ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

ثورة ليبيا.. درب آخر إلى انتصار محتم

ليبيا مختلفة عن سواها بطريق الثورة وليس بسقوط الاستبداد

نبيل شبيب

إلى متى تستمر الثورة في ليبيا ليتحقق الانتصار؟.. ما كان لهذا السؤال أن ينتشر كما انتشر الآن ولمّا يمض سوى أسبوعين على الشرارة الأولى للتعبير عن إرادة الشعب في الثورة، لولا أن سبقتها ثورتان في تونس ومصر أسقطتا نظامين عاتيين في التسلّط، مختلفين في الحجم، ولم يبق بعد رحيل رأسيهما إلاّ تطهير البلاد من الفلول والذيول، والانطلاق في عملية البناء.

لم ينطلق السؤال من المعايير التاريخية للثورات أو عمليات التغيير الكبرى في عصور ماضية، ولم ينطلق أيضا من تقدير الواقع الليبي المتميّز، ليس بسبب الجهل به فقد كان مكشوفا، بل من تأثير مجرى الثورة في تونس ثم في مصر على السائل المعاصر لهما.. ولا يستثني كاتب هذه السطور نفسه من ذلك. فقد كان لحدث الثورة بحد ذاته تأثير كبير على كلّ من عاش حقبة عقود متتالية بانتظار التغيير الجذري المحتم في المنطقة العربية والإسلامية.

لا بدّ في مواكبة أحداث الثورة في ليبيا من وقفة موجزة لتحديد بعض معالم الأرضية التي تقوم عليها الثورة.. معالم ما تعمل الثورة على تغييره.. هل هو دولة استبدادية؟.. هل هو نظام حكم متسلّط؟.. هل الاستبداد القائم فردي.. عائلي.. قبلي.. عسكري؟.. أم أن هذه المواصفات المستمدّة من اجتهادات العلوم السياسية في تصنيف الدول بعيدة عمّا قام في ليبيا خلال العقود الماضية، وما تستهدفه الثورة بالتغيير الذي يصنعه شعبها الآن، ولا بدّ أن يسفر عن وضع جديد؟..

 

معالم أساسية للوضع الليبي

السؤال المطروح: إلى متى تستمر الثورة في ليبيا حتى يتحقق الانتصار؟.. هو بحدّ ذاته سؤال يحتاج إلى صياغة أقرب للواقع الليبي نفسه وأقرب إلى مجرى أحداث الثورة الشعبية في ليبيا، والأصح هو السؤال: إلى متى يستطيع الكيان المسلّح المتسلّط على ليبيا لعدّة عقود البقاء أمام ثورة الشعب عليه؟..

وليست كلمة "الكيان المسلّح" هنا اعتباطية ولا حماسية عاطفية –ولا عيب في الأصل ولا ضير في الحماسة للحق والتعاطف مع أصحابه- بل تكاد تكون هي التعبير الوحيد الذي يصف الواقع الفعلي لِما يوصف عادة بالنظام الليبي، ولكن لمجرّد الاعتياد على وصف كل من يحكم بلدا بالنظام!..

لا يوجد شبه بين هذا "الكيان المسلّح" وبين أي نظام من النظم الحاكمة في أي دولة من الدول قديما أو حديثا، وهذا ما لا يدّعيه القذافي لنفسه ولِما صنع، أمّا أن يسمّيه جماهيرية.. والحكم الشعبي المباشر.. وما شابه ذلك فهو من قبيل "الإخراج" وليس "المضمون"، كما كان معروفا عن "جمهوريات شعبية اشتراكية ديمقراطية" لدول يحكمها الحزب المستبدّ فقط.. دون أن يكون في واقعها إلا القليل من العناصر الأساسية للإرادة الشعبية والنهج الاشتراكي ووسائل الحكم الديمقراطي. رغم ذلك.. ليس بينها وبين "الكيان المسلّح" القذافيّ أوجه شبه تسمح بإلحاقه بها وترجيح أن يكون اندثاره شبيها باندثارها.

أوجه الشبه قائمة من حيث الأساليب مع "عصابات الجريمة المنظمة/ المافيا" المعروفة في إيطاليا القريبة وسواها، حيث تلعب عناصر "السلاح" و"المال" و"القرابات" دورا حاسما، وحيث يُقتل المعترض –لا المعارض كما في نظم الحكم الاستبدادية- وحيث يُشترى الولاء بالمال وتُصنع شبكات السيطرة بالمال، وحيث يُعتمد على مخزون السلاح عندما يكون للعصابات مجال للسيطرة على "أرض" تنطلق منها كما في كولومبيا وأخواتها.

والفارق الأكبر بين العصابات المنظّمة القذافية وبين العصابات المنظمة الإيطالية –مثلا- هو أنّها في إيطاليا تتحرّك وتعمل في بلد فيه دولة بنظام حكم تقليدي، فتتغلغل في مكوّناته عبر من تشتري ولاءاتهم لها، وتتحكّم في صناعة قدر كبير أو صغير على حسب الظروف في صناعة القرار.. بينما أصبحت القذافية في موقع الدولة، المسيطرة على الأرض والشعب والثروات بصورة مباشرة.

صناعة القرار في مواجهة الثورة في تونس ثم في مصر كانت تصدر عن نظام حكم مستبد، فبقي في هذا النطاق بعض الالتزام بمعايير الدولة، إذ بدأ الاعتماد على القوات الأمنية (القمعية) حتى إذا بلغت الثورة مداها في أيامها الأولى أصبحت الخطوة الثانية، أي الاعتماد على توظيف القوات المسلّحة في عملية "قمع أمنية" مستحيلة.. فتهاوى النظام سريعا.

صناعة القرار في مواجهة الثورة في ليبيا صدرت مباشرة عن رأس "العصابة" فكانت دموية عنيفة على الفور، بالأسلوب المعتاد في العصابات المسلّحة لمواجهة تمرّد في بعض أطرافها أو تمرّد على مستوى من كان خاضعا لممارساتها التسلّطية.

العصابة المسلّحة في "دولة" يمكن أن تنهار سريعا إذا واجهتها "الدولة" بقوّة ما تملك من مقوّمات، والعصابة المسلّحة التي تمثّل هي "الدولة" كما في ليبيا، تنهار عندما تبلغ مواجهة الشعب الثائر عليها من القوّة المسلّحة الثائرة ما يفوق تسلّح "العصابة" على امتداد عدّة عقود، وما يُلغي مفعول الثروة المالية التي سبق أن نهبتها، ويقوّض شبكة العلاقات التي أقامتها محليا ودوليا.

 

القمع بالدبابات والطائرات والمرتزقة

استخدمت العصابات المسلّحة القذافية أنواعا من الأسلحة الثقيلة لا تُستخدم عادة إلا في الحروب النظامية، واعتمدت اعتمادا رئيسيا على مرتزقة من خارج الحدود، يمكن شراء ولائهم المطلق لارتكاب الجرائم داخل الحدود، أكثر بكثير من إمكانية شراء ولاء بعض الأفراد أو الفئات من أهل البلد نفسه.. ولهذا رفض عدد كبير من هؤلاء على الفور الاستمرار في الانتماء إلى تلك العصابات، خشيةً من المشاركة في ارتكاب الجرائم الجماعية، لا سيما وأن توظيفهم لم يكن في "مواجهة الشعب بالقوة" من الأصل بل في "مهام فرعية" مرتبطة بتكوين شبكة العلاقات، كما هو الحال مع الديبلوماسيين، أو في مواقع تكميلية فرضتها طبيعة سيطرة العصابة على الدولة، كما هو الحال مع قوّات عسكرية مهمّشة.

لا فارق بين هذا الاستخدام للسلاح الثقيل والمرتزقة عمّا تصنع العصابات المنظمة، عندما تستخدم ما تملكه من سلاح، كالرشاشات والمتفجرات لاغتيال "المعترضين" أو "المناوئين" أو الخصوم في "جبهة" مستهدَفة من كيان الدولة التي تعمل العصابة للسيطرة على زمام صناعة القرار فيها، كما يجري عادة في استهداف قضاة مستقلين أو قيادات أمنية وسياسية.

إن الجرائم القذافية الجارية هي جرائم عصابات مسلّحة بأسلحة ثقيلة، وإذ يعلم رئيس العصابة وأعوانه الأقربون المقرّبون، أن الثورة ثورة شعبية، بقيادات شعبية، فهم لا يستهدفون منشآت.. وقواعد عسكرية.. وأجهزة سياسية.. فجميع ذلك في طور التكوين، ولم يعد يمكن استهدافه بصورة مباشرة، وهو يتكوّن فيما أصبح بحكم المناطق الآمنة، إنّما يستهدف الأوساط الشعبية التي تنبثق منها الثورة وقياداتها وأجهزتها، كيلا يتكوّن المزيد من القيادات والأجهزة، كما تستهدف العصابة المسلّحة مخازن أسلحتها هي وقد أصبح تحوّلها إلى "غنائم" لصالح الثوّار حتميا.. أي يعمل على تطويق ما لم يعد في الإمكان تطويقه من الثورة المتنامية، في محاولة إجرامية يائسة للحيلولة دون أن تصل من النموّ والانتشار إلى معقله الرئيسي المحصّن.

هذا ما تجلّى وما يزال يتجلّى في مسلسل جرائم اقتحام ساحات المدن وضواحيها كطرابلس والزاوية، والغارات الجوية على أطراف الأرض المحرّرة لفصلها عن الأرض المنتظر تحريرها والحيلولة دون وصول الثوار فيها إلى مزيد من "القواعد والمخازن" التي كانت تابعة للكيان المسلّح الحاكم.

 

تخبط إعلامي وحرب نفسية خاسرة

أوّل ما خسره الكيان المسلّح بأسلوب العصابات المنظمة تمثل في انهيار ما أسمته قناة الجزيرة "جدار الصمت".. وهو أشبه بما تصنعه العصابات المنظمة من "أسوار الكتمان" حول عملها في الظلام، وليس مجهولا أنّ كثيرا من عمليات الاغتيال كانت انتقامية ممّن يرفع ستارا ما فيكشف عمّا يدور حول الأسوار، ولا تزال هذه العقلية المنحرفة تهيمن على القرار القذافي في مواجهة الإعلام المتطوّر الحديث بأساليب العصابات التي يستحيل أن تحقق نجاحا على هذه "الجبهة" بتلك الأساليب.

لقد فقد كيان القذافي إمكانية "التمويه أو التضليل" إعلاميا على صعيد حقيقة الثورة فلم يعد يملك سوى الإنكار المطلق.. فيتحدّث عن عدم اتخاذ قرار باستخدام السلاح، ووسائل الإعلام تصوّر وتنشر حركة الطائرات والدبابات وصور الضحايا، ويتحدّث عن سقوط مدن ثائرة بين يدي "قوّاته ومرتزقته" ووسائل الإعلام تنقل من قلب تلك المدن نقلا حيا مباشرا سيطرة الشعب الثائر المطلقة عليها، ويتحدّث عن إرهابيين يصنعون الحدث والحدث أكبر من أن تصنعه "جيوش" –وليس منظمات إرهابية- فالثورات لا تصنعها إلا الشعوب.. وكثير ممّا يزعمه الكيان القذافي أو بقاياه يكذبه بنفسه قبل أن تكذبه وسائل الإعلام بعدسات التصوير وأقوال المراسلين والناشطين وشهود العيان، وقد أعلن أكثر من مرة سيطرته على طبرق.. أو الزاوية.. أو أجدابيا.. أو رأس لانوف.. ليعلن بعد فترة وجيزة أنّ قواته تتوجه إليها لاستعادتها، وأنكر مرارا استخدام الطائرات ليعلن بعد ذلك استخدامها لقصف مستودعات الذخيرة.. وللتخويف.. وما شابه ذلك.

لا شكّ في أن الجولات الإعلامية المرافقة للثورة ومحاولة إخمادها كانت في مقدمة الجولات الخاسرة التي خاضها الكيان المسلّح القذافي بجهل مطبق بالأساليب الناجعة –الآن- في ساحة الإعلام، فد بقي أسير أساليبه المتبعة خلال العقود الماضية لسيطرة العصابة على الدولة، وكان لا بد أن يبقى أسيرا لها، إذ لم يعرف سواها من قبل ولا يعرف سواها الآن.

ولعل تصوير ذلك بأنّه جزء من "حرب نفسية" يسري على أي بلد آخر بنظام حكم اعتيادي، استبدادي أو غير استبدادي، ولكن لا يسري على ليبيا، فنفسية الفرد الثائر والنفسية الجماعية للشعب الثائر لا تنفع معها "حرب نفسية" بل على النقيض من ذلك، كما أظهرت ثورة تونس وثورة مصر، وظهر بقوّة أكبر في ثورة الشعب في ليبيا، لأنّ نوعية الاستبداد فيها أخطر وأعمق مفعولا عبر العقود الماضية، فكانت رؤية نور التحرّر ظاهرة للعيان في أفق الثورة، كافية لإيجاد درجة من التصميم والاستعداد لتقديم التضحيات أكبر من إمكانية القضاء عليها بحرب نفسية منظمة.. ناهيك عن تخبّط إعلامي لا يرقى إلى مستوى حرب نفسية بحال من الأحوال.

إلى جانب الورطات المتعددة التي أوقعت العصابة المسلّحة نفسها فيها وهي تستدعي مراسلين أجانب إلى "ساحة المعركة" لتقول إنّه لا توجد "معركة" أصلا.. يمكن التنويه بمثال واحد على تهافت توظيف الإعلام في مواجهة الثورة، إذ لم تستطع التلفزة التابعة للكيان المسلّح أن تعرض صورة واحدة معتبرة عند المتخصصين لمشهد واحد من مشاهد المظاهرات التي زعمت أنّها تؤيّد "نظاما حاكما"، لا يراه أحد من ذوي الخبرة "نظاما".. فكانت عدسة التصوير تلتقط صورها بأسلوب معروف في الإعلام، من "أسفل المشهد"، يمكن أن يجمع عددا محدودا ممّن يطلقون الهتافات –لأنه عدد محدود- ولا تنتقل العدسة إطلاقا إلى موقع للتصوير يظهر "الحشد" من أعلى لأنه لا وجود لذلك الحشد "الجماهيري" المزعوم أصلا.

 

تجفيف المنابع والرؤى الدولية

الخطأ في تقدير مجرى الثورة من جانب المراقبين هو عينه الخطأ الذي سيطر في البداية على تقدير القوى الدولية التي احتضنت كيان القذافي منذ ما عُرف بالانبطاح الأخضر، على صعيد إنهاء برنامج نووي مزعوم، واستخدام الثروة الليبية في تعويضات مالية كبرى ثمنا للصفح الغربي على ما سبق أن ارتكبه من جرائم داخل حدود العالم الغربي.

بعد فترة تردّد لعدة أيام دفعت الخبرة القريبة مع ثورة تونس وثورة مصر صانع القرار الغربي إلى توقع سقوط فوري للكيان القذافي أيضا، فتحوّل تحوّلا سريعا نسبيا بالمقارنة مع مواقفه من الثورتين الأوليين، إلى تبنّي موقف يسعى لتبرئة القوى الدولية مما ارتكبته مرارا وترتكبه على صعيد " احتضان المستبدين".. ولا ريب أن الإجراءات المتخذة على الصعيد المالي تستهدف "تجفيف" إمكانات شراء السلاح وجلب المرتزقة، إلا أنّ صانع القرار الغربي يدرك أنّ هذه الإجراءات لا يمكن أن تؤثر سريعا على مجرى الثورة في ليبيا، ولهذا يبدو الجمع بين التهديد بتدخل عسكري وبين التصريحات الرسمية على "استحالته" أو "صعوبته الشديدة" في الوقت الحاضر، يتأرجح بين مراعاة الرفض الشعبي المطلق لهذا التدخل وعلى امتداد المنطقة العربية والإسلامية شعبيا، وبينالحرص على بقاء احتمال التدخل مفتوحا، إذا توافرت ظروف ملائمة لتنفيذه مع ترجيح تحقيق مكاسب أكثر من الخسائر من خلاله، ولا قيمة هنا للعبة السياسية بصدد مجلس الأمن الدولي، فهو –كالمحكمة الجنائية الدولية- أداة يمكن استخدامها أو الاستغناء عنها على حسب الظروف، أمّا التدخل بحد ذاته فلا يستهدف على الإطلاق سوى محاولة استرجاع بعض المرتكزات للهيمنة الغربية التي بدأت تتهاوى على امتداد المنطقة ما بين البحرين والصحراء الغربية، علاوة على تصدّعها نتيجة المقاومة المباشرة في أفغانستان والعراق وفلسطين وأخواتها.

سيّان كم تطول فترة إسقاط الكيان المسلّح القذافي أو تقصر، لا ينبغي أن تتراجع مواقف الرفض المطلق لأي تدخل غربي/ أو دولي بأي صيغة من الصيغ، فكل تدخل يسبب من الأضرار بدول المنطقة وشعوبها ومن التضحيات على صعيد الشعوب، بأضعافِ أضعافِ ما تقدّمه الشعوب الآن عبر ثوراتها التاريخية من تضحيات جسام، تستدعي الإحساس بأقصى درجات الأسى والألم.. وأقصى درجات الاعتزاز والأمل في وقت واحد.

ولا بد إلى جانب مواقف الرفض أن تتصاعد الضغوط على الأنظمة العربية الأخرى، لتحسم أمرها، فما يجري في "عصر الثورات" يضعها بين خيارين اثنين لا ثالث لهما: إمّا التخلّي عن التبعية للقوى الدولية والانفتاح الكامل على التغيير خضوعا لإرادة الشعوب، أو أن تُرغَم على ذلك من خلال ثورات متتالية سواء كانت بصيغة تونس أو مصر أو ليبيا.. فالنتيجة الأخيرة واحدة، هي انتصار إرادة الشعوب على جميع أشكال الاستبداد والقهر والاستغلال.a

 

إلى متى في ليبيا؟..

الحسم المطلوب في موقف الدول العربية بما يتجاوز الموقف المبدئي الإيجابي الصادر بأسلوب "القاسم المشترك الأعلى" الممكن عن جامعة الدول العربية، لا يحتمل الانتظار طويلا، فالموقف الجديد يعبر عن محاولة الجمع بين التناقضات بين سياسات الأنظمة وواقع ما تواجهه الآن.. وليس عن محاولة التعبير عن إرادة الشعوب بدلا من صانعي القرار.. حاليا.

إن حتمية فرض إرادة الشعوب هي بالذات جوهر التغيير الذي بدأت مسيرته بالفعل، ولم يعد مجرّد آمال تلوح في أفق جيل المستقبل وما يمكن أن يصنع.

وما يسري على امتداد المنطقة العربية (والإسلامية) يسري على ليبيا سواء استوعب الكيان المسلّح الدموي ذلك قبل انهياره أم لم يستوعب.

إنّ ما يثير "القلق" أو "الذهول والألم" في مجرى الأحداث لا يصدر عن تقدير واقعي لتفاصيلها قدر ما يصدر عن توقعات كانت أكبر ممّا يفرضه ذلك التقدير، لانطلاقها من تقدير مجرى الثورتين الشعبيتين في تونس ومصر حتى الآن.

ولا ننتقص من شأن هاتين الثورتين التاريخيتين بكل معنى الكلمة شيئا عندما نقول إنّ ما أنجزه شعب ليبيا خلال أسبوعين –حتى ساعة كتابة هذا السطور- كان أكبر من التوقعات بمختلف المقاييس الموضوعية في مواجهة عصابات منظمة مسلّحة مسيطرة على الدولة بأرضها وشعبها وثرواتها ومفاصل القرار فيها سيطرة كاملة.

لا يقتصر ذلك على حجم التضحيات واستمرار الاستعداد لبذل المزيد في ملحمة توصف "بالأسطورية" عند مقارنتها بالتوقعات التي صنعها واقع العقود الماضية، بل تشمل المقاييس الموضوعية رؤية ما يجري مباشرة في ميادين المواجهة.. من بنغازي حتى طرابلس، ومن ساحات قتال الشعب الأعزل ضدّ الدبابات والطائرات والمصفحات، إلى ساحة المتغيرات السياسية وتشكيلاتها الأولية وقد نشأت من "قلب العدم" الذي صنعته آليات السيطرة من جانب الكيان المسلّح القذافي على امتداد أربعة عقود.

لقد كانت خطى الثورة الشعبية في ليبيا حتى الآن خطى سريعة بالقياس إلى سائر ما يوصف بالثورات الشعبية من قبل، تحريرا للمدن والقرى، وتعزيزا للتواصل الجغرافي والسياسي فيما بينها، وانتزاعا لبعض الأسلحة من أيدي العصابات الإجرامية، وخوضا لمعارك حربية ضارية وتحقيق الانتصارات فيها رغم تفاوت نوعيات الأسلحة، ولا نقول تفاوت موازين القوى فالقوة الشعبية هي الراجحة دوما.

وقد لا تكفي المتابعة عن بعد لتقدير ما تنطوي عليه تحرّكات الثائرين وقياداتهم المتكوّنة من قلب الثورة الشعبية، وتركيزهم على الانتشار التدريجي من شرق البلاد إلى غربها، ومن مدنها إلى مواقع "استراتيجية" فيها، وإحكام الحصار الشعبي وتضييق حلقته على مرتكزات قوة الكيان المسلّح، لا سيما في طرابلس، ممّا يضاعف الضغوط على من يعتمد عليهم من مسلّحين ومنتفعين ومرتزقة، وهي ضغوط ذات مفعول كبير، لا يكاد يمرّ يوم واحد دون تسجيل نتائج له، ليس على صعيد إعلان انضمام المزيد إلى جبهة الثورة فحسب، بل على صعيد ما ينتشر أيضا من أنباء وراء "ستار التعتيم المهترئ" بصدد خلافات داخل الفئات المسلّحة التي ترسلها قيادات جبهة الكيان المسّلح إلى ساحات القتال، فتساهم الخلافات فيها في حسم القتال لصالح الثورة، مرة بعد مرة، وآخرها –في الوقت الحاضر- ما كان في رأس لانوف.

يبدو أن لدى صانعي الثورة وقياداتها "استراتيجية" لتحقيق النصر لا يمكن الجزم بحقيقة معالمها عن بعد، إنّما يمكن استقراء ما يعنيه مفعولها ونتائجها على أرض الواقع، وما زالت إلى الآن تحقق انتصارا تلو انتصار، ممّا تحاول جبهة العصابات المسلّحة التهوين من شأنه أو إنكاره إعلاميا وتخفق، أو التغطية عليه بأساليب من قبيل ما يمكن وصفه بمذبحة الدبابات في الزاوية، ولا تؤدّي هذه التغطية المرفقة بتعاظم حجم التضحيات، إلى "اختراق" في حركة "استراتيجية" النصر من جانب الثوّار، بقدر ما تؤدّي إلى ازدياد التصميم الشعبي على الانتصار واتساع نطاقه.

إنّ كل جولة من الجولات تحسمها الثورة بانتصار موضعي، جغرافي أو نوعي، تضاعف من سرعة مجرى الثورة نفسها، ولئن كانت التوقعات الأولى بانتصار حاسم ونهائي تنطلق من أيام معدودات، وتراجعت تأثّرا بحجم "الإجرام" في مواجهتها، فإن تعاقب الانتصارات على الأرض –رغم الإجرام- يستدعي التأكيد من جديد، أنّ محاولات الكيان القائم على عصابات مسلّحة لتحويل الثورة إلى حرب أهلية أو حرب عصابات مطوّلة، قد أخفقت، وإن بقاء قلعته الإجرامية في "باب العزيزية" هو مسألة أيام وليس أسابيع أو شهورا عديدة.

==========================

من وحى ثورة 25 يناير(2-2)

سيد يوسف

هذى مجموعة ثانية من التأملات مبعثها الخاطر من أحداث تترى أثناء ثورة 25 يناير المصرية والتى لما تحقق أهدافها كاملة بعد، أرجو لها مزيدا من التأمل والمناقشة والحوار.

1/ ليس من رأى كمن سمع كما أنه ليست النائحة كالثكلى ومن رأى استشهاد مصرى أمامه فلا يمكنه أن يخون دم هذا الشهيد فلا تخونوا دم الشهداء فدماءهم أطهر من أن يدنسها جبان يخشى لقمة عيش سوف تتوافر له حتما لاحقا أو يدنسها بلطجى مأجور أو سياسى مرهون بماض لن يعود...لا تخونوا دم الشهداء بالتراجع أو بالتخاذل أو بترك الساحة للأغبياء ومن عاونهم.

2/ قد تطول حالة السكون- الخالى من الحركة اللازمة للحياة- فيموت المرء جوعا أو اضطهادا أو تعذيبا أو غيظا… أما أن يموت عجبا فالعنوان مثير لكنه يكاد يطابق حال الذين يحبون أوطانهم حبا فاعلا لكن تفيض أعينهم من الدمع حزنا ألا يجدوا قيادة تلملم شعثهم وتوحد صفوفهم وترعى مصالحهم لا أن تبيعها بثمن بخس لأعداء الماضى والحاضر والمستقبل ...ألا أيها النوام هبوا ففراغ مصر منكم قد أوقعها فى شر عريض جعل سفلة الناس يسعون لتبوء مناصب حساسة كالرئاسة وهم لما يقتربوا منها…وإن أثمن ما يملكه المرء حياته وإنه لمن الكرامة ألا يهبها لمرتزقة أو طغاة بالصمت أو السكوت على الطغيان.

3/ نكرر إن مصر فى حاجة حقيقية إلى رئيس يتسم بأربع صفات على الأقل: أن يكون ذكيا لا غبيا، وطنيا لا عميلا، قويا لا ضعيفا، محاربا للنفاق لا مرحبا به…ولقد علمنا من استقراء التاريخ ألا حرية بلا ثمن ولا نهضة بلا تضحيات كما لا ورد بلا شوك.

4/ البهائم حين تُلبّى مطالبها من غذاء ووقاية ورعاية وعلاج فقد استكملت احتياجاتها…أما الإنسان حين يفتقد تلبية احتياجاته الأساسية والضرورية…فإن من العبث مطالبته أن يكون إنسانا يحسن التفكير والتحرك الايجابي الفعال…والسؤال:حين لم يتحرك الإنسان –بمجموعه- للحصول على مطالبه واحتياجاته وحين وقف بجهله ضد من يدافعون عنه…ويؤمنون بقيمته…أليس هو المسئول عن وضعه المهين هذا؟!!أياما تكن الإجابة فلقد استبان للفاقهين أن معركة الوعى ضرورية لاستكمال ما بدأه ثوار أطهار أبى السذج إلا أن يشوهوا حقيقتهم الطاهرة.

5/ ما بال الناس يغضبون حيث ينبغى خفض الغضب ويهدؤون حيث لا ينبغى خفض الغضب أمتنا تسرق وأوطاننا تنهب…والصمت مريب …والجهود مبعثرة تبحث عمن يلملمها والقائد غائب …والشعب غافل…والأحداث تترى…ولولا ثقة فى الله لأحاط اليأس بنا من كل جانب لولا أن الأمم لا تموت وأن نهاية الظلم حتمية علمنا ذلك التاريخ.

6/ إن النابغين لا يقبلون إلا بالأحسن، تراهم قادرين على اتخاذ القرارات، يستنهضون أنفسهم من داخلهم لا من عبارات المدح، لا ينضغطون لمدح الآخرين، لا يتقبلون النصح فقط بل يستفيدون منه عملا وتطورا وإبداعا، يعرفون ماذا يريدون فيفسح لهم الخاملون الطريق ليسيروا…وقديما قالوا أنت تنجح بذكائك أو بغباء الآخرين، والنابغون ينجحون بعوامل كثيرة ولا جرم فصناعة الحضارة لا تقوم بغيرهم...وفى هذا إشارة لمن يعى.

7/ تعالوا نعلنها للناس جميعا ولحكامنا خاصة : حرية بلا إمكانيات تعنى أخطاء فادحة، وإمكانيات بلا حرية تعنى خطر داهم وتبلطج شديد الوطأة بل استغلال للجماهير بالرشوة والفساد، وحرية تتساوى أو تقترب من الإمكانيات تعنى أن ذلك بداية طريق النهضة والنمو وإن التراجع عن ذلك لجريمة سوف تودى بنا إلى خسائر جسيمة .

8/ لقد استبان لى أن هناك فئة بشعة من الناس يريدونها عوجا(يبغونها عوجا) يريدون للفساد أن يستمر…لا عجب فتلك بيئتهم التى لا يحيون إلا فيها ولا سيما من الطغاة وأعوانهم وأذنابهم أصحاب البوق ذى الضجيج المسموع …الحق إنهم فى عمى وفى خوف شديد…أريد أن أقول لحُماة الحق لا تخشوا على الألماس من الزجاج …غدا يلفظهم التاريخ ويضعهم فى مزبلته وسلوا عن فلان وفلان وفلان…وما رؤوس الفساد عنا ببعيدة.

9/ من احتكاكى المباشر والوثيق بالناس فى مصر بعد 25 يناير أستطيع أن أؤكد أن استمرار جهاز أمن الدولة والتعذيب فيه كارثة لا على الناس وإنما على السلطات التنفيذية إذ لن يسمح أحد أو يقبل بما كانت عليه الشرطة من قبل 25 يناير إذن فمن الأكرم للسلطات أن تنهى تلغى أو تعيد هيكلة هذا الجهاز بشكل حقيقى لا مزور... ولعلهم يعلمون هذا جيدا.

10/ كثيرون ماتوا إلا أنهم لم يدفنوا بعد ...لكن الله يريد أن يجعل من الطغاة آية للذين من بعدهم علهم يتعظون وقليل ما يتعظون يقول تعالى: "وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ {45} وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ {46} فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ {47} سورة إبراهيم

11/ لم يفهم الأغبياء أن الطوفان قادم، لم يستوعبوا لغرور القوة الزائفة أن الشعوب انطلقت، لا يريدون أن يصدقوا أن هناك روحا جديدة تسرى فى دماء شبابنا عنوانها البحث عن حياة كريمة والدعوة للنظام بالسقوط كاملا ومن معه من المنافقين تمهيدا لمحاكمتهم، لم يستوعب هؤلاء الأغبياء أن أول من (سيبيعهم بثمن بخس) هم الأمريكان والصهاينة لقد استبان لكل ذى عقل أن أعدى أعداء النظام هو الغباء ومن ثم فلا يخش القلقون فإنه ما اجتمع الغباء بحاكم إلا كان هلاكه وضياعه بين يديه ولا عزاء للسفهاء الذين يخاصمون العقل وبينهم وبين الغباء صداقة متينة.

========================

عندما تبيض الديوك

بقلم: كمال هماش

لن نتساءل عن السر الذي يجمع انظمة الاعتدال والتبعية للولايات المتحدة مع انظمة وحركات تعتبر اميركا الشيطان الاكبر،في مواقفها الداعمة لثورات الشعوب في بعض الاقطار العربية ،بينما يقوم هؤلاء بصناعة المجازر ضد من يرفع رأسه في وجه النظام في هذه الاقطار.

كما لا يجوز التساؤل او الاستغراب من قدرة حركة احتجاجية على اسقاط طائرات ،طالما ان جيش الدولة تتم تسميته بميليشيات تواجه قوات الثورة، حيث ان مصطلحات الخطاب التي يصوغها الناطق الرسمي باسم البيت الابض يتم تبنيها من طهران الى تطوان ، ومن الجزيرة الى العربية التي انفصل اسمها عن تعبيراتها منذ زمن،،في غرائبية تجعل من العقيد القذافي وكأنه من يتصدى للولايات المتحدة.

ان التسرع في الحكم والاعتقاد بان هذه التساؤلات ان تمت فانما تصب دفاعا عن القذافي، ليس تهورا فحسب وانما سذاجة وامعانا في التضليل لمن تسول له نفسه بذلك، حيث ان العقيد جزءا اصيلا من منظومة عقداء وامراء تسنمت رقاب العباد في مرحلة ما بعد الاستعمار العسكري التي لا يمكن وصفها بالاستقلال الذي دأب التاريخ المزور على وسمه بذلك.

كما ان التسلح باتهام الدعوة لقراءة ما يجري بانها قراءات تتستند الى نظرية المؤامرة،يعتبر اختزالا للمجموع المعرفي التراكمي الذي يفترض ان النخبة الفلسطينية والعربية اليسارية بالتحديد قد امتلكته سابقا عبر قدرتها على التحليل المادي للتاريخ واسناد الصراع ،على المصفوفة الطبقية في هذا المجتمع او ذاك والتي تؤهل المجتمعات الاوروبية للثورات بقدر ما تؤهل مجتمعات العالم الثالث،.

ان وحشية العولمة وتداعياتها في المجتمعات الاكثر تطورا يوازيها المغالاة في استعباد الشعوب وامتلاك السلطة وليس ممارستها من جانب عائلات وطوائف واحزاب الحكم في الاقطار العربية تحديدة والعالم الثالث عنموما. حيث وصل الامر الى قياتم البرلمان الديمقراطي الفرنسي باقرار رزمة قانون التقاعد بوجود ملايين المتظاهرين في الشوارع في ذات اللحظة،ودونما دعوة خارجية واحدة للحكومة الفرنسية بالتراجع عن اجراءاتها.

اما ان يعتقد البعض بنهاية التاريخ في النموذج الاقتصادي الاجتماعي للدول الرأسمالية لمجرد انها دول مانحة لهذه المؤسسة او ذاك الحزب او تلك السلطة ،فلا شك بان ذلك ضرب من بيع الاوطان بالمفرق ،واختيار اله جديد لعبادته ، واستبدال تقديس الحكام بتقديس الدولة المانحة.

فالقراءة المتأنية لاطروحة صمويل هنتنغتون عام 1992 والتي تتحدث عن صدام الحضارات ،الى جانب ما كتبه نيكسون عام 1982 (نصر بلا حرب)، لم تكون موضوعات تنظيرية انشائية للمتعة الذهنية او ضربا من التوقعات والتحاليل،بقدر ما كانت خططا لرجال هم اما في موقع الحكم المباشر وبالتالي فان رغباتهم خطط، او انهم كانو جزءا من –مستودعات التفكير والتخطيط – لادارة الحكم .

 وحاضر اليوم هو مستقبل الامس الذي عالجته هذه الكتابات من منطلق علم المستقبليات، الي انهمك في حينه في البحث عن عدو جديد للامبريالية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، متوصلا الى ضرورة صياغة الخصم قبل نشأته التلقائية والمعتمدة على جذوره ومقدراته الذاتية،وبحيث يمتلك الصلابة والقدرة على مجابهة قصة –أمركة العالم- وسيادة الحضارة الغربية،في سياق التحول في مرجعيات الصراع من الايدولوجيات الى الثقافات.

ان تصوير الشرارة التي اطلقت حركات احتجاجية في تونس ومصر بانها بحثا عن الديمقراطية فحسب، يرد عليه الشهيد بوعزيزي الذي تقبل ان يكون من الطبقة المسحوق بعمله كبائع متجول رغم تاهيله الجامعي ،وذلك من منطلق-امشي الحيط وقول يا رب الستيرة -،ولكنه اكتشف في اول معاكسة له مع النظام وممثليه الفاسدين، بأن هذا الرضى المقنع غير كاف للتعبير عن العبودية للنظام ،فكان ما كان.

ان ثورة الكرامة الانسانية شيئ اراد به بوعزيزي ان يؤكد حقه في تعبه اليومي ودونما تقديم رشوة تحوله الى أجير عند شرطي او مسؤول حكومي، بينما الديمقراطية الليبرالية الباريسية لم تستطع التنصل من دورها كخادم للرأسمالية الحاكمة والمتغولة في فرنسا ، فخدمت هذه الديمقراطية متطلبات الرأسماليين بتمديد فترة العبودية المأجورة من جهة ،لتكشر عن عنصريتها تجاه الاخر باعتبار القانون موجها اصلا لتقليص فرص العمل التي تحفز المهاجرين للذهاب الى فرنسا.

ان للشعوب العربية وغيرها حقا بالثورة ضد كل اشكال الحط والاهانة للكرامة الانسانية التي تبتدئ من غياب العدالة الاجتماعية التي ترتكز الى عدالة توزيع الثروة ، في بلدان تملكها عائلات وقبائل قرابية او رأسمالية، لتعيد هذه الثورات ارساء ضمانات المساواة في المجتمع .

ولكن الذهاب بشعارات هذه الثورات نحو خدمة سياسات الليبرالية الجديدة ،لن يغير من واقع هذه المجتمعات سوى انها ستمتلك حرية الجوع والفقر ، التي ستضع الارواح المتمردة والرافضة بين خياري الجريمة المتفشية في الغرب، او الاستمرار في انتاج فائض القيمة لزيادة نضارة الوجه البشع للعولمة الاقتصادية.

وقد يكون محقا من يقول بان سيطرة النزعة الاقتصادوية على التحليل تخرجه من مسار الموضوعية ، ارتباطا بالجدل الاجتماعي السياسي الثقافي، ولكن الفهم ان البنى الاجتماعية والسياسية التي ترتكز اليها النظم السياسية في الاقطار العربية عموما ،انما تحمل مورثات اسيادها الاستعماريين التطورية بما يبقيها ضمن حيز السيطرة والتبعية.

ان اخطر حادثة مر بها الوطن العربي في الاشهر الاخيرة ،لم تكن ثورة تونس الخضراء ولا انتفاضة ميدان التحرير ،وانما تقسيم السودان بقرار سيادي اسلامي ثوري،وفق الاتجاه الرئيس للسياسات الغربية، والتي تجاهلتها وسائل الاعلام العربية الهامة وهمشتها لصالح ،دعم هذه الوسائل الديمقراطية جدا للمطالب الديمقراطية في مصر وتونس كما اسمتها.

كما ان ما سبق ذلك من حادثة الانقسام في فلسطين تصبح اكثر قابلية للتفسير مع تشابه السيرورة السياسية والتفصيلية ،بدءا من الحديث عن محاربة الفساد ووصولا الى نهب مقرات السلطات او احراقها ، وبدعم ذات الوسائل الاعلامية،وعجز الانظمة المهيمنة على الشأن الفلسطيني عن فعل شيئ للحفاظ على وحدة الجغرافيا السياسية الفلسطينية،... ولا يزال البعض يعتقد بأن التفكيكية منهجا ادبيا من تداعيات العولمة،ولا يمتد الى الجغرافيا والساسة وحتى القيم.

 ولعل رؤية الاشعاع الايجابي في ثورات الشعوب المطالبة بصيانة كرامتها وحقوقها الاساسية في العيش الحر الكريم، لا يجب ان نراها بعين بعض الساسة التابعين او المثقفين الذين اقتنعوا بان بوابة المجد تفتح عبر توصية لملحق اميركي او بريطاني يرى فيه تابعا جيدا، فيستحق بذلك منصبا مهما في امارة العبيد ، او منحة لمؤسسته الخاوية روحيا وثقافيا ،باعتبار ان ارتفاع سعر البيض يجعل الديوك تبيض.

انما يجب رؤية هذه الثورات كبوابة نحو تكاملها عربيا من خلال انخراط القوى الممارسة للكفاح الاجتماعي والتي لا زال بعض جمرها تحت الرماد، والقادرة على تنظيم وبرمجة معطيات هذه الثورات بحكمة لا يمتلكها الفيسبوك ، لتعيد ثروات الشعوب لها وتحقق بناءا حضاريا مناهضا لوحشية الرأسمالية.

ان تهافت الكثير من الساسة والكتاب وبعض من يسمون انفسهم بالمفكرين القوميين ،وعبر تنظيرهم للديمقراطية الليبرالية التابعة والمدعومة أميركيا ، بعد ان كانوا ديوكا في معاداتها ،انما يتحولون لديوك تبيض سعيا لبيع بيضهم المشوه لمعبد روما.

=============================

ما أعظمه زمن الثورات

زاهر الزبيدي

zzubaidi@gmail.com

منذ زمان كنا نقرأ في كتب التأريخ عن الثورات العربية التي ألحقت الهزيمة بالأستعمار البريطاني والفرنسي في مشارق ومغارب الوطن العربي فثورات شهر تموز / يوليو منذ خمسينات القرن الماضي كان لها الأثر الكبير في نفوسنا على الرغم من أننا لم نكن قادرين حينها على تخيل معنى الثورة بعقولنا الصغيرة لكوننا لم نعش تلك الثورات ولم تشفع لنا الأفلام السينمائية الكثيرة التي أنتجت عنها في أثراء أفكارنا بشيء منها .

واليوم وبعد خمسة عقود وأكثر على تلك الثورات .. منحنا الله والشعب الثائر الفرصة لنعيش جميعاً تلك اللحظات التأريخية من حياة أمة العرب ، وعلى الطبيعة نرى الثورات ونرى كيف تتساقط تلك الرؤوس الكبيرة التي آلت الى الخواء بعدما أتحفت شعوبها بتلك الخطب المنمقة التي طالما ألتف حولها أبناء الشعب العربي الذي جُبل على حب الزعماء وصناعتهم على درجة كبيرة من الدقة لكونهم يعمرون لعقود من الزمن مستغلين تخلفنا كشعوب وعدم تمكننا من لَم شتات أنفسنا إلا بعدما أستطال بنا الألم من قسوة الظروف المعاشية وإحساسنا بأن هناك من يستغل خنوعنا وخوفنا من المجهول الذي دأبت حكومتنا على أخافتنا منه فتضرب فيه حبنا لعوائلنا وضعفنا أمام ضياع وشتات الوطن فنؤجل ثوراتنا على أنظمتنا المتغطرسة إلى الجيل الذي يلينا ، فتتكاثر علينا سنين بؤسنا وشقائنا وهاهي تنفلت تلك السنين عن باقة من الثورات التي طافت بمغرب الوطن وأسقطت ما أسقطت وستسقط الباقين في مشرقه..

استعدوا أنه زمن الثورات ولنقف له إجلالاً وأحتراماً ولنصور بدقه أحداثه ومعانيها السامية ولنمنح أبنائنا فرصة أن يراقبوا و يتعلموا معنى الثورة ويحترفوها بأرقى مواصفاتها وليكونوا ثوريين على كل طاغية وفي كل عصر وليتعلموا كيف يثوروا على أنفسهم أولاً كي يجنبوا وطنهم السقوط في حبائل القادة بدكتاتورياتهم التي تغلفها الوطنية المشبوهة . فما من شعب متخلف إلا وكان على رأسهم طاغية ديكتاتوري.

لنمنح ابناءنا تلك الفرصة ، الشرارة ، التي الهبت فينا قابلية تصور المسيرة الحقيقية لتأريخ امة العرب .. نعم لقد احسنت تلك الثورات في إيجاد عملية تصحيح تأريخي لمسيرة أمة كادت تسقط الى الدرك الأسفل من التأريخ بأزامتها المتنوعة وفي حبائل التخلف التي نصبت لها وشعب كاد التخلف أن يطيح به ويبقية في دائرته على الرغم مما يمتلكه من عقول ثورية جبارة لشباب واعد واع لمستقبل أوطانهم .

انه زمن الثورات .. ما أعظمه من زمن .. يوم صحت الأمة من غفلتها وأستفاقت وأنتابتها رجفت أطاحت بعروش أولئك الذين ضنوا أنهم لم ولن يفارقوها ..

===========================

هُزِّي صَمْتَ النَّخْل

صقر أبوعيدة

مِنَ الْمَيدَانِ تَنْطِقُ نَشْوَةُ الأُمِّ الّتي غَرَسَتْ شُمُوعَ بَرِيقْ

عَلَى كَفِّ الصَّبَاحِ لِتَحْكِيَ الْقَبَسَ الْمُوَشَّحَ بِالْتَرَاتِيلِ الّتي تُتْلَى

وَيَلْقَفُهَا فُؤَادُ صَدِيقْ

وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ تَفْتَحُ الأَبْوَابَ..

وَالْعُصْفُورُ يَنْتَظِرُ النَّسِيمَ عَلى رَمَادِ حَرِيقْ

فَجَاشَتْ مَوجَةُ الْبَحْرِ الّذِي رَفَضَ التِّلالَ..

وَحَلَّقَتْ أَنْفَاسُهُ لِتُصَلِّيَ الْفَجْرَ الْمُحَلَّى بِالْجَمَاعَةِ وَافْتِرَاشِ طَرِيقْ

فَقُومِي يَابْنَةَ الْقُرْآنِ نَنْهَلُ آيةً فَالْكَرْبُ جَدُّ لَصِيقْ

وَهُزِّي نَخْلَةَ الْظَمْآنِ فَالْعِذْقُ اسْتَوَى وَدَنَا

فَحِيكِي وَاجْمَعِي الأَكْفَانَ مَا تَهْفُو لَهُ الشُّهَدَا

فَلازَالَتْ صُنُوجُ الشَّعْبِ تَمْلأُ صَمْتَهَا غَضَبَا

وَيَافَا تَجْمَعُ الأَخْبَارَ مِنْ فَرِحِ الطُّيُورِ وَتُشْهِرُ الْفَرَحَا

وَتَبْحَثُ عَنْ عَبَاءَةِ دِفْئِهَا في مِصْرَ عُنْوَانَا

أَلا تَهْدِينَهَا دَرْباً لِقُدْسٍ أَرْدَفَتْ في عَينِهَا الْعَتَبَا

تُنَادِي حُبَّهَا وَالْبُعْدُ جَفَّفَ رِيقَهَا وَالصَّوتُ كَادَ يَضِيقْ

فَقَدْ يَئِسَتْ مِنَ الصُّحُفِ الّتي رَسَمَتْ رِيَاضَ سَرَابْ

وَتَشْقَى مِنْ عَنَاوِينِ الْجَرَائِدِ مَا تَثُورُ بِها قُرُوحُ عَذَابْ

وَلَمْ يَعْبَأْ بِها مَنْ أَدْمَنَ الْكُرْسِيَّ وَانْبَهَرَتْ جَوَانِحُهُ فَهَامَ غَرِيقْ

وقُسْوَةُ عَارِهِ الْتَصَقَتْ عَلَى خَدَّيهِ فَارْتَجَفُوا لَهُ طَرَبَا

وَقَدْ غَصَبَ الْحَرَائِرَ تَشْتَكِي وَجَعَ الْبُعُولِ تَلُوكُ في أَحْشَائِهَا الْغَضَبَا

فَلا تَهِنِي وَلا تَأْسَي وَهُزِّي نَخْلَ صَمْتِكِ رُبَّمَا سَمَقَا

فَإِنَّ الْوَقْتَ يَقْتُلُهُمْ لِمَا نَقَشُوا عَلى تَارِيخِهِمْ كَذِبَا

وَظَنُّوا عَرْشَهَمْ يَطْفُو عَلى بَحْرٍ وَكَنْزَ اللهِ مَكْتُوباً لَهُمْ أَبَدَا

أَمِ اطَّلَعُوا عَلى الْغَيبِ الْبَعِيدِ فَحَرَّفُوا الْكُتُبَا

وَمَرَّغَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَاً عَلَى الصُّلْبَانِ وَانْجَرَفُوا

هِيَ الْفَوضَى تُدَاوِلُهُا وُحُوشُ الأَرْضِ َتَنْهَشُهَا

وَكَرْمَلُنَا يَطُلُّ عَلى شَوَاطِئِهِ يَهِيجُ جَوَى

فَهَلاّ تَبْسُطِينَ يَدَا

لِمَنْ قَضَمَ الصُّخُورَ إلى سَبِيلِ الْحَقِّ يَقْطَعُ مِنْ سَنَامِ النَّومِ فَرْشَاً لِلْحَيَارَى..

يَجْتَبِي مِنْ عَظْمِهِ سُرَرَا

وَيَصْرُخُ بَحْرُهُ شَرَرَا

أَلَمْ يَدْرُوا

بِأَنَّ اللهَ لَمْ يُخْلِفْ لَهُ وَعْدَا

فَهَلاّ تَبْسُطِينَ يَدَا

فَقَدْ رَفَضَ الْحِصَانُ لِجَامَهُ الْمَشْبُوكَ في خُشُبٍ مُسَنَّدَةٍ

وَهَمَّ بِمَنْ يَعُومُ عَلى دِمَاءٍ يُسْرِجُ الْهَمَلا

تَقُولِينَ اكْتُمُوا صَوتَ الرِّيَاحِ وَعَانِقُوا أَلَمَ الْعَوَاصِمِ تَأْتِكُمْ ذُلّلا

فَإِنَّ الشَّمْسَ لا تَأْتِي عَلى عَجَلٍ

إِذَا مَا نَجْمُ غُرْبَتِنَا يَجُبُّ اللَّيلَ مُشْتَعِلا

===========================

ثورة الشعب العربي وآفاقها

سوسن البرغوتي

لم يشهد التاريخ ثورات شعبية كما يحدث الآن في وطننا العربي، وقد تخطت جميعها حاجز الرعب من أنظمة فاشية، اتضح أنها قائمة على عصابات أمنية تحميها من خلال الفتك بالشعب، ومدعومة بقانون الطوارئ.

وها هي الآن تلك العصابات الآفلة، تشن هجماتها من حمأة الموت المحتوم لها، وهي أشبه بمن يرقصون رقصة الموت، لينشروا رائحة الدم، كسياسة معتمدة لديهم منذ نشأة نظام العصابات، إذ لا وجود لنظام دولة يحترم حقوق المواطنين وتعزيز كرامتهم، وحريتهم ويعمل على التنمية والتطوير.. كما صعدت عصابات مالية من رحم ذاك النظام، على حساب تطوير الاقتصاد وبناء دولة مستقلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ناهيك عن التحالف مع الكيان الصهيوني، لتقويض حق الشعب الفلسطيني باسترجاع أرضه، وطرد الغزاة الصهاينة.

 

رغم أن المخاض عسيراً في ليبيا، إلا أن الثورة بليبيا اتخذت منحى مقاومة الاحتلال الداخلي المتمثل بالمتشبثين بكل الامتيازات على حساب دماء وأشلاء الشعب المتناثرة، فالقذافي يرهن الشعب ونفطه، مقابل أمن واستقرار الغرب و"إسرائيل"، حسبما صرح به القذافي مؤخراً. وبذلك الرجل يخوّن سلطته، ويضعها في موقع مشبوه، فقد حرص بالسابق على منع الهجرات إلى أوربا، دون تقديم البديل لتشغيل الهاربين من جحيم البطالة، وها هو اليوم، ينطق بملء فيه، أنه يحمي الدول الإمبريالية والصهيونية في فلسطين المحتلة!.

المشهد في ليبيا اليوم، حدث بتفاصيله بقطاع غزة عام 2006، وطرد التنظيم الأمني المنسق مع العدو، وتطهير القطاع من الخونة ومرتزقة الاحتلال، فما كان إلا أن عُوقب القطاع، وحُوصر أهله، ومن ثم تم الاعتداء عليه، بمشاركة أو تواطؤ وصمت معظم الأنظمة العربية. تلتها ثورة 2008 بلبنان للدفاع عن سلاح المقاومة، وكانت ضد تلك الأجهزة الأمنية، التي تجسست على المقاومة، بهدف القضاء عليها..

وبالمحصلة الثورات بالوطن العربي، هي على مسار الثورتين في القطاع ولبنان، وتعتبر ثورة القساميين أول ثورة عربية في فلسطين، وعلى الرغم من اختلاف ظروف وخصوصيات كل منها، إلا أنها اعتمدت القضاء على الأطراف بداية، للإجهاز على الرأس في محمية رام الله، للتفرغ إلى مواجهة الاحتلال، إلا أنه من الخزي والعار، أن الكثير من العرب وتنظيمات فلسطينية، كالوا التهم وعوقوا مسيرة نجاح ثورة حقيقية ضد الفساد والأمن المصنع على مقاس مصلحة وأمن الاحتلال!.

ومن عبر ودروس الثورة العربية، أن أنظمة الرعب والسرقة، سقطت شرعيتها، وانتهت بفعل الكم الهائل من تجاهل وتجهيل وتهميش الشعب، فانقلب السحر على الساحر، كما أنها لا تتبع قائداً واحداً، فهذا العنصر أيضا أصبح من الماضي، والتشكيلات الوطنية المتعددة فكرياً وسياسياً، لا بد ستفرز قيادات متخصصة وكفؤة للنهوض بالبلد مجدداً.

والإبداعات الثورية الجديدة تبرز على جميع الأصعدة إيجابياً من أجل عملية البناء، وتفتح آفاقاً للمساهمة ببناء صرح دولة يلتقي الجميع حول قاسم واحد، وهو الانتماء والوفاء للوطن.

ونلاحظ أيضاً، تطور الثورة بوعي منقطع النظير، قياساً بالعمر الزمني لها، ومواجهة ما يُحاك لها بالخفاء، والإصرار على ملاحقة ومحاكمة المسؤولين عن كل الجرائم التي ارتكبوها ضد الدولة – أرضاً وشعباً-، بالوثائق والمستندات التي تدين هرم النظام من قاعدته إلى رأسه.

إن رسم السياسة الخارجية لم يحن وقته بعد، ولكن التصريحات المتناثرة هنا وهناك توضح التوجه الوطني القومي، وحين تستقر البلاد، ستكون خارطة العلاقات الخارجية، جاهزة للتنفيذ، وحتماً ستكون أهمية العلاقات العربية- العربية على سدة أولوياتها، وسيتم التعامل مع اتفاقية كامب- ديفيد المبرمة بين الكيان الصهيوني ومصر، من منظور مختلف كلية. وكذلك في البلاد العربية الأخرى التي شهدت ولادة أجمل فجر عربي جديد، والتي ستشهد تغييراً جوهرياً، سواء بثورة شاملة أو إصلاح شامل لكل مؤسسات الدولة. وستنشط مؤسسات المجتمع المدني، بحيث ترتقي إلى مستوى مسؤولية حماية البلد من أي مندسين أو مخترقين لوحدة الشعب، وستنبذ كل حاملي الأجندات الغربية، ومنها تلك المنظمات الدولية المدنية التي تدور في فلكها.. لذا فبناء مؤسسات وطنية خالصة، إحدى منجزات الثورة.

 

وبذات الوقت شعوب العالم بأسره يراقب ويتابع إنجازات الثورة على مدى ساحة وطننا العربي، وقياس خطوات قد تتسارع وقد تتباطأ حسب قوة ومكائد فلول النظام، حتى يتم التخلص منه بالكامل. مما يعني أنها ستكون المصدر الأول لتغيير الكثير من أنظمة تشابه الأنظمة العربية الساقطة، أو ستكون مختلفة جذرياً بأطروحاتها وتوجهاتها. فهل آن أوان ل(الآفتار) أن يصحو وينتفض.. نعم آفتار، السكان الأصليون لأمريكا، وليس كما فهم الكثيرون من العرب، أن الشريط السينمائي موجه لنا، فلا نحن بدائيون ولسنا شعباً وثنياً. إنما يحاكي ويلامس وجع الهنود الحمر بأمريكا، والفيلة بالفيلم كناية عن الهنود، والمشاهد تدل على أرض ثرية وغنية بالأساطير والثروات الطبيعية وكنوز ذهبية حمراء وصفراء، كذلك اللون الأزرق لتلك المخلوقات، إنما يدل على الصدق وعمق الانتماء، الذي ذهب ضحية مجازر الغزاة الغربيين عدد منهم يفوق المائة مليون إنسان.

 

الثورة بأمريكا، لن تكون من منطلق عقدة السوبرمان، ولا تأنيب الضمير، وإنما لإعطاء الحق إلى أصحابه، خاصة أن كل ما قامت على أساسه الولايات المتحدة الأمريكية، ينهار.. فلا سوق حرة ولا قبول للتعددية والاقتصاد متهاوٍ والملايين مشردون بلا مأوى، والبطالة بازدياد، والضرائب لدعم أمن "إسرائيل" ترهق الشعب الأمريكي، ولا توجد حرية حقيقية، إلا لمن يدعم السياسة الاستعمارية لأمريكا، التي سئم منها الشعب، وبدا بأعين الشعوب أنه قاتل مجرم، لا يأبه لدماء وحقوق الإنسان، بقدر ما يهمه جيبه لا غير. وبما أن هذا الجيب أصبح فارغاً، فلا شيء يدعو الشعب للصمت من مؤسسات وأجهزة أمنية تقبض على أنفاسه، وأخرى تفرغ خزانة الدولة على مراحل، لتضعها بجيوب بنوك ومؤسسات تسيطر عليها فئة معظمها من اليهود.. وهذا لا يعني أنهم يرفضون قوة دولتهم، إنما مع ظهور قوى وتكتلات سياسية واقتصادية بالعالم سينهي عالم هيمنة القطب الأوحد، وستقر إدارتهم بالتعددية العالمية، إذعاناً لثورتهم ضد استغلال وجشع واستباحة دماء وأراضي الشعوب للنظام القائم..

القادمون قادمون، يشتركون بأجمل وأهم عامل ينقذ العالم من الفناء، من أجل الإنسانية جمعاء، وبإيمان المخلصين لعذابات البشر من همجية القوة الاستعمارية الاستبدادية الجشعة، ورفض الديكتاتورية مهما كانت وسائلها أو شعاراتها الزائفة، أليس ديكتاتورية النظام الأميركي، تتجسد بإلغاء حقوق الشعوب وقتلها واستعبادها، والتحكم بثرواتها، واعتماد القتل وتقييد الحريات، منهجاً وسلوكاً؟!

العالم كله ينتظر نجاح الثورة العربية، وحصد إنجازاتها، حتى يأتي يوم ثورة الشعب الأمريكي، لتغير وجه العالم القبيح، بفعل آلة عسكرية لم يجنوا من جنون قوات غازية، إلا المزيد من الكره والاحتقار لماهية البشر، المحب للكرامة والحرية والاستقلال.

 

لا يظنن أحد أن العرب يعيشون على كوكب آخر أو بمعزل عن العالم، وقد أضرت وآذت الهيمنة الأمريكية والعولمة "المتأمركة" وطننا العربي، بزراعة هؤلاء العصابات الأمنية والساقطين ثقافياً، سياسياً، اقتصادياً، وحتى على مستوى تدجين وتخريب بعض عناصر وقيادات الجيش، فضلاً عن احتلال العراق ومشاركة ودعم الكيان الصهيوني بفلسطين، لقتل الشعب وطرده مما تبقى من أرضه، وإشاعة الفتن الطائفية والانفصالية.. ولكن الأمور بخواتيمها المثمرة إن شاء الله وبهمة أحرارنا ومقاومينا، وسيحقق العرب استرداد احترام العالم، لأمة لن تموت، وحقوقنا لا تسقط بالتقادم.

 

وستحرك ثورتنا العربية الأحرار بالعالم، لرفض النظام الأخطبوطي الاستعماري بالعالم وإسقاطه، ولهذا يبدو التردد والخوف بادياً على مواقف الإدارة الأمريكية، لأنها تدرك أن موجات البحر العربي العظيم، ستصير طوفاناً بأمريكا، والرهان دائماً على الشعوب الحرة وردة فعلها، التي قد تتأخر، ولكنها قادمة لا محالة، إن استطاع العرب، أن يقدموا أنموذجاً ناجحاً، وأن يتعاملوا مع الشعب الأمريكي بحكمة ودراسة معمقة لسيكولوجيته وظروفه وأزماته المستجدة.

==========================

أمريكا الديمقراطية وازدواجية المعايير

أديب قعوار

بينما ثورات الأمة العربية ضد الحكام العرب المتآمرين مع العدو الصهيوني والقوى الاستعمارية المتحالفة معه، نرى الإدارات الأمريكية المتتابعة تنصاع لأوامر منظمات المراوضة الصهيونية/الأمريكية والصهيونية "الإسرائيلية"، مبررة استعمار ما بقي من فلسطين حتى الآن لم يسرقه المستعمرون الصهاينة!!!ا

 لحد ما نحن لا نلوم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية "الإسرائيلي" أفيغادور ليبرمان المولود في 5 حزيران؟يونيو 1958 في كيشينيف، في الإتحاد السوفيتي (الآن في مولدو فيا) وهاجر من وطنه ليساهم بسرقة وطني أنا، فلسطين، ليعلن، "إن التصويت في مجلس الأمن الدولي يبرهن على أن الأمم المتحدة ما هي إلا ختم للأمة العربية"!!! إذ أن ليبرمان معروف جيداً بأنه صهيوني عنصري بكل معنى الكلمة ومتطرف إلى أبعد الحدود كأي صهيوني عريق، ويريد استعمار كل سنتيمتر مربع لم يستعمر حتى الآن من أرض فلسطين لم يسرق حتى الآن فليبرمان صهيوني حتى نخاع العظم، ولكننا نلوم الرئيس الأمريكي الأسمر، باراك أوباما، الذي يدعي بأن الولايات المتحدة، وبالطبع هو أيضاً، "وسطاء سلام أمينين". في يوم الأحد في 27 كانون ثاني/ يناير2008 خططت كتاباً مفتوحا للسناتور/ المرشح آنذاك لمركز رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. ونقتطف منها الفقرة التالية، فقط للتذكير بما أردان أن نلفت نظره إليه بالنسبة للمأساة الفلسطينية، وكان ذلك قبل فترة طويلة نسبياً من الزمن من إصدار أوامره إلى مندوبته في مجلس الأمن الدولي، سوزان رايس، لتستعمل حق النقض ضد مشروع القرار العربي بالنسبة لبناء المستعمرات/المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وجاء في رسالتنا المفتوحة له:

"السيد الشيخ أوباما، كيف لشخصية بمثل موقعكم، كفاءتكم وذكائكم أن يفوتكم قراءة، مشاهدة وسمع أخبار كيف احتلت فلسطين وكيف أن الفلسطينيين عوملوا كعبيد إن لم كالحيوانات، أي أنهم عوملوا بشكل أسوأ بكثير من التي عومل بها الأفريقيين الأفارقة الذين استرقوا لقرون طويلة من قبل المستعمرين الأمريكيين؟ هل قرأتم، وسمعتم وشاهدتم كيف عزب الفلسطينيون بشكل لا إنساني على مراكز التفتيش ال 750 ومراكز المرور عبر فلسطين المحتلة وبشكل خاص في الضفة الغربية قي فلسطين؟ هل قرأتم، وسمعتم وشاهدتم همجية الصهاينة الذين لا يزالون المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية العربية التي لم تحتل من قبل قطعان المستعمرين الذين تطلقون عليهم وصف المستوطنين ليبنوا المزيد من المستعمرات الصهيونية لإسكان المزيد من المستعمرين المستوردين من أطراف العالم، وكيف يقوم هؤلاء المستعمرين المتوحشين الذين يدعون بأنهم حولوا الصحاري إلى حدائق باقتلاع المزيد ولمزيد من أشجار الزيتون المعمرة ويبلغ أعمار بعضها مئات السنين، وكيف يجرفون آلاف الدونومات من الأراضي الزراعية، ويدمرون آلاف المباني السكنية والمصانع وأبنية المكاتب ليتركوا ساكنيها ومستعمليها عرضة لبرد الشتاء القارص وشمس الصيف الحارقة؟ ونشك بأنكم تفتقرون للجرأة بأنكم لم تقرؤوا، أو تسمعوا أو تشاهدوا عملية بناء الجدار العنصري الذي يسمونه "الجدار الفاصل" أو "الجدار الأمني" بينما الهدف من بنائه هو سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية العربية التي لم تسرق بعد من أصل ال22% من الأرض العربية الفلسطينية التي لم تحتل عام. 1984 ودعنا أن لا ننسى سرقة منابع المياه العربية وبعد ذلك يقوم المستعمرين الصهاينة بإغراق الحقول العربية المزروعة بالمياه المبتذلة، أي مياه المجاري؟! بينما تقومون بالنظر إلى الخلف بعيدا كي لا تروا الأعمال الإجرامية الصهيونية مدعين بأنكم لم تروا أو تسمعوا أو حتى لم تقرؤوا عن هذه الجرائم بحق الإنسانية وغيرها الكثير، بالإضافة إلى الكثير غيرها التي تقوم بها الدولة العنصرية الصهيونية وبشكل خاص حرمان الفلسطينيين العرب من استعمال حقهم الغير قابل للنقض بالعودة إلى بيوتهم وأرضهم المحتلة والتعويض عليهم حسب قرار هيئة الأمم المتحدة رقم 194"!!!!

مع الأسف ووفق الأوامر الصادرة عن إدارتكم يا سيدي الرئيس، فإن ، سفيرة الولايات المتحدة لدى هيئة الأمم المتحدة، سوزان رايس، كانت السفيرة الوحيد لدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التي ترفع يدها وتقول "قيتو" أي تستعمل "حق" دولتها بنقض مشروع القرار العربي الذي وافق علي الأعضاء الأربعة عشر الباقين. نود أن نلفت نظر السيد باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بان الدول الاستعمارية القديمة وعلى رأسها المملكة المتحدة، التي لم تكن قد احتلت فلسطين عام 1917 التي أعطت اليهود وعد بلفور بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين الوعد أو تصريح بلفور المعروف أيضاً بوعد من لا يملك لمن لا يستحق وذلك بناء على المقولة المزيفة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض تطلق على الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. والذي ينص على ما يلي:

"وزارة الخارجية

"الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917

"عزيزي اللورد روتشيلد،

"يسرني جداً أن أنقل إليكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريحَ التالي المتعاطف مع أماني اليهود الصهاينة، وقد عرض على الوزارة وأقرته.

"إن حكومة صاحب الجلالة ترى بعين العطف تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهَم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الحقوق و الوضع السياسي التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر."

"وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح."

ويجب أن ينتبه السيد أوباما إلى الفقرة التالية من الوعد المشئوم الواردة في نص الوعد: "على أن يُفهَم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين،" أن ما يفهم " للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين" هم عرب فلسطين، إذ أن عرب فلسطين هم مجموع سكان فلسطين آنذاك بما فيهم المسلمين والمسيحيين وحتى اليهود الذين كانوا يعرفون ب"اليهود العرب"، ويجب ألا يفهم من قولنا هذا أننا نوافق بذلك على هذا الوعد فليس لبريطانيا أو غيرها الحق بالتصرف ووعد أي كان بحقوقنا قي أرضنا. عرب فلسطين كانوا يشكلون قبل الغزو الصهيوني لفلسطين 100% من سكانها. المملكة المتحدة التي قدمت هذا الوعد لم تتصرف مثل حليفتها الكبرى، الولايات المتحدة، بنقض مشروع الفرار العربي الذي يمنع إقامة المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. الولايات المتحدة وقفت بجانب الكيان الصهيوني بتاريخ 18 شباط/فبراير موقفها هذا بحرج بنقض مشروع الفرار العربي بالنسبة "المستوطنات الإسرائيلية في الضفة العربية والقدس الشرقية الذي كنا ذكرنا أعلاه أيده باقي أعضاء مجلس الأمن ال 14 الآخرين باستثناء الولايات المتحدة الناقضة الوحيدة لمجموع القرارات التي تدين أعمال الكيان الصهيوني الجرمية بالنسبة لفلسطينية وبقية العرب في مجلس الأمن.

إن الولايات المتحدة التي غزت العراق، الدولة المستقلة كاملة السيادة، مدعية بأنها تريد تحرير ودمقرطة العراق، فإنها عارضت حتى التنبيه الذي ورد حتى قي نص وعد بلفور المذكور أعلاه، أي "على أن يُفهَم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين،" الذي جاء مناقضاً للديمقراطية وحق تقرير المصير للشعوب التي تتشدق وتدعي الدفاع عنها، ولكنها بالعكس تدعم الكيان الصهيوني وتأيد سرقته لأراضي الشعب العربي الفلسطيني واقتلاعه من أرضه ونضاله بدفاعه عن أرضه وعن حقوقه الوطنية والقومية والمدنية والإنسانية في وجه المحتل العنصري الصهيوني.

ذكرت فضائية الجزيرة باللغة الإنجليزية، في 3 آذار 2011 أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، اتصل برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لبحثه على معارضة المشروع العربي المقدم إلى مجلس الأمن الذي يدين بناء المستعمرات الصهيوني. وقد ضغط أوباما بشدة على عباس خلال المحادثة التلفونية بينهما التي استمرت خمسين دقيقة، بشدة حتى أن عباس شعر بأنه مضطر للقبول طلب أوباما وطلب من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (التي، بدون استغراب، وافقت على طلب عباس بأن توافق على طلب أوباما)

=============================

حين تصبح إسرائيل ملاذاً أخيراً للديكتاتور ؟!

عريب الرنتاوي

لم يبق الديكتاتور مركزاً دولياً من دون أن يذكره بخدماته السابقة له، أو يعرض عليه خدمات لاحقة...ذكّر واشنطن بحربه على القاعدة والإرهاب...أعاد تذكيرها بصفقة التعويضات التاريخية الكبرى وكنوز المعلومات عن الشبكات والمنظمات الإرهابية...ولفت انتباه قادتها إلى أنه شخصياً، وعلى نفقة بلاده وشعبه، فكك برنامجه النووي، وقام طائعاً لا مكرهاً، بإيصاله إلى الموانئ الأمريكية، ومن دون أن يطلبأي مقابل من أي نوع، ل"خدمة التوصيل إلى المنازل".

 

ذكّر أوروبا، بأنها حامي أطول حدود برية لها مع أفريقيا...أكثر من ألفي كيلومتر سواحل، تحجب خلفها صحاري وقفار وطرق تهريب "للأفارقة السود"، هكذا قال حرفياً، وإلا لكانت امتلأت بهم مدن القارة العجوز بشوارعها وميادينها...ولأصبحت محطات القطار وأنفاق المترو، أهدافاً "رخوة" للظواهري وإبن لادن.

 

لم يبق أحدٌ ذون وزن يذكر، لم يستعطفه القذافي ويسترحمه، ويذكره بخدماته الجليلة، ويقسم له أغلط الأيمان بأن سيظل على العهد، بل وسيضاعف جهوده ما أمكن...مشدداً على أنه سيصل الليل بالنهار، ساهراً على أمن أوروبا وسلامة "الداخل" الأمريكي...وأنه سيجعل من نفسه كلب حراسة للسلام والاستقرار الدوليين، المهم أن يبقى في السلطة...المهم أن لا يلقى مصير مبارك وابن علي.

 

لكن أحداً لم يصغ لنداءات الاستغاثة والتوسل والتسول التي ما فتئ "عقيد ليبيا ومجنونها" يطلقها...لم تنفع دموعه التي ذرفها "باكياً مثل النساء ملكاً أضاعه، لم يحافظ عليه مثل الرجال"...لم يشتر أحدٌ بضاعته الفاسدة والمتقادمة...لم يأخذ أحدٌ على محمل الجد، تلك الفزّاعات التي لم يتوقف عن التلويح والتهويل بها، صبح مساء.

 

لم يبق سوى إسرائيل...آخر ملاذات "ملك ملوك أفريقيا" و"عميد القادة العرب"...لا بأس من اللجوء إليها والاستنجاد بها، طالما أن الهدف بقاءه في السلطة...الرجل لم يشبع من السلطة بعد...نصف قرن تقريباً لا يكفي...هو يريدها العمر كله، ومن بعده لأبنائه وأحفاده...ولأنها "إرث" محصور في "القذاذفة"، فإن الاستمساك بالسلطة أولوية لا تتقدم عليها، أية أولوية أخرى...حتى وإن كان الثمن: الاستتباع لإسرائيل.

 

أمس، كانت إسرائيل على موعد مع خطابات القذافي الهاذية: أنتم في خطر إن انتصرت القاعدة في ليبيا...أمنكم وسلمكم...أمن المتوسط وسلام المتوسط ...أمن العالم وسلام العالم رهن ببقاء القذافي في السلطة، وانتقالها لأبنائه من بعده...لم تنفع نداءات القذافي لواشنطن، فلجأ إلى إسرائيل علّها تحرّك اللوبي اليهودي في واشنطن، القادر وحده على كبح جماح إدارة أوباما، بل ومن يدري فقد يقلب مواقفها لصالح العقيد وأنجالها المأفونين.

 

القذافي يعرف، كغيره من الحكام الفاسدين والديكتاتوريين، أن الطريق إلى "قلب واشنطن" يمر "بمعدة إسرائيل"، وإسرائيل معدتها كبيرة، بل وكبيرة جداء، وبالكاد تكفي ليبيا، كل ليبيا، لسد رمقها....لكن القذافي الهالك والمتهالك على السلطة، لن يتردد في تقديم بلاده على طبق من نفط ودم، لإسرائيل، شريطة أن تهب هذه لنجدته، وأن تمده بالقشة التي يتعلق بها الغريق، والتي نأمل كما تأملون، وكما يأمل الليبيون جميعاً، أن تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير.

 

وللقذافي في علاقاته مع إسرائيل قصة طويلة، لم تبدأ اليوم أو بعد أن صار الحكم الفعلي لأنجاله، وليس للجانه كما يزعم ويدعي...فالرجل سبق وأن طرق أبواب إسرائيل من بوابة "الحج إلى القدس"...وابنه المأفون، الذي هو سر أبيه بحق، وليس له من اسمه نصيب، سيف الإسلام القذافي، مشهور بعلاقاته مع إسرائيل والإسرائيليين (او بالأحرى الإسرائيلييات)...وهو صاحب سجل حافل في الغرام مع "الفنانات" الناطقات بالعبرية الهابطة.

 

في رحلة "الورع والتقوى" يَمّمَ القذافي وجوه الليبيين شطر القدس الأسيرة، وأفتى بجواز الحج إلى بيت المقدس من مطار بن غوريون...وفي رحلة البحث عن الملذات والموبقات، لم يجد أنجاله غير "مواخير" تل أبيب، يصطادون منها الغواني والقيان والمومسات...ليتوج درب الرذيلة هذا، بعروض مفتوحة عبر الأثير، تذكر بخطاب السادات المشهور الذي عرض فيه زيارة الكنيست، على الهواء مباشرة، ومن على منبر مجلس الشعب المصري...هذا ما فعله القذافي بالأمس، في اجتماع للجنة من لجان السيرك الكبير الذي أحال ليبيا إليه، لكأني بالرجل ينتظر اتصالاً هاتفياً من نتنياهو، يعرض فيه عليه، مساحات واسعة للعمل المشترك.

 

السلطة أولاً...السلطة أخيراً...هذا هو مبتدأ وخبر جملة القذافي...لا خطوط حمراء بعد ذلك أو قبله...حتى شياطين الأرض وأباليسها، يمكن أن يكونوا حلفاء محتملين له، المهم أن يظل القذافي على رأس السلطة، وأن يورثها لأنجاله من بعده.

============================

عن تراجع دور الطبقة الوسطى في العراق

حيدر قاسم الحجامي

تكمن أهمية الطبقة الوسطى في أي مجتمع من كونها أكثر الطبقات الاجتماعية قدرة على بلورة أفكارها وتنظيم مطالبها وصياغة حركتها وفق منظور علمي - اجتماعي موضوعي بعيدا عن الاجتزاء أو الخلط ، وهذا سر قوة الطبقة الوسطى فهي تمثل طموحاً في المنافسة السياسية والاجتماعية وناظماً لصياغة مطالب الطبقة الأدنى منها ورصف حركتها ضمن برامجها .

 

تستمد الطبقة الوسطى هذه الأهمية أيضا من استقلالها واستقرارها النسبي فهي طبقة يعيش إفرادها رخاء ورفاه يوفر مساحة من التطلع نحو المشاركة في حراك المجتمع الفكري والثقافي وقيادة الأنشطة الاجتماعية المتنوعة ، وكذلك كما اشرنا المقوم التعليمي الذي يؤهل إفرادها لطرح أنفسهم كطبقة متخصصة قادرة على القيادة والتنظيم خصوصاً في ظل نظام مدني .

 

إن توسط هذه الطبقة يوفر لها فرصة التعرف الى مشاكل وهموم وتطلعات كلتا الطبقيتين و فهم مسارات واطر التعامل مع كل منهما .

 

 فالطبقة البرجوازية تمتاز دائما بكونها اقرب الى الركود الفكري أو الثقافي وإميل الى الاستغراق في الأنشطة التجارية التي تزيد من إرباحها وتطور إعمالها فهذه الطبقة مؤيدة للسبات السياسي / أو على الأقل تبغض التحولات السياسية السريعة ، لأنها تعتقد إن مصالحها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسكون و تفجر الوضع سيفقدها علاقاتها القائمة وسلطتها التجارية .

 

إذن هي تكاد تكون منفصلة هموم التغير التي تنادي بها الطبقات الأخرى ، ولذا فان الاتكال عليها لن يزيد هذه الطبقة سوى النفوذ والتسلط وسلب الأموال وإشاعة الفساد المالي نظراً لمعاملتها التجارية التي لا تعرف أي قيمة سوى جني الإرباح ، وهذا ليس اتهاماً أو تعميماً قدر ما هو رؤية واقعية للوضع العربي خصوصاً و الوضع العراقي بالتحديد .

 

إما الطبقة الأخرى (العمال ) فهي بعيدة أيضا عن هموم المشاركة السياسية أو الثقافية لانشغالها بمصارعة الحياة ومواجهة متطلباتها فضلاً عن عدم قدرتها من بلورة مطالبها بصورة واقعية وتنظيم حركتها الاجتماعية في إطار تغيري .

 

في العراق يمكن القول بنشوء طبقة وسطى واعدة بعد تشكيل الدولة 1921م وتبلورت خصوصاً بعد عقدين أو أكثر من قيام المملكة العراقية وظهور الأجيال الأولى التي تخرجت من المدارس العراقية النظامية والتحاق المتخرجين الجدد بجهاز الدولة الإداري كموظفين ، مما وفر استقرار اقتصادي بفضل الاستقرار السياسي النسبي أيضا وتطور موارد الدولة العراقية وأيضا استقرار شكل الدولة العراقية آنذاك وميلها نحو الليبرالية و وجود حياة برلمانية حتى مع شكليتها الا إن إنها وفرت مساحة من التنافس والطموح وخصوصاً من جانب الطبقة الوسطى ، كذلك التطور الذي شهدته ُ المؤسسة الأبرز في تاريخ الدولة العراقية "المؤسسة العسكرية " بنظامها وتقاليدها وهموم منتسبيها من الشباب المتعلمين الطامحين للتغيير ، كان هولاء يمثلون طليعة الطبقة الوسطى التي بدأت تبث خطابها الوطني ذا النزعة الاستقلالية .

فضباط الجيش العراقي كانوا يتمتعون بدرجة جيدة من التعليم واكتسابهم المعارف والعلوم الحياتية مما جعلهم يكتسبون أهمية كبيرة ويتمتعون بنفوذ اجتماعي اعتباري ويمارسون دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية والثقافية .

 

ومع ازدياد فرص التعليم في الدولة يزداد الوعي السياسي والثقافي ويحتل المتخرجون مراكز مهمة نظراً لدرجة علومهم ومؤهلاتهم العلمية ، كذلك استطاع أبناء الطبقة الوسطى دخول الجمعيات السياسية والأحزاب ، نظراً لطموحهم الكبير في المشاركة السياسية ، ولم تبقى الأحزاب السياسية حكراً على أبناء الطبقة البرجوازية .

 

وحتى ثورة 14 / تموز الوطنية التي قادها مجموعة من ضباط الجيش العراقي الذين يمكن اعتبارهم من أبناء الطبقة الوسطى التي كانت تنادي بالتغيير وتكللت مطالبها الإصلاحية في الواقع السياسي والاقتصادي ، وما كانت تنجح الثورة لولا أنها أولت الطبقات الاجتماعية المهشمة اهتمامها ومكنت أبناء الطبقة الوسطى من الوصول الى مراكز إدارية متقدمة مما زاد في نجاح حكومة الثورة في تنفيذ برامج إصلاحية واسعة ، وهذا دفع بالطبقة البرجوازية وخصوصاً من ملاكي الأراضي الذين سلبتهم الثورة مصدر ثرواتهم المتراكمة يكنون أيما عداء لهذه الثورة ولقادتها .

 

 

تبرز اشكالية تراجع درر الطبقة الوسطى كواحدة من أهم الإشكاليات الاجتماعية في العراق ، فغياب الطبقة الوسطى بخطابها العقلاني والوطني ساهم في تخلل البناء المجتمعي الذي يتعرض الى معاول هدم تهد بناه وتزلزل ثوابته بسبب التغيرات الدراماتيكية المتواصلة والهزات العنيفة منذ أمد .

 

يشير مختصون إن بوادر تراجع دور الطبقة الوسطى في العراق بدأ مع قيام سلطة 1968 م الانقلابية في تأميم منشات والتوجه الكبير لها في فرض سلطتها المركزية على كل القطاعات ومنها قطاع الصحافة مثلاً ، وبذا فقدت الطبقة الوسطى نفوذها لصالح نفوذ الدولة التي تبنت منهجا يحد من أي دور يمكن إن تمارسه الفئات الاجتماعية ، وكذلك اندماج أكثر فئات المجتمع في العمل الحكومي الرسمي الخاضع لمركزية السلطة وتوجهاتها مما جعلهم غير طامحين في قيادة أي حراك قد تعتبره السلطة نشاطاً معادياً لها .

 

يضاف إليها ظاهرة صعود الطبقات الأخرى بفضل الطفرة النفطية التي شهدها العراق في سبعينات القرن الماضي ، تكلل بقيام الدولة المركزية بعملية تحويل الطبقات العمالية الى موظفين في جهاز الدولة البيروقراطي ، أضف الى ذلك غياب المؤسسات المدنية التي تعد تمظهرا من تمظهرات حراك الطبقة الوسطى وبالتالي فقد المجتمع قدرته على النمو الطبيعي بعيداً عن حاضنة السلطة ويضاف إليها الحرب الطويلة التي شهدها العراق والتي استنزفت قدرته على التنمية البشرية .

 

 ليأتي الحصار الاقتصادي الذي أجهز على بقايا الطبقات الاجتماعية وفكك بنى المجتمع القارة ، لتظهر طبقات جديدة طفيلية نمت كتجار حروب أو حزبيين مغمورين تحولوا الى قادة ذوي نفوذ واسع في الدولة ، مضافاً إليها إضرار الحصار الاقتصادي كانت بالغة في تحطيم طبقتين بالتحديد الطبقة العمالية والطبقة الوسطى التي فقدت امتيازها ، فإما لحقت بالطبقة الأغنى بالمتاجرة الغير مشروعة أو ممارستها الفساد المالي ، أو تراجعت الى الطبقة الأفقر وبالتالي تغيرت بوصلة اهتماماتها وتطلعاتها الى اتجاهات أخرى .

 

إن جريمة الحصار الدولي على العراق كانت اكبر عملية تدمير واستنزاف مرَ بها العراق الحديث ، فالحصار كان استكمالاً في حلقات تفتيت البنى الاجتماعية التي لم تكن تأكدت بفعل الشد السياسي المتواصل ، وانهارت الطبقة التي يمكن تسميتها بالحامل للمشروع التغيري في العراق ، من خلال استشراء حالات الفساد المالي والإداري في المؤسسات العراقية في طليعتها المؤسسة العسكرية التي أصبحت منخورة من الداخل ومفككة بفعل استشراء الفساد الإداري والمالي ودور السلطة في إضعاف هذه المؤسسة من خلال جعل منتسبيها يعيشون حالة العوز المادي الشديد ، في مسعى واضح لتغيير الأخلاقيات العسكرية التي يمكنها ضبط الحراك الاجتماعي في العراق .

 

وامتد الفساد ليشمل المؤسسات التعليمية التي أصبحت محط تندر اجتماعي ولأول مرة توقف منظمة اليونسكو الاعتراف بالشهادة الجامعية العراقية باعتبار المؤسسات الجامعية العراقية مؤسسات فاسدة ، وأصبح التعليم في العراق مهزلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى مما اضطر الكثير من أبناء هذه المؤسسة هجرتها الى الخارج أو النزول في أسواق العمل التجاري كعمال وكسبة ، والباقي اضطرته الظروف القاسية إن يمارس عملية فساد مالي فيما كانت السلطة تغض النظر عما يواجهه التعليم من مشاكل قاهرة .

 

هذه العوامل وغيرها أدت الى تراجع حقيقي وواسع في دور الطبقة الوسطى وتراجعت مشاركتها مما ولد منطقة فراغ أخلاقي وقيمي أثرت في حركة المجتمع وبدلت من خارطة الأولويات في مواجهة التحديات القائمة .

 

 وفي ظل بيئة الفراغ الأمني والسياسي الذي شهده العراق بعد 2003 كانت المافيات هي البديل الموضوعي لغياب الطبقات الاجتماعية الفاعلة التي يمكنها ضبط المجتمع وكبح جماح الحركات التدميرية والتخريبية فيه ، وظهرت في إعقاب الحرب طبقة برجوازية تحولت من قاع المجتمع الى واجهته من حيث امتلاكها المال والنفوذ لتسود المدن موجة الأثرياء الجدد الذين لا يقيمون وزناً لأي اعتبار قيمي أو بعد أخلاقي في ممارسة إعمالهم التجارية ، وكذلك استمرار بعض كبار موظفي الدولة في عمليات الفساد المالي والإداري كممارسة ناتجة عن غياب الردع المطلوب وإحصائيات هيئة النزاهة ستدلنا على الكثير من هذه هولاء الذين يشغلون درجات وظيفة عليا في مؤسسات الدولة بما فيها الوظائف الأمنية .

 

إن عودة المجتمع الى أصول بدائية من حيث التوزيع الغير عادل للثروة بين إفراده ساهم في خلق جماعات أو مافيات تتحكم بإعادة ترتيب الأولويات أو تفرض نفسها بقوة سلطتها المالية على السلطة لكي تحدد أولويات السلطة بما ينسجم مع تطلعاتها المحمومة للربح السريع من خلال الابتزاز أو المضاربة أو عمليات غسيل الأموال الواسعة أو حتى تلك الجماعات التي تحكم قبضتها على قطاع التجارة وتساهم في تهريب العملات الأجنبية تحت غطاء التجارة الحرة وسهولة تبادل النقد كما شار خبير اقتصادي في وقت سابق ، إن تخريب المجتمع مسؤولية السلطة السابقة على وجه التحديد لكن السلطة الحالية تتحمل جزء من هذا التخريب جراء سكوتها أو غضها النظر على عن هذه الجماعات التي تنمو بشكل واسع وتزداد قوة يوماً بعد أخر مما سيصعب مهمة استئصالها خصوصاً وأنها تستفيد من حالة الانقسام الطائفي الذي يعيشه العراق .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ