ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 30/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

صناعة حشد التأييد في سورية

أسلوب عتيق.. وتزوير مكشوف

نبيل شبيب

في عام 1963م وصل حزب البعث إلى السلطة، وكان ذلك عبر انقلاب 8 آذار/ مارس، وفي عام 1964م تقرّر الاحتفال بأول عام على مرور الانقلاب –وكان ذلك بدايةً لجعل ذلك "عيدا وطنيا" يزاحم عيد جلاء الفرنسيين عن سورية يوم 17 نيسان/ أبريل- وكنتُ تلميذا في الصف الحادي عشر، وكان على "جميع" تلاميذ المدرسة أن يخرجوا في مسيرة ضمن مسيرات "التأييد" للحزب وانقلابه، في ذلك العام الذي شهد قصف مسجد السلطان في حماة، واقتحام الدبابات للمسجد الأموي في دمشق.. ورفضتُ الخروج مع الخارجين في إطار ما كان يسمّى "دروس الفتوّة" –شبه العسكرية- وتتالت صور "صياغة جيل بعثي جديد" بالإكراه في المدارس، وحاولتُ المقاومة عبر العام التالي أيضا في المدرسة، فكدتُ أفقد حق الحصول على الشهادة الثانوية آنذاك، لولا أوّل "عملية احتيال" لجأت إليها، وهي جلب تقرير طبي بمرض مزعوم لتعليل غيابي في تلك الفترة عن "تدريبات الفتوة"!.. 

 

مسيرة الرعب على مرّ عقود

مضى على ذلك المثال من بين عشرات الأمثلة من المعايشة المباشرة في سنّ مبكّرة أكثر من أربعة عقود ونصف، أي أكثر من "جيل ونصف"، واستمرّت خلال ذلك عملية "الترويض البعثي"، ابتداء من أسلوب التخويف بحرمان التلاميذ من حق العلم قبل بلوغ سنّ الرشد، مرورا بأسلوب الترويض العملي في المعسكرات للأطفال والناشئة والشبيبة، انتهاءً بمآسٍ لا تُحصى صنعَها ولا يزال يصنعها بضعة عشر جهازا "قمعيا" في سورية.. ولم يعد الأمر قاصرا على استهداف المدارس لصناعة "جيل بعثي" بالإكراه، بل شمل سواها كالمصانع، فمَن مِن العمال يجرؤ على التغيّب عن "مظاهرة تأييد" وهو يعلم أنّ ذلك يكلّفه أو قد يكلّفه حرمانه من بعض ما يحصّله من دخل لإطعام أسرته.. وهل يلام موظف على شبيه ذلك؟.. أم هل يلام "إنسان" على الإحساس بالخوف وهو يعلم عن قصة جارٍ له "اختفى" بلا عودة، أو عثر على جثته على قارعة الطريق لتخويف سواه، أو شهد في أحد أقبية المخابرات أو أحد المعتقلات من التعذيب ما تشيب له رؤوس الولدان حتى عُقد لسانه عن الكلام وتحطّمت قدرته على العيش كإنسان.. بعد إخراجه ليتحرّك "كنموذج مفزع" بين الناس؟..

إن عمر الاستبداد في أي بلد من بلدان العالم يساوي عمر آلة التخويف ونشر الرعب من جانبه، وقد بلغ عهد التسلّط المتواصل على شعب سورية منذ 48 عاما من ذلك مبلغا بعيدا، فلئن تفوّق على سواه ففي هذا الميدان بالذات.

ولندع في هذا الموضع أمورا أخرى عديدة تتصل بالموضوع، ويكفي أن نذكر مثلا أنّ من جنّدهم النظام عبر بضعة عقود من العاملين في مختلف أجهزته القمعية، هم بحدّ ذاتهم يشكّلون مظاهرة حاشدة، ويربو عددهم على نصف عدد "الموظفين" الذين تضمّنت "حزمة" الإجراءات والوعود الأخيرة على إيقاع الرصاص القاتل رفع رواتبهم ومعاشاتهم على نحو غير مسبوق.

إنّ حكاية مظاهرات "جماهيرية" حاشدة تأييدا للرئيس بشار الأسد أو للبعث أو للحكم الاستبدادي الفاسد في سورية، ليست مجرّد حكاية تلفيق، بل هي في الوقت نفسه وصمة عار تلحق بنظام يمارس تلك الممارسات المخزية عبر العقود المتتابعة، للظهور بمظهر "الاستقرار" المزعوم،ثمّ لا يتورّع عن الاستشهاد على "نجاحه" من خلال اصطناع مشاهد تأييد زائف مكشوف!..

ذاك استعراض نجاحٍ يُدين صاحبه، من خلال الاعتقاد بأنّه استطاع تحويل قسم من شعب سورية إلى "قطيع" يمضي وراء فرد، رعبا أو طمعا، وهذا –إذا صحّ- يؤكّد وصمة العار.. فأشدّ الأنظمة استحقاقا للإدانة والاحتقار نظام يعمل بأي وسيلة من الوسائل لسلب إرادة الإنسان حتى يصفّق، وقهر إرادة الجموع حتى تهتف.

تلك جريمة استبدادية بحدّ ذاتها، حتى ولو كان الحاكم عادلا، فكيف به وهو يمثل أشدّ حقب تاريخ سورية ظلمة وظلما، ممّا يجمعه مع ما يُروى عن "الحجاج" في العراق، ونيرو في روما، ناهيك عن المعاصرين وقد بدؤوا يتساقطون تباعا.. وإنّما يتساقطون لأنّ الشعوب كسرت حواجز القهر والخوف والرعب، ولن يُثبِت الحكم في سورية أنّه أرسخ قدما من الآخرين وأشدّ قدرة على القهر من خلال استعراض بعض "ما أنجز" على طريق الترويع والترويض.

 

التزييف أكبر "إنجازات" السلطة

وللحكم القائم في سورية على صعيد القهر والتزييف إرث "عريق".. وأنوّه للقارئ بكلمات سبقت إلى مداد القلم في موضوع بعنوان (ماذا فعلتم بشعب سورية؟) وقد كتب ونُشر في الأصل تعقيبا على أوّل استفتاء بأسلوب التسعات الشهيرة على رئاسة الأسد الابن بعد رئاسة الأسد الأب، ففي ذلك الحين سبق تصوير الشعب عبر تلك النسبة كما لو كان قطيعا من الغنم وليس شعبا أصيلا عريقا يعيش في سورية، وفي عاصمتها دمشق التي تُعتبر من أقدم مدن العالم قاطبة (يربو عمرها على ثمانية آلاف سنة) وجاء في ذلك المقال حول مهزلة الاستفتاءات والانتخابات قبل 11 سنة ما يصلح للحديث عن مهزلة مظاهرات تأييد الأسد الوارث في سنة الثورة هذه:

(سيّان ما هو التفسير، أو التعليل، أو التحليل، لِما يجري في سورية، وسيّان أيّ منظار نستخدمه للتأمّل في الأحداث ومغزاها وفي التطوّرات والإجراءات ومجراها وفي المشاهد المتتابعة بين ليلة وضحاها، فلا يبقى بين أيدينا في نهاية المطاف سوى أحد احتمالين اثنين:

إمّا أنّنا نعايش عملية تزوير هزلي مكشوف، في مطلع عهدٍ يقال إنّه يريد أن يكون "تقدميا إصلاحيا منفتحا"، وفي ذلك مصادرةٌ لإرادة الشعب وحرياته وحقوقه بأسلوب معروف موروث، أو أنّ ما ينقلونه عن سورية ومتابعة المسيرة والتفاف الشعب حول الرئيس الوريث وما إلى ذلك صحيح لا خداع فيه!.. وهذا لو صحّ -وما هو بصحيح- فهو أشدّ خطرا وأبعد مغزى، وهو وضع أسوأ وأشدّ بعواقبه من التزوير نفسه، فالحاكم الذي يقود "قطيعا" لا يمكن أن يحقّق إنجازا كبيرا بحال من الأحوال.

هذا -إن صحّ فعلا- وضعٌ يعني أنّ العهد السابق على امتداد حياة جيل بكامله، نجح بأساليب استبدادية مرفوضة، وقمعيّة كريهة، في تحويل الإنسان السوري إلى إمّعة خائف خانع، أو ممالئ مخادع، ولا نستطيع تصديق ذلك بحال من الأحوال!..

هذا -إن صحّ وما هو بصحيح- يعني أنّ العهد السابق نجح في تحويل الملايين من أبناء سورية، الذين كانوا وما زالوا يتندّرون على "التعدّدية والتعايش" في صفوفهم بالقول إنّ كلّ سوري يمثّل حزبا ورأيا، نجح في تحويلهم إلى مجموعة من البشر، مصنوعة في قالب واحد، بمواصفات ثابتة، هكذا وفق المقرّر حزبيا، بدءا بمعسكرات الأطفال من الجنسين، ومرورا بأقبية المخابرات عند الحاجة، وانتهاء بما يُسمّى مجلس الشعب كما تشهد الجلسات المتتالية منذ رحيل الأسد الأب، ولا نستطيع تصديق ذلك بحال من الأحوال!..

ولا يصحّ على سورية القول: فات الأوان أو كاد، فالشعب باقٍ على الدوام، قد يفوت الأوان على النظام، في أيّ بلد من البلدان وعلى أيّ مستوى من المستويات، فينتهي أمره نهاية طبيعية أو قسرية، وقد يفوت الأوان على حاكمٍ فرد من الحكام، بالثورة عليه أو بالموت يصيبه، ولكن لا يفوت الأوان على الشعوب، فهي الباقية، وسيبقى شعب سورية، فإمّا أن يتحوّل الأسد الثاني باتّجاهه، ويعمل بغضّ النظر عن أسلوب وصوله إلى السلطة، لإقرار نهجٍ داخل سورية يحقّق تحوّلا حقيقيا وشاملا بمقدار مائة وثمانين درجة، ليتعامل مع الشعب كشعب، ومع الحكم كحكم، ومع السياسة كسياسة، أو أن يقيّض الله تعالى لسورية وشعبها مخرجا، وما ذلك على الله ببعيد، فهو القادر على أن يأتي بأمره من حيث يحتسب الناس ولا يحتسبون، وأن يهيّئ لذلك الأسباب من حيث لا ينتظرون، وأن يوظّف لتحقيق ما يريد مَن شاء متى شاء وكيفما شاء، إنّه لقويّ عزيز).

لا يبدو –حتى الآن- من المؤشرات المتسارعة الصادرة عن السلطة ما بين جمعة العزة وجمعة الشهداء في مسار ثورة سورية أنّ أركان السلطة حسموا أمرهم وحزموا متاع حكمهم المتزعزع، ورضخوا لمطلب الشعب الثائر لتحقيق التغيير الجذري الشامل، فكأنّما قد فات الأوان عليهم فعلا، إنّما هل تظنّ السلطة حقا أنّه قد فات الأوان على الثورة أن تحقق أهدافها المشروعة؟.. ولئن لم تستشعر أنّ إرادة شعبها تجاوزت مرحلة الانكفاء أمام التخويف والترويض، وبدلا من ذلك خادعت السلطة نفسها بما اصطنعته لنفسها من "استعراضات التأييد" المزيفة.. ألا تستطيع على الأقلّ رؤية أنّها تسير على ذات الطريق التي سار عليها سابقوها في تونس ومصر .. حذو النعل بالنعل نحو نهاية محتّمة؟.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ