فالرئيس لم يعمد إلى الظهور ومخاطبة جماهير شعبه المحتج والثائر الغاضب على عدم تنفيذ الوعود ، الرئيس لم يعزي الناس بشهدائها الذين سقطوا ويسقطون ، كل نهار جمعة برصاص رجال الأمن والمرتزقة السورية .

 هاج الشارع السوري، تحدى كل أساليب القمع والترهيب والتخويف المفروضة عليه منذ 48 عاما.الشعب السوري لم يجد من الوعود المرتقبة أي شيء، سوى الاعتقالات السياسية لأصحاب الفكر والرأي، مزيد من تفشي الفساد والبيروقراطية، التعتيم الإعلامي والفكري، تضخم ثروات المسئولين والمقربين من النظام .

حرب النظام في قمع ثورة ربيع سوريا :

النظام السوري يشن حاربه اليومية على المحتجين والمتظاهرين بكل وسائل القمع والبطش الذي يمتلكها والذي كان أخرها استخدام الجيش والأسلحة الثقيلة لقمع الشعب السوري وإذلاله ،،،النظام يحارب على جبهتين في معركة خاسرة ضد المنتفضين والمحتجين :

1-الإرهاب والتطرف : اخترع النظام السوري فزاعة التطرف والإرهاب السلفي، والتكفير، الإرهاب الذي نمى بسرعة الفطر في سورية بعد موجة الاحتجاجات الشعبية، فالنظام الذي حاول إقناع العالم كله ،وخاصة أمريكا، التي تشن جبهة عريضة على الإرهاب العالمي المتمثل بالقاعدة وأخواتها، هذا النظام السوري هو شريك فعلي وأساسي وقوي في ضرب الإرهاب المتمدد إلى نواحي القطر السوري.

الإرهاب إذا بنظر النظام السوري هو" الجمهور"، الجمهور المحتج الغاضب الممثل بالأكثرية السنية، هذه الأكثرية الناقمة من ترهل النظام وعجزه عن تقديم أية إصلاحات جديدة وفقا لمتغيرات الحياة الحديثة، فالطائفة السنية في سورية هي الأكثرية العددية الفعلية التي تواجه البعث نظام البعث وزمره .

2- الحرب الطائفية :أمام هذا الغضب السني العارم الذي يسيطر على البلاد المحتجة والهادرة ،يقوم النظام السوري بتجنيد حماة للنظام وتزويدهم بكافة الأسلحة "زمر، عصابات،شبيحة ، مستفيدين من وضع النظام الحالي من اجل قمع الأكثرية الشعبية، التي شاء القدر بان تكون من الطائفة السنية ، لذا يعمد النظام على تجنيد الطائفة العلوية الفقيرة التي تمثل جزاء صغيرا من سكان الشعب العربي السوري .

 النظام يضع الفقراء بوجه الأكثرية من اجل حماية نظامه والدفاع عن وجوده ومصالحه الشخصية. ووفقا لهذه المعادلة يعمل النظام من خلال ذلك على تحضير الأجواء لصدامات طائفية من خلال ترهيب الأقليات والطوائف الصغيرة من غضب وعنف الأكثرية السنية الثائرة، وللسيطرة على النظام الذي يؤمن وجوده حماية للجميع.

يعمل النظام السوري إلى تأجيج الصراع المذهبي، لكي يتسنى له الإمساك بفزاعة أخرى يستخدمها في الداخل السوري والخارج العربي والدولي .

العسكر والدبابات:

يعمل النظام السوري على إخماد الحركات الاحتجاجية في المدن السورية من خلال سيطرة الجيش واحتلال المدن الصغيرة وقصفها بالأسلحة الثقيلة ،ومحاصراتها،"وقطع الخبز والكهرباء والحليب والماء"، من اجل لجم السكان، وتخويفهم في عدم تلبية إي نداء يدعوهم للخروج إلى التظاهر.

لقد عمد الجيش إلى القتل والترويع من اجل فرض هيبته المفقودة على الشعب من ناحية، وإخافة باقي المناطق من خلال البطش والقوة التي مارسها الجيش في عملية تنظيف للمدن السورية الصغيرة وقمع المحتجين فيها ،وفقا للتالي :

1-لم يكن استعمال الجيش في درعا وحصارها وليدة الصدفة ، إنما أتى عن سابق إسرار وترصد ،من قبل القيادة السياسية التي تلتزم الصمت،كي لا يتكرر إي سيناريو في سورية يكون الجيش له الضفة الغالبة لذا جز بالجيش وتم توريطه ،من اجل فقد الثقة بينه وبين الشعب ،ولكي يكون المدافع عن النظام .

2-بهذه القوة الذي يعمد النظام إلى استخدامها في عملية البطش ،ليعلن نفسه حالة موجودة غير قدر احد على تجاهلها، ويجب التعامل معها والقبول بها،والسكوت على كل الأحداث والجرائم التي تم ارتكابها بحق الشعب المسالم الاعزل "القتل التنكيل السجن والظلم ...لان حقد النظام وجماعته على الشعب السوري تساعد العصابات والمافيات على القمع الوحشي.

التعتيم الإعلامي:

عجز النظام السوري من أتاحت الفرصة لوسائل الإعلام العربية والعالمية من التغطية الإعلامية من ساحة الحدث ،"تغطية التظاهرات والاحتجاجات التي يقوم بها الشعب السوري ،كذلك منع صوت المعارضة من التحدث للإعلام ،لكونه اعتبر إن التعتيم الإعلامي سوف يحد من قدرة الاحتجاجات من التعبير ،وعدم نقل الصورة الحقيقية سوف يعطي فرصة ثمينة لإعلامه من "فبركة الأحداث"، و"تقزيم الإخبار"، كما تريد لكي تحد من قوة الخبر والحدث ،فالسماح لوسائل الإعلام من التحرك بشكل علني تعطي مصدقيه لنظام الأسد وإصلاحاته الكرتونية أكثر في الساحة المحلية والدولية .

لقد عمد النظام الأمني إلى منع بث الإخبار الحقيقية في محاولة لترهيب الشارع المحلي من خلال "خبريات تافه"، لا تمت بصلة لما يحدث في الحالة السورية، لقد نسى النظام السوري بأننا نعيش بعصر السرعة والتطور التكنولوجي الذي يسمح بسرعة التواصل الاجتماعي في نقل الخبر وبث الصور السريعة من خلال خدمة ،"الانترنيت والهاتف الجوال والكاميرا ت الرقمية "وخدمات التواصل الاجتماعية الفيسبوك والتويتر"التي هي بدورها تقوم بتسويق الخدمات الإعلامية والصحافية .

لقد كان التعتيم خطة إستراتيجية من قبل النظام الأمني لمنع وصول الصورة الحقيقية إلى العالم، من خلال ماهية الجرائم الإنسانية التي يرتكبها النظام السوري والتي يعاقب عليها القانون الدولي كونها جريمة ترتكب بحق الإنسانية .

إعلام النظام:

لقد روج الإعلام السوري للإصلاحات الحكومية الناقصة والمطعون بشرعيتها من خلال "الفبركات" والأكاذيب،التي بدأت بشنها قنوات النظام وصحفه في تبسيط الأمور،من خلال النظر للذي يجري بكونها مؤامرة تشن وتحاك ضد النظام الممانع، ونعت شعبه بالخونة والمخربين ،والتكفيريين ،والإخوان ،من خلال أفلام تلفزيونية تعمل القنوات السورية على ترويجها وبث في الوسط السوري والعالمي ،"اعترافات لبعض المجمعات التي تم اعتقالها ، أفلام فيديو مركبة لمجمعات تطلق النار على الجيش "ورش الرز والورود على الجيش ودباباته المهاجمة لمنطق ومدن سورية .

أبواق النظام الإعلامية:

يستخدم النظام السوري في حربه ، ضد الشعب كل الوسائل الإعلامية والإعلانية المتاحة له والناطقة باسمه وتدافع عنه وهي :

1- ألصحافه اليومية الناطقة باسم النظام: كل من جرائد "الثورة ،تشرين ،البعث،الوطن السورية ".

 2-مواقع الكترونية ناطقة باسم النظام ،كالشام برس ،والشام نيوز...الخ ".

 3-محطات التلفزيون الأرضية والفضائية "الإخبارية السورية ودنيا الشام ،والتلفزيون السوري ..الخ".

 4- إضافة إلى تلفزيون وصحف أصدقاه في كل من لبنان وإيران والعراق.

5-حتى لا نسى أبدا دور "المعلقين والمحللين السياسيين، الخبراء الاستراتجيين ضيوف الفضائيات العربية والعالمية"، الذين سمح لهم من قبل الأجهزة الأمنية بان يدافعوا عن النظام ورجاله ، ليكون الجنود المجهولين في الدفاع عن النظام وليس عن سورية الشعب والأرض.

الإعلام الأخر:

لقد اعتبر النظام السوري وأجهزته الأمنية كل الوسائل التي تقم بتغطية حثيه للمظاهرات، والاحتجاجات فهي معادية للنظام،لان والوسائل الإعلامية الأخرى تعتمد الدقة والموضوعية في نقل الخبر،هذا لم يتعود عليه النظام السوري في تعمله مع الحدث ونقله للجمهور المشاهد ،لقد تعود الإعلام السوري على التضخيم والتهويل والتبجيل والتصفيق في نقل الحدث، في إعلام ينقل الحقيقية المغيبة هو كاذب ويعمل على نشر الفوضى في سورية ،لان نظرية المؤامرة هي التي تقوم عليها إستراتيجية النظام السوري بشكل عام ،لم يكن جاهز أصلا النظام للتعامل مع الإعلام الفضائي في بث الخبر بشكل سريع وإرساله للعالم ،من هنا أتى غضب النظام على وسائل الإعلام الأخرى التي وجد فيها مفهوم المؤامرة على النظام "،لقد منعت الفضائيات من متابعة الحدث بالطرق الرسمية من خلال التضييق على مراسليها بالتجول والتحرك لتغطية الإحداث ،مما أدى بالفضائيات بالاستغناء عن خدمة المراسلين الميدانين كي لا تسبب لهم بشكل مع الأجهزة ،عمد النظام إلى اعتقال للمراسلين والصحافيين، أغلق اعتماد العديد من الوكالات والمراسلين في القطر السوري .

الجزيرة الفضائية:

اعتبر النظام السوري بان الجزيرة الفضائية هي المكلفة رسميا بملف الدولة السورية من خلال التغطية الإخبارية بشكل كبير للإحداث في سوريا ،مما دفع النظام بشن هجوم شنيع على الجزيرة، ومشيخة قطر، فالجزيرة التي اعتمدت التغطية الإخبارية والتفصيلية لكل الثورات العربية والتي كانت صورتها صدى لصوت الجماهير الثائرة في كافة الأوطان العربية لم تستثني سورية منها،لقد وقفة الجزيرة مع المعارضة الشعبية المحتجة على أنظمتها ،وقفت مع الشعب لان الشعب اقوي واعلي من الأنظمة ،لان الشعب باق والأنظمة إلى زوال .

1-عمل النظام السوري بكل وسائله القمعية على إقفال مكتب الجزيرة في سورية،كان لهم ما أرادوا .

2-عمد النظام إلى الضغط العلني على الموظفين السوريين العاملين في الجزيرة وفي مكتبها الأساسي في الدوحة من اجل الاستقالة.

3- خروج إعلاميين من الجزيرة حلفاء للنظام السوري عن طريق استقالات علنية،مهرجانية تقدموا بها إلى الرأي العام من اجل إحراج الجزيرة في سياستها الإعلامية ،"كغسان بن جدو مدير مكتب لبنان، والمراسل عباس ناصر ،والمقدم فيصل القاسم الذين أصبحوا أصلا عبء على الجزيرة من خلال برامجهم الخلافية،وتغطيتهم الإعلامية الغير موضوعية والمنحازة لفريق ضد آخر،فكان التخلص منه حتى بالاستقالة الشكلية .

4- استخدام العاملين سابقا في قناة الجزيرة وتم تسريحهم لأسباب غير سياسية خاصة بالقناة ،من اجل للتشويش على الجزيرة ودورها،السياسي المشبوه ، كما كانت المقابلة مع المذيعة السورية "لونا الشبل" المطرودة من الجزيرة في برنامج سياسي على قناة الدنيا السورية.

بالرغم من كل شيء ،لا يزال النظام السوري بكل قواها يمارس الضغوط الكبيرة على وسائل الإعلام وفي القلب منها قناة الجزيرة الفضائية.

 مع هذه الصورة الدرامية الهزلية التي ينتهجها النظام السوري مع الإعلام العام ،مع ذلك تسرب الصور إلى العالم،وتثب على الانترنيت ، وتنتشر الإخبار بسرعة، من شهود العيان والناشطون الحقوقيون الذين أصبحوا اليوم ا قوى أكثر، وصدى صوتهم أعلى في التعبير عن ممارسة النظام السوري .

الهتافات الشعبية:

تشكل الهتافات المحرك الرئيسي للشارع المحتج والمتظاهر،هناك العديد من الشعارات التي تردد هي اقتباس من ثورات عربية سابقة ،وهناك شعارات سورية خاصة بالشعب السوري. إما الشعارات والهتافات الأخرى تكمن في"الحرية والوحدة،سورية حرة ، الشعب يد واحدة ،إعلام السوري كاذب سلمية سلمية ،سلمية شهداء بالملين الشعب السوري واحد ،كرد وعرب ،إسلام ، ومسيحية "،هو الرد الفعلي على أقاويل النظام ،فالهتاف الواحد والأوحد في كل المسيرات التظاهرية "الشعبية الشعب يرد إسقاط النظام" هذا الشعار التي أصبحت تدور حوله كل المظاهرات والاحتجاجات السورية بعدما رفع الشعب سقف مطالبه التي تجاهلها النظام ،وكان هدف الشعب أصبح هدفه النهائي هو النظام .

مما لا شك فيه ابد فان رأس النظام هو المسئول الأساسي عن كل ما يحدث في سورية لكونه هو الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة والباقي ما هو إلا تقاسم ادوار لشخصيات سياسية سورية .

طبعا من يراقب سير المظاهرات السورية أصبحنا إمام مسيرات شعبية منظمة في السير والهتافات والشعارات،مما يدل إننا اصحنا إمام حالة شعبية منظمة مركزة تتحكم بالشارع من خلال تلبية للنداءات التي تطلقها قيادة المظاهرات،إلى الخروج بيافطات كبيرة مجهزة سابقا بشعارات موحدة في مدن القطر ،إلى هتافات شعبية تتردد في كافة المظاهرات التي تسير وكأننا إمام مظاهرة واحدة.

حكم الشارع :

بالرغم من القتل والبطش والبلطجة الذي يقوم بها النظام السوري بحق شعبه عن طريق المرتزقة الرسمية "الأجهزة الأمنية والعسكرية الممولة من النظام،بالرغم من جز الجيش العربي السوري في حرب ضد الشعب من خلال حصار المدن واحتلالها عسكريا وامنيا ،فالمظاهرات تخرج من في كافة المدن السورية لنصرة المدن المحاصرة وتردد الهتافات الجمعية بإسقاط النظام.

الشارع السوري قال كلمته في "جمعة التحدي" من خلال الخروج إلى الشارع متحديا كل الأجهزة الأمنية والقمعية والنظام بذاته،لأنه رفع الشعار النهائي الشعب يريد إسقاط النظام . بالرغم من كون النظام السوري يرد الإطباق على كل المدن السورية عسكريا "كدرعا، والتلبيسة ،والرستن ،وازرع ،وداريا ،وتلكلخ "،يريد النظام إخماد صوتها المنادي بالحرية والوحدة ،لكي يمنع شرارة تمددها إلى المدن الكبرى كحلب ودمشق ذات الثقل السكاني والشعبي . لان النظام يخف من اقتراب الموعد المنادي بالرحيل .

لننتظر جميعا تطور الإحداث القادمة في الفلك السوري على مدار هذه الجمعة،وكيف سيكون رد وقمع النظام للمحتجين الذين كسروا القيد والخوف في جمعة التحدي .

ـــــــــــ

* كاتب صحافي ومحلل سياسي

Dr_izzi2007@hotmail.com

=========================

بشار الأسد يقتل شعبه

الدكتور عثمان قدري مكانسي

يعتاد الحاكم المتأله أن يرى في شعبه ذلة واستكانة ورضى بما يفعل رغبة أو رهبة ، أو بالأمرين معاً ( الرغبة والرهبة ) فتراه يبيعهم الشعارات الرنانة التي لا تكلفه شيئاً غير الدعاية الرخيصة والوعود الفارغة واللآمال الكِذابِ التي ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة ، ، فإن استبطأوا تنفيذ الوعود بادئ الأمر وطالبوه تنفيذها استمهلهم مرة ، وأراهم العين الحمراء تارة أخرى ، ولامَهُم على تسرعهم حيناً آخر ، ثم كان توبيخٌ على عدم الثقة بقائدهم ، ثم كان تهديد ووعيد .

وبعد هذا وذاك تنخفض وتيرة السؤال عن الإصلاح عند الكثرة الكاثرة من المجتمع لأنها تؤثِر السلامة ، وخاصة حين تبدأ الاعتقالات وتتوالى للذين فتحوا أفواههم وظلوا يطالبون بحقوقهم ،ثم تخرس الألسنة حين يواكب الاعتقالَ تغييبٌ وقتل ، فتتخلى الناس عن حقوقها فترة قد تكون قصيرة وقد تطول ، في حين تنشأ في المجتمع شريحة وصولية تؤثر السلامة وتصطاد في هذا الجو الخانق ، وهذه الشريحة يعتمد عليها الحاكم الظالم في حكمه الفردي ، فيكونون – للحفاظ على مكتسباتهم الرخيصة – الأيديَ المنفذة لسياسة قمعه وتسلطه . فتنتسب إليه وتكون جزءاً من نسيج دولته .

- حين يعلم الحاكم علم اليقين أنه لم يقدم لشعبه سوى الوعود – إن قدّمها – ولا يفكر أن هذا الشعب سيطالب بحقه عاجلاً أو آجلاً فهو غبي لا يستحق أن يكون رئيساً ،

- وإذا ظن أن عدوى المطالبة بهذه الحقوق لن تصل شعبه فهو أكثر غباء من سابقه ،

 - وحين تأتيه الأخبار من عيونه التي يبثها في كل مكان وهي كثيرة يوجهها لكتم النفوس وإزهاق الأرواح وبث الرعب - – قلعها الله وأعماها – ولا يسارع إلى إصلاح الأمور فهو الغباء بعينه ،

- وإذا اعتقد أن شعبه غير مهيأ لحكم نفسه ولا بد من الوصاية عليه ، وهو الوصي والحاكم بأمره فقد تقدم خطوة إلى الإجرام والإصرار على الإجرام ، وسوف يحرك أجهزته القمعية للفتك بالناس قتلاً وتشريداً واعتقالاً وتغييباً .. زاد على غبائه الإجرام .

هذه (بانوراما) فاقعة لما يجري في سورية الألم وسورية الأمل . الألم من الواقع المرير الذي عاشته في عهد الأب وابنه  من قمع للحريات واحتكار للسلطة وسلب للحقوق ، والأمل الذي بدأت خيوطه تمتد في صباح الخامس عشر – 15- 03- 2011 من آذار ( مارس ) عام أحد عشر وألفين للميلاد . حين انكسر حاجز الخوف الذي لف شعبنا البطل ، فقام يطالب بحقه العادل مشْرِعاً صدره العاري أمام زبانية القاتل بشار الأسد الذين يرمون من هؤلاء الأيطال مقتلاً ، فرصاصهم يستقر (في الرأس والعنق والصدر) . إنهم على كذب النظام الزنيم مندسون وخارجون على القانون ومتعصبون وسلفيون ووو ... والجميع يعلم أن الحاكم ونظامه أفاكون مراوغون وقتلة قذرون. ولن يصدقهم أحد .

هذا ثمن البقاء في كرسي الرئاسة الذي ضمنه له أسياده . فالرصاص العنقودي اشتراه القاتل من أموال الضحايا ليقتلهم به ، لا ليدافع عنهم ضد العدو التاريخي الرابض على حدوده الغربية الجنوبية ، وأمنه المنتشر في كل زاوية من زوايا بلادنا الاسيرة لترويض الشعب على الذلة والخنوع لا للحفاظ على أمن الوطن والمواطن .

عشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين منذ بدأت ثورة الشعب المباركة ضد حاكم  البلاد وزبانيته ، وآلاف القتلة وعشرات الآلاف من الجرحى الذين يدهمهم زبانبة النظام في المستشفيات ليغتالوهم فيها . والحاكم ( مصاص الدماء ) يلغ فيهم ليبرهن لأسياده أنه الجدير بحماية حدودهم ..

ولن تقف عجلة الثورة حتى تدوس هذا الخائن العميل فيكون عبرة لأمثاله ، ولا أظنهم يعتبرون ، فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ، ولو كانوا يعتبرون ما خاضوا في برك الدماء الطاهرة . وجلبوا اللعنة لهم ولأتباعهم . وما أملهم في إخماد الثورة المباركة إلا أمل إبليس في الجنة . وسينتصر الحق المنير على الباطل المرير ، وما النصر إلا بعد الصبر والمصابرة ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .  

=======================

الموقف الأميركي من الإطاحة بالنظام الحاكم في سورية

د. قصي غريب

بعد أن اندلعت الانتفاضة الشعبية ضد النظام الشمولي في العديد من المدن والمناطق السورية، المطالبة بالحرية والحياة الكريمة للشعب السوري، ومواجهة قوات أمن النظام لها باستخدام القوة الغاشمة والعنف الوحشي، فقتلت وجرحت واعتقلت الكثير من المحتجين، واتهمتهم أجهزة النظام وعصاباته وأبواقه المأجورة - المرتزقة - بالتهمة الجاهزة المتهافتة للنظام لكل معارض لشموليته وانغلاقه وتخلفه بانهم (عملاء لاسرائيل والولايات المتحدة الأميركية).

 وانطلاقاً من هنا فان السؤال هو هل ترغب وتشجع الولايات المتحدة بالفعل على الاطاحة بالنظام الحاكم في سورية من قبل الانتفاضة الشعبية ؟ والاجابة لا؛ لان كل المعطيات والدلائل تشير الى عكس ذلك، فعلى الرغم من ان ادارة الرئيس باراك اوباما تتابع ما يجري في سورية وتواكب تطورات الاحداث التي شكلت تحدياً لها، ولكنها لا تمارس الضغط المطلوب على النظام المغلق الدموي في سورية بقصد تغييره وإنما تغيير سلوكه، فهي توجه له انتقادات متحفظة وضعيفة ومتعارضة تتطور بتطور الأحداث؛ لانها لا ترغب بالاطاحة والتفريط به بقدر ما تسعى الى الضغط عليه من أجل تغيير سلوكه لتحقيق أهداف إقليمية لها على حساب دماء وحرية وحياة الشعب السوري، نتيجة لإدراكها للدور الذي يؤديه نظام الرئيس بشار الاسد في قضايا المنطقة لما يمتلكه من أوراق ضغط في لبنان والساحة الفلسطينية والعراق ولعلاقاته مع إيران، فالنظام يبدو للادارة الاميركية لاعب محوري في استقرار المنطقة، فهي ترى أن له دور مهم جداً في عملية السلام، ولهذا فان تصاعد ايقاع حدة التصريحات الأمريكية ضده مع تطور الاحداث تهدف إلى الضغط عليه من أجل إرباكه وانتزاع هذه الأوراق الاقليمية القوية منه. وقد صرحت وكيلة وزير الدفاع الأمريكي ميشيل فلورني أنه يمكن لسورية ان تستعيد استقرارها مقابل التخلي عن تحالفها مع ايران، ودعمها لحزب الله وحماس، وتسهيل عملية السلام مع اسرائيل، كما أن مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية على الرغم من انه قد سخر من عجز الرئيس بشار الأسد عن فهم ضرورة التحرك بسرعة لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها المحتجون، ولكن لم يتحدث عن ضرورة تغيير النظام أو المطالبة بتنحي الرئيس بشار الاسد، مع انه قد استخدم العنف الوحشي والقاتل ضد الشعب السوري، فإدارة الرئيس باراك أوباما تتعامل مع الرئيس بشار الاسد كما لو انه مصلح حقيقي؛ لانها ما تزال ترى أنه من الأفضل للمصالح الأمريكية تشجيع النظام في سورية على تغيير سلوكه وانتهاج طريق الإصلاح، فهي تفضل أن يقود الرئيس بشار الأسد بنفسه عملية تحول ديمقراطي، من خلال تنفيذ سريع لوعود الإصلاح التي طرحها في الماضي والاستجابة إلى مطالب الانتفاضة الشعبية، ولهذا فان السفيرالاميركي في سورية روبرت فورد يقدم يومياً للمسؤولين السوريين وجهة نظر الادارة الاميركية من الأحداث، ويحثهم على ضرورة إيجاد حل سياسي بدل استخدام العنف لحل المشاكل القائمة؛ لأن الادارة الاميركية ترى في تغيير النظام قفْزاً إلى المجهول من منطلق انها أصبحت تمتلك الدراية والخبرة السياسية والدبلوماسية والامنية والاكاديمية الكافية والقادرة على التعامل مع استراتيجيته، فقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن هناك كثيرون يعتقدون أن الرئيس بشار الأسد إصلاحي، وأن واشنطن لا تنوي التدخل العسكري ضد نظامه لوقف حملة استهداف المدنيين؛ لأنها ترى في تغييره قفْزاً إلى المجهول، ولذلك ترغب في الحفاظ على حالة من الاستقرار في سورية. فنظام الرئيس بشار الأسد، رغم سلوكه الذي يبدو للاخرين انه لا تحبذه واشنطن،الا انه أسهل في التنبؤ بما سيقدم عليه في المنطقة من المجهول الذي يمكن أن يسفر عنه سقوطه، خاصة في ظل عدم وجود معاهدة سلام بين سورية وإسرائيل. ولهذا لا ترغب ادارة الرئيس اوباما في الاطاحة والتفريط به؛ لانه منذ وصولها إلى البيت الأبيض مارست سياسة مختلفة عن سياسة ادارة الرئيس جورج دبليو بوش، التي حاولت محاصرة النظام الحاكم في سورية، ولكن لم تكن هناك جدية لإسقاطه؛ لانه كانت محاولة لتغيير سلوكه، فعادت الى اتباع سياسة التعاطي مع نظام الرئيس بشار، ودخلت معه في مرحلة جديدة من الانفتاح والدبلوماسية والحوار قائمة على التركيز على المصالح المتبادلة، وترجع رغبة إدارة الرئيس أوباما في الحوار مع دمشق إلى قناعة واشنطن بفشل سياسة إدارة الرئيس بوش، التي اعتمدت على القوة والعقوبات والعزل، وكانت هناك اسباب عدة وراء هذا التحول من بينها التصور القائم على ان سياسة استخدام الضغط فاشلة، في حين ان سياسة التعاطي مع انظمة مثل نظام الرئيس بشار تحمل في طياتها نجاحاً دبلوماسياً. فقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن هناك كثيرون يعتقدون أن الرئيس بشار الأسد إصلاحي وأن واشنطن لا تنوي التدخل العسكري ضد نظامه لوقف حملة استهداف المدنيين والقضاء على الانتفاضة الشعبية، ورداً على سؤال لشبكة التلفزيون الأميركية "سي بي إس" حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تنوي شن عملية عسكرية ضد سورية على غرار ما تفعل حاليا في ليبيا، قالت كلينتون : " لا، فلكل حالة من هذه الحالات خصوصية منفردة " معتبرة أن ما حدث في سورية من جرائم ضد الانسانية عبارة عن مجرد " أعمال شرطة تجاوزت بوضوح استخدامها للقوة "، ومع تزايد المظاهرات الاحتجاجية ضد النظام وتزايد استخدام العنف الدموي والقاتل من قبله ضد المحتجين، عادت وادانت الوزيرة كلينتون نظام الرئيس بشار، وعبرت عن استنكارها لاستخدام العنف ضد المحتجين في سورية وقالت : " نشعر بالقلق بوجه خاص بشأن الوضع في حمص اذ تشير تقارير متعددة إلى وقوع أعمال عنف وسقوط قتلى ومصابين بين المدنيين والأفراد الحكوميين على السواء، وأشارت إلى أنه يصعب التأكد من ذلك من مصادر مستقلة بسبب عدم السماح للصحفيين بدخول المنطقة " ودعت الحكومة السورية إلى وقف العنف والاستجابة للقضايا المشروعة التي طرحها الشعب السوري، الذي يطالب بإصلاح جوهري ودائم. وادان الرئيس أوباما اعمال العنف التي يستخدمها نظام الرئيس بشار ضد المتظاهرين، وقال في بيان له ان الاسد والسلطات السورية فضلت مصالحها الشخصية عن مصالح واهتمامات الشعب السوري، وعاد وندد بأعمال العنف ضد المتظاهرين وقال في بيان رسمي إن : " هذا الاستخدام المروع للعنف ضد المظاهرات يجب ان يتوقف فوراً ". واعتبر أن الرئيس بشار الاسد " رفض احترام حقوق المتظاهرين واستخدم بدل ذلك الاساليب نفسها التي يستخدمها حلفاؤه الايرانيون ".ورأى ان اعمال العنف هذه تدل على ان اعلان النظام السوري رفع حال الطوارئ لم يكن جدياً. وعلى الرغم من استخدام النظام الخيار الامني في مواجهة الانتفاضة الشعبية، الا ان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر أكد إن الولايات المتحدة لا تعمل على تقويض الحكومة السورية، ولكن على الرئيس بشار الأسد " أن يتعامل مع التطلعات الشرعية لشعبه ". وأضاف : " لا، نحن لا نعمل على تقويض تلك الحكومة "، مضيفاً أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز العمليات الدمقراطية في سورية وفي أماكن أخرى في العالم. وتابع : " الحكومة السورية تعتبر ذلك النوع من المساعدة تهديداً ". وقد جاء الموقف الأميركي في وقت نشرت صحيفة " واشنطن بوست " معلومات منقولة عن موقع ويكيليكس تضمنت قيام الولايات المتحدة بتقديم تمويل سري إلى مجموعات معارضة سورية، وإلى قناة بردى التلفزيونية المعارضة للنظام في سورية. وقد عد أن تسريب هذه الوثيقة في هذا الوقت بالذات؛ هدفه مساعدة النظام في سورية على محاصرة الانتفاضة الشعبية، ومده بما يمكن البناء عليه في حديثه عن مؤامرة خارجية مع العلم ان هذه المعارضة الطارئة التي تعمل بالسخرة السياسية لا تمثل أبداً المعارضة الوطنية السورية الحقيقية وقد أساءت لها كما ان الانتفاضة الشعبية لا علاقة لها مع المعارضة السورية لا فكرياً ولا تنظيمياً.

 وفي سياق هذه المواقف الأميركية القائمة على الادانة والاستنكار والتي تندرج في اطار الاستهلاك الاعلامي أو الخطوات الرمزية، تبنى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة مشروع قرار أميركي يدين النظام في سورية لانتهاكه حقوق الانسان، كما وقع الرئيس أوباما على عقوبات جديدة على شخصيات مقربة من الرئيس بشار الاسد - المسؤول الاول عن ما يحصل للشعب السوري من اراقة دماء واعتقالات - بينهم شقيقه ماهر الاسد ولكنها لم تطاله. وفي الكونجرس الأميركي حث بعض الأعضاء الحكومة السورية على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، وأيدوا حق الشعب السوري في التظاهر، فقد دعا 3 نواب أميركيين الرئيس أوباما الى الاعلان عن ان الرئيس الاسد قد فقد شرعيته، وأيضاً دعا جون ماكين الى فرض عقوبات صارمة وممارسات ضغوط على النظام في سورية، واتهم نواب أميركيون ادارة الرئيس اوباما بالتساهل مع النظام في سورية، كما أعلن البيت الابيض ان للشعب السوري الحق في رسم مستقبله بنفسه وأدان اقتحام الجيش لمدينة درعا، وعدت الخارجية الأميركية تصرفات الحكومة السورية في درعا عقاب جماعي، وأكد متحدث باسم الخارجية الأميركية ان ممارسات النظام في درعا همجية. ودعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الى اعتماد عقوبات أوربية حتى تظهر للقيادة السورية ان ثمة نتائج لهجومها على المدنيين، وأشارت الى أن الولايات المتحدة كانت قد دعت الى وضع حد للعنف ضد السكان، واصفة ما يجري بالقمع الوحشي. وكان قد اختصر الموقف الاميركي من عدم وجود رغبة جدية من قبل الادارة الاميركية لإسقاط نظام الرئيس بشار الاسد انما تغيير سلوكه عندما أعلنت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس خلال جلسة لمجلس الأمن بخصوص الأحداث في سورية : " أن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يغير سلوكه الآن ويكف عن القمع الدامي للمتظاهرين " وقد برر إدوارد جيريجيان، السفير الأميركي السابق لدى سورية والمساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، أسباب التعامل الأميركي المتحفّظ مع الانتفاضة الشعبية السورية فقال : " تخشى الولايات المتحدة من خطَر تردي الوضع في سورية إلى حالة من الفوضى، نظراً لأن المجتمع السوري يتألف من خليط من المسلمين السنة والشيعة والعلويين، الذين رغم كونهم أقلية، استأثروا بمعظم السلطة والمال، وهناك أيضا الدروز والأكراد وخليط آخر من الأقليات المسيحية المختلفة ويمكن أن يؤدي سقوط النظام الحاكم إلى صراع طائفي، لا يقتصر على سورية فقط، بل يمكن أن يشيع موجات من الكراهية والعنف الطائفي وعدم التسامح في دول المنطقة بشكل يخلق كابوساً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ". ورأى السفير جيريجيان أن الولايات المتحدة تفضل أن يقود الرئيس الأسد بنفسه عملية تحول ديمقراطي، من خلال تنفيذ سريع لوعود الإصلاح التي طرحها في الماضي والاستجابة إلى مطالب الانتفاضة الشعبية، بدلاً من ترتيب المظاهرات المساندة له واتهام جهات خارجية بتحريض الشعب على الثورة والاكتفاء بتغيير الحكومة، عوضاً عن تطبيق إصلاحات تلبي مطالب الشعب وقال : " الموقف في سورية خطير في ضوء الإصرار الشعبي على مواصلة الانتفاضة من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة. وتنتظر الولايات المتحدة لترى هل سيردّ النظام السوري على المظاهرات الحاشِدة بالشروع الفوري في الإصلاح أم سيواصل استخدام أجهزته الأمنية في القمع أم سيلجأ إلى شكل من أشكال النموذج الليبي في ردع الانتفاضة الشعبية باستخدام القوة العارمة للجيش السوري في مواجهة متظاهرين سلميين ".

 و بناء على الضوء الأخضر الذي اعطته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لنظام الرئيس بشار الاسد لقهر الانتفاضة الشعبية باستخدام الخيار العسكري ضدها في أثناء ردها على سؤال لشبكة التلفزيون الأميركية "سي بي إس"، فقد شجع بعض المحللين السياسيين والدبلوماسيين الأميركيين النظام المستبد في سورية على استخدام الخيار العسكري ضد الانتفاضة الشعبية من خلال ان الولايات المتحدة لا تملك أوراق ضغط على نظام الرئيس بشار الاسد – هذا ليس دقيق بالمرة –، فالمحلل السياسي جون الترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أكد ان الولايات المتحدة ليس بيدها أية أوراق ضغط تستخدمها ضد النظام في سورية لحمله على وقف القمع الوحشي للاحتجاجات. وعد أن الخيارات السياسية الحقيقية هي هل تحاول اقناع الحكومة بالتراجع وانقاذ نفسها ؟ أم تحاول الضغط لتحويل الأمر وفي نفس الاتجاه ذهب روبرت هنتر السفير الأميركي السابق لدى حلف شمال الأطلسي عن الخيارات الأميركية في تلك الحالة فقال : " من الواضح أنه لن يكون بوسع الولايات المتحدة استخدام قوتها العسكرية ضد النظام السوري، حتى إذا لجأ الأسد إلى القمع الوحشي للمتظاهرين السوريين، كما انه ليست هناك نداءات دولية بالتصدي لمثل ذلك القمع يمكن أن تمهد لقرار من مجلس الأمن. وحتى لو توفَّر ذلك الضغط، فلن يمكن مثلاً استخدام أسلوب فرض حظر جوي على سورية؛ لأن قوات الأمن السورية لا تستخدم الطائرات في قمعها للمتظاهرين، ومن ثم ستجد إدارة الرئيس أوباما نفسها عاجزة بشكل متزايد عن ممارسة ضغط فعال على النظام السوري ". ولم يتوقّع السفير هنتر أن يحذُو الجيش السوري حذو القوات المسلحة في تونس أو في مصر بالتخلي عن مساندة النظام والوقوف إلى جانب الانتفاضة الشعبية، كما رأى أن الولايات المتحدة لن تطالب بتغيير النظام في سورية؛ لأنها تخشى من أن يكون البديل حرباً أهلية أو نظاماً أكثر تطرفاً.

 ولهذا فان الادارة الأميركية على الرغم من جرائم الابادة ضد الانسانية التي قامت بها قوات أمن النظام وعصاباته ومرتزقته ضد الشعب السوري وحصار مدينة درعا وغيرها من المدن والمناطق السورية، والذي كان بضوء أخضر أميركي، ما تزال تراهن على نظام الرئيس بشار الاسد ان يغير سلوكه ليبقى حاكماً على سورية، ويبدو ان الاصلاحات التي تشجع الادارة الاميركية الرئيس بشار الاسد على القيام بها لا تقترب أبداً من تغيير بنية النظام المغلقة، ولا من الاسس الصحيحة للديمقراطية القائمة على احترام حقوق الانسان، والتعددية الفكرية والسياسية، وتداول السلطة سلمياً. ولذلك فانه على الرغم من كل هذه المواقف المترددة من قبل الادارة الاميركية الا انها لا ترقى الى مستوى الاطاحة والتفريط بالنظام الحاكم في سورية، بقدر ما تسعى الى الضغط عليه من أجل تغيير سلوكه وتحقيق بعض الاهداف الاقليمية التي تراها واشنطن من جانبها انها تؤثر في سير العلاقات بالاتجاه الصحيح، والتي يستخدمها النظام الحاكم سورية كأدوات وأوراق ضغط في سياسته الخارجية، ليس من منطلق عقائدي في العلاقات الدولية بقدر ما تكون للابتزاز والضغط على الولايات المتحدة من أجل المحافظة على استمراره وديمومته. ولهذا فقد انتقد بعض الباحثون سياسة الادارة الاميركية من الأحداث في سورية بانها : " لم تكن فقط غير ناجحة في نتائجها بل معيبة في مفهومها واعتبروا " ان مغازلة الاسد من أجل تحقيق الاهداف الاقليمية مع اهمال ما يحدث داخل سورية ليست سياسة واقعية ". كما ادرك بعض المسؤولين من ادارة الرئيس أوباما الحاجة الى تغيير المسار المتبع مع النظام في سورية، فقال لصحيفة نيويورك تايمز ان : " اليوم قد تم القضاء – حرفياً – على أي مصداقية كانت تتمتع بها الحكومة السورية، ... وبالتأكيد ان من مصلحتنا السعي الى التوصل الى الى اتفاق ولكن لا يمكنك ان تعمل ذلك مع حكومة ليس لديها مصداقية مع أبناء شعبها ".

 وبناء على ما تقدم، فان ادارة الرئيس باراك أوباما لا ترغب في الاطاحة بنظام الرئيس بشار الاسد المغلق على ذاته والمتكيفة معه، ويبدو ذلك من التردد في مساندة الانتفاضة الشعبية السورية، ولكن يبقى العامل الأساس في تغيير هذا التردد هو إرادة الشعب السوري الذي يطالب الان باسقاط النظام وليس اصلاحه ويعمل بخطوات حثيثة وواثقة عليه، ومن ثم هو الذي سيحدد هذا الأمر في النهاية، فالإدارة الأمريكية إذا رأت أن إرادة الشعب السوري هي في اسقاط النظام والتحول الى النظام الديمقراطي، فليس من مصلحتها أن تكون ضد هذا الاتجاه، واعتقد ان تغير الموقف الأميركي يبقى متوقف على ارادة الشعب السوري الذي يريد الحياة والذي أمام شجاعته وصلابته ورغبته في اسقاط النظام المستبد سيستجيب القدر له عاجلاً أو أجلاً، لان حاجز الخوف قد انكسر، لاسيما ان مذبحة مدينة حماة في عام 1982 التي اقترفها المرضى لن تتكرر في عصر شباب الشبكة العنكبوتية واليوتيوب والفيس بوك، وعلى الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على مصالحها أن تتعامل مع خيار الشعب السوري القائم على آن للنظام المغلق المتخلف الذي يحكم سورية منذ انقلاب 8 آذار 1963 الأسود أن ينصرف.

==========================

أرجوك يا أبي

رسالة من ابن بار

أبي الحبيب

أرجوك يا أبي لا توقفني، لا أريد أن أعيش حياة ذليلة كالتي عشتها أنت، لا أريد أن أكون حشرة في وطني، لا أريد أن أعيش بلا صوت وبلا رأي وبلا شعور.

إذا كنت رضيت تلك الحياة لأنك تخاف على نفسك وعلى أولادك فأنا لا أريد هذه الحياة لأنني أيضاً أخاف على نفسي وعلى أولادي.

أرجوك يا أبي لا تقنعني، فأنا لا أفكر مثلك، لقد فهمنا ياأبي ورأينا كيف تعيش الأمم من حولنا، عَلِمنا معنا الكرامة ورأينا كيف يُعامل المواطنون في بلدانهم التي تحترمهم.

بماذا تحاول أن تقنعني؟ بان الحكومة تريد الإصلاح؟ نعم أنا أرى إصلاحها في دماء أصدقائي الذين قتلوا، وأرى إصلاحها في عذابات الذين اعتقلوا وأرى إصلاحها في بكاء أطفال درعا الذين حرموا الحليب بعد أن حرموا آباءهم!

بماذا تحاول أن تقنعني؟ بهمجية هذا النظام ووحشيته؟ أنا أعرف ذلك ويعرفه كل من له عينان مفتوحتان، لكن متى كانت همجية خصمك سبباً للاستسلام؟ إن وحشيتهم لا تزيدني إلا إصراراً على عدم الرضوخ لهم، نعم يا أبي لن يحكمنا بعد اليوم هؤلاء المتوحشون، لن أقبل أن تدير بلدي هذه العصابة المجرمة بعد الآن.

أبي : إن كنتم قبلتم الذل حتى تعيشوا، فإن شعار جيلنا هو الموت ولا المذلة. هل سمعت هذا يا أبي، لن يخيفنا الموت ولا السجن، انتهى عصر الخوف يا أبي.

إن كنت تحبني حقيقة يا أبي فاتبعني، أو على الأقل ادع لي بالتوفيق والسلامة.

=======================

عاشت سوريا ... يسقط النظام

عادل عبد الرحمن

خرجت جموع الشعب السوري في العديد من محافظات سوريا الابية بالامس مطالبة بإسقاط النظام. غير عابئة لا بالفرقة الرابعة ولا بعصابات الموت من الاجهزة الامنية وبلطجية النظام. وتميزت بالامس محافظة دمشق وريفها في حي الميدان والبوابة ومساكن برزة وحرستا ودوما وبلدة التل المحاصرة، وغيرها من الاحياء، وهتفت شعارات الثورة والتغيير ضد النظام وزبانيته. وقدمت مدينة حمص البطلة خمسة شهداء على مذبح الانعتاق من النظام الاسدي، ولم تأبه جماهير حمص بالحصار المفروض عليها من المدرعات والدبابات وانتشار عسس النظام البوليسي وبلطجيته، واعتقال العشرات لا بل المئات. وخرجت ادلب وبانياس والقامشلي وبلدة جاسم بالقرب من درعا، وغيرها من البلدات والمدن السورية مطالبة بذات الشعارات.

الجماهير السورية البطلة المتظاهرة كسرت حاجز الخوف. لم تعد وسائل بطش ماهر الاسد الجزار، ولا ازلامه ولا دباباته ولا اسلحتة قادرة على ثني ارادة الشعب. حتى لو اعتقل كل المتظاهرين، وليس فقط رياض سيف او غيره من رواد ثورة الشعب السوري. لان الشعب قال كلمته، وامتشق راية الحرية والكفاح السلمي دفاعا عن خياره الوطني في الحرية والكرامة، وبناء الدولة المدنية، دولة كل مواطنيها.

سقطت احابيل واكاذيب النظام السوري، ولم تعد تنطلي على احد عمليات التزوير والافتراء على الحقيقة. فلا هناك عصابات ولا جماعات سلفية ولا مجموعات مسلحة. لان الشعب السوري رفض، ومازال يرفض السقوط في مستنقع النظام، ولا يريد اللجوء للسلاح. الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية آمنت، وتؤمن بالنضال السلمي، لذا تردد في كل مظاهراتها: سلمية سلمية. والجنود والضباط، الذين سقطوا شهداء خلال الايام السابقة، كانوا من الذين رفضوا إطلاق الرصاص على شعبهم، فكان جزاؤهم من عصابات النظام السوري الاعدام، واتهام ابناء الشعب بقتلهم. ولكن لعبة النظام إفتضحت، ولم يصدقها الناس، ورفضوا إستقبال زلم النظام للتعزية بابنائهم.

كما ان الشعب السوري كفر بتجارة النظام وممانعته، لانها ممانعة لصالح إستمرار عمليات القمع والتنكيل بالشعب وقواه السياسية الحية. ممانعة البطش والاعتقال لالاف المواطنين والمناضلين من ابناء الشعب السوري العظيم، ممانعة الالتفاف على قانون الطوارىء ومحكمة امن الدولة، ممانعة التواطؤ وتقديم الخدمات المجانية لصالح اسرائيل والولايات المتحدة.

آن للرئيس بشار الاسد، ان يوقف مهزلته، وان يضع حداً لشقيقة البلطجي ماهر ولكل من معه، الذين تجاوزوا كل منطق في استباحة حرمات المواطنين الابرياء والعزل، الذين لم يفعلوا شيئا سوى المطالبة بحريتهم وكرامتهم، واستعادة دور النظام السياسي من القتلة امثاله. وكما تم تلفيق عملية تنصيبك رئيسا لسوريا خلال ثمانية واربعين ساعة عام 2000، بإلامكان ان إتخاذ القرارات والاجراءات الكفيلة بوقف المجزرة الوحشية التي ترتكب صباح مساء من عصابات النظام، التي يقودها القاتل ماهر حافظ الاسد. لان سوريا الدولة والشعب، ليست ملكا لآل الاسد ولا لإحد. صناديق الاقتراع الحرة والنزيهة، هي الكفيلة بتقرير من يقود سوريا ويعيد لعا الاعتبار والمكانة التي تليق بها في اوساط الشعب، وفي المنظومة العربية والاقليمية والدولية. بتعبير آخر حرية سويا اغلى واعظم من آل الاسد ومن كل الحكام، اغلى من نظام الفساد والقمع وتكميم الافواه، نظام مهادنة الاسرائيليين والاميركان.

من الممكن دكتور بشار، ان تستطيع خنق الحريات وقتل واعتقال المئات والالاف من ابناء الشعب، وممكن ان تطيل امد حكمك فترة من الزمن، ولكنك لم تعد، ولم تكن اساسا رئيسا شرعيا لسوريا الشعب. وسوريا التي تعرفها، لم تعد هي ذاتها ايها الرئيس الشاب، لذا من الافضل لك ولعائلتك ان تسلم بشكل ديمقراطي مقاليد الامور للشعب، من خلال المباشرة فورا بتشكيل لجنة دستورية لتغيير الدستور، واجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية العام الحالي، والافراج فورا عن كافة المعتقلين السياسيين، والتعويض على المواطنيين الذين إنتهكت حرماتهم، وفقدوا ابناؤهم، وكل من تضرر من جرائم ادوات قمع نظامك الاستبدادي، وسن قانون اعلامي جديد يشرع الابواب امام حرية الرأي والتعبير، وضمان حرية تشكيل الاحزاب السياسية، وتغيير قادة الاجهزة الامنية جميعا. والسماح بعودة كل المبعدين دون قيد اوشرط، والكف عن التدخل بالشؤون العربية وخاصة اللبنانية والفلسطينية.

لكن المراقب لسياق تطور الاحداث يبدو، انه بات مقتنعا بان عربة النظام تسير نحو الهاوية، لان عصابات ماهر لم تعد تستطيع العودة للخلف، كما يبدو ان الرئيس بشار لم يعد قادرا على كبح جماح اخوه الازعروالمارق. وقادم الايام كفيل بإماطة اللثام عن مستقبل سوريا الشعب، الذي لن يكون إلآ لانتزاع سوريا من النظام الساقط، الذي استبد بمصير الشعب منذ العام 1970.

a.a.alrhman@gmail.com

=========================

مفارقات.. في مجرى الثورات العربية

نبيل شبيب

من يتابع الثورة العربية في أكثر من بلد، لا يكتشف فقط أنّها تطوي حقبة وتبدأ حقبة أخرى من التاريخ، بل يكتشف أيضا أنّ كثيرا ممّا كان يتردّد الحديث عنه أثناء حقبة الاستبداد الفاسد، ويبدو بعيد المنال، أو من شطحات الخيال، قد أصبح بالفعل حقيقة واقعة.. في بلد بعد بلد، ومن ذلك ما يبدو من المفارقات، وهذه نماذج معدود عنها.. فما نرصده من هذا القبيل أكثر من أن يحصى.

 

الثورة الأولى في عاصمة القمع

المفارقة الأولى مرتبطة بطبيعة الاستبداد، فليس مجهولا أنّ البلدان العربية قد مزّقتها سياسات الأنظمة، فلم يكن تلاقيها ظاهرا للعيان قدر ما كان ظاهرا على صعيد التعاون في ميادين المخابرات، ومصادرة الحريات، وانتهاك الحقوق، وتطويع وسائل الإعلام، فكان أنشط المؤتمرات الوزارية العربية، ما يجمع وزراء الداخلية، نادرا ما يغيب عنه وزير، أو يلغى بسبب خلافات، كما يحدث عادة حتى في مؤتمرات القمة، ونادرا ما تصدر عنه توصيات، لا تبلغ قيمتها قيمة الورق والحبر، فقد تخصص مؤتمر وزراء الداخلية بإصدار المواثيق، وتميّز بتطبيقها بدلا من نقضها بعد انفضاض المؤتمر، ولأن تونس كانت في عهد الاستبداد الهارب أمام الثورة، أشهر من سواها في ابتكار أساليب القمع وممارستها، كانت مؤتمرات القمع الوزارية تنعقد فيها غالبا.. أوليس من المفارقات أن تنطلق من تونس مسيرة الثورة العربية، وأن تكون انطلاقتها بالذات ضدّ ما صنعته دولة المخابرات القمعية.. فبدأت بها مسيرة توحيد الشعوب العربية ضدّ الاستبداد، لتحل محلّ "وحدة وزراء الداخلية" على القمع.

 

مصادر أدوات القمع

المفارقة الثانية من طبيعة التعامل الدولي مع البلدان العربية، قبل الثورة وبعد انطلاقها، وليس مجهولا أنّ الدعوة إلى انهاء الاستبداد والقمع، وإلى إقرار الحريات والحقوق، دعوة لا تنقطع على الألسنة السياسية والإعلامية في الدول الغربية، وكلّما أرادوا حصار بلد من البلدان لأغراض ترتبط بالهيمنة وليس بحريات الشعوب، جعلوا من الاستبداد والقمع ذريعة!..

مع انطلاق الثورة التونسية "تعجّلت" فرنسا في عرض استعدادها لدعم المستبد في محاولة قمعه للثورة، بخبراء القمع وأدواته، وأثناء الثورة الليبية وردت الأخبار عن أدوات قمع يستوردها المستبد من أسبانيا وبريطانيا، وعندما طرح الاتحاد الأوروبي قائمة ما يريد منع تصديره غلى سورية تحت عنوان "عقوبات" للمستبد فيها ومحاولات قمع لثورة، أوردت القائمة موادّ أوروبية الصنع لا يمكن أن تُستخدم إلا في عمليات القمع..

ببساطة.. يصدّرون أدوات القمع للمستبدين.. ويعلنون مطالبتهم ألا يقمع المستبدون الشعوب.. ثم يقولون إنّ الدوافع الإنسانية وراء ما يسمّى "عقوبات" يفرضونها.. والسؤال: علام لا يوقفون تصدير أدوات القمع إلى المستبدين الذين يستخدمونها الآن وفي كل وقت، ولكن لم تبدأ الثورة في الأقطار التي يتسلّطون عليها بعد!..

 

المستبد يعاقب نفسه

مفارقة ثالثة ترتبط بمصير الاستبداد.. مؤخرا اعتقلت الشرطة في ألمانيا ثلاثة أشخاص متهمين بالتخطيط لعملية تفجير، هؤلاء –كما هو الحال في كثير من الدول- لا يُسمح باستمرار اعتقالهم أكثر من 24 ساعة، فلا يُقرّر الحبس على ذمة التحقيق إلا القضاء المختص، وفق قوانين دستورية واضحة..

وتنقل الأخبار الواردة من مصر الثورة، أنّ النائب العام يصدر أمرا بعد آخر، بحبس رؤوس الاستبداد والفساد من النظام الذي قوّضت الثورة أركانه، لخمسة عشر يوما بعد أخرى.. ويمكن أن يستمرّ في ذلك دون حدّ زمني، وهذه ممارسة جائرة باسم قوانين سارية المفعول، ولكنّ القوانين الحالية في مصر تحتاج إلى بعض الوقت لتتبدّل، فما يُطبّق على رؤوس الاستبداد والفساد الآن، هو الذي شرّعه المستبدون ظلما وعدوانا لقهر شعب مصر لعدّة عقود..

ما يجري في مصر الآن يمثل دعوة للمستبدين في بلدان عربية أخرى.. ألاّ يستمرّوا في تشبّثهم بالنصوص الفاسدة غير المشروعة، التي يعتبرونها قوانين، وهي مفتقرة إلى مختلف معايير العدالة والحق واحترام الكرامة الإنسانية.. ولبضعوا في الحسبان أنّهم سيجدون أنفسهم قريبا وراء القضبان، وقد يُعاملون وفق تلك النصوص بمثل ما عاملوا الشعوب به ظلما وبغيا وتجبّرا، أو ببعض ذلك على الأقلّ.

 

حصار وحصار

مفارقة رابعة وأخيرة.. وإن كانت القائمة طويلة، وهي مفارقة مؤلمة في الأعماق، أن نشهد هذه الأيام بعد انتصار ثورة شعب مصر، كيف ظهرت تباشير وضع نهاية للحصار الإجرامي حول قطاع غزة وأهلها، بمشاركة النظام الاستبدادي الذي أسقطته الثورة.. وأن نشهد في هذه الأيام أيضا، فرض الحصار على مدينة درعا الأبية في جنوب سورية –ومدن أخرى سواها- أثناء محاولة القمع الدموي الاستبدادي، الذي ما يزال مستمرا في سورية الأبية.. مع وجود فوارق بين الحصارين، فأحدهما كان بمشاركة إسرائيلية والآخر ينفرد فيه نظام دولةٍ ممانعة.. وأحدهما لم يشمل المواد الغذائية والدواء والوقود إلا بين حين وحين، والآخر بدأ بذلك على الفور بل شمل حتى منع حليب الأطفال عن أطفال درعا.. وأحدهما (وهو حصار إجرامي رهيب مفجع استهدف أهل غزة) لم يصل إلى قطع وسائل الاتصال بالعالم الخارجي، والثاني حصار إجرامي رهيب مفجع أيضا، وشمل قطع وسائل الاتصال عن أهل درعا.. الذين حرّكت بطولتهم شعب سورية بأجمعه، وأثار صمودهم اهتمام العالم بأسره.

تحية إلى أهل درعا وحوران.. إلى شعب سورية الثائر في كل مكان، إلى شهدائهم وجرحاهم، إلى الشهداء والجرحى من ضحايا الاستبداد في كل أرض، إنّهم هم الذين يجعلون من الثورات العربية ثورة واحدة، وسيجعلون من مستقبل هذه المنطقة العربية والإسلامية مستقبلا مشتركا بعون الله.

========================

أيها الإسرائيليون موتوا بغيظكم

د. مصطفى يوسف اللداوي - دمشق

أيها الحاقدون المتضررون من الوحدة الفلسطينية، ومن عودة المياة الوطنية الفلسطينية إلى مجاريها الطبيعية، أياً كنتم، عرباً أو عجماً، فلسطينيين أو إسرائيليين، غرباً أو شرقاً، موتوا اليوم بغيظكم، ولتأكل الحسرة نفوسكم، وليحرق الحقد قلوبكم، وليفتت الكره أكبادكم، فإننا عازمون على الوحدة، وماضون في تنفيذ الاتفاق، والالتزام بالمصالحة، فقد قررنا أن نتفق ونتحد، وأن تكون لنا حكومةٌ واحدة، وسلطة واحدة، وأن تتحد أهدافنا ضد العدو الإسرائيلي المحتل لأرضنا، الغاصب لحقوقنا، وألا نلتفت إلى الوراء إلا بما يحقق لشعبنا المزيد من الأمن والاستقرار، وبما يخفف عنهم المعاناة، ويحقق لهم العيش الآمن الحر الكريم، ولن يكون بعد اليوم في سجوننا مكانٌ لغير المجرمين والعابثين بأمن الوطن والمواطنين وسلامة ممتلكاتهم، ولن يكون في السجون الفلسطينية معتقلون على خلفياتٍ سياسية، أو بسبب إنتماءاتهم الحزبية، وأراءهم الداعية لاستمرار المقاومة والصمود إلى حين تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى للشعب الفلسطيني.

أيها الحاقدون الكارهون لشعبنا، والعابثون بمقدرات أمتنا، يا من تسعون لتحقيق مكاسب شخصية، ومنافع فئوية، ولا تهمكم مصالح شعبكم، ولا ثوابت قضيتكم، ولا قيم أمتكم، أيها الخائفون على مصالحكم، القلقون على ما في جيوبكم، وقد هددت الوحدة والمصالحة الوطنية ما بنته أيديكم من منافع ومكاسب غير مشروعة، اعلموا أننا ماضون في طريق الوحدة والاتفاق، ولن نلتفت إلى مساعيكم المخربة، ولا إلى جهودكم المفسدة، فإنكم والإسرائيليين سواء، قد أغاظتكم المصالحة، وأضرت بكم الوحدة، وهددت مصالحكم صدقية الاتفاق، نعلم أنكم لن تقفوا أمام المصالحة مكتوفي الأيدي، ولن تحترموا إرادة شعبكم، ولن تقبلوا بأن يقود الخيرون والصالحون من شعبكم مسيرة الوطن، وستتواصل مساعيكم لإفساد ما قد تم التوصل إليه، ولكنا قررنا البناء، وعزمنا على الاتفاق، وستكون لنا الغلبة، ولشعبنا النصر.

ولكن المصالحة لا تتحقق بالخطابات الرنانة، ولا بالكلمات العامة، ولا بالابتسامات أمام الكاميرات، أو المصافحات وتبادل الكلمات أمام وسائل الإعلام، أو بالتوقيعات والشهادات والمصادقات، كما أنها لا تتحقق بالأماني ولا بالتهاني والاحتفالات، ولا برفع الرايات والأعلام، ولا بتوزيع الحلوى والمشروبات، ولا بالخروج إلى الشوارع والطرقات، وإطلاق العنان لأبواق السيارات، وهتافات الشباب، فهذه كلها مظاهرٌ كنا نتوق ونتطلع إليها، لتعبر بصدق عن عميق فرحتنا للمصالحة التي اشرأبت لها أعناقنا طويلاً.

ولكن المصالحة التي تكيد الأعداء، وتغيظ الخصوم، وتفرح الأصدقاء، وتدخل البهجة والمسرة في قلوب المواطنين، وتحقق رغبات ودعوات الشباب الذين نادوا بالمصالحة والوحدة وإنهاء الإنقسام، تتطلب نوايا صادقة، وجهوداً خيرة، وعملاً حثيثاً، وإيثاراً لافتاً، واستعداداً للتضحية، وتجرداً حقيقياً، وتفانياً مثمراً، وتناسياً للذات، وتقديماً للعام على الخاص، وللوطني على الحزبي.

المصالحة الحقيقية تتطلب تطهيراً للقلوب، وصفاءاً للنفوس، وتطبيقاً أميناً لبنود الوحدة والمحبة والتفاهم واللقاء، فلا نتربص بأنفسنا الدوائر، ولا نكيد لبعضنا، ولا نحاول الخداع ولا التآمر، ولا الكذب والتدليس، ولا المماطلة والتأخير، ولا نسعى لكسبٍ فئويٍ على حساب الآخر، ولا نصغي السمع لإسرائيل وأبواقها، ولا نأمن مكرها، ولا نسمح لها ولعملاءها بإفساد اتفاقنا، وتخريب مصالحتنا، وتفتيت جهودنا، وتمزيق وحدتنا، وذهاب كلمتنا، فهي غاضبة من الاتفاق، ومنزعجة من المصالحة، وقد هددت باسقاطه، ودعت رئيس السلطة الفلسطينية إلى التراجع عنه، وخيرته بين شعبه والانحياز إلى عدوه، وإلا فستجوع الشعب، وستحاصر المدن والقرى الفلسطينية، وستؤلب المجتمع الدولي على السلطة الفلسطينية، وستدعوه لسحب الاعتراف بأي حكومةٍ فلسطينية، ما لم تعترف بإسرائيل، وتقر بكل الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة معها، لذا فلا نعود من القاهرة التي جمعت كلمتنا، ووحدت صفنا، ومكنتنا من الاتفاق تحت ظلالها، فنفسد بالتطبيق ما قد فرحنا بالتوقيع عليه، وتعاهدنا بالمضي فيه.

فحتى تكون المصالحة حقيقية وجادة لا بد من الإسراع في تنفيذ بديهياته الأولى التي ينتظرها الشعب الفلسطيني كله، والتي لا يمكن الانطلاق بدونها، ولا المضي في تنفيذ المصالحة بغيرها، وهي الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين في السجون الفسطينية، على خلفياتٍ سياسية وأمنية، وتقييد يد الأجهزة الأمنية، ومنعها من التصرف في حقوق وحريات المواطنين، ومحاسبة المخالفين منهم، ومعاقبة الذين أجرموا منهم في حق الشعب الفلسطيني، والسماح بحرية التنقل من بين غزة ورام الله، ووقف كافة حملات التراشق الإعلامي والسباب والإهانات المتبادلة، التي شوهت صورة شعبنا ونضالاته التاريخية، وإعادة جميع الموظفين المعزولين إلى وظائفهم وأعمالهم، وإعادة الرواتب المقطوعة، والحقوق المسلوبة، وتمكين كل الأطراف من حرية العمل والتأطير والتنظيم، واستعادة مقراتهم ولجانهم وجمعياتهم وأموالهم المصادرة، ورفع القيود المفروضة على نشطاءهم ورموزهم، وتمكينهم من إحياء مناسباتهم وعقد اجتماعاتهم واحتفالاتهم، فهذه الحريات والأحاسيس والحاجات الخاصة التي فقدت يحتاج إليها الفلسطينيون قبل المباشرة في تشكيل الحكومة، أو الإعداد للإنتخابات أو غيرها مما تم الاتفاق عليه، لأنه بدون تحقيقها ستفشل كل الأهداف الأخرى، وسنعود إلى نقطة البدء، وسيكون مصير القاهرة كمصير مكة لا فرق.

عامة الفلسطينيين في الوطن والشتات هم أكثر الناس فرحاً بالإتفاق، وهم الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين العامة للاحتفال بالمصالحة، ورجم الإنقسام بكل حجارة الوطن، وتشييعه بكل لعنات المخلصين من أبناءه، آملين أن تكون مرحلة الإنقسام ذكرى لا تعود، وأزمة لا تتكرر، فهم أكثر المستفيدين من المصالحة والاتفاق، كما كانوا هم أكثر المتضررين من الفرقة والانقسام، فهم اليوم فرحون ومبتهجون، وبعالي صوتهم يصرخون، أيها الإسرائيليون ومن والاهم، موتوا اليوم بغيظكم، فقد عرفنا الطريق، والتزمنا المنهج، وعزمنا على المسير، فيا أيها المفاوضون من أبناء الوطن، لا تخيبوا رجاء شعبكم وأمتكم، ولا تقتلوا الفرحة التي سكنت قلوبهم، ولا تغتالوا البسمة التي رسمت على شفاههم، ولا تحيلوا آمالهم إلى آلام، وأفراحهم إلى أحزان، ولا تمكنوا العدو من الشماتة بكم وبشعبكم، وكونوا جميعاً يداً واحدة، وصوتاً واحداً، وتعالوا على حساباتكم وحزبياتكم وتنظيماتكم، وباشروا في تنفيذ الاتفاق، ولكن بما نلمس ونحس، وبما نرى ونسمع، وبما نكون عليه شهوداً نؤيد وندافع.

======================

في ذكرى تأسيس"منظمة العفو الدولية"

نصف قرن من النضال من أجل حقوق الانسان

الدكتور عبد القادر حسين ياسين*

في مثل هذا اليوم قبل خمسين عاماً ، في السابع من أيار (مايو) 1961 فتح المحامي البريطاني الشابPeter Benenson بيتر بيننسون صحيفة The Observer "الأوبزيرفر" اللندنية ليقرأ الخبر التالي:

 

"أصدرت محكمة برتغالية حكما بالسجن ضد ثلاثة طلاب برتغاليين يقضي بسجنهم لمدة ثلاثة أعوام بسبب رفعهم الكؤوس في إحدى الحانات على نخب الحرية ."

 

وفي اليوم التالي كتب بيننسون مقالا بعنوان"السجناء المنسيون" حثَّ فيه الجميع على الشروع حالا بالعمل، وبلا تحيز، من اجل ضحايا القمع السياسي.

 

ومما جاء في ذلك المقال:" ... افتحوا صحفكم في أي يوم من أيام الأسبوع ، فستجدون خبراً وارداً من مكان ما في العالم عن شخص ما قد سُجن أو عذب ، أو أعدم ، لأن آراءه السياسية ، أو معتقداته الدينية ، أو أصوله العرقية ، لا تصادف قبولا لدى حكومته".

 

وخلال شهر واحد من نشر ذلك المقال تقدم اكثر من ألف شخص من دول مختلفة ، وأبدوا استعدادهم للمشاركة في جمع المعلومات عن حالات السجناء السياسيين والمعتقلين ، والتعريف بها ، والتدخل في شأنها لدى الحكومات . وهكذا ، فإن ما بدا في شكل دعاية واضحة أصبح يعرف ب "منظمة العفو الدولية" أو (Amnesty International) .

منظمة العفو الدولية هي حركة عالمية يناضل أعضاؤها من أجل تعزيز حقوق الإنسان. ويستند عمل المنظمة على بحوث دقيقة وعلى المعايير التي اتفق عليها المجتمع الدولي. وتتقيد المنظمة بمبدأ عدم التحيّز، فهي مستقلة عن جميع الحكومات، والأيديولوجيات السياسية، والمصالح الاقتصادية، والمعتقدات الدينية.

وتحشد منظمة العفو الدولية في إطار عملها نشطاء متطوعين، وهؤلاء هم أناس يكرسون وقتهم وجهدهم طواعيةً للتضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. تضم المنظمة اليوم اكثر من 2.8 مليون من الأعضاء والأنصار فيما يزيد عن 150 دولة. وينتمي هؤلاء إلى مختلف فئات المجتمع، وتتنوع - إلى أبعد حدٍ - آراؤهم السياسية ومعتقداتهم الدينية ، ولكن ما يجمعهم ويؤلف بينهم هو ذلك الإصرار على العمل من أجل بناء عالمٍ ينعم فيه كل فرد بالحقوق الإنسانية.

 

تسعى منظمة العفو الدولية، على أساس من الاستقلال والنزاهة والتجرد، إلى تعزيز احترام جميع حقوق الإنسان المنصوص عليها في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان". وترى المنظمة أن حقوق الإنسان كلٌ لا يتجزأ، ويعتمد بعضها على بعض، ومن ثم يجب أن ينعم جميع الناس ، في كل زمان ومكان ، بحقوق الإنسان كافةً، وينبغي ألا يكون التمتع بطائفة من الحقوق على حساب الحقوق الأخرى.

وتسهم منظمة العفو الدولية في ترسيخ احترام المبادئ الواردة في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"عن طريق التصدي قولاً وفعلاً لانتهاكات الحقوق المدنية والسياسية الأساسية للأفراد.

بمجرد أن تتيقن منظمة العفو الدولية من أن ثمة حاجة للتحرك من أجل إنقاذ واحد أو أكثر من الضحايا، فإنها تبادر على الفور بحشد طاقات أعضائها في شتى أنحاء العالم. فانتهاكات حقوق الإنسان أمور مشينة، ومن ثم يحاول مرتكبوها إخفاء جرائمهم. وفي المقابل، تسعى منظمة العفو الدولية إلى تقصي الحقائق بكل دقة وتمحيص، فتوفد خبراءها للتحدث مع الضحايا، وحضور المحاكمات، ومقابلة المسؤولين ونشطاء حقوق الإنسان في البلد المعني. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم المنظمة بجمع المعلومات عن طريق متابعة آلاف المواد التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال الصلات مع مصادر المعلومات الموثوق بها في مختلف أرجاء العالم.

 

وثمة أهمية قصوى لذكر الحقائق بدقة ونزاهة. وفي الأمانة الدولية للمنظمة في لندن يعمل ما يزيد عن 350 موظف فضلاً عن عشرات المتطوعين. ويتولى إجراء البحوث خبراء أكفاء، ويعاونهم عدد من المتخصصين في ميادين متنوعة مثل القانون الدولي والإعلام والتكنولوجيا.

 

ما أن تنتهي المنظمة من جمع المعلومات وفحصها حتى تضعها أمام أعين الحكومات، فتقوم بنشر تقارير مفصَّلة وبإبلاغ وسائل الإعلام المختلفة، وعرض بواعث قلقها على الملأ من خلال كتيبات وملصقات وإعلانات ونشرات إخبارية ومواقع على شبكة الإنترنت.

 

وفي الوقت نفسه، يسعى أعضاء المنظمة وأنصارها في سائر أنحاء العالم إلى حث الرأي العام على ممارسة ضغوط على من بيدهم مقاليد الحكم وغيرهم من ذوي النفوذ من أجل وضع حدٍ للانتهاكات. وتيسّر المنظمة لكل شخص أن يرسل مباشرةً خطابات ومناشدات تعكس بواعث القلق إلى مَنْ يمكنهم تغيير الوضع.

 

وتتباين أوجه نشاط المنظمة، من المظاهرات العامة إلى حملات كتابة الرسائل والمناشدات، ومن برامج تعليم حقوق الإنسان إلى إقامة حفلات موسيقية لزيادة الموارد المالية، ومن إرسال مناشدات من أجل أحد الضحايا إلى تنظيم حملات عالمية عن بلد أو قضية بعينها، ومن الاتصال بالسلطات المحلية في إحدى الدول إلى كسب التأييد على مستوى المنظمات الحكومية الدولية. ولا تدخر منظمة العفو الدولية جهدا في العمل على تغيير مواقف الحكومات والقوانين الجائرة، فتحرص دوماً على تزويد وسائل الإعلام والحكومات والأمم المتحدة بالمعلومات الموثقة، مع حثها على اتخاذ إجراءات فعَّالة.

 

يعمل أعضاء منظمة العفو الدولية وأنصارها في كافة أنحاء العالم على إرسال آلاف المناشدات من أجل أشخاص أو جماعات تحيق بها المخاطر، وإذا تبين أن ثمة حاجةً لتحرك عاجل في مكان ما، يُبلَّغ المتطوعون في كافة أنحاء العالم ، وفي غضون ساعات قلائل تكون آلاف الخطابات قد أُرسلت بالبريد أو الفاكس أو البريد الإلكتروني.

 

كل واحد من "سجناء الضمير" (prisoners of conscience) الذين تنشر حالاتهم تتبنى قضيتهم مجموعة أو اكثر من الجماعات التابعة لمنظمة العفو الدولية، والتي تتشكل من أعضاء محليين من مختلف دول العالم يتطوعون للعمل مع المنظمة، ويقومون بحملات دعاية منظمة من اجل إطلاق سراحهم . ويعتمد هذا النشاط على معلومات دقيقة ومحايدة ويهدف إلى تقديم مساعدات عملية إلى الضحايا وعائلاتهم.

 

وتنظم منظمة العفو الدولية ايضا الحملات التي تطالب بالقضاء على اساليب التعذيب والغاء عقوبة الاعدام التي تنفذ بحق السجناء . ويشمل ذلك محاولات منع التعذيب والقتل في الحالات التي يؤخذ فيها الافراد إلى أماكن التعذيب المعروفة، أو في حالات فرض عقوبة الإعدام عليهم .

 

ما هي النتائج؟

 

في نفس الاسبوع الذي صدر فيه الحكم على طالب بكلية الحقوق بالسجن لمدة ثلاث سنوات في كولومبيا، حيث القي القبض عليه ، وجَّهت المنظمة نداء الى الحكومة الكولومبية تطالبها فيه بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين . وبعث والد المعتقل برسالة إلى منظمة العفو الدولية جاء فيها: "لقد شعرت بفضل النداء الذي قدمتموه، فقد رفعتم صوتكم للدفاع عن ابني.. إن منظمة العفو الدولية ضوء ينير هذا العصر الذي نعيش فيه، وخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين تظلم عيونهم عندما تغلق ابواب السجن خلفهم ، وعن طريق التضحيات التي تقدمونها تمتد أشعة النور لتشمل دائرة تتسع يوما بعد يوم لتصل إلى أولئك الذين يحتاجون إلى النور( وما أكثرهم في بلادنا) في غياهب السجون والمعتقلات."

 

بعض المعتقلين جرى إطلاق سراحهم بعد تبني قضاياهم ، والبعض الآخر حصل على حريته بعد صدور قرارات العفو العام، والباقون امضوا فترات العقوبة المقررة قبل استعادة حريتهم.

 

والمنظمة لا تنسب لنفسها الفضل في إطلاق سراح أي سجين أو معتقل سياسي ، حتى إذا كانت تبحث في قضيته وتتبناها أو تنظم الحملات التي تهدف إلى إطلاق سراحه، ولكنها لا تضن بأي جهد في سبيل تحقيق أهدافها. وتحاول منظمة العفو الدولية أن تقدم مساعدات حقيقية لاصحاب القضايا التي تتبناها. وتعتبر الدعاية الدولية عن قضاياهم أمرا في غاية الأهمية ، وكذلك إرسال رسائل ونداءات . وغالبا ما تقوم بعثات المنظمة بمقابلة السجناء، وقد تضم أطباء للكشف على ضحايا التعذيب وتساعد في تامين علاج افضل للسجناء.

 

كما تعمل المنظمة ، على قدر الامكان ، على تأمين الرعاية الخاصة واعادة التأهيل بعد إطلاق سراحهم. وصناديق المعونة ينفق ريعها في شراء الأطعمة والملابس والاحتياجات الأخرى لكل من السجناء وعائلاتهم .

 

تعلق منظمة العفو الدولية أهمية كبرى على مصداقية ودقة وحيادية تسجيل الحقائق. وتعتمد أنشطتها على البحث العميق في الادعاءات التي تشير إلى الانتهاكات ضد حقوق الإنسان .وتقوم الأمانة العامة بجمع وتحليل المعلومات من مجموعة كبيرة من المصادر المختلفة التي تشمل مئات الصحف والمجلات والمطبوعات والنشرات الحكومية وتقارير المحامين والنصوص الإذاعية علاوة على آلاف الرسائل التي تتلقاها من المعتقلين أو أفراد أسرهم. وتتحمل منظمة العفو الدولية المسؤولية الكاملة عن التقارير التي تنشرها .

 

تعتبر منظمة العفو الدولية هيئة محايدة أنها لا تؤيد ولا تعارض أية حكومة أو نظام سياسي كما أنها ليست بالضرورة تؤيد أو تعارض أفكار السجناء الذين تسعى جاهدة إلى حماية حقوقهم واهتمامها الوحيد ينحصر في احترام حقوق الإنسان التي تتعرض إلى الانتهاك في أية قضية ، بصرف النظر عن أيديولوجية الحكومة أو معتقدات الضحايا. ومن خلال جهودها التي تهدف إلى تحريك الرأي العام العالمي ، فإن منظمة العفو الدولية لا تؤيد ولا تعارض حملات المقاطعة الاقتصادية أو الثقافية ، ولكنها تقف بحزم ضد إرسال المعدات العسكرية، ومعدات الشرطة وقوات الأمن والخبراء من الأسواق العالمية إلى الحكومات التي تستخدمها في اعتقال سجناء الضمير وتعذيبهم وإعدامهم .

 

من نافلة القول إن احترام حقوق الإنسان وحمايتها تعتبر مسؤولية عالمية. وهذا المبدأ تقره الأعراف والمواثيق الدولية وتعترف به الهيئات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة. والحكومات الآن عرضة للمساءلة الشعبية وهي مسؤولية قبول حق المنظمات الدولية في توجيه الأسئلة والتعبير عن مخاوفها عندما تتعرض حقوق الناس إلى أي اعتداء.

 

الاستقلال المالي للمنظمة

 

تعتمد منظمة العفو الدولية على تبرعات أعضائها ومؤيديها، وهي تؤمن بأن استقلالها المادي يعتبر أمرا حيويا بالنسبة لنشاطها، تماما مثل استقلالها السياسي. وقد وضعت المنظمة قواعد صارمة بالنسبة لقبول التبرعات لكي تضمن أن لا يؤثر ذلك على استقلالها ونزاهتها، ويجعلها تعتمد على مصدر محدد للتبرعات، أو يحد من نشاطها. وحتى الآن فإن الجزء الأكبر من ميزانية المنظمة يأتي من التبرعات الفردية الصغيرة، ومن رسوم العضوية والحملات الذاتية لجمع التبرعات المحلية. ولا تحصل منظمة العفو الدولية على أية تبرعات حكومية لدعم نشاطها.

 

وبعد؛

 

ليس ثمة شك في أن منظمة العفو الدولية قد لعبت طوال العقود الخمسة الماضية دوراً رئيساً في تبصير الناس بحقوقهم الأساسية وتعليمهم هذه الحقوق وتوجيههم نحو إرغام السلطات على احترام حقوق الإنسان وحرياته ، وتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم وحرياتهم في ظل قانون عادل وأن يكون الفيصل في ذلك قضاء حرّ يعطي لكل ذي حق حقه ، وعدالة تبسط جناحيها على الجميع.

ـــــــــــ

كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السويد.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ