ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

من أساليب التربية في القرآن الكريم

التأكيد

الدكتور عثمان قدري مكانسي

الأصل في الحديث أن يكون ابتدائياً (( ليس فيه تأكيد )) ، لافتراض أن يكون المتحدث صادقاً ، والسامع سليم الصدر لا يشك في القاتل وصدقه ، فإن شك صار على المتحدث لزاماً أن يكون يكون كلامه طلبيّاً (( مؤكداً )) وكلما كان الشك أكبر ، كان التأكيد أكثر .

وللتأكيد في القرآن الكريم طرق كثيرة ، نراها في كل صفحة من صفحاته المشرقة .

ولا أكاد أبالغ إذا قلت إنك تراها في كل آية من آياته الشريفة بأساليب متعددة منها :

1ـ القسم : ولله سبحانه وتعالى أن يقسم بما شاء لأنه الخالق لها ، المتصرف فيها ، وليس لنا إلا أن نقسم بالله سبحانه فقط ، تعظيماً له ، واعترافاً بألوهيّته .

أ فقد أقسم بالزمن : (( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) ))(1) .

(( وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) ))(2) وغير ذلك .

ب وأقسم بسمائه وكواكبه ونجومه : (( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) ))(3) .

(( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) ))(4) .

(( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) ))(5) .

وأقسم بملائكته : (( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) ))(6) .

وأقسم بالرياح : (( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) ))(7) .

 وأقسم برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ

يَعْمَهُونَ (72) ))(8) .

وأقسم سبحانه بأمور كثيرة ، وليس هنا مجال للحصر إلا أنه حين أقسم (( حكاية )) على لسان الإنسان أقسم بالله فقال : (( تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ))(9) .

2 ـ المبالغة في التصوير :

أ - كقوله تعالى في تقريب التصوّر ليثبت في أذهان الإنسان : (( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) ))(10) .

 وقوله في الفكرة نفسها : (( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) ))(11) .

ب- وكقوله تعالى ينفي دخول الكفار الجنّة مطلقاً :

(( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ

وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ

وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) ))(12) .

وهل يدخل الجمل بحجمه الضخم في ثقبِ الإبرة ؟! هذا مستحيل . . وكقوله سبحانه ينفي نجاتهم من العذاب يوم القيامة :

(( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) ))(13) .

وهذا مستحيل أيضاً فليس المقصود من الآية إلا الذهب ، فهل يملك الإنسان بحجم الكرة

ذهباً ؟!! وقل أيَّ شيء مهما كان رخيصاً :

(( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أ

ولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) ))(14) نعوذ بالله من مصيرهم .

3 - تعزيز الموقف بالإحالة إلى طرف ثالث : قال تعالى :

(( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ

 لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) ))(15) .

ولكن َّ الرسول عليه الصلاة والسلام أول المؤمنين بما أنزله الله عليه لا يسأل أحداً إلا الله ، لكنَّ هذه الآية نزلت على الفَرَض والتمثيل ، وقال العلماء : الخطاب للنبي والمراد غيره . وذلك لدفع الشك عن قصص القرآن .

وقال تعالى : (( وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) ))(16) .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" والله لا أسأل . . . صدق الله ، وكذب اليهود ."

وكقوله سبحانه وتعالى على لسان أبناء يعقوب عليه السلام ، يؤكدون أقوالهم وينزعون الشك من نفس أبيهم ويدللون على صدقهم :

(( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) ))(17) .

4 - أسلوب الحصر : كقوله تعالى : (( وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ))(18) ،

 وقوله : (( إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ))(19) .

 وقوله : (( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ))(20) .

 ففي هذه الأمثلة جاء التأكيد بالنفي والاستثناء ، نفى كل صفة إلا واحدة ، كلَّ عمل إلا

واحداً .

 5 ـ أسلوب القصر : وقد يكون :

أ - باستعمال إنما :

 (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ))(21)

 (( قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) ))(22) .

ففي الآية الأولى أثبت بشريّة رسول الله صلى الله عليه وسلم كسائر الناس إلا أنه يوحى إليه ، ولا يوحى إليهم ، فهو بذلك رسول اللهِ إليهم .

وفي الآية الثانية سألوه عن موعد الساعة ، فقصر العلم بها على الله سبحانه وتعالى ، وقصَر على نفسه الرسالة .

ب - بتقديم ما حقه التأخير ، وتأخير ما حقّه التقديم ، كقوله تعالى : (( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))(23) ، وقوله سبحانه : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ))(24).

 ففي الآية الأولى أكد أن التوكل لا يكون إلا على الله ، وفي الآية الثانية قصر العبودية على الله والاستعانة عليه .

6 ـ التكرار : سمة ظاهرة في القرآن ، كما بيّنا ذلك حين أفردنا له عنواناً خاصاً بل التكرار من أبرز الأساليب في القرآن ، من أمثلته قوله تعالى :

(( سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ))(25) .

((سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا

الْمُؤْمِنِينَ (111) ))(26) .

(( سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) ))(27) .

(( سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) ))(28) .

ثم أكد القرآن الكريم في هذه السورة ((الصافات)) أنهم مرسلون فقال : (( وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) ))(29) .

ومن أمثلة التكرار قوله تعالى : (( فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ . . . )) (( أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ . . . )) في قصة ذي القرنين . . .

 وسنأتي بأمثلة كثيرة إن شاء الله في باب التكرار .

7 - التأكيد بالحروف : وحروف التوكيد عديدة منها : إنّ ، أنّ ، لام التوكيد ، قد ، نون التوكيد .

فمن الأمثلة قوله تعالى [ إنَّ واللام ] :

(( وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) ))(30) .

ومن أمثلة التوكيد [ باللام ونون التوكيد ] قوله تعالى :

(( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) ))(31) .

ومن أمثلة التوكيد [ بقد ] قوله تعالى : (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) ))(32) .

(( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ))(33) .

8 ـ تقديم ما حقه التأخير وتأخير ما حقه التقديم وغير ذلك من أدوات التوكيد :

قال الله تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ))(34)

ما أشدَّ التأكيد في هذه الآية وما أسعد المسلمين به ؟! إن فيها أحد عشر توكيداً في سبع كلمات على حفظ هذا الدين العظيم ومَنْ الذي يحفظه ؟ إنه الله تعالى وأعظم به حافظاً .

أ - الأول والثاني : إنّا (إنَّ ونا ضمير العظمة) .

ب - الثالث : نحن (ضمير العظمة) .

ج - الرابع والخامس : نزّلنا (تضعيف الفعل ونا ضمير العظمة) .

د - السادس : الذكر (ال العهدية) .

ه - السابع والثامن : إنا (إن ونا ضمير العظمة) .

و - التاسع : له (تقديم ما حقه التأخير) .

ز - العاشر والحادي عشر : لحافظون (لام التوكيد ثم واو العظمة) .

وطرق التوكيد كثيرة يلحظها المتفحص للآيات المتابعُ لها .

=====================

بسم الله الرحمن الرحيم

النبي الصابر صلى الله عليه وسلم

م. محمد عادل فارس

النعمة العظمى:

من أعظم نعم الله تعالى علينا أن بعث إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم، فهدانا إلى الصراط المستقيم، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.

((لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة. وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)).

وهو المعنى الذي لحظه بعض أصحاب الذوق العالي حين قال:

ومما زادني شرفاً وتيهاً وكِدت بأخمصي أطأُ الثريا

دخولي تحت قولك: "يا عبدي" وأن صيّرت أحمد لي نبيا

 فلو حمدنا الله تعالى ليل نهار، ولو قضينا أعمارنا ساجدين له شكراً على هذه النعمة ما وفيناها حقها.

 ولو صلينا على النبي صلى الله عليه وسلم ليل نهار، وفديناه بالمهج والأرواح لما وفيناه حقه علينا.

فقد كان الأسوة في الصبر والشكر، والبذل والكرم، والشجاعة والحلم، والرحمة والصدق، والأمانة والتواضع، وقيادة المجتمع في السلم والحرب وفي الموعظة والإرشاد والتعليم... ويكفي أن وصفه ربه سبحانه بقوله: ((وإنك لعلى خلق عظيم)).

وكل صفة من صفاته صلى الله عليه وسلم، وكل شِمالٍ من شمائله جديرة بحديث مستقل، ونحن نفرد حديثنا لخُلق واحد من أخلاقه، ألا وهو الصبر.

- التوطئة للصبر الجميل:

على إثر نزول الوحي على نبينا صلى الله عليه وسلم، وعودته إلى خديجة زوجِه العظيمة... ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل فأخبره بما حصل له، فقال له ورقة (حسب حديث عائشة رضي الله عنها، في رواية البخاري): هذا الناموس (أي جبريل أو الوحي) الذي نزل على موسى. ليتني فيها جذعاً (شاباً قوياً)، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوَ مخرجيّ هم؟!" قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركْني يومك أنصرْك نصراً مؤزراً. ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي.

ثم نزلت الآيات الكريمة تترى، وهي تأمره صلى الله عليه وسلم بالصبر.

 

الأمر بالصبر الجميل:

ففي سورة المزمل: ((واصبر على ما يقولون واجهرهم هجراً جميلاً)).

وفي سورة المدثر: ((ولا تمنن تستكثر، ولربك فاصبر)).

وفي سورة الأحقاف: ((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار. بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)).

وفي سورة يونس: ((واتّبع ما يوحى إليك واصبرْ حتى يحكم الله)).

وفي سورة النحل: ((واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكُ في ضيق مما يمكرون)).

هذا عدا الآيات الكثيرة التي تأمر المسلمين عامة بالصبر، والرسول صلى الله عليه وسلم في مقدمتهم، وتبين مقام الصبر وثوابه، ومكانة الصابرين عند ربهم سبحانه.

كيف صبر صلى الله عليه وسلم:

من يقرأ كتاب الله تعالى يجد أن الصبر كالنسغ الذي يتخلل سلوك المسلم ومواقفه جميعاً، فهو بين أوامر لله تعالى يجب أن يصبر نفسه على القيام بها، ونواهٍ يجب أن يصبر نفسه على الامتناع عنها، ومصائب يجب أن يصبر على تحملها.

ويكفي أن نقرأ نصاً قرآنياً في أواخر سورة الفرقان، حيث تذكر الآيات الكريمة صفات عباد الرحمن، فإذا هم يمشون على الأرض هوناً، ويبيتون لربهم سجداً وقياماً، ويعتدلون في الإنفاق، فلا إسراف ولا تقتير، ويوحّدون ربهم، ويجتنبون قتل النفس التي حرّم الله، كما يجتنبون قول الزور، ويدعون الله...

والنتيجة المتوقعة لجزاء هؤلاء هي دخول الجنة، ولكن السبب الذي استحقوا به الجنة يختصره القرآن الكريم بكلمة واحدة: الصبر ((أولئك يُجزَون الغرفة بما صبروا))، فكأن ما يجمع القرُبات المذكورة كلها هو الصبر.

ونلحظ مثل هذا المعنى كذلك في الآيات (19 – 24) من سورة الرعد، والآيات (7- 12) من سورة الدهر (الإنسان) بل نجد هذا المعنى مبثوثاً في آيات أخرى كثيرة.

فإذا نظرنا إلى هذا المعنى العام للصبر، وأردنا أن نتلمّس تحقُّق النبي صلى الله عليه وسلم به، فهذا يعني أن نتكلم عن سجاياه الكريمة كلها، فهو صابر في تبليغه الدعوة، واحتماله الأذى، وتعليمه أصحابه، ورعايته أزواجه وأهله، وتعامله مع أعدائه في السلم والحرب، وإقباله العجيب على الذكر والصلاة والصيام والقيام والإنفاق في سبيل الله...

لكننا سنقتصر على ذكر نماذج مما يتبادر إلى الذهن مباشرة من معنى الصبر، فنورد هذه اللقطات من سيرته العطرة:

صبره صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين:

- روى البيهقي: ... لما مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفيهٌ من سفهاء قريش فألقى عليه تراباً فرجع إلى بيته، فأتت امرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي...

- وروى ابن أبي شيبة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبي مُعيط فجعل رداءه في عنقه، ثم جذبه حتى سقط لركبتيه، وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول!.

- وروى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: طلع عليهم (أي على المشركين من قريش) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عند الكعبة فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأطافوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ (لما كان يَبْلُغُهم من عيب آلهتهم ودينهم) فيقول: نعم، أنا الذي أقول ذلك. فأخذ رجل بمَجْمَع ردائه، وقام أبو بكر رضي الله عنه دونه يقول وهو يبكي: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟! ثم انصرفوا عنه.

- وروى البخاري ومسلم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدمَوه، وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

- وعن أبي عبد الله خبّاب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفرُ له في الأرض فيُجعلُ فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضعُ على رأسه فيُجعلُ نصفين، ويُمشَطُ بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصُدّه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون". رواه البخاري.

- وروى البزار والطبراني: كان سبعة من الملأ من قريش عند الحِجْر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما سجد أطال السجود. فقال أبو جهل: أيكم يأتي جَزور بني فلان فيأتينا بفَرْثِها فنكفئه على محمد صلى الله عليه وسلم؟ فانطلق أشقاهم عقبة فأتى به فألقاه بين كتفيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد.

وقصته مع ثقيف عندما أوى إليهم في الطائف معروفة، ونذكر منها هذه الأسطر:

لما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أشد الأذى، بعد وفاة زوجه خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف، لكن هؤلاء القوم لم يكونوا عند حسن الظن بهم. فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عَمَد إلى سادات ثقيف فجلس إليهم ودعاهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فردّوا عليه ردّاً منكراً، وفاجؤوه بما لم يكن يتوقع من الغلظة، فقام إليهم وهو يرجوهم أن يكتموا خبر مقدمه إليهم عن قريش، فلم يجيبوه إلى ذلك، وأغرَوا به سفهاءهم، فجعلوا يسبّونه ويرمونه بالحجارة، حتى إن رجليه لتدمِيان، ومعه زيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شُجَّ في رأسه شِجاجاً عدة!...

فما أصعبها على النفس، نفس العزيز محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟!

وقصة مقاطعة قريش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وحصارهم في شعب أبي طالب مدة ثلاث سنين، لا بيع ولا شراء، ولا زواج ولا تزويج، ولا طعام ولا شراب... حتى قرحت أشداقهم من أكل ورق الشجر، معروفة. والأخبار في صبره على أذى المشركين في نفسه وفي أصحابه كثيرة كثيرة!.

وصبره في القتال صلى الله عليه وسلم:

والحديث هنا أقرب إلى الحديث في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وثباته، لذلك سنجتزئ بأسطر قليلة:

- وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: " يأيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم" متفق عليه.

- وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُفردَ يوم أحُد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، واستطاع المشركون أن يَخلصوا قريباً منه فرماه أحدهم بحجر كسر أنفه ورَباعيته وشجّه في وجهه..

وبقي صلى الله عليه وسلم صابراً يدير المعركة حتى رأى المشركون أن خسارتهم أكبر من ربحهم فتركوا.

وفي غزوة الخندق ((إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتُلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً)).

في هذه المعركة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبشروا بفتح الله ونصره".

ويصبر على الجوع:

وقد تيسّر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أن يكون من أكثر الناس أموالاً، لكنه آثر أن يتصدق بما يأتيه، ثم يعيش كما يعيش عامة أصحابه، بل فقراء أصحابه، فيشبع يوماً، ويجوع أياماً.

- روى أحمد أن فاطمة ناولت النبي صلى الله عليه وسلم كسرة من خبز الشعير، وقالت: قرص خبزته فلم تَطِبْ نفسي حتى أتيتك بهذا الكسرة، فقال لها: هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام.

- روى مسلم: ذكر عمر رضي الله عنه ما أصاب الناسُ من الدنيا فقال: لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقَل ما يملأ بطنه.

وفي مرضه صلى الله عليه وسلم:

- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعَك فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: "أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: "أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفّر الله بها سيئاته، وحطّت عنه ذنوبه كما تحُطّ الشجرة ورقها". متفق عليه. [والوعك: مَغْث الحمّى، وقيل: الحمى].

اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وارزقنا اتّباعه في جميع الأقوال والأفعال والأحوال، واحشرنا تحت لوائه، ومتّعنا بشفاعته. اللهم آمين.

=====================

لا نريد إسقاط الرئيس ... نريد الحرية فقط

إسماعيل سليمان جداع – سوري مغترب

أتابع بقلق ما يجري في وطني سوريا , أشعر بالخوف , ويراودني شعور بالأمل , ولكن تجارب السنين الماضية , وما يقرأه العقل في خارطة الوطن الأسير المقهور , تدعونا للتوقف : لا.. لا نريد إسقاط الرئيس .. فهذا التغيير ليس في برنامجنا، لا نبحث عن كرسي للرئاسة أو موقعا للمسئولية، نبحث عن موطئ قدم للبناء، نبحث عن فرصة للعمل نريد أن ننفي عن وطننا صفات التخلف والفساد..

لا يهمنا من يكون الرئيس وإنما نريد حظا من الحرية يمكننا من البناء، وحظا من العدل يحمي ما نبني ويصونه..

نريد لبلدنا وشعبنا ولشبابنا ومستقبلنا : حرية أوسع , وكرامة أوفر , وفرصة أفضل ..

ما نريده لبلدنا أن يعي القائمون على أمره , وأولهم الرئيس بشار , أن الزمن قد تغير وألا سبيل إلى الاستمرار بنفس السياسات القديمة , ونصائح ضباط المخابرات السابقين , والإعراض عن أصوات التغيير التي تملأ الآفاق .

يريد شعبنا الحرية والكرامة التي يحلم بها كل إنسان على وجه البسيطة , والتي ينتفض لإهدارها كل مقهور , وإن طال الزمن .

يريد شعبنا فرصة للعيش بسلام وأمن وازدهار كما تعيش بقية شعوب الأرض التي يرى صورة حياتها في التلفاز , بينما يعيش هو المرَ في دنيا الواقع .

أتمنى أن تتحقق أماني شعبنا، وإن لم يكن لنا إلا أن ننتفض فلينتفض شعبنا وليطرح من قلبه الخوف والوهن فلا بد للقيد أن ينكسر..

أتمنى أن يكون ما يدعوه البعض " يوم الغضب " يوما" للسلام , يوما" للحرية , يوما" للمستقبل

وأن تكون شعارات الشباب الرائع , شباب بلدي , أكثر أملا" وبشرا" .

لا نريد إسقاط الرئيس , لا نريد ثأرا ولا انتقاما، لا نريد إقصاء من أقصانا، نريد بداية جديدة تضعنا جميعا على سواء السبيل..

نريد المستقبل , لا الارتهان للماضي , ولا الجمود في الحاضر .

حفظ الله سوريا وشعبها من كل مكروه

=====================

ملحمة عنوانها.. الشعب يريد إسقاط النظام

دروس مفصل تاريخي في صناعة مستقبل الأمة.. من تونس ومصر إلى الدول الشقيقة

نبيل شبيب

نعايش في أيام معدودات مفصلا من مفاصل سجل التاريخ في المنطقة العربية والإسلامية، ستقرأ عنه الأجيال المقبلة شبيه ما نقرؤه في سجل التاريخ عن أحداث كبرى في حقب ماضية، وربما يقتصر ذلك على صفحات أو حتى عبارات معدودة: استغرقت ثورة شعب تونس ثلاثة أسابيع واستغرقت ثورة شعب مصر أقل أو أكثر، وتبدّلت أوضاع المنطقة العربية والإسلامية من بعدهما، فلم يبق شيء منها مثل ما كان قبلهما.

إنّنا نعايش بأنفسنا يوما بيوم وساعة بساعة ما يعنيه مثل هذه العبارات التأريخية الموجزة عادةً على أرض الواقع، من طاقات متفجرة، وأحداث متوالية، ورموز استبدادية تتهاوى، وقيادات شعبية تولد، واستشراف لقادم الأيام، وتضحيات غالية تصنع المستقبل، وعزائم شعبية مذهلة، وإبداعات ثوروية غير مسبوقة.. فأصبحنا شهودا على "تفاصيل حدث تاريخي مفصلي"، وهو ممّا يستدعي أن نستوعب "الآن" دروس الثورات الشعبية، وما تلقيه من أعباء جسام ومهامّ عظام على جيلنا.. والأجيال التالية من بعدنا.

 

صمود الغضب

هو مشهد ليس ككلّ المشاهد، وصورة لا يمكن أن يرقى إلى وصف ألوانها قلم كاتب أو شاعر، من مشاهد يومٍ أطلق عليه عنوان "جمعة الغضب".. خرجت فيه جموع أهل مصر لتعلن إلى غير رجعة ثورتها على نظام حكم جائر متسلّط، فاعتُبر تحرّك الشعب تحرّك شباب غاضب، تداعى إلى مسيرة احتجاجية قبل أيام فإذا بها تصنع ثورة خلال بضعة أيام.

من تابع ذلك الشباب "الغاضب"، من أمثال الطالبة الجامعية أسماء محفوظ، وما كان يقول ويصنع قبل اندلاع الثورة، وما مضى يقول ويصنع أثناء الثورة، يدرك سريعا، أنّ لديه ممّا يوصف بحكمة الشيوخ، ما نودّ لو تمتع به كثير من جيلنا الموشك على الرحيل، ولديه من حياة الوجدان وقوة العزيمة، ومن إباء النفس وصلابة التصميم، ومن العزّة والوعي، ما يجعل وصفه بالشباب الغاضب يثير التمنّي لو أنّنا جميعا نغضب لِما يغضب له، ونغضب كما يغضب، ونصنع مثل ما يصنعه ذلك الغضب!..

تداعى الشبيبة.. وخرج أربعة فقط من بينهم أسماء محفوظ إلى ساحة التحرير، قبل أيام من "يوم الغضب" الذي سبق أن أعلنوا عنه موافقا ليوم "عيد الشرطة"، وناورت "الشرطة" المتظاهرين الأربعة وتفرّقوا، ثم خرجوا حسب موعدهم مع التاريخ، في يوم الغضب الأول، الثلاثاء 25/1/2011م، فانضمّ إليهم ألوف مؤلفة من أبناء الشعب، وتحوّلت مناورات الشرطة إلى "حرب" تخوضها "الدولة" ضدّ جيل الشبيبة.

استخدمت أجهزة القمع ما استطاعت استخدامه لكسر إرادة "الغاضبين"، ما بين يومي الثلاثاء والجمعة، فتعاظم التحدّي، وأعلن "الثائرون" عن "جمعة الغضب" يوما للمواجهة بين طلاّب العدالة والظالمين، وكان ممّا سجّله التاريخ على أيديهم يومذاك ذلك المشهد الجدير بحد ذاته أن يصنع مفصلا تاريخيا بين عهد وعهد، مشهد الجموع الشعبية الثائرة من مختلف الأعمار والفئات، ماضية على الجسور فوق مياه النيل في قلب القاهرة نحو ميدان التحرير، فشهدت الجسور معركة لا يتخيّل عاقل أن تحدث على ذلك النحو بين "الشعب" و"السلطة.

يشهد تسجيل مصوّر لواحد من تلك الجسور كيف كانت تتقدّم على أحد جانبيه صدور الثائرين، وعلى الجانب الآخر مصفحات "القامعين"..

هؤلاء مدجّجون بعزيمتهم على صناعة التغيير وأولئك مدجّجون بالمصفحات وخراطيم المياه والقنابل الغازية والرصاص المطاطي والرصاص الحي، وبهمجية الاستبداد الوحشي..

يتقدّم هؤلاء وهؤلاء، ويتلاقون في منتصف الجسر، وتدخل السيارات المصفحة في قلب الجموع، فتدهس من تدهس، ثمّ ترتدّ مخزيّة أمام صمود الصامدين..

تنطلق تيارات الماء على الجموع فترتدّ الخراطيم والسيارات التي تحملها أمام صلابة الأجساد الحية..

تُقذف القنابل الغازية فتتلقّاها "الأهداف البشرية" وتلقي بها في مياه النيل الغاضب..

يتساقط الشهداء والجرحى، وتتكرّر الجولة بعد الجولة، وتشتدّ همجية المهاجمين على الصامدين، فيقف جمعٌ منهم في المقدمة يصلّون، يركعون ويسجدون ويكبّرون.. فلا يزحزهم عن تراب مصر توحّش ذلك الاستبداد المتسلّط على مصر وشعبها، وحملاتُ قمعه ضدّهم، التي تبرأ منها مصر، ويبرأ منها العرب والمسلمون.. وتتراجع الوحشية في نهاية المطاف أمام بطولة إنسانية الإنسان، وتمضي الجموع الشعبية الحاشدة على الجسر وتقطعه إلى الجانب الآخر.

ليس هذا صمود الغضب بل صمود الإرادة، وليست هذه غضبة شباب طائش بل ثورة شعب حر عزيز كريم، صبر طويلا فانفجر صبره عزيمة لا تُقهر، وإصرارا لا يتزعزع، وانتصارا مؤزرا لا يمكن أن تسرقه قوى استبدادية دولية ولا محلية، ومنذ تلك الساعة التي شهدناها وشهدت عليها جسور نهر النيل، لم يعد يوجد سوى هدف واحد مشترك يهدر به الشعب في كل مكان: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

هشاشة الطواغيت

في مصر.. كان لأحمد شوقي قصيدة عصماء مطوّلة يؤرّخ فيها لمصر وحقبه المديدة، ويخاطب كل نظام استبدادي على آثار فرعون وملئه فيقول ناصحا.. ولسان حاله يعبّر عن عدم جدوى النصيحة في آذان الطواغيت:

إن ملكتَ النفوس فابغِ رضاها.... فلها ثورةٌ، وفيها مضاء

يسكن الوحش للوثوب من الأسْ....ر، فكيف الخلائق العقلاء

يحسب الظالمون أن سيسودو....ن، وأن لن يُؤَيَّد الضعفاء

والليالي جوارٌ مثلما جا....روا، وللدهر مثلهم أهواء

كم ذا يبلغ غرور الاستبداد بنفسه إلى درجة يصبح معها -على حد تعبير العالم الجليل الشيخ القرضاوي- أعمى لا يبصر، أصمّ لا يسمع، غبيّا لا يفهم!..

لهذا تقترب نهايته، وتصبح قاب قوسين أو أدنى، ويراها الناس من أقصى الأرض إلى أقصاها.. إلاّ هو، يأبى السقوط إلا بعد أن يجثو على ركبتيه راغما!..

ليس المستغرب أن يسقط الطاغوت التونسي الصغير خلال بضعة أسابيع، وأن يترنّح الطاغوت المصري الأكبر منه مقاما وحجما خلال أيام، إنّما المستغرب هو أن ينتشر التصوّر عن الطواغيت الصغار والكبار أنّهم أقوياء، ثابتون، مستقرون، بدلا من إدراك حقيقة تاريخية بسيطة:

الشعب هو الأقوى من الطاغوت دوما.. بما لا يقاس، ولا يؤخّر سقوطَ الطاغوت إلا شيء واحد: تأخّر الشعب عن التحرّك، فإن تحرّك –وهو ما يوصف بكسر حاجز الخوف- تهاوت قلعة لا قواعد لها، واجتُث حصن لا قرار يستند إليه، ووجدنا أنفسنا نردّد مع أبي القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بدّ أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي.. ولا بدّ للقيد أن ينكسر

الطاغوت فرد ضعيف.. وحوله حاشية من المنتفعين الضعفاء.. وسلاحه إرهاب وتضليل وبطش وفساد، وليس بقاؤه رهنا بشيء إلا بأن يجد مَن يخشى من إرهابه ويتيه في تضليله ويصبر أطول ممّا ينبغي على المعاناة من فساده..

في اللحظة الأولى لإدراك الشعب أنّ هذه الخشية عبثية تضرّ ولا تفيد، وأنّ التضليل لا يفعل مفعوله إلاّ بقدر التجاوب معه، وأنّ المعاناة تزيد ولا تتقلّص إلى أن يضعَ من يعاني بنفسه حدّا نهائيا لها.. في تلك اللحظة تنكشف عورة الطاغوت، وتظهر عظامه الهشّة الفانية، وتتهاوى جميع الصروح التي أحاط نفسه بها.. فإذا هي سراب، ويصل إلى أذنيه ما لا يطيق سماعه من هدير: الشعب يريد إسقاط النظام.

كم ذا تردّد يوما بعد يوم بعد يوم هديرُ مئات الألوف من أهل مصر في ميدان التحرير وسط القاهرة، والملايين في كل مكان من العاصمة والمدن المصرية الأخرى، بصوت واحد، ليصبح أشدّ تعبيرا وقوّة ومفعولا من ألف استفتاء واستفتاء: الشعب يريد إسقاط النظام، وترنّح النظام، ولم يكن ترنّحه كافيا، فعاد الهدير بعزيمة وإصرار: الشعب يريد إسقاط النظام، وتكرّرت محاولات ما أسموه التهدئة، والنقلة الدستورية، والظروف الخاصة للعلاقات بالقوى الدولية، وعاد الهدير ليتكرّر بقوة وصلابة: الشعب يريد إسقاط النظام.

لم تنقطع المناورات بعد سقوط قوة البطش عاجزة أمام الصمود.. وفي هذه اللحظات أثناء كتابة هذه السطور، تبدو معالم محاولة جديدة للالتفاف على ثورة الشبيبة، إذ تدعو قناة تلفازية مصرية أسماء محفوظ إلى حوار على الهواء، ما كانت لتحظى به طوال عملها ناشطة من بين "شبيبة 6 أبريل" منذ أكثر من عامين.. فيُفسح لها المجال أن "تروي" كيف مضت على طريقها من قبل حتى اندلعت الثورة، ثمّ يظهر القصد من الدعوة، إذ يُعرض عليها حوار على الهواء، يشارك فيه عشرة من قيادات الشبيبة يختارونهم بأنفسهم، مع "المسؤولين" من الوزراء ورئيسهم الذين عيّنتهم مناورة استبدادية أخرى.. وليطرح الشباب في الحوار مطالبهم علنا، دون مشاركة أحد من قيادات المعارضة التقليدية وأحزابها وجماعاتها!..

كأنّ المطلوب هنا هو الفصل ما بين الشبيبة الثائرة وأصحاب خبرة سياسية وتنظيمية، توهّما بالقدرة آنذاك على الالتفاف على مطالب الشبيبة عند الانفراد بهم.. وهو ما يمثل درجة بعيدة من استمرارية جهل الاستبداد بمستوى الوعي لدى شبيبة شعب مصر الثائر على الاستبداد..

ثم يظهر للعيان القصد الأهم من المناورة "الحوارية": أن تتبنّى أسماء محفوظ دعوة أقرانها إلى الانتظار إلى ما بعد ذلك الحوار وتسجيل نتائجه، قبل أن تنطلق "التظاهرات المليونية" التي سبق أن دعا "الشبيبة الغاضبون" إليها وحدّدوا موعدها في اليوم التالي، يوم الأول من شباط/ فبراير 2011م!..

كأنّ بقايا المسؤولين من نظام منهار قد انتابهم قدر كبير من الرعب، إذ أدركوا أنّ شعب مصر سيستجيب عن بكرة أبيه، وسينطلق هديره: الشعب يريد غيقاط النظام، فيجعل من بقائهم في مواقعهم وهم يراوغون دون جدوى، مسألة ساعات معدودات وليس مسألة أيام!..

وتقول أسماء محفوظ المخلصة لشعبها وأرضها وأمتها، الواعية بموقعها وما وصل إليه مجرى الحدث التاريخي الكبير.. تقول إنّها لا يمكن أن تقرّر باسم سواها، وستعود إلى ميدان التحرير فتعرض على الثوار فيه ما يقال لها عبر إحدى قنوات الإعلام غير الرسمية.. وظاهر لمن يعرفها أنّها أدركت على الفور أنّ عرض الحوار من جانب الاستبداد، مجرّد محاولة لامتصاص الثورة عبر كيل وعودٍ جديدة، تضاف إلى ما لا يحصى من الوعود عبر عقود وعقود مضت من عمر الاستبداد في السلطة.. وقد بات مترنّحا لا يدري ما يمكن أن يفعل بذلك الهدير الشعبي المتواصل: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

كلام فارغ

مع كل حرف من حروف تلك العبارة المدوية، ومع كل مرة يتكرر الهدير فيها على امتداد الزمان والمكان، كانت تعود إلى مخيلة كاتب هذه السطور صورةُ وزير يؤكّد استمرار وجوده في تشكيلة وزارية استبدادية جديدة مدى ما وصل الاستبداد إليه من التخبّط والعجز.. بل لم يكن ذلك الوزير في يوم من الأيام سياسيا بمعنى الكلمة، وما أساء أحد قبله مثل إساءته إلى الشؤون السياسية الخارجية لمصر وللعرب والمسلمين.. كانت تلك الصورة العابرة جزءا من مشهد جانبي أعقب سقوط حاكم مستبد آخر في الدولة التونسية الشقيقة، إذ سئل الوزير أبو الغيط عن إمكانية أن تنتقل شرارة ثورة الشعب إلى مصر فكان جوابه: "كلام فارغ"!..

لم يكن هدير الثورة في مصر قد انطلق في ميدان التحرير في قلب القاهرة بعد.. فلم تكن تلك الكلمة مجرّد محاولة للتغطية على المخاوف الذاتية، ولا كانت مراوغة لتجنّب إجابة السؤال المحرج فحسب، إنّما كانت تمثل تحديا استبداديا صادرا عن أحد بيادقة النظام الاستبدادي المتعجرف موجّها إلى شعب مصر، إلى كرامته، استهانةً واستخفافا، وتكبّرا وتجبّرا.. فكانت أشبه بتلك الصفعة المهووسة الصادرة عن شرطيّة مهووسة بجبروت سيّدها، جرحت بها كرامة محمد البوعزيزي في تونس، فأشعلت بجسده شرارة الثورة الأولى من مسلسل ثورات تحرير المنطقة، بعد أن تراكمت جميع أسباب الثورة في كل مكان!..

وكما ردّ شعب تونس على الاستهانة الرعناء بأحد أفراد شعب تونس، لم يمض سوى أيام معدودات إلا وردّ شعب مصر على ذلك التحدّي الأرعن من جانب أحد بيادقة النظام:

الشعب يريد إسقاط النظام.. والشعب يرفض أي محاولة للالتفاف على ما يريد، وأي مراوغة عن تنفيذ ما يريد: الشعب يريد إسقاط النظام!..

"كلام فارغ".. ردّدها وزير خارجية مصر "السابق" وسرعان ما رأى بأمّ عينيه كيف يتساقط هو مع البيادق الأخرى، فمن ذا الذي يردّدها من أقرانه في أنظمة استبدادية أخرى الآن، بمثل هذه الصيغة أو سواها، علنا أو سرا؟..

الاستبداد يقول في أحد الأقطار: إن لنظامه مستندا شعبيا.. وفي قطر آخر: نحن أثرياء والشعب ينعم معنا بالثراء.. وفي قطر ثالث: نزيد الأجور ببعض فتات ترفنا ونخفف شيئا من تكاليف المعيشة فيستمر فسادنا واستبدادنا.. وفي قطر رابع: رأس النظام سيجري إصلاحات سياسية عاجلة.. وفي قطر خامس: ليس قطرنا كتونس أو ليس قطرنا كمصر..

ليست مصر كتونس.. هذا صحيح، وليست سورية كمصر، وليست الجزائر كسورية، وليست اليمن كالأردن، وليست ليبيا كالمغرب.. لا يوجد نظام استبدادي متطابق في سائر مواصفاته وأسباب وجوده مع نظام استبدادي آخر، ولا يوجد شعب متطابق في سائر مواصفاته وأسباب ركونه للظلم -حينا من الزمن- مع شعب آخر.. هذا صحيح، ولكنّ انتقال شرارة الثورة عبر الحدود، يمكن أن يوصف بالعدوى، أو يوصف بأنّه سنة من سنن التاريخ، سيّان، فالمهم أنه ليس "كلاما فارغا" قطعا، فما يجمع بين أنظمة الاستبداد هو هشاشتها لا رسوخها، وضعفها لا قوّتها، وما يجمع بين شعوب الأرض هو كرامتها لا ركونها، وقوّتها لا ضعفها، ولئن اختلفت ثوراتها فهو اختلاف الوسائل والتوقيت وبعض المظاهر، أما جوهرها فهو واحد: ثورة على الاستبداد حتى يسقط ويزول.

الثورة في مصر بذلك كالثورة في تونس.. ثورة ضد الاستبداد، ذاك هو القاسم المشترك الأكبر بينهما، وهو القاسم المشترك بينهما وبين سواهما، تختلف التفاصيل، ولا تختلف الحصيلة: سقوط الاستبداد.

لم يضع أحد موعدا زمنيا لتوقيت الثورة في تونس.. ولم يضع أحد موعدا زمنيا لتوقيت الثورة في مصر.. ولن يضع أحد موعدا زمنيا لوقوع الثورة في هذا القطر أو ذاك من الأقطار التي تحكمها نظم استبدادية هشّة، تتهاوى مع حلول مواعيد سقوطها، فليس ما يمنع من سقوطها أنّ هذا النظام أقدر على الاحتياط لنفسه، وعلى استبقاء أجهزة استبداده..

تأتيهم بغتة من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون.. فتلك هي إرادة الشعب، إن قرّرت سقوط الاستبداد سقط، شاء أم أبى، في موعدٍ يقرّره الشعب بإرادة الله وحده، ولا يقرّره أحد سواه، فإذا حان موعد السقوط بدا "مفاجئا" لِمن يستبقي لنفسه من المستبدّين بنفسه أسباب سقوطه: لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم!..

إنّ ما وقع في تونس ومصر يصرخ في آذان المستبدين: اسمعوا، فإذا سمعتم وتخلّيتم قبل أن يحين موعد سقوطكم عن استبدادكم.. فلربّما نجوتم!

ويردّون "كلام فارغ"..

يصرخ في وجوه المستبدين: انظروا، فإن أبصرتم وتخلّيتم قبل أن يحين موعد سقوطكم عن استبدادكم.. فلربّما نجوتم!

ويردّون: "كلام فارغ"..

لا يسمعون ولا يبصرون!.. فلا يبقى سوى إشكالية أن يفهموا، ويدركوا أن كلامهم هم كلام فارغ، قبل أن ينطلق في هذا الميدان أو ذاك وفي هذه العاصمة أو تلك من هذا القطر أو ذلك القطر هديرُ الشعب: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

التبرؤ من الاستبداد

رأس الاستبداد فرد.. وجسده هو تلك الشبكة القمعية التي يقيمها لنفسه، ويجد من خلالها أعوانا على استبداده، رأسمالهم الاستبدادي هو أنّهم فقدوا آدميتهم، وتحوّلوا إلى ما هو أوحش من الوحوش المفترسة، من خلال ما يمارسونه –وهم أدوات- من بطش بإنسانية الإنسانية، وتعذيب لا يصنع الوحوش مثله بأمثالهم في عالم الحيوان، وحراسة.. لا يمكن مهما صنعوا أن يبلغوا بها ما يوصف من وفاء كلاب الحراسة لسيدهم، ولا يدرك سيدهم أنّه من خلال اعتماده على هؤلاء إنّما يصنع بنفسه بعض أدوات سقوطه، ويقرّب من أجله، يبطشون ويفسدون ويُترفون.. فيحوّلون طاقة الركون إلى طاقة ثورة متفجرة، فإن انفجرت فقدوا مفعولهم، وتلاشى دورهم، وقد يوجّههم سيدهم ليصنعوا مثل ما صنعوه في ثورة الشعب في تونس وثورة الشعب في مصر، تخريبا وتقتيلا وتدميرا، وحربا بالمصفحات والرصاص على الأجساد فوق جسر من الجسور، يمارسون مهنة قذرة ما مارسوا من قبل سواها.. ورغم ذلك يسّاقطون ويبقى رأس الاستبداد عاريا حتى يتدحرج معهم.

كم من أجهزة للقمع كانت تمارس الإرهاب باسم الأمن، والبطش باسم الاستقرار، والفساد باسم التطوير، والتعذيب باسم الوطنية، ولم تجد لنفسها لحظة الثورة مهربا ولا ملاذا، ولئن انطلقت بقاياها في تونس ومصر لتتابع مهمتها الهمجية لبضعة أيام، فقد فات الأوان بعد أن اتخذت الثورة مجراها، وكم منهم من حاول التبرؤ –متأخرا- من الاستبداد في لحظة الثورة، وكم حاول الاستبداد –دون جدوى- أن يستبقي مفعولهم لحظة الثورة، ولو كانوا يستشعرون في أنفسهم إنسانية الإنسان، أو يستشعرون مصلحتهم الشخصية أن ينجوا بأنفسهم، لتبرّؤوا من الاستبداد من قبل، ولرفضوا البقاء في مواقعهم، أدوات استبداد رخيصة، إلى أن يجرفهم ما يجرف الاستبداد من هدير الثورة..

لا تزال هذه الفرصة سانحة لأمثالهم في أجهزة الإجرام القمعي الاستبدادي في أقطار أخرى، لا تزال الفرصة قائمة أن يدركوا أنّهم "أفراد من الشعب" لا ينبغي أن يجعلوا من أنفسهم وحوشا للاستبداد بدلا من ذلك..

لا تزال الفرصة سانحة ليرفضوا طاعة مخلوق ضعيف مستبد في معصية الخالق بطشا وتنكيلا وتعذيبا واضطهادا وظلما وقتلا وكبتا للحريات وانتهاكا للحقوق البشرية.. فليس هذا من شيمة "بشر".

لن تبقى هذه الفرصة طويلا، ولا يمكن أن يستفيدوا منها غدا.. فهي متاحة الآن، الآن فقط قبل أن يفوت الأوان، فلا أحد منهم يعلم متى ينطلق هدير الشعب في بلده: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

قوة الشعب

كان من أكثر مقولات الاستبداد تعبيرا عن الاستخفاف بالشعوب الترويجُ لوصف إرادتها كلما عبّرت عنها بأنّها "صوت الشارع" ولا ينبغي للحنكة السياسية أن تخضع لصوت الشارع، أي أن تبصر وتسمع وتفهم فتستجيب لإرادة الشعب قبل فوات الأوان!

الشعب في تصوّرهم وفيما يروّجون له فيستثير فيه العزة والكرامة من حيث لا يريدون هو "الدهماء" التي لا قيمة لإرادتها وصوتها ومطالبها، فهي –أي الشعوب- دون مستوى نضوج الساسة والسياسة، والاستبداد والسلطة، فإن ارتفع صوت الدهماء وجب إخماده، وإن شكا وجب قمعه، وإن طالب وجب تجاهله!

ولعمري إن مثل هذا الفكر الاستبدادي أكبر شاهد على مدى جهل المستبدّين ومن يرتضي لنفسه أن يكون بين بيادقهم.. فلا نضوج ولا وعي ولا سياسة.. إنّما هو موت الوجدان ومحض الغباء.

إنّ للشعوب قوتها الأكبر ابتداءً من كل طاغوت مستبد، والأمضى مفعولا من كل سلاح إجرامي، والأبقى نبضا بالحياة على مدّ العصور.. إنّما تتنامى قوة الشعب مع ازدياد فُحش أفاعيل الاستبداد نفسه، ولهذا تزداد قيمة "صوت الشارع" تأثيرا في واقع الشعب بقدر ما تزداد الاستهانة بها تجبّرا وجهلا.

وما نشأت الأنظمة التي تقوم على إرادة الشعوب، إلا نتيجة إدراك قوتها ومفعولها، عبر دروس تاريخية متعاقبة امتدّ مفعولها في المنطقة الأوروبية مثلا لقرون عديدة.. فكان لا بدّ من التسليم لإرادة الشعوب وفق ما تريد من حيث المبدأ -بغضّ النظر عن انحرافات صغيرة وكبيرة في الواقع التطبيقي- ولكنّ ما كان يجري عبر الحقب التاريخية الماضية ويستغرق أزمانا طويلة، أصبح بحكم تسارع مفعول التطوّرات في الحياة البشرية على كل صعيد يتحقق خلال فترات زمنية أقصر بكثير.. وهذا ما يجعل ممارسة الاستبداد في بلادنا العربية والإسلامية، تساهم في تعزيز تنامي قوة إرادة الشعوب خلال أجيال معدودة بدلا من حقب تاريخية مديدة.

لم يكن ظهور قوة شعب تونس وقدرته على إسقاط الاستبداد وظهور قوّة شعب مصر وقدرته على إسقاط الاستبداد حدثا مفاجئا بمنظور سنن التاريخ والتحوّلات الاجتماعية الكبرى، إنّما كان عنصر المفاجأة كامنا في انتشار تصوّرات واهمة، أنّ ما احتاج لدى شعوب أخرى إلى زمن طويل بمعيار التاريخ سيحتاج إلى مثل ذلك في المنطقة العربية والإسلامية أيضا.

هذا بعض ما تعنيه مقولات شائعة مضلّلة: نحن متأخرون عن "الغرب" قرونا.. نحن عاجزون عن الوصول بإرادة الشعوب إلى صناعة أنظمة الحكم جيلا بعد جيل.. نحن متخلّفون في إبداع الثورات وتبديل موازين القوى داخل كل قطر من أقطارنا على حدة..

وما أصدق تلك الكلمة الصادرة عن أحد أساتذة العلوم السياسية الفضلاء تعقيبا على ما صنع "الشباب" في بلده مصر: لقد تعلّمت الكثير من هؤلاء الشباب.

إنّ الجواب على تلك المقولات المثبّطة لعزيمة الشعوب، هو ما صنعه شعب تونس وشعب مصر، وهو الجواب المنسجم مع معايير كتابة التاريخ ومع منطق صناعة الثورات.. ولا يفاجئ أحدا قدر ما يفاجئ مَن يصرّ على الاستغراق في التصوّرات الواهمة المنسوجة حول الشعوب ومواتها، وجيل الشبيبة وضياعه، وحول حصر صناعة التغيير في النخب، والنخب ضعيفة، وفي المعارضة الشكلية، والمعارضة واهنة، فمن يأخذ بتلك المقولات ويتّهم مَن يرفضها بالتفاؤل المفرط والحماسة العاطفية، ينزلق من حيث يدري أو لا يدري في تيّار يطيل عمر استبدادٍ لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم ما تعنيه إرادة الشعوب، أو صوت الدهماء، أو مطالب الشارع!..

إنّ الشعوب هي التي تصنع النخب وليس العكس، وإن الشعوب هي التي تصنع المعارضة وليس العكس، وإن الشعوب هي التي تصنع الثورات.. لتصبح هياكل الأنظمة والمعارضة والنخب بعضا من نتائج ثوراتها وليس العكس.

الشعوب هي مصدر القوة الباقي من وراء الدول والأنظمة والسياسة والسياسيين، وجميع ما سواها ينبثق عنها، والشعوب تستمدّ قوتها من عقائدها وحضاراتها وثقافاتها وتاريخها، وتتنامى قوّتها من خلال ما تعايشه في واقعها وتريده لمستقبلها، فإن أرادت التغيير تصنع التغيير، ولهذا لم يكن صوت التغيير في تونس ومصر، ولن يكون في سواها، هو صوت المعارضة، ولا يستهان بقيمتها، ولا النخب، ولا يستهان بدورها، إنّما يمكن أن يتعاظم موقع المعارضة وعطاء النخب، بقدر ما تستجيب هي لإرادة الشعب.. في الوقت المناسب، أثناء هيمنة الاستبداد، وهذا ما يجب أن تستوعبه النخب والمعارضة في أقطار أخرى بعد تونس ومصر، ليصبح بحصيلته جزءا من واقعها الراهن، أما مستقبل المعارضة ومستقبل النخب فيتحدّد بقدر ما تستجيب لمتطلّبات الحقبة التالية لتحقيق إرادة الشعب –كما تسعى المعارضة والنخب لذلك في تونس ومصر.. وفي سواهما حتما في وقت قريب- على وقع هدير إرادة الشعب: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

القيادات الشعبية

لقد أظهرت ثورة تونس ثمّ ثورة مصر أنّ الوعي الشعبي على مستوى كافة فئات الشعب وليس على مستوى الشباب فقط، قد تجاوز إلى حدّ بعيد مستوى الوعي على صعيد القيادات الحزبية والنخبوية والتنظيمية جميعا دون استثناء.

ثورة مشتركة لا تجد فيها فارقا يميّز بين صغير وكبير أو امرأة ورجل، جميعهم يتحرّكون بإرادة مشتركة، وعزيمة ثابتة، واستبسال يقيني، وهدف واضح، ووسائل قويمة، وتنسيق تصنعه الثورة، وتنظيم متطوّر وفق متطلبات اللحظة، وتعاون متواصل منقطع النظير.. ولهذا بكل جوانبه ومزيد عليها يحققون غاية الثورة من لحظة انطلاقها الأولى، فيلحق بها من يستطيع مهرولا، ولا يكاد يتمكّن من أن يصبح جزءا منها إلا بقدر محدود يوازي ما يخلعه هو من ثوب حزبي أو انتمائي أو قيادي تنظيمي..

الثورة هي التي تصهر الجميع ممّن يتمنّونها ولم يصنعوها، وإن كان لكثير منهم سهم من نصيب فيها، في أيام سبقت على طريق صناعة أجوائها.

كان لا بد أن تنبثق من قلب الثورة قيادات ميدانية.. وكانت –لأنها منبثقة عن الشعب الثائر- قادرة على فرض ما يريد الشعب على سائر الأحزاب والتنظيمات والنخب اللاحقة بها، بغضّ النظر عمّن برز من قبل أو برز من بعد من بين "زعمائها".

إن الثورة هي التي تصنع القيادات.. وليس العكس، وإن قيمة كل قيادة مرتبطة بقيمة نصيبها من الثورة وليست أيّ قيمة من قيم الثورة مرتبطة بقيمة قيادة تاريخية أو زعامة حزبية أو وجه من وجوه التنظيمات المعروفة، وإن كان لا يستهان بالقيمة الذاتية لأي من الزعامات والقيادات المخلصة.

ولئن كان جوهر الثورات واحدا على امتداد الزمان والمكان، فإن شرارة اندلاعها ومسارها ونتائجها، يمكن أن تختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف.

وإذا كان من المستحيل إعادة عجلة ثورة تونس وثورة مصر إلى الوراء أو كتابة تاريخ آخر لهما غير التاريخ الذي صنعتاه، على النحو الذي كان على أرض الواقع، فإن الدرس الأكبر والواجب على صعيد الأحزاب والتنظيمات والجماعات وسائر الفئات التي تتطلّع إلى إسقاط الاستبداد في أي قطر آخر من الأقطار، هو أن تستدرك قياداتها وعناصرها ما فات، فتتلافى ثغرات خطيرة، وممارسات مرفوضة، تلعب دورا مشينا في تأخير تحقيق أهداف مشروعة كريمة على طريق التحرّر من الاستبداد.

الآن.. أيها المسؤولون عن الأحزاب والنقابات والتيارات والتنظيمات والنخب.. الآن موعد التلاقي على أهداف مشتركة تفرضها المصالح العليا المشتركة وتخضع لها التطلّعات الذاتية والاجتهادات المتباينة لدى الأحزاب والتنظيمات والجماعات والتيارات وما يشابهها على امتداد الأرض العربية والإسلامية.

الآن.. وليس بعد أن تسبق عامةُ الشعوب جميعَ النخب، موعد التخلّي عن تشبث القادة التقليديين بمواقعهم على حساب جيل من الشبيبة أقدر منهم على تحقيق الأهداف الكريمة المشروعة، وموعد التخلّي عن الأنانيات الضيقة المفرّقة، وعن إعطاء الأولوية لمواطن الاختلاف والنزاع إزاء مواطن الالتقاء والتفاهم عبر حدود الانتماءات والتنظيمات والتصورات المتعددة.

الآن.. يستطيع الصادقون المخلصون ممّن يعتبرون أنفسهم "معارضة" في نطاق أنظمة استبدادية، أن يرتفعوا بمستوى أنفسهم ومستوى تنظيماتهم ومستوى مواقفهم وقراراتهم ومستوى جهودهم وتضحياتهم إلى مستوى الشعوب وتطلعاتها، ومستوى الأوطان ومصالحها، ومستوى العصر ومتطلباته، كيلا يجدوا أنفسهم في مؤخرة الصفوف في يوم قريب، تهدر فيه الجموع الشعبية هدير التغيير: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

عسكرة الثورات

سادت المخاوف أثناء ثورة شعب مصر أكثر ممّا ساد في تونس –لأسباب لا تستدعي التفصيل فيها هنا- من أن يتمّ الالتفاف على ثورة الشعب عبر قيادات القوات العسكرية، وأن يتحوّل مسار الأحداث والتطوّرات وفق ما تصنعه "صفقةٌ" ما بين بقايا استبدادٍ يتهاوى وقوة الجيش العسكرية، التي لم تكن من قبل في الواجهة، إنّما لم تسلم صناعةُ قياداتها تخصيصا من مخطّطات حكم استبدادي أراد أن يضمن لنفسه الهيمنة، فسعى أن يشمل ذلك توظيف ركيزة الدفاع عن الأوطان لتصبح ركيزة الدفاع عن الاستبداد بالأوطان، بما في ذلك ربطها بهيمنة استبداد دولي.

لا تنطلق هذه المخاوف من بقايا موروثة من حقبة انقلابات طالما لبست زوراً لباس الثورات وتحوّلت إلى محاضن للاستبداد في كثير من البلدان العربية والإسلامية.. فعصر الانقلابات اندثر، إنّما تنطلق المخاوف من حصيلة الفصل بين الشعب وبين تكوين الجيش من أفراد الشعب نفسه، واستخدام وسائل الفساد والإفساد في تطويعه للاستبداد أو مشاركته في الاستبداد.

لا بدّ من التركيز على أنّ الجندي أو الضابط في أيّ جيش من الجيوش ليس إلاّ مواطنا في بزة عسكرية يؤدّي مهمّة نبيلة، يرتبط بها مصيره هو.. ومصير كل فرد من أفراد شعبه.. ومصير كل ذرة من تراب الوطن.. ومصير كل جانب من جوانب صناعة المستقبل.. فإما أن يؤدّي هذه المهمة أو يتحوّل إلى أداة فاسدة في نظام استبدادي فاسد.. زائل آجلا أو عاجلا، وآنذاك يمكن أن يفقد قيمة انتسابه إلى الشعب نفسه.

هذا ما ينبغي على كلّ جندي فرد أو ضابط فرد في أي قطر من الأقطار العربية والإسلامية، أن يضعه نصب عينيه.. الآن، وهو يتابع ككلّ إنسان فرد على امتداد الأرض العربية والإسلامية ما جرى ويجري في تونس ومصر، فهو معرّض الآن، كما سيتعرّض آجلا أو عاجلا على وقع هدير الثورة للسؤال الحاسم أيضا:

هل ينتمي إلى الشعب أم ينتمي إلى الاستبداد، هل يريد البقاء مع الشعب وهو باقٍ دون ريب، أم يريد السقوط مع الاستبداد وهو ساقطٌ لا محالة.

إن تونس ومصر ترفعان الصوت عاليا ليصل إلى آذان القيادات العسكرية في كل قطر عربي وإسلامي آخر:

يا أيّها الضباط كونوا جزءا من نسيج الشعب في وطنه، ودرعا لحمايته من أعدائه، ولا تكونوا أداة في يدٍ أقرب أعدائه إليكم: الاستبداد القاتل لمستقبل الشعوب والأوطان.. والجيوش أيضا.

كونوا الآن على مستوى أمانة الموقع الذي تشغلونه، قبل أن ينالكم نصيب من زعزعة أركان ذلك الصرح الواهي من الاستبداد الذي يريد أن يستخدمكم.. ولو ببعض فتات معيشة مرفّهة بديلا عن رسالة الدفاع عن الشعب والأرض، ولا تنتظروا ساعة الامتحان الأكبر يوم يحين أجل الاستبداد في بلادكم.

يا أيها الضباط والقادة العسكريون في كل بلد وقطر عربي وإسلامي يعاني من الاستبداد.. كونوا على يقين وأبصروا ما تشهدون بأعينكم بين أيديكم، الآن.. قبل أن تجدوا أنفسكم في خضمّ أحداث ثورة حاسمة مشابهة في قادم الأيام:

ليس الشعب في مصر –أو تونس أو سواهما- هو المعرّض للامتحان الأكبر ساعة الثورة، أن يواجه قوة عسكرية داخل بلده، بل القوة العسكرية هي المعرّضة للامتحان الأكبر، ما بين أن توظف نفسها لتكون جزءا من إرادة الشعب الذي انبثقت عنه.. أو أن تكون جزءا من الاستبداد الذي يهدر الشعب في وجهه هديرا لا لبس فيه ولا غموض: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

المساعدات الأمريكية

لم ينقطع خلال البحث في الغرب عن سبيل لإنقاذ بقايا نظام استبدادي منهار في مصر –كما كان من قبل في تونس- ذلك الربط المشين بين ما يسمّى المساعدات المالية الأمريكية المخصّصة لقوات مصر العسكرية منذ نكبة كامب ديفيد السياسية، وبين ما يمكن الاعتماد عليه من قيادات عسكرية في مصر للسيطرة على الأوضاع قبل أن تحقّق الثورة هدفها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من "ولاء الدولة" للاستبداد الدولي، حتى وإن أعطيت مسحة "ديمقراطية واقتصادية" لامتصاص ما بقي الغرب يعتبره مجرّد غضبة شعبية على أوضاع معيشية بائسة.

ربط مشين مهين للكرامة الفردية والجماعية للقوات المسلحة في مصر، قيادات وجنودا..

هم يقولون ببساطة مذهلة لكل كريم:

المال الأمريكي هو ثمن الشرف العسكري، والكرامة في الفرد العسكري، ووطنية المواطن في بزة عسكرية، وإنسانية الإنسان في القوات المسلّحة في مصر.

يلوّحون علناً بوقف "المساعدات المالية".. ثم يؤجّلون التلويح والتصريح إلى ما بعد ظهور نتائج الثورة، وسيّان لديهم ماذا يكون عليه موقف القوات المسلحة في مصر وتصرّف قادتها وجنودها إزاء شعب مصر بسائر طوائفه وأطيافه، وإزاء شرفها وكرامتها واستقلالها وحريتها وسيادتها على قراراتها اليومية وعلاقاتها بقضايا أمتها المصيرية.. فلسوف تتجدّد محاولات لابتزاز الضباط والجنود في مصر بالمال الأمريكي.

إنّ الذي وضع القوات المسلّحة في مصر في هذا الموضع هو الاستبداد الذي حكم شعب مصر وقوّاتها المسلّحة، من قبل نكبة كامب ديفيد إلى يوم الثورة على الاستبداد.

وإنّ سقوط الاستبداد لا يكتمل قطعا إلا بسقوط الابتزاز الذي فتح أبوابه على مصراعيها لتحويل الدور العسكري المشرّف في كل أمّة من الأمم، إلى دور مخزٍ مهين لكل من يمارسه بحق الأمّة.

لا ينتهي الاستبداد.. ولا ينتهي الابتزاز.. ولا ينتهي الدور المخزي المهين من خلالهما، إلا بأن يعلن قادة القوات المسلّحة في مصر وجنودها إعلانا صريحا واضحا وقاطعا:

شعب مصر وجيشها يرفضان المال الأمريكي وجميع ما يتصل به من شروط وقيود على أرض الواقع أو في اتفاقات مزرية غير مشروعة جملة وتفصيلا..

آنذاك فقط يمكن القول إن جيش مصر يعلن مع شعب مصر بهدير الثورة التاريخي بمضمونه ونتائجه: الشعب والجيش يريدان إسقاط الاستبداد.

وما يسري على مصر يسري على كل قطر عربي وإسلامي يأبى أهله مدنيين وعسكريين، العبودية وقيود العبودية وأغلال العبودية للمال الأمريكي على حساب الشعوب والأوطان والقضايا المصيرية، قبل أن يسقط من يرتضي العبودية مع الاستبداد أمام هدير الشعب: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

كلمة الإعلام

كان من أغرب التعليقات على الأحداث الجارية وهي جارية في مصر قول أحدهم: "لسنا في أزمة.. ليس حزبنا الوطني في أزمة" بينما كان هو وحزبه وسيّدهم في "خبر كان" أو أوشكوا على ذلك.. وقول آخر: "الوضع مستقر وأجهزة الأمن مسيطرة على أحداث الشغب" وكان وزيره قد أصدر أوامره ونُفّذت بالانسحاب الكامل –المقصود بأمل نشر الفوضى- من مدن مصر وقراها وشوارعها النابضة بالثورة..

يبدو أنّ مهمة التضليل الإعلامي قد نالت من هؤلاء ولم تنل من الشعوب الثائرة!..

كما كان من المفارقات أن يدور حوار بين مذيعة تلفاز محلي في مصر وبين امرأة تشكو من "البلطجية" على الهاتف: لا تصدّقي هذه الأباطيل التي تبثها قناة الجزيرة الفضائية، بينما كانت الجزيرة تنشر مشهدا مصوّرا مباشرا من ساحة التحرير في قلب القاهرة وآخر من الاسكندرية يبث فيه ذوو الشهداء شكواهم ويعلنون تصميمهم أمام عدسة التصوير..

يبدو أن ممارسة التزوير الإعلامي لا تنقطع حتى بعد انقطاع حباله جميعا ساعة الحقيقة!..

وكان من النوادر المرّة التي عُرف عنها أهل مصر الأباة في ساعات المحن الاستبدادية، أن ينسبوا إلى وزير الإعلام المقال أو المستقيل عندما أصدر تعليماته بقطع بث فضائية الجزيرة ومصادرة تراخيص عمل مراسليها، أنّه أرفق ذلك بطلبه الاستبقاء عليها في تلفازه ليطلع على حقيقة ما يجري!..

يبدو أن الجهل بتطوّر الإعلام ووسائله ودوره وثورته قد تفاقم إلى درجة إعطاء الدليل القاطع على أن الاستبداد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم!..

سيّان ما يقال بحق وباطل عن الجزيرة ونشأتها ودورها وأنشطتها أو عن قطر والوجود العسكري الأمريكي فيها، فلا ريب أنّ ثورة الإعلام التي أحدثتها خلال أكثر من عقد مضى، هي جزء من الثورة الشاملة في المنطقة العربية والإسلامية على أكثر من صعيد، والتي وصلت إلى أركان الاستبداد القائم في أكثر من بلد.

ولكنّ الجزيرة نفسها كانت من نتائج تطوّر تاريخي تدور عجلته عالميا وتشمل البلدان العربية والإسلامية قطعا، ولم تكن هي صانعة ذلك التطوّر، إنما كان لها فضل استيعاب مقتضياته، فليست هي الطرف الذي يمكن توجيه أصابع الاتهام إليه بالإعلام عن الحقائق، المكشوف منها والمستور، إنّما توجّه أصابع الاتهام إلى من لا يزال يعمل على طمس الحقائق، يعيش عل ى فتات الماضي المزري إعلاميا وسياسيا، وقد بات المكشوف من تلك الحقائق أضعافَ اضعافِ المستور، فلا ينفع في محاولة تغييبها غربال الاستبداد ولا تعميم صورة القرود الثلاثة الأعمى والأصمّ والأخرس!..

الإعلام –سواء بمعيار المهنية أو معيار الوطنية أو معيار الرسالة الإنسانية التي يحملها- هو متابعة الأحداث وتغطيتها إعلاميا ليطلع عليها القاصي والداني.. وما صنعت فضائية الجزيرة –ولا يمكن أن تصنع- ثورةً في تونس أو ثورة في مصر، كما لم تصنع سقوطا مريعا في المفاوضات على حساب فلسطين وأهلها وأرضها، إنّما كانت "أداة إعلامية مهنية" حول ثورة صنعها أهل تونس وأهل مصر، وكانت أداة إعلامية مهنية حول جريمة يرتكبها من يرتكبها على حساب فلسطين.

وما برز دور الجزيرة.. ولا حازت على مكانة متقدّمة لدى الشعوب.. لأنها تصنع إعلاميا ما لم يصنع سواها، بل كان ذلك لأنّ سواها لم يصنع إعلاميا ما ينبغي أن يصنعه، مثلها أو بصورة أفضل منها.

هي فضائية واحدة بين مئات الفضائيات.. لو كان فيها بعض ما تقتضيه الرسالة الإعلامية، لوجدت الجزيرة نفسها واحدة من وسائل الإعلام المعاصرة.. إنّما عندما تتحول غالبية وسائل الإعلام إلى أدوات استبداد أو أدوات انحلال، فإنها هي بذلك التي تمدّ الجزيرة بقوة إضافية تجعلها "منفردة" في الميدان بلا منافس.

لئن لم "تتعلّم" الجزيرة من دروس الاستبداد وهو يلاحقها دوليا بالقذائف والاغتيالات، ومحليّا بالحَجْر والمنع وقطع تقنيات الاتصال.. فإن الصورة المقابلة الأخطر بحق الإعلام والشعوب هي أن الاستبداد لم يتعلّم على المستوى الدولي والمحلي، أنّ قهر الكلمة بالقذائف والحصار مستحيل.

ليست المشكلة في أن ما تقدّمه الجزيرة قابل للتصديق والمتابعة على مستوى الشعوب، بل هي مشكلة أنّ ما يقدّمه سواها قد سقط في وحل الانحلال فلا يهمّ ما يقدّمه غالبيةَ الشعوب وهي تتابع نبض الأحداث والثورات والقضايا المصيرية، أو سقط في وحل الاستبداد ففقد مصداقيته.

وليست المشكلة في أنّ الجزيرة تجد طريقا لإثارة الشعوب، بل المشكلة في أن الاستبداد صنع بإجرامه من الاحتقان ما وضع الشعوب على طريق الثورة.

وليست المشكلة في أنّ الجزيرة تشارك إعلاميا في صناعة أحداث تتجاوب معها الشعوب، بل المشكلة في أنّ الاستبداد يريد أن يحتكر صناعة الأحداث على حساب الشعوب.

وليست المشكلة في أنّ الجزيرة "تفضح" الأسرار، بل المشكلة في أن تلك "الأسرار" وخيمة وذاك ما يجعل الكشف عنها "فضيحة" للمتورّطين في الإجرام على حساب القضايا المصيرية والشعوب والأوطان.

وليست المشكلة في عجز المستبدين عن إسكات الإعلام نتيجة معطيات التطوّر الحديث عن الحيلولة دون وصول الكلمة الإعلامية إلى البشر، بل هي مشكلة المستبدين الذين لا يريدون أن يرتفعوا بأنفسهم إلى مستوى البشر الواعين بعالمهم وعصرهم والواقع من حولهم، ليدركوا ما يعنيه تطوّر وسائل الاتصال من استحالة منع الإعلام عن الوصول إلى البشر.

ولا يشين الجزيرة.. ولا يشين المدوّنات الفردية المنتشرة عبر الشبكة العالمية.. ولا يشين الشباب القادرين على التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة لكسر حواجز الاستبداد بالشعوب والأوطان والإعلام.. لا يشين من يستخدم الإعلام ووسائله للغسهام في صناعة الثورة على الظلم والاستبداد والفساد والتضليل، إنّما يشين مَن يمارسون الظلم والاستبداد والفساد والتضليل.. أنّهم لا يزالون يقبلون لأنفسهم بهذا الموقع ويتشبّثون به.

إن إعلام المستقبل في عصر الثورات الشعبية، العربية والإسلامية، في تونس ومصر وسواهما، هو الإعلام الذي ينتقل من البلاط الملوّث بين أيدي المستبدين، إلى الساحات الطاهرة بنداء الثائرين، ليعلن على الملأ في وجه المستبدّين من كل صنف وفي كل ميدان، هدير الشعوب الذي أصبحت ساحة التحرير في القاهرة رمزا تاريخيا شاهدا عليه: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

رعب الاستبداد من العدالة

لقد عرف تاريخ العالم من الثورات ما كان دمويا بصورة شوّهت كثيرا من معالم تلك الثورات إلى جانب بعض ما حققته في المسيرة الإنسانية التاريخية لترسيخ بعض الحقوق والحريات على الأقل في الواقع البشري. إنّما لم يعرف تاريخ العالم ثورة "شعبية" بمعنى الكلمة، صدرت عن الشعوب، وقادتها الشعوب، ورسمت معالمها وحدّدت تضاريس وجهها الشعوب، كثورة شعب تونس وثورة شعب مصر.. وإنّ من العسير على مَن لا يعرف طبيعة التكوين العقدي والحضاري والمعرفي لشعوب البلدان العربية والإسلامية، أن يستوعب ما أعطاه شعب تونس وشعب مصر عليه من مثال نموذجي مضيء غير مسبوق في تاريخ الأمم.

تعرّض الثائرون للقمع والبطش.. فلم ينتقموا!..

تعرّضوا للفتك الإجرامي اعتداءً على الآمنين وعلى الثروات وقد أفلتهم العاجزون عن متابعة المواجهة القمعية فلم تتحوّل الثورة إلى "فوضى إجرامية"..

وانفردت بالثائرين الشوارع والساحات فلم تتحوّل الجموع –التي وصفت بالغاضبة- إلى جموع هائجة تجرف ما حولها!..

ولئن استهدف بعض الجموع حصونَ الإجرام القمعي، فما سجّلت أيام "الغضب" هجوما "غاضبا" على إنسان أو منشأة، بل كان من الثوار "الغاضبين" من جعلوا من أجسادهم دروعا بشرية لحماية المنشآت والثروات، وجعلوا من أنفسهم حماة للبيوت من هجمات فلول من مارسوا القمع بحق الشعوب وحاولوا إجهاض الثورة بوسائل العصابات الإجرامية ليلاً عبر هجماتهم على الآمنين من السكان داخل أحيائهم السكنية.

وكان من هتافات الثائرين ومن كلماتهم عبر ما أتيح لهم من وسائل الإعلام، أنّ على المستبد وأعوانه الرحيل، وكان أقصى الأهداف التي طرحوها لمحاسبة المستبدّين والفاسدين أن يمثلوا أمام القضاء.. أي أمام ما حرمهم الاستبداد والفساد منه، وأمام أجهزة القضاء التي تعرّضت مع الشعوب للاستبداد وعبثه الإجرامي.

يتخيّل المستبدّون أنهم سيتعرّضون لوسائل التعذيب في أقبية المخابرات ووراء جدران أبنية "الأمن المركزي" وسواه ممّا صنعوه للبطش والتنكيل..

يتخيّلون أن يمثلوا أمام أناسٍ لا يفهمون من القضاء سوى كلمة "حالة طوارئ مزمنة" تبيح الإجرام للمستبد بلا حساب..

يتخيّلون أن الثورة على الاستبداد ستفضي بهم إلى حيث وضعوا الشرفاء على مرّ سنوات الاستبداد..

وزاد من مخاوفهم –لا سيما في مصر- ما سبق أن عايشوه من تخلّي الاستبداد الدولي عنهم وقد فقدوا قيمتهم بفقدان دورهم الآثم عبر تلاقي استبدادهم مع استبداده، ثم لم يجدوا –كما كان مع طاغية تونس- رقعة على عتبة من الأعتاب التي طالما وجدوا فيها من قبل ما كانوا يحسبونه صورة من صور "التكريم"، طوال فترة سطوتهم وتسلّطهم على الشعوب.

ليس مستغربا ما يصيب المستبدين من رعب أمام الثورة وما يتخيّلون لأنفسهم من مصير عبر انتصار الثائرين على استبداهم.

إنّ من أشد مصادر خوف المستبدّين من السقوط وأسباب المضيّ الأرعن على طريق البطش والقمع حتى نهايتهم هم، جاثين على ركبهم أمام الشعوب، أنّهم يخشون على أنفسهم من "انتقام" يوازي بصورة من الصور بعض ما صنعوه ويصنعونه من خلال استبدادهم.

من يفكّر بأسلوب همجي، يحسب ضحاياه لا يفكّرون إلا بمثل أسلوبه..

ومن يمارس الإجرام يظنّ ضحاياه مجرمين مثله..

ومن فقد الوجدان لا يدرك أن سواه لم يفقد الوجدان..

ومن يقضِ عمره دون أن يفسح المجال يوما لقرارٍ قائمٍ على الحقّ والشورى والعدالة لا يستوعب أنّ سواه ينطلق من الحق والشورى والعدالة في تعامله مع المجرمين من مستبدّين وفاسدين وأمثالهم..

ليس هذا من شيم الكرام الصابرين والثائرين، وأنّى للاستبداد أن يستوعب ما تعنيه شيم الكرام، ولو استوعب ذلك المستبدّون قبل سقوطهم في بلدان أخرى، فلربما ينجون بأنفسهم في الوقت المناسب، قبل أن يسمعوا ما سمعه السابقون إلى السقوط من هدير الثورة: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

الاستبداد كله مرفوض زائل

من أخطر المغريات في ممارسة الاستبداد أن يكون بعض ما يصنعه مقبولا لدى الشعب وبالمقاييس الوطنية أو القومية أو المصلحة العليا للقضايا المصيرية.

كان في تونس بعض النموّ الاقتصادي كما زعم الاستبداد لنفسه رغم البطالة والفساد والفقر والترف.. وسقط الاستبداد، وكان في مصر بعض النمو الاقتصادي كما زعم الاستبداد لنفسه رغم الانهيار والديون والبطالة والفساد والفقر والترف.. وسقط الاستبداد.

ارتباط نظام الاستبداد في تونس بفرنسا سبب من أسباب سقوط الاستبداد، وليس وحده السبب، وتبعية نظام الاستبداد في مصر للعدوّ الصهيوأمريكي سبب من أسباب سقوط الاستبداد، وليس وحده السبب.

ومن الوهم الانتحاري القاتل أن تحسب أنظمة مستبدة أخرى أنّ تعرّضها للعداء الغربي الصريح، يعني زوال مفعول أسباب السقوط الأخرى بين يدي الثورة على الاستبداد.

لقد كان في مقدمة أسباب الثورة على الاستبداد في تونس ومصر وجود حزب مستبدّ يحمل على ظهره الحاكم المستبدّ الفرد، ووجود فئةٍ من المترفين المنتفعين الفاسدين المهيمنين على ثروات الشعب، تستنزف مقدّرات الوطن وثرواته ولا تأبه بالبطالة والفقر، وإنّ أسباب الثورة كافية فعّالة في كل قطر من الأقطار العربية والإسلامية، يقوم الاستبداد فيه على حزبٍ يحتكر السلطة، وفردٍ يستند باستبداده إلى فئة من الفاسدين المنتفعين المترفين المهيمنين على ثروات الشعب.

وكان في مقدّمة أسباب الثورة على الاستبداد في تونس ومصر، مظالم حكم الطوارئ، واعتقالات القمع الوحشية، وممارسات الأجهزة الاستبدادية، وجميع ذلك يصنع الثورة بنفسه، آجلا أو عاجلا، مهما جرت التغطية عليه بادّعاءات ومزاعم أنّ "الاستقرار على الجماجم" هنا غير "الاستقرار على الجماجم" الذي كان في تونس أو مصر، وكذلك مهما جرت التغطية عليه بأنّ الإجرام الاستبدادي على المستوى الداخلي لا يقترن بإجرام "كبير" على مستوى التعامل مع القضايا المصيرية وفي مقدّمتها قضية فلسطين.

ليس في الممانعة والصمود إزاء تصفية قضية فلسطين، ومحاصرة مقاومة الهيمنة الصهيوأمريكية، ورفض "تطبيع" ما لا يمكن تطبيعه من علاقات مع عدوّ مغتصب.. ما يحمي الأقنعة الأخرى على الوجوه القبيحة المسبّبة للثورة على استبداد داخلي، جاثمٍ على مرّ العقود على أركان مهترئة، من دستور فقد قيمته، وحزب احتكر الاستبداد لنفسه، وقضاء انتُزعت شرعيته، واعتقالات ومظالم وحرمان وبطالة وفقر وترف.

الثورة على الاستبداد هي الثورة على جوهر الاستبداد المتمثل أولا وأخيرا في احتكار السيادة على صنع القرار في أيّ ميدان من الميادين، سواء شمل ميادين "السياسات الخارجية" أم لم يشمل، بأيدي فئةٍ من الفئات، سواء شاركت في الاستبداد مَن يسير في ركابها خوفا وطمعا أم لم تفعل، أو فردٍ من الأفراد، سواء اعتبر نفسه زعيما ملهما أو قائدا فذا أو كائنا من غير البشر..

الثورة على الاستبداد قادمة، عاجلا، من حيث لا يحسب حسابها من يطمئنون إلى ما أشاعوه عن أنفسهم وردّدوه حتى صدّقوه، الآمنون من الثورات على استبدادهم مثلما كان السابقون إلى السقوط من أقرانهم آمنين على أنفسهم.. بزعمهم.

وإنّ انتصار ثورة الشعب في تونس ومصر، سيصبّ في حصيلته في طريق سقوط نهج كامب ديفيد بكل إفرازاته، ونهج مدريد بكل تجلّياته، ونهج أوسلو بكل موبقاته.. ولن يصبّ في صالح مَن يميّزون أنفسهم بتردّدهم أو ممانعتهم واقعا أو كلاما، وبنجاح جزئي حقيقي أو موهوم، تجاه تلك الإفرازات والتجليات والموبقات، ما دامت هوة الاستبداد عميقة بينهم وبين الشعوب، قد امتلأت بآلام المعتقلين والمعذبين والمحرومين داخل الحدود، وفي هذه الهوّة سيسقطون، ما لم يستغلّوا الفرصة السانحة قبل حلول موعد الثورة على غير انتظار، فيتخلّوا عن كلّ شكل من أشكال الاستبداد.. إذا استوعبوا أن هدير الثورة لم يكن يقتصر على: الشعب يريد إسقاط كامب ديفيد، أو على: الشعب يريد إسقاط الجدار الفولاذي، أو على: الشعب يريد إسقاط التبعية الأجنبية، بل كان هديرا واضحا عاليا صريحا: الشعب يريد إسقاط النظام.. وما كان هذا الهدير إلا لأنّ الاستبداد بحد ذاته وبمختلف تجلياته وموبقاته جريمة بحقّ الشعوب والأوطان، وإنّ كلّ جريمة بحقّ الشعوب والأوطان هي جريمة بحقّ القضايا المصيرية كقضية فلسطين وقضية تحرير سيادة الشعوب على صناعة القرار.

=====================

حقيقة العلاقة بين الولايات المتحدة والبلطجية

محمد اسحق الريفي

منحت عصابات البلطجة التابعة لنظام مبارك، التي استخدمها لترويع المصريين المطالبين بتنحيته ورحيله، وخصوصاً في ميدان التحرير بالقاهرة، منحت العالم فرصة نادرة لمعرفة حقيقة هذا النظام البلطجي، والتعرف على أساليب القمع الدموية التي يستخدمها لتخريب الانتخابات وتزويرها، ومنع المواطنين من ترشيح أنفسهم للانتخابات والمشاركة فيها. فقد برهنت هذه العصابات أن نظام مبارك يعتمد على المرتزقة من الأراذل والأوغاد، وعلى المتاجرين بمصر وشعبها ممن لا تهمهم مصر ولا الأمة العربية، وإنما تهمهم كروشهم وأرصدتهم في البنوك، وهم على استعداد لذبح الشعب وحرق مصر من أجل الإبقاء على أبواب نهب ثرواتها مفتوحة أمامهم على مصارعها.

 

حق لنا أن نسمي هذا النظام المتهاوي بالطَّغام، لهمجيته واستبداده وفساده، ولاعتماده على عصابات البلطجة واللصوص، التي تذكرنا بفرق الموت وعصابات الإجرام التي شكلها محمد دحلان، بتمويل وتسليح وتوجيه أمريكي، لترويع المواطنين الفلسطينيين، ولنشر الفوضى والفلتان، وإنجاز الأجندة الصهيوأمريكية في قطاع غزة والضفة الغربية. لا فرق من حيث المهام والبلطجة والفلتان بين الأمن المركزي والشرطة السرية المصرية، والأمن الوقائي الفلسطيني، والبوليس السري الروماني، والسافاك الإيراني، والبوليس السياسي التونسي، وأجهزة المخابرات والاستخبارات العربية... كلها في البلطجة صنوان، ومهمتها جميعاً قمع الشعب واضطهاده، والمحافظة على النظام المستبد والفاسد.

 

عندما شاهدت على الشاشة الخيول والجمال وهي تصول في ميدان التحرير وتروع المطالبين بخلع نظام مبارك، تبادر إلى مخيلتي اسم جمال مبارك، الذي ذكرت التقارير أنه يقف إلى جانب رجال الإعمال اللصوص والبرلمانيين الفاسدين وراء عصابات البلطجة، وعندها تذكرت محمد دحلان وفرق الموت التي روعت المواطنين وسفكت دماءهم واعتدت على الممتلكات الخاصة والعامة. هؤلاء الطغام جميعاً يحاربون الأحرار والشرفاء من أبناء شعوبهم بشراسة من أجل البقاء في السلطة، ليستبدوا ويفسدوا ويقتلوا ويسرقوا، ولينفذوا أوامر الأمريكيين، وخصوصاً تلك التي تتعلق بحماية أمن الكيان الصهيوني ومستقبله. ولا يقبلون أبداً أية عملية سياسية تؤدي إلى نزع السلطة منهم، حتى وإن تم ذلك عبر صناديق الاقتراع. وحتى تستمر الولايات المتحدة في دعم هؤلاء الطغام، فإنهم يستخدمون الإسلاميين فزاعة، ويزعمون أنهم يعملون لمصالح الغرب والولايات المتحدة، ولكنهم في الحقيقة يدمرون بهمجيتهم وبلطجيتهم هذه المصالح على الأمد البعيد، وما تشهده تونس ومصر من أحداث تاريخية اليوم، وربما غداً في دول عربية أخرى، تؤكد أن النفوذ الأمريكي والغربي في منطقتنا العربية بدأ يتضعضع بوتيرة سريعة وفجائية.

 

المتابع لتطورات أحداث الانتفاضة المصرية يدرك أن الولايات المتحدة قد يئست من نظام مبارك، وأنها تحاول الآن إقناعه بالرحيل، لفتح الطريق أمام رجل أمريكا في مصر، وهو عمر سليمان، لكي ينفذ انتقالاً سلساً للسلطة، مجرياً تغييرات شكلية على النظام المصري، ومبقياً على جوهره من حيث علاقته بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني كما هو. موقف مبارك من المطلب الأمريكي يلخص قصة العلاقة بين النظام المصري المتساقط وبين الولايات المتحدة. فقد لوح مبارك لها بفزاعة الإسلاميين، زاعماً أن جماعة الإخوان المسلمين ستستولي على السلطة إذا رحل، محاولاً إقناع البيت الأبيض بتركه يبقى مهيمناً على السلطة لعدة أشهر أخرى، وذلك حتى ينتقم من الشعب المصري الرافض له، وحتى يمهد الطريق أمام تشكيل نظام جديد يدين له بالتبعية والولاء، أو حتى توريث السلطة نجله البلطجي جمال مبارك.

 

هذه هي حقيقة علاقة الولايات المتحدة بالبلطجية في منطقتنا، إنها علاقة قذرة تكشف الوجه المقزز للولايات المتحدة، وتكشف دورها القذر في انتهاك كرامة العرب، وإهدار إنسانيتهم، ونهب ثرواتهم وخيراتهم، وتدمير حضارتهم.

=====================

الشفافية...وتكريس الديمقراطية

وليد المشرفاوي

الشفافية والفساد مصطلحات متنافران، إلا أنهما مترابطان لأنه لا يمكن الحديث عن إحداهما دون الحديث عن الآخر، رغم أن علاقتهما عكسية ما دام وجود إحداهما ينفي، أو على الأقل يقلل من فرص وجود الآخر.

ولا يخفى على أحد أنه بوجود وتكريس الديمقراطية فإنه تتوفر الفرصة المناسبة لممارسة الشفافية وتنفتح السبل والأبواب أمام المساءلة والمحاسبة.

والمساءلة والمحاسبة بدورهما تعززان وتطوران تكريس الديمقراطية وتقويان قواعدها ولبناتها. وفي المقابل في مناخ لا توجد فيه إمكانية توفر الشفافية يسود فيه الظلام وتنعدم فيه المساءلة والمحاسبة، وبذلك ينتشر الفساد الذي يقود إلى تدهور أوضاع المجتمع على مختلف الأصعدة، لاسيما انتشار الفقر وتزايده، وتراجع الاقتصاد، وهذا وضع يكرس التعسف تجاه المواطنين وكأن على الفئات الضعيفة أن تتحمل لوحدها دفع فاتورة الفساد والاختلالات والانحرافات على حرمانها حتى من أبسط شروط الحياة الكريمة.

تعتبر الشفافية والمساءلة من أهم الركائز والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية. وهما مفهومان مرتبطان ارتباطا عضويا، لاسيما في مجال عملية صنع القرار في المجتمع. وطبعا فلا يمكن أن تكون الشفافية هدفا بحد ذاتها ولذاتها، وإنما هي وسيلة من الوسائل المساعدة في عملية المحاسبة والمساءلة. كما أن المساءلة والمحاسبة لا يمكن أن تتم بالصورة المرجوة والفاعلة والمجدية دون ممارسة الشفافية وتكريسها.

وتظل المساءلة والمحاسبة حق من حقوق المواطن تجاه السلطة كأحد الضمانات الأساسية لتعزيز الديمقراطية وتكريسها في المجتمع. وهي في واقع الأمر تهدف بالأساس لخدمة الصالح العام وخدمة مصالح المواطنين وخاصة حقهم في الإطلاع على عمل الحكومة وعمل من اختاروهم لتمثيلهم.

إلا أن المساءلة والمحاسبة تستلزم المشاركة الفعلية في الحياة العامة، كما تستوجب ممارسة كافة الحقوق، ومن ضمنها الحق في المشاركة في عملية صنع القرار، وذلك عبر التأثير في هذه العملية بواسطة ممارسة حق المساءلة والمحاسبة.

والشفافية أيضا حق ن حقوق المواطنين، كما أنها واجب من واجبات السلطة والحكومة والإدارة تجاه المواطنين. فمن واجب الحكومة فتح المجال أمام المواطنين للإطلاع باستمرار على سير إدارة وتدبير شؤون المجتمع في كافة المجالات وذلك لسببين رئيسيين. أولهما أن الديمقراطية تقتضي منح المواطنين كافة حقوقهم غير منقوصة وثانيهما منح إمكانية تصحيح وتصويب الأداء الحكومي ومختلف الهيئات في المجتمع باستمرار إلى تطور المجتمع نحو توفير أفضل السبل لتحسين أوضاع المواطنين.

والشفافية تعني أن تكون كل الهيئات والمؤسسات والمرافق التي تدير وتدبر الشأن العام شفافة أي أنها تعس ما يجري ويدور داخلها، وكذلك الأمر حتى بالنسبة للأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، بحيث تكون كل الحقائق معروضة ومتاحة للبحث والمساءلة.

ومن أجل ممارسة الشفافية وتكريسها ومن أجل توفير مناخ مناسب للمساءلة والمحاسبة كحق من حقوق المواطنين لابد من توفير جملة من الأسس. ومن أهمها سيادة القانون، الفصل بين السلط، احترام حقوق الإنسان والمواطن، حق وحرية الحصول على المعلومات، ممارسة وتكريس الشفافية في إدارة وتدبير الحياة العامة.

وسيادة القانون تعني بالأساس تطبيق القانون على الجميع، بغض النظر عن الانتماء السياسي والموقع أو المرتبة الاجتماعية. أي أن القانون لا يطبق فقط إلا على المواطنين ولا ينطبق على أصحاب القوة والنفوذ وذوي المناصب والسلطة. لأن عدم سيادة القانون تؤدي لا محالة إلى الظلم والاستبداد في المجتمع، ويصبح أصحاب المواقع والنفوذ والمناصب العليا في الدولة هم وحدهم صانعي القرار، وبالتالي لا يحق للمواطنين المشاركة في ذلك أو حتى الإطلاع على الكيفية التي يتم بها وعلى أساسها صناعة القرار. ومن الطبيعي أن يفتح هذا الوضع الأبواب على مصراعيها لتفشي الفساد والتعسف والاعتداء على حقوق المواطنين لصالح ولمصلحة فئة قليلة، وتكرس كل القرارات والقوانين من أجل خدمتها وتعزيز قوتها ونفوذها.

أما الفصل بين السلط فهو يكفل توزيع مصادر القوة في المجتمع لخلق التوازن بين مصادر القوة الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. كما أن هذا الفصل يؤسس رقابة متبادلة.

وفيما يخص احترام حقوق الإنسان والمواطن على اختلافها فإنه يؤدي إلى تكريس التفاعل بين المواطن والمجتمع ويدفع المواطن إلى المشاركة الفعالة والمستمرة في الحياة لمجتمعه بواسطة وعبر المعلومات التي تمكنه من ذلك، ويرفع درجة قدرة المواطنين في التأثير في صنع القرارات وقدرتهم على المساءلة والمحاسبة.

ويعتبر حق وحرية الحصول على المعلومات من أهم الأدوات بالنسبة للمواطنين من أجل ممارسة كافة حقوقهم. ولا يخفى على أحد أنه بدون توفر معلومات لا يستطيع المواطن ممارسة أي دور فاعل ومجدي في المجتمع، كما أن حقوقه تظل عرضة للاستلاب أو الانتقاص منها. وفي هذا الصدد تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا وحيويا، ولذلك أطلق على الصحافة لقب " السلطة الرابعة" إشارة إلى أهمية الدور الذي تقوم به.

أما ممارسة الشفافية في إدارة الحياة العامة، فهو أمر يقع بالتمام والكمال في نطاق حقوق المواطن، وفي ذات الوقت يعتبر من الواجبات الأساسية للحكومة تجاه المواطنين. وهذا يعني أن تكون سياسات الدولة في مختلف المجالات واضحة ومحددة ومكشوفة دون غموض أو لبس، وهذا يمكن المراقبة والمتابعة والمحاسبة على تلك السياسات، إلا طبعا فيما يتعلق بالأسرار الأمنية والعسكرية المتعلقة بأمن الدولة والمجتمع والتي تحدد بناءا على القانون وليس بصورة اعتباطية.

والمساءلة تستوجب جملة من الشروط، من أهمها درجة معينة لوعي وتنظيم المواطنين، وقيام وسائل الإعلام بدورها. إنه كلما زادت درجة وعي المواطنين زاد حجم التأثير الذي من الممكن إحداثه من خلال المساءلة. كما أن هناك علاقة واضحة بين درجة الوعي وبين تنظيم المواطنين في الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات وجماعات الضغط والمصالح. وبالتالي كلما ارتفعت درجة تنظيم المواطنين كلما زادت قوتهم وبالتالي تأثيرهم في عملية المساءلة والمحاسبة.

أما فيما يخص دور وسائل الإعلام في هذا الصدد، فقد تكون بعض الصحف في ملكية أحزاب أو فئة معينة، وبالتالي تعمد إلى نشر ما يتوافق مع مصلحتها، كما أنها قد تكون ذات طبيعة تجارية وربحية بحتة، وكل ما يهمها هو تحقيق ربح على حساب نقل الحقائق والمعلومات.

فالشفافية إذن تعتبر ركنا أساسيا وعنصرا هاما في ترسيخ وتكريس الديمقراطية في المجتمع، سواء على مستوى الأفراد والجماعات. والشفافية تهم الهيئات الرسمية كما تهم كذلك مؤسسات المجتمع المدني.

=====================

شباب الكنانة ونداء الفرصة الأخيرة!!

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

انطلقت عجلة التغيير، ودقت ساعة الحقيقة، وتحركت جموع الشعب المصري الغاضبة التي منحت نظام الرئيس حسني مبارك فرصاً كثيرة جداً للتغيير والإصلاح، لكن هذا النظام الظالم الغاشم للأسف الشديد لم يعبأ بشعبه، ولم يُعِرْ مطالبه العادلة والمشروعة أي اهتمام، بل أهدر كل هذه الفرص، وأحرق كل السفن، وتمادى في غيه وضلاله وتجبُّرِه على الناس، وأغلق كل نوافذ الأمل، وعامل المواطنين بكل ازدراء، وواصل تحديه للرأي العام، ولم يترك أمام الجماهير سوى النزول إلى الشارع للتعبير عن تطلعات الشعب وآماله في العدالة والحرية والمساواة، وإعلان مطالبه العادلة المشروعة في توفير الحياة الحرة الكريمة لكافة جموع الشعب المصري العريق.

إن ثورة الكرامة التي تشهدها هذه الأيام كل مدن مصر، وتشارك فيها جموع غفيرة من أبناء الشعب المصري الأبي تؤكد أن هذه الأمة حية، وأن هذا الشعب المؤمن المغوار سيظل بإذن الله تعالى قلب العروبة النابض وحصن الإسلام المنيع، ومركز إشعاع حضاري وثقافي، وملجأ وملاذ أخوانه العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومن ظن أن شعب مصر قد مات مع اتفاقات كامب ديفيد التي آن الآوان لإنقاذ مصر من أغلالها وبراثنها...!! فهو واهم؛ فها هي الأحداث العظيمة تثبت بالأفعال لا بالأقوال خطأ هذه الظنون والأوهام وزيف هذه المزاعم والادعاءات.

والرائع في هذه الثورة الشعبية المباركة أنه قد شارك فيها جموع غفيرة من الرجال والنساء والشباب والفتيان والشيوخ والمسنين، لقد خرجت هذه الجموع الغفيرة في كل مدن مصر ومن مختلف الأعمار والطبقات والشرائح الاجتماعية لتعلن رأيها بوضوح وتعبر عن مطالبها العادلة، بعد أن اشتعلت براكين الغضب في نفوسها، والأكثر روعة أنها ثورة سلمية متحضرة ليس فيها أي فوضى أو تخريب ولم ترتكب فيها أي أعمال عنف أو سلب ونهب سوى ما تقوم به الشرطة التي تريد بث الذعر والخوف في نفوس المصريين، وتهدف إلى تشويه صورة هذه الثورة السلمية البيضاء، وتحاول إيجاد الذرائع للانقضاض على المتظاهرين العزل لأنها معركة النظام الأخيرة، ولسان حاله يقول: يا قاتل يا مقتول في هذه المعركة!!

إنها ثورة شعبية مجيدة بكل معنى الكلمة ثورةٌ على كل رموز الفساد والظلم والطغيان، وسدنة التطبيع والانبطاح والاستسلام، ودعاة التغريب وأنصار التخنث والميوعة والانحلال الذين تركوا شبابنا لمهاوي الرذيلة والضياع، ورفضوا حَجْبَ المواقع الإباحية، وروَّجُوا لثقافة العهر والخنوع والفساد، وأشاعوا فكر الأنانية وحب الذات، وسعوا إلى ترويج وتسويق أنماط الحياة المادية الجشعة الحقيرة بهدف تخريب الذمم وإماتة الضمائر وإفساد الناس بكل سبل الإفساد، وأرادوا إشاعة الفاحشة بين الشباب لتستعر بينهم ثورة الغرائز فيقعوا عبيدا لشهواتهم ويتخلون عن دينهم وهويتهم وكرامتهم الإنسانية، لقد فعل زبانية الحزب الوطني كل هذه الجرائم حتى يستقر لهم الوضع ويتسنى لهم التحكم في هذا الشعب بعد أن ظنوا أن شبابه قد أصبح لقمة سائغة، أو مجرد قطعان هائجة لا تلوي على شيء سوى إشباع غرائزها وإسكات سعار شهواتها المتأججة بفعل المواقع الإباحية والأفلام الفاضحة والثقافات الهابطة، والأفكار المأفونة التي يروجون لها.

والغريب أن هؤلاء الفاسدين المفسدين الضالين المضلين الذين رفضوا تطهير شبكة الإنترنت في مصر من مواقع الإباحية والانحلال حمايةً للفضيلة وصيانة لشباب مصر من السقوط في حمأة الرذيلة بحجة عدم القدرة على ذلك هم أنفسهم الذين سارعوا إلى إغلاق شبكات الهاتف المحمول وتعطيل خدماته، وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي وتعطيل الإنترنت لمنع الشباب المصري الشريف المناضل من التواصل أثناء المظاهرات.

حمى الله شباب الكنانة فهم حماة الكرامة، وأنصار الحرية والعدالة والمساواة، وسينصرهم الله تعالى على كهنة هذا النظام الظالم، وكل دعاة الخزي والعار، وأنصار الفجور والانحلال وراغبي إشاعة الفاحشة بين الناس!!

إنني أنادي كل شرفاء الحزب الوطني، فقطعا ليس كلهم خونة ولا عملاء، بل منهم أهل فضل ودين ومن له علم ومروءة ونبل وشهامة، وهؤلاء أقول لهم: أين صوت العقل والحكمة؟ ولماذا تسدون كل أبواب الأمل ؟! لماذا تصمتون بعد كل سنوات الفقر والبطالة والقهر والحرمان التي عانى منها شعبكم وأبناؤكم؟! لِمَ لا تأخذون على أيدي الظالمين منكم؟! لِمَ لا تعلنوا انضمامكم للشعب؟! لِمَ تقفون في خندق واحد مع المحتكرين الفاسدين الظالمين؟!! هيا انْأَوْا بأنفسكم عن هؤلاء قبل فوات الأوان...هيا قولوا كلمتكم الأخيرة وأعلنوا وقوفكم إلى جانب هذا الشعب الصبور الطيب، هيا احقنوا دماء أبنائكم وبناتكم هيا ارحموا عجائزكم ومسنيكم... إنه نداء الفرصة الأخيرة يوجهه لكم شباب الكنانة الأبطال، فوالله لن ترجع العجلة إلى الوراء أبداً، ووالله لن نسكت ولن نستكين للظلم والقهر والاستعباد بعد اليوم، ولن ينفعكم صمتُكم وستجنون حصائد مواقفكم فهيا بادروا بخلع ربقة هذا النظام الظالم من أعناقكم ولا تراهنوا على حصانه الهَرِم، ولا تحشروا أنفسكم في عربته العاجزة المنكوبة؛ فشباب مصر قد أعلنوها وأنتم أعلم من غيركم بقوة عزيمة وصلابة شباب الكنانة العظماء!! "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].

* كاتب إسلامي مصري.

=====================

انتفاضة مصر...التتمة غداً

عريب الرنتاوي

الانتفاضة التي اندلعت في ميدان التحرير، زلزت أركان نظام الركود والاستبداد....الرئيس لن يخوض الانتخابات المقبلة، هكذا قال هو بنفسه...نجل الرئيس لن يخوض الانتخابات بدوره، هكذا قال نائب الرئيس الجديد المُعيّن...أمين عام حزب المؤتمر الوطني الحاكم، رجل الأعمال الأشهر، الابن غير الشرعي لزواج المتعة بين المال والسلطة في الحقبة المباركية أحمد عز، ممنوع من السفر...وزير الداخلية (الطاووس) الحبيب العدلي ومعه وزراء الإسكان والمالية ورجال أعمال، ممنوعون من السفر....التحقيق جارٍ لمعرفة المتسبب بفلتان الأمن و"سيبان السجون" وفوضى البلطجية، جارٍ على قدم وساق...الدستور سيعدّل، وولاية الرئيس ستُحدد مستقبلاً...الحريات ستشاع والانتخابات المبكرة ستقرع الأبواب...ومع ذلك يتساءل بعض كتاب "السلاطين" في مصر (والأسوأ من خارجها) عن الحاجة لمثل هذه الثورة (عفواً الفوضى)، ويسخرون من الحديث عن الموجة الرابعة من الديمقراطية التي ستجتاح العالم العربي، بل ويحاولون تقزيم ثورة اللوتس ومن قبلها ثورة الياسمين، إلى صراعات محدودة بين أجنحة السلطة القائمة وتيّاراتها.

 

هؤلاء ما عادوا يعروفون شيئاً عن شعوبهم...انفصلوا عنها لفرط تمسّحهم بالبلاط والعتبات...هؤلاء يذكروننا بنوع من الأسماك السوداء، نسميها عادة "الأسماك الزبّالة" تعيش في قاع الأحواض السمكية (الإكواريوم)، ووظيفتها تنظيفها من فضلات الأسماك الملونة التي تقضي النهار تسبح بخيلاء...هؤلاء ما عادوا قادرين على تذوق طعم الحرية ولا استنشاق نسائمها.

 

ثورة مصر، مصرية مائة بالمائة، "صنعت في مصر" وعلى يد أبنائها، لا فضل للخارج فيها أو عليها....صحيح أنها تأثرت بالروح التونسية، لكن الصحيح كذلك أن كل عوامل انفجارها، وكل القوى التي حركتها، مصرية (أباً عن جد)، وهنا تكمن قيمتها...هنا تكمن جدّتها...هنا تكمن عظمتها.

 

لكن لثورة مصر تداعيات عربية، لا يمكن لعين مجردة أن تخطئها....فهي أطاحت بالتجديد والتمديد والتوريث في اليمن غير السعيد...وهي أطاحت بالتعديلات الدستورية القائمة على نظرية "تصفير العداد" قبل أن ترى النور...وهي أطاحت بمحاولات الرئيس اختطاف مجلس الشعب بإصراره على إجراء انتخابات في نيسان / أبريل المقبل.

 

وتداعيات الثورة المصرية ضربت الجزائر وأطاحت بقانون الطوارئ المعمول به منذ قرابة العقدين من الزمان...وهي مرشحة لأن تفضي إلى مزيد من التفاعلات في بلد شهد أحداثا جسام خلال العقدين الفائتين.

 

وتمتد تداعيات الحدث التونسي، فتطيح بحكومة السيد الرفاعي بعد أقل من شهرين من حصولها على "الثقة الماسيّة" أو ما بات يعرف ب"ثقة ال111"...وهي دفعت رئيس وزراء مكلف الذي اشتهرت حكومته الأولى بالانقضاض على الإسلاميين لأن يعرض على الإسلاميين أنفسهم أن يكونوا شركاء في حكومته الثانية...وهي دفعت إلى خلق مناخ في البلاد، غير متسامح مع قضايا الفساد وغير متفهم لأية مراوحة أو تردد في إنجاز المشروع الإصلاحي.

 

روح المنتفضين في شوارع مصر وتونس ومدنهما، تحوم في سماء المنطقة العربية، وتجول بين أزقتها وشوارعها، وها هي "الموجة الرابعة من الديمقراطية" كما أسماها الصديق موسى شتيوي تضرب العالم العربي، متأخرة عقدين من الزمن عن آخر الموجات الديمقراطية، ولكن أن تصل متأخيراً خير من أن لا تصل أبدا.

 

لن تتوقف تداعيات التسونامي الذي ضرب مصر وتونس عند هذا الحد، وسيكون لخروج مصر من الحقبة المباركية أثر على دور مصر ومكانتها، والأرجح أن مصر لن تظل على مواقفها وتموضوعاتها السابقة، الأرجح أنها ستكون لاعبا فاعلا لصالح القضايا العربية، بدل أن تكون عبئاً عليها، فالذين جعلوا مصر تنظر للقضية الفلسطينية من "خرم إبرة حماس" فشلوا، وقد لا يظلون في السلطة، والذين جعلوا من سمير جعجع وفؤاد السنيورة سفيرين فوق العادة للشقيقة الكبرى في لبنان، خرجوا ولم يعودوا، والذي جعلوا مصر العظيمة "مسنن" في الماكينة الأمريكية في المنطقة، ربما نراهم خلف القضبان قريباً، فتحية لمصر وتحية لشهداء ثورة اللوتس الأبرار.

==================

ثورة تحريك الرؤوس والأقدام!

عامر العظم

مزقونا بمساطر بريطانية وفرنسية، ودعسوا علينا ببساطير..صناعة وطنية! حشرونا كالبهائم في حظائرهم واسطبلاتهم! نصفق كالعبيد ليل نهار للصنم المعجزة! خدّرونا بأوهام وشعارات! قمعونا بأجهزة الأمن! مارسوا علينا كل أشكال الترهيب والتمييز! قسمونا إلى مواطنين درجة أولى وثانية وعاشرة! قيدوا حركتنا بقوانين الطوارئ والتمييز الوطنية! خنقونا..أفقرونا..قهرونا..شردونا! جعلونا أذلة نحتقر أنفسنا صبح مساء!

لم يعلموا أننا اقتربنا في هذا العصر أكثر..وبتنا أذكى وأقوى وأوعى... وبتنا نعشق تحطيم الأصنام، والوحدة العربية أكثر من أي وقت مضى!

====================

فَهِمْتُكم

شعر عبد الرحمن بن صالح العشماوي

فـهـمْتُكمْ بـعدَ أعـوامٍ iiوأعْـوامِ
الآنَ  أدْركـتُ ،تـفريطِي iiوإِجْرامي
الآنَ  أدْركـتُ مـعنى أنَّـكم iiبـشرٌ
لـكمْ حـقوقٌ ، ولستُم محضَ iiأنعامِ
فـهمتكم  يـا بَني شعبي وقدْ iiلعِبتْ
بـكُمْ  جـنودي وقـوَّاتي iiوأَزْلامي
نـعم ، مـلأْتُ سجوني من iiأكَارِمكمْ
وكَـانَ  تـعذيبُهم رمْـزاً لإقْـدامي
حـكمتُ بـالسِّجنِ تـأبيداً iiلـطائفةٍ
أَصْـلَيْتُها  فـي سـجوني نارَ iiآلامِ
ولَـمْ  تَـدَعْ سَـعْيَها لـلدِّينِ طائفةٌ
أُخـرى  ، فأصْدَرْتُ فيها حُكمَ إعْدامِ
جَـعَلْتُ أرضـكُم الـخضراءَ iiمُعْتَقَلاً
حـقَّقتُ  فـيهِ بسيفِ الظُّلْمِ iiأحلامي
أطْـلَقْتُ فـيكم عـلى ظُلْمٍ جَلاَوِزَتي
مـا  بـينَ لـصٍّ وكـذَّابٍ iiونـمَّامِ
نـعمْ ، جَـعَلْتُ بـيوتَ اللهِ خـاوِيةً
مِــنْ كُـلِّ داعٍ وصـوَّامٍ iiوقـوَّامِ
حـتى الأذانُ تـوارى عـن iiمآذِنِكم
وعـن  وسـائل إعـلاني وإعلامي
أمَّـا  حـجابُ العذارى فهو iiمُعْضِلةٌ
حَـاربْـتُها بـإهـاناتي iiوإرْغـامي
نَـعَم  ، جـعلتُ مـنَ الطُّغيانِ لافِتةً
فـيها مـعَالِمُ مِـنْ قَسْري iiوإلْزامي
لـكِنَّني  الآنَ يـا شعبي وقد iiسَلَفَتْ
أيَّـامـكم  بـمـآسيها iiوأيَّـامـي
أقـولُها  ، ونجومُ الليلِ تَشْهَدُ لي ii:
فـهِمْتُكم ، وإلـيكم فـضْلُ iiإفْهامِي
فـهِمْتُكم ، فـلقدْ صـرْتم iiعَـمَالِقةً
وكُـنتُ أبـصرُ فـيكم شـكلَ iiأقْزامِ
فـهمتها الآنَ ، إنِّي قدْ ظَلَمْتُ ، iiولمْ
أرْحـم  فـقيراً ، ولـمْ أَلْطُفْ iiبأيْتامِ
ولـمْ أقـدِّمْ طـعاماً لـلجياعِ ، iiولم
أقـدِّمْ الـماءَ لـلمُسْتَنجدِ iiالـظَّامي
ولـمْ أقـدِّمْ ثـياباً لـلعُراةِ ، iiولـم
أمـنـح  تـلاميذكم حِـبراً لأقـلامِ
فهِمْتُكمْ ، فافْهَموني ، وافْهموا iiلُغتي
وقـابـلوا لُـؤمَ أخـلاقي iiبـإكرامِ
إنّـي سـأفتَحُ أبـوابَ الـعطاءِ لكم
وسـوفَ  أُصـدِرُ للإصلاحِ أحكامي
هـيَّا ، ضعوا في يدَيْ أيديْ تعاونُكم
يـا  أخـوتي وبني عمِّي iiوأرْحامي
إنِّي صحوتُ على نورِ الصَّباحِ ، وقدْ
طـوَيتُ  عِـقْدَينِ فـي ظُلْمٍ iiوإظلامِ
فـهمتكم ، أيُّها الشعبُ الذي iiدعَسَتْ
أحـلامَه فـي طريقِ الجَوْرِ iiأقدامي
الآن  أدْركـتُ أنِّـي كـنتُ في iiنفقٍ
مـنْ  غـفْلَتي وضـلالاتي iiوآثامي
***
أَنْـهى  الحديثَ ، ولمْ يفطن iiلخطبتهِ
إلاَّ  الصَّدى و الّلَظى في قَلْبِه iiالدَّامي
وجَـلْجَلَتْ صرْخةُ المستهزئينَ بهِ ii:
فـاتَ  الأوانُ ، فـلا تـركن لأوهامِ
نـسـيْتَ أنَّ لـنا ربًّـا نـلوذُ iiبـهِ
إذا  تَـطَـاوَلَ فـينا جَـورُ iiحُـكَّامِ

=====================

ثورة 25 يناير مستمرة حتى الإطاحة بمبارك

مجدى أحمد حسين

اليوم 2 فبراير 2011 استخدم نظام مبارك أحد أوراقه الأخيرة فى محاولة يائسة للبقاء, فقام بجريمة كبرى جديدة باستخدام أفرادالشرطة بزى مدنى وبلطجية بضرب أبناء الشعب من المتظاهرين فى القاهرة وشتى المحافظات. ولكن المذبحة الكبرى جرت فى ميدان التحرير حيث سقط مئات الشهداء والجرحى. هذا هو الطاغية الذى يريد أن يحكمنا 9 شهور أخرى، ولكنه يكذب كعادته ولا أحد يصدقه. فإذا تركناه سيقول بعد عدة شهور أن الجماهير تضغط عليه للاستمرار فى الحكم!! بعد ثلاثين عاما من الخراب والنهب والسلب والفساد يقول الطاغية أنه سيصلح البلاد فمن يصدقه؟!

إن الأمة مجمعة كما لم تجمع من قبل على مطلب واحد: إزاحة مبارك ومحاكمته. والثورة ليس لها إلا مطلبا واحدا هو إسقاط مبارك. وهو يحوى برنامجا كاملا للحد الأدنى يجمع الشعب كله. فهو يعنى رفض كل ما يمثله هذا الحكم من فساد وتبعية وظلم. فالشعب هو الذى ينتخب الحكام وهو الذى يعزلهم. وأن اللصوص لا مكان لهم فى الحكم ولكن فى السجون، وأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وأن العدالة الاجتماعية يجب أن تظلل الوطن، وأن الحريات الأساسية ركن ركين فى أى نظام سياسى رشيد.

لذلك نحن نؤيد عدم إثارة أى موضوع آخر حتى تحقيق هذا الهدف الجليل. كذلك نحن أمام ثورة شعبية عميقة الجذور لا مثيل لها فى تاريخ مصر المعاصر منذ ثورة 1919 وضعتنا على أعتاب نهوض شامل حقيقى لا مجال له بدون أن ينزل الشعب فى الميدان بكل ثقله، كما يحدث الآن.

وأقول لاخوتى من أبناء شعب مصر: لا تقلقوا من بعض مظاهر وأعراض المخاض, فهذه من سنن الله، فلا تحرر من الطغيان بدون بعض الآلام والمتاعب يتسبب الطاغية أساسا فيها خلال محاولته اليائسة للبقاء فى الحكم, بدءا من إطلاق الرصاص ثم جرائم الفلتان الأمنى لترويع الآمنين وإحداث أزمات تموينية مفتعلة, ومثل هذه الجريمة الأخيرة فى ميدان التحرير. فالطاغية يريد من خلال ذلك أن يقول أنا أفضل من هذه الفوضى واختلال الأمن، بينما ثمن الحرية يستحق أن ندفعه للتحرر من الذل والعبودية، ورغم أنه ثمن غال إلا أنه زهيد مقابل المكاسب العظمى لاستعادة الكرامة والآدمية. فخسائرنا حتى الآن ما تزال أقل من خسائر العبارة وقطار الصعيد. بل أن شهداءنا أحياء عند ربهم يرزقون. ويجب أن تدركوا أن فترة المعاناة خلال الثورة لا تطول كثيرا, وأنها مجرد أيام لا تذكر بالمقارنة بثلاثين سنة استعباد، وطالما أننا نسير فى طريقنا بحزم وبدون تردد فإن ذلك يقصر من فترة الآلام والمعاناة. وتذكروا جيدا كم دفعتم من شهداء فى طوابير الخبز والبوتاجاز وعلى الطرقات، وأيضا بسبب انتشار السرطان والفشل الكلوى والكبدى والذى يرجع للمبيدات التى أدخلها نظام مبارك من إسرائيل وغيرها. وشبابنا الذى غرق فى البحر المتوسط بحثا عن عمل فى أوروبا, والذين قتلوا وعذبوا فى السجون وأقسام الشرطة, وغير ذلك كثير. فهذا هو استقرار مبارك المزعوم.

وما فعله مبارك فى ميدان التحرير اليوم هو أكبر دليل على الثمن الذى ندفعه مقابل استمرار مبارك فى الحكم (مئات الشهداء والجرحى فى سويعات) رغم أن تجمع التحرير سلمى، وهو يزعم أنه يوافق على مطالبه، فهل موافقته على مطالبهم يتمشى مع قتلهم؟!

إن ثورتنا سلمية وستظل كذلك باذن الله، ونحسب أن مبارك فى ساعاته وأيامه الأخيرة، وما النصر إلا صبر ساعة.

نحن الآن فى حالة إضراب عام واعتصام دائم فى ميدان التحرير، ولابد من تصعيد التظاهر السلمى يوم الجمعة القادم. بل أن هؤلاء الطغاة بحماقتهم يزيدون من رقعة الإضراب العام بوقف القطارات وإغلاق الطرق بين المحافظات وإغلاق البنوك وميناء الإسكندرية والبورصة. وعندما ترهقكم هذه الأوضاع تذكروا دائما أن نظام مبارك هو الذى يقوم بها.

ستقولون وماذا يفيد المزيد من التظاهر إذا كان التظاهر السابق لم يؤد إلى إزاحة الطاغية؟ نقول أن الصراع أشبه بعض الأصابع والذى يصرخ أولا يهزم، كما أن المزيد من التظاهر يعنى المزيد من الضغط. والمزيد من انكماش سلطة الطاغية، وكسب شرائح جديدة من الشعب بانضمامها إلى الثورة. أما ألاعيب النظام فقد قمتم بالفعل بممارسات ابداعية لمواجهتها كتشكيل اللجان الشعبية لحفظ الأمن. ويمكن تشكيل لجان موازية لحل مشكلات الإعاشة والتموين وتنظيم الحياة اليومية كما حدث فى بعض المحافظات.

اصبروا صابروا ورابطوا, واعلموا أن يد الله فوق أيديكم, وهو جل شأنه الذى أمركم بمقاومة الظلم حتى تستحقوا خلافته على الأرض ((والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون))

موعدنا يوم الجمعة فى كل المساجد والكنائس. فى يوم الرحيل.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار

الخزى والعار للطاغية

النصر لشعب مصر

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ