ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

كيف شَيّعت مخابرات النظام السوري شهداءَ يوم 

الجمعة العظيمة؟

الطاهر إبراهيم*

في 3 تشرين أول من عام 1964 خرجت مدينة دمشق عن بكرة أبيها في موكب، قُدّر عدده بربع مليون، لتشييع جنازة الدكتور الشيخ "مصطفى السباعي" إلى مثواه الأخير. وعند مرور الجنازة من أمام إدارة الأمن العام السوري وقفت ثلة من الشرطة تحرس الإدارة العامة وقفةَ التحية، وقدمت السلاح لصاحب الموكب الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله تعالى.

الشيخ "مصطفى السباعي"هو مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سورية،وأول مراقب عام لها، وكان خصما سياسيا لحزب البعث. المفكر العلوي الدكتور "محمد الفاضل" شهد للشيخ السباعي بشرف الخصومة في كلمة تأبينية ألقاها على قبره. لكن كل هذه الخصومة لم تمنع ضابطة الشرطة في بداية عهد حكم حزب البعث من تقديم واجب التحية لموكب هذا الرجل العلم الذي يعتبر من رجال سورية الذين قادوا الجهاد ضد المستعمر الفرنسي.

إذا كان رجال الشرطة هؤلاء لم ينسوا واجب احترام جنازة الشيخ السباعي، فقد كانت الشرطة وما تزال جزءاً من نسيج الشعب السوري، وقد أرادوا أن يقتدوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقف لجنازة مرت به، فقيل إنها لرجل يهودي، فقال صلى الله عليه وسلم: "أوَ ليست نفسا منفوسة"؟

تذكرت ذكرى تشييع الشيخ السباعي إلى مثواه الأخير ووقوف الشرطة السورية تحية لموكبه وتقديم "تعظيم سلام" كما يقولو المصريون، وأنا أتابع عبر شاشات القنوات الفضائية "الغزوة" المسلحة التي شنها رجال أمن النظام السوري على مواكب المشيعين الذين قدموا من درعا ومن بلدات حوران الأخرى، وقد تداعوا ليشيعوا الشهداء إلى مثواهم الأخير الذين سقطوا برصاص رجال الأمن السوري هؤلاء يوم الجمعة العظيمة في 24 نيسان الجاري في كل من أزرع في أقصى جنوب سورية، ولتشييع شهداء "دوما" قرب دمشق وشهداء "تلبيسة" شمال مدينة حمص.

وبدلا من أن يقف هؤلاء المغاوير ويطلقوا الرصاص في الهواء تحية للشهداء، فقد وجهوا الرصاصَ الحيّ إلى مواكب المشيعين، فقتلوا منهم أكثر من اثني عشر شهيدا آخر، ليوارى هؤلاء التراب بجانب من جاؤوا يشيعونهم. لقد داس هؤلاء القتلة -بإطلاقهم الرصاص على مواكب الشهداء- على كل معنى وطني نبيل، بل على كل شعور إنساني يحرص العالم كله على احترامه منذ خلق الله الخلق، عندما سعى ابن آدم الأول "قابيل" إلى مواراة جثمان أخيه الآخر "هابيل" الترابَ بعد أن قتلَه، وقد رأى غرابا يبحث في الأرض ليواري التراب غرابا آخر قد مات، ليريه كيف يواري سوأة أخيه. وكأن هؤلاء القتلة أرادوا أن تبقى جريمتهم حيةً في نفوس السوريين، ويشهد العالم كله على فعلتهم النكراء بعد أن هاجموا موكب عزاء من قتلوهم برصاصهم. 

لن أعمد هنا إلى دحض افتراءات النظام الذي يحتجّ إعلامه الكاذب بأن من قتل الشهداء أولا أثناء المظاهرات، وآخراً أثناء الجنازة، هم المندسون والسلفيون أو عملاء مستوردون، فهذه افتراءات لم يرفعها أحد من أرضها لأنها حجج داحضة.

فقط أريد تسليط الضوء على الدرك الأسفل الذي بلغه النظام السوري عندما اخترق المشاعر الوطنية وكل الواجبات الإنسانية، عندما أفسد على المشيعين واجب عزائهم، ولم يبخل عليهم وعلى شهدائهم بالرصاص الذي ادخره النظام على مدى أربعين عاما لم يطلق منه رصاصة واحدة ضد إسرائيل ليطلقه دفعة واحدة على أبناء الوطن. وأين؟ في أزرع، وفي درعا على بعد كيلومترات قليلة من الحدود السورية، ليقول لإسرائيل: إن شعارات المقاومة والممانعة ليست أكثر من شعارات تقال، المهم الفعل. 

ماذا بقي للنظام ليقوله معتذرا من الشعب السوري، هذا إذا كان حقا يريد أن يعتذر؟ وإلا فما قيمة التطبيل والتزمير والضجة المفتعلة التي صدحت بها أجهزة إعلام النظام، يوم أعلن عن إلغاء حالة الطوارئ ومحكمة أمن الدولة العليا، وقد بقيت أجهزة الأمن تقمع المتظاهرين، بل وتقتلهم جهارا نهارا بعد إلغاء حالة الطوارئ؟ بل وماذا بقي للنظام من إنسانية وهو يطارد  المعزين الذين أرادوا الأخذ بخاطر ذوي الشهداء، فيغلق عليهم الطرق، ما اضطر هؤلاء إلى سلوك الدروب الإلتفافية المؤدية إلى المقابر؟

لقد أحسن الشيخ "رزق عبد الرحمن أبازيد" مفتي محافظة درعا عندما استقال من دائرة إفتاء درعا. كما أحسن النائبان في مجلس الشعب السوري "خليل الرفاعي" و"ناصر الحريري" عن محافظة درعا عندما استقالا من مجلس الشعب غداة مجزرة يوم الجمعة العظيمة. صحيح أن النظام لن يذرف الدموع على من استقال، ولكنها تبقى وقفة احتجاج في وجه أجهزة الأمن، ومواساة لأهالي الشهداء، وقد جاوز عدد هؤلاء منذ بدء الانتفاضة أكثر من مئتي شهيد عن محافظة درعا لوحدها.

اللهم ارحم الشهداء واكتبهم عندك في عليين وانصر شعب سورية على الطغاة المجرمين.

ـــــ

*كاتب سوري  

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ