ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 04/04/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

يوم من أيام حوران المجيدة

محمد سرور زين العابدين

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى اله وصحبه وكل من اهتدى بهديه واتبع سنته إلي يوم الدين, أما بعد:

 قال من ابتلينا به في بلاد الشام: ما يحدث في البلاد العربية لا يمكن أن ينتقل إلى سورية لان حالنا تختلف عن أحوالهم, فنحن والشعب يد واحدة نقف بوجه المخططات الصهيونية, ولا نقبل أن يفرض علينا الأمريكان وصايتهم, وعندما سئل عن الإصلاح قال: بدأنا بالإصلاح الاقتصادي أما السياسي فيحتاج إلى التدرج في تطبيقه. وقد اعتاد على ترديد مثل هذه الأقوال التي ليس لها أدنى مصداقية, فالشعب السوري كما يرى لا يفهم في السياسة, ويريد أن يعلمه ولعله أشار إلى حاجته إلى عقد آخر.

 وقال أبناء جيلي: حقا إن سورية تختلف عن أي بلد عربي آخر, فالبلد تحكمه طائفة معينة منذ ثمان وأربعين عاما, وقد تربى جيل كامل على الذل والقهر والاستعباد, وصار المواطن حتى لو كان في سفر متحفظا في كل كلمة يقولها إذا كانت تمس النظام من قريب أو بعيد. وأضافوا:

إن عدد رجال الأمن يبلغ بضع مئات –حسب بعض التقديرات- ولهم فروع ومكاتب في كل قرية ولو كانت صغيرة ونائية, أما أحياء المدن فلهم في كل حي أكثر من فرع, وهذه ظاهرة لم يعرفها بلدنا من قبل.. ويمسك بتلابيب هذه الأجهزة كما يمسك بتلابيب الجيش أبناء هذه الطائفة الحاكمة, ويمارسون أبشع أنواع الظلم والاستبداد, ويتحدون مشاعر الناس في حريتهم وكرامتهم و يبتزون أموالهم بطرق دنيئة.. فكيف سيحدث التغيير في مثل هذه الأجواء الخانقة التي يحاسب فيها الإنسان حتى لو لم يتكلم؟.

 وقال الشباب ممن هم دون سن الثلاثين:

أيها الآباء والأجداد إننا نعتز بما تعلمناه منكم, ونحترم خبرتكم وفضلكم, ولكن عصرنا يختلف عن عصركم, ونحن نعرف كيف نستخدم الآلات والوسائل الحديثة, وانتم لا تعرفون, وقد تعلمنا منكم بأن لكل زمان دولة ورجال, فدعونا نطرق أبواب تجربة جديدة مع حاجتنا إلى دعائكم لنا بالتوفيق والنجاح.

 كانت الأجواء متوترة منذ الثورة التونسية وزادت توتراً بعد التجربة المصرية, فأجهزة الأمن مستنفرة ومنتشرة في كل مكان تسترق السمع, وتراقب الناس وتكمم الأفواه.. وكنت أتساءل: هؤلاء الشباب الذين يبيتون أمراً ما, هل يعيدون تجارب جيلنا, أم سيصنعون حدثاً جديداً يختلف في شكله ومضمونه عن كل التجارب والمحاولات السابقة؟!.

 والذي أدهشني أن الذي أشعل نيران هذه الثورة أطفال من ذرعا حاضرة حوران عندما كتبوا على الجدران الشعب يريد إسقاط النظام, فاعتقلتهم المخابرات, ونقلتهم إلى وكر من أوكارها في دمشق, وهب المتظاهرون في ذرعا يهتفون:

" من حوران هلت البشاير", واستخدم النظام البطش الذي لا يعرف سلاحاً غيره, وقتل من قتل ممن نحتسبهم شهداء في سبيل الله ولا نزكي على الله أحداً .. وخشيت أن تنفرد قوات الأمن بهذه المدينة, وتعزلها عن بقية مدن وقرى حوران, ثم عن المحافظات السورية كلها, ثم تفعل بها ما فعلته بمدينة حماه عام 1982, غير أن الوضع كله قد اختلف: لقد هبت عشائر حوران بشيبها وشبابها, ويممت نحو ذرعا سيراً على الأقدام رغم الحصار المفروض عليها, ودخلها كثير منهم من طرق جانبية ليلبوا نداء إخوانهم: "الفزعة.. الفزعة يا حوران".. ثم امتدت الثورة لتشمل: طفس, وداعل, والحراك, والشيخ مسكين, ونوى, والصنمين, وجاسم, والحارة, وإنخل, وكل قرية من قرى حوران, وإن لم تذكرها وسائل الإعلام..

وسقط شهداء هنا وهناك برصاص العصابة الحاكمة التي لم ترتق إلى مستوى الدولة رغم مرور ثمان وأربعين عاماً على استلامها دفة الحكم, ولا ادري كيف ستنسى هذه العشائر شهداءها الذين غطوا ارض حوران, وهل تفهم هذه العصابة معنى النداء الذي كان يردده الجمهور الهادر:

 يحرم علينا لابسات العصايب

 لن ما خذينا لعيال حوران بالثار

 والذي كان يخشاه النظام وقع, فالمظاهرات امتدت إلى كل من: دمشق, ودوما, والتل, والمعظمية, وحمص, وبانياس, واللاذقية, وحماة, ودير الزور, ومناطق أخرى.. وسالت الدماء, واخذ النظام يترنح, ويتناقض فيما يُصدر من تصريحات تقرأها وتعلق عليها عجوز متوترة, وما كان يزعمه – من ورث الحكم وهو ليس أهلاً له – بأن الإصلاحات تحتاج إلى زمن, والشعب لا يدري مدة هذا الزمن, وهل تبدأ فعلاً؟ تبدد وأخذ يعلن وبطريقة غامضة عن إلغاء قانون الطوارئ, وعن إصدار تشريعات تسمح بتعدد الأحزاب وغير ذلك مثل إطلاق سراح الأطفال المعتقلين, وبعض النساء والرجال.

 وقبل الاسترسال في الحديث عن تقويمي لبداية تجربة هؤلاء الشباب, أستميح القراء عذراً في وقفة قصيرة أسجل فيها أحاسيس ومشاعر من فرض عليه هذا النظام الغاشم غربة مضى عليها ست وأربعون عاماً:

1-        هذا المسجد الذي يتحدث اليوم العالم عنه عبر وسائل إعلامه هو مسجدي الذي كنت أصلي فيه الجمعة, واستمع لخطب ودروس شيخنا الأول عبد العزيز أبازيد رحمه الله, وما زلت اذكر بعض ما قاله في مناسبات لم يكن فيها هذا الوحش المفترس الذي أسموه قانون الطوارئ .. كان طول العهد أنساني أن اسمه " المسجد العمري", وقيل لي مازال كما عهدته, لم يتغير فيه شيء والعهدة على الراوي.

2-        وهذه المظاهرة المباركة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه, ذكرتني بمظاهرات كثيرة شاركت فيها وأنا طالب في متوسطة ذرعا ( لم تكن المرحلة الثانوية قد تأسست), وكان أشهرها مظاهرات 1954م التي انتهت بسقوط الحاكم العسكري أديب الشيشكلي. في هذه المظاهرة قتل طالب من عائلة عزيزة, ونسيت إن كان قد قتل غيره, واعتقلت الشرطة العسكرية –لم يكن هناك مخابرات – عدداً قليلاً من كبار الطلبة, ناموا يومين في السجن, وحلق السجانون شعر رؤوسهم, ثم عادوا أبطالاً, وكنا نمازح بعض الطلبة, فنقول لهم: انتم تعلقتم بسيارة الشرطة ليعتقلوكم, ولتعودوا أبطالاً, ولكنهم فوتوا عليكم الفرصة التي كنتم تسعون إليها... غادر أديب الشيشكلي سورية, ورفض إراقة دماء أبناء الوطن, فشتان شتان بين ذاك الحاكم العسكري, وهذا النظام العسكري الباطني.

3-        هل يدري هؤلاء الشباب الذين كسروا حاجز الخوف, وفجّروا ثورة سلمية, واستقبلوا رصاص الغدر والخيانة بصدور عارية, وشجاعة نادرة... نعم هل يدرون أن أجدادهم الأقربين هم الذين كسروا حاجز الخوف من فرنسا العظمى, (وليس من هذا الصعلوك وأخيه الأحمق) في عام 1920 يوم دخل غورو دمشق في زهو وخيلاء, وكان أول عهده بها زيارة قبر البطل صلاح الدين الأيوبي, وقال يخاطب القبر: ها قد عدنا يا صلاح الدين, وفي رواية تاريخية أخرى: قال: نحن أحفاد غود فراي فأين أحفادك يا صلاح الدين؟!.

سمعت سورية كلها هذا التحدي من علج صليبي متجبر, ووقفت مذعورة مقهورة, وما عساها تفعل بعد هزيمة جيشها ومتطوعيها في معركة ميسلون؟!.

 أما أجدادكم أيها الشباب من ( آل الحلقي, والجباوي, والحريري, والزعبي, والحشيش, والمسالمة, والأبازيد, والجوابرة, والخليلي, والمقداد والرفاعي, والمصري.. وجميع العشائر الأخرى دون أي استثناء) فقد اجتمعوا في حاضرتهم الباسلة ذرعا, وطلبوا من ملك سورية الذي خلعته فرنسا, قيادة ثورتهم, لكن فيصل بن الحسين أبى ومضى في قطاره المتجه إلى حيفا, فقاد أجدادكم أيها الشباب البواسل ثورتهم وحدهم ودون مساعدة احد ممن يجاورونهم, وكانت ارض معركتهم تمتد من شمال الصنمين وحتى درعا جنوبا, ومن بحيرة طبريا غرباً حتى بادية الشام الجنوبية شرقاً. واستخدم الفرنسييون جميع أنواع الأسلحة الحديثة في تلك الأيام, وهدمت طائراتهم بعض بيوت شيوخ العشائر, وكان من المواجهات الكثيرة بين الحوارنة والفرنسيين القطار الذي كان يقل كبار أعضاء الحكومة المتعاونة مع فرنسا, فانقضوا عليه, وقتلوا أكثر ركابه من الفرنسيين والسوريين العملاء, وقاد حمد وعقله القطار بعد الاستيلاء عليه من محطة "خربة غزال" إلى درعا بصعوبة بالغة. ف حمد وعقلة الذي يتندر البعض بذكر اسميهما بطلان من أبطال الجهاد, ومفخرة من مفاخر حوران.

 وأجدادكم – أيها الأبناء والأحفاد- هم الذين قاتلوا القوات الفرنسية في ذرعا في نهاية عام 1945م بسلاح بدائي, وأرغموها على مغادرة المحافظة قبل أن تنسحب هذه من أية محافظة أخرى. قال لي من شهد هذه المعركة: كان البعض يهجم على القوات الفرنسية بالسلاح الأبيض أو ببنادق قديمة ذات طلقة واحدة ولسان حالهم يردد: "وعجلت إليك ربي لترضى", مما أوقع الرعب في قلوب الفرنسيين رغم امتلاكهم الأسلحة المتطورة, وقتلهم عدداً كبيراً من المجاهدين. لقد غادرت بلدي عام 1965م أي بعد عشرين عاماً من هذه المعركة الفاصلة, وبعض نوافذ البنك الوحيد في ذرعا التي اخترقتها رصاص هذه المعركة باقية على حالها.

يا شباب حوران: لقد جئت على ذكر بطولة أجدادكم الأقربين لسببين:

  الأول: لم يذكر التاريخ المقرر, ومذكرات السياسيين السوريين عن هذه البطولات والتضحيات التي لم تنقطع طوال عهد الاستعمار الفرنسي أكثر من سطرين أو ثلاثة, وهذا ظلم يجب أن يستدركه أهل الأقلام منكم.

  الثاني: لأذكركم بأنكم خير خلف لخير سلف, وأطالب هؤلاء الحكام الحمقى أن يقرأوا التاريخ جيدا ليعلموا من هو الخائن الذي وضع نفسه في خدمة كل مستعمر سواءً كان هذا المستعمر: صليبياً أو فرنسياً أو يهودياً, ومن هو المجاهد الذي لا يريد علواً في الأرض ولا فساداً.

أبنائي وأحفادي: في حديث قادم سأذكر باعتزاز الدروس التي تعلمتها منكم, والله ولي التوفيق.

=========================

جمعة الشهداء في سورية

التضحيات تؤكّد انتصار الثورة

نبيل شبيب

كلما ازداد النظام استعراضا لدرجة استهانته بالشعب.. ازداد الشعب إظهارا لرفضه ذاك النظام..

كلما ازداد النظام فتكا بالثائرين من صفوف الشعب.. ازداد عدد الثائرين من صفوف الشعب..

كلما ازداد النظام استغباء للبشر بترقيع وجهه عبر ما يسميه إصلاحات.. ازداد كل من يحترم عقله إصرارا على سقوطه..

واضح للعيان أن القاعدة الثابتة في صناعة التاريخ، والتي ساهمت في وصول الثورة في تونس ثم الثورة في مصر إلى تحقيق هدفها الأول: إسقاط النظام، لتبدأ جولة جديدة على طريق البناء، والتي ساهمت في وصول الثورة في اليمن إلى مشارف النصر الأول، هي عينها القاعدة التي تسري على ثورة شعب سورية.. يوما بعد يوم، أسبوعا بعد أسبوع، جمعة بعد جمعة، على طريق الوصول إلى اليوم الذي ينهار فيه آخر حصن من حصون الاستبداد والقمع والفساد في سورية، فرارا كابن علي، أو خلعا كمبارك، أو انكماشا حتى الاضمحلال كصالح أو انتحارا انتقاميا كالقذافي.. سيّان، فالنهاية حتمية، ثمّ يبدأ بناء دولة جديدة لشعب سورية بجميع فئاته وأطيافه، وللعرب والمسلمين وجميع قضاياهم المصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين.

 

الاستبداد هو الاستبداد

من جمعة الغضب إلى جمعة النصر.. وعلى الطريق جمعة الشهداء، التي كانت تحت أنظار الشعب في سورية وتحت أنظار العرب والمسلمين والعالم الموجّهة نحو سورية بانتظار يوم الجمعة 1/4/2011م، وقد ساد في كل مكان سؤال كبير:

هل يفلح النظام في تضليل الثائرين ومن لا يزال متردّدا عن المشاركة في الثورة، بصدد نوايا الإصلاح التي يتحدّث عنها؟..

هل يمكن أن يخطو خطوة ما.. أيّ خطوة.. على طريق تغيير حقيقي، بدلا من الاسترسال في الكلام عن الإصلاح منذ 11 سنة عقيمة بعد 30 سنة كبيسة؟..

لم يخيّب النظام توقعات من يعرفونه، ولا هواجس المخدوعين به، ولم يتمكّن من استخدام مفردة واحدة، خارج نطاق قاموس المستبدين: فتنة.. مؤامرة.. مندسون.. ربما باستثناء كلمة واحدة أضافها إلى ذلك القاموس: صرعة، لتصبح بمثابة دمغة للاستبداد في سورية مثلما أصبحت كلمة: زنقة، دمغة للاستبداد في ليبيا.

ولم يخيّب شعب سورية آمال من يعرفونه، ولا هواجس المتربّصين به شرّا، فانطلقت الجماهير فور اللحظة التي قطع فيها الأسد الشكّ باليقين، فأسقط شائعات التمييز بينه وبين بقية أركان الاستبداد والفساد في سورية، وجاء الجواب على حناجر أبناء الشعب الثائر، انطلاقا من اللاذقية الجريحة ليلة جمعة الشهداء، ليعمّ المدن السورية طوال يوم الجمعة، ولتتكرّر المشاهد ذاتها.. التي سبق أن عرفتها مدن تونس ومصر.. بانتظار المشهد الختامي للجولة الأولى من الثورة، والتي يتحدّث ثوّار سورية الآن عنها، مشهد التقائهم محتفلين بإسقاط النظام، في ساحة العباسيين وسط دمشق، رمزا لكلّ ساحة نصر أخرى، في كل مدينة من مدن سورية.

لقد كان الهمّ الأكبر للنظام القائم في سورية طوال أسبوعين، ثم على لسان رأسه يوم 30/3/2011م، أن يقنع نفسه –ويستحيل أن يقنع أحدا من العقلاء- أنّ الثورة التي تشهدها سورية لا علاقة لها بحقبة الثورات العربية على استبداد الأنظمة وفسادها..

الرصاص القاتل في سورية.. غير الرصاص القاتل في تونس ومصر واليمن وليبيا وأخواتها..

الشبيحة الإجرامية في سورية.. غير البلطجية في سواها..

الفساد المستشري في سورية.. تشويه الدستور والقوانين.. الاعتقالات والتعذيب.. الاختطاف والتشريد.. المحاكمات المضحكة المبكية.. الوعود الكاذبة المكدّسة.. حالة الطوارئ المزمنة.. جميع ذلك لا يعني نظاما استبداديا فاسدا مهترئا، بل نظاما راشدا قويا ممانعا حصينا!..

ليس للاستبداد خصوصية سوى الاستبداد

ترى.. هل وصل الجهب لدى النظام مستوى الظنّ بأن الثورة ستنتهي عندما يرى الثوار الحاكم يقف متحدثا أمام جوقة التصفيق والهتاف التي سبق أن عدّلت الدستور خلال دقائق لتصغير منصب الرئاسة على قدر ما يناسب حداثة سنّه، وهو يعتصر الضحك اعتصاراً ودماءُ الشهداء تسيل، ويتبجّح.. وهم يتساقطون برصاص أجهزته القمعية وعلى رأسها أقرباؤه، ويصطنع الهدوءَ اصطناعا.. والأرضُ تميد تحت أقدامه وأمام هتافات إدانته وإدانة من يبقى معه حتى لحظة سقوطه!.

تصوّر واهم عقيم.. وليس غريبا، فالاستبداد هو الاستبداد، والفساد هو الفساد، والثورة هي الثورة.

كل من يتحدّث عن "خصوصيات" ذلك الاستبداد في سورية يمكن أن يتحدّث عن أي شيء آخر، واهما أو غير واهم، ولكن لا يمكن أن يتحدّث عن اختلاف يستحق الذكر مع الاستبداد في أي بلد استبدادي آخر، على صعيد ما يصنع وعلى صعيد حتمية سقوطه وعلى صعيد الفساد وحتمية زواله!..

قد يصحّ الحديث عن قدرة أكبر على تلوين واقع الاستبداد والفساد بمساحيق خداع وتضليل.. ولكن ليس عن القدرة على مواجهة ثورة شعب يعلم حقيقة الاستبداد والفساد بمساحيق ودون مساحيق!.

قد يصحّ الحديث عن قدرة أكبر على اللغو حول قضايا مصيرية كقضية فلسطين وبسالة مقاومة شعبية تتحرّك وتنتصر خارج أرض سورية بالذات.. ولكن ليس عن القدرة على تحقيق هدف واحد مشهود على أرض واقع القضايا المصيرية منذ بضعة عقود، ولو في حدود "الشغب" على احتلال الجولان، ناهيك عن القدس وأخواتها، أو مجرّد التلويح بقابلية احتضان نشأة مقاومة شعبية سورية داخل الحدود السورية، لتتحرّك مع سواها من أجل القضايا المصيرية!..

قد يصحّ الحديث عن "حنكة" الحاكم السوري في توظيف أجهزته القمعية ضدّ شعبه.. سنة بعد سنة بعد سنة منذ 41 سنة أسدية كبيسة.. ولكن ليس عن قدرته على "سحق" شعبه، وهو يعلم –مهما علت ضحكاته متجاهلا ومستهزئا- أنّ ثورة الشعب قد اندلعت فأصبح انتصارها مسألة أيام أو أسابيع وليس 41 سنة كبيسة أخرى!..

إنّ كل من يتحدّث اليوم مدافعا عن "خصوصيات" استبداد النظام الحاكم في سورية، غير عابئ بثورة شعب سورية، يخون نفسه وبصره، لا سيّما إذا كان يتحدّث بصوت مرتفع عن الاستبداد في أي بلد آخر وثورة شعبه على الاستبداد.

لا ينبغي للعقلاء الوقوع في فخّ الازدواجية.. فالشعوب أوعى من إمكانية التمويه عليها بأيّ أسلوب من الأساليب.

 

الضحايا قناديل الثورة على طريق النصر

لقد وصل مسار ثورة الشعب في سورية إلى جمعة الشهداء بعد جمعة الغضب، والثورة ماضية بعد يوم جمعة الشهداء حتى تحقق النصر بإذن الله.

ماضية من أجل الشهيد أكرم الجوابرة أوّل شهداء الثورة في درعا الثائرة.. ومن أجل كل شهيد من بعده من شهداء درعا الثائرة، من أجل حسام عياش وأيهم الحريري ورائد الكرد ومنذر المسالمة وسواهم ممّن لحقوا بهم، ومنهم شهداء الجامع العمري في درعا الثائرة بلال أبونبوت ومحمد أبو عون وحامد المسالمة وطاهر المسالمة وإبراهيم النعسان وعلي المحاميد وإخوانهم الثائرين..

الثورة ماضية من أجل الشهيد قاسم محمد العتمة وإخوانه في الصنمين، والشهيد إبراهيم صقر وإخوانه في اللاذقية، والشهيد عيسى حجازي وياسر الرفاعي ورفاقهما في ريف دمشق..

الثورة بعد يوم جمعة الشهداء ماضية.. من أجل شهداء يوم جمعة الشهداء في دوما إبراهيم المبيض ومحمد المقدم وأبو رشيد رجب ومحمد علايا وإخوانهم..

ماضية من أجل الشهيدة تهاني خليف هلال الخالدي التي قتلها النظام الحاكم يوم جمعة الشهداء في حمص الثائرة.. كما قتل الشهيد عادل فندي وإخوانه من بعد في حمص..

الثورة بعد يوم جمعة الشهداء ماضية.. من أجل جميع شهداء سورية الذين قتلهم النظام على مدى 48 سنة، ولا أحد يستطيع إحصاءهم، إحصاء عشرات الألوف إن لم نقل مئات الألوف.. فاسألوا عن ذلك مئات الألوف من الأرامل والأيامى والثكالى واليتامى، اسألوا مواجع الأحباب والأصحاب والجيران.. اسألوا رمال سورية عن الدماء التي تغسلها من درن فُحش الإجرام الحاكم.

الثورة بعد يوم جمعة الشهداء ماضية..

ماضية لتحرير المعتقلين بعد يوم جمعة الشهداء عبد الله الأصيل وعبد الرحمن عليان ومحمد عودة ومعاذ الجوري وإياد الحبال وطارق السقا وبسام الدروبي ومعاوية طليمات ومحمد السقا ومحي الدين كبيسي وسامر كبيسي وفتحي كبيسي وعمر كبيسي ومحمد نصر الزراعي وطارق العوير ومحمد عبد الكريم عز الدين وصدر الدين اليافي وبسام فرحان إدريس ومحمد نور الدرويش وبسام بشير الكنج..

الثورة ماضية من أجل ما لا يحصى من المعتقلين والمعتقلات عبر السنين المتوالية الماضية، والدموع الجارحة في أكباد ذويهم من الساء والرجال والأطفال..

ماضية من أجل ما لا يحصى من المحرومين من ذويهم.. المنفيين خارج الحدود، ومن أجل المنفيين المحرومين من وطنهم وأهليهم.. وقلوبهم تنبض بالدعاء مع الأشواق إلى يوم تتحرّر فيه العدالة ويتحرّر فيه الأهل والوطن من قبضة السجّان.

 

ثورة الإنسان على انتهاك إنسانية الإنسان

يوجد ألفُ ألفِ سبب وسبب لثورة الشعب في سورية، فمن أراد تعداد المزيد من الأسماء، واستشعار المزيد من الآلام، ورؤية المزيد من المظالم.. فالجعبة مليئة عن آخرها..

أفلا يرى القارئ الكريم إذن علام قامت ثورة شعب سورية على ذلك النظام؟!..

ويعلم الثائرون في سورية.. ويجب أن يعلم كل إنسان ذي عينين تبصران:

لأنها ثورة حضارية ضدّ نظام متخلّف..

مشروعة ضد نظام طاغوتي..

سلمية ضدّ نظام إجرامي..

شعبية جامعة شاملة ضدّ نظام عاش على نشر الفتن بين أهل البلد الواحد..

حرّة مستقيمة ضدّ نظام يساوم على قضايا الأمّة من أجل بقائه وتسلّطه..

وطنية أبيّة ينبض قلوب ثوارها لجميع العرب والمسلمين وقضايا العرب والمسلمين وجوهرة العرب والمسلمين السليبة..

لأنها ثورة الحق ضدّ الباطل ستنتصر.

ستنتصر الثورة في سورية، آجلا لا عاجلا، وسينكشف ما لم ينكشف بعد ممّا ارتكبه النظام الأسدي الحاكم بالحديد والنار، على امتداد 41 سنة بأحكام تعسفية أشدّ إجراما ووطأة من أحكام حالة الطوارئ نفسها القائمة منذ الانقلاب البعثي قبل 48 سنة.

ستحقق ثورة شعب سورية النصر لأنها ثورة من أجل تحرير الوطن والأهل من قبضة نظام حاكم لم يعرف مقدّسا سوى تقديس نفسه..

لأنّها ثورة من أجل الحضارة وتحرير الحضارة، من نظام حاكم لم يعرف من السياسة إلا التسلّط ومن الحضارة إلا نهب الثروات..

لأنها ثورة من أجل الإنسان وتحرير الإنسان، من نظام لم يعرف طوال سنوات تسلّطه على سورية وشعبها سوى انتهاك إنسانية الإنسان وتدنيس طهارة الأوطان.

وشعب سورية قادر على صنع الانتصار بنفسه، بثورته السلمية الشعبية الجامعة الشاملة الحضارية الإنسانية العادلة المشروعة.. فمن يناصر شعب سورية وثورته، إنّما ينصر نفسه أولا، وينصر الحق والعدالة ثانيا، ومن لا يفعل.. فلن يكون عقبة في تحقيق النصر المحتم، وما النصر إلا من عند الله القوي العزيز الجبّار.

==========================

بينَ المواطنةِ واللّجوء خيطُ كذبة!

آمال عوّاد رضوان

 بعيدًا عن يوم اللاّجئ العالميّ الذي يُصادف تاريخ 20-6 مِن كلِّ عام، بدا عام 2011 وكأنّه يأخذ المنحى الاستباقيّ عن غيره من الأعوام التي أحيى بها العالمُ هذا اليوم، كتعبير عن الضميرِ المتستّرِ وراءَ دبلوماسيّة التعايش مع الظرف والحدث والمكان والزمان، ومع حالةِ النّزوح التي تشهدُها شعوبُنا العربيّة عن بلدانها، في قطاعاتٍ كبرى شهدت تغيّرات ومتغيّرات استبقت الاحتفال السّنويّ لبعض بلدان إفريقيّة دأبت عليه منذ عشراتِ السّنين.

اللاّجئون!

هُم مَن تُشرّدُهم الطّرقُ رغمًا عن إراداتِهم مِن قراهم ومدنِهم، وتؤدّي الصّراعاتُ وممارساتُ الاضطهادِ إلى تشتيتِ شمْل أُسَرِهم!

فهل هروب رؤوس الأموال العربيّة إلى خارج أوطانها، طمعًا في الاستقرار والبحث عن البيئة المناسبة للاستثمار، يدخلُ في إطار اللّجوء؟

ما الفرق بين اللّجوء الاقتصاديّ وبينَ اللّجوءِ السّياسيّ؟

 المفوضيّة العليا للأمم المتحدة جسمٌ دوليٌّ معترفٌ به عالميًّا لرعاية المُهجّرين؛ تعملُ على احتضانِ اللاّجئين ومعالجةِ قضاياهم ، وتوفير أبسط الحقوق الأساسيّةِ والمتطلّباتِ الإنسانيّة، لضمان الحمايةِ الدّوليّةِ للاّجئين في كافّةِ أنحاءِ العالم، وإيجادِ الحلول المؤقّتة لمشاكلِهم!

لكن؛ هل تمكّنت المفوضيّةُ فعلاً مِن استيفاءِ شروطِ الرّعايةِ ولكافّة اللاّجئين؟

وماذا عن 1.2 مليون لاجئ أفغانيّ فرّوا إلى دولٍ ناميةٍ مثل باكستان، وليس فيها وسائل رسميّة لحمايتهم؟

وكيف ستعالجُ مفوّضيّة الأمم المتحدة شؤونَ اللاّجئين الجُدد من عالمنا العربيّ، الّذين فرّوا من دمارِ الصّراعاتِ الدّاخليّةِ والانقسامات الحزبيّة والجغرافيّة؟

لماذا يُقيمونَ يومَ اللاّجئ العالميّ؟

هل هو ذكرى العار الإنسانيّ، والتّذكير بالمواجع المأساويّة والأحزان البشريّة، أم محاولةٌ للملمةِ الماضي العاثر في ثوبِ استقرارٍ جديد؟

هل هو احتفالٌ بعزيمةِ المضطهَدين اللاّجئين لإقبالهم على الحياة، وانتصارهم على الاضطهادِ والمضايقاتِ والمصاعب؟

هل يهدف إلى زيادةِ التوعيةِ عندَ اللّاجئين، وإتاحةِ فرَصِهم في الخلاص؟

هل يحاولُ إبرازَ أسبابِ اللّجوءِ وعلاجِها على المدى البعيد؟

إذًا؛ كيف نفسّر الازديادَ المطّردَ لعدد اللاّجئين في العالم؟

ما هي أسبابُ اللّجوءِ الدّوليّ؟ ومَن هي شرائحُ اللاّجئين الدّوليّين؟

كيف يحتفلُ اللاّجئون الفلسطينيّون في الشّتات بذكرى يوم الأرض، الّتي تصادف في 30-3 مِن كلّ عام؟

ماذا يمكن تسميةُ هجرة العائلات التّجاريّة ورجال الأعمال، الّذين سعَوْا إلى نقل مزيد من ثرواتهم الشّخصيّةِ إلى ملاذاتٍ وأصول آمنة خارجيّة، بعدَ موجةِ الاضطرابات الأخيرة التي اجتاحت الدّول العربيّة وبعض الدّول الخليجيّة؟

صحيفةُ "القبس" الكويتية كشفت عن حجم المبالغ نقلاً عن صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانيّة يوم 26-3-2011، وقالت أنّ حجمَ الأصول السّائلة للمستثمرين الأفراد الخليجيّين 1200 مليار دولار، وفق تقرير لمؤسسة بوز آند كومبني، ومعظمها يُدار مِن قِبل شركات خاصّة، تديرُ استثمارات وأموال عائلةٍ ثريّة واحدة، تُعرف بـ "مكاتب عائليّة" لتجّار الخليج!

 دوافع عديدةٌ تضطرُّ اللاّجئينَ إلى مغادرةِ بلادِهم، واللّجوءِ إلى بلدٍ آخرَ يحميهم ممّا يُهدّدُهم إمّا؛ عِرقيًّا، دينيّا، وطنيًّا، اجتماعيًّا، بسبب الجنسيّة وغيابِ العدالةِ والتّهميش، أو بسبب الانتماء لفئةٍ اجتماعيّةٍ معيّنة، أو لحزبٍ وخطٍّ سياسيٍّ مُعارض، أو بسبب التّغيّر البيئيّ وتضاؤل المواردِ الطّبيعية، أو بسببِ الفرار مِنَ القتال في مناطق النّزاع المسلّح، كما حدثَ في المملكة المتحدة، و 74% ممّن طلبوا اللّجوءَ إلى أوروبّا والولايات المتحدة، أتوْا مِن بلادٍ تُعاني مِن مشاكلِ النّزاع المسلّح!

نجدُ ثلاثةَ أنواع مِن اللّجوءِ الدّوليِّ الرّسميِّ المشروط:

لجوءٌ سياسيّ: الشّخصُ يترك بلدَهُ لأسباب سياسيّةٍ واضطهادٍ وتهديدٍ بسببِ معارضتِه السّياسة القائمة، ويحصلُ على جنسيّةٍ تمكّنُهُ مِن حرّيّةِ السّفر إلى أيّ بلدٍ سوى بلده.

لجوءٌ دينيّ: أي اضطهادٌ دينيٌّ وطائفيٌّ يهدّدُ كيانَهُ وحياتَه.

لجوء إنسانيّ: يحصلُ اللاّجئُ على جنسيّةٍ تُمكّنُهُ مِنَ السّفر إلى بلدِهِ وأيّ بلد، لأنّ الأسبابَ بعيدةٌ كلّيًّا عن السّياسة والدّين، والنّزوحُ قسريٌ لأسبابٍ اقتصاديّة، عدم توفّر حياةٍ كريمةٍ في ظلّ تدهور الوضع الأمنيّ، أو بسبب التّهجير والحرب والفقر، أو الهرب مِن مخاطر كوارث طبيعيّة كالزّلازل والبراكين والهزّات الأرضيّة!

إذا كانتِ الحروبُ البشريّة والطّبيعيّةُ تتركُ الانسانَ مُشرّدًا محطّمًا على حافّةِ ضياعٍ، بينَ الحاضر المأساويِّ وبين المستقبل المجهول، فهل اللّجوءُ الدّوليُّ يؤمّنُ وطنًا آخرَ للمُهَجَّر، يوطّدُ شعورَهُ بالأمان والاستقرار، وتخطّي شعورِهِ بالضّياع؟

هل مِن فروق بين لاجئٍ وطالبِ لجوء؟ وهل كلُّ مَن فرَّ مِن بلدِهِ إلى بلدٍ آخر يدعى لاجئًا؟ وهل من شروطِ انتسابٍ لتعبئةِ طلبِ اللجوء؟

كم تشكّلُ نِسبُ اللاّجئين في كلِّ فئةٍ وأخرى؟

 90% من ضحايا الحروب والنّزاعات هم مدنيّون، يفرّون تحت ظروفِ القصفِ والخوفِ واستحالة الاستمرار في البلد الأمّ، بحثا عن مأوى آمن، وقد بلغ عددُ اللاّجئين الرّسميّ زهاء 42 مليونًا، بزيادة مقدارها 20 مليونَ لاجئٍ خلال أقلّ مِن عشرة أعوام!

هل يتمكّنُ اللاّجئون مِن التأقلم والاندماج في أوطانٍ جديدة، رغمَ ما لديها مِن ثقافةٍ وعاداتٍ مغايرة ولغةٍ مختلفة وظروفٍ أخرى؟

وهل يمكنهم حقّا الالتزامَ بقوانين الوطن الجديد برضا، بعد الحصول على الجنسيّة؟

ما الّذي يدفعُ الدّول الغربيّة المتسبّبة بالحروب والنّزاع بشكلٍ ما، وفي شقاءِ الأبرياء من أبناء الإنسانيّة في مناطق العالم، إلى التسابق في التبرّع وحماية اللاّجئين، وهم ضلعٌ أساسٌ في التّسبّب بنزوحهم ومآسيهم والعبث بأمنهم واستقرارهم؟

هل هو الطمع في الهيمنةِ الاقتصاديّة على ثرواتِ البلاد، أم هو شكلٌ من استعباد اللاّجئين وتشغيلهم قسْريًّا في بلادٍ احتوتْهم وفضّلتْ عليهم، أم أنّ اللاّجئين في البلاد الغربيّة، هم المفاتيح السّحريّة القابلة للمساومة والمقايضة؟

======================

في سورية ... من يتآمر على من؟

الطاهر إبراهيم*

في خطابه أمام مجلس الشعب السوري يوم الأربعاء في 30 آذار الماضي، كان أهم ما لفت في الخطاب قول الرئيس السوري "بشار أسد" أن هناك من يتآمر على سورية. الذين ترقبوا سماع الخطاب أرادوا أن يروا كيف سيرد الرئيس بشار على الأحداث التي عصفت بسورية واعتبرت جد خطيرة بعد أن سقط حوالي مائتين من الشهداء ومئات الجرحى، بعد عقود من الاستقرار الأمني الذي فُرض بالتخويف من القمع البوليسي. وكان السؤال هل سيعلن الرئيس نهاية لتلك الحقبة السوداء بإلغاء الأحكام العرفية والعودة إلى الحالة الطبيعية؟

خلوت بنفسي أقلب الرأي على مختلف وجوهه، أبحث عمن يمكن أن يكون قد عناهم الرئيس بشار بأنهم وراء هذه المؤامرة المزعومة؟ فمن هم هؤلاء المتآمرون على سورية؟ وهل هي مؤامرة خارجية أم أنها مؤامرة داخلية؟ تعالوا نبحث بهدوء عمن يمكن أن يكون قد شارك في المؤامرة، وعلى من تدور هذه المؤامرة، إن كان هناك مؤامرة حقا؟

الإطاحة بالرئيس "حسني مبارك" أزاحت أكبر خصم للنظام السوري في المنطقة، ولم يبق في المحيط العربي من يعتبر خصما للنظام، بمعنى الخصومة. فطهران وبيروت ودمشق، -وإلى حدٍ ما بغداد- هي في محور واحد. ومن عمان إلى صنعاء إلى الرياض إلى عواصم دول الخليج الأخرى إلى الخرطوم إلى طرابلس التي أمدها النظام السوري مؤخرا بطيارين لقصف الشعب الليبي، إلى الجزائر إلى الرباط إلى نواكشوط، هذه العواصم كلها، ليس بينها وبين دمشق إلا الوئام. إذن فالمحيط العربي ليس فيه متآمرون على سورية.

خارجيا، بعد مجيء "باراك أوباما" رئيسا لأمريكا زالت العقبة التي كان يمثلها "جورج بوش" ضد سورية لتتمكن من العودة إلى المحيط الدولي، وهكذا كان. ورأينا فرنسا تساعد سورية لتدخل في شراكة مع دول أوروبا. كما قامت حكومة "أردوغان" التركية بالدخول في وساطة حثيثة بين إسرائيل وسورية. ولولا أحداث غزة عام 2009 لكنا شهدنا "كمب ديفيد" سورية على غرار مصر. والحدود السورية لم يعكر صفوها طلق ناري واحد على مدى 40 عاما.

لا يقولن أحدٌ إن هذا لم يكن ليحدث من النظام السوري المقاوم الممانع. وأن النظام السوري ما كان ليوقع اتفاقية مثل اتفاقية مصر. فالذين يعرفون "أردوغان" يؤكدون أنه ما كان ليدخل في وساطة، ما لم يكن متأكدا من أن الرئيس بشار سيسير في التسوية إلى آخر الشوط.

إذن أين هي المؤامرة التي تحدث عنها الرئيس بشار في خطابه في مجلس الشعب، الأربعاء في 30 آذار المنصرم؟ ومن هم المتآمرون؟ وعلى من يتآمرون؟

قمة المؤامرة هي التآمر على قتل المعارضين: المؤامرة ليست كلمة لغوية إنشائية فحسب، بل هي أفعال مادية محسوسة تظهر نتائجها على الأرض وفي واقع الناس وقد تكون نتائجها كارثية إذا نجح المتآمرون. قال الله تعالى: (وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال ياموسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين.. القصص الآية20). هذا الرجل ، وهو مؤمن آل فرعون، حدد المؤامرة بأنها لقتل موسى عليه السلام.

فعلى مدى خمسين عاما من حكم حزب البعث في سورية، وأربعين عاما مذ استولى الرئيس الراحل "حافظ أسد" على السلطة كان التآمر يتم من قادة الانقلابات في سورية، بعضهم على بعض، وعلى الشعب السوري، فيتم اعتقال المواطنين في سورية، وأحيانا قتلهم. فأثناء هذه الحقبة السوداء تم اعتقال عشرات الآلاف من السوريين، كما قتل عشرات الآلاف منهم، وتم تهجير مئات الآلاف خارج سورية. فإذا لم تكن هذه هي المؤامرة فما هي المؤامرة إذن؟

الذين فجروا الثورة المباركة لاسترجاع حقوق السوريين، هم من الشباب وأعمارهم بين 20 عاما و25 عاما، وقليل منهم بلغ الثلاثين، فهم لم يعيشوا التاريخ الأسود ولا تآمر السلطة البعثية الحاكمة على سورية وعلى شعبها في بدايات حكم حزب البعث. لذا سأذكّرهم بما يعرفونه وما رأوه رأي العين من هذا التآمر المشين عليهم وعلى سورية.

عندما جعلت القيادة القطرية في رأس هرم السلطة التنفيذية فهو تآمر من حزب البعث على الشعب السوري. ليس هذا فحسب، بل والسلطة التشريعية أيضا، عندما فرض أن يكون 55% من أعضاء مجلس الشعب بالتعيين من البعثيين، ويُكمّلون إلى الثلثين بحلفاء للبعثيين من أحزاب الجبهة التقدمية الذين "يبصمون" على كل تشريع دستوري وكل قانون. ولم تسلم السلطة القضائية من تآمر البعثيين، بحيث كانت القيادة القطرية تعين القضاة البعثيين حصرا. بل إن كل وظيفة لها صفة "مدير" احتكرها البعثيون حتى مدير مدرسة ابتدائية.

أما المؤامرة الكبرى فكانت تلك التي نفذت في حق سورية كوطن وفي حق سورية كشعب. الذي عاشوا في سورية قبل حكم حزب البعث في آذار 1963، يتذكرون أن الجيش السوري كان يرد الصاع صاعين للجيش الإسرائيلي. ومنذ استلم حزب البعث السلطة بدأت تحيق بنا الهزائم. انهزمنا في حرب حزيران 1967. كما انهزمنا في حرب 1973. وقد كنت شاهدا فيها حيث احتلت إسرائيل أكثر من عشرين قرية فوق تلك التي احتلتها في حزيران 1967، حتى وصل الجيش الإسرائيلي إلى "كناكر" على بعد 20 كيلو متر جنوب دمشق. الآن وفي الوقت القريب، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف منشأة في موقع "الكبر" شمال دير الزور، ولم يرد الجيش السوري. بل إن طائرات الجيش الإسرائيلي اخترقت حاجز الصوت فوق قصر الرئاسة في اللاذقية، ولم يرد الطيران السوري. كان الناطق الرسمي في كل مرة يقول سنرد في الوقت المناسب. لكن هذا الوقت المناسب لم يأت حتى الآن. ومع ذلك يزعم النظام أننا دولة مقاومة ودولة ممانعة، فأين هي تلك المقاومة وأين هي تلك الممانعة؟

يبقى أن نقول: إن الرئيس السوري ما لم يتدارك الأمر ويحترم إرادة الشعب السوري وينهي احتكار السلطة في سورية، فلن يكون الوضع مختلفا عما حصل في تونس وفي مصر. إلا إذا أراد النظام أن يجرب ما فعله الزعيم الليبي. ولا يعلم إلا الله كيف ستكون الأمور عندئذ، خصوصا بعد أن سال الدم السوري بغير حق.

______

*كاتب سوري

=========================

يا سوريا الجريحة

د . عوض بن محمد القرني*

و للحرية الحمراء باب ٌ ** بكل يد ٍ مضرجة ٍ يدق ّ

إن بلاد الشام وفي القلب منها سوريا كانت وما زالت عنوان العروبة وقلعة الإسلام وميدان الأصالة وبوابة المجد وعمق التاريخ ، على ثراها حسمت مواجهات أمتنا الكبرى وفي مهدها سجلت انتصاراتنا .

إلى أن جاء الاستعمار البغيض في العصر الحديث فقسم بلاد الشام وفق اتفاقية ( سايكس بيكو) إلى كانتونات : (سوريا ـ لبنان ـ فلسطين ـ الأردن ) كل منها يعيش محنته ويعاني مصيبته ، وكان مما ابتليت به سوريا منذ خمسين عام أن تسلط عليها حزب ٌ علماني مشبوه اختطفته طائفة باطنية غامضة استغلتها أسرة مستبدة واحدة حولت سوريا إلى إقطاعية لتلك الأسرة تعبث بها فسادا وتعيث فيها إفسادا ، وحولت الشعب السوري العظيم إلى التشرد والمنافي أو السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية .

وحين هبت رياح الحرية في المنطقة وترددت أشواقها في حنايا أطفال سوريا وجرت أحلامها في شرايين رجالها ونسائها بعد عقود من الكبت والاستبداد و إذا بالنظام الحزبي الطائفي الأسري يقابل هذه التطلعات السلمية المشروعة بالرصاص والقتل وسفك الدماء في المساجد والشوارع والأحياء والأسواق و تنبري أبواق النفاق وجوقات الزور والبهتان لإخفاء الحقائق وتدليس الوقائع كل ٌ من موقعه وحسب تخصصه أعلنوا فيما زوروا ودلسوا أن الرئيس الشاب (الابن الوريث) ؛ سيلقي خطابا ً هاما ً يضع النقاط على الحروف ويحمل البشائر والإصلاحات ويعتذر للشعب عما وقع من غير رضا ً منه ، وانتظر الناس وترقب الإعلام وكثرت التحليلات وتعلق الشعب المسحوق المظلوم بأمل حالم ٍ وخيال ٍ واهم ٍ ؛ وجاءت ساعة الحقيقة ودخل (الابن الوريث) قاعة المصفقين من الحاشية الذين لا يجرؤون على التصفيق وهم جالسون وصعق الناس في العالم كله مما سمعوا ، فماذا سمعوا ؟

إنها الأكاذيب نفسها التي رُددت في تونس ومصر وما زالت تردد في ليبيا ؛ إنها التخلص من أي مسؤولية والتبرؤ من أي تهمة ٍ حيال ما يجري ورمي ذلك كله على المؤامرات الخارجية والعملاء في الداخل و التنصل مما وعد به المريدون قبل ذلك من إصلاحات هامشية شكلية والزعم أن الإصلاح قائم ٌ منذ سنوات ، والتهديد والوعيد حتى لمن وقف على الحياد وأغلق عليه بابه وحتى لمن شارك سلميا ً بحسن نية ٍ ، فهم والعملاء ودعاة الفتنة ـ حسب مصطلح الخطاب ـ سواء (( أتواصوا به بل هم قوم ٌ طاغون )) .

إن موقع سوريا الخطير على تخوم الكيان الصهيوني الغاصب وتاريخها المجيد العريق في مسيرة أمتنا قبل هذا النظام والأثر العميق لما يجري فيها على منطقتنا يجعلنا نستصرخ كل ذرة عقل ـ إن وجدت ـ في قمة هرم السلطة في سوريا ، وننادي كل أصيل ٍ أو حر يستطيع أن يؤثر على القرار ؛ أن يقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر أعمته حجب السلطة وأسكرته سنين الاستبداد .

إننا باسم كل حريص على مستقبل سوريا و المنطقة كلها نرجو ونتمنى من النظام السوري أن يعي خطورة الأمر ويستجيب لتطلعات الشعب ويحدث إصلاحا حقيقيا ً جذريا ً فوريا ً قبل أن يعم الطوفان فإن شعب سوريا لم يعد لديه ما يخسره ومطالبه المشروعة تتمثل في الحرية والعدالة ومنع الفساد والظلم والاستبداد وتخفيف القبضة الحديدية البوليسية الدموية عن الناس .

إن مالك الملك سبحانه يمهل ولا يهمل وإن ساعة الحساب قد حانت ، ودعوات المظلومين بإذن الله قد استجيبت وقهر الشعب قد ولى ، قال تعالى :(و لا تحسبن الله غافلا ً عما يعمل الظالمون).

_____

*داعية ومفكر إسلامي

أبها ـ السعودية

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ