ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 28/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الطاغوت

انقضى زمن ظننت أنني فهيم، وطويت عمرا لا يُضرب باثنين لبست فيه ثوب الحكيم. كنت أُفَضِّل أن ارحل واهما على أن أُكتَشَفَ جاهلا، وعلى أن تَفْضَحَ ذاتي حقيقتي أمام مرآتي. لكن الطاغوت أصاب مني مقتلا لادّعائي معرفته، فانهار داخلي قبل خارجي وارتعدت جذوري قبل قشوري

 

الطاغوت كلمة درسناها في المدارس الابتدائية وربما في الإعدادية، لا ادري متى بالضبط،...  لكن ما أنا متأكد منه أنني لم افهمها تماما .. كباقي الكلمات مثل فرعون  ومستبد، حينها أُجبرنا على حفظها، بل وامتُحِنّا بمعانيها المحشوة حشوا في الرأس.

 

لاحقا وفي سن الرشد تناظرنا مع الآخرين وتحاججنا في استعمال الأوصاف والمترادفات ، وفي بعض الأحيان كتبناها جزافا مكتفين في تفسيرها بما اكتسبناه من وهم الخبرة في الحياة ومن التثاقف في الكتب والوسائل الأخرى.

 

إلا أنّ لحظة الاعتراف الرهيبة أزفت، وبات ضروريا التصريح أن هناك قاموسا كاملا من الكلمات نتناولها بخفّة وبلا دراية بدلالاتها الحقيقية، وبدون ملامسة ماهية ترجمتها القاسية على ارض الواقع ، بل واكتشفت انه ما كان لديّ أي قدرة على تخيّل أو تصور من هو الطاغوت، ولا كيف يكونه الفرعون ولا كيف هي ملامح المستبد العاتي .

 

وكذلك تنبَّهتُ لسطحية ملامسة أخواتها من المصطلحات مثل حُبّ السلطة والاستئثار بالكرسي والتشبث بالحكم والاستحواذ على ممتلكات الدولة، فانا لم امتلك يوما حريتي ولم أكن يوما مواطنا في دولتي، فكل معارفي ثقافية والتي هي بالنهاية  تجارب الآخرين إن لم تكن من وحي الأيديولوجية. كلُّ هذا لا يساوي تجربة واحدة ولا يغني عن مشاركة فعلية.

 

تماما كصعوبة تفهيم الأجانب بحقيقة الاحتلال وجدار الفصل العنصري والحواجز ثم انقلاب أمورهم وتبدّل مواقفهم من قضيتي عندما يمرّون بتجربة حاجز قلنديا أو حاجز بيت لحم.

 

وقَفَتْ كلمة الطاغوت طيلة الشهر الماضي تغايظني وتناكفني وتتحداني وتهددني في تونس ومصر واليمن، وتدعوني للتعرف عليها، صارحتها بأنها بشعة مخزية لا أريد لقاءها ولا الاجتماع بها ولا معاشرتها. عايرتها بأنني أتلذّذ في أحضان الثورة واشرب كأس النصر في تونس ومصر، وأنني منشغل عنها بتعليق مصابيح الاحتفال في اليمن والبحرين على شجرة الميلاد الجديدة، لا بل أصرَّيْت على أنني اعرفها ولا حاجة لي بتجربتها، واعرفها تماما فانا الذي حذرت زين التونسي ومبارك المصري وعلي اليمني والخليفة البحراني من العبث بها.

 

كيف أحرّض ضدها، وكيف أنتصر في تنحيتها، وكيف نجحت في إبعادهم عن الزنا معها، فأرادت الانتقام .هذه الكلمة وجدت ضالتها في احدهم...... فأغْوَت  أخرقهم معمّر الليبي، الذي انبرى بعنجهيته واستكباره متحديا المشاعر والضمائر ظانا انه الخارق المتحول، والمستثنى المقدس، والمتعالي  المعصوم، والمقتدر المالك، والواهب للحياة المسموح له بفضّ بكارة هذه الكلمة المحرمة "الطاغوت".

 

كنت أُفضِّل أن لا اكتسب خبرات الشعور والأحاسيس من المشاهدة والحضور التي أصرّ هو على أن يعلمني إيّاها، وكأنه يسائلني هل حقا تعرفها، هل حقا شهدتها وهل مرّة حبست أنفاسك معها، هل دق قلبك لها وهل غضبت عليها وهل تعاطفت مع ضحيتها، هو أراد أن يمتحننا في بنغازي والزاوية وطرابلس.

 

 هو لا يدري أنه بقذفه شعبه نارا قد شبّت في قلوبنا،

 وهو لا يعلم انه بحرقه المدينة قد بخّر الدمع من عيوننا،

وانه برصاص المرتزقة قد نخر صدورنا،

 وانه بقصفه الثوار قد فجّر أكبادنا،

وبنفطه قد غلى الدم في عروقنا ،

وبقنابله افرغ الهواء من رئاتنا،

وانه بطائراته فتَّت دماغنا.

 

لقد فتح أبواب جهنم على وعينا. نشّف ريقنا. نغّص عيشنا. نزع حلاوة النصر في مصرنا. افسد علينا الصبابة في تونسنا.

هو لا يدري أننا ذرفنا الدمع في تونس احتفالا، أما هنا فنذرفه رحمة،

 وأننا سكبناه في مصر نصرا لكن هنا نصبّه نهرا وقهرا،

 هناك خرجنا للشوارع ابتهاجا أما عنده فنخرج احتجاجا،

 في مصر وتونس رقصنا رقصة العروس أما هنا فنرقص رقصة المذبوح،

 آآآآآآآه عليك يا ليبيا.

 

لكنه لا يدري أيضا أننا عرفنا طريق الإرادة الشعبية،

وهو لا يدري اننا تعوّدنا الإطاحة بالطاغية،

 وأننا ازددنا عشقا للحرية،

وأننا على موعد معكِ يا ليبيا،

 فنحن بانتظارك يا أبية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ