ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 05/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

إضاءة خافتة على خطاب الدكتور بشار الأسد

يوسف فضل

...... وهكذا

وصلت إلى مقارنه طريفة بين ألقذافي والدكتور بشار وهي أن الأول يجعلنا نضحك فنسمع له ثم لا نفهم أما الثاني فنسمع له ونفهم ثم يجعلنا نضحك .

 

الأمر المحزن ولكنه حقيقي أن جاء الخطاب الارتجالي الذي وجهه الدكتور بشار إلى أعضاء مجلس الشعب السوري بنتيجة مؤداها أن أبقى على الجرح الداخلي مفتوحا لأن خطابه كان خاليا من المضمون . فهو قد دخل مجلس الشعب كدكتور لرئاسة الجمهورية السورية وخرج منه بدكتاتور متوج ومفوض لرئاسة الجمهورية السورية . مع أن الدكتور بشار شاب كان الأولى أن يدرك مطالب ثورة الشباب في بلده ويقدم بذكاء إيحائي جديدا في الأفكار لحلول حقيقية تفوق حتى مطالب المحتجين .

 

خطاب الدكتور بشار جعل الشعب السوري أكثر غضبا وستكون هناك تساؤلات أكثر فرزا إما مع إجراء الإصلاحات أو ضدها . إذ رحل الدكتور بشار الأزمة الداخلية إلى متآمرين في الداخل والخارج وكان واضحا مع نفسه ومعنا حين قال:" المؤامرة كبيرة، ونحن لا نسعى لمعارك... الشعب السوري شعب مسالم وودود، لكننا لم نتردد يوما في الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلا وسهلا بها ".

 

وهذا يفسر على أن كل ما هو ضد حزب البعث (ليس الشعب السوري) يعد بمثابة مؤامرة كبيرة وان حزب البعث لا يسعى لمعارك( هل أقول مثل الاحتجاجات الشعبية ) لأنه لا يريد أن يخاطر ببقاء حزب البعث وحقيقة أن الشعب السوري مسالم بدليل انه صبر على حزب البعث الاستاليني الطابع الشمولي في الممارسة مدة 30+11 سنة وأن الدفاع عن قضايا ومصالح ومبادئ حزب البعث إجراء طبيعي ولا تحتاج إلى ذكاء خارق لان المعركة ستكون صراع بقاء .

 

أعطى الدكتور بشار إيحاء بان الحكومة السورية سوف تواجه أزمتها الداخلية بالإجراءات الأمنية المشددة وأعطى الضوء الأخضر للقوات الأمنية لكي تكمل قمعها للشعب السوري بممارسة رياضة العضلات الخشنة وهو يستخدم الخوف والطائفية كأداة للتحريض على القتل . لأنه بقي أسير رموز الحرس القديم من مساعدين وأعوان وأقارب الذين توقف الزمن لديهم في عام 1963 . وان الإبقاء على فردوسهم في المحافظة على السجون لكل من يخالفهم من الشعب أو من أعضاء الحزب . أليس الجمود في الحياة والفكر كالتطرف فيه كلاهما مرض عضال، لكن عالم اليوم غير عالم الأمس.

 

وأضاف :" أن البقاء دون إصلاح هو مدمر للبلد. التحدي الأساسي أي إصلاح نريد" وأكد أنه " لا توجد عقبات في الإصلاح ، يوجد تأخير وان من يعارضون الإصلاح هم أصحاب المصالح والفساد ".

 

الاعتراف بالإصلاحات وتأخيرها عذر غير كافي يريد أن يقنعنا به الدكتور بشار لعدم أجراء الإصلاحات . ومن هم أصحاب المصالح والفساد الذين يعارضوا الإصلاح؟ أم علينا أن نسأل مايك فغالي منجم فضائية Otv عنهم . فإذا كان هناك معارضين للإصلاح فهذا ادعى للتعجيل بالإصلاحات لان المستفيد من التأخير هم أصحاب المصالح والفساد وكلما تأخرت الحكومة وصمتت عن الفساد كان إسهامها كبيرا في المشاركة في الفساد . ألم يقل الدكتور بشار " لا مكان لمن يقف في الوسط ، فالقضية ليست الدولة ، بل الوطن " فإذا كانت القضية بحجم الدولة لماذا لا تأتي الإجراءات بحجم الدولة أم أن رموز الفساد اكبر من الدولة ؟!

 

لم يشمل خطابه أي قرار إصلاحي !!! مع أن الإصلاحات هي احتياج سوري حقيقي وان تمت الآن بعد موجة الاحتجاجات وضغط الأحداث فلن تفسر على أنها أمرا انتهازيا كما قال الدكتور بشار. أم ننتظر ليكون التغيير قهري!!

 

" إن سوريا حصينة ضد ما حدث (يقصد في مصر وتونس) لأن النظام لم يفرط في المقاومة في وجه إسرائيل كما فعل الآخرون " هذا تصريح الدكتور بشار لصحيفة (وول ستريت جورنال في 31 يناير 2011) لكن ما حدث في سوريا يعني أن ( المقاومة ) ليست حصانه ضد مطالب التغيير لان كل مطالب التغيير هي داخلية وليست بسبب السياسة الخارجية لسوريا .أنسي أو تناسى الدكتور بشار أن مطالب شعبه هي نفسها مطالب الشعوب التي أيد ثوراتها.

 

حدد الشعب السوري خياره في التحدي الأساسي في الإصلاح الذي يريد :-

* منع استمرار تردي الوضع الاقتصادي وازدياد نسبة البطالة بين الشباب وفشل النظام في وضع خطة لتحسين الوضع المعيشي . إذ أفاد تقرير الفقر عن سوريا الذي أعده ممثل الأمم المتحدة في سبتمبر 2010 عن أن ما بين 2 و 3 مليون سوري يعيشون في فقر مدقع.

* تسلط حزب البعث وتصفيته للحريات .

* احتكار فئة معينة للسلطة والثروة ( معارضي الإصلاح).

* إهدار حقوق الإنسان السوري وغياب العدالة الاجتماعية .

* وضع صيغة وآلية لمكافحة الفساد .

* إنهاء العمل بقانون الطوارئ.

* إصدار قانون جديد للإعلام والأحزاب.

* منع الاعتقالات التعسفية .

* مطالب أخرى.............

 

دعا الدكتور بشار إلى وأد " الفتنة الطائفية" لان هذا العمل " واجب وطني وأخلاقي وشرعي" وأضاف " أن المتآمرين قاموا بالخلط بين ثلاثة عناصر : الفتنة والإصلاح والحاجات اليومية"

من المعلوم أن نسبة السنة في سوريا 74% وان العلويين 16% والمسحيين 10% واقل من 1% من المجموع يهود . من يقوم على الفتنة هم شبيحة السيد/ ماهر الأسد . ومن قام بالمجاز هم سرايا الدفاع .

 

دام الخطاب 40 دقيقة استشهد خلالها أكثر من مرة بآيات قرآنية علما انه على ارض الواقع اتخذت إجراءات بحق المعلمات اللواتي يتحجبن في المدارس والكليات لان النقاب" يتناقض مع القيم والتقاليد الأكاديمية " يعني لو مدرسة ارتدته من باب الحرية الشخصية فهذا غير مسموح به .

 

اعتبر البعض من أعضاء مجلس الشعب السوري أن خطاب الدكتور بشار هو بمثابة حظ السعد المتكرر لهم مما شجعهم على ممارسة هواية الهتاف والتصفيق حتى أن احدهم جنح بخيالة المسافر الخصب ليهتف " الوطن العربي قليل عليك يا سيدي . يجب أن تقود العالم ".

 

 

ما أود الوصول إليه ، لكي تكون الحياة كريمة معنا ونحبها بالميل للتمتع والاحتفال بها حتى الارتواء اعتقد ان منطقتنا العربية ستواجه بعد هذه الاحتجاجات والثورات عامل الاستقرار على القيم الجديدة لان المنطقة ستعاني من زخم المشكلات المتأصلة والمزمنة في المجتمعات العربية التي تعلقت أجيالها بحبال الحرمان والجهل والخوف .

 

إننا أمام معضلة ثانية وهي تشكيل العقول من حيث إرساء قيم الحوار والشفافية واحترام رأي الآخر وثقافته وديانته أي أننا طالما في بقعه واحده فمن حق أي إنسان بغض النظر عن جنسية أو ديانته العيش بكرامة كل حسب قدرته وحاجته .

 

إن الإنسان العربي المستقبلي عندما لا يريد الحاكم سوف لن يحتاج إلى إحداث فوضى واحتجاجات واستيلاء على السلطة فتصفيات منصبيه أو جسدية لتغيير الرئيس وإنما كل ما يحتاجه ورقة يكتب عليها " لا" ويضعها في صندوق الاقتراع . وبذلك نتخلص من الهتاف المبتذل المهين " بالروح بالدم ".

 

أرجو أن ينظر كل منا إلى ذاته كإنسان مختلف حتى تكون لنا تجارب وخبرات إنسانية جديدة تبني الحريات الكريمة ، لان الخبرة ليست ما يحدث لنا في هذه الحياة بل ما نقوم به من فعل تجاه ما يحدث لنا في الحياة، ولكي نبتعد عن الألم المضاعف إذا حولنا التجربة إلى ذكرى.

==================

القرضاوي في دمشق

د. محمد المحمد – سورية/حلب

لقد انطلقت الثورة السورية و بسرعة قياسية فاجأت المراقبين بل و الثوار أنفسهم و كأنها حلم يحقق المستحيل لقد كان بشار الأسد واقعياً جداً حين أكد أن ما حدث في تونس و مصر لا يمكن أن يتكرر في سورية فجميع المتابعين لمسيرة الحكم في سورية يعرفون مدى نجاح نظام الأسد الأب و الابن في قمع و تحجيم جميع فئات الشعب السوري بحيث أن القاعدة كانت تقول لا صوت مع الأسد فالكل صمٌ بكمٌ فهم مفزوعون فعلى الصعيد الداخلي و عند موت الأسد الأب كان البلد خواء مطلق فحتى لو كان بشار بعمر الثلاث سنوات لا الخامسة و الثلاثين لاستلم زمام الحكم من دون اعتراض فالحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية في سورية صحراء قاحلة أحرقها حافظ الأسد و لم يبقى منها شيء حتى الرماد هجَّره للخارج لذلك فعند استلام بشار للحكم في سورية لم تظهر نقاط ضعفه فلا خصوم له أبداً بل مهرجون امتهنوا السياسة كسباً للمال و حولوها إلى تهريج لإرضاء الأسد الصغير و هكذا مرت السنوات من دون أن يشعر أحد لا الشعب و لا حتى بشار نفسه فالعقود في كوكب سورية تمر و كأنها ساعات

لا يمتلك بشار عصى سحرية لإنجاز الإصلاحات يوم استلم السلطة و لا يمتلك حتى أفكار بعد أحدى عشر عاماً فما فائدة الأفكار هل ستوصله للسلطة فهو يمتلكها مسبقاً إذاً لا داعي لأفكار الإصلاح و لكن لا بد من الحديث عن الإصلاح بشكل دائم حتى يتذكر الشعب أنه أسير لدى السلطة تملك ماضيه حاضره و مستقبله و هو خانع ذليل لا يملك من أمره شيء فحتى التفكير هو حكراً على السلطة فلا داعي لأن يحلم الشعب فالنظام يحلم بدلاً منه بوعود الإصلاح و القاعدة أن لا يتحقق شيء منها حتى تظل أحلاماً في الخيال حتى يدمن الشعب على الحلم و ينفصل عن الواقع هذا بالضبط هو ما خطط له النظام طوال الفترة الماضية و ظن أنه نجح في ذلك لذلك كان خطاب بشار يسير ضمن نفس المخطط السابق و هو ما أكده في خطابه عندما اعترف بتأخير الإصلاح و برره بأن هذا من طباع السوريين فلماذا الاعتراض ألستم مدمنون على الأحلام فها أنا أعدكم بالأحلام مجدداً كما وعدتكم بها سابقاً و أنتم تعرفون أني لن أحقق شيء منها

بهذا المنطق يخاطب بشار الشعب السوري و لكنه مخطئ هذه المرة فكل المراقبين و السياسيين يعرفون أن قواعد اللعبة السياسية تغيرت منذ أن أحرق البو عزيزي نفسه في تونس و لكن بشار لا يفقه هذا و يقول يطلبون منَّا الانحناء للموجة و نحن لن ننحني فيرد عليه الشيخ القرضاوي بأن من يرفض التغيير سيداس بالأقدام و هذا ما حدث بالفعل مع من هو أكبر و أقوى منه قال الشيخ القرضاوي ( سيداس بالأقدام ) و لم تكد تصل هذه الكلمة إلى أسماع الثورة السورية حتى نفذتها بالحرف الواحد فرأينا شباب في نفس اليوم الذي قال فيه الشيخ القرضاوي ذلك في مدينة دوما يخرجون في مظاهرة و يسقطون لوحة معلقة في الشارع عليها صورة بشار الأسد و تدوس عليها كل المظاهرة إلا أن الشباب لم يكتفوا بهذا فقط بل فعلوا ما لم يقله القرضاوي فبعد أن داس آخر شاب على صورة بشار اجتمعوا ليحرقوها في وسط الشارع و أمام أعين الأمن السوري الذي لم يصدق ما يرى و جن جنونه فأطلق وابلاً من الرصاص على المظاهرة السلمية فسقط أكثر من عشرة شهداء و حوالي ستين جريحاً سكبوا دمائهم الطاهرة لإنجاز خارق لم يكن يحلم به أشد المتحمسين للثورة السورية و هنا أتوقف لأسأل هذا السؤال من كان يتوقع حدوث هذا بعد أسبوعين من بداية الثورة لقد تفاجأ المراقبون السياسيون من قدرة الثورة السورية على القيام بمظاهرة سلمية بعد مرور حوالي ثلاثين عاماً على آخر تحرك ضد النظام السوري أما بعد ما حدث في دوما فالعالم أكثر من متفاجئ و التلفزيون السوري عملاً بنصيحة سيف الإسلام القذافي بأن الإعلام يجب أن لا يظل صامتاً يورد خبر عن إحراق للعلم السوري في المظاهرات تغطيةً على فضيحة إحراق صورة بشار في دوما

الآن و بعد هذا التطور الهائل للثورة السورية نستطيع القول أنها قطعت ربع الطريق في الهدف الذي أعلنت عنه ضد بشار الأسد و أن المدة لن تطول قبل أن تأخذ شكل شبيه بالصورة المصرية و هي الاعتصامات في الساحات العامة و بأعداد مليونية ربما نفس المدة منذ بدايتها أو أطول قليلاً تكون حينها قد قطعت نصف الطريق و العصيان المدني هو النصف الآخر حتى إسقاط النظام سنرى حينها كيف سيخرج القرضاوي ليقسم أن الثورة السورية منتصرة لا محال و في حال حدوث ذلك فنحن سنقدم حينها دعوة باسم شباب الثورة للشيخ الجليل بالقدوم إلى دمشق ليؤم الجموع في صلاة جمعة النصر بإذن الله في ساحة الأمويين كما أمها في ميدان التحرير في القاهرة ليصير بحق شيخ الثورات العربية

==================

ولا تنازعوا فتفشلوا...!!

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

من أبسط مقتضيات الديمقراطية احترامنا للرأي الآخر واحتوائه فيما بيننا حتى لو اختلفنا معه، وليس مطلوبا من أي صاحب رأي أن يتنازل عن آرائه وقناعاته للتسليم بآراء الآخرين، ولكن بالمثل ليس مقبولا منه أن يفرض آراءه عليهم بالإجبار والقوة سواء المادية أو المعنوية، فبدهي أن ذلك ليس من الديمقراطية في شيء بل هو عين الديكتاتورية والتسلط والاستبداد والقمع!! وحقيقة لا يعقل أبدا أن يحاول كل صاحب رأي أن يفرض رأيه على الآخرين في جماعة ما أو حزب معين وإلا ينشق عنهم ويخرج عليهم!! فلو سلمنا بذلك فستصبح الجماعة الواحدة جماعات والحزب أحزاب، ولن يستقيم الأمر بتاتا لأي أحد، ولن تنجز نهضة أو تبنى أمة، ولن يحقق أي تقدم يذكر في أي مجال من مجالات الحياة؛ إذ ستتآكل قوانا وتتبدد طاقاتنا وتتبعثر جهودنا وينفرط عقدنا وسنظل نسعى في لا شيء!! وطبعا لا يستقيم ولا يعقل أبدا في العلاقات الأسرية والاجتماعية أن كل ابن يرفض والداه تنفيذ بعض رغباته أن ينشق عنهم ويترك لهم الأسرة ويستقل بنفسه عن أهله وذويه ويقاطعهم ويناصبهم العداء، وبالمثل لا يستقيم ولا يعقل أبدا في الحياة العسكرية أن ينشق كل ضابط عن كتيبته إذا رفضت بعض أفكاره، وكذلك هي الحياة السياسية فلا يستقيم أبدا، وليس من المنطق في شيء أنه كلما رفضت الغالبية أفكار أي قيادي بارز في حزب أو جماعة أن يستقل مباشرة عن حزبه أو جماعته ليؤسس له حزبا خاصا به، فهذا لا يعني سوى التشرذم والتمزق وضياع القوة والهيبة، وبالتالي فقدان ثقة الجماهير.

ومن المحزن أن نرى حالة التشظي والانقسام هذه في صفوف المصريين اليوم، خاصة الإسلاميين، فهؤلاء أخوان، وأولئك سلفيون وهؤلاء منشقون عن الأخوان من أتباع الأخ (س) وأولئك من أنصار الأخ (ص)، أما هؤلاء فمن سلفيي القاهرة، بينما أولئك من مدرسة السلفية السكندرية، أما هؤلاء فهم من أتباع الشيخ فلان، بيد أن أولئك من أنصار الشيخ علان!!

أيها الأحباب لماذا لا نتحد ونكون جميعا على قلب رجل واحد؟! لماذا نضيع الغايات الكبيرة الواضحة أمامنا جميعا جريا وراء أوهام المجد الشخصي، أو بحثا عن بعض المنافع البسيطة الجزئية التي تتراءى لنا هنا وهناك؟ ألا نتعلم من التجارب السابقة؟! ألا يحسن بنا أن نفيق قبل فوات الآوان؟! لماذا نحب الجري وراء السراب؟! لماذا نعشق التشتت والتمزق وإهدار الجهود والطاقات؟! لِمَ نغبن أمتنا، ونظلم قومنا، ونفجع أهلنا بنا، وقد وثقوا فينا وعلقوا علينا آمالا عريضة وها هم ينتظرون منا أن نحقق لهم العزة والحرية والكرامة والتقدم والرفاهية والازدهار؟! فلِمَ نخذلهم ونكسر قلوبهم؟! لماذا نتفنن في حقن شعوبنا العظيمة بجرعات قاتلة من اليأس والإحباط؟! لِمَ نغتال الأمل في نفوس الناس ونزرع بدلا منه الأسى والحسرة؟! لِمَ نقتل البسمة على شفاههم ونحيلها صرخة رهيبة تمزق أضلعهم؟! وبأي حق نصادر حق الأجيال الجديدة في حياة حرة كريمة؟!

فرق كبير بين حرية الرأي وحرية الاختلاف في الرأي وبين رغبة كل واحد في السيطرة على الآخرين وفرض رأيه عليهم، أو ينشق عنهم ويحاربهم ويتصدى لهم إن هم لم ينصاعوا له وينفذوا رغباته ويقتنعوا بآرائه ويستجيبوا له ويطيعوه في كل ما يريد!! ولا أدري أين ذلك من شعارات الحرية التي نرفعها جميعا هذه الأيام؟! وبكل صدق وإخلاص أقول إن المطلوب الآن من جميع القوى في مصر وعلى رأسها الإسلاميون بكل أطيافهم وتنويعاتهم أن يعلوا مصلحة مصر وشعبها فوق الجميع، وأن يفرقوا بين شئون السياسة وما فيها من مخاتلة ومناورة ومداورة وبين مصلحة مصر العليا، وعلى أهل الإعلام وأصحاب الكلمة أن يتقوا الله في مصر ويكفوا عن إثارة الفرقة والنزاع والإحن والأحقاد والضغائن والانشقاقات بين المصريين أيا كانت توجهاتهم السياسية أو مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية!! وفي هذه المرحلة التاريخية الحاسمة بالغة الدقة والحساسية ينبغي ألا ينشق عن الصف كل من له رؤية مختلفة عن غيره من زملائه داخل أي حزب أو جماعة، وينبغي كذلك ألا نقصي أي أحد من المصريين أو نهمش دوره لاختلافه معنا في الرأي، مهما كانت رؤيته السياسية ومرجعياته الفكرية أو الدينية، وينبغي أن يسود بين الجميع حسن الظن والتسامح وسلامة القصد والنية.

علينا جميعا مهما كانت قناعاتنا ومهما اختلفت أحزابنا، ومهما تباعدت رؤانا أن نتحد ونتعاون معا من أجل مصر وإعادة بنائها، وينبغي أن نبدأ مسيرة الإصلاح والنهضة على أسس متينة ودعائم راسخة قوية دون فرقة أو تنازع، وعلى جميع القوى السياسية في مصر وبخاصة الإسلاميين أن يضربوا لنا القدوة الصالحة والمثل الأعلى في التضحية والإيثار، وتقديم مصلحة مصر وأمتها العربية والإسلامية؛ لأنها مصلحة باقية دائمة بإذن الله على كل المصالح الشخصية الزائلة والمؤقتة، وليتنا نشكل ائتلافاً واسعا من كل الأطياف وكافة التوجهات لرسم خارطة طريق واضحة المعالم تحدد كيف تنهض مصر؟ وكيف نبني ديمقراطيتنا الحديثة ودولتنا المدنية ذات المرجعية الإسلامية(فكرا وحضارة وثقافة) على أسس راسخة ودعائم قوية من المشاركة الإيجابية وقبول الرأي والرأي الآخر دون فرقة ونزاع؟ قال تعالى: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [الأنفال:46] وقال عز وجل: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا" [النحل:92] "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [هود : 88].

* إعلامي وكاتب إسلامي مصري.

=====================

نظام فاشل لا يريد أن يتعلم من تجارب غيره!!

محمد فاروق الإمام

في مقال سابق لي تحت عنوان (مشكلة سورية في مصادرة حريتها وليس في إقالة محافظ أو وزير) وأجدد منبهاً النظام السوري الذي يلعب خارج ساحة الميدان.. إن إقالة الوزارة وتشكيل وزارة جديدة تختلف أقنعة الوجوه فيها وتتوافق بالمضمون والمحتوى، وقد سبق أن فعل نظام زين العابدين بن علي التونسي نفس اللعبة عندما كلف الاقتصادي محمد الغنوشي بتشكيل حكومة جديدة مبقياً على معظم رموز حكم بن علي فيها، وسار على نفس الخطى نظام حسني مبارك في مصر عندما كلف وزير الطيران أحمد شفيق بتشكيل حكومة جديدة جاءت بنفس الشخوص الفاسدة لنظام مبارك، وثبت بلا مجال للشك أن الحكومتين جاءتا لاستغفال الجماهير والاستهتار بعقولهم ظناً منها أنها بذلك ستمتص نقمة هذه الجماهير وتوهن من عزيمتهم، ولم تنطل على الجماهير لعبة هذه الأنظمة الفاشلة، فرفعت سقف مطالبها التي كانت تنادي بالإصلاح والتغيير، إلى المطالبة برحيل الرئيس، وأمام تشبث هذه الأنظمة بالحكم بوسائل ملتوية، رفعت الجماهير سقف مطالبها منادية بإسقاط النظام وقد تحقق لها ذلك، فسقط النظام الديكتاتوري في تونس بعد 23 يوماً من انطلاقة ثورة الشباب، وسقط النظام الديكتاتوري في مصر بعد 18 يوماً من انطلاق ثورة الشباب.

اليوم يلعب النظام السوري نفس اللعبة، وكأن ما حدث في تونس وما حدث في مصر كان في كوكب آخر غير كوكب الأرض، ويتعامل مع الانتفاضة الشعبية بعقلية الثمانينات من القرن الماضي، وكأن الزمن توقف ولم يتحرك كما خطط النظام السوري وأراد لسورية ولشعب سورية هذه المراوحة في المكان لأربعين سنة!!

النظام السوري بألاعيبه المكشوفة وحيله الساذجة التي لم تعد تنطلي – في ظل ثورة الاتصالات والأنترنت- على أطفال سورية وهم يتقدمون صفوف الانتفاضة، وجل الشهداء والجرحى والمعتقلين منهم، كما تنقل وسائل الإعلام العربية والعالمية التي تمكنت من اختراق أسوار تعتيم النظام السوري، وقد باتت فبركاته الممجوجة عبر وسائل إعلامه الخشبي الذي لا يستمع إليها أو يقرأها أو يشاهدها أو يصدقها إلا أنصاف الرجال وغوغاء النظام ورعاعه، وقد فضح النظام واحداً من أبرز أعضاء مجلس الشعب الشيخ (يوسف أبو رومية) الذي قال في مداخلة له بجلسة مجلس الشعب يوم الأحد 27-3-2011 (إن حوران ليست المحافظة التي تقبل الغدر أو الخيانة على هذا البلد العزيز، حوران معروفة بأصالتها وفي عروبتها وبوطنيتها، وتاريخ حوران ماضي ومجيد بمواقفها المجيدة الوطنية).

وأشار أبو رومية في مقطع فيديو، تم تداوله عبر موقع يوتيوب ووصل إلى الفضائيات العربية والأجنبية التي كررت تداوله على شاشاتها، إلى أن (رعونة العميد عاطف نجيب المسؤول عن الأمن السياسي في درعا الذي استدعى قوات الأمن بطائرات الهيلوكوبتر ونزلوا فوراً لإطلاق النار على المواطنين في درعا فأردى ما أرداه من قتلى وجرح ما جرح)، مضيفاً بأن (نجيب كان قد منع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى إلى المستشفى فأخذوا الجامع العمري مستشفى للجرحى، وكان الأطباء يستغيثون بالمآذن وأنا أسمعها في إذني وكنت موجود في درعا).

وأخيراً وجه الشيخ يوسف أبو رومية كلامه إلى رئاسة المجلس قائلاً: (أرجو من مقام الرئاسة أن تبلغ هذه الرسالة إلى السيد الدكتور بشار الأسد)، وأشار رومية إلى أن (الحوارنة كانوا ينتظرون فعلاً قدوم الرئيس الأسد إلى درعا لتعزية أهل القتلى، واعتبر لو كان الأمر هكذا لما حصل أي شيء في حوران رغم عدد القتلى والجرحى).

وما جاء على لسان عضو مجلس الشعب الشيخ أبو رومية ينفي دعاوي النظام في أن من افتعل الأحداث في درعا هم من المندسين أو العصابات، وأن فبركة وجود أسلحة وأموال في الجامع العمري هي من تلفيق الفرع السياسي في درعا.

كان على بشار أن يستمع لصوت العقل الذي جاء على لسان الشيخ أبو رومية ويذهب إلى درعا ويعزي بوفاة أبنائها ويأمر باعتقال مسببي الأحداث ويستمع إلى طلبات المحتجين الذين كانوا يرفعون شعار (بدنا حرية.. شعب حوران موجوعان) ولهذا الشعار مغازي ومعاني كبيرة وهي تخص الشعب السوري كله والكيان السوري كله من أقصاه إلى أقصاه وليس فقط مطالب اجتماعية ومعيشية تخص درعا وحدها، كان على بشار أن يصيخ السمع إليها بقلبه وعقله ويسارع إلى اتخاذ الإجراءات التي تحول دون تفجر شلالات الدم كما حدث في تونس ومصر، وحتى لا يذهب بعيداً في أتون نفق ليبيا واليمن الدامي، ويختصر الطريق ويحرق المسافات ويطوي الزمن، لأن اللعب على أوتار الزمن ليس في صالح النظام ولا في صالح سورية والشعب السوري، كان على بشار أن يأمر بإلغاء قانون الطوارئ وكل الأحكام التي ترتبت على إعلانه، وإطلاق سراح السجناء من أصحاب الرأي، وإلغاء القوانين الاستثنائية، وفتح أبواب الوطن لعودة المهجرين والمنفيين، وحل مجلس الشعب والجبهة الوطنية التقدمية، وتشكيل وزارة مؤقتة من خارج النظام تحظى برضا الجماهير، تشرف على انتخاب هيئة تأسيسية تقوم بإعداد دستور عصري وقانون لتشكيل الأحزاب، وتتفق على نظام حكم جديد، وطرح هذه القوانين على الجماهير السورية للتصويت عليها، والالتزام بما تقرره هذه الجماهير، ومن ثم دعوة الجماهير لانتخابات برلمانية بموجب قانون انتخابي جديد يلبي أماني الجماهير وتطلعاتهم ويكفل النزاهة والحيادية والشفافية، وبمراقبة من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمنظمات العربية والدولية ذات الاختصاص، بعد ذلك يتقدم الرئيس بشار الأسد باستقالته ليتثنى انتخاب رئيس جديد للبلاد عبر صناديق الاقتراع دون إقصاء أو شروط تعجيزية، تكفل وصول الأنسب والأحق في قيادة البلاد ولأربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولو فعل ذلك بشار لدخل التاريخ من أوسع أبوابه ولكتب اسمه بماء الذهب، ولو فعل بشار ذلك لقام في سورية نظام ديمقراطي يكون قدوة وحديثاً على ألسنة الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكنه لم يفعل وباعتقادي أنه لن يفعل والوقائع على الأرض تشير إلى ذلك وتؤكد عليها!!

النظام الفاشل في دمشق لا يريد – كما قلنا - الاتعاظ بما قامت به أنظمة الاستبداد والقمع في كل من تونس ومصر، وهو يسير على خطاها خطوة خطوة.. يوزع الاتهام جزافاً مرة على المندسين ومرة على عصابات مسلحة مجهولة ومرة على عملاء للصهيونية ومرة على أصوليين إسلاميين يريدون جر البلاد إلى فتنة طائفية، ومرة إلى مؤامرات أعداء سورية لدعمها المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ثم يجيّش طلبة المدارس وعمال المؤسسات والمصانع وموظفي الدولة والاتحادات المهنية وشبيبة الثورة واتحادات الفلاليح وأعضاء حزب البعث الشمولي في مسيرات ترفع صور الرئيس بشار، وحناجر الكل تصدح مكرهين أو طواعية تصدح بشعار ممجوج (بالروح بالدم نفديك يا بشار).. (الله.. سورية.. بشار وبس).. وهذه المسرحيات المستهلكة لن تفيد النظام في شيء أو تمد في عمره فالعاصفة هبت ولن توقفها عصا أمن غليظة مهما ألهبت ظهور الجماهير التي انفلتت من عقالها فلا خوف بعد اليوم، فالنظام السوري ليس عصيّاً على الشباب السوري الذي استلهم العزيمة والإصرار من أشقائه شباب تونس وأشقائه شباب مصر، ولن يكون أقل منهم مصابرة ومجالدة وفداء وتضحية حتى تحقيق أهداف ثورته في إسقاط النظام ورحيل رموزه.

===================

لبنان: محاكمات إعلامية استناداً لوثائق أميركية

حسان القطب*

دأب حزب الله دائماً على اتهام الولايات الأميركية والأجهزة الصهيونية بمحاولة دس الفتن ومحاولة الإيقاع بين مكونات المجتمع اللبناني لإضعاف المقاومة ومشروعها وجمهورها، وفي الفترة الأخيرة كان الهم الأساس لحزب الله التشكيك بالمحكمة الدولية، والتنبيه من تداعيات قرارها الاتهامي في حال اتهمت حزب الله أو بعض عناصره بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري أو غيرها من الجرائم، باعتبارها محكمة مسيسة من قبل الأميركيين والغرب عموماً وتستهدف المقاومة ودورها...وفي هذا الإطار كان تصريح للشيخ نبيل قاووق احد قادة حزب الله: (حيث أكد أن المقاومة لا تخشى التهديدات الدولية والمناورات السياسية والاتهامات الزائفة ولكنها تقرع جرس الإنذار لتفادي الأسوأ ولتحمي لبنان والمنطقة وتقفل الأبواب أمام أي تسلل صهيوني أو أمريكي للعبث في الداخل اللبناني وإثارة الفتن)... فالاتهامات زائفة كما يقول وهدفها الفتنة وبالتالي لا مصداقية لوثائق أو بيانات صادرة عن هذه الجهة طالما أنها تتهم حزب الله..

وبتاريخ 22-03-2011 نشرت صحيفة الانتقاد الصادرة عن حزب الله، صور بعض القادة السياسيين اللبنانيين المتهمين من قبل حزب الله بالتآمر وأطلقت عليهم لقب(المتآمرون على لبنان) خلال حرب تموز/يوليو 2006، ووقائع وتفاصيل محاكمة صورية شكلية جرت لهم، حيث كتبت الجريدة..: (ولأن حرب تموز 2006 كانت وستبقى قضية بحجم الوطن.. ولأن الأحكام عادة ما تصدر باسم الشعب اللبناني.. لذا فقد لجأنا إليه واضعين الحقائق بين يديه ليكون الحكم بالعدل لديه.. مقدمين أمامه دعوى صورية في محاكمة افتراضية رمزية.. لفريق سياسي ضلّ الطريق فتآمر على لبنان وأبنائه خلال حرب تموز 2006، مرتكبا أشنع الجرائم والمؤامرات... وهي خطوة افتراضية رمزية يأمل الكثير من اللبنانيين بأن تتحول إلى حقيقة ملموسة، وأن يكون القضاء بمستوى التحديات.. فيتصدى لمحاسبة المسؤولين والمتآمرين.. منعاً لتكرار سيناريو التآمر مجددا على لبنان وحقناً لدماء المزيد من اللبنانيين في أي حرب مقبلة). أم الجهة المدعية فقد اختارت لها الصحيفة أو الكاتب أسم (المدعي: شرفاء لبنان) بموجب هذا التوصيف تم شق الصف اللبناني إلى فسطاطين الشرفاء ويمثلهم حسن نصرالله وجمهوره، والمتآمرون ويمثلهم: المدعى عليه: فريق 14 آذار ( فؤاد السنيورة – سعد الحريري – سمير جعجع – بطرس حرب – فارس سعيد – مروان حمادة ...) وكل من يظهره التحقيق شريكا أو متدخلا أو محرضا)... أما موضوع الادعاء فهو.: (الموضوع : مؤامرات فريق 14 آذار خلال حرب تموز 2006).. وهذا الاتهام هو ما اعتدنا إطلاقه من قبل فريق حزب الله ونبيه بري وسواهم من أتباع النظام السوري في لبنان.. وكذلك من أوصاف وألقاب ومبررات... أما المستندات التي بموجبها تقدمت الصحيفة بالادعاء الصوري والشكلي ولكن الإعلامي والشعبي، فهي كما ذكرت: (كشفت العديد من الوثائق التي نشرتها صحيفة "الأخبار" اللبنانية بدءا من تاريخ 15 تموز/يوليو 2011، أن خلاصة تلك الوثائق المنشورة الصادرة عن السفارة الأميركية في بيروت بتواريخ مختلفة والمصنفة بأنها سرية، تظهر بأن ثمة فريقا سياسيا لبنانيا تآمر على وطنه لبنان، وسعى لاستدراج عدوان عليه فضلا عن سعيه لإطالة أمد الحرب)..بناءً على ما سبق ذكره فإن هذا الأمر يدفعنا للتساؤل بل وبطرح بعض الأسئلة:

- كيف تكون تلك الوثائق الأميركية المسربة مصدر ثقة لفريق دأب على اتهام الولايات المتحدة بالتحريض على الانقسام الداخلي وإشعال نار الفتنة ضمن المجتمع اللبناني وبين مكونات المجتمع اللبناني..

- لماذا يرفض حزب الله الاعتراف بشرعية المحكمة الدولية ومصداقية وثائقها وتحقيقاتها، وهي ذات طابع دولي، ويدعونا للوقوف بجانبه في رفضها، طالما انه يعترف بمصداقية وثائق أميركية المنشأ والتسريب فقط، ويدعونا في الوقت عينه كذلك لتصديقها وإجراء محاكمات شعبية بناءً عليها..؟؟

- ألا يعتبر ما ورد في مضمون ما نشر وخاصة فيما يتعلق بمعاقبة المتهمين أميركياً ولكن بقناعة كاملة من حزب الله، حين نقرأ ما مفاده..(هي خطوة افتراضية رمزية يأمل الكثير من اللبنانيين بأن تتحول إلى حقيقة ملموسة) بأن هذا الكلام من الوجهة القانونية البحتة دس وتحريض وتهديد للسلم الأهلي والعيش المشترك..

- ألا يعني هذا الكلام التحريضي الصريح بأن السلاح بين يدي هذه المجموعة من الناس خطراً يتهدد امن اللبنانيين والسياسيين والإعلاميين وسائر من يناقض مواقف حزب الله وطموحاته وأهدافه. وأن كل من ترغب الإدارة الأميركية بالتخلص منه سياسياً يكفي زج اسمه بوثيقة أو مستند من هذا القبيل عبر نفس المصدر أو سواه..؟؟

- كيف يتهم فريق لبناني بإشعال الحرب والعمل على إطالة أمدها وهو لطالما كان ضد الحرب وأعلن رفضه لها لحظة نشوبها، واتهم حينها بأنه ضد منطق المقاومة والممانعة، كما أن هذا الفريق لم يقم بأية عملية اختطاف أو اعتقال أو أسر لجنود إسرائيليين عبر الحدود، ولم تقم القوى الأمنية الرسمية اللبنانية بأية عمليات هجوم مسلح على الإطلاق، ولم تقم بإطلاق النار إلا في حالات الدفاع عن النفس ولحماية مواقعها من أي عدوان، رغم أنها كانت تحت إمرة الفريق السياسي المتهم والذي يحاكم إعلامياً وبناءً على مستندات أميركية..؟؟

- إذا كانت قيادات فريق يمثل الأكثرية النيابية والشعبية الحقيقية التي لم تخف من لابسي المعاطف السود ومن يمثلهم، متهمة من قبل حزب الله وأعوانه، استناداً لوثائق أميركية، فهذا يعني أن حزب الله يتمنى الرغبة الأميركية، ويؤسس لانقسام داخلي خطير، يقوم على مبدأ من ليس معي فهو ضدي وخصمي، وهذا يتطابق مع ما أطلقه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش خلال أزمة أبراج نيويورك في أيلول/سبتمبر من عام 2001...

- ماذا لو قرر الفريق الأخر الذي تعرض للاعتداء في أكثر من مناسبة بالسلاح وبغيره من الأدوات، اللجوء للأسلوب عينه ومطالبة جمهوره بمحاكمة كل من ارتكب بحقه جريمة أو أساء إليه، مادياً ومعنوياً وجسدياً..؟؟ وما أكثرها..؟؟

إن الحرب المدمرة التي اندلعت في تموز/يوليو من عام 2006، بتداعياتها ونتائجها وخسائرها وفضائحها كان يجب أن تكون حافزاً لتوحيد صفوف وشرائح ومكونات الكيان والمجتمع اللبناني، خاصةً بعد التلاحم والترابط والتماسك الذي أظهره الشعب اللبناني في مواجهة العدوان وإبان العدوان وبعده، ولكن هذا الفريق الذي يحتكر السلاح والبطولات وتاريخ الحروب والانتصارات، يأبى إلا أن يقود البلاد نحو الانقسام والتفرق، ونكء الجراح وفتح ملفات الحرب الأهلية وإعطاء أوصاف وألقاب لهذا وذاك، ونزعها عمن لا يرغب ويريد، وتجاهل ممارسات ارتكبها هو نفسه أو بعض حلفائه، بل وإلقاء التهم الخطيرة كالتي وردت أعلاه، بحق كل من لا يرتضي الخضوع لمشاريعه الداخلية والارتباط بأجندته الإقليمية، بل ووصل به الأمر إلى إقامة محاكمات إعلامية علنية، تؤسس لصراع داخلي خطير ومقيت ويخدم مشاريع ما برح يبلغنا أنه ضدها وان سلاحه مخصص لمواجهتها، ولكن العكس هو الصحيح، وما جرى في البحرين وساحل العاج بحق المغتربين اللبنانيين بناءً على ممارسات هذا الفريق السياسية والإعلامية، وتدخله في الشأن الداخلي لدول أخرى صديقة، يدل وللأسف على تجاهل هذا الفريق لمصالح اللبنانيين ومستقبل أبنائهم وطموحاتهم وتطلعاتهم لصالح علاقاته ومصالحه وارتباطاته.. وقد يستحق هذا الفريق المحاكمة على ما اقترفه داخلياً وخارجياً ولكن في محاكمة حقيقية ليست صورية أو شكلية...

*مدير المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات

hasktb@hotmail.com

=======================

ثورة سورية.. وقناة الجزيرة

هل ستفقد القناة بعض مصداقيتها ورصيدها لدى الشعوب؟..

نبيل شبيب

أثناء ثورة شعب مصر، وتعرّض قناة الجزيرة الفضائية لهجمة شرسة متعددة المصادر، من عناوينها: الخروج على المهنية الإعلامية، وممارسة إعلام تحريضي، وما شابه ذلك، نشر كاتب هذه السطور في شبكة الجزيرة مقالة بعنوان "الإعلام المنحاز" كان من فقراته:

(إن الإعلام الذي يعجز عن التصرف مخترقا قيود الواقع المفروض في إطار نظام استبدادي.. ليس إعلاما، ناهيك أن يكون مهنيا).

(لا مصداقية –مهنية أو غير مهنية- لوسيلة إعلامية أيّا كانت، عندما تقتصر كليا أو بنسبة عالية، على نشر "المباح".. بمعنى ما يقول به النظام فقط، أو يسمح بقوله، وهو الذي يملك ما يكفيه من وسائل الإعلام المؤتمرة بأمره لنشر ما يريد وإخفاء ما يريد).

(إن الإعلام الذي لا ينحاز إلى الشعوب هو الإعلام المنحاز للأنظمة، فإن كانت مستبدة فاسدة، فهو إعلام منحاز للاستبداد والفساد، ولا مجال هنا للتعليل القائل بضرورة التزام الحياد، فلا يتحقق الحياد بأي معيار قويم من خلال الوقوف على مسافة واحدة بين القاتل والقتيل، والمجرم والضحية، والسجان والسجين، والهراوات والأجساد، والرصاص والجراح).

 

الانحياز إلى الاستبداد

آنذاك.. أثناء ثورة شعب مصر بعد ثورة شعب تونس، بدأت فضائيات أخرى تنافس الجزيرة في "انحيازها" إلى الشعوب، إنما لا ينطلق بث تلك الفضائيات من أرض عربية، مثل "بي بي سي – العربية" من لندن، و"فرانس 23 العربية" من باريس.

الآن.. أثناء ثورة شعب سورية ضد الاستبداد تحول كثير من الحريصين من خارج سورية على انتصار شعب سورية كحرصهم على انتصار الشعوب الأخرى على الاستبداد، لمتابعة ما يجري على القنوات الأخرى –واستعادت قناة "العربية" مثلا كثيرا من المكانة التي افتقدتها من قبل- فقد اهتزت مصداقية قناة الجزيرة إلى حد بعيد، وبدأت تساؤلات مريرة تُطرح عبر الشبكة، لا سيما في صفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011" على موقع فيس بوك، عن انحياز الجزيرة إلى الاستبداد وليس إلى الشعوب، أو بالتعبير الوارد في المقالة المشار إليها إعلاه: إلى القاتل لا القتيل، والمجرم لا الضحية، والسجان لا السجين، والهراوات لا الأجساد، والرصاص لا الجراح.

لقد أصبح شباب الثورة داخل سورية وكل من يتابع الثورات العربية من المغتربين عبر الفضائيات يرصدون بوعي كبير وأسى متصاعد، كيف تتجاوز الجزيرة نفسها "أحيانا فقط" ولفترة وجيزة، فتنقل بعض الأخبار عما يجري فعلا في المدن السورية، وتورد بعض الشهادات على ألسنة الحقوقيين والناشطين، ثم تعود مجددا إما إلى غياب شبه مطلق، أو إلى نقل ما تقول به السلطات والإيحاء المباشر بأنه أقرب إلى الصحة مما تقول به مصادر الثوار.

من معالم الانحياز عبر الرؤية المهنية:

1- أثناء الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا، لم ينقطع أسلوب "شاهد عيان" واعتباره مصدرا من مصادر الأخبار، وغاب ذلك في قناة الجزيرة في متابعة ثورة شعب سورية، إلا بحد أدنى يوحي بالرغبة في "عدم تضييع المصداقية بصورة فاضحة".. بل لم يتردد أحد المعلقين في الجزيرة مباشر عن القول تعقيبا على نص شهادة مؤلمة عن تعامل السلطات مع الجرحى في شوارع درعا، بأنه سمح بهذه الشهادة ولكن لعلها كاذبة فهو لا يستطيع التحقق من محتواها.. وكان الاتصال من جانب شاهد عيان وليس من جانب القناة، فهل كانت القناة تتحقق من صدق كل "شهادة عيان" أثناء الثورات الأخرى، أم كانت تعتبر "شاهد العيان" مصدر أخبار بسبب التعتيم الاستبدادي الإعلامي؟..

2- أثناء الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا، لم ينقطع أسلوب بث المقاطع المصورة من جانب الثائرين أثناء المظاهرات، تحت طائلة المخاطرة بالنفس، وكانت الجزيرة تدعو المواطنين في قلب الثورة إلى إرسال ما يستطيعون إرساله إلى صفحة "شارك" التابعة لشبكة القناة.. إلا في ثورة شعب سورية، فعلاوة على تغييب هذه الدعوة، كان ما يُبث بحد أدنى للغاية أيضا، من باب "عدم تضييع المصداقية بصورة فاضحة".. بل لم يكن بثه مواكبا للحدث إلا نادرا، بعد أن كانت قناة الجزيرة في الثورات الأخرى مصدرا من مصادر تناقل أخبار المظاهرات الجماهيرية وفتك أجهزة القمع به، داخل البلد الثائر نفسه، تونس، مصر، اليمن، ليبيا.. فأصبح بث المقاطع المصورة المعدودة في حالة سورية يأتي في وقت متأخر غالبا، وأحيانا في اليوم التالي رغم توافرها السريع من جانب الثائرين.

3- في حالة الانحياز إلى الشعوب الثائرة كانت قناة الجزيرة سباقة إلى نشر أخبار الاعتقالات، مَن اعتقل، وأين اعتقل، وكيف اعتقل، وعلام اعتقل.. وتسارع إلى الاستشهاد بأقوال الحقوقيين وسواهم، لتأكيد خطورة جريمة الاعتقال العشوائي.. وفي حال الانحياز إلى الطرف الآخر في صورة شعب سورية، بلغ المعتقلون ساعة كتابة هذه السطور –مثلا- المئات في أنحاء سورية خلال 24 ساعة عقب جمعة الشهداء في 1/4/2011م، وتعاملت قناة الجزيرة مع هذا الحدث من أحداث الثورة كما لو كان من قبيل ما يُسمى "كذبة نيسان/ إبريل"، فورد في بعض النشرات أحيانا خبر هامشي عن أن المرصد السوري لحقوق الإنسان يقول كذا وكذا عن الاعتقالات.

4- لم تنقطع قناة الجزيرة في ثورات شعوب تونس ومصر واليمن وليبيا عن إيراد "الرأي والرأي الآخر" إنما ظهر انحيازها "الواجب" للشعوب الثائرة باتباع أسلوب مهني يستعين بالخبراء والمعلومات وحتى البيانات المعدة من جانب فريق الجزيرة، لتفنيد الرأي المعبر عن الاستبداد.. وانقلب ذلك رأسا على عقب في التعامل مع شعب سورية الثائر، ومن جوانب ذلك مثلا إيراد الرأي شبه الرسمي، أي الاستبدادي، عقب ما قد يورد في حالات معدودة على ألسنة حقوقيين ومعارضين سوريين، بحيث ينفسح المجال للرد "شبه الرسمي الاستبدادي" عليهم في خاتمة فقرة من الفقرات (وهو أسلوب معروف لدى الإعلاميين عندما يحرصون على الجمع بين المهنية ظاهريا وإعطاء فرصة أفضل للرأي الذي يرونه هم بين ما يسمى الرأي والرأي الآخر).

5- أصبحت قناة الجزيرة عندما تنقل شيئا عن "وكالات الأنباء" حول ثورة شعب سورية، تركز فجأة على ما يمكن اعتباره "أهون الشرين"، ومثال ذلك الإصرار على ما ذكرته وكالة رويترز بشأن شهداء دوما يوم جمعة الشهداء وأنهم 3 وتجنب ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية أنّهم 9.. ولم تنشر بعد ذلك في النشرات التالية سوى تكرار ما أصبح قديما وقد أصبح عدد الشهداء بالعشرات، ومن يعلم شيئا عن خفايا صناعة الخبر يعلم أن ذلك –كما هو الحال مع ما سلف ذكره- مطلوب ومقصود بناء على قرار.

 

من أجل مكانة قناة الجزيرة

يمكن تعداد المزيد من الأمثلة.. ويمكن توثيقها، إنما لا تستهدف هذه السطور القيام بدراسة إعلامية، ولكن إيراد بعض الخواطر للتذكير بعدد من الأمور:

1- يعلم كاتب هذه السطور –بحكم المهنة والمتابعة- أن قناة الجزيرة أحدثت "ثورة إعلامية" في حقبة بالغة الصعوبة على صعيد ممارسة العمل الإعلامي في البلدان العربية والإسلامية، ودفعت ثمن "انحيازها" إلى الشعوب أكثر من مرة في أكثر من بلد.. ومن باب الحرص على هذا الموقع "التاريخي إعلاميا" بمعنى الكلمة، لا ينبغي أن تُصيب هذا الرصيدَ لوثةُ انحيازٍ إلى الاستبداد وقمعه ودمويته كما تشهد عليه يوميات تعامل السلطات مع ثورة شعب سورية، لا سيما وأن هذه اللوثة تأتي في "حقبة الثورات العربية" التي ستغير عاجلا لا آجلا خارطة المنطقة.. بما فيها الخارطة الإعلامية.

2- لا يوجد إعلام مهني مستقل مائة في المائة.. إنّما الأمور نسبية، وهذا ما أعطى قناة الجزيرة لفترة طويلة مكانة الصدارة، دون توهم أنها بلغت حالة "مثالية" من الاستقلالية والمهنية معا.

3- مع كل التقدير لدور أي وسيلة إعلامية بما في ذلك قناة الجزيرة، وتقدير "انحيازها" الواجب للشعوب في تونس ومصر واليمن وليبيا، لا يغيب عن الأذهان أن "إثبات المهنية والمصداقية" مع الانحياز للشعوب، لا يظهر بصورة أقوى وأوضح للعيان، إلا في الحالات "الحرجة".. وبتعبير أوضح: تظهر المصداقية بقوة عندما يتحقق الانحياز للشعوب الثائرة في مثل حالة سورية، نظرا إلى ما هو معروف عن العلاقات السورية-القطرية، بل ونوعية التفكير الغالبة على جهاز تحرير أخبار الجزيرة وقربه من الاتجاه الذي يزعم النظام الاستبدادي القائم في سورية أنه يمثله على صعيد تمثيل تيار قومي عربي.

4- لقد ارتفع مستوى الوعي لدى "المستهلك الإعلامي" ارتفاعا كبيرا، وينبغي على المسؤولين في قناة الجزيرة –وسواها- أن يدركوا أن الحصول على تقدير الشعوب في فترة ما، أو قضية ما، لا يعني استمرار ذلك التقدير دون حدود، ولا في كل قضية.. والإعلام هو الموجود "في الامتحان" وليس الشعوب، التي تثور شعبا بعد شعب لاستعادة إرادتها وسيادتها.

5- ليس فيما سبق ما يستهدف قناة الجزيرة.. فكاتب هذه السطور يقدر دورها الإعلامي الكبير في الثورات العربية في أي بلد، ولا يميّز في ذلك بين تونس وسورية، أو مصر وسورية.. أو أي بلد عربي أو إسلامي آخر وسورية، وتخصيص قناة الجزيرة بالحديث، يؤكد أهمية هذا الدور، مع التأكيد المطلق أن المرجو لجميع وسائل الإعلام الناطقة بالعربية دون استثناء، أن يرتفع مستوى أدائها الإعلامي، مهنيا، جنبا إلى جنب مع ارتفاع مستوى تمسكها برسالة إعلامية صادقة فاعلة تنحاز إلى الشعوب والمصلحة العليا للشعوب وللبلدان العربية والإسلامية.. فهذا ما يضمن لها المصداقية اليوم وغدا، في حقبة غلبة وجود الاستبداد، وفي حقبة انتصار الثورات.

6- لا يثبت غدا في قمة إعلامية سامقة في ظل تحكيم إرادة الشعوب، من لا يثبت اليوم في قمة إعلامية سامقة رغم استبداد الأنظمة، رغم المخاطر.. وهذه مناسبة للتعبير عن أقصى درجات التقدير والإكبار إزاء أولئك الذين دفعوا حياتهم ثمنا لأداء رسالتهم الإعلامية، من طواقم عدد من القنوات الفضائية والوسائل الإعلامية الأخرى، وإزاء من يتعرّض للأذى والاعتقال كطاقم الجزيرة المحتجز حاليا في ليبيا، علاوة على التعبير عن مشاركة ذويهم وأهليهم المعاناة ألما وقلقا، وسؤال الله تعالى أن يحسن جزاءهم جميعا.

=======================

النظام السوري والمسيرات المزوّرة

بدرالدين حسن قربي

مظاهرات بعشرات الآلاف أطلقها النظام السوري إظهاراً للدعم الجماهيري لشخصه وسياساته، وتأكيداً على التفافها حول قيادته المقاومِة المستبدة والممانِعة الفاسدة، والناس فيها كلهم حول رئيسهم وناسه بين حالات اللف والالتفاف والملفوف، ولايقع فيها حادث واحد من قتل أو جرح أو ضرب بعصي أو غاز مسيّل للدموع أو حتى إطلاق للرصاص في الهواء. وهي بالتأكيد، مسيرات مبرمجة مسيّرة ومأمورة مزوّرة من قبل أجهزة النظام ومؤسساته الأمنية والرسمية ومغطّاة من قبل أجهزة إعلامه، تشخصن الوطن بالفرد، الذي تفديه بالغالي والرخيص وأن أرواحها ودمها فدوى له، مع أن التظاهر ممنوع حسب قانون الطوارئ المعمول به في سورية منذ قرابة خمسين عاماً. أما مظاهرات الاحتجاج والتي توصف بآحاد الأرقام وعشراتها المعارضِة حسب الرواية الرسمية للنظام وسياساته، والتي تُظهر شعاراتها التفافها حول الوطن لأنه عشقها وهي تفديه بالروح والدم، وأن لها عشيقة هي الحرية، وأن معارضتها هدفها إنهاء القمع والاستبداد والخلاصمن النهب لثروات البلاد والعباد من قبل جماعة النظام ومقربيه، تواجَه هذه المظاهرات البسيطة بالرصاص وكل أدوات القمع من حرس جمهوري وأمن وشبيحة. وعليه،فإن مظاهرات غير الموالين ممنوعة ومقموعة لأن البلاد في حالة إعلان طوارئ لاتسمح بمثل هذه الأعمال التي توهن الوطن، وتضعف نفسيته خصوصاً لمن هم في قمة النظام، فنداءاتها وشعاراتها وبكلماتها المعدودات بعيداً عن الشخصنة والتعبد تجعلها مخيفة بل مرعبة لهم، لأن من بيدهم الأمر يعلمون حقيقة التسيير والتدبير والتزوير فيما يسيّرونه ويفعلونه. ومن ثم فلو كان متظاهرنا فرداً واحداً فإنه مرعبهم، فليس غريباً أن يكون هو ذالك الرجل الذي تقمص روح الشاب بوعزيزي مخلّص الشعب التونسي، الذي كان السبب الرئيس في الرحيل المبكّر لابن علي. ومثله في الرعب أيضاً إذا كان النداء كلمةً وحيدةً لاغير اسمها حرية. وعليه، فكيف إذا كان الفرد أفراداً ومئاتٍ وآلافاً، وكيف إذا كانت الكلمة الواحدة كلماتٍ وسطورأً بل جملاً ومقالات.

فلئن قالوا: مسيراتنا بمئات الألوف تتحداكم، ونحن مستعدون ولدينا من القوة والسلاح مايقمعكم ، قلنا:كذلك قال الذين من قبلكم في تونس ومصر وليبيا، ولكنه الباطل لايبدئ ولايعيد، غثائية خادعة تُجسّد المستبد القامع والفرد اللص الفاسد، من خانة(اللي بيقتل) شعبه خاين.ولئن قالوا: مظاهراتكم بالآحاد والعشرات، قلنا:ماينفع الناس يمكث في الأرض، وهؤلاء القليلون هم ملح الأرض يرعبونكم ويهزون كراسيكم بقلوب مؤمنة بعدالة قضيتها، وألسنة تلهج بنداء حريتها: حرية حرية، وبالروح بالدم نفديك سورية، وإلا لم كل هذا التوحش في القتل وإراقة الدماء في وجه آحادٍ ومئاتٍ قلّة مسالمين مطالبين بالحرية والكرامة، ورافضين لقيم الذل والخنوع إلا أن تكون قلوبكم هواء خوفاً وهلعاًورعباً.

إن آحاد المطالبين بالحق والكرامة وعشراتهم ومئاتهم أبقى حتى من عشرات ألوفكم المرغمة بتسلطكم واستبدادكم على الخروج في مظاهرات مزيفة، مثلها مثل المظاهرات التي كانت للراحل ابن علي وللمتنحي مبارك وللقذافي المتنّح.

مسيراتكم ليست غير مسيراتهم ولكنهم رحلوا وفرقونا والناس خلصت منهم، وإن تأخر القذافي قليلاً فلأنه أشدهم تناحةً، وإنما شعبنا السوري أصدر حكمه بعد مداولات دامت أكثر من أربعين عاماً بين حكم الآب والابن، وقال كلمته وهو أقوى من الحاكم مهما بلغ جبروته وطغيانه وقمعه وقتله: الشعب يريد إسقاط النظام.

========================

الثورة السورية تنتظم والتونسية تُحذِّر!!!

د. أكرم حجازي

النظام الفتاك

... سنة 1978 حضرت سيارة تابعة لمركز الشرطة وطرقت الباب، ثم سألت عن أخي فخرج إليهم مستفسرا عما يريدون. فقالوا له: أنت فلان؟ قال: نعم. قالوا: نريدك أن ترافقنا إلى المركز للإجابة على بعض الأسئلة!! فقال: أية أسئلة؟ قالوا: أسئلة عادية ثم تعود إلى بيتك. هكذا رافقهم الشاب .. وحتى الآن لم يعد إلى بيته. أما الأهل فيقولون: ذهبنا إلى المركز نستفسر عنه فأنكروا حضورهم .. ثم أنكروا معرفتهم بالواقعة!!! ثم راجعنا مراكز الشرطة فلم نحصل على أية إجابة تذكر .. راجعنا المخابرات والمستشفيات فلم نعرف له مكانا .. ولم نعرف إن كان حيا أوميتا. هكذا روى لي صديق من سوريا حكاية أخيه متابعا القول: أحد المولودين الجدد من جحيم السجون السورية خرج من السجن سنة 2004، واتصل بالأهل من مكان خفي .. وبصوت خفي ليهمس في أذن السامع عبارة يتيمة: « فلان حي وبخير»، ثم أغلق السماعة واختفى ... رعب لا حدود له داخل السجون وخارجها.

 

 هذا نموذج، فقط، لأزيد من 17 ألف مفقود في سوريا .. تعرضوا، في الكثير من الأحايين، لاختطاف، أو اعتقال، أو خداع، بسبب أو بدون أي سبب يذكر، إلا من التخويف، وإشاعة الرعب، كسياسة تبثها أجهزة الأمن، بحيث يصير حديث العامة فيما بينهم، سؤالا من نوع: إذا كان فلان البريء من أية فعل جنائي أو سابقة سياسية قد اختفى بلا أثر؛ فما الذي سيحل فيمن يعارض النظام سرا أو علانية؟

 

 أما داخل السجون فوسائل التعذيب وأدواته في سوريا لا تعد ولا تحصى .. وهي، وإنْ كانت، مثيلة لأخواتها في البلدان العربية، إلا أنها ذات نكهة مميزة في سوريا، لا يعرفها إلا من تلقى لظاها .. وفي أدراج السجانين عصي بحسب الطلب .. فإذا استغاث برحمة الله قالوا: هاتوا عصاة الله! وإذا صرخ كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: أحضروا عصاة محمد! فعصاة عيسى وعصاة موسى وعصاة إبراهيم .. ويا ويل من استنجد بالأسد؛ فعصاته ليست بالعصا!!!

 

 ثمانون قتيلا، وسط رعب، لا يطاق سقطوا في الأيام الأولى للثورة السورية. لكنها لم تكن كافية كي يخفي الرئيس بشار أنيابه وهو يدخل مجلس الشعب .. كما لم يجرؤ أي من أعضائه أن يخفوا أنيابا استُلَّت من بين الأشداق، رغبة أو رهبة، لترحب بصاحب خطابات « المثطلحات» ...

 

 مات أخوه الأكبر باسل، في حادث غامض، ولأنه المرشح، منذ نعومة أظفاره، للخلافة فقد جن جنون أبيه، حتى كاد يفقد عقله حزنا عليه. فأتوا، على عجل، بطبيب العيون، ذو العيون الجميلة، وبدأت رحلة الإعداد السياسي والدبلوماسي له تجري على قدم وساق. ولما مات والده، وقبل أن يكتمل إعداده، فصلوا له دستورا يحمل نمرة 34. إنه د. بشار الأسد .. شاب ليس له بالعير ولا بالنفير ... كلما ظهر على الشاشة، في تصريح أو خطاب يذكر المشاهد بطلبة الجامعة، في سنواتهم الأولى، حين يقدم أحدهم عرضا أو بحثا علميا أمام زملائه الطلبة، أول ما يلتزم به ضبط المفاهيم والمصطلحات!!! بشار دائما بحاجة إلى ضبط « المثطلحات » !!! ولسنا ندري متى سيدخل في الموضوع؟ هكذا بدا في خطابه الأخير عن الثورة السورية وكأنه لم يتخرج بعد من الجامعة، ولم يمارس أي مهنة، سوى منصبه الذي ورثه عن أبيه فجأة دون أن يكون مؤهلا لأي شيء يذكر إلا الوراثة وغلبة « المثطلحات » على ذهنه.

 

 أقبح منظر في الإعلام السوري الرسمي، وأشده استفزازا، وإيلاما للنفس، هو مشهد النفاق الذي يجري تصميمه، وبثه حين يدخل عظيم المعبد، الرئيس بشار، قاعة مجلس شعب، خصصت لشهود بلا شهادة، حيث الوقوف، تعظيما، فريضة!! وابتسامات الإعجاب الرقيقة سنة مؤكدة، والتصفيق تسبيحا، والتملق بالغيغا بايت ضريبة!!

 

 لا أحد من الأمة؛ لم يدفع الثمن باهظا في انتصاب حزب البعث (1963)، ومن بعده رؤوس الشر في الطائفة العلوية – النصيرية على رأس الحكم في سوريا الخلافة والتاريخ والمجد. فالكل دفع الثمن .. السوريون والفلسطينيون واللبنانيون .. والجماعات السياسية، الإسلامية وغير الإسلامية، وحتى النظم العربية ... والناشطون .. والحقوقيون .. والأفراد .. والجماعات .. وعامة الشعب. وعليه؛ فليس غريبا أن يتماثل النظام في سوريا مع حكم المجنون في ليبيا .. كلاهما تحالفا على الشر، وإلحاق الأذى في كل ما طالته أيديهما الدموية .. وحيثما استطاعا الوصول إلى خصم من الخصوم .. زرعا الفتن والأحقاد والبغض حتى ظنا أنهما لن يقدر عليهما أحد .. فعاثا فسادا في الأرض .. وبلغا من التجبر ما بلغا .. غير آبهين بأية عواقب ... من زار الغرب وعاين طوابير المعارضة للبلدين يعجب من الألوف المؤلفة، الهائمة على وجهها، على قوارع الطرق، وحتى في الحانات، هربا من البطش الذي لا يعرف حدودا ولا أخلاقا ولا أدبا في العلاقة مع أي جهة كانت ولا أي سمات بشرية تذكر .. فقط وحشية واستعباد واستبداد ومظالم وقتل واعتقال وتشريد واختفاء ورعب استوطن بجواره الموت.

 

 نظام؛ لطالما فتك بشعبه فتكا مريعا. خاصة خلال مذابح حماة واللاذقية سنة 1980، حيث عدد القتلى بعشرات الآلاف .. بل أنه كاد يفتك بنفسه خلال خلاف الأسد الأب مع شقيقه رفعت، صاحب الوحدات الشريرة والدموية المسماة بسرايا الدفاع، لولا أن انحاز قائد سلاح الجو، في الخلاف، لصالح الرئيس .. نظام حول البلد إلى دولة شبه محتلة، على رأي عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل سورا، الذي ألف كتابا عن سوريا والعراق بعنوان: « الدولة المتوحشة» في مطلع ثمانينات القرن الماضي، يصف فيه بغداد ودمشق، المحكومتين بحزب البعث، وكأنهما مدنا محتلة، لكثرة ما تعج به شوارعهما وساحاتهما بعناصر من وحدات الجيش وسرايا الدفاع .. فلا يمكن لمتجول، في دمشق، إلا وسيشاهد وحدات عسكرية راجلة من خمسة إلى عشرة أفراد لا يقوى أحد على اعتراض رغباتها وجنونها .. ولعلها أشبه ما تكون بكتائب القذافي الأمنية .. لكن مهما يكن الأمر فما كاد ميشيل سورا ينشر كتابه حتى لقي مصرعه!!!

 

 خلال حرب العام 1967 لما هاجمت إسرائيل الدول العربية المحاذية لفلسطين، كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع. وهو من طلب من الجيش السوري الانسحاب من هضبة الجولان بدعوى أنها سقطت عسكريا. أوامر استغربها قادة الجيش في المكان الذي كان ما يزال تحت سيطرتهم!!! ثم بعد توليه السلطة حرّم جبهتها على أي مقاوم أو مجاهد حتى هذه اللحظة. وكلما تعرضت سوريا لإهانة جوية ضد العسكر أو الأجواء أو المنشئات أو اغتيال أو اختراق إلا ويكون البيان الوحيد الذي حفظه جيل كامل عن ظهر قلب منذ 35 عاما: « لن يستطيع أحد أن يستفز سوريا أو يفرض عليها متى تختار المعركة .. لكن سوريا سترد في المكان والزمان المناسبين»!!! حتى لما حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق قصر الرئيس بشار الأسد لم يصدر ولو خبر باهت، حتى كشفت عنه إسرائيل بسخريتها المعهودة والمهينة للزعامات العربية والشعوب المقهورة، فقالت أن الرئيس الأسد كان نائما في قصره لما كانت الطائرات تحلق فوقه. ومع عظمة الإهانة لم نسمع سوى البيان إياه!!! لكن ماذا ستسمع الأمة من نظام وزير حربه مغرم باستنبات الزهور وتصفيفها؟

 

 نظام؛ لطالما فتك في الأمة ومصالحها العليا وضيعها .. نظام، كغيره، امتطى ظهر الفلسطينيين منذ زمن بعيد .. وهو أشد من فتك بهم في مذابح لبنان .. فدمر حركتهم الوطنية، وحاصر المخيمات، وطحنها فيما اشتهر بحرب السنتين ( 1975 / 766)، وتخلى عنهم حين غزت إسرائيل لبنان سنة 1982، وفتك بلوائيه العسكريين اللذين ألقى بهما تحت وحشية القصف الجوي الإسرائيلي، ليهلكوا، خلال انسحابهم من بيروت، بآلياتهم وأسلحتهم .. حتى يتمكن بعدها أن يقول، بكل فظاعة،: « لقد قدمنا آلاف الشهداء»!!! لكنه لم يقل لماذا أو كيف أسقطت إسرائيل نحو 130 طائرة في معركتين جويتين خلال الحرب؟!! ثم أعاد الكرة في الحرب على الفلسطينيين، حيث شق حركة فتح ومنظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية، وكاد يوقع مجزرة رهيبة في منطقة بحمدون وجباب الحمر في البقاع قبل أن يهاجمهم في حرب المخيمات الأولى في البداوي وطرابلس في الشمال.. حتى قال الشيخ سعيد شعبان رحمه الله أن القوات السورية صبت على مدينة طرابلس من الدمار ما يفوق قنبلة هيروشيما الذرية .. ثم التفت إلى مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت، ونجح في مسحهما عن خريطة المدينة، في مقتلة لا تعادلها إلا مقتلة الكتائب اللبنانية لأهل المخيمين خلال الغزو الإسرائيلي.

 

ثورة تنتظم

صحيح أن الاحتجاجات الأولى التي انطلقت من مدينة درعا بدأت بالمئات من الأفراد، لكنها ما لبثت أن أصبحت بالآلاف، ثم امتدت لتشمل العاصمة – دمشق ومدن الصنمين ودوما وحمص وحماة وبانياس واللاذقية وإدلب وغيرها. ومنذ ليلية الجمعة أخذت الاحتجاجات في الانتظام عبر الاعتصامات.

 

 صحيح أيضا أن الشعب السوري يحتج بكليته على الظلم بعيدا عن الطائفية، لكن النظام السياسي هو الذي يصعد من نبرته الطائفية. ففي البداية تحدث عن « مندسين» ثم تحدث عن « فتنة طائفية»، فلسطينية الهوية، انطلقت من اللاذقية!!! لكننا سنظل واثقين من نباهة الشعب السوري وفطنته في ألا ينجر إلى مثل هذه الاتهامات الممجوجة التي يرددها النظام، ويعمل بها تأسيا بسنة من سبقه أو من يعاصره، سواء عبر بلطجيته أو عبر من يسمون ب « الشبيحة » الذين يأتمرون أصلا بأوامر ماهر الأسد شقيق الرئيس، أو عبر تلفيق الأكاذيب، وسط حظر إعلامي، حين يتنصل من جرائم القتل ليلقي بها، أخيرا، وبلغة دبلوماسية، على « مسلحين» لا هوية لهم تذكر في جعبة النظام. ففي كل حوادث القتل التي استهدفت المدنيين عمد السلطات السورية إلى حبك أطروحته الإعلامية على النحو التالي:

 

  تصريحات تقول بأن القتلى هم من المدنيين ومن رجال الأمن على السواء. علما أن وسائل الإعلام المحلية أو الدولية لم تسجل استعمال الأسلحة البيضاء من قبل المحتجين في أية مدينة. والسؤال: إذا كانت وسائل الإعلام، ومنها وكالتا فرانس برس ورويترز، فضلا عن شهادة حشود المتظاهرين في الشوارع والمساجد، والتي تؤكد أن رجال الأمن هم الذين أطلقوا النار على المدنيين؛ فمن الذي قتل رجال الأمن إنْ كان هناك فعلا قتلى من بينهم؟

 

  ولأن النظام السياسي يعرف خطورة مثل هذه الرواية حق المعرفة، فقد حاول سد العجز في الدعوى عبر رواية ثابتة ترددها وكالة الأنباء السورية، بلا كلل أو ملل، أحالت بموجبها عمليات القتل والإصابات إلى « مجموعات مسلحة»!!! والسؤال هنا: هل هي صدفة أن تظهر هذه المجموعات في كل المدن التي سقط فيها الضحايا فجأة؟ وحيث توجد مظاهرات مناهضة للنظام؟ وفي الوقت المناسب للقتل والقمع؟ ولماذا لم تظهر مثلا في حشود فخامة الرئيس؟!!! ولماذا لم يقتل أحد منهم؟ وهل يعقل القول بأن « الأمن » في دولة تطبق قانون الطوارئ بات مشاعا، بين عشية وضحاها، ومرتعا خضبا لقتلة مجهولين في مكان دون مكان الرئيس؟

 

 لا شك أن السوريون يتساءلون .. إذا كان: « الشعب يتظاهر سلمياً في كل المدن السورية»، ويطالب بحقوقه المشروعة؛ فلماذا يتحدث الرئيس عن « مؤامرة خارجية»؟ ولماذا يتحدث عن « فتنة»: « وأدها واجب وطني وأخلاقي وشرعي»؟ وما الذي يقصده بهذا القول: « كل من يستطيع أن يساهم في وأدها ولا يفعل فهو جزء منها .. والفتنة أشد من القتل» .. هل يعني أن « الكل» متهم يستحق القتل إلا إذا تظاهر مع بشار!!!!؟ وهل بات خيار الشعب السوري محصورا مع الرئيس أو مع الفتنة حيث القتل أوجب!!!!؟

 

 في تصريحاته لقناة الجزيرة (1/4) انتقد عضو مجلس الشعب السوري خالد العبود المطالب المنادية بالإلغاء الفوري لقانون الطوارئ، مؤكدا أن الأمر يحتاج إلى: « سلسلة من الإجراءات القانونية، وأنه ليس من صلاحيات الرئيس الأسد إلغاء هذا القانون بجرة قلم ... ». لكن عبود أفندي فاته القول أن إطلاق النار على المحتجين وملاحقتهم في المساجد واعتراضهم على الطرقات والغدر بهم بعد مائة متر على خروجهم من المساجد، وبموجب قانون الطوارئ، لا تحتاج حتى إلى « جرة قلم»!!!!

 

 القتل الوحشي للمدنيين من قبل أمن النظام لم تخطئه العين، ولا توثيق الهواتف النقالة التي انتشرت على مواقع اليوتيوب بالعشرات. وعلى حد علمنا لم ينقل أيا منها فيديو لمقتل « رجل أمن» أو « شبيح» واحد. لكن عبود أفندي، الذي يؤكد رفاقه على هدوء المدن السورية، وغياب الاشتباكات، يرد على سؤال لقناة الجزيرة، يتعلق بعدم اعتبار ضحايا الاحتجاجات من المدنيين « شهداء» بالقول: « أن هناك لجان تحقيق ستفرز الشهيد عمن حاول إثارة الفتنة»!! ومتسائلا: « كيف نطلق لقب شهيد على من رفع السلاح بوجه الشعب»؟

 

 والحق يقال: « إن مما أدرك من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت». ففي خضم ثورة الكرامة ظهرت فئات الإجرام المسماة ب « ميليشيات» الحزب الحاكم في تونس. وفي مطلع ثورة الغضب تقدم « البلطجية» في مصر واليمن إلى الواجهة. وفي ثورة المختار برزت « مرتزقة» القذافي الدموية. أما في ثورة الأحرار في سوريا فقد طالعتنا أخبار « الشبيحة» و « الأشباح» من المسلحين. لكن لو كانت دموية النظام السوري تحتاج إلى أقوى دليل لإدانته، لكانت براءته من الدماء أولى بالإثبات بأقل الدلائل.

 

 كلها ثورات ذات معنى واحد، ومحصلة واحدة، وهدف واحد. أما حصيلة النظام السوري فثقيلة .. وثقيلة جدا. فساده وإفساده عظيمين، على الأمة والدين .. واستهتاره بالأرواح والدماء صار وقودا ليوم الحساب. وإذا كان يختبئ خلف التعنت، خشية من تصاعد المطالب، فالحدث العربي صريح .. وكذلك السوري، حتى وإنْ بدا متدرجا في شراراته الأولى. لا بد من إسقاط النظام أولا، عاجلا أم آجلا. ومهما جاهد السوريون لتجنب الدعوة الطائفية التي يسعى النظام لجرهم إليها فقد لا يستطيعوا، لأن بنية النظام طائفية .. وحاقدة .. ودموية .. شأنها في ذلك شأن جنون القذافي. فالليبيون بدؤوا احتجاجاتهم سلمية .. وتجنبوا في الأيام الأربعة الأولى أي ذكر للسلاح مهما كانت التضحيات .. بل أنهم نقموا على كل من يأت على ذكر الأمر، لكن النظام الليبي فرض رؤيته وحله للصراع مع الشعب. ومع ذلك فإن ما تعاني منه ليبيا لعله في صالح سوريا. ففي ليبيا ثمة نقص شديد بعدد السكان مقارنة بالمساحة الشاسعة جدا، وتناثر المدن .. بعكس سوريا تماما، ذات الحشود البشرية، والمدن المكتظة بالسكان، والقريبة نسبيا من بعضها البعض. وهذا يوفر للثورة السورية حصانة دفاعية ممتازة، قد تحرم النظام من أية حماقة أو مغامرة دموية، وتجرده من أدوات البطش.

 

مصالح لا عقائد

اليوم يدفع بشار الأسد بالناس تأييدا له بشتى الوسائل، كما يفعل زميله علي عبد الله صالح، الذي لم تنفعه حشوده، في ساحة السبعين، حتى الآن. لكن إذا فشل، فقد يستعين بتقاليده الدموية العريقة. فالرجل يمتلك بعض الأوراق القوية. إذ ما من مصلحة معتبرة في إسقاط النظام لا للغرب، ولا لإسرائيل التي « تصلي لبقاء الأسد»، بحسب صحيفة هأرتس الإسرائيلية، ولا لأية دولة إقليمية، ولا لإيران، ولا للقوى السياسية الفلسطينية واللبنانية، ولا لذوي الأطروحات القومية واللبرالية والعلمانية. لذا ليس غريبا أن يستخف النظام بعقول الناس، ويقدم الرئيس خطابا خاويا، يتحدث فيه عن نفسه بلغة بائدة، لم يعد يلقي لها أحد بالا .. المؤامرة .. أية مؤامرة ؟!!! لا ندري .. لكن بعض المواقف العربية كافية لنسف المزاعم من جذورها .. وكافية للتأمل في حقيقة من يتآمر على الشعب ويبيعه لصالح النظام أو من أجل من يعتقد أنها مكاسبه ومصالحه.

 

 فقد سبق وقلنا مرارا، وفي أكثر من موضع، أن العلاقات التضامنية في العالم العربي، سواء فيما بين النظم، أو فيما بينها والجماعات السياسية، أو فيما بينها والأفراد والجماعات الأهلية والاجتماعية، أو فيما بين المؤسسات والنظم، تبنى على المصالح وليس على العقائد. لذا لم نستغرب أن ينتزع نوري المالكي، وما أدراك ما نوري المالكي .. عبارات النظام ليعبر عن وقوف حكومته إلى جانب سوريا التي تتعرض ل: « مؤامرات تستهدف الاستقرار فيها »!! وهي ذات العبارات التي استعملتها قطر في رسالة أميرها للرئيس الأسد، وأعربت فيها عن تضامنها مع سوريا: « في وجه ما تتعرض له من محاولات لزعزعة أمنها واستقرارها ودعمها الكامل للجهود التي تقوم بها القيادة السورية من أجل إفشال هذه المحاولات»!!!

 

 أما الفصائل الفلسطينية، التي أوعزت إلى عناصرها بعدم المشاركة في الاحتجاجات، فكان عليها أن تدفع الثمن كما سبق ودفعته في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ولعلنا نتفهم حالة الرعب التي تنتاب الجميع من بطش النظام، والظروف التي يعيشونها. لكننا لا يمكن أن نتفهم تبرئة النظام من الدماء التي سفكت في المخيمات الفلسطينية على يد النظام السوري أو على يد أدواته من حركة أمل إلى حزب الكتائب، هذا ما فعله السيد خالد مشعل حين انتقد تصريح الشيخ يوسف القرضاوي عن وصول الثورة إلى سوريا: « إن حكام السنة في العالم العربي باعوا قضيتنا، وأبرز شيوخ السنة تخلوا عن أهلنا، ولم تجد حركة حماس سوى الرئيس بشار الأسد ليحميها ويدعمها ويقف إلى جانبها، وحين طردنا الحكام العرب السنة آوتنا سوريا وبشارها، وحين أقفلت أبواب المدن في وجهنا فتحت لنا سوريا قلبها وحضنت جراحنا ... لذا إننا في حركة المقاومة الإسلامية حماس نشهد أنه لا مسلم قدم لفلسطين ما قدمه لها بشار الأسد، ولا سني ضحى وخاطر بحكمه وببلده من أجل فلسطين ورفضا للتضييق على المقاومة الفلسطينية كما فعل بشار الأسد»!!!

 

 غضبة السيد مشعل على من يفترض أنه شيخه ومرجعيته، انتصارا للنظام السوري، لا تقل عن غضبة حسن نصر الله في دفاعه المستميت عن جرائم شيعة البحرين الذين اتخذوا من قم مرجعية لهم، أو عن شعاراتهم الطائفية الفجة التي سحقت، بوحشيتها ودمويتها، مطالب أهل السنة، وحرمتهم من أي إنجاز، وكادت توقع فتنة طاحنة في البلاد. ولا عن غضبة إيران على البحرين وهي تستنجد بالسعودية لوأد الفتنة الطائفية .. لكن أحدا لا مشعل ولا حسن نصر الله ولا أحمدي نجاد نبس ببنت شفة على الدم المسفوح في المدن السورية .. ولا على أقل المطالب المشروعة كتلك المنادية بالحرية أو بإلغاء قانون الطوارئ أو بإلغاء قانون رقم 49 الذي يسوق كل معارض إلى حبل المشنقة .. كما أنهم لم ينبسوا ببنت شفة على قتلى تزوير الانتخابات الإيرانية .. ولا على القمع الدموي والاعتقالات والإقامات الجبرية التي طالت رموز الاحتجاجات الإيرانية.

 

 واضح أن هذه التصريحات وأمثالها تبنى على المصالح فقط .. ولا شأن لها بالعقائد، ولا حتى بالتاريخ، ولا بالصراع مع اليهود، ناهيك عن حقوق الأمة المهدورة منذ عشرات السنين، وحقوق الشعب السوري المصادرة فيما وراء الشمس .. وحقوق المنادين بوقف التزوير في إيران أو وضع حد لخرافات الدجل الرافضية .. ناهيك عن الضحايا وعذابات الناس ومنطق الحدث التاريخي الجبار الذي يكتسح الأمة العربية من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.

 

 لسوء ما صنعته التحالفات من مظالم فإن ما ينطبق فيها على الدول والحكومات والجماعات السياسية ينطبق قطعا على أبرز وسائل الإعلام العربية. وكنا نشعر كغيرنا، أن الإعلام العربي وخاصة قناة الجزيرة لن تستطيع الإفلات من القيود التي كبلت بها نفسها إلا إنْ تجاوزتها الأحداث. فالجزيرة التي انتفضت على الرئيس التونسي المخلوع، ومن بعده الرئيس المصري واليمني والليبي تبدو، اليوم، شبه عاجزة عن الانتصار للشعب السوري، الذي دفع في أيام ثورته الأولى ما يزيد عما دفعته تونس طوال شهر أصغافا مضاعفة. والأكيد أن التذرع بالقيود التي يفرضها النظام على الإعلام لا تبرر البرود البين للجزيرة تجاه الثورة السورية. فقد تعرضت الجزيرة للطرد من اليمن والحظر في ليبيا والإغلاق في مصر. لكن دائما كان ثمة حل .. ودائما كان ثمة تغطية ملائمة إلا في سوريا. فهل ثورات العرب حلال وثورة السوريين حرام؟

 

 لا أحد يتمنى أن تتراجع الجزيرة عن مهمتها. لكن كيف يمكن لمن لم يعتدل في قول الحق أن يعتدل ؟ .. وكيف يمكن لمن مايز بين حق وحق أن ينتصف؟ .. وكيف يمكن لمن غض الطرف عن جرائم حية أن ينتصر لضحايا غزة بعد تصريحات المحقق الدولي غولدستون، وتراجعه عن تقريره في تجريم إسرائيل بارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية؟ كيف يمكن لأمثال هؤلاء أن يصفعوا نتنياهو وبيرس وليبرمان وبقية قادة الدولة اللقيطة على وجوههم لقاء تصريحاتهم الوحشية بينما يعلنون وقوفهم إلى جانب نظام لا يقل عن إسرائيل وحشية فيما ارتكبه من جرائم بحق الأمة أو بحق شعبه؟ كيف يستقيم الدفاع عن حقوق شعب في بلد ما بينما يعوج في بلد آخر ينادي بذات الحقوق وأكثر منها؟

 

 حقا!! الاستقامة تسبق الصلاة، وإلا فلا صلاة بين الشياطين!!! فالذين عادوا الأمة في زمن حسني مبارك هم أنفسهم الذين يحاربون الإسلام، ويقودون الثورة المضادة، في مصر، بذات الوحشية التي فعلوها من قبل .. والذين يفرطون بقليل من الحق لن يتوانوا عن التفريط في الكثير منه .. والذين يزاوجون بين الحق والباطل في حين، سيزاوجون بينهما، في كل حين .. والذين يقرؤون الأحداث العظمى بمقتضى المصالح والمكاسب لا شك أنهم خاسرون، عاجلا أم آجلا، .. ومن لم ينس الطغيان والاستبداد، لا يمكن له أن ينس الخذلان .. وكما أن للشعب المصري وقفته اليوم مع أبواق النظام السابق، سيكون للشعب السوري وقفته مع من خذله وأثنى على جلاده ... ومن لم يتعظ، بعد، أو لن يتعظ، فعليه أن يستجمع شجاعته، ويحشد أسانيده وحججه، إن استطاع، ليوم الحساب .. في الدنيا كما الآخرة ..

 

أخيرا .. خلي الإسلام يتكلم

لا يخفى على متابع أن صراع الثورات في المنطقة العربية يدور على الحريات والحقوق والموارد والثروات. وفيه تحدثت الشعوب، وتحدث اللبراليون والعلمانيون، وتحدثت الجماعات والأحزاب والساسة، وتحدث المتسلقون وركاب الباصات .. لكن حتى الآن لا يبدو أن للإسلام كلمة حاسمة فيما يجري. ولا ريب أن لحظة الالتحام قادمة لا محالة. وحينها لا يستطيع أحد أن يتكهن فيما سيحدث. فحين تدرك الشعوب أن ثوراتها، غير المسبوقة في تاريخها، ضد نظم الاستبداد أسقطت الرأس فقط، دون الجسد .. وحين تدرك أن مكاسبها لم تكن بمستوى تضحياتها .. وحين تدرك أنها وقعت ضحية خداع وغدر من النظم الجديدة .. وحين تدرك أن مشكلتها ليست في الحرية ولا في الديمقراطية ولا في الدساتير ولا في الدولة المدنية ولا في الثروات المنهوبة .. وحين تدرك أن الثورات التاريخية لا يجب أن تسرق بسهولة ولا بصعوبة .. سيكون من المثير أن يتساءل الناس عن هكذا نتيجة: لماذا؟ وأين الخطأ فيما فعلناه؟

 

 لكن إذا كان من اللافت أن تندلع شرارة الثورات من تونس، فسيكون من المدهش، حقا، أن تندلع شرارة الإسلام منها ثانية. وسبحان من يضع سره في أضعف خلقه!!! ففي أهم شوارع العاصمة التونسية انطلقت مظاهرات شعبية حاشدة يوم الأربعاء (30/3) تطالب بخلع الرئيس المؤقت فؤاد المبزع، وإقالة الحكومة المعينة. ولأول مرة في ساحة الثورات العربية أدخل شباب تونس شعارا جديدا على قاموس الاحتجاج الشعبي، بثته فضائية الجزيرة، في سياق خبري، لمرة واحدة ثم اختفى. شعار يحمل رسالة مشحونة بدلالات بالغة: « خلي الإسلام يتكلم .. خلي الإسلام يتكلم»!!!

=====================

الكيان الصهيوني وسلطته

سوسن البرغوتي

إن التصعيد الأخير وليس الآخر على قطاع غزة المحاصر حتى اللحظة، بموافقة عربية رسمية، ودعم الدول الاستعمارية في العالم، يدل على حقائق لا تشوبها أي شائبة تشكيك:

أولاً- إن الكيان الصهيوني وحلفاءه عرب وغير عرب، ماضون بسرعة البرق، للقضاء على المقاومة واستنزافها، والتصعيد بين الفينة والأخرى، لمعرفة قدرة المقاومة على الرد، للقياس على مواجهة عسكرية وجولة أخرى من القتل الجماعي والتدمير، واختبار تطور أسلحة المقاومة، وتحديد من يدعمها لوجستياً، لتبدأ معركة من نوع آخر مع تلك الجهات العربية تحديداً، ومنها ما هو جاهز لأسباب عديدة.

 

ثانياً- الحرباء تغير جلدها، فإذا فعلت لن تصبح في يوم من الأيام أسداً، وأفعى الاحتلال تتحالف مع حرباء أوسلو على المقاومة، وهذا الأمر ليس جديداً، ويعلمه الجميع من خلال الاتفاقيات المبرمة مع الاحتلال والممارسات المنسجمة والمتطابقة مع الالتزام بها، ولكن سياسة الانتظار والتكتيكات، حتى تتجلى أوضاع الوطن العربي بعد الزلزال الحاصل، ستضعف موقع المقاومة، وسيستطيعون اختراق صفوفها، بالعملاء والقضاء على عناصر وقيادات عسكرية وسياسية، من خلال التصعيد، لا تلبث أن تهدأ الأمور وفق سياسة العدو الاستراتيجية، ما بين كرّ وفرّ.

ثالثاً- إن التهدئة المؤقتة ودعوة سلطة محمية رام الله للمصالحة، موظفتان مؤقتاً، لإطالة عمر سلطة الاحتلال، وإعطائها فرصة إنهاء الانقسام، بينما هي في الحقيقة من أجل توحيد الضفة والقطاع، منزوعة من سلاح المقاومة، للعودة إلى المفاوضات والسلام المزعوم، حتى يستطيع الكيان الصهيوني في الوقت نفسه، تهويد الأرض وتستطيع السلطة تدجين الشعب، بإلغاء ملف المقاومة المسلحة، طالما تلقى "المقاومة السلمية" دعماً واستحساناً من قبل الكثيرين، لتصبح الخيار الاستراتيجي، في بلد يخضع لاحتلال استيطاني إلغائي.

 

رابعاً- إن الأمن "الإسرائيلي" على سدة أولويات السلطة وجميع حلفاء الكيان الصهيوني، الدوليين والإقليميين، والحجة الجاهزة، الحرب على "العنف"، فطالما وُجد هذا "العنف" – أي المقاومة- معنى ذلك أن القتل مستمر، وبعد هذا كله، يأتوننا بأكذوبة التهدئة، وأن تلك الاغتيالات والغارات على القطاع، هي للدفاع عن أمن جمهورهم، وماذا عن شعبنا، والمقاومة وُلدت من رحم المعاناة والظلم والاحتلال؟!. إلا أنه من الواضح، أن ثمة تحركات وتجهيزات جارية ل"ثورة السلام"، تبدأ بغارات متكررة على معاقل وقيادات المقاومة بالقطاع، واستمرار ذات النهج باغتيال واعتقال مجاهدين في الضفة الغربية المحتلة، وتبادل الأدوار لا تخفى على أحد.

خامساً- تنظيمات المنظمة، تقفز على خطين متوازين، تارة بمقاومة الاحتلال في القطاع، ولا يجرؤون على إطلاق رصاصة واحدة بالضفة الغربية، وتارات أخرى، بالاصطفاف إلى جانب السلطة، وتفعيل شعار الديمقراطية والعدالة والمساواة، والسؤال، هل تحررت فلسطين؟!.. حرروا البلاد من الاحتلال، وفكوا فيود العباد من برامج التحقير والتقزيم، ثم اختلفوا فيما بينكم، مع العلم وحتى اللحظة لم تحدد تلك التنظيمات موقعها من عملية التسوية، والأصح، عملية الاستسلام والخنوع والتهويد.

 

سادساً- صار للشعب الواحد، شِعب منها من ابتعد عن القضية، ولا يعنيه إلا أمور هامشية ثانوية، والمخلوقات المتوحشة تقتل الفلسطينيين، تساعدها أنياب وأظافر محلية مسمومة تنهش لحوم وعقول شعبنا، والسباق المحموم للنيل من شِعب صامد صابر، وبين الجزر والمد، تطمر آلة الاحتلال العسكرية، الأحياء والشهداء. وفي طياتها تحمل رسالة تخويف وترهيب لِشعب ثالث، بأن المقاومة فشلت بحماية المدنيين العزل، بينما السلطة بالضفة، تبني مؤسسات الدولة وتسعى للإزدهار الاقتصادي والأمن مستتب، في الوقت الذي لا يجرؤ أي مواطن أو مسؤول الخروج من بيت إلى آخر، إلا بإذن من الاحتلال، وأن تلك المؤسسات ليست أكثر من مراكز تطبيعية ومرتبطة مباشرة بموافقة ومراقبة الاحتلال، وتضاعف عدد المرتزقة والسارقين، وازدياد نسبة الفقر بين الناس، فضلاً عن أن القوات الصهيونية تصول وتجول في الضفة والقدس، ولا تجد من يصدها، وما تعارفوا عليه ب"مناطق فلسطينية" مقيدة بحواجز وجدار يلتف حول أعناق المدنيين العزل. وعلى الرغم من ذلك، المقاومة تقوم بعمليات بطولية، كلما سنحت الفرصة لها، مما يعني بالتالي، أن ليس كل الشعب ضُلل وأغرته الوعود الكاذبة، ولن يتخلى عن حقه الطبيعي، طالما بقي الاحتلال، وهذه المعادلة لا تحتاج إلى كثير من التحليل والتأويل. أما الشعب في الداخل المحتل عام 1948 والآخر بالملاجىء والمهاجر، هم عبأ على الاحتلال والسلطة والدول ولا استثناء لأي دولة، لكنهم الحلقة الأصعب في تصفية القضية.

 

سابعاً- اقتناص الفرصة للاستفراد بالشعب الفلسطيني في القطاع، وليس جريمة استهداف الأطفال والأبرياء شرق الشجاعية آخرها ولا أول ممارسة الهواية المفضلة لدى عصابات الصهاينة. أما التعويل على المجتمع الدولي ومؤسساته، لا يقدم ولا يؤخر من دعم ومساندة الاحتلال، طالما أن النظام العالمي، بواقعه الحالي، يدعم المجرم ويدين البريء، يشرعن منطق الاحتلال، ويستخدم وسائل عسكرية، لإثبات أن القوى العظمى، هي قوة استباحة القتل والتدمير. ولعل تراجع جولدستون عن تقريره، آملاً أن يكون التقرير بداية عهد جديد وعادل تجاه "إسرائيل"، على حد تعبيره، شرعنة ما فعله جيش الاحتلال من جرائم في القطاع، وهو الوجه الحقيقي لما يُسمى المجتمع الدولي، وما كان جولدستون يوماً رافضاً لكيان توظيفي استعماري، ولن يكون.

 

ثامناً- أقولها بصدق وأمانة: إن التصريحات والبيانات المهددة والمتوعدة، لم تعد تأخذ حيزاً ولو ضيقاً في ظل ما يحدث في البلاد العربية بشكل عام، ووفق سياسة الاحتلال، التي لم تتزحزح قيد أنملة عن استراتيجيتها المعلنة والمعروفة للقاصي والداني، وهي إما أن تقبلوا ب( دولة إسرائيل اليهودية)، وإما تطهير (أرض يهودا والسامرة من الأغيار)!. فتعادل قوة الردع تغير من حسابات العدو، وتخرس مزيدات رخيصة، بنعت مقاومة شعب فلسطين بالثرثرة والإفلاس الوطني!. والحمد لله، فقد جاء اليوم الذي يتهجم فيه المنظرون، على مقاومة شعب لإبادة مستمرة من قرن، دون إعطاء أي مساحة فكرية، لأهمية إعداد مواجهة عسكرية قادمة لا محالة، سواء أكانت على نطاق ضيق أو موسع، فالذي أدار وجهه عن الاعتداء الهمجي على القطاع المحاصر، وعن اغتيالات لقيادات عسكرية ملاحقة منذ سنوات، لا يمكنه رؤية الأمور بطريقة أخرى أبداً، بإغفال مقصود لبرنامجين متناقضين، الأول وصل به الأمر المساومة على 6% والثاني يصمد ويقاوم، ولم يفرط بذرة تراب من فلسطين، ولم يعترف بالعدو. والكل في حساباته بسلة واحدة، دون ضوابط وطنية وأخلاقية، ونتساءل، لماذا يستهدفون قيادات عسكرية من المقاومة في القطاع، إذا كانت المقاومة مجرد ثرثرة، وهل يعلم أن المقاومة لم تتوقف حسب الإمكانيات والمعطيات والظروف، أم أن إطلاق الأحكام هي الثرثرة واللغو التافه؟!.

السبب الجوهري لكل ما يحدث من عبث وتخريب مقصود لقضية وجودنا كشعب يريد إنهاء الاحتلال، هو سلطة فرضها الاحتلال نتيجة ارتباطاتها الأمنية والسياسية معه، ولا حل إلا بإنهاء المسخرة المسماة سلطة أوسلو أولاً.. فالثورة الثورة والغضب وصل إلى حال لا يُطاق، يا شعب فلسطين الحر، ولنسقط سلطة أوسلو بالاعتصام والتظاهر أمام مؤسساتها أينما وُجدت، حتى طرد كل موظيفها وإغلاقها. وذلك لضرورة إنقاذ ما تبقى من قضيتنا بفرض مرجعية وطنية ثابتة، على قاعدة تحرير فلسطين العربية من بحرها إلى نهرها، والتمسك بكل مقدساتنا وثقافتنا الإسلامية، ووحدة السلاح والهدف، فهذه هي الثوابت، لا ثوابت التسوية والتعايش، ومن لا يقبل بها، فليجد حلاً لليهود في مواطنهم الأصلية، فهم الآن في الشتات، والأفضل لهم العودة لبلادهم، لأن لا استقرار ولا أمن لهم في فلسطين، رغم تسليحهم جميعاً، حتى لو بقوا قروناً طويلة، وحق الشعب في مقاومة محتله نبع لن ينضب.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ