ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 13/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الحرية كما أعرفها !! 

أ. محمد سعيد الفطيسي*

azzammohd@hotmail.com

         الكثير منا كتب عن الحرية , بعض تلك الكتابات كان مصيرها التحريف والمصادرة والقمع والكبت الفكري لأنها لم تعجب السلطة الرسمية أو الحكومة , كونها تطالب بحقوق الشعوب وحريتها وديمقراطيتها وإنسانيتها وتحقيق العدالة والمساواة لها , أما البعض الأخر منها – أي – من تلك الكتابات فإنها لم تعجب بعض شرائح الشعب لأنها لم تأتي على ذوق ومقاس بعض التحرريين المطبلين – عفوا المطالبين – بحرية لا حدود لها واستقلال دون وعي وإدراك اجتماعي من كل أنواع القيود الأخلاقية والثقافية والإنسانية .

         وبين الحكومة والشعب يقف بعض الباعة المرتزقة من الكتاب محاولا الإمساك بالعصا من الوسط كما يدعي , وذلك حتى لا تغضب الحكومة منه فتزجه في غياهب السجون , أو يغضب الشعب منه فلا يجد بعدها من يقرا له , مما يضطره لإغلاق دكاكينه الثقافية التي طالما ارتزق من وراء المتاجرة بفلسفاته وبيع كتاباته المعسولة التي يحاول من خلالها إرضاء الجميع , وإغضاب الله.

         فهلا حقا ان فلسفة الحرية بهذه الدرجة من الصعوبة , والتي بات الواحد منا يخشى المجاهرة بها خوفا على نفسه من قمع الحكومة أو السن الانحلاليين ؟ وهل حقا ان هناك إشكالا ثقافيا وأدبيا لمفهوم هذه الكلمة يتجاوز قدرة الأمة على  تخطيه وتجاوزه ؟ رغم انه ليس في عقيدتنا الإسلامية العظيمة إشكالا يحير الذهن , فلنا جميعا اله واحد هو الذي خلق الكائنات كلها وحده , واليه مرجعها وحده لا شريك له ولا معقب لكلماته , ويحكم علاقاتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها من العلاقات الإنسانية دستور سماوي واحد وهو القران الكريم واليه يرد الأمر كله , وقد انزل هذا الكتاب على نبي الرحمة والعدل والإنسانية والمساواة , { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } صدق الله العظيم . 

         إذا فأين الخلل ؟ وأين مكمن النقص ؟ ولماذا كل هذا الخلاف والصراع والحروب على مفهوم وحقيقة ومعنى تطبيق هذه الكلمة بين الحكومات والشعوب , ولنا جميعا اله واحد , ودستور واحد , ونبي واحد , وأمة واحدة , { إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} صدق الله العظيم , - ونحن هنا في هذا الطرح – لسنا بصدد التطرق الى هذه المسالة بطريقة فلسفية معقدة , أو تناولها من إطار ديني بحت , إنما هي محاولة لاختصار أسباب تلك الفجوة المفتعلة بين الحقوق الشرعية للإنسان كما أرادها الله ومخاوف بعض الحكومات من الالتفات إليها , وقلة وعي الشعوب بحقيقتها .

         فهل الحرية غاية أم وسيلة ؟ - أي – هل الحرية هي السقف النهائي للحق الإنساني الكامل أم الكمال في ان تكون الحرية هي وسيلة لغاية أخرى أكثر رقي وإنسانية ؟ ولو نظرنا للأمر من ناحية تاريخية , لوجدنا بالطبع ان الكائن الإنساني ولد حرا بطبيعته – أي – ان الإنسان قبل ان يدخل المجتمع كان حرا , ولكن لو قام العديد منا بمحاولات جادة لإثبات ذلك لكان من العسير إظهار ان حالة مثل هذه كانت موجودة فعلا أو أنها حدثت فعلا في أي وقت مضى , إذا فالحرية بوصفها مثلا أعلى لما هو أصلي وطبيعي لا يمكن تحقيقها من الناحية الاجتماعية بنفس الطريقة , بل ينبغي السعي للحصول عليها ونيلها , وذلك بعد عملية تهذيبية وترويضية هائلة للعقل والأخلاق , كون الحالة الفطرية يغلب عليها العنف والظلم والجور وتسودها الدوافع الطبيعية التي لم تصقل بعد .

         وكما يقول هيجل في محاضرات في فلسفة التاريخ من ان ( المجتمع والدولة يمارسان نوعا من الحد , لكن الحد للغرائز الفجة والانفعالات والأهواء , وهذا اللون من التقييد هو جزء من الوسيلة التي يمكن عن طريقها وحدها ان يتحقق الوعي بالحرية والرغبة في بلوغها في صورتها الحقيقية , فالقانون والأخلاق مستلزمات ضرورية للمثل الأعلى للحرية ).   

         وفي هذا السياق يقول عميد الأدب العربي طه حسين من ( ان الحرية والاستقلال ليسا غاية تقصد إليها الشعوب وتسعى إليها , وإنما هي وسيلة الى أغراض أرقى منها وابقي ... وقد كانت شعوب كبيرة كثيرة في أقطار من الأرض تعيش حرة مستقلة فلم تغن عنها الحرية شيئا ولم يجر عليها الاستقلال نفعا ولم تعصمها الحرية والاستقلال من ان تعتدي على شعوب أخرى تستمتع بالحرية والاستقلال ).

         - وللأسف الشديد – فان مفهوم الحرية لدى البعض منا غير قابل للتجزئة والتقسيم والمساومة – وبمعنى آخر – ( يا كله ... يا بلاش ) , أما لدى الحكومات فان الديموقراطية تعني : ان تمشي وراء إرادتها وسياساتها كالعميان والحملان – يعني – كذلك ( يا كله ... يا انك انقلابي وإرهابي ومتمرد على سلطتها  ) , ولهذا وقع الشعب في إشكالية الفوضى والتحررية ووقعت الحكومات في إشكالية القمع والكبت والديكتاتورية السلطوية .

         يقول سبينوزا وهو فيلسوف هولندي , ويعد من أهم فلاسفة القرن السابع عشر , بل وربما من أعظم فلاسفة التاريخ من انه ( لو كانت السيطرة على الأذهان سهلة مثلما يمكن السيطرة على الألسنة لما وجدت أية حكومة نفسها في خطر ولما احتاجت أية سلطة لاستعمال العنف ....ولكن الأمور لا تجري على هذا النحو , لان ذهن الإنسان لا يمكن ان يقع تحت سيطرة أي إنسان آخر , إذ لا يمكن ان يخول احد بإرادته أو رغما عنه الى أي إنسان حقه الطبيعي أو قدرته على التفكير , وعلى ذلك فان السلطة التي تدعي أنها تسيطر على الأذهان إنما توصف بالعنف ) .

         وهكذا نفهم ان المسالة لا تقف لدى الشعب عند عبارة " أعطني حريتي أطلق يدي " , أو لدى الحكومة عند " أفلا يسرك ان تكون ضحيتي : فتحل في لحمي وفي أعصابي " , بل هناك دائما بين العصا والجزرة كما هو دارج في المثل , طريق غائب عن الأذهان , - ونقصد – طريق الوعي بحقيقة الحرية والاستقلال , وهذا الوعي غير موجه للشعب فقط , أو الحكومة فقط , بل هو للسلطة والشعب .

         وقد جاء في بحث تحت عنوان مفهوم الحرية عند مفكري الإسلام  للباحث الأستاذ نضير الخزرجي وهو إعلامي وباحث عراقي , من انك أيها الإنسان – يا نواة الشعب والحضارة - مطالب ان لا تزاحم حريتك حرية إنسان آخر والعكس صحيح ، اتساقا مع وصية الإمام علي لنجله الإمام الحسن عليهما السلام : ( يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب ان تُظلم ، وأحسن كما تحب ان يُحسن إليك ، واستقبح ما تستقبح من غيرك ، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ) .

         وتقتضي الحرية المنفعة المشتركة , إذ لا يمكن تصور حرية حقيقية تقوم على حساب فرد مقابل منفعة فرد آخر دون وجه حق ، وفي الحديث النبوي ( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فان تركوهم وما ارادوا هلكوا جميعا ، وان اخذوا على أيديهم نََجَوْ، ونَجَوْ جميعا ) .

         ويضيف المحقق اللبناني الشيخ صبحي بن إبراهيم الصالح (1926-1986م)، في تعليقه على الحديث النبوي : ( وكأن الحديث ، يعرف الحرية في بساطة خالية من التعقيد ، بأنها تبتدئ من حيث يستفيد الفرد وتنتهي حيث يبدأ ضرر الآخرين ، والقاعدة الإسلامية المستمدة من الحديث الشريف تقول كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار) , إذن فالناس كلهم في مركب واحد ، فلا يمكن تجاوز الحدود بحجة الحرية الشخصية أو إثبات الذات.

         كما ان الحكومات لابد ان تدرك حقيقة ان حرية الإنسان الواعية والمهذبة , تلك الحرية التي تحدثنا عنها في إطارها الأخلاقي والإنساني , لا يمكن ان تتحقق وتزدهر وتنفتح في إطار حياة الفقر والكدح والكبت والجور والظلم وتكدس الثروة والسلطة لدى أفراد دون أفراد وأشخاص دون غيرهم , - وبمعنى آخر – ان تتحول الدول الى مزارع للحكام وأعوانهم وأفراد حكوماتهم , بينما يعيش الشعب حياة البؤس والعوز , وهو يشاهد أفراد يعيشون في ناطحات السحاب وهو يقبع في بيوت الطين والسعف , يشاهد أفراد دون غيرهم يركبون السيارات الفارهة دون حق , والفقراء لا يملكون قيمة ما يلبسونه في أقدامهم , - وباختصار – العدل هو الطريق الى تحقيق الحرية .

         - أي - ان على المجتمع ان يوجد الشروط المادية التي تفتح أبواب الحرية لجميع أعضائه , قبل ان يصبح مجتمعا حرا , كالعمل المأمون , ونقصد ذلك العمل الذي يتحقق فيه الأمن الوظيفي بمفهومه الشامل , والتعليم المجاني لما بعد المرحلة الثانوية , وتوفير وسائل الصحة والعيش الشريف , وغيرها من وسائل التكافل الاجتماعي .

          وفي هذا السياق يقول الأستاذ سمير أمين في كتابه ما بعد الرأسمالية ( ان البطون الخالية لا يخلق لديها إحساس بالحرية ولا يهتم بها , وهذا له انعكاساته ويؤثر في تحديد طبيعة النظام السياسي الذي يحدد الإطار القانوني لتنظيم الحريات .... والخروج من المأزق الراهن والانتقال من التراكم التوسعي الى تنمية كثيفة , إنما يتطلبان مشاركة الجماهير في اخذ القرارات على جميع المستويات , الأمر الذي يستحيل تصوره من دون تطوير ممارسات ديمقراطية صحيحة ومتقدمة ) . 

           نعم أيتها الحكومات ان العلاج السحري لكل حالات الانفلات الأمني والتمرد عليكم وخروج الشارع والشعوب على حكامها يكمن في ان ننشئ شعبا مؤمنا يقدر الحرية التي يطالب بها , تلك الحرية التي ينادي بها الدين الإسلامي ويحرص عليها , ولكن ذلك لن يكون ممكنا دون عدالة , ولا عدالة خارج شريعة الله , فدين الله وحده فقط ( يقدم التفسير الشامل الكامل للوجود , وعلاقته بخالقه العظيم , ولمركز الإنسان في هذا الوجود , ولغاية وجوده الإنساني , ومن ثم يحدد تحديدا سليما نوع الارتباطات التي تحقق غاية وجود النوع البشري , في حدود مركز هذا النوع من الوجود , وحقوقه المخولة له بحكم هذا المركز , والوسائل التي يبلغ بها هذه الغاية , ولا تخرج عن حدود حقوقه ومركزه , والتي يبلغ بها رضى خالقه العظيم , وسعادة الدنيا والآخرة , بمنهج واحد لا يمزقه كل ممزق , ولا يصيب شخصيته الفصام اللعين ! ولا ينتهي به الى التصادم مع فطرته وفطرة الكون كله في نهاية المطاف ) .

         وهذا يؤكد ضرورة وجود توازن دقيق بين الحرية المسلوبة باسم القانون وحقوق الجماعة وحق السلطة في الإدارة والحكم , والحرية المطلوبة باسم العدل والإنسانية للأفراد , وبدون ذلك التوازن لا يمكن ان تسير عجلة الحياة الإنسانية بشكل سليم , فهي إما ان تغرق في الانحلال والمجون والرذيلة باسم الفوضوية والحرية الزائدة , أو ان تقع في براثن السلطوية والدكتاتورية وسلب حقوق الإنسان باسم السلطة القمعية الزائدة وهو ما سيؤدي في نهاية الى الجور والبغي والطغيان , وفي كلا الأمرين نهاية الحضارة وانهيارها , يقول الحق عزوجل { يَا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم .

_______________

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

azzammohd@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ