ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 06/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

القرضاوي والانتفاضة السورية

سليم عبد القادر

رابطة العلماء السوريين

كأن الله ، جل شأنه، ادخر علاّمة الأمة الشيخ يوسف القرضاوي لهذه الأيام الحاسمات في تاريخ الأمة. وقد هيأ له من أسباب العلم والعمل والمصداقية ما يعينه على أداء مهمته. وكتب له من القبول ما لم يكتبه إلا لثلة قليلة من علماء الأمة على مدى التاريخ، فنال احترام العامة والخاصة، والشباب والشيوخ، والرجال والنساء.. وكان لكتبه وخطبه وبرنامجه الشهير (الشريعة والحياة ) دور كبير في نهضة الأمة، وتجديد الدين.

 وقف الشيخ إلى جانب الثورة التونسية منذ يومها الأول. وكذلك فعل حين هبت الثورة المصرية ، والليبية، واليمنية، والسورية... وقف يصدع بالحق، وينصح الطغاة المستبدين بالإصلاح العاجل، ثم يطلب منهم الرحيل، نزولا عند رغبة الشعوب... وكانت كلماته نورا يضيء طريق الشباب الثوار الأحرار، وصفعات مستحقة على أوجه المستبدين وأعوانهم وأبواقهم.

 في خطبة الجمعة الماضية25/3 تناول الشيخ الثورة السورية. تحدث عنها حديث العالم العارف بالشأن السوري. كان موضوعيا إلى أقصى حدود الموضوعية.. ذكر للرئيس السوري أنه أحسن استقباله حين زار سوريا. ولكن ذلك لم يمنع الشيخ من أن يبين الحق ويجهر به، وفاء لعهد الله وميثاقه الذي أخذه على الذين أوتوا العلم. فبين بذلك موقف الشريعة الإسلامية الغراء، التي تنهى عن الظلم، وتنصر المظلوم. ورفع عن علماء الأمة الحرج. وأعاد للعالم دوره الرائد في البيان عند الفتن، وتوضيح الأمور أمام العامة، لئلا يقعوا ضحية الإعلام المخادع المرتبط بالمستبدين.

 بيّن الشيخ جملة من المظالم المرعبة التي يعيشها الشعب السوري منذ نصف قرن من الزمان، ويسكت عنها العالم المتحضر. وبين جملة من المظالم الأكثر رعبا وفظاعة، يعيشها فريق كبير من أبناء الشعب السوري من ثلث قرن، في ملفات مقفلة، يراهن النظام على الزمان، أن يُنسيَ الناس جرائم طالت أكثر من خمسين ألف شهيد في تدمر وحماة، لا أحد يعرف لواحد منهم قبرا. وذكر غير ذلك من المظالم والجرائم، وطالب بالإصلاح العاجل، والكف عن القتل وسفك الدماء.

 وكان الشيخ، حفظه الله، قد دأب في خطبه الأخيرة على النصح الموحي، والتذكير الرفيق، والتحذير الحكيم للأنظمة المرشحة لانتقال الثورة إليها. ولكن أحدا من المعنيين لم يصغ إلى كلماته الناصحة الصادقة، وكأنه كان يتحدث إلى قوم صم بكم عمي.لا يسمعون إلا ما يحبون أن يسمعوا، ولا يرون إلا ما يحبون أن يروا.

 لو أصغى النظام السوري إلى كلمات الشيخ وعقلها وفهمها، لرأى فيها سبيل الخير والنجاة للحاكم والمحكوم، وللبلد وأهله. ولكن الرد جاء ( بأمر من النظام، أو قياما بالواجب كالعادة) من خلال صحافة بائسة أسيرة ، لا يقرأها أحد، ولا تعني أحدا. وبأقلام صحفيين تائهين لو أمرهم النظام بشتم آبائهم لفعلوا. ومن فريق آخر يسميه النظام (رجال الدين)، من ( علماء؟!) لا مصداقية لهم، بعضهم سادر في غفلة لا صحوة منها إلا بالموت، وبعض آخر أساتذة في الوصولية والانتهازية والتزييف والمكابرة، الواحد منهم أدمن خبز السلطان، فهو يدور معه حيث دار، ويبيع دينه بدنيا غيره. يلجأ إليهم النظام عند الحاجة، وهو يعلم قيمته عندهم، وهم يعلمون قيمتهم الحقيقية عنده.

 إن أول خطوات الإصلاح السورية ، لو كان ثمة إرادة وقدرة، تبدأ من طرد مصاصي الدماء، وناهبي الثروات، والأبواق المنافقة التي تزين للنظام سبل العناد والصلف ولو قادته إلى الهاوية.. إن الخطر الأكبر على أي نظام يأتي من هؤلاء الذين يقدمون له الخدمات الرديئة، والوصفات القاتلة، من جيوش المنافقين.. وليس من أمثال الشيخ القرضاوي، الذي يشخص الداء، ويصف الدواء بأمانة، ولو كان مرا.

 تمنيت لو أني قرأت، أو سمعت من يقول للشيخ، من هؤلاء: شكرا لك، فقد نصحت وبررت..ولكن هيهات هيهات؟ تمنيت لو أن أحدهم رد ردا فيه شيء من العلم أو العقل أو مواجهة الحقيقة، فلم أجد سوى كلام لا قيمة له، يتهم الشيخ بالتحريض على ( الفتنة) .. وكأن هناك فتنة أكبر من ظلم الشعوب، والاستخفاف بحركتهم من أجل الحرية. وكأن هناك فتنة أكبر من ممالأة الظالمين، وتسويغ بطشهم واستبدادهم ، وكأن واجب العالم، والمثقف، أن يكون في خدمة الظالم.. فيقلب الحق باطلا والباطل حقا.. وأن يجعل من الدين أفيون الشعوب!

 لقد رأينا القرضاوي، في مسيرته كلها، يدور مع الحق حيث يدور، وهو يحمل العلم الجم النافع، والقلب الشجاع الذكي، والعقل الحصيف الذي يعيش عصره. لا يهمه غير أن يرضي ربه وضميره، فإذا أغضب ذلك بعض المستفيدين من أنظمة الاستبداد، فإنه ولا شك، يرضي عقلاء المؤمنين، ويرضي الجماهير المسحوقة المنهوبة، التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة، والحياة التي تليق بالإنسان.

=====================

الثورة انطلقت بإرادة شعبية حرة...وإرادة الشعب لاتنكسر

الدكتور لؤي عبد الباقي

رجال الثورة السورية، أبطال الحاضر وأمل المستقبل، استطاعوا أن يمزقوا هيبة نظام الاستبداد الهش القائم على أوهام الخوف والإرهاب مع تمزيقهم لأول صورة من صور الرئيس بشار الأسد.. واستطاعوا ان يحطموا اسطورة الرعب التي يراهن عليها النظام مع تحطيمهم لأول تمثال وأول صنم لرمز الطغيان حافظ الأسد.

لذلك فقد بدأ حاجز الصمت ينهار وبدأت متاريس الخوف تتهاوى الواحد تلو الآخر.. فالأصوات الغاضبة التي تنادي بالتغيير تزداد وتتصاعد كمّا وكيفا يوما بعد يوم، والهتاف الشجاع الذي أطلقته الثورة "لا خوف بعد اليوم" أصبح يجذب ويستقطب المزيد من المتعطشين إلى الحرية التواقين إلى الكرامة والعزة.. بعد عشرات السنين من حياة الذل والهوان في هذا العهد الدكتاتوري البائد.

فماذا تنتظر أيها المتردد بعد ذلك؟ ألا يكفيك صمتا وخوفا؟ ألا ترى أن الخوف والرعب أصبحا يملآن قلوب الجلادين الطغاة؟ فهم الخائفون اليوم وهم المرعوبون بعد أن ثار هذا الشعب المارد وخرج من قمقمه الذي حبسوه فيه عشرات السنين.

لم يبق أي مبرر للخوف، فمئات الآلاف قد خرجت إلى الشارع، من أقصى جنوب البلاد إلى أقصى شمالها، من شرقها إلى غربها، وصرخت في وجه الطغيان والاستبداد..تنادي بالحرية والكرامة.. لا خوف بعد اليوم.. لا صمت بعد اليوم...

بدأت المظاهرات في سوريا كما بدأت في تونس ومصر وكانت بالعشرات ثم بالمئات والآلاف..فعشرات الآلاف، وقريبا إنشاء الله الاعتصام المليوني في دمشق وحلب. لقد زلزلت جمعة الشهداء الأرض تحت أقدام المستبد الطاغية حيث وصل عدد المتظاهرين في جميع أنحاء القطر إلى مئات الآلاف وبدأت الاعتصامات في عدد من المدن السورية.

فمما يخاف المترددون؟ هل يخافون من الاعتقال؟ لقد امتلأت المعتقلات وانتهى الأمر... وقريبا ستبدأ الأجهزة الأمنية تشعر بالإرهاق والإعياء وقد بدأت أعصابهم بالانهيار..هل يستطيع النظام أن يعتقل مئات الآلاف ممن خرجوا وطالبوا بالحرية؟ هل يستطيع أن يعتقل شعب درعا بأكمله.. أو شعب بانياس.. أو أهل دوما؟ هل استطاع أن يعتقل كل من كان معتصما في جامع الرفاعي الذي حوصر لعدة ساعات؟

إن من يراهن على كسر إرادة الشعب واهم واهم واهم...فالثورة انطلقت..ورجالها الأحرار الذين تنشقوا رياح الحرية في شوارع سوريا الحبيبة لن يعودوا إلى بيوتهم ولن يخلدوا إلى النوم حتى تتحرر شوارع وميادين ومدن سوريا من الخوف والذل والهوان. أبطال الثورة عرفوا الطريق إلى الشارع.. فلا رجوع لعجلة التاريخ والذين يعيشون في الماضي الواهمون ستدوسهم أقدام الثوار وتقتلعهم من جذورهم..

يا أيها المترددون الذين تأخرتم عن الالتحاق بركب الكرامة والفخر..مما أنتم خائفون؟ من ضربة عصا هنا أو إصابة هناك في سبيل حياة حرة كريمة؟! هل تريدون أن تعيشوا بقية حياتكم في الذل والهوان.. وأن تورثوا الخوف والرعب والذل للأجيال القادمة من أبنائكم؟ عار عليكم إذا رضيتم بحياة الذل والهوان... عار عليكم إذا رضيتم أن تورثوا أبناءكم العبودية..

والعار كل العار للمتخاذلين والجبناء..

الثورة انطلقت بإرادة شعبية حرة...وإرادة الشعب لاتنكسر.

=====================

النظام السوري بين الرحمة والشدة

بدرالدين حسن قربي

لمرّاتٍ كثيرة، اعتدي على سورية أرضاً وشعباً وقيادة من قبل الدولة الصهيونية، وهي رغم كثرتها فإنها ليست عصيّةً على العدّ والإحصاء، ولكن يُلفتك كمواطن سوري وعربي تتحرك فيك الغيرة أنك لن تستطيع حصر مرات الرد على هذه الاعتداءات لسبب واحد، أنها معدومة.

وتمور فيك التساؤلات: لماذا لايردون على هذه الاعتداءات رغم كل هذا العدد الهائل من الجيش والأجهزة الأمنية وغيرها والمليارات التي تصرف على هذه القوات والأجهزة، ورغم كل مايتكلمون عنه من مقاومة وممانعة وتبجح إعلامي لايتوقف في هذه المسألة؟ قد يأتيك الجواب الخبيث: أن عدد مرات الرد هو بنفس عدد مرات الاعتداء، إذاً لاتقصير. ولئن زدت في أسئلتك عن طبيعة هذه الردود، لعرفت أنها لاتعدو كلاماً مختصراً مفاده الاحتفاظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين، لأنهم لايريدون للعدو أن يخوضوا معركتهم معه في وقت أو مكان هو يحدده أو يفرضه عليهم...!!

ولكن يبدو أن المناسب وقتاً ومكاناً للمواجهة مع جاهزيتها الدائمة، هي عندما تخرج مظاهرة ولو فرداً واحداً أو عدداً قليلاً نسبياً، تطالب بحريتها وكرامتها بعيداً عن الذل والإهانة، وإلا كيف يمكن أن نفسر كل هذه القوة المستخدمة في مواجهة السوريين والتوحش في قتلهم وإراقة دمائهم وهم أناس مسالمون في خروجهم ومطالباتهم، وليس مع أحدهم أي أداة من أدوات المواجهة سوى قلب مليء بمحبة وطن يريد له أن يكون حرّاً، ولسانٍ يشدو بشعارات الإباء ويغني للحرية والكرامة.

إن نظاماً هذا حاله من التلطف واللين في مواجهة أعدائه، والقسوة والتوحش في قتل أطفاله وناسه ونسائه بعشرات الآلاف، نظام عليه أن يرحل وإن تحصّن بمقاومة وتستر بممانعة، شهد له فيها شهود زور من رجالات فكر وعلم ، وأصحاب لحىً وعمائم، وجماعات وأحزاب مقاومة وممانعة، فاقدون جميعهم لأدنى حدود المصداقية في الدفاع عن قيم الحق والعدل والحرية عندما يقدمون تأييدهم لجهة تمارس أقصى درجات القمع والقتل على شعبها. إن أحرار الشام وحرائرها أعلنوا إرادتهم: الشعب يريد إسقاط النظام.

 http://www.youtube.com/watch?v=Us4_fvsugOw

======================

إيران الجار اللدود...!!

حسام مقلد

hmaq_71@hotmail.com

كان غريبا جدا أن نرى الشباب البحريني يرفع صورا لرموز شيعية إيرانية أثناء الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها البحرين!! فما شأن الإيرانيين بأمور بحرينية داخلية ومطالب بالإصلاح ينادي بها عدد من البحرينيين؟!!! ولعل هذا هو السر الذي جعل الكثيرين من العرب ينأون بأنفسهم عما جرى في البحرين، وحدا بهم أن يربؤوا بأبناء البحرين شيعة وسنة أن يشاركوا في هذه الاضطرابات المشبوهة، وزاد من مخاوفنا وشكوكنا ما تكشَّف على مدى الأسابيع الماضية من حقيقة نوايا إيران ومطامعها في دول الخليج العربي، فقد أكدت هذه المخاوف المواقفُ الإيرانية الأخيرة من الأحداث في البحرين ثم الكويت، ولعل تصريحات المسؤولين الإيرانيين شديدة الوضوح قد أزالت أي التباس ربما اعترى البعض في فهم وإدراك حقيقة المطامع الإيرانية في المنطقة، فلم تعد المشكلة بين إيران وجيرانها العرب مجرد خلاف بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة على بعض الجزر (جزر: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) حيث تحتلها إيران وتدعي أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية!! بل انفضحت تطلعات إيران التي ترمي لأبعد كثيرا جدا من مجرد الاستيلاء على هذه الجزر الإماراتية الصغيرة النائية!!

 

والواقع أن تصريحات معظم المسؤولين الإيرانيين مؤخرا بشأن البحرين والكويت تصريحات مخيفة فعلا؛ لما تحمله من دلالات عميقة على مطامع إيران ونواياها المستقبلية المضمرة نحو جيرانها العرب على المدى البعيد، إضافة إلى ما تشتمل عليه هذه التصريحات من أبعاد خطيرة مثيرة للقلق، خاصة فيما يتعلق بمضمونها السياسي والعسكري، لاسيما لو استصحبنا حقيقة تغلغل النفوذ الإيراني في العراق ولبنان، وتمدد تأثير إيران الثقافي، واتساع تواجدها الاقتصادي والسياسي في عدد من الدول الأفريقية، ولعلنا نتذكر الأزمة المفتعلة التي تصر إيران على إثارتها بينها وبين الدول العربية الخليجية منها على وجه الخصوص بسبب إصرارها على تسمية «الخليج الفارسي» بدلا من «الخليج العربي»!! أوليس من الغريب حقا أن تثير إيران هذه القضية كل حين وتلح باستمرار على فتحها في كل مناسبة؟! ولا ننسى في هذا الصدد البرنامج النووي الإيراني وما تمتلكه إيران وتنتجه من ترسانة أسلحة هائلة ومرعبة!!

 

لكن مع هذا كله تبقى إيران جارة للعرب فهذه حقيقة لا يمكن أبدا تجاهلها، أجل هذه حقيقة جغرافية على أرض الواقع لا ريب فيها ولا مناص من قبولها والتسليم بها، وكذلك هناك حقيقة دينية وديموجرافية أخرى تقول إن نسبة الطائفة السنية في إيران لا تقل عن نحو40% من عدد السكان، كما أن وجود العرب الشيعة حقيقة ديموجرافية ثابتة هي الأخرى ولا يمكن أيضا الالتفاف عليها؛ إذ لا يمكن إنكار وجود الشيعة كأحد المكونات السكانية في كل دول الخليج العربي تقريبا، وكل هذه الحقائق القطعية الثابتة التي لا نزاع فيها تستلزم من الجميع أن يسعى لإيجاد أفضل وسائل للتفاهم والتعاون والتواصل الإنساني والعيش المشترك بين إيران والعرب، لكن مع الأسف فالحقيقة أن الحكومة الإيرانية بارعة على الدوام في إرسال الإشارات المتناقضة لجيرانها العرب، ولا أدري إن كان ذلك متعلقا بطبيعة لعبة «التُّقية» التي يجيد الشيعة لعبها أم لا؟! فتارة تتشدد إيران ويدلي مسؤولوها بتصريحات بالفعل مفزعة، وتارة أخرى تهدئ اللعب وترخي شعرة معاوية التي بينها وبين العرب؛ حتى لا تستعديهم عليها فيقفون ضدها، وأعتقد أن ذلك برهان ساطع على مدى صعوبة التعامل مع الحكومة الإيرانية، لكن الأمر الواضح كالشمس هو أن الإيرانيين لا يبالون إلا بمصالحهم فقط، والحقائق على الأرض تثبت ذلك كل يوم، وأما فكرة الأمة الإسلامية الواحدة وضرورة الدفاع عن وحدة صفها، وتوجيه كل إمكاناتها لبناء نهضتها وتنميتها، وحماية مقدساتها وتحرير القدس والمسجد الأقصى من الاحتلال اليهودي... فهذا الكلام قطعا حق لا ريب فيه بالنسبة لنا نحن أهل السنة والجماعة، ونحرص عليه بكل طاقتنا، لكن أثبتت لنا حقائق التاريخ المتكررة أن إيران تلوك هذا الكلام كثيرا لمجرد الاستهلاك العربي فقط!! ورغم ذلك تبقى إيران جارة قوية ينبغي إقامة علاقات طبيعية جدا معها؛ حفاظا على أمن واستقرار وسلامة هذه المنطقة الحيوية بالغة الأهمية للعالم أجمع!! ولعل من الضروري هنا أن نشيد بالموقف الحاسم الواضح الذي اتخذته المملكة العربية السعودية مؤخرا بإرسالها جزءا من قوات درع الجزيرة إلى دولة البحرين الشقيقة؛ للوقوف معها، وحمايتها من الأخطار التي تتهددها، وحماية وحدتها وحفظ أمنها وسلامتها الوطنية في هذه الظروف الحرجة، ولعمري فإن هذا الموقف الصائب لينطلق من أرضية صلبة، ويؤكد أن المملكة العربية السعودية بثقلها العربي والإسلامي والدولي ستكون دوما بإذن الله تعالى رمانة الميزان في المنطقة، وستقف سداً منيعا في وجه أية مطامع في أي من بلدانها، وكيف لا وهي أكبر دول الخليج العربي، وأرض الرسالة، ومهبط الوحي، وحصن التوحيد، وحامية عقيدة أهل السنة والجماعة، وحاضنة الحرمين الشريفين مهوى قلوب وأفئدة مئات الملايين من المسلمين في شتى أنحاء العالم.

 

إلا أنه بعد الأحداث الأخيرة التي عصفت ولا تزال تعصف بالعالم العربي يجب التنبه جيدا إلى تعاظم المخاطر التي تحيق بمنطقة الخليج العربي من النواحي الدينية والطائفية؛ لأنها مخاطر شديدة الالتباس والتعقيد والتشابك، إضافة إلى الحقائق الجيوسياسية وطبيعة التركيبة السكانية في المنطقة، وليس بخافٍ على أحد رغبة إيران الشديدة ومحاولاتها الدؤوبة لاستمالة شيعة الخليج العربي إليها، وجعل ولائهم لها وليس لدولهم العربية، ورغم فشل الإيرانيين الذريع في إقناع معظم الشيعة العرب بخطتها، وفشلها في استمالتهم إلى جانبها، إلا أن الأوضاع الراهنة تفرض على الجميع ضرورة البحث عن صيغة حضارية مستقبلية تحدد أطر وملامح التعاون بين العرب والإيرانيين، وأتصور أن المرحلة الجديدة تستلزم البدء بمراجعة وتقويم مجمل السياسات السابقة المتبعة في هذا الشأن؛ لاستخلاص الدروس والعبر المستفادة، ثم الشروع فورا في إرساء إستراتيجية واضحة ورؤية متكاملة تبادر إلى معالجة المشاكل العالقة بين العرب وإيران بكل صراحة ووضوح وشفافية، وتبحث عن أساليب جديدة وتدابير مبتكرة تتجاوز إخفاقات الماضي، وتتغلب على مخاوف الحاضر وشكوكه القوية المتبادلة، وتصحح الأخطاء التي اتسمت بها أغلب المواقف التاريخية السابقة!! وفي هذا السياق أود المساهمة بطرح وتقديم المقترحات التالية لما أتصور أنه خطوات مهمة ينبغي الشروع فيها خلال الفترة المقبلة:

1. مطالبة إيران بالكف فورا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وبخاصة دول الخليج العربي التي تضم نسبة من الشيعة بين مواطنيها، فهؤلاء المواطنون الشيعة هم في النهاية عرب وليسوا فرسا، ولا يُقبل أبدا أن تحاول إيران الوقيعة بينهم وبين بني جلدتهم من مواطنيهم السنة.

2. ينبغي لإيران أن تكف فورا عما يعرف بتصدير الثورة، وإذا كانت قد فشلت في ذلك في الماضي فلا تظنن أنها قادرة على أن تنجح فيه في الحاضر؛ فرغم اختلاف الظروف المحلية والدولية الآن، تبقى فكرة ولاية الفقيه وغيرها من الأفكار والقناعات الدينية الشيعية تبقى أفكارا طائفية محضة مبنية على معتقدات دينية؛ وبالتالي ليس مناسبا ولا مقبولا تصدير هذه الأفكار الشيعية لأتباع مذهب آخر يختلف عنهم جذريا في الكثير من الأصول والمعتقدات الدينية.

3. إيقاف كافة الحملات الإعلامية بين إيران وبعض الدول العربية، وحث جميع وسائل الإعلام ولاسيما القنوات الفضائية في الجانبين على مخاطبة الناس بأسلوب هادئ مقنع، بعيدا عن الإثارة والتهييج، واستخدام كافة أساليب الإقناع الإعلامية الجذابة لاستقطاب الجمهور والتأثير في ميوله وتوجهاته، وإعادة تشكيل قناعاته بخصوص هذه القضية بما يوحد الصفوف ولا يفرقها؛ وذلك تجنبا للصراعات والنزاعات والحروب الطائفية التي ستأكل إن نشبت في المنطقة لا قدر الله الأخضر واليابس.

4. مطالبة إيران بكل وضوح وحسم وقوة بضرورة التوقف فورا عن محاولتها نشر المذهب الشيعي خارج مناطق تواجد الشيعة المعروفة، وامتناع الشيعة تماما عن الترويج للفكر الشيعي بأية وسيلة من الوسائل بين الأوساط السنية، وبالمثل امتناع السنة تماما عن الترويج للفكر السني بأية وسيلة من الوسائل في الأوساط الشيعية؛ وذلك حسما لمادة الجدل والنزاع والخلاف.

5. السعي لتوفير آلية فعالة تُعنى بمتابعة وعلاج الخلافات الطائفية التي تثار من آن لآخر بين الشيعة والسنة، ومراجعة وتقويم الإجراءات المتخذة في هذا الصدد، والتأكيد على سياسة التسامح والعيش المشترك، والسعي إلى تحقيق أفضل ظروف للتعايش السليم وتقليل مخاطر الاحتكاكات بين الطرفين، وطرح مبادرات جديدة باستمرار تحاول منع الأزمات، واستباق الأحداث، والحد من تصاعد تطوراتها غير المحسوبة.

6. الحد من تزايد النفوذ الإيراني في بعض المناطق والدول الإسلامية السنية بأفريقيا وآسيا عن طريق دعم أنشطة ومشاريع الدعوة الإسلامية في هذه المناطق السنية لإيقاف المد الشيعي بها، والحد من نفوذ إيران، والقيام كذلك بواجب الدعوة إلى الله تعالى بين المسلمين السنة..

7. يجب فورا على إيران إيقاف كل سياسات التهميش والتجاهل التي تتخذها بحق السكان السنة لديها من أبناء إيران، وفتح الأبواب الموصدة في وجوههم، وتقديم الدعم ولتشجيع والمساندة لهم، وإتاحة الفرصة أمام النابهين منهم لإكمال تعليمهم ودراستهم العلمية في كل التخصصات التي يرغبونها، وتسهيل وتيسير سبل الدراسة أمامهم سواء في إيران أو في الدول الأخرى، ومواجهة كافة سياسات التمييز الذي تمارسه ضدهم المؤسسات الإيرانية المختلفة، ومساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم واسترداد حقوقهم المسلوبة والعمل على حمايتها.

 

8. إشراك مؤسسات المجتمع المدني من كلا الجانبين في متابعة الأوضاع عن كثب في الجانب الآخر؛ للوقوف على حقائق الأمور، وتبديد المخاوف والشكوك، وإزالة كل أسباب القلق والتوتر والاحتقان الطائفي، والقضاء على عوامل إثارة الفتن والنزاعات في مهدها قبل أن تكبر ويستفحل خطرها ويتطاير شررها هنا وهناك حاملا الخراب والدمار لأبناء الأمة الإسلامية كلها لا قدر الله!!

 

وختاما أود القول إنه من الطبيعي جدا أن يوجد جدل واسع ولغط عقدي وفكري طويل بين السنة والشيعة، من الطبيعي أن يحدث هذا الجدل مع اختلاف المعتقدات والأفكار، وتفاوت الناس في المدركات والتصورات، ولسنا هنا بصدد الحديث في ذلك فهذا ساحته مجالس العلم وكتب العقيدة والدراسات المقارنة بين العقائد والأديان والملل والنحل والفرق والمذاهب...، ولكن كل ما يعنينا هنا هو التأكيد على أن سنة الله تعالى في خلقه هي الاختلاف والتنوع، قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" [هود:118،119] وقال عز اسمه: "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" [المائدة:48] وقال سبحانه: "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [النحل:93] فإذا كانت هذه هي سنة الله تعالى في خلقه، وستظل ماضية كذلك بإذن الله تعالى إلى قيام الساعة فهل من الحكمة في شيء أن تنشب الصراعات الدينية فيما بيننا؟! هل من الحكمة أن نظل نتحارب ويأكل بعضنا بعضا حتى نفنى عن آخرنا؟!! أم أن المنطق والعقل يقضيان بأن يحترم كل منا رغبة الآخر وحريته الدينية، وأن نتعاون فيما بيننا من عيش مشترك؛ لتحقيق الحياة الكريمة لكل واحد منا، وفي الحقيقة ما أجدرنا جميعا ما دمنا في النهاية أبناء أمة واحدة ونعيش في منطقة واحدة، ونسكن في جوار واحد ما أجدرنا أن نتسامح ونتصافح ونتعاون فيما بيننا في أمور الدنيا لتحقيق الحياة الحرة الكريمة اللائقة بنا جميعا،"إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [هود : 88].

* إعلامي وكاتب إسلامي مصري.

=========================

ناصر "المقاومة" وسكت عن "داعميها"...فكافأوه بالهجوم والنعوت!

القرضاوي: الرائد الذي لا يكذب أهله

فادي شامية

يتعرض العلامة يوسف القرضاوي؛ الداعية الإسلامي الأبرز على مستوى العالم اليوم، إلى حملة ظالمة ممن كان يفترض أن يحفظوا له فضله ومناصرته، وسكوته عن تجاوزاتهم طويلاً، ضناً منه ب "المقاومة". الموضوع ليس بسيطاً، كما قد يبدو للبعض، فلو كان المسلمون السنة "يقلّدون" مرجعاً دينياً- على غرار إخوانهم الشيعة- لكان القرضاوي أحد أكثر الرجال الذين يتّبعهم الناس في هذا العالم، لما يحظى من احترام ومكانة علمية، فضلاً عن كونه صاحب مدرسة اجتهادية في الفقه؛ المدرسة الوسطية، وقد زاد عدد تلاميذه من العلماء عن المئات، فيما تأثر به وباجتهاداته آلاف العلماء في مختلف بقاع العالم، حتى أنه يكاد لا يوجد مسلم معاصر إلا قرأ أو استمع له... أو سمع عنه.

 

القرضاوي (84 عاماً)، رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، ليس مرجعاً علمياً وحسب (حفظ القرآن وعمره 10 سنوات، ونال الدرجة الثانية على مستوى مصر في الثانوية العامة، وحل أولاً بين زملائه في درجة العالمية في أصول الدين بالأزهر، ثم صار بمؤلفاته واجتهاداته علامة في الفقه وأصول الدين)، وهو ليس داعيةً مجدداً فقط، وهو ليس مؤلفاً وشاعراً وأديباً ورئيساً لعشرات المؤسسات العالمية وكفى... القرضاوي قبل ذلك كله "مجاهد"، نال شهادةً في النضال من السجون المصرية قبل أن يحظى بأية شهادة علمية (من نظام الملك فاروق إلى نظام حسني مبارك، مروراً بكل ما بينهما). القرضاوي مجاهد خبر المحاكم العسكرية وظلم الأنظمة القمعية، حتى قال يوماً: "كنا نناضل من أجل حرية القول، فأدخلونا السجون وعذبونا حتى أننا صرنا نناضل من أجل حرية البول"!. القرضاوي نُفي من بلاده سنيناً مديدة، ومنع من الخطابة في بلده مصر أعواماً عديدة، وبدل أن تفتخر به مصر، حاربته أنظمتها المتلاحقة، فما زاده ذلك إلا تمسكاً بمواقفه، التي أمدّت المجاهدين والمقاومين و"الممانعين" بالحماسة والتأييد والثقة بالنصر.

 

أثناء حرب تموز من العام 2006، صدرت مواقف "حذرة" من "حزب الله"، بناءً ل "عقيدته ولارتباطه بإيران"، وذلك من مراجع علمية معتبرة في المملكة العربية السعودية وغيرها، - كان أشهرها موقف هام للعلامة ابن جبرين، فوجد القرضاوي أن الأمر يحتاج إلى أكثر من موقف مقابل، فأفتى ب "وجوب دعم حزب الله"، معتبراً أن "المقاومة اللبنانية جهاد شرعي، وتمثل أشرف مقاومة على الأرض مع شقيقتها بفلسطين، وأن الشيعة جزء من الأمة الإسلامية وواجب على كل مسلم نصرة هذه المقاومة ضد العدو الإسرائيلي"، (كما أصدر يومها الشيخ فيصل مولوي رداً مفصلاً على فتوى ابن جبرين). لم يعبأ القرضاوي يومها بموقف النظام المصري، ولا بموقف أية دولة خليجية أخرى، تماماً كما لم يتوان عن تأييد حركة حماس -في خطها الجهادي العام بغض النظر عن التفاصيل الأخرى-، لا سيما في الحرب الأخيرة عليها.

 

القرضاوي، الذي أيّد حركات المقاومة، بهذه الصفة، هو نفسه رفض اتخاذ المقاومة ومناصرة فلسطين غطاءً للتدخل في شؤون المنطقة، وبث التشيع السياسي والديني فيها، فلم يعبأ لحسن علاقاته مع أنظمةٍ وحركاتٍ بعينها، بما فيها إيران، ولم يهتم كونه رئيساً ل "الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين" (الذي يضم شيعة أيضاً)، فأطلق سلسلة مواقف متلاحقة في العام 2008 حذّر فيها من "تمادي الغزو الإيراني الشيعي للمجتمعات الإسلامية السنية". يومها حاول أقرب المقربين منه أن يقللوا من حدة كلامه، لكنه أبى، بل عتب على بعض تلاميذه المصريين جراء ذلك، وقال: "لقد أردت أن أنذر قومي، وأصرخ في أمتي، محذراً من الحريق المدمر الذي ينتظرها"، وأضاف مخاطباً أحد تلامذته المقربين: "كأنك تريدني يا دكتور، أن أخون ديني ورسالتي، وأن أضلِّل قومي وأمتي، وأن أنقض الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ليبيّن للناس الحقَّ ولا يكتموه، وأن أكون شيطانا أخرس... إن الرائد لا يكذب أهله".

 

جاء العام 2011 بالثورات العربية، فأمدها القرضاوي بمواقفه ومداده، وهلل "شاتموه اليوم" لمواقفه إزاء الثورة المصرية المجيدة، وقبلها التونسية، فلما وصل قطار الثورات إلى حيث لا يرغبون، قالوا: لقد تحوّل القرضاوي إلى "بوق فتنة"!.

 

أراد "حزب الله" منه أن يوافقه موقفه الخاص من "فتنة البحرين"، فلما لم يفعل انتقده السيد حسن نصر الله دون أن يسميه، فيما راح آخرون في فلكه يتهمونه بالمذهبية بالاسم، وهو الذي ناصر الحزب في لحظة "الحاجة"، بلا أي اعتبار لكونه "حزب ولاية الفقيه".

 

القرضاوي لم يكن خصماً للنظام السوري -رغم اضطهاد هذا النظام لمعارضيه- حتى أن البعض اتهمه بالسكوت عن هذا النظام لحسابات إقليمية!. كان القرضاوي يصبّر "إخوانه" المنفيين في سوريا، ويدعم حماس التي تقيم في دمشق، ويزور العاصمة السورية (يرأس القرضاوي مؤسسة القدس التي لها مكتب في سورية ترأسه الدكتورة بثينة شعبان نفسها). كان القرضاوي يفاضل في ذلك بين المهم والأهم، والأساس عنده دعم كل من يواجه العدو الإسرائيلي، وقد سعى مراراً مع النظام السوري لحل مشكلة المنفيين من "الإخوان المسلمين"، بالتي هي أحسن، لكن دون جدوى.

 

عندما قُتل المصلون في المسجد العمري في درعا، لم يكن القرضاوي قد قال كلمة واحدة عن سوريا، لكن بعد هذه الحادثة لم يكن القرضاوي قادراً على السكوت. لا يليق به أصلاً أن يسكت وقد انتقد كل الأنظمة التي ارتكبت ما هو دون ذلك، فماذا يقول عنه الناس إن سكت وهو الذي يقول دوماً: "الرائد لا يكذب أهله"؟! لأجل ذلك قال القرضاوي في خطبة الجمعة ما قبل الماضية ما قاله، (قال: سوريا مثل غيرها، بل هي أولى من غيرها بهذه الثورات)، مع العلم أنه لم يتعرّض للرئيس بشار الأسد، بل قال فيه قولاً ليناً، محملاً بطانته سوء التعامل مع الناس، ومع ذلك فقد حمّلته بثينة شعبان مسؤولية ما يجري في سوريا، وزاد بعض المزايدين لدرجة أنهم رفعوا عليه دعوى في القضاء السوري بتهمة "إثارة النعرات الطائفية"!، كما نُظمت حملة إعلامية ضده، في الصحف والإذاعات وعلى الشبكة الإلكترونية.

 

على أي حال، القرضاوي ليس من النوع الذي يمكن إخضاعه، بدليل ما قاله هذه الجمعة، من كلامٍ قاسٍ بحق منتقديه، لكن الموضوع ليس مجرد اتهامات، ونكران جميل، وعدم احترام داعية إسلامي، فالقرضاوي يشبه الأب الروحي للحركات "الأخوانية" كلها (التي تتبع منهج "الإخوان المسلمين")، وهو يتمتع بعلاقات مع قادة أكبر دول المنطقة، وعلاقته اليوم مع مصر-ما بعد الثورة هام جداً، ما يعني أن كلامه سيترك آثاراً كبيرة في السياسة؛ لا سيما فيما يتعلق بعلاقات النظام السوري بكل من حركة حماس التي يستضيفها، وبدولة قطر التي تستضيف القرضاوي، فضلاً عن آثار ستلحق علاقات "حزب الله" (الحانق على القرضاوي بسبب مواقفه مما يجري في البحرين وسوريا) و"الجماعة الإسلامية" في لبنان وحركة "الأخوان المسلمين" في مصر، فضلاً عن آثار سياسية أخرى أشد عمقاً، مما يمكن بحثه في مقالة أخرى.

---------

القرضاوي هو:

عضو المجلس الأعلى للتربية في قطر، وعضو هيئة الإفتاء الشرعي في قطر، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي، وبنك قطر الإسلامي الدولي، ولمصرف فيصل الإسلامي بالبحرين وكراتشي، ولبنك التقوى في سويسرا، وعضو الهيئة لدار المال الإسلامي، وعضو مجلس الأمناء لمنظمة الدعوة الإسلامية في إفريقيا، ومركزها الخرطوم، وعضو مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وخبير المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وعضو مجلس الأمناء للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، ومجلس الأمناء لمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد، وعضو رابطة الأدب الإسلامي في الكهنو بالهند، وعضو مؤسس لجمعية الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة مركز بحوث إسهامات المسلمين في الحضارة في قطر، ونائب رئيس الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في الكويت، وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت بالأردن)،وعضو مؤسس للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، وعضو مجلس إدارتها ولجنتها التنفيذية، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، ورئيس التحاد العالمي لعلماء المسلمين. (هذه عدد من المواقع التي يشغلها وليس كلها).

 

وقد تعرّف القرضاوي باكراً على الإمام المجدد حسن البنا، والتزم دعوته، ورافقه، وقد لقي في سبيل ذلك كثيراً من الأذى والاضطهاد والاعتقال عدة مرات، وقد رفض مراراً أن يكون مرشداً عاماً ل "الإخوان المسلمين"، حتى يكون فقيهاً للأمة كلها.

-----

ماذا قال القرضاوي في خطبة الجمعة 1/4/2011

قال القرضاوي في مواقف جديدة –أقسى من سابقاتها وأوضح-: "إن الدولة التي تمس هيبتها كلمة هي أوهن من بيت العنكبوت"، في إشارة إلى النظام السوري، وفيما دعا إلى كشف مصير آلاف المفقودين والمعتقلين بسوريا، حذر من أن "من لا يتغير يداس بالأقدام". وانتقد القرضاوي اعتبار حزب البعث الحزب القائد في سوريا بالقول: "البعث انتهى مع (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، وانتهى عهد الأحزاب الشمولية". وتطرق القرضاوي للخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد، ومظاهر الهتافات والتأييد في البرلمان، وخاصة النائب الذي قال للأسد إنه لا يجب أن يقود العرب فحسب بل العالم ككل، فقال: "هؤلاء الذين هتفوا بالرئيس وقالوا له عليك أن تحكم العالم، لا يصلحون للقيادة وتمثيل الشعب". وحول الدعوة المرفوعة ضده في سوريا بتهمة إثارة النعرات الطائفية وتهديد هيبة الدولة، قال: "الذين رفعوا دعوى عليَّ يريدون أن يخوفوني، لن أخاف وسأظل أقول الحق". ورد القرضاوي على مفتي سوريا، الشيخ أحمد حسون، الذي وصف القرضاوي بأنه من "خطباء الفتنة" فقال: "أنا لا أهتم بالحياة، بينما آخرون يبتغون رضا البشر وليس رضا الله، إذا كان هؤلاء هم خطباء الفتنة اللهم امتني معهم واحشرني معهم". وختم القرضاوي خطبته في قطر بالدعاء لمن وصفهم ب"المجاهدين في ثورات سوريا واليمن وليبيا،" كما دعا ب"زوال الظالمين ودولهم".

=======================

بين سوريا وليبيا

علاء إنشاصي

صحفي فلسطيني

فرحنا كثيراً لخبر الإفراج عن الصحفي لطفي المسعودي أحد صحفيي قناة الجزيرة العاملين بليبيا، جلسنا مطولاً نناظر التلفاز نشارك ذويه وأصدقائه الفرحة على شاشة الجزيرة.

بصراحة فرحتنا كانت منقوصة لأن الكثيرين لا يعلمون أن هناك صحفياً آخراً غير طاقم الجزيرة فقد للشعب الفلسطيني والجسم الصحفي آثاره في دولة عربية شقيقة هو زميلنا الصحفي والكاتب الفلسطيني مهيب النواتي، ما زال أثراً بعد عين، اختفى واختفت معه الفرحة.

دخل مهيب الأراضي السورية قبل نحو أكثر من شهر، ولم يعرف عنه شيئاً منذ ذلك الحين، لا أهله ولا أقاربه ولا مؤسسات حقوق الإنسان ولا اتحاد الصحفيين العرب ولا القيادات الفلسطينية أو السورية، هل يعقل هذا ؟ لا أعرف لمن نوجه السؤال هل نساءل ممثلي الشعب الفلسطيني بسوريا، أم القيادة السورية أم الاتحادات الصحفية بالعالم العربي والعالم أجمع عن مصير إنسان قبل أن مسائلهم عن مصير رسالة وقلم وصورة تغيب..

العجيب الغريب مناشدات عديدة خرجت لتبحث عن مهيب حناجر تنادي أين مهيب؟ لا مجيب لا مغيث، الله المستعان.

أفكار كثيرة راودتني وأنا أتابع لحظة الإفراج عن المسعودي، فلنقل أنه اعتقل لشهر لدى قوات القذافي، قامت الدنيا ولم تقعد تحركت مؤسسات حقوقية تحركت هيئات عالمية والأدهى والأمر تحركات دولية ووساطات عربية ونجحوا في الإفراج عن زميلنا "التونسي الجنسية" والحمد الله على سلامته،... ما هذا أين كل هؤلاء من زميلنا مهيب؟!!!!

 يا رب عسرُ غشي أرجاء أمتنا .....فاجعله عسرا ويأتي بعده اليسرُ

ورغم محاولات الاتصال بكل الجهات ذات الاختصاص، وتوزيع صوره على وسائل الإعلام وتوجيه مناشدة للرئيس السوري بشار الأسد، ودعوة مؤسسات حقوق الإنسان في فلسطين وسوريا إلى بذل جهدها لمعرفة مصيره، إلا أن كل ذلك لم يجد نفعاً، وباءت كل المحاولات بالفشل، في وقت تشير العديد من التقارير غير المؤكدة بأنه معتقل لدى الأجهزة الأمنية السورية.

وهل تحتاج القيادة الفلسطينية مناشدة للشروع في إجراء العديد من الاتصالات والعمل الجاد لكشف حقيقة اختفاء زميلنا مهيب، ومن واجب قيادتنا الحكيمة أن لا تنام حتى تصل إلى معلومات أكيدة عن مكانه ومن الجهة التي تقف وراء اختفائه، ما أسبابه؟؟؟؟

 يا سادة نحتاج إلى إجابة ولا وقت ليضيع ولا مجال لطرح التكهنات.

=======================

الإسلام هو المَعين الصافي للحريةِ الحقيقية

أ.د. ناصر أحمد سنه

علي مدار التاريخ البشري.. شكلت "الحرية".. معني ومفهوماً، قيمةً وسلوكاً أمراً "شيّب" المعنيين من فلاسفة ومُفكرين، واجتماعيين ومُصلحين وإستراتيجيين وغيرهم. فلقد كان موضوعاً نُظّر له نظريات، ووضعت له فلسفات، وخطت له سلوكيات واستراتيجيات، وكان شعاراً لثورات، وقامت عليه دعاوي واتهامات بين الأفراد والجماعات والدول والتكتلات.

لكن الإسلام جاء بالحرية الحقيقية، وقررها حقاً لبني الإنسان كحقهم في الحياة سواء بسواء. والحياة كمنحة عزيزة لا يتحقق عزتها إلا بالحرية الخالية من كل صور الاستعباد لغير الله تعالي. ومن يأب العبودية لله تعالي فقد استعبد لغيره تعالي، وأستُذل له، وتعس دنيا وآخره: "تعس عبد الدينار والدرهم، والقطيفة والخمِصَةِ: إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرضَ"(رواه البخاري). لذا كان وصف العبودية لله تعالي أرقي وصف للأنبياء والمرسلين ومن سار دربهم نهج سبيلهم:"سبحان الذي أسري بعبده ليلاً.."(الإسراء:1).

وهاهو خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه وسلم، يعلنها صريحة لعمه "أبي طالب" "وسيط التفاوض غير المباشر" بين قريش، ورسولنا الأكرم صلي الله عليه وسلم، لإثنائه عن دعوته الشريفة: "والله، يا عم! لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته)"(السيرة النبوية لابن هشام،ج1، ص:266).‏ فالإسلام يرسخ فينا ألا نكون عبيدا لبشر أو لدنيا أو لشهوة أو لمال أو لمتاع أو لجاه، أو لولدن وأن تكون عبوديتنا لله وحده، وفي هذا قمة الحرية والتحرر الذي جاهدت لتحقيقه البشرية عبر كل عصورها.

كما حرم الإسلام كل صور الاعتداء علي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، لينعم الناس بحريتهم الحقيقة في تعاملهم مع هذه "الكُليات الخمس". بل لقد ذهب البعض لاعتبار "الحرية" مقصداً سادساً من مقاصد شرعنا الحنيف بعد تلك المقاصد والكليات الخمس.

لقد جعل الإسلام دية القتل الخطأ، وكفارة اليمين، إعتاق رقبة، وتحريرها من أسار العبودية والذل. فكما تسبب "القاتل/ الحالف" في حرمان المجتمع من فرد / حق من أبنائه، بالقتل/ الحلف الخطأ، فعليه تعويض المجتمع بإعطاء الحرية لمن كان "ميتاً.. عبداً رقيقاً"، فالرق موت ، والحرية حياة. كما جعل الأبواب مُشرعة للقضاء علي كل صور الرق والعبودية و الأسر، فجعل لها مصرفاً من مصارف الزكاة الثمانية.

ولقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثال العملية علي قيمة الحرية، فاهو الفاروق "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه يطلقها صريحة، فيسطرها التاريخ بأحرف من نور:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". فربما عاني "القبطي" أو غيره من أبناء عشيرته من سياط الرومان، لكنه لما علم أن عدالة الإسلام، وعدل خليفته "عمر" رضي الله عنه بخلاف ذلك ذهب ليأخذ حقه (في حادثة السباق المشهورة)، ويقتص من ابن والي مصر "عمرو بن العاص" رضي الله عنه. وهنالك "ربيعي بن عامر" يؤكد لأكاسرة الشرق، وكذا لقياصرة الغرب في آن معاً رسالة الإسلام، ولُبها:"لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلي سعتها، ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام". فالإسلام جاء مُحررا للناس، لا فرق بين فرد وآخر بسبب من لون أو نسب أو عصب. جاء ليحرر العقل من عادات وتقاليد العبودية لغير الله تعالي، ويقض علي كل مظاهر العنصرية البغيضة.

والحرية في الإسلام تتعدي المسلمين إلي غيرهم، فلهم، داخل المجتمع المسلم، حرياتهم في الاعتقاد والتعبد، وعدم التمييز في التعامل معهم. كما لهم، داخل المجتمع الإنساني، حق التعارف والاعتراف، المصاحبة بالمعروف، وفي المعروف، وللمعروف وفق "التقوي/ والعمل الصالح" الحارس الأساس للحريات والحقوق، والمقياس الذي يزن علاقات وتفاعلات الأسر والأقران والبشرية جمعاء، ويحل تلك المعضلة المتعلقة بشأنهم جميعاً. "وازع داخلي" يبغي المثوبة من الله تعالي، ومجالاً كسبياًً يتنافس فيه المتنافسون. فتلك هي الغاية هي من جعلهم مختلفين أجناسا وألوانا ولغاتا، متفرقين شعوبا وقبائل:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13).

والحرية في الإسلام منضبطة فكراً وتفكيراً وعملاً ومصالحاً، وليست هوي أو شهوة أو إضراراً أو اعتداء أو تعدياً علي ثوابت الأمة أو حني معتقدات الآخرين:"ولا تسُبوا الذين يَدعون من دون الله فيسُبوا الله عدواً بغير علمٍ.."(الأنعام:108). ،"ومعاني الاختلاف لا تكون في الشيء المختلف فيه، بل في الأنفس المختلفة عليه، فحكمك على شيء هو عقلك أنت فيه، والقرآن نفسه قد أثبت الله تعالى فيه أقوال من عابوه، وحاورهم حوارا موضوعياً ومنطقيا، ليدل بذلك على أن الحقيقة تحتاج إلى من ينكرها ويردها، كحاجتها إلى من يُقر بها ويقبلها، فهي بأحدهما تثبت وجودها، وبالآخر تثبت قدرتها على الوجود والاستمرار"( بتصرف من كلام "الرافعى": من وحي القلم، مشروع مكتبة الأسرة 2003م، ص:163 165).

فيا من: تنشدون الحرية الحقيقة، ومعينها الصافي. يا من تبحثون عن الرؤية الإيجابية لتحرر النفس والمجتمع البشري، وعن التوازنات والوسطية في قيم الحياة.. الفردية والمجتمعية والإنسانية. يا من أعياكم العثور عن الأسس الحقة للتعارف والتواصل مع الذات، و(الآخر)، والأسلوب العلمي والعملي للخيارات السليمة للأفراد والمجتمعات..إنه الإسلام يحقق كل ذلك وغيره، فهو المَعين الصافي للحرية الحقيقية.

_______

*كاتب وأكاديمي من مصر

nasenna62@hotmail.com

=======================

مخاطر الانحراف بعجلة الثورة في مصر

ألغام خطيرة على طريق التأسيس لحقبة التغيير المصرية والعربية

نبيل شبيب

بداية الثورة: نريد التغيير، وحصيلة الثورة: تحقيق التغيير مع ضمان استمراريته.

ولا يستهان بأهمية الفترة الزمنية الفاصلة ما بين البداية والحصيلة، فهنا تُزرع حقول الألغام، ليس من جانب قوى ما قبل الثورة فقط أو ما يوصف بالثورة المضادة عادة (وفي التعبير تناقض فما يصنعون: ردّة، وليس ثورة) بل من جانب القوى المستفيدة من وقوع الثورة أيضا، أي من يشارك فيها بعد اندلاعها، مسرعا أو متأخرا.

هنا يكمن فارق حاسم على صعيد التعامل مع الثورة والتأسيس لحقبة التغيير المنبثقة عنها..

(1) بين "النواة" التي صنعت الثورة، فهي المعيار للإخلاص ووضوح الهدف وقوة الدفع باتجاه التغيير.. ويسري هذا بالنسبة إلى مصر على ما يوصف بالقيادات الشبابية..

(2) وبين من سار معها، وهؤلاء لا يمثلون كتلة متجانسة، ولهم بدرجات متفاوتة جزء من الفضل أثناء الثورة في تمكينها من تجاوز العقبة الأولى في اتجاه التغيير، وهم في مصر من يوصفون بقوى المعارضة التقليدية في فترة الحكم السابق المنهار، أي الأحزاب والجماعات والشخصيات المتعددة المشارب.

 

ألغام المشاركين في الثورة

يمكن بسهولة نسبيا كشف ألغام ما يسمّى الثورة المضادّة، أو الردّة الصادرة عن بقايا أركان النظام المنهار، فهؤلاء معروفون لا يجهل حقيقتهم أحد وإن تلوّنوا ببعض ما فرضته الثورة على أرض الواقع، وهؤلاء أسرى أساليب تقليدية معروفة عنهم من الحقبة الاستبدادية، لا تخفى على أحد وإن حملت عناوين وأقنعة جديدة.. ولكنّ الألغام الأخطر هي تلك التي تصعب رؤيتها، لأنّها توضع –بقصد أو دون قصد- من جانب القوى التي كانت من ضحايا الاستبداد سابقا، و"أصبحت" جزءا من الثورة لاحقا.. ولها مواقع متباينة، واتجاهات متباينة، وأساليب متباينة في العمل لتحقيق غايات متباينة، وإن التقت جميعا على قاسم مشترك، وهو القوالب التقليدية للعمل قبل الثورة، ولا يوجد أيّ جانب سلبي أو مرفوض على هذا الصعيد عندما تستقر "حصيلة" الثورة، أي يستقر الوضع المطلوب من خلال هدف التغيير الجذري الشامل استقرارا ينطوي على ضمانات كافية للتعامل مع التعددية تعاملا نزيها ومضمونا للجميع، بشفافية كافية ورقابة وافية.. إنّما تكمن خطورة الألغام فيما تشهده المرحلة التالية لوقوع الثورة مباشرة، أي المرحلة الحالية بالنسبة إلى مصر، وليست هذه مرحلة قصيرة، فهي الفاصلة بين يوم سقوط رأس النظام السابق، ويوم الانتهاء من اتخاذ آخر إجراء من جملة إجراءات عديدة متكاملة متتالية لتنفيذ عملية "صناعة" الدولة الجديدة.

ما هي طبيعة هذه الألغام الخطيرة؟..

1- تعبير "صناعة دولة جديدة" مقصود.. فكلمة صناعة تعني إنتاج ما لم يكن موجودا من قبل:

الدستور والمؤسسات والهيئات وشبكة العلاقات الضامنة للاستقرار والاستمرارية، وجميع ذلك هو ما يشكّل الدولة، فإن كان سليما من البداية استمر تحقيق النجاح، وإن بدأ المسار معوجّا ولو اعوجاجا محدودا.. تحوّلت المسيرة في اتجاه الانحراف "الصغير" في لحظة البداية فيتوسّع ويبلغ مدى خطيرا بعد فترة وجيزة.

2- لا بدّ أن يكون ما تتمّ صناعته الآن في هذه المرحلة، جديدا، جديدا من حيث الأساس ما دامت الثورة ثورة تغيير جذري.

3- لا تتناقض "صناعة الجديد" مع وجود عناصر قديمة فيه، شريطة أن يتم اختيارها بعناية من البنية الهيكلية السابقة للثورة..

4- لكنّ التناقض يقع -وهو خطير للغاية- عندما تنقلب هذه المعادلة، أي عندما يؤخذ القديم وتضاف إليه عناصر جديدة لتطعيمه أو ترقيعه أو تحسينه، عبرما صنعه حدثُ وقوع الثورة (اي مجرّد وقوعها وليس الوصول إلى نتائجها) فهنا لا بدّ أن تغلب في الحصيلة النهائية السلبيات على الإيجابيات، والمحاذير على الضمانات، وطغيان قوّة استمرارية ما كان راسخا من معطيات قديمة، على القوّة الإبداعية الناشئة، وهي في عمر "الوليد" الجديد.

 

ماذا تريد القوات المسلحة؟..

من العناوين إلى بعض التفاصيل..

1- كانت القيادات الشبابية على جانب كبير من الوعي السياسي عندما أدرجت في مطالبها الأساسية مطلب تشكيل مجلس رئاسة مؤقت من عدة مدنيين من شخصيات معروفة مضمونة بمشاركة شخصية عسكرية، لترجع إليها الإجراءات الحاسمة في الفترة الانتقالية بين نجاح الثورة وترسيخ التغيير، بديلا عن المجلس الأعلى للقوات المسلّحة، أو بالنيابة عنه، بعد تسليمه مقاليد السلطة من جانب نظام سقط.

لم يتحقق هذا المطلب مقابل تحقيق مطالب أخرى تحت ضغوط الثورة، التي كانت ضغوطا قوية فور إسقاط راس النظام، ولكن بدأت الضغوط تضعف تدريجيا بتأثير أسباب عديدة، من بينها عنصر الزمن، وهو معروف لجميع الأطراف، فبدا أنّ تلبية جزء من المطالب، مثل تبديل الحكومة (وملاحقة الفاسدين) أمر محسوب، إنما لم يكن كافيا، ولكن تمّ توظيفه لتسويغ عدم تلبية مطالب أخرى أهمّ منه، مثل إلغاء الدستور والشروع في وضع دستور جديد، وتشكيل مجلس رئاسة مؤقت، وعدم التلبية هو أمر محسوب أيضا، وليس نتيجة عجز عن التلبية.

2- مع كل الثقة بالقوات المسلّحة، لا ينبغي تغييب حقيقة أنّ الصيغة الباقية لتشكيل قياداتها وصناعة القرار فيها هي من مخلّفات النظام الذي سقط، ولا ريب في أنّها رفضت –رغم ذلك- الانزلاق إلى مواجهة الشعب، كما صنعت بقية أركان النظام، إنّما لا ريب أيضا في أن القيادات العسكرية العليا لا تمثّل كتلة متجانسة التوجّهات، وأن فيها من لا يمكن اعتبار ارتباطه بما سبق الثورة دون تأثير على ما يريد أن ينشأ بعد الثورة.

لهذا لا ينبغي حصر السؤال عن دور القوات المسلّحة في المرحلة الانتقالية في نطاق السؤال عن الثقة فيها، وإنما ينبغي أن يُطرح من زاوية أخرى: ما هي حصيلة توازن صناعة القرار بين أجنحة قياداتها، هل تصبّ في مصلحة التغيير الجذري، أم في مصلحة تغيير جزئي، وصناعة واقع جديد لا يمكن اعتباره ضامنا لترسيخ دولة جديدة بضمانات كافية لاستمرارية "مقاصد الثورة": الحق والعدل والحريات والنزاهة.

3- رافق سقوطَ النظام الترويجُ على نطاق واسع لمقولة: القيادات الشبابية صنعت الثورة.. والقيادات السياسية والشخصيات المعتبرة -أي قوى المعارضة التقليدية- هي مَن يصلح لصناعة ما بعد الثورة. ومع ظهور الاعتراضات تردّد تأكيد أن "رقابة صانعي الثورة من جيل الشبيبة في مصر" هي الضمان.. ولكن من المؤكّد أنّ فعالية هذه الرقابة قائمة على الثقة الشعبية العريضة بها، وهذه تنعكس أثناء الثورة في الاحتجاجات والفعاليات المليونية، ولكن هل يمكن أن تحافظ على قوة فعاليتها هذه طويلا؟..

إنّ عنصر الزمن ينقل تدريجيا نسبة متزايدة باستمرار من القوة الشعبية التي حملت الثورة وقياداتها لتحقيق النصر الأول، إلى حالة "انتظار" ما ستسفر عنه جهود تجري تحت رقابة القوات المسلّحة بمواصفاتها المذكورة، وليس تحت رقابة قيادات الثورة.

 

القوى التقليدية للمعارضة سابقا

4- لم يعد يصحّ وصف "المعارضة" على ما كان يوجد من أحزاب وحركات معارضة لنظام سقط، فمع سقوطه أصبحت هذه القوى التقليدية في وضع جديد.. وضع صنعته الثورة ونقلها من حقبة العجز عن صنع التغيير إلى مرحلة تنطوي على فرصة انتزعتها لنفسها من الثورة، لرسم خارطة الحقبة التالية تحت عنوان التغيير.

جميع ما يقال عن "اندماج" مطلق لهذه القوى التقليدية في بوتقة الثورة التي صنعتها القيادات الشبابية، يتناقض مع حقيقة هذه القوى التي كانت وما يزال يغلب عليها الفكر والأسلوب التقليدي وليس الثوروي في العمل، ومن ذلك حرص كل فئة على اقتطاع أكبر نصيب ممكن لصالحها ممّا سيكون عليه "هيكل الدولة الوليدة" الذي أصبحت تساهم هي في صناعته أكثر من القيادات الشبابية، وبالتنسيق مع القيادة العسكرية وليس مع القيادات الشعبية، التي لم تعد تنفرد بالرقابة على مجرى المرحلة الانتقالية وضبطه.

5- تدرك القوى التقليدية، من أحزاب وجماعات وشخصيات معتبرة، أنّ استقرار دولة جديدة بشروط دستورية وعملية جديدة، سيحّول مواقعها مستقبلا إلى درجة من التأثير في صناعة القرار يتناسب مع الحجم الحقيقي لشعبية كل منها على حدة، وبتعبير أدقّ: التناسب مع ما تحصل عليه عبر صناديق الاقتراع وفق ما يستقر من مواد دستورية وتقنينية. وتدرك أيضا أنّها "الآن" أقدر مما ستكون عليه في المستقبل، على تحقيق أكبر قدر ممكن من التغيير في صالحها، كي يكون نصيب بعضها عبر الاقتراع أكبر من نصيب بعضها الآخر.

إنّ سرعة تبنّي خطوات التغيير السريعة، وإن كانت جزئية، صادرة عن كثير من معطيات الهيكل القديم المنهار والقليل من معطيات مستقبلية جديدة، وتتناسب طردا مع درجة تنظيم تلك القوى (الإخوان المسلمون) ودرجة خبرة سابقة أو شهرة سياسية (عمرو موسى) أو علاقات دولية (محمد البرادعي) وتتناسب عكسا مع ما تتوقعه هي لنفسها من دور إذا ما استقرت أوضاع الدولة الجديدة على معطيات دستورية وتقنينية وسياسية جديدة تتطابق فعلا مع مقاصد الثورة.

بغض النظر عن النوايا بدأ على أرض الواقع فعلا زرعُ حقول الألغام، قصدا ودون قصد، ولكن بصورة تنحرف بمسار الثورة في اتجاه "صيغة تنافسية توافقية مشتركة" جديدة بين "قوى عسكرية وسياسية تقليدية" قديمة، ومهما كانت الحصيلة فلن تكون متطابقة بنسبة كافية مع مقاصد الثورة، وأوّل المعالم على هذا الصعيد:

(1) تمييع وصف القيدات الشبابية للثورة بإبراز وجود حركات شبابية متعددة، بعضها مرتبط بأحزاب وجماعات وحركات تقليدية فلا ينبغي إذن التركيز فقط على القيادات "المستقلة" عن هذه الارتباطات..

(2) تحجيم مفعول الوعي السياسي الكبير لدى القيادات الشبابية، وهو ما يظهر عند المقارنة بين الاضطرار إلى تراجع القوى التقليدية بصورة متكررة عمّا كانت تصنعه أثناء الثورة دون موافقة القيادات الشبابية وبين تحرّكها الآن، في المرحلة الانتقالية، دون الحرص على توافق مسبق ولا لاحق مع تلك القيادات الشبابية..

(3) تمرير مسلسل من الإساءات لسمعة القيادات الشبابية نفسها، تارة بأسلوب شائعات التشكيك، وأخرى بالتعريض بما أصبح عليه الوضع الحالي لميدان التحرير، وتارة ثالثة بصدور قرار عسكري رسمي لحظر الاعتصام –وبالتالي قطع استمرارية الرقابة الشبابية الثوروية بالصورة التي كانت عليها أثناء الثورة- في الميدان.

 

من مخاطر "التعديلات الدستورية"

تعني كلمة تعديل بحد ذاتها: الحفاظ على القديم، أي ما تصرّ قيادات الثورة على وجود مشروعية الثورة البديلة عنه، أي الرفض المطلق لسريان مفعول هذه المشروعية تطبيقيا، أو الانتقاص من ذلك على الأقل، ويعني إقرار التعديلات المطروحة على الاستفتاء على صعيد الواقع:

1- مدة قصيرة تعطي فرصة أكبر للفوز عبر الاقتراع لمن يمتلك الطاقة التنظيمية والخبرات السياسية، لمنصب الرئاسة ولتشكيلة نيابية جديدة.

2- بناء ما يلي ذلك من إجراءات بما فيها تشكيل هيئة صياغة دستور جديد وإعادة تشكيل المؤسسات وتشريع القوانين المؤقتة، للجهات التي أعطيت فرصة الفوز أكثر من سواها.

3- مهما بلغت الرقابة "الثوروية" على ما يجري فيكفي أنّه من المستحيل أن يشابه الوضع الاستبدادي السابق، من أجل صعوبة استنفار طاقة احتجاجات شعبية مليونية ضد "بقية المساوئ"، وأهمها غياب وجود ضوابط كافية للأسس الجديدة للدولة، لا سيما استقلال القضاء، توازن السلطات، الرقابة والمحاسبة..

4- نشأة مراكز قوى جديدة نتيجة غلبة الأساليب التقليدية السائدة قبل الثورة على ما يمكن تثبيته جزئيا من ضمانات لتحجيم مفعول مراكز القوى على صناعة القرار.

السرعة اللافتة للنظر في وضع التعديلات والاستفتاء عليها، تعني عدم مناقشتها شعبيا بما فيه الكفاية، وتعني صعوبة إضافة عناصر من شأنها الحدّ من سلبيات ما سينجم عن تمريرها، مثل حظر ترشيح من يفوز بالرئاسة الانتقالية نفسه لمنصب الرئاسة في أوّل انتخابات تجري بعد إقرار دستور دائم، ومثل شمول التعديلا للحد من الصلاحيات التي لا تزال سارية المفعول نتيجة عدم إلغاء الدستور القديم رسميا.

البديل الذي أسقطته سرعة صياغة التعديلات ومساعي تمريرها:

1- إذا كان في الإمكان إجراء عملية اقتراع "مضمونة" على الرئاسة والجهاز التشريعي، فلا شك بالمقابل في إمكانية إجراء عملية اقتراع مضمونة على تشكيل هيئة صياغة الدستور الدائم الآن، ووضع صلاحيات الرئاسة في أيدي مجلس رئاسي مدني بمشاركة عسكرية خلال الفترة الانتقالية لصياغة الدستور، الذي أكّد الخبراء إمكانية أن تكون فترة قصيرة نسبيا.

2- لئن لم يكن تسيير أمور الدولة (الأمن والتموين والسياسات العامة) مثاليا في هذه الفترة الانتقالية وفق ما سبق، فهو أيضا غير مثالي، بل أقرب إلى قابلية الانحراف عن مسار الثورة، إذا ما تمّ شَغْل منصب الرئاسة وتشكيل المجلس التشريعي/ النيابي عبر التعديلات دون إلغاء الدستور المعطّل شكليا المطبّق حتى الآن في ميادين عديدة.

3- إن صياغة دستور جديد في "كنف الثورة والرقابة المنبثقة عنها" هي الضمان لتثبيت مواد دستورية غير قابلة للتعديل، وآليات دستورية للحيلولة دون انحراف "دستوري" في فترة لاحقة، وهو الضمان الذي لا يتوافر بقدر مماثل إذا تمت صياغة دستور جديد في "كنف رئاسة ومجلس نيابي" وبالتالي تشكيلة إدارية ترتكز إلى موازين القوى التقليدية وقوالب عملها النمطية وفق ما كانت عليه قبل الثورة.

الحصيلة:

لم يعد ما يجري في مصر الآن حلقة منبثقة عما بدأ به مسار التغيير الجذري المفروض والمطلوب يوم 25/1/2011م، وما لم يتم تصحيح المسار الآن، قبل أن تفقد الثورة مزيدا من القدرة الذاتية على ضبط المسار، فلن يمكن تصحيحه بسهولة بعد ترسيخ مرتكزات وضع يحقق جزءا من أهداف الثورة دون جزء آخر هو الأهمّ في نطاق مسبباتها ومقاصدها.

 

الأرضية الإقليمية والدولية

رغم أنّ ثورة شعب تونس سبقت ثورة شعب مصر، لا يخفى أنّ جميع التحليلات والتوقعات تقول إن أثر ثورة شعب مصر إقليميا ودوليا هو الأثر الأكبر لأسباب لا حاجة إلى تعدادها في هذا الموضع. ولهذا لا ينبغي فصل ما يجري في مصر في المرحلة الانتقالية الراهنة، عمّا يجري إقليميا، ويمكن الاكتفاء لبيان ذلك بمثالين، من ليبيا واليمن.

لقد تحرّكت القوى الإقليمية والدولية مع ثورتي شعب ليبيا واليمن بعد أن تجاوزت مفعول عنصر المفاجأة في ثورتي شعب تونس ومصر. فلم يعد ما تسعى إليه مقتصرا على ردود الأفعال، بل يشمل في الوقت نفسه الجهود المقصودة من أجل قيام أوضاع جديدة في البلدين لا تخلو من قابلية إيجاد مرتكزات تسمح باستمرار ما يمكن استمراره من معطيات معروفة لمعادلة الهيمنة والتبعية قبل حقبة الثورات العربية.

بتعبير آخر: لا يراد لثورتي شعبي ليبيا واليمن أن تصلا ابتداءً إلى تحقيق الهدف الأول سريعا: إسقاط رأس النظام، كما وقع في تونس ومصر، فإن تحقق قريبا، لا ينبغي أن تأخذ الثورة مجراها في كل من البلدين في اتجاه بناء وضع جديد بمعنى الكلمة.

ظهر ذلك في ليبيا بوضوح كبير، فمع تقدير مدروس لموازين القوى ومعطيات الثورة السلمية ضدّ نظام قمع دموي، كان الانتظار لفترة طويلة نسبيا مقترنا بالتخلّي العلني والقطعي عن رأس النظام المنهار، وهو ما يعني انتظار وصول المواجهة على ساحة الثورة إلى مرحلة يصعب فيها الحسم السريع لصالح الثورة دون دعم خارجي، ومن شأن كل دعم خارجي إيجاد معطيات التأثير على صناعة القرار بعد تحقيق الهدف من الثورة.

وبدأ التعامل مع ثورة شعب اليمن بأسلوب مشابه، فقد جاء الدعم في صيغة مطالبة القوى المعارضة التقليدية بدعم مبادرات السلطة المنهارة تحت عنوان الإصلاح، وهو ما أعطى ما يسمّى الضوء الأخضر لتصعيد مواجهة الثورة السلمية بالقوة القمعية، كما حدث بالفعل في الأيام التالية لإعلان ذلك الدعم.

في الحالتين –وهو ما يسري على ثورات عربية فعلية أو محتملة أخرى- بات المطلوب إقليميا ودوليا "بناء سدّ" أمام تدفق "سيل الثورات العربية" بحيث لا تحقق ما حققته ثورة شعب تونس وثورة شعب مصر، ثم يمكن أن يكون لذلك مفعوله المضادّ لهاتين الثورتين أيضا، فتأخر تبدّل الوضع في ليبيا، ثم ترسيخ نتائج "دعم خارجي" في معطيات وضع جديد قادم على كل حال، سيكون –قطعا- مصدر تأثير سلبي بالغ الخطورة على التطورات المستقبلية في تونس ومصر والشمال الإفريقي عموما. وشبيه ذلك ما يمكن تحقيقه على صعيد شبه الجزيرة العربية عبر التعامل الإقليمي والدولي مع اليمن، وقد تتكرّر الصورة مع الأردن على الساحة السورية والعراقية واللبنانية تخصيصا.

إنّ حقبة الثورات العربية معرضة لأخطار –متوقعة- وجهود إقليمية ودولية تعمل على اصطناع "ردّة" تحول دون الوصول بها إلى حصيلة نهائية تتمثل في تغيير جذري شامل، وإن ما يجري في مصر الآن، مدخل بالغ الخطورة لاصطناع "ردّة" محلية تواجه حصيلة الثورة، وتمكّن من "تحجيم" التغيير الجذري الشامل المنشود، ومن شأن ذلك أن يؤثر على مستقبل المنطقة العربية على الاقل، وأن يسفر عن "تحجيم" التغيير الجذري المنشود فيها إجمالا.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ