ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 26/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

يا شعبنا العظيم ، يا أحرار العالم ...لا تدعوا حوران تذبح كما ذبحت حماة ..

د.منير محمد الغضبان

يا شعبنا العظيم : أنظر ماذا ترى

إخوانكم في حوران ، يذبحون في المساجد على قارعة الطريق لأنهم قالوا : لا للطاغية الظالم . لأنهم تمثلوا قول أمير المؤمنين رضي الله عنه :

يعجبني الرجل إذا سيم خسفا أن يقول لا بملء فيه

لقد قالوها بملء فيهم : لا للطاغية قالوا للجبار الناعم الملمس بشار الأسد ؛ والذي يشهد الله على ما في قلبه . وهو ألد الخصام

لقد قامت درعا كلها بشيبها وشبابها وأطفالها وشيوخها ورجالها ونسائها .

تساند أطفالها الذين كتبوا على الجدارن يريدون إسقاط النظام

فاعتقلوا الأطفال، وثار الرجال لأطفالهم المعتقلين . فقتلوا الرجال وساقوهم إلى أقبية السجون ، فثارت درعا كلها ، ولجؤوا إلى الله في بيت أذن لله أن يرفع ويذكر فيه اسمه .

فتحدى الطاغية الله ، وبعث زبانيته ، واقتحم المسجد .

فهو حريص على تطبيق قول الله فيه :

وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ..

يا أيها الشعب:ليكن هذا هو شعار ثورتك ضد النظام كله :

لا: للفساد في الأرض

لا: لإهلاك الحرث والنسل

وارتفعت صيحات المصلحين في كل مكان في الأرض بهذين الشعارين .

منظمات حقوق الإنسان ، الفضائيات، الاتحاد الأوروبي ، رؤساء العالم وأحرارا العالم ، الأمين العام للأمم المتحدة . سادة سورية العظام في لداخل والخارج ، لقد ضجت الأرض كلها بجرائم النظام قائلة له : اتق الله

وكان الجواب منه حرصه على تطبيق كلام الله فيه: أخذته العزة بالإثم

وأصر على جبروته ، فماذا أنتم فاعلون ، يا أبناء شعبنا العظيم ، يا شباب سورية ، يا شباب الشام وحلب وحمص وحماة واللاذقية والسويداء ، في دير الزور والحسكة والقامشلي .

يا أمل العالم .. لقد قامت طلائعكم العظيمة ، أعلنت ثورتها ضد نظام الأسد . فهم قادتنا العظام .. فسيروا على خطا أبطالكم في درعا ، وداعل وجاسم ونوى سيروا على خطا أطفالكم ونسائكم ورجالكم فيها ، فكل طفل بطل أمة ، وكل امرأة محورة أمة .

تظاهروا . قوموا ظاهرين على الحق ، في كل محافظة وفي كل مدينة . ولا تسكتوا فتكونون ظهيرا للمجرمين .

إنها المظاهرة إما لتكونوا ظاهرين على الحق ،

أو لتكونوا ظهيرا للمجرمين

يا شعبنا لا تدعوا حوران تذبح كما ذبحت حماة من قبل

ثوروا ضد الطغيان والطغاة ، (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار .)

فإن الركون إلى الظلم جزاؤه جهنم و أن لا يكون لكم أولياء من دون الله ثم لا تنصرون

وأما الثورة من أجل الحرية ، وضد الفساد ، وضد الطغاة ، فهو المنجاة

فلم يذكر مع (سبيل الله ) في القرآن إلا ( المستضعفين في الأرض)

يا أبناء شعبنا العظيم في كل محافظة وفي كل قرية وفي كل مدينة . في دمشق ، في حلب وفي حماة وحمص ،في كل قرية ..في حينة وعرنة وفي القرداحة وجبلة ، في إدلب وفي التل وفي دوما. وفي كل صقع . فسورية لنا جميعا ، وليست لأسرة طاغية لا تزال تتحكم منذ أربعين عاما بمصيرنا .

أيها المواطنون : هذا وطننا جميعا ، وليس وطن أسد وزبانيته وجنده ، وعلينا أن نكون شركاء في تقرير مصير هذا الوطن وفي عزل وإسقاط الذين باعوا قطعا منه بثمن بخس ، وتركوه في يد العدو أربعين عاما بلا حساب .

فهذه هبة حوران من أجل الإنسان في سورية ، ولاستعادة الجولان . هذه ثورة ضد الطغيان . بصدورنا العارية ، بسواعدنا الأبية ، لقد حرّق أصحاب الأخدود لأنهم قالوا آمنا برب الغلام ، وحين خافت المرأة من النار على طفلها الرضيع ،ناداها :اصبري يا أماه فإنك على الحق .

 إننا نريد حقنا في الحياة ، لأن العيش في ظل الذل ممات

وإن لم تنصروا إخوانكم اليوم فسنحصدها ذل نصف قرن آخر ، العالم معنا ينظر ماذا نعمل ، ينتظر اعتصامات في ساحة المرجة بمئات الألوف ، وفي ساحة عبد الله الجابري بحلب ، بمئات الألوف ، وعندئذ يسقط الطاغية بدمشق ، ويسقط نظامه .

إن الوعود الخلابة التي أطلقتها القيادة القطرية والتي تحتاج إلى شرعية لوجودها قد أطلقت منذ وصول بشار إلى السلطة . ولم ينفذ منها شيء ، وهذه القرارات إن كان أصحابها صادقين فلا تحتاج أكثر من قرار رئاسي خلال مدة أقصاها أسبوع في إلغاء قانون الطواريء وإصدار قانون الأحزاب والعفو السياسي عن أبناء الشعب كله ، وعودة شعبنا إلى وطنه . قرار واحد يعلنه الرئيس وينفذ خلال أسبوع يقي البلد من حمام دم يتناول سورية كلها .

ليكن الهدف واضحا لا لبس فيه ،

تغيير النظام إن لم يغير النظام نفسه .

وشعارنا: ((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ))

*  باحث إسلامي سوري

=======================

الثورة وقد وصلت إلى سورية

نوال السباعي- مدريد

تتصل الذاكرة بالواقع لتشكيل الأبعاد الحقيقية لمشهد الثورة وقد وصلت سورية  ، من جديد ..نعود لنعيش تلك الساعات الرهيبة التي عشناها  في دمشق قبل ثلاثين عاما ، القتل ، والسحل ، والاعتقالات العشوائية ، أصوات الرصاص والتفجير والدبابات ، دهم وتفتيش للمنازل ، تبادل لإطلاق النار في الحرم الجامعي ، انتشار عناصر "الأمن"  على أسطح المنازل ، محاصرة الأحياء وترويع ساكنيها ، انتهاك حرمة المساجد ، وتحويلها إلى مصائد مغلقة على  المحتجين ، يُقَتلون ويُذَبحون فيها ، اختفاء الناس ، مابين هارب ومعتقل ومطلوب لاستجواب خمسة دقائق ، امتدت في حياته وحياة أهله إلى أزمان سحيقة من الألم والعذابات التي لانهاية لها .

جيل كامل من المفكرين والكتاب والأدباء وأساتذة الجامعات ونخبة النخبة ، ومن كل الاتجاهات السياسية والانتماآت الدينية والعرقية ، تُخُطِفَ واختفى ، ونشأت من بعده أجيال لاتعرف إلا هذا النظام وآلته الإعلامية وأدواته القمعية ، والقلة القليلة من رجالات سورية ممن لم يبارح ولم يغادر مصابرة ورباطاً، وقرر البقاء هناك على الرغم من الاعتقال والتضييق والتعذيب وشظف العيش، وعلى الرغم من الفتنة التي أصابت البعض .

.

***

في الخارج .. كانت المراجعات الكبيرة والعميقة  ، ومواجهة النفس بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الثوار في هاتيك الأيام العصيبة ،حيث قاموا بثورتهم بعد نجاح الثورة الإيرانية ، استلهموا منها نسائم الحرية ، وظنوا فيها أنها ناصرتهم!.

واجه النظام تلك الثورة المسلحة ، بالسلاح ، وببطش وحشي استرخص الدماء والأعراض والحرمات ، واستباح كل شيء ، واستطاع أن يلجم الثورة ويسحق الشعب سحقا ، ويرغمه على الاستكانة والصمت ثلاثين عاما ، الخوف  كان سيد الموقف الذي  حكم حياتنا وحركاتنا وسكناتنا ، الخوف الطاغي الذي يختصر إنسانية الإنسان ،السوريون يخافون النظام ، والمخابرات ، ويخافون بعضهم البعض .

ثلاثون عاما من الغربة والنأي ، التي عشنا فيها أنواعا أخرى من القهر والذل والعذاب ، وكما قال أحد شباب ليبيا المولودين في  بريطانيا ، لأولئك الذين يتهمون المغتربين بالعمالة والتمتع بالعيش الرغيد بعيدا عن آلام بلادهم : " لقد كانت كل ساعة في غربتنا تعدل ثلاثة أعوام من معاناتكم تحت سلطة هذه الانظمة المجرمة .

مضينا نحو أقدارنا ، البعض أُخرج رغماً ،وآخرون اختياراً ، ثم مُنع الجميع من العودة ، إما بقانون  الطوارئ أو بإجراآت تعسفية يتناقلها الركبان عن الإهانات والقذارات والتهديدات التي يلقاها الناس في السفارات والمطارات ونقاط التفتيش كلما زاروا سورية ، تركنا الآلاف من خيرة شباب وشابات سورية تتعفن أحلامهم وآمالهم وعظامهم وحياتهم في السجون تحت أيدي وحوش لاترحم ، كانت الثورة يومها "إسلامية" ، و" مسلحة" ، وقام الشعب بكل انتماآته  يرفع الصوت في وجه نظام أخطبوطي طائفي ، لم يتردد في قصف المدن والثوار بالطائرات الحربية ، متسببا وفي يوم واحد في قتل مالايقل عن عشرين ألف مواطن في مدينة حماة الشهيدة ، وتشريد أضعاف هذا العدد ، وانسياح السوريين في أرجاء الأرض فرارا من البطش.

***

ثلاثون عاما ، مضت ، ومازال الحال هو الحال ، لاجديد ، القتل والسلاح والقهر والتعذيب والتشكيك وفبركة الاتهامات ، هي اللغة الوحيدة التي تفهم التعامل بها هذه الأنظمة التي استعبدتنا باسم الأمن والوحدة الوطنية وخدمة القضية.

منح الشعب السوري النظام فرصة ذهبية ، وأقر ّ بتوريث الجمهوريات ، اختراع سوري بامتياز!! ، بل لقد قام السوريون بخطوة هائلة ، عندما منحوا رئيسهم الشاب غير الشرعي ، مشروعية  انطلقت من محبتهم وثقتهم بل وفخرهم به، كان الجميع يريد أن يفتح صفحة جديدة ، كان الجميع مبتهجا بوعود الإصلاحات ، وإلغاء قانون الطوارئ ، وإطلاق سراح المعتقلين ، وفتح أبواب سورية لأبنائها المغتربين دون قيد أو شرط ..

ظننا ان الصبر الطويل قد غير الأوضاع والأفكار ، وأن الجلادين قد ماتوا أو تغيروا أو رحلوا ، ولكن مانراه اليوم أثبت أنهم لم يموتوا ولم يتغيروا ولم يرحلوا ، هاهم من جديد، أبناؤهم يقتلون أبناءنا ، في ليبيا ومصر وتونس واليمن والخليج والآن في سورية ، جندهم يستأصلون الجيل الجديد الذي يريد أن يحيا ، أغوالهم تعتقل حرائرنا !، سكتنا طويلا ، رجاء أن تتبدل الأحوال ، و يعاد "تدوير" هؤلاء الظلمة ، ليشعروا أنهم جزء من هذا الشعب الذي صبر ثلاثين عاما حقنا للدماء ، لتندمل الجراح ، ولترقأ الدموع ، حفاظا على الوحدة الوطنية ، وفداء للقضية الفلسطينية ، ودعما لجبهة الصمود ، التي نرجو أنها لم تكن واجهة لتدمير صمودنا ووجودنا .

ماذا تغير بعد ثلاثين عاما؟ لاشيء على الاطلاق ،من جهة الأنظمة ، لم يتغير حقدها على شعبها ، ولاكراهيتها له ، لم يتغير احتقارها لمواطنيها واعتبارهم " شرذمة وجرذان" ، لم يتغير اتهامها لهم بالعمالة والاندساس ، "أشياء" أو "حيوانات" – بالمعنى الشعبي للكلمة- ، ستذهب كلمة القذافي مثلا في التاريخ : "من انتم" ؟!..من أنتم ياأبناء شعبي الصابر المحتسب !؟ من أنتم ياشباب الامة الذي ملّ رؤية الآباء وقد أرهقهم الذل والقهر والصمت والسكوت ؟!"

أما من جهة الشعوب .. فلقد تغير الكثير الكثير ،  فهمت أنها يجب أن تتكلم ، يجب أن تتألم ، يجب أن تقول ماتظنه حقا ، يجب أن تعبر عن رأيها ، مجرد رأيها ، بشكل سلمي ، دون عنف ولاحمل للسلاح ولاشن غارات على أجهزة الدولة ولااعتداء على الأبرياء، وفهمت أن ثورتها لايجب أن تكون باسم فئة من الشعب ولو كانت غالبية ، ولكن ينبغي ان تكون باسم الشعب كله ، كل مكوناته العرقية والدينية والسياسية والفكرية والإنسانية .

.إنه امتحان عسير ، نجحت فيه تونس ومصر بسبب من وعي الطلائع الشعبية فيهما ، وتماسك البنى الداخلية للمجتمع ومؤسساته ،وتحييد موقف الجيش ، ورسب فيه هؤلاء الذين بقوا في حالة النزع يعانقون أرجل الكراسي ، منبطحين ، يريقون ماء وجوههم ، ودماء العباد ، يدمرون البلاد من أجل أن يبقوا وأسرهم المتسرطنة في مقام "أنا ربكم الأعلى"! ، هل يختلف مايجري في ليبيا كثيرا عما  يجري في دول أخرى في المنطقة ؟! ، لعل الفرق الوحيد هو قدرة إعلام  البعض على تقديم صورة أنيقة عن مصاصي دمائنا، صورة حراس القضية ، والتلويح بالخصوصية ، وضرورة استمرارها للحفاظ على الوحدة الوطنية ، التي كانت سياسة ثابتة دؤوبة بيد هذه الأنظمة عينها ، التي طالما تحالفت مع الأعداء ولعبت على أوتار القبلية والانتماآت القومية والطائفية والمذهبية والدينية والسياسية ، وكانت ترسخ سياسة التفريق لتسود.

***

جريمة الصمت والسكوت لايجب أن تستمر بعد ثلاثين عاما ، أتحدث عن الصمت الجماعي ، لاعن أولئك الذين لم يصمتوا ولم يسكتوا  ، حاولنا النهوض بالأمة ، وظننا في مرحلة من المراحل أن الأمة لاتقرأ ، وأن كلماتنا كانت تذهب أدراج الرياح ، فاجأتنا الأمة بأنها كانت حيّة تتنفس ، وأن شبابها نفضوا عن أنفسهم الذل والاستكانة ، وقاموا يطالبون بحقوقهم الإنسانية في الحرية والكرامة والحياة،  لايريدون حكما ولاسلطة ولامالا ، إنهم يريدون أن يعيشوا في أمن وكرامة ، شرطان أساسيان للحياة الإنسانية ، لكن هذه الأنظمة المتعفنة تأبى أن تنظر إلى الموضوع إلا من زاوية "ماعلمت لكم من إله غيري" ، تأبى إلا لغة الدم مع …مع أطفال ، أطفال رددوا أغنيات الحرية والشروق التي كانوا يسمعونها في وسائل الإعلام ، نفسها ..التي تعامت عما يحدث في سورية، وخذلت السوريين في محنتهم ، أطفال ، كانت جريمة اعتقالهم ، السبب في تفجير هذه الثورة ، جريمة سيسجلها التاريخ للنظام السوري بأحرف من لعنات أزلية لاتزول ولاتغتفر.

 

لم تكن هذه ثورة مخطط لها ، حتى يفبرك النظام روايته سيئة الإعداد والإخراج !!، ويدس نقوده وقنابله في المسجد العمري في درعا ، ليبرر ذبح المصلين المعتصمين فيه ، وليُخرج أبواقه علينا بجعجعاتهم  ودندناتهم التي تثير الاشمئزاز ، لقد جاءت انتفاضة درعا ردة فعل عفوية على جُرمٍ لاأجد له وصفاً يليق به في عالم جرائم أنظمتنا ، التي تعامل أطفالنا بمثل المعاملة التي يلقاها أطفال فلسطين على يد العدو الإسرائيلي الحاقد ، فقط.. إسرائيل هي التي تجرأت على ذبح زغاريد الحرية في أفواه أطفال الفلسطينيين ، إن هذه الأنظمة ليست أقل حقدا على المواطن العربي من الصهاينة ، وليست أقل كراهية له منها ، إنها فقط ، تنطق بالعربية ، وقد استحكمت من رقابنا نصف قرن باسم مقارعة العدو الصهيوني .

إنهم لايريدون للجيل القادم أن يعرف طعم الحرية ، والكرامة ، والحياة ، جريمة أولئك الأطفال أنهم تجرأوا على الحلم ، فمارسوا لعبة الثورات بالطباشير ، وأعلنوا للتاريخ أن الثورة قد وصلت إلى سورية .

========================

آلآن تتكرّر وعود بإصلاح سريع في سورية؟.. نظام الحكم يحاول استباق جمعة العزة.. كما صنع من سبقوه إلى السقوط

نبيل شبيب

آلآن يستفيق النظام الحاكم في سورية على ضرورة الإصلاحات على عجل؟..

آلآن يتذكرون حالة الطوارئ المزمنة منذ زهاء نصف قرن؟..

آلآن يريدون قوانين جديدة للأحزاب والإعلام؟..

آلآن بعد سقوط المئات من الشهداء والجرحى وتجاوب أهل سورية من أقصاها إلى أقصاها مع أهل درعا الثائرة ودماؤها تسيل من شهيد إلى شهيد ومن جريح إلى جريح؟..

ثم ماذا يقدّمون؟..

وعودا جديدة تضاف إلى ماسبقها؟..

وعودا بمجرد "التفكير" بشأن حالة الطوارئ والأحزاب والإعلام.. علاوة على "رشوة" أخرى للعاملين في أجهزة الدولة.. ونصف من يعملون في الدولة يعملون في ميليشيات القمع؟..

ماذا عمّا ردّدوه أيضا عبر أسبوع كامل من إهانات للمواطنين من أهل درعا وأخواتها وهم يتحدّثون عن "عصابات"؟.. كيف يجتمع هذا الزعم مع "صحوة" رسمية بشأن إصلاح سريع لِما بات يستحيل إصلاحه إلا بزواله؟..

أفلا يستحيون من القول إنّهم سيصنعون ويصنعون كذا وكذا.. دون أن يصدّقهم أحد؟..

أفلا يستحيون من تناسي مَن تحرّكوا قبل أيام في المدن السورية، أخوات درعا الثائرة الأبية، ومن اعتقلوهم في كل مكان إضافة إلى من قتلوا وأصابوا في درعا الثائرة الأبية، ثمّ -وهم يرتعشون مع سيل الوعود عشية يوم جمعة العزة- يزعمون دون حياء أنّ درعا قريبة من الحدود فيسهل تهريب السلاح إليها.. وما رأت درعا سلاحاً سوى الموجّه إلى صدور الأبرياء ورؤوسهم؟..

أفلا يستحيون من تقليد "إخوانهم" السابقين على منحدر السقوط بين أيدي الثورات المتتابعة، أن يطلقوا وعودا.. ناقصة.. ومتأخرة.. بلسان مرتعش من غضبة الثوار وهم يدقّون أبوابهم، مدينة مدينة.. وساحة ساحة.. وحارة حارة.. وإن شاؤوا: زنقة زنقة!

فليقولوا ما يقولون وهم يودّعون مواقع الاستبداد والفساد شاؤوا أم أبوا.. وليمض شباب سورية في ثورتهم وليمض من ورائهم جميع الأحرار من جميع فئات شعب سورية الحرّ الابيّ..

 

يا شباب سورية.. يا شباب الكرامة والعزة والثورة..

يا شباب سورية.. ياشباب الأمل في الأمان والسلام والطهر بعد الاستبداد والقمع والفساد..

يا شباب سورية.. يا شباب الطاقة الخلّاقة والعزيمة المتدفقة والصمود على طريق الشهادة أو النصر..

يا شباب سورية.. يا من حملتم شعلة الحق والعدالة، وأضأتم درب العزّ والبسالة، وزلزلتم الأرض تحت أقدام من سلبوا سورية زهاء نصف قرن من عمرها، ظلما وجورا وطغيانا، وفسادا وانحرافا وقهرا.. لسوف يأتي عهدكم يا جيل مستقبل سورية ومستقبل الإنسان في سورية وفي العالم العربي والإسلامي، سيأتي عهدكم على أنقاض ما بنوا لأنفسهم من حصون فوق الدماء، وقلاع فوق الأشلاء، وميليشيات روّضوها على اغتيال إنسانية الإنسان، وبيع الشعب والوطن بأبخس الأثمان.

يا شباب سورية في درعا.. في حوران.. حيث صعد الطغاة إلى السلطة عبر بيع الجولان..

يا شباب سورية في دمشق.. حيث بدأ الطغاة انتهاك الحرمات باقتحام المسجد الأموي بالدبابات..

يا شباب سورية في حماة.. حيث ولغ الطغاة في دماء شعب سورية بقصف مسجد السلطان وتقتيل السكان..

يا شباب سورية في القامشلي ودير الزور، وفي حلب وإدلب، في بانياس واللاذقية، في حمص وفي القرداحة..

ثورة سورية ثورة سلمية شعبية حضارية شاملة من أجل تحرير سورية، ومن أجل تحرير فلسطين التي عجزوا عن تحريرها.. إلا كلاما، وعجزوا عن صناعة المقاومة لتحريرها.. إلا توظيفا لمنظمات المقاومة الناشئة –جميعا- خارج أرض سورية..

ثورة من أجل تحرير الإنسان والأوطان..

ثورة شاملة لشعب سورية لأنّ كلّ بلدة من بلدات سورية، وكل مدينة من مدن سورية، وكلّ أسرة من الأسر في سورية لها حكاية مأساوية مع الطغيان، وتعيش منذ سنوات وسنوات ألوانا من البؤس والحرمان، وتشكو من فَقْدِ شهيد أو معتقل.. وتئن ألما مع مصاب أو منفي أو مشوّه تحت التعذيب الهمجي، ممّا ارتكبه الطغاة عاما بعد عام، عقدا بعد عقد، جيلا بعد جيل..

لقد انتهى عمر الطغيان بعد أن طال وشاخ ومات وورّث فزاد الطغيان طغيانا والفساد فسادا.. مثلما زاد في مسلسل الوعود الصغيرة والكبيرة، والطويلة العريضة، والكاذبة الزائفة، حزمة وعود جديدة.. وما أسفرت "الوعود" يوما إلا عن مزيد من الاستبداد ومزيد من الفساد ومزيد من الكلام في الوقت الضائع..

انتهى عمر الطغيان وبدأت الثورة.. مع الخامس عشر من آذار 2011م.. وسيدخل التاريخ أنّه اليوم الذي بدأ فيه تحرير سورية من الاستبداد والفساد، فلم تتوقف الثورة إلى أن اكتمل التحرير بسقوط الاستبداد والفساد.

==========================

في الوطنية السورية

جان كورد

سواءً أكانت في شمال أفريقيا أو في بلاد الشام أو في أدنى شبه الجزيرة العربية، في اليمن التعيس، فإن الأنظمة متشابهة في قسوتها وطغيانها، في عقلياتها المتخلفة عن ركاب هذا العصر الذي يتميّز بأنه عصر المجتمعات المدنية، وفي خطابها السياسي والاعلامي المليء بالأكاذيب والفضائح والتناقضات، في أدائها الاداري للأزمات، وفي استعدادها للخروج من المآزق، وكذلك في دخولها العجيب في النفق المظلم الذي تقترب منه بارهاب ولاتخرج من طرفه الآخر إلاّ والبلاد مدمّرة والقصور محترقة والدماء مراقة والحبال جاهزة لاعدام المجرمين السفلة من البلطجيات التي تحكم بالحديد والنار...

رؤساء وزعماء يسخرون بالقوى العقلية لشعوبهم، يهينونه ويحتقرونه ويكذبون عليه وباسمه، وينهبون أموالها ويسرقون، يحاربون عالم الانترنت الذي هو أوسع من سائر المحيطات بالجمال والبغال، وطائرات الأواكس والفانتوم بالخطب النارية وخناجر رؤساء القبائل وكتائب البلطجية... كما يحارب دون كيشوت في رواية سيرفانتس طواحين الهواء... يعتقلون آلاف المواطنين في ساعات قلائل من بيوتهم ولكنهم عاجزون عن اعتقال قريبٍ من الأقرباء الذين يكنزون الذهب والفضة ويسرقون جهاراً نهاراً، دون رادع يردعهم أو ضمير يؤنّبهم... يرسمون أحلامهم في الخلود على العروش بدماء الشباب والنساء والأطفال دون رحمة أو شفقة...ويهربون إلى جحور الضب المظلمة عندما تدق ساعة الصفر، يتراجعون ويندبون حظهم العاثر، ويزعمون أن هناك مؤامرة دولية ضد بلادهم وشعوبهم، في حين أن تلك البلاد بصقتهم والشعوب لفظتهم...

لقد وصلت عنجهية هؤلاء المجرمين السفاحين إلى حد، صار فيه المواطن العربي يعتبرهم أشد إرهاباً من تيمورلنك وجنكيزخان وهولاكو، ويقولون بأن ما ارتكبوه في مدنهم أفظع مما ارتكبه اليهود في فلسطين، والنازيون بحق اليهود، والأمريكان في الفيتنام...

يتهمون معارضات بلادهم بالتآمر ضدهم بايعاز من اسرائيل، ويتهمون كل من يستخدم الفيس بووك كلمة تعبّر عن أحزانه وآلام شعبه بأنه يدوّن ذلك من مدينة اسرائيلية، ثم يعودون ليتهموا المعارضات الوطنية الديموقراطية الليبرالية بأنها من تنظيمات القاعدة والجهاديين والسلفيين، وما الرؤساء سوى جنود في خدمة اسرائيل والأمريكان ضد "الإرهاب الإسلامي!" ويفتخرون بأنهم يقتلون "الإسلاميين!"...

أنكر الرئيس السوري أن تكون بلاده مثل اليمن أو ليبيا أو مصر أو تونس، فلن تكون هناك احتجاجات جماهيرية، وهاهي قد حدثت...الدنيا كلها ترى عبر شاشات التلفزيون ومن خلال انتشار الصور الملتقطة بكاميرات الخلوي مباشرة من المدن السورية ما يجري من حوادث عظيمة، وإرهاب دموي للنظام في بعض المدن، وبخاصة في مدينة درعا البطلة، ولكن اعلام الأسد يزعم أن مجموعة من المجرمين من خارج البلاد تسللت للانقضاض على من جلس في جامع محاصر من قبل قواته الأمنية المدججة بالسلاح ولاراقة دماء السوريين وانهزمت، تاركة وراءها الكلاشينكوفات والقنابل اليدوية ورزماً من العملات المختلفة... فهل تصدقون ذلك يا ناس؟

اسرائيل وراء كل ما حدث في درعا، أمريكا أمرت بتصفية المحتجين السوريين، هناك مؤامرة صهيونية – امبريالية لازاحة نظام الأسد البطل الذي لاتقدر عليه إلاّ بدفع الشعب السوري إلى التظاهر... لاوطنية لسوري سوى بلطجية النظام ومخابرات النظام وأبواق النظام وعلماء النظام... والباقي هذا الشعب، شعب الجرذان وأبناء ال... كما صرخ ملك ملوك أفريقيا، وقائد الثورة العالمية في وجه شعبه من قبل... فهل تصدقون يا ناس؟

من يرتكب المجازر بحق شعبه، ويقصف القرى والمدن، ويقتحم الجامعات والمدارس والمساجد ليقضي فيها على مواطنين مسالمين غير راضين عن النظام السياسي، لايمكن أن يبقى رئيساً أو أن يقود دولة، بل لايستحق الحياة، فهو عندما يصبح رئيساً، بموافقة من شعبه أو غصباً عن أنفه كما يقال، يقسم اليمين على أن يحافظ على بلاده وشعبه وأمنهما واستقرارهما، وبما يجري بعد ذلك من إرهاب منظّم ضد الشعب ونهب شامل لثروات البلاد يجني الرئيس الزعيم القائد على نفسه فلا يلومن إلا نفسه... أفلم يتسبب القائد الأعلى للثورة العالمية في ليبيا بذاته بقدوم طائرات وأساطيل أكثر من 15 دولة لتدك أعمدة نظامه وتحد من بطشه...ألم يطلب شعبه الحماية الدولية من غاراته الوحشية على المدن؟ فكيف يتحدث عن "مؤامرة دولية"؟ ومن قبل سمعنا الكثير عن "العلوج"، قبل أن تسدل الستارة على فصل من هذه المسرحية التي تتشابه فصولها، الواحدة بعد الأخرى...

رئيس وطني محارب وشعب متمرّد خائن يتحرّك بايعاز من الأعداء والأجانب... أسطوانة مملة يا ناس...ولذلك فإن علينا جميعاً وضع حد لهؤلاءالممثلين الفاشلين على مسرح الشرق الأوسط، حيث يلجؤون إلى منح الرشاوى عندما لايقدرون على وقف الزحف ضدهم، وما أغباهم...فهاهم زبانية نظامه الهالك يرشون الشعب الكوردي في سوريا بتبريكات نوروزية يفتخر بها أغبياء وعملاء من بني الكورد مع الأسف...

زين الهاربين قتل وهرب، اللامبارك قتل وهرب، علي طالح يقتل على أمل أن يدعه الشعب يحكم حتى نهاية دورته الرئاسية هذه، ولكنه يعلم بأن ذلك الأمل ضعيف تماماً فيتلذذ بتعذيب الجماهير وبسفك الدماء كمريض نفسي، وأبو زنكه زنكه قتل ولا يزال ولكنه في الوقت ذاته يبحث عن "مخرج" وليس له من معين سوى المرتزقة الذين سيهربون أمام زحف الشعب الليبي في نهاية الأمر... فهل على سوريا أن تدخل في ذات التجارب الدموية المريرة إلى أن يهرب الأسد ومعه الثعالب والقطط السمان ورهطه الإرهابي؟

إن الوطنية السورية ليست حكراً على البلطجية يا سيادة الرئيس السوري الذي يخوض اليوم في دماء السوريين، مثلما خاض فيها أباك وأعوانه من قبل، وإن كان هناك عميل لاسرائيل وأمريكا في بلادنا فهو الذي لم يسمع نداءات شعبه ودفع بالأمور إلى نقطة اللاعودة... فالوطنية السورية تعني قبل كل شيء أن تصغي لما يريده الشعب السوري...

والشعب يريد..... اسقاط النظام

أليس هذا ما يريده شعبنا يا قادة أحزابنا السورية؟

فهل تسمعون أم أنكم منتظرون حتى ترحلوا مع العائلة الأسدية؟

========================

الشعب السوري والرصاص المصبوب

بدرالدين حسن قربي

عندما كان الرئيس السوري ومشيرته السيدة شعبان يزعمون أنهم غير تونس وغير مصر، كنا نجادل مقولتهم بحقيقة التماثل والتشابه وأنه سيصيبهم ماأصاب تونس ومصر رئيساً فرداً وحزباً محنطاً، وطبقةً من اللصوص من أقارب ومقربين في خدمتهم قوانين طوارئ ومحاكم أمنية وعسكرية وأجهزة قاهرة قامعة، حتى فهمنا أخيراً قصدهم ومرادهم.

فالسورييون المحكمون بحكم الأسد الأب والابن لأكثر من أربعين عاماً دأباً من ظلم ونهب، يوم طفح كيلهم، وتفجّرت انتفاضتهم، نداؤها سلمية سلمية، احنا بدنا حرية، والشعب السوري مابينذل، لم ينتظر قائلو: لسنا تونس ولسنا مصر، غير ساعة من نهار إلا وانطلقت عملية رصاصهم المصبوب لأكثر من أسبوع على مظاهرة الحرية والكرامة في مدينة درعا ولتمتد إلى غيرها قتلاً وجرحاً وضرباً واعتقالاً بالمئات لشباب وشيّاب ممن تحمّلوهم طويلاً على وعود الإصلاح الممتدة. فإذا هم في البطش وتوحش القتل تجاه شعبهم غير تونس ومصر ممن تأخر القتل عندهم أياماً وأياماً من التظاهرات والاحتجاجات، وهو على مايبدو ما أرادوا إفهامنا إياه في نفيهم أنهم غير تونس ومصر، مما لم يخطر لنا ببال لظننا أن دماء عشرات الآلاف من أبناء سورية التي سفكها النظام عبر الأب المؤسس لجمهورية القمع والرعب كانت كافية، وأن الابن غير الأب فإذا هو سر أبيه، وأنهم عن حق وحقيقة غير تونس وغير مصر. فهم وبعد أن أثخنوا قتلاً وجرحاً وتمثيلاً ومجازر بشعب شريف صابر مكافح ليل نهار لكسب لقمته التي يسرقها لصوصه من بين يديه، قالوا بإعفاء محافظ المدينة وكأنه هو من فعل كل هذه الأفاعيل وليسوا هم، وأن الإعفاء كان استجابة لمطالب المدينة وراحتهم. وإنما زيادة في التطمين لأهل درعا فقد خرجت السيدة بثينة شعبان لتقرأ على السوريين وأهالي درعا تحديداً فرمانات النظام المعادة من التسويفات واستحضار اللجان وتحضير الدراسات، وكأن ماينادي به الناس في مواجهة الجور والفساد والحرية وليد الساعة ولم يكن من سنين وسنين. ولكننا ومع التقدير للمقامات، فإننا نعتقد أن قتل وجرح المئات من مواطنينا الأبرياء وبالوقاحة التي كانت، يستوجب إطلالةً رئاسية مصحوبة بقرارات إصلاحية فورية ليس فيها لعب في الوقت الضائع وليس فيها تسويف البتة. أما وقد جاء الأمر على هذه الشاكلة من بعد كل هذه الدماء والضحايا فإن هذا يعني فيما يعني أن النظام لم ولن يتجاوز صلفه ومكابرته وممارساته وفلسفته من أن رياح التغيير والإصلاح ستمر من حوالي أسوار جمهورية القمع، وأن حلوله في مواجهتها هي بنفس الطريقة مما كان قبل عقود. وإنما هل يعتقد من يلجأ لمثل هذه الحلول القذافية أنه في مأمن من العاقبة الوخيمة والبهدلة والشرشحة؟ قد يظنّ بنفسه أنه غيرهم في المصير أيضاً. ولكننا ندعو من يُعرض ويتكبر أن يتفكر ملياً فيما آل إليه ملك ملوك أفريقيا وما ينتظره..!! ونذكّره بقول من قال: إما أن تُغيّروا أو تتغيروا. إن الشعب السوري شعب يريد الحياة حرة كريمة، وإن الرصاص المصبوب الذي يواجَه به سيرتد خزياً وعاراً على مستخدميه أياً كانوا، وسيعجّل في رحيلهم ولن ينفعهم، مثلهم مثل القذافي، حلفيهم. وأن الطريقة التي يعالج بها النظام مسألة الإصلاح بالتسويف والمماطلة واعتماد المجازر أسلوباً، والفساد منهج عمل وكأنها طبخة بحص، تتأكد مجدداً في خروج السيدة شعبان وظهورها على الملأ فيما قالت مما لاجديد فيه البتة. عمليات الرصاص المصبوب الذي تنفذها السلطات القامعة والفاشية على شعب يريد الحياة، إنما يعني وبوضوح انتهاء أجلها، وأنها وضعت شعبها الأعزل المتطلّع للحرية والكرامة أمام خياره الصائب والوحيد ورسالته: الشعب يريد إسقاط النظام.

===========================

لن تكون سورية مملكة للخوف بعد اليوم!

الطاهر إبراهيم*

ربما يخطر ببال الرئيس السوري "بشار أسد" وهو يسمع بأذنيه هتاف المتظاهرين في مدينة "درعا" : (خائن يللي يقتل شعبه) أن يتساءل: كيف يتجرأ هؤلاء أن يصفوه بالخيانة؟ مع أن هؤلاء الشباب يعلمون أن من كان يهتف بهذا الشعار في عهد والده الرئيس "حافظ أسد" كان يساق لمحاكمة ميدانية بموجب القانون 49 لعام 1980، فيحكم عليه بالإعدام وينفذ فورا.

قد لا يعلم الرئيس السوري أن هؤلاء الشباب وصل بهم الأمر إلى حدٍ أنهم ما عادوا يفكرون بنوع الحكم الذي سيصدر عليهم، لأن الحياة أصبحت عندهم تساوي الموت وهم يرون خمسا وعشرين جثة من جثث إخوانهم ملقاة في شوارع "درعا" يوم الأربعاء 23 آذار، وقد سقطت مضرجة بدمائها بسلاح أجهزة عناصر الأمن السوري.

عندما تحدث الرئيس السوري، إلى "وول ستريت جورنال" في فبراير المنصرم قال:(سورية بعيدة عن أن يحصل فيها ما حصل في تونس وفي مصر). لكن ربما لم يخطر ببال الرئيس السوري أن الجواب سوف يأتيه من أصغر مركز محافظة في سورية وهي مدينة "درعا"، وأنها ستثبت له أن حساباته كانت خاطئة.

بل نحن نقول له: "كان غيرك أشطر" أيها الرئيس. فشاه إيران الذي كان يزعم أنه "شاهنشاه" أي ملك الملوك، ويعتمد على حماية أجهزة "السافاك" التي كان فيها فرقة تسمى "الخالدون" تأكل رأس الأفعى. مع ذلك فقد انتهى به الأمر أن كل دول العالم رفضت قبوله لاجئا سياسيا ، بعد أن أطاحت به الجماهير قبل وصول "الخميني" إلى طهران عام 1979.

أما نيكولاي "تشاوشيسكو" فقد خرج مئات الآلاف من الرومانيين يحتفلون بضيفه "هاشمي رفسنجاني" في شوارع العاصمة "بوخارست". ولم تكد عجلات طائرة "رفسنجاني" تقلع من مطار بوخارست عائدا إلى إيران، حتى هبت تلك المئات من الألوف بمظاهرات مليونية صاخبة -في نفس الشوارع التي احتفلت فيها باستقبال "رفسنجاني"- مطالبة بالحرية بعد أن هدم جدار برلين قبل شهرين. فاعتقل "شاوشيسكو وحوكم وأعدم أواخر 1989.

أما الإطاحة بالرئيس التونسي "زين العابدين بن علي" والرئيس المصري "حسني مبارك" فما زالت حية جياشة في النفوس تلهب عواطف الشعب السوري الذي صمم على ألا يكون أقل حرصا من أشقائه في تونس وفي مصر على حريته وكرامته التي أهدرتها أجهزة أمن النظام السوري، "ومن حسب نفسه بسوية أشقائه فما ظلم".

فمنذ أن ورث الرئيس "بشار أسد" السلطة عن أبيه "حافظ أسد" حرصت المعارضة السورية على أن تتغاضى عن أسلوب التوريث الخاطئ، آملة بأن يغير الرئيس بشار أسلوب الحكم بعد ثلاثة عقود عجاف من حكم الرئيس "حافظ أسد". بل إنها عملت على مخاطبة الرئيس السوري بعقلانية ومناصحة، مطالبة إياه بأن يقود قطار الإصلاح بنفسه. لكن الرئيس الذي بدأ عهده بالوعود في خطاب القسم بأنه سيستمع للآخر، تناسى وعوده تلك، وتصرف وكأنه يرفض أي مشاركة شعبية في الحكم.

كان آخر الناصحين للرئيس السوري صديقه رئيس الوزراء التركي "رجب طيّب اردوغان"، في تصريح له لصحيفة "حريت" التركية يوم 22 آذار الجاري، حيث قال: (إن رياح التغيير تهب في كل مكان. وخلال زيارتي الأخيرة لسوريا تحدثت مع الأسد، وذكرت له أن عملية مماثلة قد تتطور في بلده، وأن هناك تهديداً لنهج طائفي. والآن نرى أن الوضع يحصل).

ربما شجع الرئيس بشار على التمادي في رفضه الإصلاح، أن الشعب السوري سكت عندما قامت الوحدات الخاصة وسرايا دفاع "رفعت أسد" بتدمير أحياء كاملة من "حماة" عام 1982 ،وقتل أكثر من عشرين ألف من أهلها، بحسب رواية "روبرت فيسك" مراسل صحيفة التايمز اللندنية في لبنان –في ذلك الوقت- حين أُتيحت له فرصة زيارة حماة إبان المجزرة. وربما لو وقف الشعب السوري في ذلك الوقت مع حماة المنكوبة لتغير وجه سورية.

ما حذر منه "أردوغان" وقع الآن في ساحات مدينة "درعا" وحول الجامع "العمري". لقد كان الثمن الذي دفعته درعا حتى مساء يوم الأربعاء 23 آذار الجاري هو سقوط 36 شهيدا من أبنائها على مدى ستة أيام، استشهد منهم يوم الأربعاء فقط خمسة وعشرون شهيدا، بحسب الرواية التي أوردتها رويترز.

في يوم الجمعة 18 آذار الجاري انكسر حاجز الخوف في نفوس مواطني درعا وفي نفوس السوريين في كل سورية عندما استشهد ستة مواطنين من درعا. لذلك وجدنا المواطنين في البلدات المجاورة (جاسم ونوى وطفس والقنيطرة) يتوافدون لنصرة أهل درعا لا يخافون من أفراد أجهزة الأمن المدججين بآلات القتل الذين كانوا يوجهون الرصاص الحي إلى رؤوس الشهداء، كما أظهرت الصور التي التقطتها أجهزة الموبايل، وانتشرت في كل دول العالم.

لا نزعم أن صمود أهل درعا والشهداء الذين سقطوا فيها سوف يجعل النظام في سوريا يعيد حساباته، فيعلن عن برنامج إصلاح حقيقي، فهذا الأمر لم يكن واردا في أجندة الرئيس "بشار أسد" ولا في أجندة أبيه من قبل، الذي لقنه قائمة نصائح في التعامل مع السوريين قبل موته.

لكن السوريين يدركون أن سكوتهم عما حصل في مدينة درعا هو الموت بعينه. لأن النظام لو نجح في كسر شوكة درعا من دون أن تبادر باقي المحافظات لمؤازرتها والوقوف معها لإسقاط القمع والاستبداد، فإن انتقام النظام من الشعب السوري سيكون فظيعا. نحن لسنا دعاة فوضى ولا دعاة قتل للمواطنين بسلاح السلطة، لكن كان واضحا أن النظام أراد أن يضرب درعا ضربة موجعة تجعل باقي المدن تعد للعشرة –بحسب حسابات النظام- قبل أن تنضم للثورة على الحكم. السوريون وفي ردهم على النظام، فقد أسقطوا الخوف من حسابهم، لأن الخوف ما عاد يجدي، فقرروا المضي في مشوارهم مع النظام حتى التغيير.

المراقبون العارفون بأسلوب النظام يؤكدون بأن نجاح النظام القمعي بإسكات مدينة "درعا" وما جاورها من المدن السورية الأخرى، سيجعل النظام ينكّل بالمدن السورية، الواحدة بعد الأخرى. والشعب السوري يعرف ذلك معرفة أكيدة، ويعرف أنه ليس أمامه إلا الصمود في وجه النظام وتصعيد الموقف حتى تمتلئ الشوارع بالمتظاهرين، وعندها سيجد النظام نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما المجازر وقتل عشرات الآلاف أو أن ينسحب من الحكم.

عندما يطالب الشعب النظام بإجراء إصلاحات عاجلة ومجزية في سورية، فلا يعني ذلك أننا نتوقع من النظام أن يفعل، لكن "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون". ولو فرضنا جدلا أن النظام فعل ذلك، فإن هذا ما يريده الشعب السوري، وكفى الله المؤمنين شر الفتنة.

أما إذا أصر النظام على ركوب رأسه والذهاب في مشروعه القمعي الاستبدادي إلى آخر الشوط، فالفرصة الآن مواتية للسوريين في أن ينفذوا ما عاشوا من أجل تحقيقه خلال خمسة عقود. خصوصا أن دول العالم –تحت ضغط جماعات حقوق الإنسان- لن تسكت عن أي انتهاك وجرائم بحق الشعوب.

يبقى أن نقول أنه لن ينفع الرئيس "بشار أسد" أن يلعب ورقة الطائفية كما فعل أبوه من قبل. فلن يستطيع الزعم بأنها ثورة سنية ضد العلويين. فلقد أدرك السوريون بمن فيهم العلويون أن النظام الحالي ليس حكما بعثيا ولا حكما علويا، بل هو حكم "عائلي" بامتياز، تستفيد منه ثلاث أسر معروفة حتى بأسماء أفرادها. وإذا كان الرئيس "حافظ أسد" استطاع أن يشتري ذمم بعض الضباط من الطائفة العلوية في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، فقد كان ذلك منه عقد انتفاع، ما لبث الرئيس بشار أن ألغى عقد الانتفاع هذا، بعد أن وضع "سقفا عمريا" للضباط، بحيث يعتبر الضابط مسرحا حكما إذا بلغ الستين من عمره.

ونحن بدورنا نوجه النداء للجيش السوري أن يرفض توجيه السلاح إلى إخوته الثائرين أسوة بالجيش التونسي والجيش المصري، وأن لا يسجل على نفسه أنه وجه الرصاص إلى إخوته في الوطن، لأن هذا الرصاص لا يجوز أن يوجه إلا إلى العدو الصهيوني.

*كاتب سوري

========================

الفلسطينيون يريدون إنهاء الإنقسام

د. مصطفى يوسف اللداوي - دمشق

ألا يسمع المسؤولون الفلسطينيون نداءات الشعب الفلسطيني بكل فئاته الاجتماعية وانتماءاته السياسية بضرورة إنهاء الإنقسام الداخلي، وإتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية، والعودة إلى الإطار الوطني الفلسطيني الجامع الواحد، ألم تصل إلى مسامعهم هتافات الفلسطينيين المدوية في داخل الوطن وفي الشتات، "نعم لإنهاء الإنقسام الداخلي الفلسطيني"، ألم يشاهدوا المظاهرات الشعبية في مختلف المدن الفلسطينية وهي تطالب بالوحدة الفلسطينية، ألم تطرق آذانهم صيحات الشباب الفلسطيني ونداءاته المستمرة بضرورة الوحدة، وإلا فإنهم سيواصلون خروجهم إلى الشوارع والميادين العامة للضغط عليهم من أجل الوفاق والإتفاق، وأنهم سيعتصمون في الميادين، وأمام المقرات الحكومية والمؤسسات العامة، لضمان وصول صوتهم إلى المسؤولين وأصحاب الشأن.

ألا يدخل المسؤولون الفلسطينيون إلى صفحات التواصل الإجتماعي عبر شبكة الانترنت، ليروا عدد الفلسطينيين الذين يطالبون بإنهاء الإنقسام، وأعداد العرب والمسلمين المتزايدة، التي تؤيد مواقفهم، وتضم أصواتها إلى أصواتهم، وتعزز مطالبهم بضرورة الوحدة وإنهاء الإنقسام، أم أنهم لا يشاهدون الفضائيات العربية والأجنبية، التي تنقل صور المعتصمين والثائرين والغاضبين والمتظاهرين في مختلف المدن الفلسطينية، ألا يقرأون الشعارات المرفوعة، أما يسمعون الهتافات التي لا تنقطع، والأصوات التي بحت وهي تهتف، ألا يقرأون ما تكتبه الصحف، وما يشارك به رواد المنتديات الإلكترونية.

ألا يتعلم المسؤولون الفلسطينيون ويأخذون العبرة مما يجري حولهم، فيتعظون من مصائر الحكام والقادة الذين يتساقطون كل يومٍ في عواصم بلادهم كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية، أتت عليها رياحٌ صرٌ شعبيةٌ عاتية، فباتوا يسقطون وهم في قمة المجد الذي يدعون، ووسط هالة القوة التي يعتقدون، وبين جندهم الذين يحسبون أنهم لهم عبيدٌ وغلمان، يؤمرون فيطيعون، ويطلب منهم فيستجيبون، أليست لهم عقولٌ يتعظون بها، وآذانٌ يسمعون بها، وعيونٌ يرون بها، أم على قلوبٍ أقفالها، وقد ختمت آذانهم وعلت الغشاوة أبصارهم، فلم يعودوا يدركون ما يجري حولهم، ولا ما يصيب زملاءهم.

إنهم يكذبون على أنفسهم عندما يعتقدون بأن الغد والمستقبل كله لهم، وأن ما بين أيديهم من قوة ستحميهم، وستحول دون سقوطهم بل واندثارهم، أو مساءلتهم ومحاكمتهم، أفلا يحاولون استباق النتائج الحتمية، وتجاوز المصائر الجبرية، والنجاة من نهايةٍ مخزية تتعقبهم، ومصيرٍ أسود ينتظرهم، فيصلحون ما أفسدوا، ويعالجون ما ارتكبوا بحق شعبهم من أخطاء، ويؤسسون من جديدٍ لمستقبلٍ فلسطيني واعد، فالشعب الفلسطيني لن ينتظر طويلاً تجاه مأساته المحزنة، ولن يسلم بانقسامه وتشتته كانقسام قادته ومسؤوليه، بل إن وقفته ستكون قريبة، وانتفاضته ستكون قوية، وانتقامه ممن شوه تاريخ قضيته سيكون مروعاً، ويومها سيفضح كل المتآمرين، وسيميط اللثام عن كل الفاسدين المستفيدين من استمرار الإنقسام، وعرقلة الإتفاق.

 ألا يدرك قادة العمل الفلسطيني أن شعوبهم أصبحت تتطلع بغبطةٍ وغيرةٍ إلى أشقائهم من الشعوب العربية الثائرة، التي نجحت في إقصاء حكامها، ومحاكمة الذين أجرموا فيهم، والذين أساؤوا إلى شعوبهم، وسرقوا مقدرات وخيرات بلادهم، وتآمروا مع عدوهم ضد مصالح شعبهم وأمتهم، فاستجابوا لمصالح العدو، وخضعوا لشروطه وإملاءاته، وحققوا له أجندته، فالشعوب ومنها الشعب الفلسطيني، أصبحت تعيش زمن التغيير، وباتت تدرك مدى قوتها، وتعرف قدرتها على الصمود والثبات في الشوارع والساحات والميادين، وقد باتت تمتلك الخبرة والمعرفة والإرادة، ولديها من وسائل التعبير ونقل الكلمة والصورة، ما يجعل ثورتها وانتفاضتها هي الأقوى والأكثر فعلاً وتأثيراً، فقد بات الشعب الفلسطيني أكثر وعياً من قادته، وأكثر غيرةً على مصالحه الوطنية من مسؤوليه، وأصبح يمتلك رؤيةً مستقبلية لقضيته، وعرف أن الإنقسام يزيد في عمر الاحتلال، ويمكن له أكثر في البلاد وبين العباد، وأنه يؤخر التحرير ويباعد في زمن العودة، وأنه يشوه صورة الشعب الفلسطيني، ويسيئ إلى نضالات وتضحيات الذين سبقوا، ويخون دماء الشهداء، ويفرط في أمانة الأسرى، وأنه يدفع بالشعب الفلسطيني نحو اليأس والقنوط، والقبول بخيارات الهجرة واللجوء والترحيل، والبحث عن الأوطان البديلة، والدول المستضيفة.

الفلسطينيون يحلمون بأشياء كثيرة، ويتمنون أخرى أكثر، ولعل أعظمها وأسماها وأولها هو التخلص من الاحتلال، وتفكيك مستوطناته ومستعمراته، ورحيله ومستوطنيه عن أرضه، تمهيداً للعودة وإقامة الدولة، واستعادة الأرض كلها وتطهير المقدسات المسيحية والإسلامية كافة، ولكنهم يدركون أن هذا الحلم بعيد المنال، وصعب التحقيق في ظل حالة الفرقة والانقسام والتشظي الفلسطينية، فالإنقسام حلمٌ إسرائيلي، وهو هدفٌ يعملون من أجل بقائه واستمراره، ويبذلون أقصى وسعهم لاستمراره، ويحاربون كل من يحاول إنهاءه، ووضع حدٍ له، ويعرقلون كل وسيلةٍ تتجاوزه، وهو غاية أعداء هذا الشعب، وأمنية المتآمرين عليه، والخائفين من وحدته، والتفاف أبنائه، وتراص صفوفه، ومواصلة مقاومته.

وبالمقابل فإن الإنقسام أضحى حاجة لبعض الفلسطينيين المستفيدين من استمراره، والعاملين على بقاءه، الذين يغتنون منه ويكتنزون المزيد من المال من وجوده، ويبذلون جهدهم لتأصيله، لتبقى جيوبهم عامرة، ومصالحهم جارية، وكراسيهم محفوظة، وكلمتهم مسموعة، فمناصب ومراكز هؤلاء وأؤلئك محفوظةٌ ما بقي الإنقسام، ومستمرةٌ ما تعمقت الفرقة، إذ لامكان لغير المخلصين في ظل الوحدة، ولا سلطة لغير الصادقين في ظل الاتفاق، ولا صوت يعلو فوق صوت الذين ضحوا من أجل وحدة أرضهم، وسلامة شعبهم، فهذا ما يدركه الفلسطينيون الساعون للوحدة، والرافضون للإنقسام، والعاملون بجدٍ لضمان رحيل الاحتلال، إذ لا سبيل لدحره وطرده في ظل الفرقة والإنقسام، ولهذا يهتفون بعالي صوتهم، الشعب يريد إنهاء الإنقسام، فهل يدرك قادة الفصائل الفلسطينية أبعاد هذا الشعار، فيحمون أنفسهم ومن يحبون من خاتمةٍ لا تختلف في كثيرٍ عن مصير قادةٍ وحكامٍ مازالت آثارهم باقية آيةً للعالمين لم تندثر.

=========================

في ترك إتباع الأهواء والشهوات

فلاح السعدي

F_m1333@yahoo.com

مما قبحه العقل وبغضه الخلق الفطري للإنسان هو العبودية والخنوع والخضوع لأنها منقصة للإنسان حين يكون في موقف من هذه المواقف ومطوعا نفسه عليه, فمن يتبع ما هو دونه فليس ممن ملك جوهر الكون والخلق ألا وهو العقل الذي به تميز الإنسان عمن سواه من من المخلوقات على هذه البسيطة, فالأهواء هي دون العقل ومن يتخذها سلطانة عليه فهو لم يعطي العقل محله السليم, كما قال تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الفرقان: من الآية43). وقال تعالى : ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (صّ: من الآية26). وحينما لا يوظف العقل في المحل السليم والمكان الصحيح فالنتيجة تؤدي إلى الضلال والإضلال, لذا فما كان قدوم الأنبياء والرسل والمصلحين إلى سكان الكون إلا ليهدوه إلى السبيل المستقيم والصراط القويم الذي به يدرك العقل حسن السير والاختيار, ومنهم وسيدهم وخاتمهم النبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) فهو هادي الأمم ومنير الطرقات ومقوّم العقول, ومع هذا وبعد التضحيات التي ضحى بها وجعل من نفسه خادما للرسالة الإلهية وتأذى وتألم بما لم يتألم به مخلوق على وجه البسيطة من أجل هداية الناس وتقويم المجتمعات وبناء الدول, كل هذا وكثير من الناس اتبعوا أهوائهم على هاديهم وهاي الأمم, قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ)(القصص: من الآية 50 ولا يحصدون إلا الخذلان والخسران والأيام والسنين أثبتت أن جميع الأنظمة فاشلة ولم يتبق إلا الإزاحة والتغيير نحو الرجوع إلى الخط المحمدي والتخطيط الرسالي السماوي وهذا يتطلب معرفة مقام الخالق ومن بعث, وقال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات:40-41) وقد عرّف البعض الهوى: أنه ميل النفس إلى الشهوة، وقد يطلق على النفس المائلة إلى الشهوة أيضاً، ولعله سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية، فإن من معاني هذه المادة (الهوي) أيضا: السقوط، وقوله: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان:43) قدم المفعول الثاني إعظاماً لذم إتباع الهوى وعناية لتعظيمه الهوى بحيث

جعله إلهاً يعبد من دون الله. ومن الملاحظ أيضاً أن إتباع هوى النفس عبادة لها وأنه سبب للضلالة عن سبيل الله، وأنه لا ضلالة فوقه، وأنه يدعوا إلى عدم الإستجابة لمن بعث (جل وعلا) من الأنبياء والرسل, وأنّ منعْ النفس عن هواها سبب لدخول الجنة.

وهناك نصوص كثيرة موضحة لهذا المعنى. فقد ورد: {أن الله أقسم بجلاله وجماله وبهائه وعلاه أنه لا يؤثر عبد هوى الله تعالى على هواه إلا جعل غناه في نفسه وهمه في آخرته وضمن رزقه}وهنا في هذا منافع أخروية ودنيوية فللبيب أن يتنبه لمجريات الحياة, وأنه لو آثر هواه على هوى الله شتت أمره، ولبس عليه دنياه وشغل قلبه بها, وأن إتباع الهوى من أخوف ما كان يخاف منه النبي (صلى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام) على الأمة المرحومة, وأنه: {طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره}, وأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان لا يرجوا النجاة لصاحب الهوى, لأن صاحب الهوى متقلب ليس له ثبات على عقيدة ولا طريق سليم, وكما ورد (..وأن أشجع الناس من غلب هواه...), فهذا الذي يتغلب على أقوى عدو وهو النفس فمؤكدا يكون أشجع وأقوى والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من الضعيف, وأن الهوى أقوى سلطان على الإنسان، فهو كالنوم إذا انجر به الإنسان لا يسيطر على نفسه إلا بصعوبات كبيرة وأكثرها تبوء بالفشل, وهو الذي يصده عن الحق, وكيف لا ومغريات النفس والهوى تصد وتبني حجابا من الظلمات عن العقل وعن الهداية, فكم من الناس أغرتهم نفوسهم فبنيت بينها وبين عقولهم الظلمات وأنتهت حياتهم بالخسران, أعاذنا الله وإياكم من شرور النفس وهدانا إلى الصراط القويم

ورزقكم ورزقنا حسن الخاتمة

=========================

هذه المسرحية...شاهدناها من قبل

كتب : عريب الرنتاوي

مقلق حد الهلع...هذا الذي يجري في سوريا

لكأنه كتب على درعا وشقيقاتها، إن تعيد انتاج المسرحيات الدامية التي عاشتها مدن وعواصم عربية عدة...النص ذاته...السيناريو ذاته...الحوار، أو بالأحرى "اللاحوار" ذاته...لقد شاهدنا هذه التراجيديا من قبل، فلماذا الإصرار على إعادة إنتاجها، وبذات التفاصيل تقريباً...وهل أفلح منتجو ومخرجو المسرحيات السابقة وأصابوا النجاح، حتى نسير في خطاهم ونقتفي آثارهم ؟!.

 

الشعب السوري، ليس جزيرة معزولة عن محيطه العربي...لديه مظالم ومطالب وتطلعات وأحلام...لديه مشاكل وتحديات وأزمات يتوق للخلاص منها...نسب فقر مرتفعة...بطالة عالية...مستويات متدنية في الأجور...قبضة أمنية شديدة ونقص في الحريات...حزب واحد يحكم البلاد تحت مسمى الجبهة الوطنية...أي باختصار شديد، تتوفر لدى الشعب السوري كل عوامل الانتفاضة والثورة التي حرّكت أشقائه، وإن بدرجات متفاوتة، في مصر وتونس وليبيا والأردن واليمن والبحرين والمغرب والجزائر...سوريا ليست استثناءً أبداً...سوريا جزء من القاعدة.

 

بيد أن لسوريا، كباقي الدول والمجتمعات العربية، خصائص تميزها عن بعضها البعض...منها ما يمكن أن يعد عناصر قوة تحسب لها، وهنا نتوقف حصراً عند دعمها للمقاومات العربية وعدم "انحسابها" على خط التفريط والتخاذل الذي ظلل المشهد العربي...ومنها ما يمكن أن يُعد، عناصر ضعف، تحسب عليها، وهنا يتعين الوقوف عند القبضة الأمنية الشديدة للنظام...فضلا عن الانقسامات المجتمعية المعروفة.

 

لقد توفرت للقيادة السورية فرصة نادرة لتقود بنفسها، عملية إصلاح سياسي وتحوّل ديمقراطي واسعة النطاق...وأحسب أن نافذة الفرص لم تُستنفذ نهائياً بعد، وإن كان الوقت يمضي بسرعة، وكلما سالت دماء كلما أصبحت المهمة أصعب وأعقد...لكن القيادة السورية لم تبادر – من أسف - إلى اهتبال الفرصة، واكتفت بدلاً من ذلك بإبراز ما هو مختلف في سوريا عن بقية الدول العربية...وها نحن نكتشف، بعد أسابيع قليلة فقط، أن ما يجمع سوريا بأمتها من المشتركات والقواسم، أكبر بكثير مما يفرقها ويميّزها...سوريا ليست استثناء، وعناصر قوتها المميزة، لن تحصّنها في وجه رياح التغيير والإصلاح التي تهب بقوة في الفضاء العربي.

 

لا أحد سيشتري "حكابة العصابة المجهولة" التي تعيث قتلاً وحرقاً واختطافاً وترويعاً للآمنين في درعا...لا أحد سيأخذ على محمل الجد "حكاية القاعدة" كذلك، لقد استخدمها القذافي وصالح ولم تنفع في ليبيا واليمن، فلماذا الاعتقاد بأنها ستنفع في سوريا...القصة ببساطة أن شعب سوريا أراد الالتحاق بركب الحرية العربية، وأن السوريين أرادوا امتطاء الموجة الديمقراطية الرابعة، والتي هي موجة عربية بامتياز، فتصدت لهم آلة القمع البوليسية، وبالأدوات الوحيدة التي تعرفها واعتادت على استخدامها سنوات وعقود...تماماً مثلما حصل في مستهل ثورات ربيع العرب....هنا مربط الفرس...هنا الوردة فالنرقص هنا.

 

من مصلحة سوريا، شعباً ودولةً ومجتمعاً ونظاما...أن تسمع هذا الكلام منّا نحن الذين عشنا في سوريا وأحببنا شعبها...لا أن تكتفي بالاستماع إلى ما يطربها ويطمئنها....وبرغم اختلافاتنا القديمة والجديدة مع سياسات نظامها، إلا أننا وقفنا ونقف وسنقف ضد كل محاولات استهدافها من الخارج والنيل منها من قبل أعدائها وأعدائنا، خصوصاً حين يتصل الأمر بإسرائيل وأعوانها الكثر في المنطقة.

 

نحن نعرف كما تعرف القيادة السورية، أن ثمة متربصين بسوريا ونظامها...بعضهم يمثل عن حق، أسوأ ما أنجبته النظم السورية المتعاقبة...ليس عبد الحليم خدام، هذا الفاسد المفسِد والمفسَد، بديلاً لبشار الأسد...ولا هو موضع رهانات السوريين ومعقد آمالهم...وليس رفعت الأسد وأنجاله هم الأنموذج الذي يمكن أن يحرك السوريين...ولا نريد لسوريا أن تكون دولة دينية، خاضعة ل"ولاية الفقيه" أو "حاكمية الله"....لكننا مع ذلك، لا نرى في جميع هذه "الفزّاعات" أسباباً كافية لإعاقة الإصلاح وعرقلته.

 

إن كانت هناك نيّة صافية وإرادة حقيقية لقطع الطريق على هؤلاء جميعاً، فإن "الوصفة السحرية" معروفة ومجربة...أنها تتلخص في الذهاب مباشرة، ومن دون تردد أو إبطاء إلى الإصلاح والتغيير...السياسي أولاً...والسياسي الآن...لقد سقط النموذج الصيني في الإصلاح الاقتصادي بديلاً عن الإصلاح السياسي...لقد سقطت نظريات تقديم كل أشكال الإصلاح على الإصلاح السياسي...هذه الرهانات – التي داعبت مخيّلة القيادة السورية وطربت لها ردحاً من الوقت قبل أن تهتدي لاقتصاد السوق الاجتماعي– باتت وراء ظهورنا.

 

ما كان يصلح من قبل، قبل أعوام ثلاثة أو خمسة، لم يعد صالحاً الآن...الشعب يريد إصلاح النظام...فإن استجاب النظام، كان به، وإن تخلف النظام، فإن الشعب سيريد إسقاط النظام وتغييره...أليست هذه هي الحكمة المتولّدة عن ثورات العرب الكبرى المشتعلة حالياً؟.

 

ثم، إنني أنصح وبشدة، أن لا يراهن الإخوة في سوريا على نماذج صمد فيها النظام أو نجح تكتيكياً في جبه رياح التغيير...النظام لم ينجح بعد في ليبيا، المعركة ما زالت مفتوحة، والثورة ما زالت مستمرة...والبحرين تعيش الهدوء الذي يسبق العاصفة، والعاصفة آتية برغم خفوت صوت "الجزيرة" وتدخل "درعها"...قد يستطيع هذا النظام العربي أو ذاك، الصمود في وجه العاصفة بعض الوقت، لكنه لن يفعل ولن ينجح طوال الوقت.

 

إن وضِعت سوريا على مائدة البحث الدولي، من بوابة حقوق الإنسان وإدانة الاستخدام المفرط للقوة وحماية المدنيين...فلن يستغرق الأمر سوى ساعات وليس أيام، لاستصدار قرار شبيه، بل واصعب من القرار 1973...سوريا ليست ليبيا، "لا نقط عندها تهديه ولا غازُ"...سوريا ليست البحرين، فهي محسوبة على "الضفة الأخرى" من الخليج، لا الضفة "المهمة جداً والصديقة جداً" للغرب...سوريا لديها مروحة واسعة من الأعداء والمرتبصين الذين ينتظرون لحظة الانقضاض عليها....لن تجد سوريا من سيدين المعارضة والشارع كما حصل في البحرين، أو كما يحصل في السعودية على نطاق أضيق، ستجد سوريا من سيدين النظام، وبكل قوّة، حتى وإن كانت المعارضة من طراز خدام (جلبي سوريا) ورفعت الأسد، مع أن المعارضة في سوريا أشرف وأنزهُ من أن تحسب على هذه الشخصيات أو أن تختصر بها...هناك معارضة وطنية ديمقراطية تقدمية قومية في سوريا، لا يمكن اختزالها بحفنة من الانتهازيين واللصوص.

 

إن الحرص على سوريا، يعني الحرص على معارضتها الوطنية والمخلصة أيضاً...ولكي يكون بمقدورنا أن نفعل ذلك ونحن في أتم الاطمئنان، فإن المعارضة السورية مطالبة، بأن تميّز مواقفها عن مواقف خصوم سوريا واعدائها....من عملاء إسرائيل مرورا ب"الوهابيّون الجدد" وانتهاء بكل الطيف الذي نعرف، والذي تنتهي مرجعيته عند فيلتمان وبولتون وبيرل وقانون محاسبة سوريا ومدرسة المحافظين الجدد....أحياناً كثيرة، تختل معادلة بعض الأصوات المعارضة.

 

ولا ينبغي أن يظن أحدٌ في دمشق، أن موقفه "الإيجابي" من اجتياح "درع الجزيرة" للبحرين سوف يُرد لها بأحسن منه...أصحاب "الدرع"، بعضهم أو كثير منهم، يحكمهم "المأثور البدوي" عن أخذ الثأر وإن بعد أربعين عاماً...ليس أمام دمشق سوى أن تقلّع شوكها بيدها...وشوك سوريا هو الفساد والبطالة والفقر والحزب الواحد وهيمنة الأجهزة الأمنية وانغلاق آفاق المشاركة والحيش الحر الكريم...سوريا ليست استثناء، كل الدول العربية تعاني هذه الأعراض السرطانية، وبدرجات متفاوتة من التفاقم، والإنكار هو وصفة للكارثة والخراب، وبداية حل المشكلة تتجلى في الاعتراف بوجودها...حمى الله سوريا

==========================

ضوابط الموقف الأميركي الراهن

صبحي غندور*

بدأت تتّضح، إلى حدٍّ ما، ضوابط الموقف الأميركي ممّا حدث ويحدث في المنطقة العربية من انتفاضاتٍ شعبية ومتغيّراتٍ سياسية. فبعد تأرجحٍ بين هبوطٍ وصعود في تأييد واشنطن لحركات التغيير والإصلاح العربية رست سفن الموقف الأميركي على شواطئ عربية متعدّدة. فحجم المصالح الأميركية الكبيرة في المنطقة واختلاف ظروف بلدانها يجعل أي إدارة أميركية تتعامل مع هذه المنطقة بمفهوم "الأسطول" وليس "السفينة الواحدة"، أي وحدة القائد والهدف لهذا "الأسطول" لكن مع تعدّدية "السفن" وجهات الاستخدام تبعاً لظروف الشواطئ التي سترسو فيها.

   فالموقف الأميركي من ثورة تونس أولاً اختلف عنه آخراً بعد نجاح الثورة، فتحوَّل الصمت الأميركي الذي ساد في الأسابيع الأولى من ثورة تونس إلى تقديمها نموذجاً للثورات العربية الأخرى الممكنة في المنطقة، بحسب رأي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السفير فيلتمان خلال زيارته لتونس بعد سقوط نظام بن علي.

   ثم حدثت ثورة مصر، فوجدنا حماساً أميركياً لها ولهدفها الآني بإسقاط شخص الحاكم وبضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، لكن كان واضحاً أيضاً رغبة واشنطن بأن يتوقّف التغيير المصري عند حدود أشخاص الحاكمين لا بحدوث تغييرٍ شامل للنظام السياسي، وحتماً لا بالسياسة الخارجية للنظام السابق.

   ثم توالت الانتفاضات العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، فبدأت التباينات تظهر في المواقف الأميركية وباختلاف سقف تصريحات "البيت الأبيض" عمّا كان عليه خلال ثورة مصر.

   وربّما يمكن وضع الموقف الأميركي من حركات الشارع العربي الآن في فئاتٍ عدة: الأولى، ونموذجها ما حدث في تونس ومصر من حيث دعم واشنطن لتغيير حاكمين وإصلاحات داخلية لكن بما لا يؤثّر على السياسات الخارجية السابقة. ويدخل اليمن رغم اختلاف ظروفه عن تونس ومصر في هذه الفئة الأولى، لكنّ واشنطن لا تمانع بالمساهمة في إنضاج ظروف التغيير هناك لتصل إلى مرحلةٍ تتأكّد فيها من ضمانات العلاقة مع بديل الحكم الحالي، ومن استمرار صيغ التعاون السياسي والأمني القائمة حالياً بين واشنطن وصنعاء. ويبقى طبعاً مصير الكيان السياسي لليمن غامضاً في ظلّ دعوات انفصال الجنوب اليمني واللامركزية السياسية والأمنية السائدة في مناطق الحوثيين بالشمال، حيث قد ترحّب واشنطن بقيام نظام سياسي فيدرالي جديد في اليمن يحكم أجزاءه الثلاثة اعتماداً على الصيغة الفيدرالية التي دعمتها في النظام العراقي الجديد.

    الفئة الثانية، وهي التي تشهدها بلدان ذات أنظمة ملكية كحال ما يحدث في المغرب والأردن والبحرين وسلطنة عُمان، حيث كان الموقف الأميركي واضحاً في عدم تأييد أي مطلب بتغيير أنظمة الحكم (ولا طبعاً في السياسات الخارجية) لكن مع الدعوة المتكرّرة لإجراء إصلاحات في هذه الأنظمة ولضمان الحريات السياسية العامّة، ومن ضمنها حقّ التظاهر السلمي في هذه البلدان. وقد تجاوب الأردن والمغرب وعُمان إلى حدٍّ ما مع هذا الموقف الأميركي لكن حكومة البحرين خرجت لاحقاً عن هذا التجاوب مع المطلب الأميركي واستعانت بقواتٍ خليجية لقمع المظاهرات الشعبية المحقّة.

   أمَّا الفئة الثالثة في المواقف الأميركية، فنراها تحدث الآن مع ليبيا حيث جرى تدويل الثورة الليبية بعدما استخدم حكم العقيد القذافي كلّ ما لديه من أنواع الأسلحة لقمع الثورة وقتل الثوار. فانتقلت القضية الليبية من قضيةٍ وطنية وعربية إلى أزمةٍ دولية يتمّ التعامل الآن معها بمرجعية "مجلس الأمن" وباستخدام القوة العسكرية المتعدّدة الجنسيات. وهنا يقع وجه الملامة كلّه على حكم القذافي الذي هدّد شعبه بالإبادة وبملاحقة الثوار وقتلهم "بيت بيت ودار دار". لكن جامعة الدول العربية أيضاً تتحمّل مسؤولية عدم التحرّك سريعاً لإنقاذ ليبيا وشعبها قبل حصول التدويل.

   وهاهي ليبيا الآن تدخل في خانة "المستقبل المجهول" بعد عنف إجرامي من حكم القذافي ضدّ المواطنيين المدنيين جرى الردّ عليه من قبل الانتفاضة الشعبية الليبية السلمية بالتحوّل إلى ثورة مسلحة ثمّ الآن بضربات جوية وبحرية متعدّدة الجنسيات!.

   لقد كان قرار مجلس الأمن قوّة دعمٍ للثوار الليبيين ولكن ليس لأهداف الثورة الليبية، كان عسكرياً لصالحهم لكن ليس سياسياً. فالعالم كله يثق بالثورة الليبية ويتعاطف مع حاجتها للدعم وللحماية من جبروت حكم القذافي وآلته العسكرية المدمّرة، ويتفهّم أيضاً تمييز قادة الثورة بين القبول بمنطقة الحظر الجوي وبين رفضهم لوجود قوات أجنبية على الأرض الليبية، لكن لن يضمن الآن ذلك كلّه مستقبل ليبيا ووحدتها وسيادتها بعدما أصبحت مرجعيتها دولية ومرتبطة بمصالح الدول الكبرى وغاياتها الخاصة.

   حبّذا لو بادرت المعارضة الليبية إلى المطالبة العلنية والقوية بتدخّل عسكري عربي أساسه القوات المصرية لحسم الأمور لصالح ليبيا الثورة والثوار معاً. وحدوث هذا الأمر ما زال ممكناً باعتبار أنّ قرار مجلس الأمن لا يشير إلى تغيير النظام ولا إلى وجود قوات أجنبية على الأرض الليبية، إذ ما الذي سيحصل لو اكتفى القذافي بالحكم على جزءٍ من ليبيا وأوقف هجماته والتزم بقرار مجلس الأمن؟ فليس بالقرار عقوبات عسكرية على حكم القذافي إن فعل ذلك، وسيكون بإمكانه تصدير النفط لبعض الدول والتعايش مع العقوبات السياسية والاقتصادية كما فعل في حقبة ماضية!. ثمّ لِمَ لم يعترف القرار الدولي أو الدول الموافقة عليه بالمجلس الوطني الليبي المؤقت كممثل شرعي الآن للشعب الليبي، ولِمَ ترك بعض الأبواب والنوافذ مفتوحة أمام الاتصالات مع حكم القذافي؟!. فنصوص قرار مجلس الأمن رقم 1973 تخدم من يريدون إسقاط حكم القذافي كما تخدم من يريدون الحفاظ عليه. وهناك ضوابط للموقف الأميركي حتّى لو أرادت واشنطن إسقاط القذافي الآن وليس غداً. فإدارة أوباما تدرك الرفض الشعبي الأميركي لأي تورّط عسكري جديد في الشرق الأوسط، وتدرك أيضاً معنى ما قاله وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمام الكونغرس عن "ضرورة أن يفحص أي وزير دفاع أميركي عقله ورأسه قبل الموافقة على حرب جديدة في المنطقة"، كما تأخذ إدارة أوباما المواقف الروسية والصينية والهندية والبرازلية بعين الاعتبار، فهذه دول تحتاجها واشنطن سياسياً وأمنياً واقتصادياً في قضايا وأزمات تفوق أهميتها القضية الليبية.

   إنّ الإدارة الأميركية لن تتجاوز الآن في تصعيدها العسكري ضدّ حكم القذافي ما قامت به من ضرباتٍ بحرية وجوية، ولن تمارس ذلك أصلاً لفترة طويلة من الزمن كما فعلت في العراق وفي يوغوسلافيا. فإدارة أوباما تراهن على تحقيق النتائج السياسية لهذا التصعيد خلال وقتٍ سريع وعلى تجيير أمور الضربات العسكرية في حال الاضطرار لاستمرارها إلى الحلفاء الأوروبيين مع استمرار الموقف السياسي الأميركي المطالب برحيل القذافي. فهذه الإدارة انتخبها الأميركيون لوقف حروب لا لإضافة حربٍ جديدة، ولا توجد حالياً مصلحة لهذه الإدارة بإظهار الأزمة وكأنّها بين واشنطن وحكم القذافي أو بين أميركا وبلدٍ عربيٍّ آخر.

   والله أعلم.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Sobhi@alhewar.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ