ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 02/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

حديثي إلى الطغاة ..(مهداة إلى كل طاغية)

د. منير محمد الغضبان*

فمن كان طاغية فليتحسس رأسه ، وليمس رقبته..

ومن لم يكن طاغية فلينم قرير العين ، فهو ليس مقصودا بهذا الحديث .

إنها مهمتي أن أضع أهم صفات الطغاة ليقيس كل سلطان أو حاكم نفسه . هل هو بريء من هذه الصفات ، أم له شراكة فيها ، وسأحاول أن أعرض أهم عشر صفات منها :

أولا:إن هذا الطاغوت يقدم نفسه بديلا عن الله ، ومن أجل هذا قال الله تعالى :

((الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطن إن كيد الشيطن كان ضعيفا))

وليعلم جنود الطاغية أنهم شركاء في كل شيء ((فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ))

ولم يقل الله تعالى عن جنود الطاغوت ذلك إلا في سياق عرض فرعون نفسه إلها من دون الله .((ما علمت لكم من إله غيري))وقوله (( أنا ربكم الأعلى ))

ثانيا : ومن أجل هذا فهو المنعم وهو القاصم ، تختصر الأمة كلها بفرده ، وشخصه ، وخيرات الأرض كلها له يهب لمن يشاء منها ، عطاء وتفضلا، ويمنع من يريد منها فهو الأمة وهو الوطن وهو الحياة وهو الموت ، بل يمكن أن يضحي بشعبه كله من أجل بقاء ملكه وشخصه .

((إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت ..))

ثالثا: ويحاول أن يحمل صفات الإله من كبرياء وسلطان ، وبه قال الله عز وجل في الحديث القدسي : ( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منها قذفته في النار ) وروي بألفاظ مختلفه منه ا: عذبته ، وقصمته ، وألقيته في جهنم ) وأدخلته جهنم و(ألقيته في النار ) والحديث أصله في صحيح مسلم

ومن أجل هذا يضع الأصنام في كل مكان وكل ما يصور عظمته وشخصه وحكمته وعبقريته . وإلهامه . ولو كان يستنزف خيرات الأمة كلها.

رابعا : أهم ما يود المحافظة عليه هو حقه في التحليل والتحريم نيابة عن الله ، فابن علي مثلا عندما حج كانوا يقولون له : حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا لم يكونوا يقولون له : ذنبا مغفورا . فهو لا يذنب . وهو يمنع الأذان ، وهو يلغي الحجاب ، ويمنع الصلوات في المساجد ، وهو يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث (( شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ..)

خامسا : وقد يبرز الطغاة بثوب لين إيماني ناعم

((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام )) فحديثهم دائما عن الديمقراطية والنعمة العظيمة والأمن والتضحية ، أنهم يعيشون في حياة الأحلام وكذلك هم مؤمنون محبون للإسلام

لكن ما هو ثمرة فعلهم .. هو الفساد في الأرض

((وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل . والله لا يحب الفساد ))

فإهلاك الحرث وهي استنزاف خيرات الأرض كلها له ولحزبه ولعائلته ولطغمته.

ويهلك النسل .

فهم يقصم الناس ويئد حرياتهم ويذبحهم من الوريد إلى الوريد مئات أو ألوفا أو عشرات الألوف ويدفنهم في المعتقلات .

سادسا : وهو يرفض أي نصيحة أو أي رأي أو أي تذكير بالخوف من الله ، ومراعاة حق الأمة ، وحق المحرومين ، وحق الجائعين ، وحق العاطلين ,

((وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ))

فهو يصر على موقفه معتمدا على قوته ، على أزلامه ، على جيشه ، على أجهزة رعبه التي تسمى أجهزة الأمن . ويبتديء زاهدا في المنصب . لكن الجماهير حملته إلى سدة الرئاسة .والجماهير أصرت على التجديد له . والجماهير أعطته السلطة مدى الحياة . وأعطته الصلاحية باختيار ابنه وريثا لعرشه .. وكل ذلك باسم الديمقراطية . وباسم النزول عند رغبة الشعب .

سابعا : وهو يحسب نفسه بمأمن من الموت ، وبمأمن من الخلع ، وبمأمن من الثورة .

فأجهزة رعبه مهمتها أن تثبت الرعب في نفوس الأمة ، بحيث لا يسمع صوت ولا نأمة ولا همس

إلا يسبح بحمده ، وتثني عليه الثنماء كله ، ومهمته الأولى أن يقتل العلماء الواعين ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم.أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ومالهم من ناصرين ))

ثامنا : والطاغية لا يؤمن إلا بالرأي الواحد كما مثل ذلك أكبر طفاة الأرض فرعون :

((قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد))

فهو الذي يعرف الحق والهدى ومصلحة الأمة . والناس طبقة من العبيد تبقى طيلة عمرها ، كذلك تحتاج إلى وصاية الحزب والقائد ولو مر عليها ستون عاما . فهي لا تفطم وتبقى في سن الرضاعة ، ولا تبلغ الرشد .

تاسعا : وكل من يخالف الطاغية في الرأي فهو مفسد مجرم ، يهدد أمن الدولة ويجهض الريح الوطنية، وخائن لوطنه . وعميل لدولة أجنبية يستحق الإعدام.

( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)

 

00(( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . فأوحى إليهم ربها لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ))

عاشرا : الصراع بين المستضعفين في الأرض وبين الملأ المستكبرين .

((قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين . قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ))

هذه المواصفات العشر للطغاة . ومن كان فيه خصلة منها . فعنده خصلة من الظلم والطغيان حتى يدعها

وأخيرا : ما هو مصير الطغاة

قد يكون الهلاك والذل في الدنيا قبل يوم القيامة حيث يسحقهم المستضعفون في الأرض من خلال ثورة عارمة تكتسح وتقضي على هؤلاء الطغاة ((لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ))

((وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ، ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ))

((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم . وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون))

وقد لا يلغون حسابهم في الدنيا وينتقلون إلى يوم القيامة وهي المرحلة الثانية :

فعن الترمذي عن عمرو بن شعيب : يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان ..) حديث حسن

فهم كالنمل يطؤهم الرجال بأعقابهم يوم القيامة .

وقبل دخول النار : هناك ابتلاع للظالمين من عنق يخرج من النار كما في الحديث

( يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما ، وأذنان تسمعان ، ولسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاثة . بمن جعل مع إلها آخر . وبكل جبار عنيد ، وبالمصورين .)

وأخيرا في النار : ((ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ._ _ _ _ وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد .سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار . ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب ))

هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، فمتى ينال الطغاة مصيرهم في الدنيا لا بد من التذكير بواجبات الأمة ضد الطغاة .

 ; أ_عدم الركون إلى الظالمين . وإلا فالمصير واحد للفريقين

((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دونه من أولياء ثم لا تنصرون ))

ب_قول كلمة الحق في وجه الظالم حتى لا تهلك الأمة :

((إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم ))

ج_القبول بالظلم يقود الخانعين إلى النار

((إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قلوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ))

وإذا عذر الشيوخ والأطفال والنساء فلا عذر للشباب قادة التغيير في الأرض .

(إلا المستضعفين من الرجال والنساء والزلدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا))والحمد لله رب العالمين.

*باحث إسلامي سوري

=======================

انهيار مراكز الدراسات والأبحاث (بين رفرفات بوعزيزي .. وتحليق القرضاوي) ..

كتبه : أحمد معاذ الخطيب الحسني*

إهداء : إلى الرجل العظيم (سرهندي سورية، وغاندي الشرق الأوسط، ومانديلا العرب ...)

والذي كلما غاب يوماً آخر ، كلما حُفرت في قلوبنا أخاديد أعمق ...

إلى الذي علمنا أن الدين الحق وعمل الأنبياء هو حب وتسامح، وغيرة ووطنية، وعدل وحرية وكرامة، ودفاع عن المستضعفين في الأرض ...

 

إلى القاضي الجليل هيثم المالح ابن الإحدى وثمانين عاماً، والذي لا يغيب عن قلوبنا ولا صلواتنا ..

 

ما جرى في تونس ثم مصر جعل الأنظمة الغربية قبل العربية، ترتعد حتى الأعماق، ومن أقام الأصنام صار أول المتبرئين منها، وربما كان للثورة الفرنسية دوي في أوربة، ولكن انتفاضة الشعب التونسي ثم المصري أعظم بما لا يقاس، وقد دخلتا التاريخ رغم أنوف الجميع.

 

كثيرة هي المواقف المؤثرة، ولكن من أعظمها تأثيراً في النفس موقف إمامنا العلامة القرضاوي بارك الله لنا في علمه وفضله وحياته، فقد وقف موقفاً غير مسبوق من عالم مسلم، عندما طالب شعب تونس العظيم وشعب مصر قلب العروبة والإسلام، بأن يكملا رحلتهما في تقويض بقية كل نظام فاسد، وأن لا يسمحا لأحد بالالتفاف على مطالب الناس المقهورة، التي انفجرت لكثرة الإذلال والنهب وتمريغ الكرامة ومصادرة القرار والتجويع.

 

لقد أذل الفراعنة الجدد أمة العرب كلها، وجعلوها في نظر شعوب الأرض أحط الأمم، إذ كان كل ما يفعلون هو تمريغ كرامة أممهم لصالح القوى العالمية، إضافة إلى نهب واسنئثار غير مسبوق!

 

موقف القرضاوي كان في حفظ الصفاء الشرعي لكل حركة مباركة توقد مشاعل الحرية والحياة.

ومعلوم أن كل صنم له كهنة يحرقون له البخور، ويصدعون كل ما يضطرم في قلوب الناس من معاني الحرية والكرامة والعدل، مستخدمين الدين، ومتلاعبين بوجدان الناس البسطاء، عندما يوحون لهم أن الحرية شيء يعارض قدر الله... أما يحصل عليه الناس من مكتسبات، فيقوم الكهنة بقضمه تدريجياً ومسخه حتى يفنى!

يصبح الدين عبئاً على الحياة، ويفقد عمقه الإنساني، ويصبح مجرد أداة تسبيح وحمد وتمجيد لآلهة مزيفة، ووسيلة استعباد شعوب خانعة لا يمكن أن يقودها لحتفها شيء مثل دين أشبه بالسراب.

 

اشتغلت بعض المجامع الفقهية (السلطوية) بإصدار الفتاوى بتحريم الانتحار وإحراق النفس، وكأن هناك إنساناً ما في الأرض كلها لا يعلم أن قتل النفس حرام، ولقد شويت الشعوب المسلمة بالنار، ولم يتحرك أحد من الكهنة، لأن الأسياد أرادوا ذلك الشواء.

أما عندما التقت الإرادة الكونية مع الإرادة الشرعية ليحصل قدرالله عظيم، فهناك حصل استنفار علماء السلطة في كل آن.

(إذا هبت رياح التغيير من الشعب لن يستطيع أحد أن يوقفها أو يحارب الأقدار، لذا فسيروا يا أبناء مصر في هبتكم السلمية).

 

للدين دائماً شروط فنية، ومعان ومقاصد عميقة، وعندما يسيطر الضعف ينهمك الناس في الحرفية أو السطحية، وينسون المقصد العميق، والبعد الإنساني غير المسبوق، الذي لا يمكن لشيء أن يصنعه مثل تدين وجداني مرفرف وفاتن وأخاذ..

بوعزيزي خالف الشروط الفنية والتي نسلم بوجوب طاعتها حرفياً، وأحرق جسده الفاني وقتل نفساً هي أمانة بين يديه ليس له حق التصرف فيها.

أعاد القرضاوي التذكير بأن قتل النفس كبيرة من الكبائر، ونهى الناس عن ذلك.

لكن محمد بوعزيزي أضرم النار في نفسه، لأن القهر الذي تعرض له أكبر من أن يحمله هذا الجسد الضعيف الفاني و(كان لابد أن يكون ماكان أمام هذا الشعب وهو يغلي في داخله.. انفجر هذا البركان وأحرق نفسه) .

شهيد الحرية لم يكن معترضاً على قدر الله وهو يشعل النار بنفسه -التي حرم الله قتلها- بل كان يشعل روحه من أجل أن يستدعي قدر الله الذي أتى سريعاً فطوى في أيام ما بنته الديكتاتورية القاتلة وأمها الفرنسية خلال عقود .. قتل النفس في الأصل جريمة شرعية وانسحاب جبان من قدر الله، ولكن استدعاء قدر الله ليس جريمة، بل شهادة وسمو وتحليق.

لم يكتف القرضاوي بإعطاء الصفاء والصفة الشرعية لما حصل في الأرض، بل أيقظ المعنى العميق لقول النبي r: (ما من ميت مسلم يقوم على جنازته أربعون رجلا كلهم يشفعون فيه إلا شفعهم الله فيه).

وقام القرضاوي بتفعيل البعد الغائب في الدين، وأعاد دوره الإنساني العميق، عندما سأل الله لبوعزيزي الرحمة والمغفرة، وطلب من المسلمين في الأرض أن يتجهوا إلى الله بطلب المغفرة لأخيهم العظيم. وإن الله ليستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفراً خائبتين. فكيف بالملايين التي أحيا بوعزيزي الكرامة في قلوبها.

هناك أمر نسي الخائفون من الانتحار أن يذكروه للناس، وهو ماجاء في صحيح مسلم عندما هاجرالطفيل بن عمرو، ومعه رجل من قومه إلى المدينة. فأصابه مرض جزع منه فقطع شرايينه، فنزف حتى مات، فرآه الطفيل ابن عمرو في منامه في هيئة حسنة، مغطياً يديه . فقال له : ما صنع بك ربك ؟ فقال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم . فقال : ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال: قيل لي : لن نصلح منك ما أفسدت . فقصها الطفيل على النبي المعلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ! وليديه فاغفر " .

اللهم عبدك بوعزيزي أمسى في ضيافتك، اللهم فأسبغ عليه من حلل رضوانك ورحمتك بعدد من أحيا الحرية والكرامة في قلوبهم.

- حلق القرضاوي بفقهه الإنساني عندما تكلم عمن سفح دمه رخيصاً من أجل الحرية: (كلهم شهداء إن شاء الله، لأنهم يدافعون عن الحق ويقاومون الظلم والطاغوت... هناك أكثر من مائة شهيد) .. ولم يدخل إمامنا في التفاصيل الفنية للشهيد بل من خلال بوابة أوسع، لأن النبي المعلم عليه الصلاة والسلام يقررفي الأحاديث الصحيحة أن الله غفر لرجل أزاح غصن شوك من الطريق، وفي رواية: أنه لم يعمل خيراً قط! كما أن الله غفر لإمراة بغي سقت كلباً شربة ماء.

- بين القرضاوي أن المتظاهرين لم يؤذوا شرطياً واحداً (وهؤلاء الناشطون من أجل الحرية والكرامة لم يكونوا يطلقون النار على أحد) ..وإن المنهج السلمي في الحركة لإزالة الظلم هو المنهج الصحيح. وقد أفتى القرضاوي بتحريم إطلاق الرصاص على المتظاهرين وقال: (أي شرطي يطلق النار على متظاهر لم يبدر منه ما يستحق القتل مجرم وأثم)، وطالبهم بعدم الاستجابة لقادتهم: (ومن يقول إنه عبد المأمور أقول له أنت عبد لله والقتل حرام)، وفي المقابل حرم القرضاوي تحريما قاطعا الاعتداء على رجال الشرطة من قبل المتظاهرين، وقال: (هم منا ونحن منهم ودمائهم محرمة، ولعلهم يشكون مما نشكو، ولو أتيحت لهم الفرصة لانضموا إلى الجمهور)، مشدداً على حرمة المساس بالممتلكات العامة والخاصة.

- ترحم القرضاوي على شهداء "يوم الغضب" الذين سقطوا ضحية، مؤكداً: (أن دمائهم لن تذهب سدى، ومن الممكن أن تتحول هذه الدماء إلى الشرارة التي تشعل النار)، وقال (فليحذر من يعيش في القصور بعيداً عن مطامح الناس من تلك الشرارة).

- رفض القرضاوي التفرقة التي رعاها الحكام، وأعاد التحام الأمة كلها مع بعضها: (كل تلك البلاد الإسلامية بلادي، وكل الشعوب أهلي).

 

هاهي الشعوب تسترد كرامتها وبقوة، ودون أن تستعين بأي غطاء سياسي دولي، وبشكل سلمي كامل يعطي الشعوب القوة الذاتية الهائلة والإنسانية البعيدة عن الاحتواء والتفريغ، وبوعي غير منظور، يحمله شباب وصبايا مثل أكمام الزهور، وكما كنس شعب تونس العظيم الفرعونية من بلاده، وكما يتوق شعب مصر العظيم للحرية، فقد أزاح العلامة القرضاوي بفقهه المتقدم مئات الأعوام من فقه سدنة السلاطين، عشاق الولائم وأذناب الفراعين والذين كانوا أكبر داعمين للظالمين، فأحد مصائب الأمة حقيقة هو تخديرها باسم الدين، وسلبها حريتها باسم الله، وتعبيدها للطواغيت باسم شريعة تئن مما صار يحمل على أكتافها من الموبقات وهي منه براء .. كمثل خرافة ولاية المتغلب، وطاعة ولي الأمر لمن لا ينتسب للأمة في شيء، بل إجبارها على الدعاء للحكام الظالمين في أخص خصوصياتها (كخطبة الجمعة) بينما تلعنهم الأمة في أعماق القلوب.

 

ًلقد حفظ القرضاوي بكلامه الواضح لأي حركة تقاوم الظلم صفاءها الشرعي، وحلق كما لم يحلق أحد مثله في هذا الزمان، ليعطي الدين بعده الإنساني المرفرف النبيل. ويجدد من بعض معانيه على مستوى التأصيل والتفعيل.

 

أئمتنا الكبار كانوا مدافعين عن خط الحرية في الأمة، فمات أبو حنيفة في السجن، وضُرب مالك لعدم اعترافه بشرعية الإكراه، وسجن أحمد وجُلد وحورب، كما تم جر الشافعي بالسلاسل من اليمن إلى بغداد.

أما الإمام زيد فقد نُكِّلَ به وبجثته المصلوبة تنكيلاً غير مسبوق، وبقي ذبح سعيد بن جبير شاهداً للحق إلى يوم الدين.

كما شقت الكنيسة في أميركا اللاتينية وكذلك في جنوب أفريقية خطاً إنسانياً رائعاً .. عندما انفصلت عن الخط الكنسي المرتبط بالقوى الدولية، وأعطت النضال ضد الظلم شرعية دينية .. وثار الرهبان البوذيون على الظلم في ميانمار بشكل غير مسبوق.

في تونس التقت هتافات الله أكبر .. مع صور غيفارا .. وأصحاب اللحى والمحجبات مع الصبايا اليساريات وناشطي الحراك المدني .. كلهم كان في موكب توحيدي من نوع خاص .. يعيد للأمة ما حرمت منه ...

وفي مصر اندفعت الجموع المقهورة من كل الأطياف، لتعلن أن حبها لأوطانها أكبر من كيد الفراعين، وإذا بها تحمل رجال الجيش على الأعناق وتطوف بهم وهدير الرحيل للظالمين يدوي، بينما أرسل الحزب الحاكم مرتزقته لينهبوا ويسرقوا كي يشوهوا صورة الحركة الوطنية العظيمة، وبذلك أثبت الحزب الحاكم أنه مجموعة لصوص لا غير لا يهمها البلد في شيء.

 

في مصر العظيمة .. مصر أم التاريخ بل صانعة التاريخ ورمز كرامة العرب والمسلمين .. هدرت الأمة هديرها الذي يغيب عنه الحكام المساكين كلما سكروا بخمرة السلطة ونشوة الأمن ووهم السجون وغرور الدعم الخارجي. وتغيب عنه قوى الاستكبار العالمية.

سنوات تمر والشعوب تستجدي وتشحذ أبسط الحقوق، وغرور القوة يجعل الحكام عميان قلوب وأبصار، فيمعنون إذلالاً ونهباً وتحقيراً لشعوبهم وتغييراً في ثقافة الأمة وهويتها وتغريباً لها، وبذلها رخيصة في كل سبيل.

حركة تونس ومصر وما سيتلوها هي الرسالة التي لن يفهمها الأغبياء أبداً ..

 

مراكز الدراسات الغربية مذهولة، والدبلوماسية الأميركية الحمقاء والإنكليزية الماكرة والفرنسية الخبيثة التي تتصرف في بلادنا وكأنها كلأ مستباح، كلها في حالة صدمة.

الأنظمة الغربية تعطي توجيهاتها وملاحظاتها، وكأننا أيتام بحاجة إلى وصايتهم السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية. . ومجرم الحرب توني بلير صرح من القدس بخشيته من تأثير الحركة في مصر على (إسرائيل). كما خرجت الخارجية الأميركية بتصريحات متذبذبة، أما الإعلام الأوربي فقد تعامل بتحيز واضح، ويكفي مقارنة تغطيته لأحداث جورجيا وأوكرانيا وحتى إيران، مع تغطيته الحالية لأحداث تونس ومصر، لتعرف قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي يتاجر بها الغرب، ولعل كلام أوباما هو الخلاصة، عندما فهم منه الناس مايلي: مرحبا بالديمقراطية إذا لم تخالف مصالحنا.

 

مهما كانت النتائج فقد انكسر السد وقد تفلح بلدان وتخفق أخرى، ولا أعتقد أن ما يجري في مصر سوف يمر بسهولة، لأن النظام هناك دعامة أساسية في التوازنات الدولية، من أجل دعم إسرائيل ولأسباب أخرى.. وسقوطه سيغير خريطة التاريخ بشكل مذهل، ولكن مهما حصل فالفعل الإنساني الرائع للشعوب غير قابل للعكس ..

إن انهيار النظام المصري بداية انهيار النظام الاقليمي الدولي، ثم تداعي الدولة اللقيطة (إسرائيل) أما انهيار مصر نفسها فهو رغبة (إسرائيلية ) هائلة من مشروعها المخيف لتشظية المنطقة إلى كيانات طائفية بغيضة.

 

لم تعد قرارات الأمم متعلقة بتيار أو حركة أو نخبة ما، بل هي تيار حقيقي نابع من صميم آلام الأمم والشعوب.

الوعي الإسلامي تقدم جداً، وليس للإسلاميين مطالب خاصة على الإطلاق، ونفضل أن يصل الإيمان إلى أصحاب الكراسي على أن يصل أصحاب الإيمان إلى كراسي الحكم، كما يقول الندوي، وإن أي بلد يحمل الحرية والعدل لشعبه فهو بلد مسلم أصيل ولا تهمنا الشعارات.

إننا نشارك كل الناس في أي بلد في المطالب الإنسانية الأساسية وأهمها:

إلغاء أحكام الطوارئ واحترام القانون، ومنع هيمنة الحزب الواحد، وإطلاق الحريات العامة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، واحترام كرامة الناس من خلال تكافؤ الفرص، ومنع النهب للأموال والاستئثار بمقدرات البلاد، إضافة إلى أمر صار مهما جدا: منع توريث الحكم وعدم السماح لأي حاكم بأن يجدد فترة حكمه أكثر من مرة مهما اعتبر نفسه من حكماء الزمان.

 

ليرحمك الله يا بوعزيزي فقد كانت عربة الخضار التي تقودها تدفع عربة أخرى تقود التاريخ.

وبارك الله بإمامنا العظيم العلامة يوسف القرضاوي، والذي لا يعلم الأكثرون أن آثار السياط قد حفرت أخاديدها في ظهره من التعذيب في سجون الظالمين وحتى اليوم وقد تجاوز الثمانين.

 ((وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ....)) ..صدق الله العظيم.

ــــ

*خطيب جامع بني أمية الكبير سابقا

دمشق: 27 صفر الخير 1432ه/ 1 شباط 2011م

=======================

وثائق التفريط.. وثوابت فلسطين

بين طريق المفرطين دون مشروعية وطريق المقاومة المشروعة

نبيل شبيب

فجّرت فضائية الجزيرة قنبلة إعلامية سياسية من العيار الثقيل على صعيد قضية فلسطين بما سمّته "كشف المستور" ونشرته تحت هذا العنوان من وثائق حول فترة قصيرة نسبيا من مفاوضات "السلطة" الفلسطينية مع الطرف الإسرائيلي، كانت -على قصرها- حافلة بالأدلة المكتوبة على حقيقة التفريط المعروفة، بالقضية وشعبها وأرضها وبحقوق العرب والمسلمين وبنزاهة التاريخ وإنسانية الإنسان وثوابت الحق والعدالة.

لم يستطع أقطاب المفاوضات -أو ما يسمّى مفاوضات ولا يستحق هذه التسمية- أن يجادلوا، رغم عشرين سنة وأكثر يمارسون فيها الجدل مع "العدو.. الحميم"، حتى جعلوا المفاوضات وحدها "الثابت" الوحيد في حياتهم.. لم يستطيعوا الجدل حول ما قالوا وصنعوا وكتبوا فقطعوا العلاقة الإعلامية مع فضائية الجزيرة على الملأ، بعد بضعة تصريحات امتلأت بالاتهامات المضادة، تشكيكا، دون تكذيب محتويات الوثائق، وتضليلا عن المدلول المباشر للكلمات والعبارات، وليس التضليل نهجا جديدا، كما بقي ذلك الإصرار الهزيل على أمرين: زعم التمسك بالثوابت الفلسطينية، وتأكيد التغطية العربية الرسمية لِما تصنع "السلطة" الفلسطينية.. فبات عنوان التفريط المذهل: التمسك المزوّر المزعوم بالثوابت، وأصبح عنوان المشاركة الرسمية العربية: مسوّغ إجرامي مرفوض لارتكاب الجريمة بحق القضية!..

 

الثوابت.. والثبات على التخلّي عنها

ليست قضية فلسطين قضية مواد للمفاوضات تحت عناوين مراحل مبدئية متعاقبة بلا نهاية ومرحلة نهائية.. بل هي قضية التحرير، والتحرير فقط، ولا يجوز فيها التفاوض إلا على استعادة الحق الكامل، دون نقصان، ودون تنازل، ودون مساومة.

وليس التخلي عن الثوابت أمرا قابلا للجدل، بل هو واقع يتمثل في مجرّد الاستعداد للجدل حول الثوابت، سواء في مفاوضات عقيمة على مدى عشرين سنة، أو في مؤتمرات دولية، أو من خلال اتفاقات غير مشروعة، يوقّعها أناس غير مفوّضين بتوقيعها، بدءا بكامب ديفيد الأولى مع السادات، مرورا بأوسلو وما فرّخته مع عرفات، انتهاء بمن سار على نهجه ملتزما به أو منحرفا عنه بقدر كبير أو صغير.

التخلي عن الثوابت هو الاستعداد للجدل حول القدس الغربية.. ناهيك عن الشرقية..

التخلّي عن الثوابت هو الاستعداد للجدل حول أرض 1948م.. ناهيك عن بعض أرض 1967م..

التخلّي عن الثوابت هو التخلّي عن هدف تحرير النقب والساحل لا عن أرض فلسطينية قامت عليها مستعمرات حديثة مثلما قامت من قبل على الأرض الفلسطينية مستعمرات قديمة..

التخلّي عن الثوابت هو التخلّي عن أي إنسان فلسطيني في غزة والضفة وفي الداخل والشتات.. لا مجرّد تحويل حق العودة إلى مادة للمساومات حول أرقام وأعداد وشروط..

التخلّي عن الثوابت هو التخلّي عن حفظ أمن الإنسان الفلسطيني والمشاركة في حفظ أمن الغاصب الإسرائيلي.. والتخلّي عن حفظ أمن الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967م والمشاركة في حفظ ما قام بالاغتصاب على الأرض الفلسطينية من مستعمرات من قبل عام 1948م وبعدها ومن قبل 1967م ومن بعدها..

التخلي عن الثوابت هو التخلّي عن الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي.

 

الغاية القصوى فيما انكشف من " المفضوح المستور"

يقولون في اتهاماتهم المضادة للكشف عن مستورهم.. إن توقيت الكشف عن المستور يمثل اغتيالا سياسيا لأولئك الذين يريدون ولوج باب مجلس الأمن الدولي ونيل الاعتراف بدويلة لم تر النور ووسط تصريحات صهيونية عن خطورة المفاوض الفلسطيني (ودعنا من التهديد بحرب إجرامية أخرى ضدّ غزة الصامدة)!..

أو لم ينتحر السياسي العتيد المفاوض سياسيا عبر مضيّه دون كلل ولا ملل على طريق التخلي عن الثوابت سرا وعلنا، خفية وجهرا؟..

ولو افترضنا أن ذلك المفاوض الذي جعل حياته مفاوضات، ونهاره تصريحات، وليله مساومات ومؤامرات، قد وصل إلى جميع ما يقول إنه يريد الوصول إليه عبر مجلس الأمن والوسيط "النزيه" وعبر المبادرة العربية والواقع الرسمي العربي المتضعضع وعبر اعتراف دول أمريكية جنوبية أو أوروبية غربية بدويلته الموهومة.. لو افترضنا أنه سيحصل خلال عشرين سنة قادمة على جميع ما سعى إليه ولم يحصل على عُشر معشاره في عشرين سنة مضت، فإن جميع ما يحصل عليه –افتراضا- هو بعينه التخلّي عن فلسطين، وتصفية قضيتها، والتخلّي عن أرض فلسطين التاريخية وتسمية البقية الباقية من البلديات التي يحكمها جمهورية (أو عزبة جمهورية متوارثة) فلسطينية، والتخلّي عن نصف شعب فلسطين في جحيم الشتات واعتقال النصف الآخر –الرافض المقاوم- باسم "الاتفاقات" في سجون سلطة الجمهورية الفلسطينية لا السجون الإسرائيلية فقط!..

لئن صحّ أن "التوقيت" مثير للشبهات.. فإنّ الشبهة الأكبر هي أنّ نشر "المستور" جاء في لحظة زمنية فاصلة يراد فيها استكمال مشوار تصفية القضية المركزية المحورية للعرب والمسلمين، قضية الأرض والإنسان، قضية التحرير والمصير.. وكانوا يحسبون أنهم باتوا من التصفية على قاب قوسين أو أدنى!..

إن كلّ جدل يدور حول ما قال ذلك المفاوض أو لم يقل، وما قصد وما لم يقصد، وما رسم من خرائط وما لم يرسم، وأيّ حيّ تخلّى عنه وأي مستعمرة يريد مباركة بقائها، وكم ألف أو عشرة آلاف أو مائة ألف من المشردين يريد –إن استطاع- أن يمكّنهم من العودة إلى معتقل الجمهورية الفلسطينية بزعامته.. إنّما هو جدل عقيم على "حجم" ما تخلّى بذلك عن الثوابت، وليس: هل تخلّى عن الثوابت أم لم يفعل!..

لا يتمثل التخلّي عن الثوابت في التخلي عن أحياء كبيرة أو صغيرة من بيت المقدس، ملاصقة للمسجد الأقصى الشريف أو بعيدة عنه، داخل الأرض المحتلة عام 1967م أو الأرض المحتلة عام 1948م، إنّما التخلّي عن الثوابت هو التخلّي عن هدف التحرير، كما كان منذ اللحظة الأولى لاغتصاب أوّل قطعة أرض من فلسطين التاريخية وتشريد أول إنسان من أهل فلسطين أصحابها الشرعيين، وكما أعلن مسوّغا لنشأة منظمة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وسائر المنظمات الأخرى، ولا مسوّغ لأي منها ولا مشروعية لأي منها، ولا مسوّغ لوجود ما سمّي سلطة، ولا مشروعية لوجودها.. إلا بكلمة "التحرير" المحذوفة من قواميس التخاذل.

لا يتمثل التخلي عن الثوابت في التخلي عن عودة أو القبول بتعويض، وعن تفتيت شعب فلسطين بين فريق تحت الاغتصاب يتهدده التشريد، وفريق مشرّد يتهدده تأبيد التشريد، بل يتمثّل في تحويل عودة فلسطين إلى أهلها وعودة أهلها إليها بندا من بنود المساومات والمفاوضات من حيث الأساس.

إنّ كلّ جدل حول حجم الجريمة.. يساهم بقصد أو دون قصد في التهوين من شأنها، ومن عواقبها التي أصبحت جزءا من واقع أوسلو وما قبل أوسلو، ثم ما سيضاف إلى ذلك من عواقب قريبة وبعيدة.

وليس الفارق بين إحاطة الجهات الرسمية العربية بما يصنعه فريق المفاوضين دون تفويض من الشعب والأمة، ودون مشروعية دينية ولا سياسية ولا قانونية دولية ولا أخلاقية، وبين عدم إحاطتها بما يقولون أو يصنعون، إنّما هو الفارق بين جريمة تُرتكب انفراديا عبر نفق أوسلو ومطباته، وجريمة تُرتكب جماعيا عبر نفق كامب ديفيد ومدريد ومطبّاته، أمّا أنّ الجريمة بحد ذاتها جريمة، فذاك وصف لاصق بها، سواء كُشف عن وثائق تفصيلية حول كيفية ارتكابها أو لم يُكشف، في هذا التوقيت أو أي توقيت آخر.

 

المشروعية الثابتة.. والثوابت المشروعة

الثوابت.. حقوق تاريخية عريقة، وشعبية سكانية، وحضارية مجيدة، وقانونية دولية، وسياسية قويمة..

الثوابت حقائق ومبادئ وقيم.. ولهذا تسمّى ثوابت..

وليست الثوابت مقولات هيولية تعطي وتأخذ، أو تعطي ولا تأخذ، قطعة من أرض، وجانبا من حي، وسلاحا للقمع، وتوقيعا على اتفاقات للتزييف والتزوير.

الثوابت.. ثوابت، لا تتغيّر إن كتبت في ميثاق أو حذفت منه، أو صيغت في اتفاقية أو جرى خرقها، أو كانت مادة للتنازل في المساومات أو لم تكن، أو أمكن الوصول إلى الأهداف المشروعة المنبثقة عنها بطريق القوة أو طريق الإقناع.. هي ثوابت كانت وستبقى.. كانت من قبل أن يولد هذا الجيل من أبناء فلسطين والعروبة والإسلام، المنكوب بفريق منه لا يعرف معنى كلمة الثوابت لغويا ولا سياسيا ولا قانونيا ولا فلسطنيا ولا عربيا ولا إسلاميا، ولا تاريخيا ولا تفاوضيا، ولا بممارسات السياسة الواقعية.. وستبقى من بعده أيضا.

الثوابت باقية ما بقي الشعب نفسه، من جيل إلى جيل إلى جيل، إن اغتُصبت هياكل سلطة الشعب ومنظماته كما اغتصبت أرضه وثرواته، فلا يمكن اغتصاب ثوابته، وإن جرى تزييف إرادته قمعا وزورا، فلا تنكسر إرادته، وإن تحدّث باسمه أعوان عدوّه عليه، فقد سبق وجود أمثالهم على هامش تاريخ الأمم جميعا، وعلى هامش تاريخ فلسطين تحديدا، عبر مئات السنين الراحلة.. ورحلوا معها، وبقيت فلسطين، تنتقل ثوابت مشروعية نسبها ومصيرها وتحريرها وتطهيرها.. من جيل إلى جيل إلى جيل.

والمشروعية للثوابت.. هي التي تحكم على الاتفاقات ومن يوقعها، والمنظمات ومن يقودها أو يختطفها، والشعارات ومن يحفظها أو يلوكها، وعلى الوثائق ومن يكتبها ويخفيها أو يعلنها.

لا شيء من ذلك ولا أحد ممّن يصنعون ذلك يغيّر الثوابت، لأنها ثوابت، وجميعهم يأتي ويمضي، ويفعل الأفاعيل ثم ينزل في حفرة من الأرض، وتبقى الأرض وثوابتها وشعبها، وتبقى القضية والمخلصون الصادقون العاملون من أجلها.. المعتصمون بثوابتها.

إن ما كشف من وثائق.. هو قضية من كتبها، فقط لا غير، وما كتب من خلالها تاريخَ فلسطين، بل كتب مصيره هو خارج تاريخ فلسطين، وخارج نطاق تاريخ العرب والمسلمين، والحق والعدالة وجميع ما آمن به الإنسان من ثوابت لا تتغير ولا تُختزل.

 

طريق الثوابت أصيل ثابت وطريق التفريط بديل زائل

لنكن –رغم ذلك- صادقين مع "عنوان" الثوابت الفلسطينية العربية الإسلامية في هذه القضية الفلسطينية العربية الإسلامية الإنسانية.. ومع ما يمكّن فريقا من المبطلين من العبث بها وتزييفها وزعم التمسك بها.

إنّ الحجّة الوحيدة التي تستحق الحديث حولها من وراء جميع ما يكتبون ويقولون ويصنعون ويوثّقون هي الحجة التي تتمثل في السؤال: ما البديل عنهم وعن أفاعيلهم؟.. وما هم في واقع الحال وتاريخ القضية سوى "البديل الباطل"، الزائل حتما عن طريق العمل وفق الثوابت الأصيلة الثابتة، وما كان للباطل أن يعربد إلا بقدر ما يمكن تغييب مشهد من يعمل على إزهاق الباطل وإحقاق الحق.

الصامدون رغم الحصار هم من يصنعون الانتصار.. وما انقطعت أرتال الصامدين جيلا بعد جيل.

المقاومون رغم الطعنات في الظهور هم من يحققون انتصارات "العبور".. وما انقطعت أرتال المقاومين في فلسطين وأخواتها جيلا بعد جيل.

العائدون من الشتات هم من يعيدون الديار.. ولا يضمحل هدف العودة ما دام يعيش في الصدور والعقول وواقع ما يبذل من جهد مشهود على أرض الواقع.

إنّ المخلصون في كل أرض وتحت كل سماء هم من يحملون المسؤولية عن إعطاء الجواب.. على ذلك التساؤل الاستخذائي الباطل: أين البديل؟.. والمخلصون في قضية فلسطين قادرون على إعطاء الجواب.

بقدر ما ينشغل المخلصون بما يصنع المبطلون، يتأخر ميلاد حقبة جديدة من العمل المخلص للقضية على أساس ثوابتها.. لا الجدل حول من فرّط بها وبثوابتها.

ومن يشكّك في مسيرة التاريخ.. ويكتنفه القنوط في ظلمة النكبات.. ويذهله ذلك المدى البعيد من الباطل والانحراف الذي تصل إليه فئات محدودة العدد فاقدة للمشروعية بكل مقياس، فإنّ في أحداث المرحلة الراهنة بالذات ما يؤكّد غياب أي سبب واقعي للتشكيك والقنوط، ويكفي التنويه بما تنطق به أحداث جارية معبرة عن مغزى كلمات معدودات: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.

إذا "الشعب" أراد الحياة.. لا الطاغوت والطغيان.. ولا السجن والسجان.. ولا الاستخذاء فيما يقال للعدو الغاصب وراء الجدران.. ولا المتشبثون بهياكل اختطفوها لمنظمات صنعها المخلصون من قبل، ليمتطوها إلى أغراض تغتال أهدافها الأصيلة وتاريخها الأول.

لا يوجد في واقع فلسطين وشعبها ما يستدعي التشكيك ولا القنوط والإحباط.

عندما ولد العمل الفدائي كانت أحوال القضية والمنطقة المستهدفة من خلالها هي الحال التي عبّرت عنه نكبة 1967م.. ورغم ذلك كانت الولادة على أساس ثوابت القضية لا التفريط بها، وبين أيدينا الآن واقع انتصارات المقاومة في غزة ولبنان.. ومناطق أخرى، يؤذّن بنهاية حقبة النكبات، ويشهد أن عام 2011م ليس عام 1967م.

عندما ولدت منظمات التحرير الإسلامية الاتجاه وتعانقت مع سواها في ساحات الانتفاضة الأولى كانت أحوال القضية والمنطقة المستهدفة من خلالها هي الحال التي عبّرت عنها نكبة كامب ديفيد الأولى ومن بعدُ وليدها اللقيط في أوسلو بجنح الظلام.. ورغم ذلك كانت ولادة تلك المنظمات وانتفاضة الشعب على أساس ثوابت القضية لا التفريط بها.. وبين أيدينا من المخلصين الذين يتطلعون إلى وضع حدّ لاختطاف المنظمات والانحراف بطريق التحرير أضعافَ أضعافِ من يمارسون الاختطاف والانحراف..

لقد ترنّحت مسيرة التفريط واغتيال المنظمات والزعماء والانتفاضات، ويستحيل أن تمنع وهي ضعيفة متهالكة ما لم يستطع تفريطٌ أكبر حجما وتخاذلٌ أشدّ وطأة أن يمنع من ظهوره من قبل.. لن تمنع ولادةً جديدةً على أساس ثوابت القضية لا التفريط بها.

الثوابت حقوق ومبادئ وقيم وحقائق، هي التي تقول إن فلسطين.. هي فلسطين، وإن الذين يتخلّون عن فلسطين وهويتها وتاريخها ومستقبلها، إنّما يتخلّون عن نسبهم إليها.. ولا يفيدهم ما يزعمون لأنفسهم من القدرة على الإبداع في السبل المتشعبة للتخلّي عن الثوابت، أو ما زيفوه منها وأعطوه عناوين مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، منقطعة ومتصلة، علنية وسرية، وعناوين قضايا مرحلة راهنة وأخرى نهائية، لينسجوا تصوّرا هلاميا حول المسجد الأقصى والأرض المباركة حوله، ويجعلوا من مستعمرات الغاصبين "ثوابت" لا يراد زحزحتها!..

====================

معركة ميدان التحرير ..معركة الكرامة والحرية والقدس

نوال السباعي- مدريد

انكشفت بوادر الثورة المصرية الشعبية ، عن حقيقة صارخة ، أسقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورة النظام ، ومن شابهه من أنظمة ، حقيقة تتجلى في أن الجولة الدائرة الآن في ميدان التحرير ، ليست جولة بين طلائع الشعب المصري الأبية ، مع فلول نظام مجرم عميل ، ولكنها جولة الشعب المصري ومن ورائه الأمة مع العدو الإسرائيلي في تل أبيب ، ومن ورائه ولية أمره الولايات المتحدة الأمريكية، وبقية الأنظمة العربية ، ومن يسمون أنفسهم بالمجتمع الدولي، ، ممن فقدوا كل مصداقيتهم في شوارع تونس ، واحترقت شرعيتهم عندما احترق البوعزيزي قهرا.

تكاد تكون متطابقة ، الخطوات التي قام بها الرئيس التونسي بن علي قبل تخليه عن السلطة، مع الخطوات التي اتخذها النظام المصري في وجه الانتفاضة ، التي انقلبت بفعل أساليبه الوحشية والقذرة إلى ثورة شعبية : سحب قوى الأمن من مهامها في حماية البلد والمواطنيين، فتح السجون ليخرج منها آلاف المجرمين ويعيثوا فسادا ، إفلات "عشرات الآلاف" – في الحالة المصرية- من "كلاب السلطة" المسعورة ، لتقوم بأعمال النهب والترويع ، حرق مرافق الدولة وممتلكات الشعب ، إطلاق حرب نفسية إعلامية هائلة ، بهدف إحداث بلبلة في صفوف الشعب ، لعله يؤوب إلى هذا "الأب" الجبار العاتي ، طالبا منه السماح والرضى ، ويدخل تحت عباءته من جديد ، ليقدم له الأمن ! ..إنها خطة حرب ، في ساحة حرب ، إنها استراتيجية الانسحاب والأرض المحروقة ، إنه التعامل مع الشعب على أنه العدو في جبهات القتال!!.

ولكن عن أي أمن نتحدث ؟، الأمن في ظل عصابة السراق القتلة ، الذين تركوا البلاد قاعا صفصفا !، هل هذه العصابة هي التي ستكف كلابها المسعورة المأجورة عن الولوغ في دماء الشعب ، مقابل "الأمن" ؟!، أمن المواطن في بيته –هذا إن وجد بيتا يؤويه- .. صامت ذليل لايجد رزق يومه ولايحير جوابا على أي تساؤل!! ، أمن الإنسان عندما يعامل معاملة الطفيليات وليس الحيوانات ، فيعيش في المقابر ومقالب الزبالة !!، أمن الشباب الذي لايجد عملا ولازواجا ولامالا ولامستقبلا ، فيهيم على وجهه في الأرض هجرة وعنتا.

فروق مهمة بين الثورة التونسية والثورة المصرية ، من حيث تركيبة المجتمع ، ومستوى ثقافته ، والتزامه الاخلاقي والتنظيمي ، وعدد السكان ، ونسبة الأمية التعليمية أو الثقافية ، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، والدور الإقليمي والتاريخي، وبين النظامين في كل من تونس ومصر ، فالرئيس زين العابدين ، أثبت بحق أنه زين الطغاة العرب، فلقد خرج يتحدث إلى شعبه ، بلغة الأب المتجبر الذي أدرك بعد فوات الأوان أنه فقد أبناءه بسبب استبداده وبطشه، في محاولة إثر محاولة لاسترداد مكاسبه وموقعه ، كما أنه تمتع ب"فهم" استثنائي !!، فأن تفهم شعبك بعد ثلاثة وعشرين عاما من الاستبداد على الطريقة العربية المعاصرة ، فهذا أكثر مما كنا ننتظر!!، لقد استطاع الرجل أن يفهم أخيرا، وبلهجة أبوية وفي تواضع ، بينما لم يستطع الرئيس المصري غير أن " يعي" -كما قال- مطالب الشعب ، كان يتحدث إلى شعبه حديث المرغم على تقديم التنازلات – ربما لأنه لم يجد بلدا واحدا في العالم يرضى بإيوائه ، لقد سبقه بها بن علي !!- ، ولقد ألقى كلمته تلك ، ووجهه يطفح بالتكبر: غمط الحقوق واحتقار الشعوب!!، ولاتختلف المشاعر المرسومة على وجهه عن تلك المرسومة على وجه "النتن- ياهو" الصهيوني ، كلاهما انتابتهما نفس المشاعر تجاه الشعب المصري وثورته، ولاعجب ، إذن ، أن تبادر "إسرائيل" الصديقة ، بإرسال الطائرات المدججة بأسلحة محاربة الشغب ، شيء طبيعي! ، فمكافحة الشعب المصري وقمعه وسحله ، تعني بالنسبة لإسرائيل مقاومة الشعب الفلسطيني وقمعه وسحله! ، الحرب واحدة ، وساحات المعركة مختلفة ، وجولة الشعب المصري في ميدان التحرير في القاهرة ،هي جولة الأمة في معركة القدس الشريف والحقوق الفلسطينية السليبة .

تلك هي مصر ، أم الدنيا ، التي جعل منها نظام الحكم أم الكوارث ، الأبنية التي كانت تنهار على رؤس أصحابها ، العبّارات التي كانت تغرق ، الطائرات التي كانت تسقط ، والحكومة ماضية في غيّها ، وعصابة السراق لاتلوي على شيء ، لم تشبع من دمائنا ، ولامن أموالنا، لم تشبع من حرق الأخضر واليابس ، والقضاء على الزراعة والصناعة ، والتعليم ، والجامعات ، والإنسان ، " السفارة في العمارة"ماهو بفيلم مصري تنقصه كثير من المواصفات الفنية ، إنه صرخة ذئاب جريحة في وجه السياسات الحكومية ، وانبطاحها أمام العدو وأربابه، "قضية صفية" لم يكن مسلسلا مصريا سيء الإخراج ، كان قضية وطنية مصرية بامتياز ، كشف وفضح مالم يعد مستورا ، "عايزة أتجوز" ليس مسلسلا استثنائيا مع درجة الشرف ، لقد كان صيحة مجتمع يئن بكل مافيه ومن فيه ، من الفساد السياسي ، إلى العفن الاجتماعي ، إلى الانهيار الاقتصادي ، إلى الألم الإنساني ، كانت تلك نفثات أمة ، أمة لم تسكت طويلا ، ولكنها قُمعت طويلا، قُمعت بالتجويع ، قمعت بالتطبيع، قمعت بمحاولات التركيع ، ولكن الشعب المصري لم يركع ، وهاهو في ميدان التحرير يقول لنا أنه لم يركع و، لقد خابت كل توقعاتنا ، ولم يخيب الشعب المصري أمل الأمة فيه!.

لم يبلغ حجم الفساد في مصر درجة سرقة أموال الشعب والدولة ، لتكون في جيوب رجال اعمال باعوا ضمائرهم ودنياهم وآخرتهم بالمليارات التي سرقوها فحسب ، لقد وصل الفساد درجة لم يعد فيها بوسع الدولة نفسها أن تقتني أدنى مايمكن لدولة أن تقتنيه ، كانت سيارات الشرطة وقوى الأمن توحي بأنها تنتمي إلى العصر الحجري ، واضطر بعض المجندين إلى النزول لدفع عربات الجيش المصفحة لدى دخولها القاهرة ، وقد علاها الصدأ والأعطال! ، وبلغ الترهل من هذه الدولة الناهبة المنهوبة ،أن رجال أمنها السريين كانوا يُعرفون وهم المندسون بين المتظاهرين ب"كروشهم" المدلاة أمامهم، وبحقدهم الأعمى على أبناء شعبهم ، إلى الدرجة التي كانوا يقومون فيها بقتل رؤوس المظاهرات بدم بارد وبطلقة في الرأس ومباشرة !.

لم يبلغ الأمر بالرئيس التونسي المتخلي عن السلطة ، أن أرسل طائراته الحربية لتخترق حاجز الصوت فوق رؤوس المتظاهرين ، لم يفعل ذلك على مانعلم إلا النظام السوري الذي أرسل طائراته الحربية إلى مدينة حماة لدى ثورة أهلها عام 1981 ليقصف المدينة ويدمرها فوق رؤوس أهلها ، حتى بلغ عدد القتلى على ذمة الإحصائيات وأكثرها مصداقية عشرين ألف شهيد! ، الرئيس المصري قطع شبكة الانترنيت والهواتف الجوالة ، و نسي وأعوانه أن الثورة الفرنسية قامت قبل ثلاثمئة عام ، يوم لم يكن في العالم أي وسيلة حديثة من وسائل الاتصال!، وماذا تبقى ياريس؟! أن توقف حركة التنفس ، وتقطع عن شعبك مياه الشرب ، وأن تحرق القاهرة والاسكندرية ، كما فعل نيرون ؟!!.

تبدو مضحكة مؤلمة تصرفات النظام وهو يلفظ انفاسه ، ولعمري أن " الكبير" كان قد أعدّ العدة للخروج من مصر يوم الجمعة ليلا ، ولكن الولايات المتحدة وفرنسة وبريطانيا والاتحاد الاوربي من جهة ، وإسرائيل من جهة أخرى ، وجميع الانظمة العربية المتعفنة من جهة ثالثة ، قاموا بإرغامه على الاستمرار، وهذا هو التفسير الوحيد لتأخره سبعة ساعات في الخروج للقاء شعبه الغاضب ، ولعله يدرك أنه حائط الصد الأخير في وجه هذه الحالة الاستبدادية الانسدادية الرهيبة التي تعيشها المنطقة العربية ، إنه رمز القهر والعمالة ،وساعِد النظام الدولي الأيمن، في قهر ثلث سكان المنطقة العربية ، وتدمير الدولة المصرية ، وتفسخ هياكلها الأساسية الاقتصادية ، وضرب الشبيبة ودفعها نحو اليأس والشعور بالإهانة ، كل ذلك مقابل البقاء في السلطة ، هذه السلطة التي هي وجه البؤس والعار العربيين اليوم ، السلطة التي يستخدمها الغرب متى شاء وكيف شاء ، للحفاظ على مكتسباته في منطقتنا التي تورد له البترول كما اليد العاملة .

لقد قام النظام الدولي الحالي على أنقاض الحربين العالميتين ، و استند بكل قدراته الاستعمارية ، على منطقتنا ، مستفيدا من الثروة الموجودة فيها ، ومن عمالة الأنظمة الحاكمة ، ومن عجز المجتمعات والإنسان عن الخروج من قمقم القهر والتخلف ، إن استمرار النظام السياسي العربي على النهج الذي هو فيه اليوم يعتبر صمام الأمان الأخير لاستمرار النظام العالمي في جبروته وقيامه على جماجم وآلام الآخرين ، واستعباد الشعوب هو الطريقة الأمثل للاستمرار في امتصاص خيراتها ، والاستهتار بإرادتها . من أجل ذلك لم يستطع التوانسة حتى اليوم إزاحة الغنوشي نائب بن علي ، أزيح الرأس وبقي الغنوشي متمسكا بالكرسي تمسك الروح بالجسد ، لأن أربابه منعوه من تسليم الحكم !، ومن أجل ذلك قابلت أجهزة النظام التونسي المتظاهرين بكل قسوة ، ولكنها على الرغم من ذلك لم تصل إلى الدرجة التي عاناها الشارع المصري من هذه الأجهزة المتفسخة ، لاشرف ولاوطنية ولاإنسانية، لقد أجج قمعها الانتفاضة ، فصارت ثورة ، وسيكون من اولى أولويات المجتمع المصري بعد رحيل "الريس" امتصاص"أدوات" السلطة المهترئة هذه لكي لاتصيب المجتمع الجديد بالتلوث، إن الأنظمة التي تتعامل مع مواطنيها بمثل هذا العنف المتوحش لهي الأنظمة التي تحفر قبرها بيدها .

حتى ساعة كتابة هذه الكلمات مازال النظام المصري متعنتا بفعل الضغط الغربي والعربي الرسمي والإسرائيلي عليه ، وإن هذه الحكومة التي شكلها استجابة لمطالب "كلينتون" التي تخطب ودّ الشعب ، لاتلبي مطالب الشعب ، وهو يراهن الآن على أمرين، الأول خوف الغرب من ان يؤدي التغيير الآتي والمحتمل في مصر إلى سقوط النظام الغربي بأكمله ، بدءا من إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل ، التي ترتع في دمائنا وأعراضنا وأرضنا دون أن تجد من يوقفها عند حد، والثاني المراهنة على قدرة الجماهير على الصبر. كما أنه لم يترك اللعب بورقته التي كانت رابحة حتى الآن ، فيم تعلق بموضوع التخويف من قوة الإسلام ، داخليا وخارجيا ! ، أنا لاأستطيع ان أفهم ولاأن أعي ، كيف يمكن للأنظمة السياسية في بلادنا أن تكون بهذا القدر من الخيانة والعمالة!.

وبينما يتجمع مئات الآلاف في ميدان التحرير في القاهرة ، منادين بحريتهم وكرامتهم ، وحقهم وحق بلدهم في العيش الشريف ، يمضي النظام ، باللعب في الوقت المستقطع على المحاور الدولية والإقليمية ، عن طريق تغيير أحجار الشطرنج التي كانت بيده ، وعن طريق إعلام قميء كذّاب متآمر ، يشوه الصورة ويخرس الصوت ويجعل الباطل حقا والحق باطل ، وتقوم أجهزة قمعه أثناء ذلك ، بقمع الرأي الآخر والكاميرا الأخرى والصوت الآخر ، فتعتقل طاقم الجزيرة ، وكأن الجزيرة هي هيئة دولية كبرى ، وليست وسيلة إعلام كغيرها من القنوات التي تنقل بمهنية ومصداقية مايجري على أرض مصر، في زمن الثورات الطاهرة الكبرى هذه ، زمن الحرية والكرامة العائدة إلى هذه المنطقة ، من أوسع أبوابها ، باب الحرية الذي يُدق بأيدي هؤلاء الشباب الطاهرة النظيفة ، والتي باتت أنسام فجرها تداعب اليوم كل سكان المنطقة ، من المحيط إلى الخليج ، من القهر إلى القهر ، كائنة ماكانت النتائج التي ستسفر عنها معركة الشعب المصري اليوم مع كل رموز الظلم والتجبر في هذا العالم التعيس.

====================

أيها العرب... أيها المسلمون: هبوا واحموا ثورة الأمة!!

حسام مقلد*

hmaq_71@hotmail.com

الموقف في مصر اليوم شديد الشفافية والوضوح، وهو على النحو التالي: حاكم ظالم مستبد وطاغية غاشم لفظَه شعبُه وثار عليه ويرفضُ بقاءَه في السلطة، وكل مبادئ الدستور والعقل والمنطق تقتضي أن يرضخ الطاغية لإرادة شعبه ويرحل بهدوء حمايةً لأمن هذا الشعب وحرصاً على سلامة الوطن واستقراره ووحدته وتماسكه، وهذه هي أبسط معاني الديمقراطية التي يدَّعي حرصه عليها، لكنه يرفض الخروج الآمن من السلطة ويتمسك بالحكم بكل جبروت وإصرار، وبرغم كل النفاق السياسي وتصريحات الخداع والتضليل الصادرة من العواصم الغربية وخاصة أمريكا يدعمه الغرب بكل ما أوتي من قوة ويقف ضد إرادة الشعب المصري وجماهير مواطنيه الثائرة؛ وذلك لأن هذا الطاغية هو حليفهم المخلص الذي قمع شعبه وحافظ على تحقيق مصالح إسرائيل وأمريكا والغرب في المنطقة العربية والإسلامية طيلة هذه العقود الطويلة، والرسالة شديدة الوضوح وتقول بلا حياء ودون مواربة أننا:

1. لن نسمح لكم أيها العرب والمسلمون بأي استقلال حقيقي عنا، مهما تظاهرنا بغير ذلك.

2. لن نسمح لكم بالعيش في حرية أو ديمقراطية حقيقية كما تأملون.

3. لن نسمح لكم بتحقيق أي نهضة علمية، ولا بإنجاز أي تقدم يذكر في مجال البحث العلمي.

4. لن نسمح لمجتمعاتكم بالتمتع بالعدالة والمساواة والاستقرار فهذا ضد أمننا وضد مصالحنا.

5. لن نُمِكِّنكم أبدا من النهوض والتطور لأن هذا يتحدى سيطرتنا عليكم، ويجعلكم أندادا أقوياء لنا، وذلك يهدد وجودنا في دولكم ويحرمنا من ثرواتكم الطائلة!!

وقد بات واضحاً من خلال تعاطي الدول الكبرى مع ثورة الشعب المصري المباركة، ومن خلال الموقف الرسمي العربي الذي رشح على السطح مؤخراً بعد أيام من الصمت المريب أننا بصدد معركة حقيقية فاصلة بين الشعوب العربية والمسلمة من جهة وبين الغرب الاستعماري من جهة أخرى، وهذا ليس من قبيل المبالغة أو التهويل، ولا من قبيل الهيام بنظرية المؤامرة وعشقها والفناء فيها؛ فالخوف من المؤامرة لا يسكننا، لكن الأحداث المتلاحقة مؤخرا تؤكد ذلك بكل وضوح، وينبغي أن نكون جميعا على درجة عالية من الوعي والنضج وتحمل المسؤولية!! ويؤكد ذلك التصريحات الدولية والمؤتمرات الصحفية المتعاقبة للمسؤولين من كافة الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي شكلت خلية أزمة تضم أرفع مسؤولي البيت الأبيض لمتابعة تطورات الثورة المصرية، ومحاولة احتوائها والتأثير فيها لتنتهي بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار المتوقع أن تَلْحَقَ بمشروع الهيمنة الصهيونية والغربية على المنطقة العربية والإسلامية.

لقد تفاجأ الغرب كثيرا كما تفاجأ حكام العرب والمسلمين بثورة الشعب المصري العظيم وانفجار غضبه بشكل لم يسبق له مثيل، ودقَّتْ صيحاتُ المصريين وجرأتُهم الشديدة، وأسلوبُ ثورتهم السلمية الحضارية الراقية على الظلم والقهر والجبروت والطغيان دقَّتْ نواقيس الخطر بقوة في العالم الغربي، وهزت بعنف كل أنصار ومروجي المشروع الغربي الصهيوني في المنطقة العربية الإسلامية!! وبات واضحاً الآن أن أمتنا العربية والإسلامية أمام حدث جلل بالفعل تقف أمامه تحدياتٌ خطيرة من أعداء الأمة والمتواطئين معهم المستفيدين من بقاء الأوضاع على ما هي عليه، ولا شك أن الوضع المتفجر والملتهب في مصر يفرض علينا جميعا واجبات عدة أعتقد أنها فرض عين الآن على البعض منا، ومن هذه الواجبات ما يلي:

1. اللجوء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في هذه اللحظات العصيبة، والدعاء إليه بكل خشوع وتضرع كي ينصر الشعب المصري، ويحفظ مصر وأهلها من مكر الماكرين وكيدهم وشرورهم.

2. قيام كل الجاليات العربية والإسلامية بتظاهرات حاشدة في كل عواصم الدنيا خاصة عواصم الدول الكبرى دعماً للشعب المصري، وتأييداً لمطالب ثورته المباركة.

3. التواصل مع مثقفي العالم وأحراره عن طريق الإنترنت وغيره لشرح حقيقة الوضع في مصر، وتقديم الدعم والمساندة لشعبها الحر الأبي ضد بطش النظام الغاشم الشرس.

4. إرسال الرسائل العاجلة بالإيميل والموبايل (الخلوي أو الهاتف النقال) لكافة المنظمات والمؤسسات والهيآت الدولية لدعم مطالب الشعب المصري في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وكلها حقوق أساسية للإنسان وفق الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الأمم المتحدة.

5. نصرة الثورة المصرية المباركة، والدفاع عنها والوقوف بحزم ضد تشويهها وتصويرها على أنها ثورة للرعاع والجياع وسكان العشوائيات الذين لا هم لهم إلا السلب والنهب والسرقة، فهذه الثورة العظيمة ليست كذلك أبداً، بل هي ثورة سلمية حضارية للمطالبة بحفظ الكرامة الوطنية والقومية، ودعم صمود الأمة ومنع انبطاحها للمشروع الغربي، والوقوف ضد استباحتها واستباحة مقدرات أبنائها في كل مكان!

6. السعي بقوة لإفشال المؤامرة الخبيثة التي تلتف على الثورة المصرية المباركة، وتصورها على أنها انقلاب عصابات جائعة على حاكم شرعي لدولة مستقرة، وتسعى لتضخيم ما يرافقها من آثار سلبية ترافق الثورات دائما، والقصد من كل هذا التضليل والفلتان الأمني المفتعل والجرائم التي ترتكبها فلول النظام وزبانية وزارة الداخلية وعناصر الشرطة السرية القصد هو وضع الشعوب العربية في مأزق نفسي رهيب واختيار صعب: فإما الرضوخ لظلم الحكام وبطشهم وفقدان الكرامة والرضا بالامتهان والإذلال، أو الفوضى العارمة التي لا تُبْقِي ولا تذر وتجعل الدول والمجتمعات مستباحة للجرائم وموطنا للخراب والأشباح!!

7. بث الوعي في نفوس الجماهير العربية بكل وسيلة ممكنة وتحذيرها من الانخداع بالشائعات التي تخوفها من الثورة السلمية لتحسين أوضاعها.

8. دعوة الجيش المصري عبر جميع الفضائيات خاصة الجزيرة للوقوف إلى جانب خيار الشعب واحترام إرادته، وحقن دمائه، وحفظ مصر وأهلها، وعدم الوقوع في فخ المؤامرة الدولية التي تراهن على الوقت واستمرار حالة الفوضى والفلتان الأمني لأسابيع حتى تتآكل لا قدر الله بنية الدولة وتنهار مؤسساتها ومقوماتها الرئيسية!!

9. توجيه النصائح التنظيمية وكافة أشكال الدعم اللوجستي للمتظاهرين المصريين بكل شكل ممكن كتزويدهم بطرق ووسائل مختلفة لفتح شبكة الإنترنت لأنها عصب التواصل فيما بينهم، وتقديم كافة أوجه الدعم المعنوي لقضيتهم على كافة المحافل الدولية، أو على الأقل الدعاء لهم.

10.       توجيه رسائل مباشرة لكافة حكومات الدول العظمى تشرح لهم حقيقة الوضع في مصر، وتبين لهم خطورة الاستمرار في دعم النظام المصري، فهذا الدعم المتواصل لذلك النظام الغاشم سيكون وقودا لشلالات الغضب العارم ضد الغرب، والتي ستتدفق في قلوب المسلمين جميعا؛ لأنهم لن يرضوا بضياع مصر قلب العروبة النابض وحصن الإسلام المنيع.

ولنردد جميعا مع الشاعر:

أيها المسلمون في كل قطر أيها الأتقياء والأولياء

سددوا السهم فالعدو تمادى لا تذِلُّوا فأنتم العلياء

أرشقوا بالنبال كل عتل حربه الصالحون والأنبياء

وحدوا صفكم بجد وعزم وانصروا الله أيها الأوفياء

"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].

ـــــــــ

* كاتب إسلامي مصري.

=====================

جيل "الفايس بوك" ينتفض من أجل التغيير

بوفلجة غيات

عرفت المدّة الأخيرة تحولات كبيرة أظهرت وعي الشباب العربي وجرأته ورغبته في التحرّر من قيود السّلطة ، من خلال استغلال أجهزة الاتصال الحديثة، ومن أهمها الرسائل القصيرة بالهواتف النقالة، ومواقع التواصل الاجتماعي" فايس بوك" و "التوتر".

إن الأحداث الأخيرة التي عرفتها بعض الدّول العربية، تبرز انكسار القيود التي طالما عانت منها الشعوب العربية، حيث وضع الشباب العربي قطيعة بالماضي، قطيعة مع الجبن والخوف والخضوع القبول بالأمر الواقع. وهو واقع مزر تهيمن عليه أنظمة فاسدة تتحكم في إعلام مغلق متحجر، على رأسه أفراد من الماضي يتقنون "لغة الخشب". وقد بزغ فجر جديد ملؤه الأمل بالتحرّر والإنعتاق، يقوده جيل جديد متفتح على تقنيات الإعلام والاتصال الحديثة.

وهكذا أصبح "الفايس بوك" يستعمل للاتصال وتبادل الأفكار والأخبار بين شباب في مختلف الأحياء والمناطق والمدن والدول بل حتى بين أفراد من مختلف القارات والحضارات. يتم التواصل بينها رغم اختلاف التوجهات السياسية والثقافية والحضارية. ذلك أن الإنترنت كسّر كثيرا من الحواجز والعوائق، وفتح آفاقا واسعة للتعاون وتبادل الأفكار.

وهو ما ساعد الشباب العربي المتعلم على قيادة الثورات، وتخطي القيادات السياسية التقليدية. فمن خلال مواقع التواصل الاجتماعي تنضج الأفكار وتتحدّد الأهداف والشعارات وتتبلور المواقف. إذ تحدّد من خلاله المواعيد وأماكن التجمعات والاحتجاجات، وذلك في تحدّ كبير للسلطات والأجهزة الأمنية القمعية في الدول المتسلطة. أما شباب الفايس بوك فليست له عوائق في وجه الاتصال السريع والفعال. وأن وجود أفراد وجمعيات مدمنة على الإنترنت والفايس بوك، يسهل من عملية التوعية والحث على الثورات.

وهكذا بدأت ثورة الياسمين بتونس وانتصرت بفضل شباب مواقع التواصل الاجتماعي. كما تمت اتصالات بين شباب تونس وشباب مصر، وتم الاتصال والتشاور وتبادل الأفكار والخطط، وهو ما ساعد على انتقال الثورة من تونس إلى مصر، ولا أحد يدري أين ستتوجه الاحتجاجات، إذ أن كثيرا من الدول العربية مرشحة لذلك.

وهكذا أصبح الإعلام والاتصال أكثر سيولة وديمقراطية، وأصبح كل شاب مثقف، رجل إعلام وصحفي يساهم في صناعة الخبر ونشره. حيث أصبحت صور الهواتف النقالة والأخبار المتنقلة من خلالها بديلا عن أخبار السلطات الرسمية التي تسعى إلى تشويه الواقع، والتستر عن الأحداث والوقائع والانتفاضات. وقد تمازجت الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي بالصور بالرسوم الكاريكاتورية، مما أعطى الأخبار نكهة خاصة وجاذبية، تثير الانتباه وتدفع إلى التفاعل والتجاوب معها. إنها لغة الإنترنت التي أصبحت أكثر مرونة وأكثر تحررا من ضوابط القواعد اللغوية، أصبح الشباب العربي يبدع فيها متماشيا مع ثقافة الإنترنت، التي أصبحت العصر.

إن ظهور ثورة الياسمين المباركة في تونس، واشتعال نار الغضب في مصر، أظهر أن زمن شعور الإنسان العربي بالخوف قد ولى، وأن الشباب العربي قد تسلم راية النضال السياسي. لقد ولى زمن التغني بالحرية والخطب السياسية الرنانة والتنديد بالإمبريالية والاستعمار السياسي، وخلفهم جيل جديد يؤمن بدور وأهمية تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والخروج إلى الشارع لمواجهة الأجهزة الأمنية القمعية بأهداف واضحة وعزيمة قوية للتغيير. شباب يضرمون النار في أجسادهم قربانا للحرية، فليس لهم شيء يخسرونه ويشدهم بالحياة.

 يتميز الجيل الجديد بتحكمه في تكنولوجيا الاتصال الحديثة، ومنها الهاتف النقال الإنترنت واستعماله الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي "الفايس بوك" و"التويتر"، هو جيل متحرر عن صحافة الدولة وأجهزتها الإعلامية التي هي تحت مراقبتها، جيل مرتبط بالحداثة والتحرّر.

وهي نتيجة إيجابية تعبر عن ارتفاع مستوى التعليم والتدريب ووعي الشباب بقضاياه، فمجتمع متعلّم لا يذل ولا يقهر.

=========================

هكذا يريدون الحاكم

الدكتور عثمان قدري مكانسي

أعرب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز – في تعليقه على أحداث مصر-

1-        أنه يفضل حكما غير ديمقراطي- في إشارة إلى نظام الرئيس المصري حسني مبارك - على حكم ديني متطرف.

2-        وأنه يكن احتراما كبيرا لمبارك

3-        وأن إسرائيل مدينة له ، فقد حافظ على السلام في الشرق الأوسط .

-  فالديموقراطية - في زعم الرئيس الإسرائيلي - يحتاجها الغرب والصهاينة وكل العالم – عدا العالم العربي والإسلامي ، لأننا حين نكون أحراراً نوَلّي الشرفاء الحكمَ في بلادنا فإن السيادة لنا ، وسنكون في مصافّ الدول القوية . وهذا يعني أن اقتصادنا وثرواتنا لأبناء شعوبنا ، وأن قرارنا تابع لنا ، نابع منا لا يستطيع الشرق ولا الغرب أن يمليه علينا .

-  بينما لا يرتضي الإسرائيليون والغرب لأنفسهم غير الحرية والديموقراطية فهم الذين يستحقون – بزعمهم – الحياة الحرة الكريمة ، أما الشعوب العربية فينبغي أن تعيش مقهورة لا تملك من أمرها شيئاً يتسلط عليها الأغبياء والوصوليون من جلدتنا الذين باعوا أنفسهم للعدو بثمن بخس ليمكنهم من التصرف بنا كما يحلو لهم وكأن ّالأمة حيوانات في مزارعهم يفعلون بها ما يشاءون ، يسرقون وينهبون ويكدسون الثروات والأموال في بنوك الغرب حتى إذا سقطوا في لحظة ما كانوا يحسبون لها حساباً صارت هذه الأموال التي اغتصبوها – بقدرة قادر – ملكاً لأسيادهم الذين نصبوهم أزلاماً علينا ، فباء هؤلاء العملاء بخسران الدنيا والآخرة . فهل يعي هؤلاء السفهاء هذه الحتمية التي درج عليها أسلافهم ، ثن تراهم يتابعونهم هم عليها بغباء منقطع النظير؟! .

-  مهما عاش هؤلاء الساديون الذين انتموا إلى عدوهم التاريخي حياة الترف والغنى فإنهم في داخلهم يحيَون حياة الخوف ويعيشون عيشة الوهم ، فما من سعادة حقيقية للحاكم إلا حين يشعر أنه في بيئته التي ينتمي إليها قلباً وقالباً يخدمها وتحميه ، يفديها بروحه وتحتضنه بأرواح الأمة لأنه رأسها السليم وقلبها الدافئ ورمزها المضيء ، أما أن يكون السيف المسلط عليها يحكمها بالنار والحديد وينفذ فيها أهداف الأعداء فيكفيه من الغنيمة بالهروب كجرذان الغائط لا تجد من سيدها نفسه غير الطرد والنفي ، فأي حياة لهؤلاء السخفاء الذين باعوا الحق بالباطل ورضوا بالدنية وهو يظنون الوصولَ إلى غايةِ ما يصبون إليه ؟! .

-  ولو سألنا أنفسنا وسألنا الأحرار ، بل وسألنا حاكم تونس المطرود عما جناه لنفسه بعد خمسة وعشرين عاماً لأجاب بلسان الحال إنْ لم يكن بلسان المقال : لقد ضاع وضيّع . ولو سألنا البقرة الضاحكة في مصر - وهو الآن البقرة الكئيبة – عن شعوره وهو يسمع إصرار المصريين الذين اكتووا بنار جرائمه وفساده ( ارحل عن مصر ) لقال لسان حاله إن لم يلفظ لسانه : لم أستفد سوى العار والشنار والخلود في أتون الخونة والعملاء . فأي نهاية تافهة لعميل تافه باع نفسه لمن رفعوا أيديهم عن مساعدته وعونه ، فتزلزلت به أرض مصر وكان فرعونها الأوحد؟!.

-  وسيده بيريز يصرح أن حسني غير المبارك ما أوجده أسياده إلا لقتل الدين والإيمان في أرض مصر المباركة ، فهو خادم اليهود في بلده ومنفذ مآربهم ، فمن الصواب الإعلان عن يهودية إسرائيل ، ومن الخطإ أن تكون بلادنا إسلامية !! ومن الحق أن يعتز اليهود بدين محرّف ، ومن الإجرام أن يسطع نور الله الحق في أرض الله!! ، وعلى هذا درج أقزام أمتنا يئدون الإيمان في القلوب – وهيهات أن ينالوا مآربهم - فقد تحدى الخالق عز وجل أن يحققوا ما أرادوا " ريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون " .

-  أما ادّعاء احترام إسرائيل لخادمهم في مصر فهو احترام مشوب بالاستعلاء والصلف ، أو هو نوع من المكافأة الرخيصة لمن يخدم أهدافهم ومراميهم ، ولا أظن أن إسرائيل تستقبل خادمها حين يهرب من مصر ، ولن يجد عند أسياده المأوى ، ولو فعلوا فليعيشنّ منسياً يجتر آلامه وأحزانه وسيكون أسياده مشغولين بخادم جديد لأهدافهم العدوانية البغيضة .

-  ولا شك أن حسني خدم إسرائيل كأفضل ما يفعل الخادم النغل إذ شدد الخناق على المسلمين في مصر وفي غزة ، وقاد أقزام العرب في الحرب العراقية لصالح الإدارة الأمريكية مرتين ( 1991- 2003) وكان عرّابهم في كل حركة وسكنة ، وباع وما يزال غاز مصر لليهود بثمن بخس دراهم معدودة ، وكان فيه لهم من الخادمين الأمناء ، ونشر الفساد والبطالة في مصر ، وحاول قتل روح الرجولة في أبناء مصر البطلة ، وهيهات أن يستطيع ، فمصر وأهلها زخم الأمة كلها وسندها الأوفياء . وما السلام الذي حافظ عليه الرئيس العميل سوى السلام لإسرائيل ليس غير .

-  فليذهب إليهم وليكن منهم – وهو منهم روحاً وهدفاً – فمصر لأبنائها البررة ، ومصر وأهلها للأمة العربية والإسلامية الدعمُ والقيادة ُإلى الحق وفي الحق . عاشت مصر حرة كريمة ، وسقط الصنم . سقط الصنم .

======================

بيان كريم، ودعوة إنسانية كريمة

بدرالدين حسن قربي

أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي البارحة بيانه الموقع باسمه بمناسبة تسونامي الغضب المصري في وجه النظام الحاكم في مصر. ولقد كان مطالعةً مطولة تعرّضت لوضع النظام المصري وممارساته وتجاوزاته على صعيد البلاد والعباد، التي أوصلت الوضع المصري العام نتيجة ثلاثين عاماً إلى ما وصل إليه من انفجار هذا البركان من الغضب الذي لم تشهد له مصر مثيلاً من قبل، والذي ندعو بمناسبته مع كل من يحب هذا البلد الأصيل وشعبه العريق أن يحفظ الله الجميع أرضاً وشعباً ويحقق طموحاتهم وآمالهم في الحرية والديمقراطية والعدالة والرفعة والازدهار.

كما استشرف البيان بهذه المناسبة، لما يفترض أن تكون عليه مصر تغييراً في القادم من الأيام نظاماً ودستوراً ومؤسسات قضائية وتنفيذية وتشريعية. كما عرض أيضاً لأشياء أخرى مهمة، كان من أهمها اعتباره أن المئة والخمسين قتيلاً ممن سقطوا خلال أسبوع برصاص رجال الأمن وغيرهم إنما هم شهداء عند الله، ثم مطالبته السلطة بتعويض أهلهم وذريتهم.

ولئن كنت أحيي الاتحاد ورئيسه موقفاً وبياناً، فإني أيضاً لا أكشف سراً أن ما عرضه البيان وصفاً لصندوق الطماطم الفاسد في مصر، كان كمن يصف الوضع السوري بالضبط، من حزب محنّط قائد للأمة والمجتمع، إلى عائلة مقدسة وقرابات من شفيطة ونهّابين مسنودين، ومحاسيب فاسدين نافذين ومتنفذين، لا تجد شركةً ليس لهم فيها علاقة، ولا مصنعاً مهماً ليس لهم فيه دور، ولا مواصلات واتصالات إلا لهم فيها شأن وشأن، ولا إعلان ولا دعاية إلا وتصب في شركاتهم ومنتجاتهم، ولا استثماراً إلا وهم فيه شركاء، ولا صفقة إلا ولهم فيها ضبط وربط وحصة وقصة. بقدرة قادر ممتدون كأخطبوط، قدرتهم بلا حدود، وواصلون ومحظيون ونشاطاتهم وأعمالهم في كافة أنحاء السلطة مدعومة بلا قيود، لهم صور وجداريات وتماثيل منشورة في الشوارع والطرقات لتذكر ملايين الجائعين والمقهورين بعين الرقيب عليهم إلى الأبد، فضلاً عن قمع الحريات وقوانين طوارئ ومحاكم أمنية وعسكرية استثنائية تحكم الناس منذ ثمانية وأربعين عاماً بلا توقف، وسجون مليئة بالمعارضين ولا يستثنى منها شيخاُ قارب الثمانين أو من كان يافعاً بل طفلاً. ولو قدّر للاتحاد العالمي أن يكتب مطالعة عن تونس كما فعل عن مصر، لكانت المطالعة التونسية أيضاً هي هي نفسها، لأنها أنظمة الحال فيها من بعضه. كما لا أكشف سرّاً أنه في مثل هذه الأيام تاريخاً، وإنما قبل ثلاثة عقود تقريباً حصل ما حصل من المواجهات الأمنية مع الجماهير الغاضبة في مدينة حماة السورية في وجه النظام السوري، التي استخدم فيها النظام كل قواته العسكرية أرضاً وجواً، مما كان ضحاياه عشرات الآلاف فقيداً وقتيلاً من سكان المدينة. وعليه، فلئن كان بيان السادة العلماء اعتبر ضحايا النظام المصري في المواجهات الأخيرة هم شهداء عند الله وطالب بتعويض أسرهم وأهلهم، ولئن كان الاتحاد عالمياً وهو كذلك وليس مصرياً، فإن لي ولمئات الآلاف من السوريين بين يديكم مقالاً، ولا سيما أننا ننتسب جميعاً إلى نبي عليه ألف صلاة وسلام قال: إن لصاحب الحق مقالاً، نرجو أن يتسع له صدركم وتتفهموه.

مقالتنا هي عشرات الآلاف من مواطنينا تأكدت مفقوديتهم أفضوا إلى ربهم لسنا في معرض المطالبة باعتبارهم شهداء وتعويض أسرهم كما جاء في بيانكم عن المصريين المئة والخمسين، وإنما هي دعوة إنسانية كريمة محدّدة وواضحة لكم لتساعدوا فيها، هدفها حل قضايا إنسانية أخلاقية ووطنية عالقة، لا نريد لأحدٍ أياً كان، أن يفهم مُرادها والعياذ بالله أنه نيل من مقاومة النظام وممانعته، أو إنقاص هيبته أو إضعاف الشعور القومي وتعطيل تحرير فلسطين واسترجاع الجولان أو تعطيل مفاوضات سلام أو تغطية لا سمح الله على مشاكل الأمة استبداداً وفساداً. إنه قد يكون للسلطة مجادلاتها في الاعتقال والاحتجاز والتغييب والقصف والقتل، ولكن ما لا يُفهم البتة الإخفاء والتعتيم والسكوت المطلق من قبل النظام عن هذه الآلاف حتى اليوم، ولا سيما أن هناك على الطرف الآخر معاناة أليمة، ووجع دائم مما لا يعقل تصوره لأمهات وآباء وأزواج وشباب وصبايا، ومشاكل إنسانية وشرعية عالقة من عقود.

يوجد مقاومة لا حدود لها من قبل النظام مضى عليها سنين وسنين لفك الحصار عن آلاف المواطنين في بلدهم مفقودون، وممانعة منيعة لكسر الحصار عن آلاف الموتى في وطنهم محاصرون. وإن عيون هذه الآلاف ترنو إليكم من عالم الغيب والشهادة تستصرخ ضمائركم ومروءاتكم في الدعوة إلى فك الحصار عنهم والكشف عنهم أحياء وأمواتاً، وعن أماكن دفنهم فرادى أو جماعات. إن عشرات الآلاف قضوا في كارثة إنسانية في مواجهة مع النظام السوري بين فقيد وقتيل، ما زالوا في مستندات الدولة ووثائقها أحياء، ومئات الآلاف من أسرهم وأهلهم وذرياتهم من بعدهم ممن فقدوا حشاشات قلوبهم تستصرخ لإغلاق ملفها الإنساني بالتي هي أحسن قبل فوات الأوان.

========================

المأزق الجاد للتغيير في سوريا

جان كورد

إن تسارع الحوادث الجسام في المنطقة يجبر المرء على ابداء الرأي، على الرغم من صحة الحكمة العريقة التي تقول: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب... وبالمناسبة، لقد فهمني بعض الإخوة خطأً عندما قلت قبل نهاية العام الماضي بأنني لن أكتب في العام الجديد، فهم لم يلاحظوا وجود كلمة "بكثافة" في قولي ذاك، فظنوا بأنني توقفت نهائياً عن الكتابة...

هناك عقبات كبيرة أمام التغيير الجاد في سوريا، وعلينا الاعتراف بوجودها وعدم اللف حولها، وكما يقول المثل الكردي الشهير "رم د جوالان ده ناين فشارتن – لا يمكن اخفاء الرماح في الأكياس"... والأوضاع في منطقتنا وفي بلادنا أيضاً تتطلب منا جميعاً أن نزداد اقتراباً من بعضنا بعضاً ومن قضايانا الكبرى لنجد قاعدة مشتركة فيما بيننا صوب عمل وطني فيه الخير لشعبنا بأسره...

النظام السوري يدرك والمعارضة تدرك وكذلك العالم الخارجي أيضاً، بأن "يقظة الشعوب العربية" قد حدثت ولن يتمكن أي نظام مهما كان مستبداً من اعادة عجلة التاريخ إلى الوراء بعد حدوث هذه اليقظة الرائعة... والشمس التي أشرقت على شمال أفريقيا ترمي بأشعتها الدافئة على ما حولها، ولابد أن تتأثر بها سوريا عميقاً مثلما تأثر بها غيره، ولذا فإن الجميع يتوقّع أن يهب الشعب السوري مثلما هب الشعب المصري ولا يزال في حالة ثورية تذكرنا بحالة ايران قبيل رحيل الشاه. وهنا نجد أنفسنا في مأزق جاد... وأعني مأزق المعارضة العاملة من أجل التغيير حقاً. ومن سمات هذا المأزق:

أولاً – على الرغم من أن العالم الحر الديموقراطي لايريد مزيداً من "وجع الرأس" مع كل هؤلاء الدكتاتوريين الذين يضرون به وبسمعته، ويرى أن من مصلحته قيام أنظمة أشد اهتماماً بمسائل الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، إلاّ أنه يفضل بقاء دكتاتوريين عسكريين أو أمراء حرب أو تجار سياسة مبتذلة في الحكم خاضعين لاستراتجياته على من لايسير خلفه ولايأتمر بأمره أو يظهر له العداء، ولذا فإنه يسعى ويجهد لابقاء نماذج كهذه النماذج العربية الحاكمة في العالم العربي بقوة الحديد والنار، مهلة أطول –قدر المستطاع- حتى يجد الفرصة المناسبة لتنصيب من تراه ملائماً لمصالحها مستقبلاً. وهذا مأزق بحد ذاته للمعارضة الساعية للتغيير، إذ بدون مساعدة العالم الخارجي معنوياً يتحول حراك التغيير السلمي إلى عملية جراحية ثورية تحتاج البلاد بعدها إلى زمن طويل لتحقيق الاستقرار وتنفيذ الأهداف التي قام من أجلها النضال الديموقراطي السلمي، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث الفوضى وسفك الدماء والاضطرابات، بل حدوث حرب أهلية أيضاً في أسوأ الحالات.

ثانياً- الضعف الذي عليه التنظيمات المعارضة داخل البلاد قد يؤدي إلى الدخول في مأزق خطير، يخضع فيه الشارع الشعبي إلى سيطرة حماس الشعارات الحادة، وعدم قدرة المعارضة على تنظيم الحراك الجماهيري، ومنع الصدامات الدموية بين الشعب والجيش أو القوات الأمنية المختلفة، وعدم تمكنها من حماية الممتلكات العامة والخاصة ودماء المواطنين وأعراضهم، وقد يؤدي ضعف التنظيم المعارض إلى أن تتمكن القوات الأمنية أو المرتزقة التي يزجها النظام في صراعه الأخير من نشر الرعب والانتقام الواسع من المعارضين الأساسيين وارهاب المواطنين في محاولة منه لاعاقة الحركة الجماهيرية المنتفضة في وجهه، ولو إلى حين.

ثالثاً- عدم اتفاق الأطراف المعارضة حتى اليوم على أساس للعمل المشترك، وعدم وجود برنامج عمل يحدد الخطوات المتتالية للمعركة الوطنية في مرحلة تحريك الشارع الوطني وفيما بعد المرحلة الأولى من الدخول في الصراع العملي ضد النظام. وهنا يستغل النظام الفرصة لاحتواء الانتفاضات والحراك الجماهيري القوي من خلال الاعلان عن "إصلاحات سياسية" أو "تغيير في البنى الحاكمة غير الاساسية" أو"التراجع التكتيكي" أو"الاستعانة بقوى أجنبية ومرتزقة" لاخماد النار الناشبة في البيت. وها هو الرئيس المصري المكروه شعبياً حسني مبارك يقوم بعملية تجميلية لنظامه دون مساس بجوهره القائم على الاستبداد.

رابعاً- إهمال بعض أطراف المعارضة لكتل معينة في الحركة المعارضة، ومثالنا على ذلك هو خلو برنامج جهات معارضة "ديموقراطية!" سورية من أي تلميح إلى حل عادل لقضية الشعب الكردي في البلاد، وكأن هذه القضية غير موجودة أصلاً، في حين أن البرنامج ذاته يتعرّض لمشكلة "الطائفة العلوية" في حال سقوط النظام الذي يبدو كنظام علوي بالدرجة الأولى... وهذا يذكرنا بخلو برامج "الاسلاميين" من ذات القضية، أثناء صدامهم مع النظام في أوخر سبعينات وبدايات الثمانينات من القرن الماضي، بحيث تمكن النظام من جذب الأحزاب الكوردية "دون استثناء" إلى طرفه، أو إلى اتخاذ موقف محايد على الأقل في ذلك الصراع، وهذا ما عاد بالخسران على "الاسلاميين" قبل غيرهم.... كما نجد أطرافاً معارضة ترفض العمل نهائياً مع الأقليات على أساس الاعتراف الصارخ والواضح بوجودها الديني أو الطائفي، بل ترى البلاد مصبوغة بلون واحد وليس بألوان مختلفة... وهنا مطلوب من الجميع بذل المزيد من الجهد للتغلّب على عقلية "القومية الكبرى السائدة" و"المذهب السائد"...

خامساً – صعوبة جذب الجيش إلى صف المعارضة لأنه جيش "عقائدي!" بعثي، معظم قياداته الهامة مرتبطة بشكل أو بآخر بالعصبة الحاكمة، وعلى الرغم من أن النظام لن يستطيع كما في ثمانينات القرن الماضي زج الجيش بذلك الشكل الدموي ضد الشعب السوري، إلاّ أنه قادر على الاستعانة بقوات مرتزقة من خارج البلاد، تقوم بالتنسيق مع أجهزة الأمن المختلفة العاملة تحت قيادته بتسديد ضربات قوية بالكادر الأساسي للمعارضة السورية بهدف شل الحراك الجماهيري أو تأخير ميلاد التغيير قدر الامكان.

سادساً- الوضع الاقتصادي السيء للغاية للجماهير الشعبية التي يصعب عليها الاستمرار طويلاً في النشاطات اليومية العملية دون وجود معين لها ولعوائلها وأطفالها خاصة، والمعارضة أضعف من أن تصبح معيلاً لها... فأين برنامج المعارضة في هذا المجال؟

سابعاً- عدم وجود اعلام معارض قوي في البلاد، وهذا يجعل المعارضة في حاجة إلى إعلام رصين ونزيه من خارج البلاد، قد يمنع النظام تواجده على ساحة الصراع السياسي الداخلي، وقد يلجأ النظام إلى منع كل أشكال الاتصالات الالكترونية لقطع العلاقة بين الشعب والعالم الخارجي...

ثامناً- لاتزال هناك فصائل وطنية تعتبر نفسها جزءاً من المعارضة نظرياً، ولكنها من الناحية العملية خاضعة لفلسفة النظام ومتأثرة بدعاياته وعاملة حسب ايحاءاته، وهذا مأزق آخر للمعارضة الجادة والحقيقية...

وتبقى مشكلة كبرى، أو مأزق هام للمعارضة، ألا وهو وجود طابور خامس كبير وطويل، يردد دعايات النظام على مختلف الأصعدة، وينفث الوهن في صفوف المعارضة، وينشر المخاوف باستمرار، فيجعل من النظام عملاقاً لايقهر، ومن أجهزته القمعية قوة قاصمة للظهر، في حين يرى أن لاوجود لمعارضة سورية، ولا وجود لقادة معارضة وشخصيات كاريزمية، وما إلى ذلك من رياح سامة... وأهم ما في ضجيج هذا الطابور هو أن سوريا ليست تونس ومصر، فسوريا دولة موزاييك ديني وقومي وطائفي، وكل يسعى لحماية نفسه من ضربات النظام، فلايمكن تحريك الشعب السوري عامة... وأتعس هؤلاء هم الذين بأن على الكورد عدم السير إلا في آخر الصفوف المعارضة، وهم في الحقيقة لايريدون للكورد أن يصبحوا "معارضة حقيقية" أبداً... ومع الأسف هذا الموقف يتبناه مسؤولون كبار في قيادات الحركة السياسية الكردية في الداخل والخارج.

كما أن هناك عوائق أخرى لابد من إيجاد حلول لازالتها من الطريق، لكي تتخلص المعارضة من المأزق الجاد الذي يعترضها في عملية التغيير الحاسم والقوي... وهذا لايتم إلا بعمل مشترك ونضال دؤوب وتحضيرات ومتابعات دائمة... وقبل كل شيء لايمكن تخفيف وطأة المشاكل دون الاعتراف المتبادل بين سائر أطراف المعارضة الديموقراطية والوطنية المؤمنة بالتغيير الحقيقي...

من ناحية أخرى، فإن النظام سيخلق لنفسه متاعب كبيرة إن استعان بقوى غير سورية، مثل "حزب الله" مثلاً لقمع انتفاضة شعبية سورية قد تنفجر قريباً بسبب التأثير القوي بما يحدث في المحيط العربي حالياً من انفجارات بركانية هائلة...

النظام بدأ يعترف على لسان رئيسه، بأنه في حاجة ماسة إلى اجراء "إصلاحات سياسية"، وهذا يشكل له مأزقاً، فالشروع في اجراء أي اصلاح سياسي يعني بالنسبة له إخلاء مواقع هامة على جبهة الصراع مع الشعب، وأي اصلاح طفيف سيفتح الباب لمطالب شعبية أكبر وأوسع وأعمق، يؤدي التنازل حيالها إلى الاستمرار في الاندحار أمام قوى التغيير...

النظام الفاشل اقتصادياً لن يتمكن في حالته المالية هذه من الاستمرار في مواقفه العنيدة إذا ما اندلعت انتفاضات شعبية، ولن يتلقى مساعدات من العالم الحر الديموقراطي إلاّ إذا وافق على كل شروطه المتعلقة بالسلام والأمن والاستقرار في المنطقة، والمتعلقة بالقيم التي يجد هذا العالم نفسه مهتماً بها... والدول التي كانت تدعمه مالياً ستحسب حساباتها الخاصة في دعم أي مغامرة جديدة للنظام... وهذا مأزق يتطلب التفكير فيه قبل الاقدام على منازلة قوى التغيير في الشارع السوري.

كما أن مأزق العالم الحر والديموقراطي كبير، فهو من ناحية لايستطيع الامساك بأذناب الدكتاتوريات وشدها حتى لاتنزلق، ومن ناحية أخرى لايستطيع التنكر للقيم العالمية التي جعل من نفسه حامياً لها ومدافعاً عنها، وهو يدرك جيداً أن التنافر الصارخ بين القطبين "السلطوي" و"المدني" يتحول بسرعة لصالح أفكار الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وليس لصالح النظم القمعية... ولايمكن لهذا العالم "المتحضّر" أن يبقى في خانة "اللافعل واللااهتمام" تجاه مايجري في المنطقة... ولقد لاحظنا تحولاً ظاهراً في مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية حيال ما جرى في تونس ويجري في مصر...

العالم الحر الديموقراطي لم يتمكن من اقناع النظم الدكتاتورية، وبخاصة نظام دمشق بالابتعاد عن الجمهورية الايرانية التي تشكل تحدياً له وتسعى للسيطرة على المنطقة الشرقية من البحر الأبيض المتوسط لمقارعة اسرائيل، وهنا يجد الليبراليون والديموقراطيون في العالم أنفسهم في حيرة، ولايدرون كيف يتعاملون مع هكذا نظام، قد لايشكل خطراً مباشراً الآن على اسرائيل، ولكنه في المستقبل البعيد سيكون من أهم الخنادق الساخنة ضد المصالح الدولية له في المنطقة ولوجود اسرائيل فيها.

ومهما يكن فإن من واجب المعارضة باستمرار إيجاد الحلول للخروج من المآزق، وتنظيم الذات، وتوحيد الجهود، وبناء العلاقة الوطيدة مع الشارع السوري ومع المجتمع الدولي، تلك العلاقة القائمة على وضوح الهدف وإدامة التحدي للنظام وتحقيق التغيير. وأهم ما يجب توضيحه هو أن الشعب السوري يناضل من أجل الحرية والديموقراطية والسلام وصون قيمه الخلقية والدينية والثقافية، وأن سوريا الحديثة هي سوريا التعددية والاعتراف التام بحقوق كل مكوناتها القومية والدينية، وأن فصائل النضال من أجل التغيير ترفض العنف وتنبذ الإرهاب، وتعمل من أجل السلام العادل والأمن والاستقرار في المنطقة...

ولابأس أن نطمئن إخوتنا العلويين وأخواتنا العلويات إلى أننا جميعاً مواطنون سوريون، وشركاء في الوطن المشترك، ولذا فإن سوريا قائمة على أساس اللامركزية " نظام فيدرالي مثلاً" ستضمن حقهم في التمتّع ب"فيدرالية" خاصة بهم، كما هو مطلب يطالب به بعض الكرد أيضاً لقوميتهم ولغيرهم، حتى لايفرض عليهم ما لايقبلونه من تشريعات أو نماذج معينة من الادارة المركزية... والمعارضة مكلّفة بطمأنة أبناء وبنات هذه الطائفة التي قد تشعر بأنها الآن في أكبر مأزق تاريخي، نتيجة ما يجري في العالم العربي من انتفاضات عارمة...

على السوريين أن يثبتوا للعالم بأنهم شعب متحضر وقادر على الانتقال من مرحلة إلى أخرى دون سفك دماء ودون خراب أو دمار... والنظام مسؤول عن كل ما سيجري من أخطاء لأنه لم يظهر أي تغيير حقيقي في سلوكياته السياسية حتى اليوم.

=========================

حكومة حزب الله التي يرأسها الميقاتي تبحث عن اسم أخر لها....!!

بقلم : حسان القطب

hasktb@hotmail.com

منذ العام 2005، وحزب الله يضع العراقيل والعقبات أمام عمل الحكومات التي تعاقبت على السلطة ولم يسمح لواحدة منها بممارسة العمل السياسي والتنموي والإداري وحتى الأمني كما يجب أو بالطريقة المناسبة.. حكومة الرئيس السنيورة الأولى انسحب منها الوزراء الشيعة، واعتبرت غير ميثاقية وغير دستورية، وتم حصار السراي الحكومي من قبل حزب الله وأعوانه، وخاض لبنان حرباً مدمرة ضد إسرائيل بقرار من حزب الله ورعاته الإقليميين، خضع بعدها لبنان الرسمي والشعبي لعملية إعادة أعمار شبه شاملة وورشة بناء صعبة ذات كلفة باهظة وقاسية على الشعب اللبناني.. وسط تباين سياسي وصراع مذهبي وتحالفات إقليمية متناقضة.. وحكومة الرئيس السنيورة الثانية التي تم تشكيلها بعد جريمة السابع من أيار/مايو من عام 2008، وعقب اتفاق الدوحة مباشرةً، تعرضت حكومته لمطبات كثيرة أولها الثلث المعطل لتخريب سياسات الحكومة وفعاليتها وإنتاجيتها..وتعطيل التعيينات الإدارية في المؤسسات الحكومية.. وعقب الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في عام 2009، والتي بشّر حزب الله جمهوره بأنه سيربحها وسيضع بنتيجتها يده على الكيان والنظام .. جاءت نتائجها مخيبة للآمال بالنسبة لحزب الله ورعاته وحلفائه بعد خسارتهم المدوية لها رغم كل ما تم القيام به من قبلهم للفوز بهذه الانتخابات.. وكرد فعل على الخسارة ولتقويض نتائج الانتخابات، تمت ممارسة السياسات السابقة عينها بحق الحكومة التي ترأسها الرئيس سعد الحريري بهدف تعطيلها منذ بداية تأليفها.. ومورست خلال هذه الفترة الضغوط على وليد جنبلاط للانقلاب والتحول من ضفة إلى أخرى وهذا ما كان.. ولما فشل حزب الله في تسويق وتامين وصول مرشحه لرئاسة الحكومة وهو بالتأكيد ليس الرئيس عمر كرامي، الذي نفى بطريقة هزلية ادعاءات نصرالله، حول الأسباب الحقيقية لرفضه التكليف.. تمت تسمية الرئيس ميقاتي برغبة ورعاية سورية ومباركة إيرانية على أن يكون هناك إشراف كامل من حزب الله، على الحكومة الجديدة المقبلة وسياساتها.. وإذا كان لبنان بلد التسويات والمصالحات والخروج من الأزمات تحت عنوان لا غالب ولا مغلوب.. أي بما معناه عدم المعالجة الجدية للملفات الخلافية.. وهذا ما أشار إليه نصر الله في خطابه الأخير... في إشارة واضحة لاستعداده للتسوية غير المتكافئة بين فريق مدجج بالسلاح، وفريق لا يملك سوى رد الاتهامات عن نفسه فقط لا غير.. في خضم هذه الإشارة، أطل علينا الشيخ عفيف النابلسي ليقول:(نحن نعتبر أننا في هذه الأيام قد انتصرنا انتصارا سياسياً، لأول مرّة ننتصر انتصارا سياسياً بلعبة برلمانية )• وهذا الكلام فيه الكثير من الدلالات الواضحة على أن ما تم ممارسته سابقاً من سياسات التعطيل المنهجية التي اتبعها حزب الله مباشرةً أو عبر حلفائه وأتباعه كانت بهدف الوصول إلى هذه الحالة التي يكون فيها غالب ومغلوب بين اللبنانيين..(على قاعدة أننا حققنا انتصاراً كما يقول النابلسي). والانتصار يكون عادةً على العدو لا على الشريك في الوطن.. مهما بلغت التباينات والخلافات حادة أو متفاوتة.. بناءً على هذا التوجه رأينا أن القوى السيادية لم تشكل حكومة من طرف واحد رغم حصولها على الأكثرية، وأصرت على أن تتمثل فيها كافة القوى السياسية رغم الممارسات الشاذة وغير الموضوعية التي تمت خلال الفترة الماضية التي سبقت التكليف والتأليف... ولم تتحدث عن غالب ومغلوب على الإطلاق...!! وكلام النابلسي هذا كان قد سبقه كلام يتجانس تماماً مع ما قد سبق وأطلقه نائب حزب الله محمد رعد حين قال:(أنهم «أخطأوا الحساب مرةً أخرى فسقطوا، تجاوزنا اليوم هؤلاء وبدأنا مساراً جديداً بتأليف الحكومة الجديدة ونأمل من هذه الحكومة أن تعرف بشكل صحيح ماذا يريده الشعب اللبناني وكيف تضع البرامج لمواجهة الاستهداف.. كفانا شعارات وصراخاً وعويلاً فهذا لا يغيِّر في الواقع شيئاً ولا يعيدنا إلى الوراء، فما حصل حصل، ودخلنا في سياق جديد علَّنا نستنقذ فيه ما يمكن استنقاذه من الذين ضللوا سابقاً..).. بهذا الكلام أماط النائب رعد اللثام عن أن حزب الله ينوي أن يبقى ممارساً لسياسة التوجيه من خلف الستار ومن وراء حجب، ويتجنب بذلك تحمل المسؤولية مباشرة، ويكون بإمكانه تغيير الحكومات دون أن يكون مسؤولاً عن سياساتها وفشلها.. وذلك حين يدعو الحكومة الجديدة، لأن تعرف ماذا يريد الشعب اللبناني، وكلنا يعرف أن الشعب اللبناني يريد الاستقرار الأمني والسياسي وتعزيز الوضع الاقتصادي.. ولكن الملفت للنظر هو أن الرئيس ميقاتي هو شخص رأسمالي يعتبر من أثرياء العالم بثروة تتجاوز 6،2 مليار دولار أميركي، وعضو في عدد من المؤسسات التربوية والسياسية الدولية.. إذا هو ليس رئيس قادم من حزب مقاوم ولا من مجموعة عانت وعاشت الظروف المعيشية القاسية حتى نتوقع منه سياسات اقتصادية غير عادية تلامس هموم الناس ومعاناتها وإذا كان حزب الله يتهم الرئيس الحريري بتوزيع المساعدات على المواطنين اللبنانيين، فهي السياسة عينها التي يتبعها الرئيس الميقاتي وحزب الله ايضاً.. إذا المطلوب هو:

- تأكيد سياسة الغالب والمغلوب على الساحة السياسية اللبنانية بمجرد تغيير الواجهة السنية في الحكومة ونقلها من الحريري، الذي يمثل شريحة واسعة من اللبنانيين إلى الميقاتي، الذي يملك قاعدة شعبية محدودة ولكن تربطه علاقات جيدة مع النظام السوري..

- إحداث شرخ ضمن الطائفة السنية على خلفية الصراع على تبوأ الرئاسة الثالثة..

- إضعاف قوى الرابع عشر من آذار/مارس..وتفكيك صفوفها..

- تسريع التوظيف في مؤسسات الدولة العامة الشاغرة منذ سنوات بسبب إصرار حزب الله وحركة أمل على إعاقة التعيينات وإفراغ الإدارات من الموظفين في الفترة السابقة وصولاً لهذه المرحلة المناسبة وكان بيان حركة أمل واضحاً بهذا الخصوص..

- الطلب من الميقاتي إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية على أمل إنقاذ حزب الله وسوريا من تداعيات القرار الإتهامي الذي سيصدر قريباً أو على الأقل تأخير مفاعيله.

- وضع المجتمع اللبناني برمته في مواجهة المجتمع الدولي ومؤسساته وذلك حين يتم رفض القرار الإتهامي من قبل الحكومة التي يقودها حزب الله برئاسة الميقاتي، حتى لا يكون حزب الله وحده في هذه المواجهة، وهذا ما أكده ممثل النظام السوري في كتلة بري النيابية حين يقول..قاسم هاشم في كلمة أمام وفود زارته: إن «المطلوب الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ وطني، في ظل ما يتعرض له لبنان من مؤامرات وتحديات وما يحاك له في كواليس السياسة الدولية»..

هذه الحكومة هي صناعة الحلف الإقليمي يرعاها ويقودها حزب الله، والمطلوب إطلاق تسمية معينة على هذه الحكومة تمحي من ذهن المواطنين أنها حكومة حزب الله، والتناقض في توصيف دور هذه الحكومة وواجباتها ومهماتها في المرحلة المقبلة تكشف زيف الادعاءات التي تطلق عن فشل الحكومات السابقة في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبات من الواضح أن هذه الحكومة سيكون دورها فقط إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة ومنع تنفيذ حكم العدالة بالمجرمين الذين ارتكبوا جرائم الاغتيال.. ولهذا لا يريد حزب الله لهذه الحكومة أن تكون حكومته لأنها لن تستطيع معالجة شؤون الناس الحياتية والمعيشية..

 لذلك نهيب بالرئيس ميقاتي وهو الذي ينقل عن أوساطه في أكثر من مناسبة سابقة، عن أن المنطقة العربية تتعرض لهجمة فارسية خطيرة... أن لا يكون جزءاً من هذه الهجمة وان لا يكون رأس حربتها، أو الغطاء الرسمي لها، مهما كانت الأسباب والظروف.. وعليه أن يعرف أنه مهما كان اسم الحكومة المقبلة أو عنوانها سيبقى راسخاً في أذهاننا ومحفوراً في صدورنا أن حزب الله قد نفذ انقلاباً سياسياً بأدوات غير سياسية..؟؟.. وانه صاحب وسيد هذه الحكومة، وسننظر إليها دائما على أنها حكومة الأمر الواقع التي هدف البعض من خلال تركيبها تثبيت سياسة الغالب والمغلوب على الساحة اللبنانية..

ــــــ

*مدير المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات

=======================

الإرادة الشعبية المصرية تنتصر والطغيان والتآمر يندحر

محمد اسحق الريفي

فاجأ الشعب المصري العالم بانتفاضته العظيمة من حيث قوة الإرادة والإصرار على التغيير، وسقف المطالب المشروعة، والزخم الشعبي الكبير، تماماً كما فاجأت العالم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وثورة الياسمين التونسية، والثورة الرومانية التي أطاحت بالدكتاتور نيكولاي شاوشسكو، وغيرها من الثورات العفوية التي كان الغضب الشعبي فيها هو محركها الرئيس.

 

عبرت تلك الثورات الشعبية عن مدى صلابة الإرادة الشعبية وعن إصرار الشعب على التحرر والتغيير. وقد أكدت هذه الثورات أن الشعب دائماً يتقدم قادة الأحزاب والقوى السياسية في المبادرة وفي الميدان، وأنه يضعهم في بؤرة الحراك السياسي ويفتح لهم آفاقاً واسعة لتحقيق مطالب الشعب وإنجاز التغيير المنشود. وهذا يستوجب على قادة الأحزاب والقوى السياسية مواكبة حركة الشعب، وتوظيفها في تحقيق طموحاته، وسد الفراغ الناجم عن خلخلة النظام وأجهزة أمنه. وبغير هذه المواكبة الواعية الحكيمة لحركة الجماهير، فإن القوى المعادية والقوى الاستعمارية لن تدخر جهداً لاستغلال حالة الفراغ في حماية نفوذها، وذلك عبر ترميم الأنظمة الموالية لها، أو إعادة صياغتها، لضمان تبعيتها وولائها الشامل، ولمنع القوى الحرة والشريفة عن الإمساك بزمام السلطة.

 

أبدى كثير من المراقبين لتطورات الانتفاضة المصرية تخوفاً كبيراً من نجاح الولايات المتحدة في استغلال الفراغ الذي تعيشه مصر اليوم وحشد قوتها وقوة حلفائها السياسية وعملائها في المنطقة لترميم نفوذها الذي يتعرض لعملية استئصال، أو خلط الأوراق وإذكاء الصراعات الداخلية المصرية، أو إشعال الفوضى الهدامة في مصر الثائرة، أو دفع الجيش لاستخدام العنف ضد الشعب الثائر. كما ذهب بعض السلبيين إلى أن ما يدور في مصر وتونس ما هو إلا مؤامرة أمريكية لإزالة حالة الاحتقان الشعبي وتنفيس الانفعالات الشعبية واستباق رغبة الشعب في التغيير من أجل إحداث تغيير يخدم مصالح الاستعمار الغربي. وقد بدد الشعب المصري كل هذه المخاوف والتوجسات، وأثبت أنه على درجة عالية من الوعي والحكمة، وأنا ماض في مسيرته العظيمة حتى إزاحة كابوس النظام الحاكم والتخلص من التبعية الأمريكية.

 

لقد أسقط الجيش المصري رهان الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية على قمع الانتفاضة بالعنف والقوة. وأسقط الشعب المصري الرهان الأمريكي على ثني الشعب المصري عن مواصلة ثورته أو حرفها عن مسارها الصحيح أو توسيد السلطة لعملاء الولايات المتحدة. فقد أعلن الجيش المصري موقفه المؤيد لمطالب الشعب بوضوح تام، كما أظهر الشعب المصري وقادته الأحرار والشرفاء إرادة صلبة لا تلين، وأظهر أنه على أهبة عالية من الاستعداد لمواجهة كل طارئ ولمواجهة التحديات والمؤامرات.

 

نحن نعول على وعي الشعب المصري العظيم وحكمته في قطع الخيوط الخفية التي تحيكها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخفاء وتحاول استخدامها لتحريك الأزمة الناجمة عن حالة الفراغ، وتحاول استخدام خيوطها الواهنة في التحكم في الأحداث التي تجري في مصر من وراء الكواليس. فالشعب المصري يزداد إصراراً كل يوم على تحقيق مطالبه كاملة، وعلى رفض خفض سقف هذه المطالب رغم مساومة نظام مبارك وتقديمه تنازلات شكلية ترقيعية، وعلى تصعيد فعالياته الميدانية وسيطرته على الشارع في كل المدن والأحياء، وعلى قطع الطريق أمام نظام مبارك وأسياده على نشر الفوضى والانفلات في الشارع المصري. تؤكد همة الجماهير المصرية الكبيرة وتصاعد فعاليتها ضد النظام المحتضر أن الشعب المصري لن يحبط، ولن يكل أو يمل حتى تحقيق أهداف انتفاضته كاملة، وأنه لا تثنيه قوة ولا مؤامرة عن مواصلة مسيرته نحو التحرر والتغيير والإصلاح. وقد انعكس كل ذلك على مواقف البيت الأبيض الأمريكي، التي تؤكد على يأس الولايات المتحدة من إنقاذ نظام مبارك بالعنف والتآمر والالتفاف على مطالب الشعب، وعلى أن التهديد بتعليق المساعدات الأمريكية المسيسة لمصر.

 

وربما لا يعرف كثير من الناس أن الفساد يلتهم سنوياً نحو 70 مليار جنيه مصري، ولهذا فالشعب المصري ليس بحاجة إلى الأموال المسيسة التي تقدمها الولايات المتحدة للحكومة المصرية، والتي تصل إلى 1.5 مليار دولار أمريكي في السنة، وهذه الأموال على الحقيقة هي مجرد مساعدات وهمية، ولكن مجال الحديث عن طبيعة هذه المساعدات يحتاج إلى مقال خاص به.

======================

العناد والتحدي

د. أكرم حجازي

الظاهر لنا كمراقبين أن النظام المصري لم يدرك بعد أنه مقدم على مرحلة كسر عظم مع الشعب المصري. فالرئيس مبارك الذي يتصف بالعناد إلى حد العباطة يعاند في رؤية الحقائق وهو في النزع الأخير. فقد يكون مفهوما أن يلجأ أي نظام عربي، على وجه الخصوص، إلى استخدام كل طاقاته للدفاع عن بقائه في السلطة حتى لو تتطلب الأمر سفكا للدماء. لكن ما لن يكون مفهوما هو أن يعاند النظام في تمسكه بالسلطة والواقع يقول أنه من المستحيل بقائه بعد يوم الغضب.

 

 في البداية حاول النظام أن يظهر ناعما مع حشود يوم الغضب، فابتعدت الشرطة المصرية وأجهزة الأمن على اختلافها عن التصادم المباشر مع المتظاهرين. لكنها، بعد ساعات قليلة، عادت وهاجمت المحتجين بضراوة، وأوقعت فيهم قتلى وجرحى، ثم أصدرت السلطة أمرا بإخلاء ميدان التحرير من المعتصمين قبيل منتصف ليلة السبت بدقائق.

 

 لا شك أن إجراءات السلطة فشلت في السيطرة على الشارع خاصة وأن الاحتجاجات شملت العاصمة وكبرى المدن المصرية. ولما أدركت أن أجهزة الأمن عاجزة عن السيطرة لجأت إلى إجراء خسيس تمثل بسحبها من الشارع، وأوكلت إليها مهمة إخلاء السجون من المجرمين في خطوة ليس لها من هدف إلا إشاعة الفوضى الفتاكة في البلاد وإيقاع أقسى أنواع الإرهاب عليهم.

 

 وبما أن النظام اتخذ قرارا يقضي بالتوقف عن حفظ أمن المواطنين وممتلكاتهم فقد تحول، باختياره، إلى عصابة من المجرمين ارتكبت أعظم الجنايات التي لا تقبلها شريعة ولا قوانين عن سبق إصرار وترصد. وهي جناية كافية وحدها لمحاكمة كافة رموز النظام من الرئيس فما دون بوصفهم مجرمين بكل معنى الكلمة. لكن حتى هذا الإجراء فضلا عن إجراءات سياسية أخرى، كتعيين عمر سليمان نائبا للرئيس وتشكيل حكومة جديدة، لم تنفع إلا في تصعيد الموقف الشعبي الذي أصر على رحيل مبارك ونظامه.

 

 القرار الجديد بعودة الشرطة وأجهزة الأمن إلى الشوارع قُرئ باعتباره نذير من السلطة التي بدت عازمة على ارتكاب حمام دموي لوقف الاحتجاجات. لكنه فشل أيضا في احتواء الموقف. وتحدى المصريون النظام بالإعلان عن بدء مرحلة المظاهرات المليونية التي ستحتشد في ميدان التحرير وتشمل مدنا كبرى. والأهم من هذا أن المصريين باتوا يتحضرون لعصيان مدني شامل إذا ما استمر مبارك في العناد ولم يرحل.

 

 لا ظهر للسلطة اليوم سوى الجدار. فبعد أن استسلمت الولايات المتحدة لضغط الشارع، رفعت الغطاء عن النظام، وقالت، بصريح العبارة، أنها لن تتدخل بين الشعب المصري والنظام؛ وبعد بيان الجيش بأنه لن يمس المحتجين؛ وبعد التحدي الشرس الذي أبداه الشعب المصري لأعتى نظام قمعي في العالم العربي فقد صارت السلطة مكشوفة تماما. فهي لن تستطيع قمع الشارع لا بالجيش ولا بالشرطة ولا بأجهزة الأمن ولا ببلطجيتها ولا بأية قوة خفية أو ظاهرة.

 

 هكذا تكون السلطة الحمقاء لعبت كل أوراقها وخسرتها بأسرع من البرق دون أن تجني مكسبا واحدا إلا العار والفضيحة. أما الجيش الذي حيد نفسه عن المساس بالشارع، سواء بقرار من الرئيس أو من قياداته، فلم يعد بمقدوره التدخل حتى لو كان مواليا للسلطة حتى العظم. لكن إذا حصلت مفاجأة دموية ضد الشارع من قبل أية قوة أمنية نظامية فستكون نهاية النظام حتما. أما إذا تدخل الجيش بقوته العسكرية فستكون نهاية النظم العربية خاصة التي ساندت النظام علانية دون بصيرة. هذه المعادلة باتت صالحة لمصر ولغيرها من الدول العربية.

 

 ثلاثة وعشرون عاما من حكم بن علي لتونس فترة ليست طويلة، فقد حكم غيره أكثر!!! فالزمن لم يكن مقياسا لشرعية الحكم في النظم العربية. فالمقياس كائن في الحُمولة السلوكية للحكم من قهر وحرب وإذلال وفساد وإفساد وطغيان واستعباد وامتهان للكرامة وانعدام للحريات. هذا ما يجب فهمه من وقائع الثورة التونسية التي استهدفت الطغاة وحمولتهم. أما ما يجب أن نتعلمه من الثورة المصرية فهو التحدي الذي يبديه الشارع، والذي لم يعد يتحمل أدنى عبث بمصيره. والحكيم لا يعبث مع الشارع. فهل من متعظ؟

=======================

إسرائيل إذ تعلن النفير العام لإنقاذ مبارك

عريب الرنتاوي

إسرائيل قلقة...والدبلوماسية الإسرائيلية في حالة اهتياج...أجهزة الأمن والاستخبارات يجترون خيبتهم: لماذا فشلنا في توقع ما يحدث مرة أخرى...خبراء نظرية الأمن الإسرائيلية في حيص وبيص، ماذا إذا حصل ما لا تحمد عقباه...تكفي نظرة سريعة على صحف تل أبيب العبرية، حتى تلم لمس اليد حجم هذا التوتر والقلق والانزعاج.

 

لم تبق دولة دولة مؤثرة في العالم، إلا واتصل نتنياهو بقادتها...هو غاضب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: أنتم لا تعرفون مصالحكم...عليكم أن تتدخلوا لإنقاذ نظام الرئيس حسني مبارك...إلى الجحيم بالديمقراطية وحقوق الانسان والتداول السلمي على السلطة...هل تريدون خميني آخر في القاهرة...هل تريدون حلفاً إيرانياً – مصرياً – سورياً ممتد إلى غزة والنبطية....نتنياهو حانق على العالم، وقلق على مستقبل رجل قال عنه وباراك وبيريز أنه "ذخر استراتيجي لإسرائيل".

 

لا شيء يأتي من مصر هذه الأيام، "يسر قلب" الإسرائيليين...خبرٌ واحدٌ فقط أبقى "نافذة الأمل والرجاء" مفتوحة في تل أبيب: تعيين اللواء الوزير عمر سليمان نائباً للرئيس...هم يعرفونه جيداً...لا أحد في إسرائيل لا يعرفه أو لم يلتقيه...بالنسبة لهم، هو رمز استمرارية النظام...هو "المباركية" من دون حسني مبارك....كل الآمال معقودة على استلام الرجل للراية من بعد رحيل "الذخر الاستراتيجي".

 

مبارك بالنسبة لهم، وكذا سليمان، هو السلام الممتد لثلاثين عاماً، منذ كامب ديفيد إلى يومنا هذا...هو التنسيق الأمني في مواجهة غزة وحماس والأنفاق وتهريب السلاح، هو أكثر من 200 كيلومتر من الحدود المضبوطة...هو الرصاص الحي على المهاجرين الأفارقة، يطلق على ظهورهم وهم يغادرون الأراضي المصرية، ولا يطلق على صدورهم وهم يدخلون إسرائيل، أو وهم يهمّون باختراق الحدود المصرية السودانية، أنت لا تقتل إن تسللت خلسة إلى الأراضي المصرية، أنت تقتل إن أنت تسلل خارجاً منها وإلى إسرائيل بالذات...لم نسمع عن إفريقي واحد قتل وهو يدخل مصر أو يغادرها إلى ليبيا، بيد أننا نسمع يومياً (تقريبا) عن أفارقة يقتلون برصاص مصري، على الخط الحدودي بين مصر وإسرائيل.

 

مبارك بالنسبة لهم، وكذا سليمان، هو الغاز الرخيص الذي يتدفق من دون عوائق وبأبخس الأثمان، ودون انتظار لمعرفة أسعار البورصة العالمية، إلى عروق الصناعة ومنشآت توليد الطاقة وأفران الطبخ في كل بيت إسرائيلي...مبارك بالنسبة لهم، هو القنوات المفتوحة و"الأنابيب المفتوحة" في كل الظروف ومختلف الأحوال، حتى في ذروة انسكاب الرصاص المصهور على الأطفال والشيوخ في غزة، وإغلاق كل البوابات والمعابر والأنفاق وشرايين الحياة مع القطاع المنكوب بجواره.

 

"المباركية" مجسدة في شخص مبارك، أو نائبه لا فرق...هي رأس الحربة في يد الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهل ثمة استراتيجية أمريكية خاصة في هذا المنطقة غير الاستراتيجية الإسرائيلية؟..."المباركية" هي الحرب الشعواء على إيران وحلفائها..هي الإصرار المتعنت على "عزل" سوريا و"شيطنتها"، هي التضامن مع سمير جعجع في مواجهة حسن نصر الله، ومع محمد دحلان في مواجهة خالد مشعل...هكذا كانت السياسة المصرية طوال السنوات الماضية، وهكذا وضع حسني مبارك في أضيق الخنادق وأكثر مدعاة للقلق والشجب والاستنكار.

 

لذلك كله، كان من الطبيعي أن تشاطر إسرائيل بعض الحكام العرب، قلقهم حيال مصير نظام مبارك، لكنها بخلافهم، لا تكتفي بإبداء القلق وحده، بل تتحرك على مختلف الصعد والجبهات، لحشد التأييد له في معركته ضد شعبه، وتمكينه من الصمود في حربه على شبّان مصر وشاباتها، تغذّيه بالمدد السياسي والمعنوي، وثمة من يقول بطائرات من أدوات وأسلحة محاربة "الشغب" و"الإرهاب"، حطت في مطار القاهرة فيما الجموع محتشدة في ميدان التحرير.

 

لم يهدأ روع الإسرائيليين إلا بعد اتصال هاتفي مع "النائب" عمر سليمان، اطمأنت خلاله إسرائيل على سلامة النظام واستمراره، من دون أن تنسى إبلاغه بأن يسرع في إيلاء "أنفاق غزة" الاهتمام الذي تستحق، فهي تنشط بمعدلات أعلى من المعتاد، وتشهد تدفقا للبضائع من كل نوع بصورة غير مسبوقة وفقاً للتقارير الإسرائيلية، كما لم تغفل تل أبيب عن تذكير سليمان بأن دبابات مصرية اجتازت الخطوط الحمراء التي رسمتها ملاحق معاهدة السلام، وأن تل أبيب إذ تغض الطرف عنها مؤقتاً تقديراً للموقف والوضع الاستثنائي، إلا أنها لن تبقي أعينها مغمضة طوال الوقت.

 

وأخيراً...ها نحن نكتشف "الحقيقة الأولى" مرة أخرى، وللمرة المليون، حيثما تكون إسرائيل لا نكون...حينما تقلق إسرائيل نشعر بالطمأنينة...نرتاح حين تنزعج...نكره من تحب ونحب من تكره...إنها "لعبة الحصيلة الصفرية"، كل ربح لها خسارة صافية لنا، وكل خسارة لنا هو ربح صاف لها، وحيثما تكون إسرائيل لا نكون، تلك ألف باء التحالفات وبناء السياسات، وبخلاف ذلك لا معنى له خارج إطار التخاذل والتواطؤ والتفريط.

==========================

علّميهم يا مصر

حامد بن عبدالله العلي

يا أيّها الناس ضُرب مثل في مصر فتعلَّموا منه.. إنّنا نشهد تحوّلاً هائلاً في تاريخ أمتنا ، ومفصلاً من مفاصل التاريخ البشري.

إنه شعب بأسره يزحف لنيل حقوقه ، وبكلّ فخر وإعتزاز ، يسمّى الذين سقطوا في طريق ثورته شهداء .

الحمد لله الذي أفسد على الغرب المتصهين فرحته بتقسيم السودان ، بما أصلح من أحوال أمتنا في تونس ، ومصر ، و( إنّ الله بالغ أمره ) .

إنَّ أعظم إنجاز للثورة المصرية ، إشاعة ثقافة جديدة على المشهد العربي بأسره ، أحسبها ستقود المرحلة القادمة من نهضة الأمّة ، وقد صارت هذه الثقافة الجديدة بمثابة إعلان فوق كلِّ باب أسرة من أمّتنا ، وشارة على صدر كلِّ رجل ، وامرأة ، كبير، وصغير .

إنها ثقافة : إنَّ الكرامة أوّلا ، وتحرير الشعوب من الطغيان ولو بثورة الدماء غاية عظمى ، وإعادة السلطة إلى الأمة ، ورفض حياة الإذعان للإستبداد هدف أسمى.

لقد أخذ الشعب المصري يكرِّر هذا الدرس كلَّ يوم ، ثم يعيده درسا خصوصيا مجانيا في كلِّ بيت من بيوت الأمة ، وقد خطَّ حروفه بدمائه ، ورسم لوحته بتضحيات نظر إليها التاريخ ، فأحنى لها جبهته تقديراً وإعجابا نعم إنّ ما يجري هذه الأيام ، ماهو إلاّ دروس تلقيها مصر أقدم حضارة في التاريخ ، وعلى الهواء مباشرة على العالم ، حيث يجلس في الصفوف الأولى في مدرستها الشعوب العربية ، ثمَّ الشعوب الإسلامية ، ثم شعوب العالم أجمع .

وهذا هو برنامج مدرستها العظيمة :

أولا طابور الصباح .. الهتاف : تحيا الشعوب الحرّة ، يحيا العدل ، تحيا الكرامة ، يسقط الطغاة ، تسقط الأنظمة المستبدة .

ثانيا.. نشيد الطابور :

إنّا لمَِنْ مصرَ الأبيّة ، لن يرَى ** منّا الطغاةُ سوى الصوارمِ والقنا

أَوَ ما أُمرْنا في شَريعةِ ربِّنا ** بالسَّيفِ نضْربُ من يجورُ ليذْعنا

تبّا لمن يرضى المهانةَ خانِعاً ** للظَّالمينَ الخائنينَ الموْطنا

ثالثا .. الحصّة الأولى : درس في أنه لاقيمة للشعب إن رضي بالذلّ للطغاة ، ولا يستحقّ الحياة ، ولاميزة له عن القطعان السائمة ، ولا فرق بينه وبين البهائم .

وأنَّ الشعوب الحرّة أقوى من الطغيان بإذن الله تعالى ، وفي هذه الحصة تعلم مصر ، أنَّ الشعوب قادرة على أن تصنع أروع أحداث التاريخ إذا تخلَّصت من قيود الرقِّ ، وأنها مهما طال عليها أمد الإستبداد ، فستبقى جذوة عشق الحرية متّقدة فيها ، ومع أول نسمة من رياح التغيير ستشتعل ، فتثور ، لتحول عهود الإستبداد هشيما تذروه الرياح.

وفي أثناء هذا الدرس تعلّم مصر العالم كيف أنّ الشعوب قادرة أيضا على أن تأخذ زمام المبادرة بنفسها ، فتصنع الأحداث العالمية ، لتترك ردّات الفعل على غيرها ، وتجبر حتّى القوى العظمى كأمريكا على أن تجري خلفها لاهثة خائفة مما ستصنعه ، وبذلك تسقط ذلك الوهم الذي يسيطر على روع الشعوب العربية ، أن الغرب هو المهيمن على كلِّ شيء ، الذي لايمكن لأحد أن يتجاوز إرادته !

وتختم مصر هذا الدرس بأن لايمكن فهمه إلاّ عمليا ، وتأملوا كيف أنَّ كلَّ تلك المؤلفات ، والخطب ، والتنظيرات ، لم تفعل ما فعلته الثورة التونسية من إشعال جذوة الشعوب في أيام معدودات .

رابعا .. الحصّة الثانية : درس في أنّ عروش الطغاة هشّة كبيت العنكبوت ، ما أن يأذن الله تعالى للشعب ليتحرَّك بروح الثورة العاصفة ،حتى يفاجأ الناس بأنَّ تلك الأنظمة لم تكن سوى نمورٍ من ورق ، إنما تقتات على تخويف الشعوب ، وإرهابها فحسب ، زاعمة أنها تستطيع أن تسحق من أمامها في لمح البصر ، حتَّى إذا جاء إعصار الحق ، تهاوت عروشها متحطمة ، كأمس الذاهب .

سكت الدهر زمانا عنهم ** ثمَّ أبكاهم دماً حين نطق وتأمّلوا كيف أنّ نظام الطاغية اللامبارك أرتبك بأسرع مما توقع جميع المراقبين ، وتعطّلت أجهزة نظامه كلمحِ البصر ، وأخذ يتخبط كالأعمى لايدري أين المخرج ، واستطاعت الجماهير الغاضبة أن تضطرُّه إلى مضايق بدا فيها كالفأر المذعور يسرع خطا الهرب متراجعا فلا يبصر الطريق ، حتى أخذت الجماهير ، تلاحقه وتشير إليه نحو مخرج الفرار !

وسبحان الذي أتاه من حيث لم يحتسب ! فقد كانوا يراقبون اللِّحى ، ويلاحقون المنقبات ، ويعذِّبون المصلّين ، ويضيِّقون على هؤلاء بكلِّ سبيل ، خوفا من أن يأتي الأمر منهم ، فخرج عليهم من شباب مصر ، من حيث لايشعرون ، من ليس لهم ملفات أمن ، ولا يُعرف من أين أتوا ! فخرجت في إثرهم الأمواج البشرية ، رافضة الطغيان ، حتى زلزلوا الأرض تحت نظام الطاغية ، فسبحان الذي لايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وهو العزيز العليم .

خامسا .. الحصّة الثالثة : درس في خباثة الغرب ، وخبث نواياه ، وكذب دعاواه ، ونفاق خطابه ، فهاهو لم ينطق ببنت شفة في شجب ما كانَ يصنعه النظام من جرائم طيلة أكثر من ثلاثة عقود ، جرائم تعجز الكلمات عن وصف بشاعتها ، وتتأبّى الحروف أن تجتمع لتكتب نعتها من شناعتها ،وقد ذكرنا طرفا منها في البيان الذي نشرناه عشية الثورة المصرية

ورأى العالم أجمع سوء جرائمه عندما كانت مدرّعاته تدهس المتظاهرين سلميّا في هذه الثورة العظيمة ، ويقذف الماء الحار على المصلّين وهم في صلاتهم خاشعون ، ويطلق رصاص القنّاصة على الشعب الأعزل ، ويقتل الأبرياء بغير حقّ ، وما هذا سوى اليسير جداً من فظائع كانت ترتكب طيلة فترة الطوارىء الذي امتدت ثلاثة عقود ، تُغتصب فيها الأعراض ، وتُسفك الدماء ، وتُعذب الأجساد أشدّ التعذيب ، وتذلّ النفوس ، وتُسرق الأموال، وتصادر الحقوق .

ثم لما انتفضت الجماهير المظلومة تطلب خلاصها ، جاء الغرب يتنصّل مما هو عار يلوح على جبينه ، لايمكنه إخفاؤه ، لاتمحوه الدهور ، ولاتغسله البحور .

والحقيقة أنّ التغيير في مصر جاء من حيث لم يحتسبوا أيضا ، ولهذا هرعوا خائفين على نظام لايحمي المشروع الصليبي الإستعماري الصهيوني في المنطقة العربية إلاّ هو ، ولا يعتمد الغرب أكثر من إعتماده عليه في تمرير مخططاته .

وهم يعلمون أنه إن سقط هذا النظام ، ومُنحت مصر حرية الإختيار ، سيقرر الشعب المصري أن يضطلع بدوره القياديّ في الأمّة ، فتسقط معاهدة السلام المصرية الصهيونية ، ويصبح غاز مصر ، وثروة مصر لشعبها ، وخبزها من أرضها ، وسترجع مصر دولة إقليمية لا يجرؤ أحد أن يقف في وجهها .

ولهذا السبب وحده ، سيحاولون إنقاذ هذا النظام ، ووالله الذي لا إله إلا هو ، لولا أنّ ما يجري في مصر مرئيُّ جدا في العالم ، لسمحوا للنّظام المصري أن يبيد الشعب المصري ، ولا تتغير السياسة المصرية القائمة على إرضاء الحلف الصهيوغربي.

ولكن نسأل الله تعالى أن يخيب ظنونهم ، ويردَّهم على إعقابهم خاسرين.

سادسا .. الحصّة الرابعة : درس في أنَّ التغيير للإطاحة بالمستبدِّين ، يبدأ من كسر حاجز الخوف ، وأنّه ما إن ينكسر حتَّى يتبين كم كان ذلك أيسر مما تهوَّلته النفوس، ثم إنه إذا إنكسر فلا تسل بعد ذلك عما يمكن تحقيقه من الإنجازات السياسية السامية ، والأهداف الحضارية العالية .

وهو لاينكسر إلاّ مع التضحيات ، ولكنها ما أن تبذل ، وتسقط أولُ قطرة دم على أرض الثورة ، حتى تتحول إلى مفاخر يتسابق إليها المتسابقون ، وشرف يسارع فيه المسارعون ، ولذّة غامرة يلتذّ بها المضحُّون .

سابعا .. الحصّة الخامسة : درس في أنَّ التغيير للإصلاح يبدأ ببث الوعي السياسي السليم ، بأنّ الأمة هي صاحبة السلطة ، وهي معقد الحكم ، وهي صاحبة القرار النهائي في مصيرها .

وإزالة ما على عقول الشعوب من الأغطية التي يضعها الطغاة ، ويجددها علماء السوء ، بأنّ مقاليد أموركم كلَّها بيد الطاغية ومن يسبّح بحمده ، وإنما أنتم عبيدٌ له !

كما يبدأ بتعليمهم أنهم هم السلطة الحقيقية ، وأنهم هم الوطن ، وهم الدولة ، وهم النظام ، وأنهم هم وحدهم الذين يحدّدون خيارهم السياسي كلَّه ، وأنه ليس ثمة مخلوق ، له الحقّ أن يسلب إرادتهم الحرّة ، في إختيار من يوكّلونه سلطة خادمةً لمصالحهم ، حارسةً على حقوقهم ، ثم محاسبتها على عجزها عن الكفاية ، فعزلها عن منصب الولاية.

ثامنا .. الحصّة السادسة : درسٌ في ضرورة الإستفادة من وسائل العصر ، وآخر ما توصلت إليه البشرية من ثقافة التطوير السياسيّ التي تنال بها حريتها ، وتنتزع حقوقها ، وتفرض الضمانات التي تحول بين الأمّة وأن تقع فريسة للطغيان .

وأهم هذه الوسائل هو الإعلام ، فقد تبيّن بوضوح ، أنَّ الإعلام هو السلاح الأمضى في إحداث التغيير في تونس ، ومصر

وأنّ قناة فضائية واحدة هي قناة الجزيرة _ تتمتع بقدر كبير من الحرية _ عملت ما عجز عن فعله ملايين الخطباء ، فنقلت الثورتين التونسية ، و المصرية ، نقلات سريعة في عدة أيام من درجة إلى أرقى ، تنير لها الطريق ، وتدلهُّا على فخاخ الطغيان ، وتحذّرها من شِراكه ، وتجمع جهود الثورتين ، وتركزهما نحو الهدف حتى استقرتا على الجوديّ ، وهو إسقاط الطغيان ، وتحطيم أغلاله.

هذه قناة عربية واحدة ، فكيف لو كانت كلّ قنواتنا الإعلاميّة حرَّة ؟!!

تاسعا .. الحصّة السابعة : درس في أنّ المشاريع الحضارية الكبرى ، لا ترتقي إلى أهدافها إلاّ على _ بالإضافة إلى مافي الحصة السادسة _ سلَّم سياسة المراحل ، وفي مدرج إرادة الشعوب ، ولهذا فشلت كلّ مشاريع التغيير التي فقدت أحد هذين ، فإنتهت المشاريع التي لم تقنع الجماهير إلى العزلة ، واستقرت مشاريع التوثب المستعجل ، والحماس المتعجل ، إلى المحرقة .

وقد كتبت في عدة مواضع ، وفتاوى سابقة ، محذّرا من مشاريع التغيير السياسي التي تفتقد لمقوّمات النجاح منتهجةً العنف ، وأنها في حيز المحرمات في شريعتنا ، إذ هي تعقب كوارث على المشروع الإسلامي ، طالما أرجعته القهقرى ، فأضاع من المكاسب مالايحصى عدده ، على العكس تماما من التغيير الذي تتبنّاه وتقوده الشعوب ، وتندمج معها النّخب ، وتمتزج بتطلُّعات الجماهير .

فإن كانت هذه الجماهير مسلمة ، فإنَّ نجاح ثورتها العامة التي لاتحسب على حزبٍ بعينه ، إن لم يدفع بالمشروع الإسلامي إلى المقدمة ، فلن يُعدم منه هذا المشروع المبارك خيرا ، مع هذا التطوُّر السريع الذي تفجر فيه وعي الشعوب بحقوقها ، وضعفت السيطرة عليها .

لن يُعدم خيرا حتى لو نقلهم من الأسوء إلى السيّء في أقلّ تقدير ، مع أنَّ النقلة لن تكون بهذه الصورة السوداء إن شاء الله ، في ظلّ ما يُنتشر في العالم من مناخ الحريات التي بعثتها ثورة الإتصالات والمعلومات ، فالحرية التي تطلقها هذه المشاريع وحدها كفيلة بأن تقفز بالمشروع الإسلامي خطوات ، إن لم توصله إلى المقدمة ، كما ذكرنا .

وقديما كنا نقرأ ، ونحن صغار ، ما قاله جلال العالم في ذلك الكتاب البديع ( قادة الغرب يقولون : دمروا الإسلام ، أبيدوا أهله ) ، عندما كان الفكر الإسلامي نقيا من جرثومة الإنبطاح لمن يسمُّونهم ( ولاة الأمور ) ، بريئا من لوثة مشايخ ( الملاحق الدينية للإستخبارات ) ، الذين أفسدوا الدين ، والعلم ، والغيرة الإسلامية .

كنا نقرأ ما نقله عن المستشرق الأمريكي و.ك. سميث : ( إذا أعطي المسلمون الحريّة في العالم الإسلامي ..وعاشوا في ظلّ هذه الأنظمة ، فإنَّ الإسلام ينتصر في هذه البلاد ، وبالدكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها ) .

وبعد إنتهاء الحصص السبع ، خرجت الشعوب العربية من مدرسة مصر العظيمة ، تبني لها صروح التغيير ، وتشقُّ طريق الخلاص من الطغاة ، وتنشر أجواء الإصلاح .

لتبعث هذه الأمّة من جديد ، أمةً تكفر بالطغاة ، وتدين لله تعالى وحده بالعبودية ، أمة أبية على الطغيان ، تختار من يحكمها بإرادتها الحرّة ، وترسم علاقتها بغيرها وفق مصالحها هي ، وتبعث رسالتها الحضارية ، التي تقوم على ( كنتم خير أمّة أخرجت للناس ) ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )

وبعد :

فإنَّ الشَّعب المصري البطل ، في هذه الثورة العظيمة ، لم يدّخر شيئا تضحّي به الشعوب الحية ، إلاّ وقد بذله رخيصا في سبيل خلاص أمته .

لأنه يعلم قدر ما أُلقي على عاتقه ، ويقدِّر عظم المكانة التي يتبوأ بها في العالم العربيّ ، وفي الأمّة الإسلاميّة ، وأنه إن نهض نهضت الأمّة معه ، وإن تقاعس فعليه تقع المسؤولية العُظمى.

وقد أعطى دروسه بإخلاص ، وصدق ، وتفانٍ ، يندر مثله في التاريخ ، وقدم دماءه ، وأجساد أبنائه ، وجازف بكلِّ مايملك . من أجل أن يضع أمّته على سبيل النهضة الشاملة ..

وأما ما يحدث في المستقبل ، وما تحمله الأيام ، فعلمه عند ربي في كتاب ، لايضلّ ربي ولاينسى .

ولاريب أنّ ثمة خططا بالغة المكر تعد لإجهاض الثورة ، وسرقة جهودها ، وتحوير أهدافها ، وتخريب مشروعها .

لكن هذا لايمنع أنَّ الشعب المصري قد أدى الذي عليه ، وقام بما أُوكل إليه ، غير هيّاب ، ولا وجل ، فأستحق ما قلناه.

فيا أيتها الشُّعوب قفوا جميعا اليوم فحيوا هذا الشعب الخارق .

ثم امضوا إلى مثل ما مضى فيه ..

ثم ..أختم هذا المقال بتوقع ، ونداء..

أما التوقع _ والله أعلم _ فهو أن يتعمَّم _ ولو على مدى سنوات _ النموذج التركي في البلاد العربية ، أعني أنظمة سياسية فيها مزيد من الحرية السياسية ، وإحترام الحقوق ، وتقييد السلطة ، مطعَّمة بثقافة إسلامية مقاربة _ وخيرٌ فيه دخن ، أهون من هذه الشرور التي نراها اليوم _ لكن دون النظام الإسلامي النموذج ، وسيكون في ذلك خيرٌ كثير للأمة بإذن الله تعالى ، يسلك بها إلى فضاء أرحب ، تكون فيه إلى الوحدة الإسلامية العظمى بإذن الله أقرب .

أما النداء فهو إلى الحالة الثقافية في السعودية والخليج ، حيث الثقل الإقتصادي للأمة الذي يوازي في أثره ، الثقل الثقافي ، والسياسي لمصر ، والذي به مع التغيير في مصر ، تتم الإستدارة الحضارية الكبرى للأمة بإذن الله تعالى.

نداءٌ لإحداث نقلة كبيرة في التغيير الإصلاحي السياسي الذي يتجنَّب عثرات التجارب السابقة ، وينهض بالحالة المزرية البائسة التي تعيشها شعوب المنطقة بأسرها ، من مهبط الوحي ، إلى أطراف جزيرة العروبة الأصيلة ، ومحضن الإسلام العظيم .

حيث _ في مناخ يملؤه النفاق السياسي ، ويعصف به إعصار الفساد ، وتهيمن عليه ثقافة المهانة ، وأخلاق ( التسوُّل الجماعي للشعوب ) مقبّلي الأيدي ، والأكتاف ! وحالة ( اللاّوجود واللاّعدم ) و( اللاّبشر واللاّبهَم ) ! _ يُهدر من مقدَّرات الأمة ، ما عُشر معشاره كفيلٌ بأن يغير خارطة العالم بأسره .

وتُغيب إرادة الشُّعوب بالكلية ، وتُنتهك الحقوق بلا رحمة ، وتهان العقول ، ويُستهان بكلِّ القيم الإنسانية بلا كرامة ، وتُسلَّم ثروات وكنوز أمّتنا إلى التحالف الصهيوغربي ، ليستمر في طغيانه العالمي ، وفي إستبداده الذي ضاقت به البشرية ذرعا ، وساقها إلى المهالك .

فعليكم أيها المثقفون الشرفاء ، وعلماء الشريعة ، تقع مسؤولية عظيمة ، ومهمة جسيمة ، وقد بدأت أعناق شعوب الأمة تلتفت متطلعةً لكم ، وعيونهم تنظر إليكم ، وتنتظر منكم دوركم في التغيير المنشهود .

فما أنتم صانعون ، ومتى يسمع صوتكم ، ويُرى حراكُكم ؟!!

والله المستعان ، وعليه وحده التوكل ، هو حسبنا ، ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصير

====================

أسباب الانتفاضة الشعبية مضاعفة في العراق

(ليس السؤال "لماذا" لم يصل الغضب الشعبي العربي إلى العراق بعد، بل هو "متى" سوف ينفجر هذا الغضب ليكنس الاحتلال وكل ما جاء به؟)

بقلم نقولا ناصر*

الانتفاضة التونسية تعربت، بالرغم من أن القوى الدولية المهيمنة على الوضع الاقليمي الراهن لا تريد لها أن تتعرب لأنها لا تريد أي تغيير في الوضع الراهن، لكن الصدى التونسي الذي يرتفع صوته مدويا الآن في مصر وغيرها من أقطار الوطن العربي لم يتردد بعد في العراق تحت الاحتلال أو هو ما زال خافتا، مع أن كل الدلائل تؤكد بأن أسباب الانتفاضة التونسية والمصرية مضاعفة فيه، غير أن السؤال الصحيح ليس "لماذا" لم يصل الغضب الشعبي العربي إلى العراق بعد، بل هو "متى" سوف ينفجر هذا الغضب ليكنس الاحتلال وكل ما جاء به؟

 

في خضم الدفق الإعلامي المنشغل بمتابعة تفاصيل الانتفاضة الشعبية في تونس وفي مصر متابعة بالكاد تترك وقتا لالتقاط مؤشرات هامة إلى متغيرات جذرية خلقتها هذه الانتفاضة، تكاد تغيب عن المراقب حقيقة أن الانتفاضة قد كنست في طريقها "الفتنة الطائفية" التي حاول مفجرو كنسية القديسين في الاسكندرية النفخ في نارها بقدر ما كنست الانتفاضة التونسية في طريقها الثقافة السياسية المستمدة من ثقافة "الحرب على الارهاب" الأميركية التي تصور الصراع الاجتماعي بانه صراع بين "إسلاميين" و"إرهابيين" وبين علمانيين ديموقراطيين "مسالمين" وهي الثقافة التي كان يروج لها نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن على والتي حولها، كما هو الحال في مصر، إلى "عقيدة" عسكرية لأجهزة الأمن الوطني ترى "العدو" في الاسلاميين والارهابيين فقط، وهي الثقافة نفسها التي تعمق الانقسام الوطني الفلسطيني في الوقت الحاضر كمثال حي على تحريف معادلة الصراع العربي الضاري على الوجود ضد الاحتلال والهيمنة الأجنبيين.

 

وربما يجد البعض في الاعتقاد الخادع بأن هذه الثقافة الطائفية نفسها قد ترسخت في العراق حد أن تستبعد أي وحدة وطنية شعبية تكرر في العراق انتفاضة مماثلة للانتفاضتين التونسية والمصرية تفسيرا لعدم ظهور مؤشرات إلى انتفاضة عراقية مشابهة، فالطائفية التي نصبها الاحتلال الأميركي حاكمة في بغداد مستفحلة حقا وهي تنفخ في نار الفتنة الطائفية كلما لاحظت أن النزعة الوطنية العراقية المجربة تاريخيا تكاد تطغي عليها لتوحد الشعب العراقي على ما توحد عليه أشقاؤه في مصر وتونس من أهداف الحرية والتحرر الاقتصادي والسياسي.

 

ومن المؤكد أن أنصار هذه الثقافة الطائفية التي تحرف الصراع الحقيقي عن مساراته الطبيعية يجدون، مثلا، في "مؤشر الديموقراطية" السنوي الذي تنشره وحدة الاستخبارات الاقتصادية للايكونوميست البريطانية حجة تدعمهم، ففي العام الماضي صنف هذا المؤشر كل أنظمة الحكم في الدول العربية بأنها أنظمة فاشية مستبدة باستثناء لبنان ... والعراق، مما يعطي للمحافظين الجدد لإدارة الرئيس جورج دبليو. بوش الأميركية السابقة مادة يسوغون بها غزوهم للعراق واحتلاله ليستدلون بمثل هذه "المؤشرات" المضللة على "النجاح" الذي حققوه فيه بدليل أن "الحريات" التي يتمتع العراقيون بها تحت الاحتلال الآن تحميهم من أي انتفاضة تكرر القدوة التونسية أو المصرية، ومن يتابع التعليقات والتحليلات في الاعلام الأميركي بشأن الانتفاضتين التونسية والمصرية سيجد كتابات بهذا المعنى لا تجد وسائل إعلام رئيسية أي حرج في نشرها.

 

لكن كل هؤلاء لا يخدعون أنفسهم بقدر ما يحاولون خداع الآخرين كي يؤجلوا إلى أطول فترة ممكنة امتداد الانتفاضة الشعبية العربية في تونس ومصر وغيرهما إلى العراق، حيث الأسباب التونسية والمصرية للغضب الشعبي والانتفاضة مضاعفة.

 

فإذا كانت الانتفاضة في تونس ومصر موجهة ضد حكمين مدعومين من الولايات الأميركية، فإن الحكم الراهن في العاصمة العراقية صنيعة أميركية من ألفه إلى يائه لا يستطيع الاستمرار دون دعمها. وإذا كان الحكمان في البلدين شريكين للولايات المتحدة في حربها العالمية ضد "الارهاب" فإن الحكم المنبثق عن الاحتلال في بغداد قد حول العراق بكامله إلى ساحة لهذه الحرب وقاعدة أميركية لها. وإذا كان الحكمان "شريكين" لأميركا في "عملية السلام" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي فإن العراق منذ غزوه فاحتلاله عام 2003 قد تحول إلى ساحة يصول ويجول فيها التجار والجواسيس الإسرائيليون دون حسيب او رقيب، ناهيك عن إعلان الحكم الأميركي بالوكالة في المنطقة الخضراء ببغداد عن انضمامه إلى "مبادرة السلام العربية". وإذا كان الرئيسان بن علي وحسني مبارك قد تبنيا النموذج الأميركي للتنمية فحولا البلدين إلى حقل تجارب للانفتاح الاقتصادي والخوصصة والحرية المنفلتة للتجارة ورهنا اقتصادهما الوطني لوصفات البنك وصندوق النقد الدوليين ومواصفاتهما مما حول معظم البلدين إلى مناطق مهمشة نتيجة لتركيز رأس المال واستثماراته في العاصمتين حيث تتحصن البطانة الحاكمة اقتصاديا وسياسيا وخلق جيوشا من العاطلين عن العمل أطاحت بحكم الأول بينما تهز حاليا أركان حكم الثاني، فإن البطالة المستشرية الناجمة عن الفوضى الاقتصادية الراهنة في العراق قد خلقت جيشا عرمرما من العاطلين عن العمل ضاعف عديده قانون "اجتثاث البعث" وحل الجيش الوطني وتدمير الدولة الوطنية والفتنة الطائفية التي اقتلعت قرابة أربعة ملايين عراقي لاجئ ومهجر من مواطن عيشهم ومصادر رزقهم. والقاسم غير المشترك الأساسي بين الوضعين هو أن الولايات المتحدة قد نجحت في تجنيد عهدي بن علي ومبارك في جبهة "المعتدلين" العرب ضد إيران لكنها تغض الطرف، كبالع السكين، عن الحكم الإيراني بالوكالة في بغداد حتى الآن لأنه الأقدر على تبني الأجندة الأميركية في العراق وتنفيذها، ولو إلى حين.

 

حسب آخر تحديث في 30 كانون الأول / ديسمبر 2010 لكتاب الحقائق العالمي لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" على موقعه الالكتروني على شبكة الانترنت، بلغ تعداد قوة العمل العراقية ثمانية ملايين و (175) ألفا، أي ما يقارب ثلث السكان، وحسب تقرير للأمم المتحدة (2009) فإن أكثر من (450) ألف عراقي يدخلون سوق العمل سنويا "معظمهم لن يجد وظائف آمنة دون جهد منسق لتعزيز القطاع الخاص"، حسب التقرير، وفي الوضع الأمني السائد في العراق لن يقف القطاع الخاص العراقي على قدميه فرأس المال الخاص "جبان" بطبيعته. وحسب التقرير نفسه فإن الاقتصاد العراقي في حالته المزرية تحت الاحتلال "عاجز" عن تشغيل (28%) من قوة العمل، و(18%) منها عاطلة عن العمل و(10%) بطالة مقنعة تعمل بدوام جزئي، "وتتركز البطالة وهي في ازدياد" في الشباب بين سن (15 – 29) لترتفع إلى (28%)، وتمثل المرأة (17%) فقط من قوة العمل. وإذا اعتمد المراقب أرقام الأمم المتحدة هذه، وغض النظر عن الأرقام المضاعفة من مصادر عراقية، فإن معدل البطالة العراقي يزيد خمس مرات تقريبا على المعدل العالمي، ويبلغ ضعفي معدل البطالة في الوطن العربي حسب التقرير السنوي للتنمية البشرية العربية، في عراق يعاني من "أزمة إنسانية" حيث يعيش (54%) من أهله على دولار واحد في اليوم (برنامج الغذاء العالمي).

 

والمفارقة أن الاحتلال الأميركي ووكلاءه وجدوا حلا لمشكلة البطالة في التجنيد الواسع النطاق في "قوى الأمن" حتى بلغ تعدادها حسب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن حوالي (700) الف، بينما كان المطلب الأميركي الرئيسي من الحكم الوطني العراقي بعد وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 يركز على "تضخم" الجيش الوطني ويدعو إلى خفض كبير في عديده. وهذا هو مصدر نسبة ال(60%) التي يشغلها "القطاع العام" من قوة العمل التي "تضاعفت منذ عام 2005" كما ورد في تقرير الأمم المتحدة.

 

وحيث أن مهمة الدفاع عن الحدود الوطنية العراقية موكلة أساسا إلى قوات الاحتلال الأميركي وحيث حصر وحاصر الدستور الذي فرضه الاحتلال على العراقيين بعد الغزو "الجيش العراقي الجديد" بمهمة "دفاعية"، فإن الجيش الجديد العرمرم يتحول عمليا إلى بطالة مقنعة مسلحة مهمتها الرئيسية قمع المقاومة للاحتلال من جهة ومنع أي انتفاضة شعبية توحد جيش العاطلين عن العمل والمهمشين والمهجرين قسرا من جهة ثانية.

 

ومن المؤكد ان هذه البطالة المقنعة سوف يتم الاستغناء عنها وتسريحها بعد أن تستقر الأوضاع للاحتلال والنظام المنبثق عنه، فتقليص "بيروقراطية" القطاع العام في الدول النامية هي من التوصيات والشروط الرئيسية لصندوق النقد والبنك الدوليين اللذين يشرفان الآن على تخطيط الاقتصاد العراقي في المستقبل.

 

إنها حقا سياسة في منتهى الدهاء والمكر تجند بعض جيش العاطلين عن العمل ضد بعضه الآخر خشية أن يتوحد هؤلاء في انتفاضة تكرر انتفاضة أشقائهم في تونس ومصر. إن المليشيات الطائفية التي تستقوي بها قوى "العملية السياسية" التي هندسها الاحتلال ضد بعضها البعض تلعب دورا مماثلا بشقيه: ضرب الوحدة الوطنية الشعبية بالفتنة الطائفية وضرب وحدة العاطلين عن العمل ضد أعدائهم بالتجنيد.

 

أما الفساد الذي بادر المنتفضون في تونس ومصر إلى إحراق ونهب أو تدمير مصالح رموزه فحدث عنه ولا حرج في العراق، الذي احتل المرتبة الرابعة بين (180) دولة في مؤشر فساد منظمة الشفافية الدولية عام 2009، وقد شهد شاهد من أهله (مركز العقد الاجتماعي التابع لمركز معلومات رئيس الوزراء) مؤخرا على استفحاله في الحكومة المركزية في المنطقة الخضراء بين "كبار قادتها ومسؤوليها"، والأمثلة كثيرة على الميادين التي يسرح ويمرح الفساد فيها دون حسيب أو رقيب من خطة الاسكان الخمسية وتهريب النفط ومنح عقوده واختفاء مليارات الدولارات من عائداته ومشتريات الأسلحة وسرقات المصارف.

 

وإذا كان من الطبيعي والمتوقع من أطراف "العملية السياسية" العراقية أن يستشعروا الخطر من أي تغيير في مصر ينقلب على الاعتراف المصري بهذه العملية وعلى التعامل معها كممثل شرعي للشعب العراقي يتبادل معها التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفارة والقنصلية ويساهم في تدريب جيشها "الجديد" ويتقدم الصفوف العربية في الاستجابة للحث الأميركي على إضفاء شرعية عربية على هذه العملية بعقد مؤتمر القمة العربية المقبل في بغداد، فإن خلو الصفحة الرئيسية للموقع "الرسمي" لهيئة علماء المسلمين في العراق على شبكة الانترنت، حتى كتابة هذا المقال، من أي إشارة إلى الانتفاضة في تونس ومصر (باستثناء مقال يتيم عن تونس) يثير التساؤل المستهجن، بخاصة لأن رئيس الهيئة الشيخ حارث الضاري، "شيخ المقاومة العراقية" هو الناطق الرسمي والممثل السياسي لمجموعة فصائل مجاهدة ضد الاحتلال، ولأن للمقاومة العراقية كل المصلحة في تغيير في مصر يغير السياسة المصرية الراهنة تجاه الاحتلال والمقاومة، سواء بقي النظام الحالي أم رحل.

 

وقد كانت الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية بقيادة عزة إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين واضحة تماما، على موقعها الالكتروني، في موقفها من الانتفاضة التونسية، بينما عبر عن موقفها من الانتفاضية المصرية خضير المرشدي، المتحدث باسم حزب البعث الفصيل الرئيسي في الجبهة، عندما أعلن عن "تضامن البعث وقيادته المجاهدة ومقاومته الباسلة مع خيارات شعب مصر" من أجل "إعادة دور مصر الكبير والفاعل والمعهود والمحوري في أمتها والعالم بعد أن غاب هذا الدور طيلة عقود من الزمن" ليخلص إلى القول: "نحن في العراق .. بحاجة كبيرة .. لمصر الحرة العربية .. لتكون معنا في إسقاط الاحتلال ومشروعه". وقد أعربت عن الموقف نفسه قوى يسارية عراقية مصطفة إلى جانب المقاومة الوطنية مثل الكادر واللجنة القيادية الشيوعيين.

ـــــــــ

* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com

========================

مصر الأنقلاب الأبيض

يعقوب رومانوس

بعد إندلاع شرارة ثورة الحرية في تونس الذي أشعلها البوعزيز وأدت إلى تغيير النظام الحاكم بأكمله وعلى رأسه زين العابدين الرئيس التونسي السابق وحزبه الحاكم .

امتدت هذة الثورة إلى دول عربية أخرى وأشدها في هذة اللحظة هي ثورة الحرية في مصر والتي تكللت حتى هذة اللحظة بقيام الرئيس المصري حسني مبارك بحل حكومة أحمد نظيف وتكليف الفريق أحمد شفيق بتشكيل الحكومة الجديدة.

 

 إن هذة الاطاحة ليست كافة لإخماد ثورة الحرية التي تطالب بتغيير رأس النظام وليس وجه الحكومة.

إن تغيير وجوه الاشخاص في النظام و الذي قام به الرئيس مبارك لم يكن كافي لإخماد هذة الثورة، فالدكتور شفيق المكلف بتشكيل الحكومة وهو خبير طيران ’’ أي خبير في المجال الجوي ،، في الوقت الذي تحتاج مصر هذة الأيام لخبير أرضي أي على أرض الواقع ليتمكن من امتصاص غضب الشارع المصري، وكذلك تعيين اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات نائباً للرئيس ’’ وهو أيضاً خبير في سياسة التفاوض الخارجية ،، في الوقت الذي يحتاج الشعب المصري لخبير في سياسة التفاوض الداخلية هو أيضاً لايستطيع إخماد ثورة الغضب لأن الأثنين هم من أقطاب النظام الحاكم الحالي .

 

إن ما قام به الرئيس مبارك من تغيير هو ليس إلا لرذ الرماد في عيون الثورة ’’ يرى محلل سياسي آشوري بأن تعيين سليمان نائباً للرئيس هو إنقلاب عسكري أبيض ،، .

نعم ياسيادة الرئيس مبارك هذا هو شعب مصر فهل مازلت لاتعرفه ..؟ ألم تفهمه بعد ...؟

 

إن شعب مصر ينتظر منك أن تخرج إلى الشارع أو على الأقل على الفضائيات المتلفزة لتخطب بهم وتقول لهم نعم ... نعم ... نعم لمصر وشعب مصر ، نعم لكم إنني فهمتكم وقرأت رسالتكم وفهمتها ، وكذلك يتحتم عليك أن تتحلى بالشجاعة أذا كنت حقاً مواطناً يهمه شعب مصر وأن تسلم السلطة قانونياً لمجلس الشعب ’’ وليس لنائبك المعين بعد الثورة ،، كما عليك أن تسلم نفسك للقضاء المصري ولا تهرب وتخطف معك الجمل بما حمل.

 

تحلى بهذة الشجاعة ياسيادة الرئيس ولتكتب في تاريخ مصر ذكرى حسنه لم يكتبها غيرك سوى جمال عبد الناصر.

إنزل إلى الشارع وتحدث للشعب ولو لمرة واحدة حتى وإن كانت الأخيرة وأطلب منهم الهدوء وقدم لهم استقالتك .

 

يذكر أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ذروة الحرب البربرية البوشية نزل إلى الشارع وخاطب شعبه وكان ظهوره هو الآخير بين الشعب ولكن سجل في التاريخ العراقي ذكرة شجاعة رجل عراقي يحب شعبه وبلده هذا بغض النظر عن دكتاتورية نظامه وجرائمه بحق الشعب العراقي .

 

والآن أتى دورك ياسيادة الرئيس أنزل إلى الشارع وأستعرف أمام شعبك إستعراف المسيحي أمام الكاهن وأطلب منهم المغفرة وثمَ قدم لهم استقالتك ، ولشعب مصر الحق أن يغفر لكم أو أن يقدمكم للقضاء أو حتى لقدره .

مع إنني أفضل أن يغفر الشعب المصري لكم وليسجل هو أيضاً سابقة لم تشهدها دول العالم أجمع في مثل هكذا حالات ، ولترفعوا أيديكم سوياً ولهتفوا تحيا مصرحرة يعيش فيها الإنسان بكامل حقوقه ، الإنسان المصري بغض النظر عربياً كان أو قبطياً مسلماً كان أو مسيحياً وليذهب الماضي مع الماضي وأبدأوا يوماً جديداً وصفحة جديدة في تاريخ مصر.

تحية لشعب مصر ولشهداء ثورة الحرية في كل دول العالم .

ــــــــ

*ناشط آشوري- المنفى

=====================

لماذا تُرعبُ مصرُ إسرائيل؟

د. فايز أبو شمالة

توفير الأمن لإسرائيل على طول الحدود المصرية، وإخراج الجيش المصري من المواجهة، وتمهيد الأرض العربية لاحتضان إسرائيل، وأثر ذلك في تعزيز ثقة اليهودي بمعتقدة الديني، كان أهم ما حققته إسرائيل من اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع نظام السادات، أما المعاهدات الاقتصادية، والتسهيلات التجارية التي توصلت لها إسرائيل مع النظام المصري، وانتفعت فيها لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً، فإنها تأتي لاحقاً للأصل الذي خطه مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل السابق.

تغيير النظام المصري يعني انكسار المعادلة التي أمّنت اليهود من خوف المصريين، وأطعمتهم من جوع الاطمئنان على وجودهم، ووفرت لهم الحماية من غضب الشعوب، وكل هذه المنافع لإسرائيل جاءت تحت عنوان عملية السلام، حتى صار استنزاف مصر، وإغراقها في الفساد، وامتصاص رحيقها هو الأساس في هذا السلام، وصارت الانتخابات الديمقراطية لا تتناسب مع الوطن العربي الذي سيعمل على فوز المتطرفين، واشترط أحد الوزراء الإسرائيليين، وهو عضو في المجلس الوزاري المصغر، أشترط أن يسبق ديمقراطية الوطن العربي إصلاحات تربوية تحول دون انتخاب المتطرفين على حد قوله! فكيف لو جاء هؤلاء المتطرفون من خلال ثورة الشارع المتفجرة ضد النظام الذي أعطى الأمن للإسرائيليين؟

إنه مصدر انزعاج ورعب يغلي في عقول وقلوب وأعصاب الإنسان اليهودي العادي الذي يعيش في إسرائيل، وهو بالتأكيد ما يقلق قادة الدولة العبرية الذين يرقبون مستقبل دولتهم من خلال تطور الأحداث في ميدان التحرير في مصر العربية.

كل ما سيأتي بعد ذلك من تفسير للأسباب التي تقلق إسرائيل من انهيار النظام المصري، هي تفريعات عن الأصل، ومن تلك النتائج أن جزءاً من الجيش الإسرائيلي سيتفرغ للحدود الجنوبية مع مصر، وما لهذا من تأثير على تطور الاقتصاد الإسرائيلي، واحتمال إلغاء مصر لاتفاقية الغاز مع إسرائيل، ورغبة مصر في غض طرفها عن تطورات أمنية تهدد مستقبل إسرائيل، وما يقال عن إمكانية تقارب النظام المصري القادم مع حركة حماس في مقاومتها لإسرائيل، وأثر ذلك في دعم المقاومة وتزويدها بالسلاح، وعدم التشجيع على التهدئة مع حدود إسرائيل، وتأثير ما سبق على نظام محمود عباس الذي يعتمد في بقائه على تواصل المفاوضات مع إسرائيل.

صورة لأيام قاتمة تنتظر دولة الصهاينة، وتنبئ بمصيرها المجهول فيما لو أفرزت الثورة المصرية الراهنة قيادة وطنية شابة تؤمن بأن الله قادر على التغيير.

==================

مؤشرات التغيير السياسي في الشرق الأوسط

بقلم/ حسام الدجني

Hossam555@hotmail.com

رياح التغيير هبّت على تونس واقتلعت رئيسها الدكتاتور زين الدين بن علي، لتلقي به في جدة، فسالت السيول على جدة رافضةً قدوم هذا الظالم على أطهر بقعة جغرافية عرفها المسلمون ألا وهي بلاد الحرمين الشريفين.

 إن ما حدث بتونس من ثورة شعبية، وما رافقها من قيام مرتزقة النظام بأعمال السلب والنهب والإرهاب في شوارع تونس، وبدأت تلك المرتزقة في التحول الإيجابي الوقتي لتركب أمواج الثورة التونسية، وتحافظ على امتيازاتها ومصالحها الشخصية والجهوية.

 وربما ما حدث في تونس سيكون له ارتدادات ستمس العديد من الأنظمة الشمولية في منطقة الشرق الأوسط، وكأن العلامة عبد الرحمن ابن خلدون يعيش اليوم بيننا ويرسم لنا خارطة التحول، حيث تناول ابن خلدون في مقدمته أطوار الدول فقال: " للدولة خمسة أطوار، هي:

1-        مرحلة البداية والتأسيس.

2-        توطيد الحاكم نفوذه إلى أن يصبح حاكماً مطلقاً.

3-        يبعد نفسه عن عصبيته.

4-        يعتمد على المرتزقة في الدفاع عن الدولة .

5-        المرتزقة تقضي على الملك ".

 

واليوم يعيش النظام الإقليمي العربي نهاية طوره الرابع، ولكن لن يكون مكاناً للمرتزقة في ظل الوعي السياسي والديني، والأزمات الاقتصادية، والعولمة وتقنية الاتصالات والتكنولوجيا، بل ستحل ثورة وانتفاضة الشعوب الحية بدل المرتزقة، وستذهب المرتزقة مع حاكمها إلى الجحيم.

 

الشعوب اتخذت القرار، فعشرات من السنين وحالات الفساد، وسرقة مقدرات وثروات الشعوب، والترهل والقمع وتكميم الأفواه وإخراس الإعلام، والتعاون مع إسرائيل، والتبعية للغرب، تكفي، فالشارع العربي يغلي، وأسقط مصطلح الخوف من قاموسه السياسي، وأعلن رغبته بالتغيير، ومحاربة الفساد.

فإذا شهد عام 1990 بداية للنظام العالمي الجديد أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، فإن عام 2011 سيشهد مرحلة جديدة قد تفرض على الغرب علاقات من نوع جديد في الشرق الأوسط تقوم على أساس احترام مصالح وإرادة الشعوب ودولهم، لا التبعية المطلقة التي لا تخدم سوى الامبريالية في العالم.

 

ومن المؤشرات التي تدعم سيناريوهات التغيير في المنطقة ما يلي:

1-        نجاح الثورة التونسية.

2-        أدركت الولايات المتحدة وحلفائها بأن طبيعة الشعوب العربية والإسلامية تمتلك طاقة كامنة قد تنفجر في أي لحظة في وجه الأنظمة الحليفة، وهذا سيؤثر على مصالح الغرب، ولذلك ارتأت تلك الدول دعم مواقف وإرادة تلك الشعوب.

3-        الرغبة الكبيرة عند الشعوب بالتغيير، والإصلاح.

4-        الأزمة الاقتصادية والبطالة وسوء استخدام موارد الدولة من قبل أزلام النظام الحاكم.

5-        كراهية الشعوب لإسرائيل، لذلك نشأت كراهية موازية لمن يطبع أو يلتقي بالقادة الإسرائيليين.

6-        تسريبات ويكليكس والجزيرة وبعض الصحف الأخرى، فيما يتعلق بفساد وشمولية وتبعية وتفريط تلك الأنظمة في قضايا الأمة.

7-        استثمار أحزاب المعارضة والنقابات والاتحادات للبيئة السياسية السائدة في المنطقة.

8-        سيناريوهات التغيير نجحت لحتى اللحظة في تونس، وفي لبنان، وبدأت العديد من الدول في تنفيذ سياسات جديدة تحقق ولو بشكل نسبي طموحات شعوبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

من الملاحظ أن التغيير يخدم محور الممانعة والمقاومة في المنطقة، ويعصف بمحور الاعتدال، وهذا يتطلب من النظام الإقليمي العربي وخصوصاً دول محور الاعتدال، التوقف ومراجعة سياساتها الداخلية والخارجية، فإن رغب أي حاكم في امتلاك مفاتيح الاستمرارية والديمومة في ممارسة حكمه فعليه التخلص من علاقاته مع إسرائيل، وبناء علاقات تقوم على تبادل المصالح مع الغرب بما يخدم مصالح الدولة القومية، والبدء بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية تخدم إرادة وطموح الشعوب.

=====================

تسريبات الجزيرة والغارديان صادقة أم كاذبة.. هي في صالح الجميع

د. أفنان القاسم - باريس

ramus105@yahoo.fr

الوثائق الخاصة بالمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية على مدى عشر سنوات، والتي تم نشرها على صفحات الغارديان وأمواج قناة الجزيرة صحيحة مائة بالمائة لأن مجرد نشرها في الغارديان يؤكد ذلك، فمصداقية الغارديان فوق كل شك، ونشر الوثائق في الغارديان لا بد أنه كان شرطًا أساسيًا لنشرها في الجزيرة، لما لهذه القناة من تاريخ مشكوك فيه، لهذا يجب الفصل بين موقفنا من القناة وموقفنا من الوثائق، كل ما يقال عن القناة صحيح، ولكن ليس كل ما يقال عن الوثائق صحيحًا، لأن فريق أوسلو معروف أي برنامج تصفوي للقضية الفلسطينية هو برنامجه، ولأن الجزيرة كبوق إعلامي مشبوه حجة لا تقف على قدميها من أجل الدفاع عمن فرطوا بالحقوق الوجودية للشعب الفلسطيني، وذريعة لا تكفي لتجاهل المفاوضات كوثائق غير مشبوهة، الناظر إليها والفاحص يجد أنها في صالح كل الأطراف، وأولها الطرف الفلسطيني.

 

لنفترض أن الغارديان لم تغط الجزيرة بمصداقيتها، وأن الوثائق نشرت في أي بوق إعلامي ليس له قاعدة إعلامية عريضة كالجزيرة، فالمهم هو أن ينشر ما في الوثائق، لكن اختيار الأولى كان لهدف، واختيار الثانية كان لهدف، والهدفان الراميان إلى التهويل أولاً وقبل كل شيء مدروسان بدقة، لنفترض أن الوثائق وقعت في يد عابر سبيل كان يمضي بالصدفة من تحت نافذة صائب عريقات، فرماها له عن غير قصد، لكن كبير المفاوضين لم يسع إلى استرجاعها، وتركه يبيعها للبوقين العالميين بثمن غال سياسيًا أغلى ثمن سيتقاسمه وإياه عندما نعلم مسبقًا ردود الفعل وردوده على ردود الفعل، فالمهم هو أن يمشي ما في الوثائق، لكن ذلك يتوقف على حجم الزوبعة التي تثار حولها، واستمرار الزوبعة من الطرف الفلسطيني يؤكد حقيقة مدى التفريط الذي تم وهول نتائجه، لنفترض أن صائب عريقات لم يفعل لا هذا ولا ذاك، وأن الوثائق ألقيت بالخطأ في سلة المهملات، أو تمت سرقتها، أو تم تزويرها، يبقى السؤال الملح التالي: ماذا تحوي هذه الوثائق؟ كاذبة أم غير كاذبة: لماذا يقذف بها في سوق ترمسعيا الإعلام العربي اليوم؟

 

إذن لو سلمنا بكذبها، المهم أن يمشي ما فيها – كما سبق وقلنا – ويبدو أنه يمشي، فالتحركان الإعلامي والسياسي وخاصة التحرك الشعبي، هذه التحركات الثلاثة لم تكن على مستوى ما تحتوي الوثائق "المنتحلة" عليه من خطورة كيانية تهدد الوجود الفلسطيني، التحرك الإعلامي كان كعادته يصوب إلى أهدافه بعيدًا عن المرمى، فيدعم بالمجان البرامج المعدة في السراديب والحجرات المغلقة، والتحرك السياسي كان كعادته شعارويًا ولفظويًا لا يتبعه تحرك فعلي لا على الأرض ولا في السماء، الوحيد الذي لم يكن كعادته التحرك الشعبي، ونحن لا نعني هنا مهزلة دعم محمود عباس – بلا حياء - من طرف حرسه "الجمهوري" في اللباس المدني أو من طرف بعض زعران فتح الذين على عكس جيوبهم أُفرغت رؤوسهم في الوقت الذي يموت فيه المتظاهرون في شوارع تونس والقاهرة، فالانتفاضات لم تزل في الأذهان ومعجزات الصمود والتصدي للاحتلال الإسرائيلي لن تغادر الذاكرة، وهذا دليل قاطع على نجاح الاحتلال الفلسطيني هناكَ حيثُ فشلَ أخوه الاحتلال الإسرائيلي، وهو نجاح أعجب من العجب العجاب أحرزه فريق أوسلو في تمرين الوثائق الحسابي الخاص بإخضاع شعبنا والوصول به إلى حد ابتلاع كل ما يملى عليه.

 

أعود إلى مصداقية الغارديان نافيًا، وإلى تواطؤ الجزيرة مؤكدًا، وأنظر إلى ما يُدعى بالسلطة الفلسطينية كبنية سياسية لا يمكن لها أن تنتج عبر التاريخ الفلسطيني غير ما أنتجت، وما جاء في الوثائق ليس غريبًا عما تنتج، إنه جزء من طبيعتها، من ماهيتها كذات بالمعنى الفلسفي، فالتخوين أمر ثانوي، لأن الأشياء لا تطرح، عندما يتعلق الأمر ببنية سياسية، على اعتبار أن هذا وطني وذاك خائن، تطرح الأشياء على اعتبار أن هذا جوهر بنيتي وفقط، ومن جوهر البنية السياسية لسلطة رام الله التبعية لسلطة أقوى، والتبعية لسلطة أقوى تفرض – إن شاء صائب عريقات أم أبى – جملة من الممارسات مرتهنة بشروط محددة، شرط تأسيس "دولة" تحت الاحتلال أهمها، وكل ما يستتبع ذلك من لولبية، يجد القيمون على السلطة الفلسطينية أنفسهم مدفوعين فيها بسرعة ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، التنازلات تصبح غير مطروحة كتنازلات وإنما كمكاسب أو كآخر ما يمكن الحصول عليه، لأنك مدفوع في الدوامة الهائلة للعمل السياسي الملولب، وبسبب من جوهر التبعية في بنيتك السياسية، تغدو ليس حجر شطرنج، فأنت حجر شطرنج منذ البداية، ولكن فاعلًا في بنية الاحتلال ومستقبِلاً لكل ما يرسل إليك: مستوطنات، تبادل أراضٍ، قدس عاصمة موحدة وأبدية، عودة رمزية... إلخ، وهذا ما تحتوي الوثائق عليه.

 

محتويات الوثائق في مفاوضات موضوعية جدًا إذن أمر لا شك فيه، ما يهمنا هنا الموقف الإسرائيلي الرافض حتى لأقصى التنازلات في التاريخ الفلسطيني وفي التاريخ البشري، فنحن لم نسمع أبدًا بفرنسا تترك باريس عاصمة أبدية لهتلر على الرغم من هيمنة رجال الإس إس عليها ولا بروسيا تترك موسكو عاصمة أبدية لنابليون على الرغم من إحراقه لها ولا بالأرض تترك القمر عاصمة أبدية لأبوللو على الرغم من كل ذهب الشمس ثمنًا، الموقف الإسرائيلي الرافض هذا لا يأتي من فراغ، ليس للقوة الإسرائيلية كما يشاع ولا للعنجهية النتنياهوية ولا للإيديولوجيا الصهيونية، ومن هذه الناحية الأخيرة والأهم، لقد سبق وتحالفت ألمانيا وفرنسا، العدوان اللدودان، غداة الحرب العالمية الثانية لأجل وحدة أوروبا، فأسستا السوق الأوروبية المشتركة بغض النظر عن إيديولوجيا كل طرف، الموقف الإسرائيلي الرافض يأتي لأن بنية قيادة إسرائيل السياسية بنية تابعة هي أيضًا، تمامًا كالبنية السياسية للسلطة الفلسطينية، لبنية سياسية أقوى، ألا وهي البنية السياسية للبيت الأبيض، وكل المشكل هنا. لأن حكام واشنطن يرفضون أي حل للمسألة الفلسطينية تمامًا كما رفضوا أي حل لمسألة الهنود الحمر، فالناظر إلى قيام إسرائيل يراه كما يرى قيام أمريكا، وقيام أمريكا نقيضُهُ السكان الأصليون الذين اندمجوا أو اندثروا، فحققت بذلك أمريكا هيمنتها على الأرض وعلى ثروات هذه الأرض، وهذا ما تسعى أمريكا إليه في فلسطين، قلب الشرق الأوسط، للسيطرة على الأرض وثروات هذه الأرض، الشيء الذي تم لها، عبر فلسطين، في كل الوطن العربي، وسترفض أمريكا أي حل ما بقيت هناك ثروات للنهب، فكان الرفض الإسرائيلي من شرط سياسي للمنطقة تقوم عليه بنية سياسية عالمية وسلطة سياسية عالمية وقوة سياسية عالمية هي بنية أمريكية وسلطة أمريكية وقوة أمريكية.

 

نشر الوثائق اليوم يرمي إلى ما توصلنا إليه: لا حل هناك حتى ولو حصل الجانب الإسرائيلي على أقصى ما يمكن الحصول عليه من تنازلات. أمريكا ارتاحت، وذلك من ناحيتين: الناحية الأولى وجدت ما يبرر "تعثر" الوصول إلى حل، والناحية الثانية عززت جوهر بنيتها السياسية في الهيمنة العربية والإقصاء الفلسطيني، والنبأ الذي وصلنا، ونحن نكتب هذه السطور، حول دعوة أوباما إلى مجلس الأمن الوطني لبحث التطورات في مصر كما لو كان أمن مصر الوطني جزءًا من أمن أمريكا الوطني يصب في منطق تحليلنا. إسرائيل لم ترتح فحسب بل ونامت ملء جفنيها، لأن التفاوض القادم مع الفريق الجديد الذي سيرث أبو مازن سيبدأ من نهاية التفاوض السابق، يعني الاكتفاء بالوضع الراهن بعد أن أعطى الجانب الفلسطيني كل ما استطاع عليه من تنازلات: كيان كانتوني مصطنع على الطريقة السويسرية تحت الاحتلال، وهذا ما يردده بنيامين نتنياهو منذ مولده، وما يدعوه وزير شؤونه الاستراتيجية موشيه يعالون "بإدارة الصراع" لعدم وجود حل لهذا الصراع، كما يدعي، نقول كما يدعي لأن الحل موجود كما نرتأي، ولكن لكل حل شروطه التي تفرضه، والطرف الأوسلوي لا يمتلك هذه الشروط التي أولها في الظرف الراهن انتفاضة على الطريقة المصرية أو التونسية تطيح بالسلطة الفلسطينية، وتفتح الطريق واسعًا أمام إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية بمعايير فلسطينية ترضي كل آمال الشعب الفلسطيني. السلطة الفلسطينية ارتاحت أكثر من حليفتيها السابقتين، فهي أعطت كل ما تستطيع عليه دون أدنى فائدة، لكن لا تكتحل عينها غُمضًا، خشية أن يفاجئ أمنها البوليسي ما ليس في الحسبان، فتناور، وتذر الرماد في العيون: اعترافات بدولة فلسطينية – يا هلا بالنشامى -، بحدود 67 – اسمع اسمع -، والقدس عاصمة – لاه صحيح؟، - وعودة اللاجئين – باللهيييي! -، كما يتبجح أصحابها، وكله هوا وكلام فارغ، لأنه حتى ولو اعترف العالم كله بمثل هذه دولة بما في ذلك أمريكا ولم تعترف إسرائيل بها، فستبقى دولة خوارنة أوسلو دولة بالإسم، وتجربتنا مع دولة عرفات التي أعلن عنها في الجزائر خير مثال. حماس ارتاحت أكثر من الأطراف الثلاثة في مجموعهم، لأن شلة حسب الله السادس عشر وأئمة الإخوان المسلمين رضي الله عنهم وأسكنهم فسيح جناته قد وجدوا المبرر على المبرر لفصل غزة عن الضفة والعوم في بحور امتيازات الحكم على مسخه وتكبيرات التطرف على بخسه. العرب، وما أدراك ما العرب، وعلى لسان عمرو موسى رئيس جمعيتهم الخيرية الذي قال "لا جديد في الوثائق" لا فض فوه، يؤكدون كالعادة ويؤيدون كل ما تمليه عليهم أمريكا لأمركتنا وتعزيز برامج اكتساحنا إنسانًا وأرضًا وثروات، وينتقصون من قيمة كل شيء لئلا تحاسبهم شعوبهم، وليبرروا تخاذلهم أمامها في الوقت الذي يعملون فيه على تيئيسها... الموسيقى الجنائزية التي صاحبت بث الوثائق في الجزيرة – بغض النظر عن صدق هذه الوثائق أو عدمه - دليل قاطع على هذا البوق الدعائي المشبوه الذي دخل بإرادة عربية أكثر البيوت عددًا وأدخل في قلوب أهلها الشعور بموت فلسطين ونهاية كل أمل في تحريرها... فهل قال الشارع العربي والشارع الفلسطيني كلمتهما الأخيرة؟ في تونس يجري اليوم هدم بنية النظام السياسي القديم، وفي مصر يغضب الناس، ويزأرون من أجل التغيير، وفي اليمن، وفي الجزائر، وفي زحل، وفي المريخ، و... و... يكفي أن تتغير توزيعة ورق اللعب، لتجِدّ شروط تضطر الأمريكان إلى حل لن يسيل له لعاب القادة الإسرائيليين كما جاء في الوثائق، وكالذئاب يريدون المزيد، لِمَ لا واغتصاب حقوق شعب كامل قد غدا نوعًا من الترف في الاستراتيجية الأمريكية؟

======================

مصر التي في خاطري

توفيق الحاج

لم أنم طوال ال72 ساعة الماضية إلا أقل من 8 ساعات..قضيتها متسمرا أمام التلفزيون ومتنقلا ذهابا وإيابا بين فضائيات العربية وال بي بي سي والمصرية... وطبعا لم انس سمو الأميرة (الجزيرة)..!!

للذاكرة وللأجيال القادمة....

انتفاضة عفوية بدأت يوم 25يناير بدعوة من شباب (الفيس بوك) المصري ونتيجة طبيعية لتراكمات مقيتة من الظلم والبطالة و الفقر والفساد والتزوير والقهر الاجتماعي من نظام حاكم مستبد يقوده مبارك منذ 30 عاما.

وكان من الطبيعي أن تنتقل عدوى أنفلونزا الانتفاض الجماهيري ضد القهر الداخلي من تونس إلى مصر تماما كما انتقلت بسرعة ظاهرة الشواء على الطريقة التونسية التي أبدعها (البوعزيزي) إلى القاهرة والخرطوم وصنعاء والجزائر..!!

 

مر يوم 25 يناير بسلام بين شباب متحضر وواع يطالب بالتغيير وامن مسئول وملتزم إلا انه مع قدوم ضحى يوم 26... استيقظت أحزاب المعارضة من نومها متأخرة وتمطت متثائبة كالبنات الفافي..!! ثم نظرت إلى الشارع من خلال شرفات مقراتها وبانتهازيتها المعهودة هبطت بالباراشوت وركبت الموجة مع (البرادعي) رجل أمريكا البديل فيما يبدو وبطل مسرحية لا تزال في الذاكرة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ..!!

فتغير التوجه والأسلوب.. وارتفع سقف الشعارات وأصبح المطلوب تصفية حساب تحت عنوان(الشعب يريد إسقاط النظام) وبدأ الاحتكاك بين المتظاهرين ورجال الأمن المركزي سيء السمعة.. الأمر الذي أدى إلى ما أدى إليه قتل واعتقال وتخريب وخوف...!!

 قمة الدراما كانت في يوم 28 (يوم الغضب) وبعد صلاة الجمعة حيث تسارعت الأحداث وامتدت المظاهرات إلى كل معظم مدن المحروسة بسبب قصور فهم النظام الحاكم لطبيعة ما يدور على الأرض واندفاع ذراعه الأمني الأرعن وراء لعبة الاستفزاز والتحدي من عناصر حزبية وتخريبية مندسة ..!!

وكان يوما داميا ...انهزمت فيه شرطة مصر أمام الجموع الغاضبة ليدخل الجيش على الخط....كما توقعنا وحسب السوابق التاريخية القريبة عام 77 وعام 86 وأعلن منع التجول...!!

هنا المفارقة ...وهنا العجب ... جيش مصر الطيب السمعة بدباباته الصفراء لم يمتثل لأوامره احد..!! وبقي المتظاهرون في الشوارع يحرقون صور الحاكم العسكري بل ويكتبون على مدرعاته (يسقط مبارك )..!!

وبدأت عمليات النهب والسلب المنظم للما ل العام والخاص حرق مقرات الشرطة والحزب الحاكم أمام أعين قادة وحدات الجيش الذين كانوا يوزعون الابتسامات ويلتقطون الصور التذكارية مع بعض المتظاهرين..!!

في المساء يظهر ( عصام العريان) احد أعضاء مكتب الإرشاد على القناة المفضلة في مقعده الفاخر وبلحيته المشذبة واثقا جدا من فتح القاهرة ..!! وعلى يمينه (واعدوا) بين سيفين..!!

الإخوان لم يرفعوا راياتهم او شعاراتهم ذكاء ولكن كل شيء يوحي بوجودهم وتوجيهاتهم وخاصة عند محاولة حرق ونهب ( أصنام الرجس) في المتحف القومي ..!!

التلفزيون المصري أدهشني عندما تجرأ واخذ زمام الموقف من الفضائيات الأخرى ولو متأخرا ظهيرة يوم الغضب وفعل ما لم يفعله تلفزيون عربي رسمي من قبل فبدأ يعرض الأحداث ببث حي ووعدنا بخطاب هام للزعيم بعد ربع ساعة..!!

ومضت الساعات والأحداث تتابع بسرعة مخيفة

سألت وتساءلت بحزن شديد مع كل المشاهدين والسنة اللهب تتصاعد من وجه مصر ،وبعض البلطجية يعرض غنيمته بفخر أمام كاميرات الجزيرة !!...بينما استغاثات الحرائر تتعالى من كل مكان...!!

 أين هيبة حماة مصر.. .؟ وماذا يحدث..؟ هل هو انقلاب...؟ ...اين الحزب الوطني.. وأين أغلبية ال88%في انتخابات طازة..؟!!بل اين يختفي رئيس مصر..؟!!

 

 بعد منتصف الليل.. اطل علينا بأناقته وشعره المصبوغ والقي كلمة معدة بعناية وبصوت متحشرج يعبر عن الخوف من مصير يراد له لا يقل عن مصير زين العابدين.. ويقيل حكومة (نظيف) غير النظيفة..!!!!

(احمد عز) أمين الوطني الحاكم، وملك الحديد ،وملياردير حكومة رجال الأعمال يذهب غير مأسوف عليه ..!!

لم يتغير شيء مع صباح يوم 29 بل زادت الأمور تعقيدا ونزف دم السويس أكثر وأخذت التظاهرات اتجاها بالانتقام من فلول الأمن المركزي والمباحث هناك إلى درجة ذبح (قنديل) احد المخبرين كدجاجة..!! بينما قتل 5 من رجال شرطة شمال سيناء بصمت على يد بدو ملثمين..!!

صور مبارك تضرب بالجزمة ...!! تذكرة بما جرى لصور صدام...

القرضاوي ... يندفع بحماس ويتوعد مبارك بالرحيل وإلا..؟!!

الجزيرة تستبق الأحداث إلى ما بعد النظام..!! وتسكب مزيدا من الزيت على النار ،وكتاب الفاصوليا الخضراء يحتفلون بالنصر قبل الأوان...!!

 

اسرائيل تبدي قلقا حذرا..فترحل دبلوماسييها وتهدد عبر (يديعوت احرونوت) باحتلال رفح ..!!

مبارك المرتعش يعين (عمر سليمان)العسكري نائبا له لاغيا مبدأ الثوريث ..!! ويعين (احمد شفيق)العسكري ايضا رئيسا للحكومة..!!

التلفزيون المصري يعرض صورا لمن قاموا بالنهب والسلب وبينهم ملتحين..!!

في يوم 30 يرفع (مبارك) بعصبية الكارت الاحمر للجزيرة الطاهرة التي أخذت تتحدث عن مصر بلسان (أم كلثوم) الكافرة..!! ويطردها عن مدار النيل ..!! ويظهر مع قادة الجيش في غرفة العمليات،

بينما طائرات ف16 مصرية تدوي في سماء المعركة..!!

التظاهرات مستمرة ويشارك فيها لأول مرة قضاة وعمائم أزهرية...!!

بينما يعلن شيخ الأزهر والبابا شنودة تأييدهما لمبارك..

 خلفية الصورة تتضح قليلا ،فيظهر اختلاف وهشاشة المعارضة الكرتونية أكثر .. رغم إصرار شباب مصر المحاصر بالدبابات على الاعتصام والتظاهر حتى النهاية.

أمريكا تعطي (البرادعي) ضوء اخضر فيتحول بتفويض.. إلى (عرابي) جديد في ميدان التحرير ..!!بينما صاحب الكرامة (حمدين صباحي) ينفي ويستنكر أن يقفز أحد على الموقف..!!

الجيش المصري الذي يتصرف باتزان لا يزال رسميا مواليا مبارك وهو الوحيد القادر على تقرير مصيره

عودة رجال الأمن إلى مواقعهم على استحياء.. أصاب بعض متعجلي السقوط بالإحباط..!!

البرادعي و القرضاوي و أيمن نور وحزب الوفد وحزب التجمع بدأوا يشعرون بالتوتر والقلق..!! لان بطاطا النصر لم تنضج بالسرعة المطلوبة، و لان كلا منهم كان يمني النفس بخراب مصر والجلوس على تلها..!!

التخريب والنهب والحرق والهروب الكبير للمحرمين ، وعدم وجود قيادة واضحة... نقاط ضعف تسيء للجموع الحاشدة..!!

في ساعات المساء ..تبدو مصر على الفضائيات المزايدة والمحايدة كأرملة فقدت كرامتها وهناك من يريدون الزواج منها قبل انتهاء العدة كل على طريقته وهواه..!!

فمنهم من يريدها أمريكية!! و منهم من يريدها ملكية..!! ومنهم من يريدها ظلامية..!! ومنهم من يريدها يسارية...!! ومنهم من يريدها مهلبية..!!

موقف واشنطن المائع والمشبوه من مبارك درس قاس لكل ظالم يتحزم ويتاجر بأمريكا على حساب شعبه...

لاحظوا .... لا شعارات ترفع ضد إسرائيل او أمريكا....!!

 

ما يراد لمصر هو أن تتخلص من قهر حزب حاكم حرقا... لتقع في أيدي أحزاب الفقمة و مماليك المعارضة الذين سيعيدونها أما إلى حقبة من الانكفاء الفرعوني أو إلى عصر الليل والحريم ..!!

ولكن تجلى المعدن الوطني العظيم في جموع الشباب الذي انتفضت ضد القهر...والتي شكلت في نفس الوقت دروعا بشرية لحماية أم الدنيا مصر من اللصوص والفارين من وجه العدالة..!!

عندها غنت في ذاكرتي (شادية) أغنيتها التي يرتعش لها كل مصري وكل عربي (يا حبيبتي يا مصر)..!!

همست لكل الذين أحبوها بصدق :

ادخلوها امنين ... وقد أحرقت عن عمد عيونها الساهرة وهرب من السجون أشرارها..!!

أقول لله والتاريخ...ما أشعر به الآن وما قد تثبته الأيام القادمة أو تكذبه

 دون الخوض في الأمور بعقلية المؤامرة....!!

هناك ما يعد وينفذ بعناية ودقة لمصر وللمنطقة... وما حدث ويحدث منذ هبة تونس إلى الآن ليس إلا جزء يسير من صفقات ومقايضات وتغييرات مذهلة..!!

ولازال الفيلم التونسي على الارض المصرية في عرض مستمر ...!!

أحدهم مع عودة الغنوشي الى تونس يدشن (الخلافة) في الزيتونة فهل نرى من يعود ويدشنها في القاهرة...؟!!

 

أحيانا.. أفكر بطريقة أخرى و بفانتازيا مغايرة..

لم لا نقول : رب ضارة نافعة...

فقد نصحو غدا لنرى البرادعي رئيسا بمباركة أمريكية صريحة....!! ونرى الإخوان يقودون حكومة قوية تعلن فورا الحرب على إسرائيل وتبشرنا قناة الجزيرة تباعا بالأخبار العاجلة عن بلاغات التحرير من النهر إلى البحر..!

 

أيها القراء... اعذروني

لم تسعفني السخرية بقدر ما غلبتني الدموع

بكيت على مصر ولم ابك على مبارك ..

لقد كرهت مبارك امتدادا للسادات وكرهت في نفس الوقت وجوها انتهازية في معارضة مفلسة منذ 40 عاما

بكيت على مصر...التي تتربع في ذاكرتي بتاريخها و نيلها وأبطالها وشهدائها ونجومها وسماحة شعبها...

بكيت على (مصر التي في خاطري) والتي أحبها أبي حبه لعبد الناصر و مجطة باب الحديد ونخوة الصعيد الجواني..!!

بكيت على (خالد سعيد) وأكثر من مائة شهيد من الشباب الغاضبين ..!!

وأخشى أن يكونوا وغيرهم مطية لمن يقومون بسرقة المشهد في أخر لحظة ..!!

تركت مكاني أمام التلفزيون ولازالت قناة الجزيرة على المدار الأوروبي تمارس هوايتها في نفخ كور الأحداث...لعل وعسى!!

 

نحن لا نريد سوى السلامة لمصر بمبارك او بغيره ... والتعافي مما يحيكه الحاقدون والانتهازيون والظلاميون لها...!!

قلت لنفسي : لو ضاعت مصر... !! لم استطع أن أكمل الجملة...تملكني الرعب...فلجأت إلى ربي وتمتمت بدعاء من القلب..!!

أجابني صوت أم كلثوم و بلسان مصر مخاطبة كل عربي حر (أنا ان قدر الإله مماتي...لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي)

 حماك الله يا مصر

رعاك الله يا محروسة..

وبنحبك ..قوي قوي..!!

===================

عندما يسقط فرعون مصر تسقط كل الرؤوس

ناجي الغزي

alghezinaji@hotmail.com

بعد سقوط النظام التونسي العتيد على يد الاحرار وهروب رئيسه بن علي غير مؤسوف عليه. فقد أنتقل زلزال الانتفاضة التونسية العارمة كالنارفي الهشيم الى بقية الشعوب المضطهدة التي تأن من سطوة الحكام الدكتاتوريين. فهب الشعب المصري في جمعة الغضب الاحمر ليعانق ضوء الشمس وينسج خيوط الامل الذهبية لتحقيق الحرية ومبادئها. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها الشعب المصري في الوقوف والتصدي للنظام الفرعوني المتجبر, الا أن النظام المستبد ظل يعاند ويكابر في قراءته للرسائل التي يبعثها الشارع المصري.

فقد بدأ النظام يناور في أعادة تركيب وترتيب أدواته الخشبية السياسية والأمنية, فقد أقالة الحكومة الوهمية وأبدلها برئيس المخابرات وطاقمه العسكري ليكونو سدا منيعا لأدامة أيامه المتبقية وأعادة أنفاسه الاخيرة. وهو يعتقد في هذا التغيير يستطيع أستغفال الشعب المصري الملتهب. ولكن النظام البليد لا يريد أن يفهم الموقف السياسي للشارع المصري المتأزم ومدى الصعوبة التي سيواجهها امام الشعب الغاضب.

ورغم تلك المماطلة من قبل النظام في تغيير هيكلية الحكومة الا أنه لابد أن يغادر فرعون مصر السلطة, وتنجلي شرعيته الملتبسة, وتنكسر سنوات الطوارئ وسنوات الفقر والفساد التي تساوي سنوات حكم حسني كلها. وحتى التصريحات الخجولة من قبل المجتمع الدولي كأمريكا وأوربا والتصريحات والبيانات العربية المنافقة والمساندة للدكتاتور, لا تثني عزيمة الشباب المصري الذي عاش سنوات الطوارئ والغلاء والبطالة المفعمين بالحرية والوطنية والشهامة المتدفقين الى الشوارع بصدور عارية وبروح مستعدة للتضحية منادين بسقوط الدكتاتور العتيد وازاحة زبانيته من جذور مصر ومدنه الجميلة.

ومنذ أنطلاقة ثورة الأنتفاضة في تونس الخضراء دق نواقيس الخطر في المنطقة العربية وأثارت الرعب في نفوس الزعماء العرب المتعكزين على أرذل العمر من غضب شعوبهم المحتقنة والمتأزمة من سطوة سياطهم وقمع أجهزتهم الامنية المختلفة. لذلك ما حدث في تونس وفي مصر يثير أعصاب المسؤولون العرب الغارقين في دماء الشعوب والعابثين بمقدراتهم المادية والمستهترين بحقوقهم المدنية. لذلك نرى الزعماء العرب يشدون أزر بعضهم البعض على ان لايتكرر مصير بن علي وان لاتنتقل عدوى الحرية الى شعوبهم المضطهدة مهما كان الثمن.

 

ولكن من الضروري جدا أن تنجح ثورة جمعة الغضب في مصر ويتحقق مشروع التغيير وتثمر جهود الشعب المظلوم بإنتاج قيم الحرية والانسانية والديمقراطية الغائبة بسقوط النظام الدكتاتوري. وفشل جميع المشاريع التي تنادي بالقومية العربية التي لايتحقق منها سوى الشعارات الفضفاضة, التي خلقت طابور من الانظمة الدكتاتورية المتغطرسة بأجهزتها الامنية والمخابراتية القمعية والقابعة بها على صدور الشعوب العربية والعابثين بمقدراتهم. هؤلاء الرؤساء الذين خطفو السلطة بغفلة من الزمن لايفقهون شئ بإدارة الدولة ومستقبلها ويدركون سبل التعامل مع السلطة بأحترام ومسؤوليتهم أتجاه الشعوب. فكل زعيم يعيش مع حاشية حزبه وأقرباءه في عبث المال ونشوة السلطة على حساب استحقاقات الشعب المحروم.

 

لذا على الشعوب العربية والمؤسسات الفكرية والأكاديمية والمهنية المستقلة أن تتحرك وتحرك الشعوب معها أتجاه الحرية ونيل حقوقها وكرامتها من أفواه وعيون الأنظمة الدكتاتورية, لذا فسقوط فرعون مصر يعني الكثير الكثير في تاريخ الشعوب العربية. لأن بسقوط صنم القاهرة تسقط كل الرؤوس المجاورة والمحاذية لسمة السلطة الشمولية وتهتز عروش اخرى في طرابلس ودمشق وصنعاء وبقية العواصم العربية. أيها الشعب العربي في مصر لاتمنحو الفرعون فرصة السطوة والسلطة مرة أخرى كي لايعيش على دماءكم ويتنفس على حسابكم لا تجعلوا الامل يعود الى قلوب الطواغيت وتقهر إرادة الشعوب المتطلعة للحرية, رابطوا ولازموا وأحسنوا نواياكم الله يعينكم .

======================

مصر من الانتفاضة إلى الثورة

سوسن البرغوتي

مصر السمراء تهب معلنة أن حال الظلم والاستبداد لم يعد يُطاق، فقد احتمل الشعب عقوداً ثلاثاً من التفقير والتجهيل، وتجاهل الشعب في مطالبه وكرامته وسيادته وأمنه على أرضه، وبعيداً عن سرد تفاصيل السياسة الخارجية والداخلية للنظام والخلل الذي أحدثه في علاقاته مع عدة بلدان عربية، فإن الدولة تحولت لسلطة نظام يضرب بعرض الحائط حقوق المواطنة وسيادة مصر، وليس نظام دولة، تحترم مكانتها العربية، متخذة سياسة اقتلاع مصر من هويتها العربية، ومن ثقافتها الإسلامية.

 

لقد فاض الكيل لدى الشعب، فانتفض لاسترداد ما سلبوه، والضغط المستمر، ولد انفجار أحدثه شباب، قيل إنهم دُجنوا ولا تهمهم قضاياهم، ولكن المفاجأة الرائعة والصرخة المدوية، جاءت من تونس الخضراء إلى مصر السمراء، من النشء الجديد، الذي عقد العزم على ضرورة الاستمرار، وانتقل إلى مرحلة الثورة الشعبية الشبابية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والثورة ليست احتجاجات وشغب آنية، فحدد أولوياته، بإسقاط النظام، ولم تثنه الدماء الزكية التي روت أرض الكنانة عن عزائمه، بل إن شهداء ارتقوا إلى العلا، شكلوا رافعة وطاقة قوية للتحدي، وهذا الأمر الذي تجاهلته السلطات في مصر، فكلما سقط شهيد، تأجج الغضب في الصدور. فلم تعد تجدي تعيينات جديدة، وإعادة تشكيل النظام، بوجوه جديدة، كذلك عسكرة الحكم، مرفوض من ثورة واعية ناضجة، تدرك أن استلام الجيش الأوضاع، خطر على التحامه معهم، وحتى لا تتحول مصر إلى سجن مفتوح، وعلى ديمومة الثورة بإطارها الشعبي، ومطالبه لأجل إنقاذ مصر بحكومة تمثل كل القوى الحية وتدفق دماء شبابية في شرايين دولة حية.

 

نراهن على الشعب الحي وقواه الحية، والمفكرين وجهابذة الإصلاح الوطنيين، فهم يملكون القدرة الكافية وبهمة عالية لإنقاذ وطن التاريخ.. وطن العطاء والحب والصبر، ولديهم الإحساس والعلم الكاف بما آلت إليه الأوضاع في مصر، لتأسيس عقد وثيق بين الإنسان وأرضه على جميع الأصعدة.

 

غباء أمريكا قادها إلى المراهنة على أنظمة بغيّة لعقود، تربعت على أعناق وجماجم الشعب، وضخت المليارات ليذيق الويل والعذاب لشعبه، وها هو الشعب يقول كلمته، ويقطع أيادي أمريكا، فقد تخطت كل الخطوط الحمراء، وبات النظام وحشاً يأكل أبناءه. لكن الهواجس والخوف، من إستراتيجية أمريكا المتجددة، كأفعى تغير جلدها وحرباء يتغير لونها حسب المعطيات على الأرض، لا تفارق عشاق مصر الحرة، للالتفاف على ثورته وتصميمه، بنزع هذا النظام، من هرمه حتى قاعدته.

 

لسنا بموقف توعية الشعب وقواه الحية، فهم أساتذة ورواد الثورة وهم طلاب حرية وكرامة تهون دونهما كل التضحيات، ويعلمون بواطن الأمور وظواهرها، ولكن احذروا غدر العدو وأطرافه ما زالت ترقص على صفيح موتها الساخن، وهم يدركون أن أيامهم باتت معدودة، فالمناخات مواتية وسبل النصر متوفرة، وفرار بعض المنتفعين والمأجورين، دلالة على إعلان مبطن، الاستغناء والتخلي عن عصابات نهبت مصر وأضاعت كل ما أنجزه الشعب من مؤسسات ومصانع وانتصار أكتوبر، بالتفاف عليه، وتوقيع اتفاقية متصهينة، توغل من خلالها العدو في مصر، ولكن لم يتغلغل لعقل ووعي شعب، أعلنها أنه حيّ، فلا الخبز والعوز الذي دفع بالشباب للشارع، فقيود العقول التي حجبها نظام التصهين، أشد وطأة على الشعب من قيود سجونه ومعتقلاته، وهو ذات الدافع الذي حرك جماهير تونس.

 

فجر الثورة يشرق ويُولد من جديد في بلادنا العربية، وسيحصد الوطن العربي، ثورات شعب، أبى إلا وأن يخط ملامحها بدماء حرة، وأول خطوة جبارة، يكملها طريق الوطن لكل الشعب، والنهضة لا تُستكمل إلا بالإيمان المطلق، بالله وقدرة الناس على التغيير الإيجابي البنّاء.

 

قلوبنا وعقولنا معكم لحظة بلحظة، وأصواتنا تكاد تخرج من الحناجر، وعيوننا على العدو، خاصة أنه يستغل أي ثغرة لينقض على مصر وعلى أي بلد عربي ينبض بالحياة، ويقف سداً منيعاً أمام مشروعه الاستعماري الشامل، وهذه أيضاً مناشدة للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ليكونوا على أهبة الاستعداد، فأمريكا والصهاينة، يفرون ليخططوا لكر جديد.

 

النصر آتٍ.. آتٍ، فإن تنصروه، ينصركم، ويشد من عضدكم، { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } .

======================

ثورة مصر وممكنات نهوض الأمة

نزار السهلي

" نسرد واقعة معبرة للجنرال فرانكو يعرفها المؤرخين , وهو على فراش الموت يحتضر , و الجماهير تهتف باسمه , فسال زوجته عن الضجيج بالخارج فقالت له : ان الشعب جاء ليودعك , فقال : الى اين سيذهب شعبي " حتى الرمق الاخير للطغاة يبقى وهم الخلود يسري في حكمهم

أمام واقع الحال الراهن الذي وصلت إليه الأمور , على الصعيدين الوطني والقومي , تنبثق في العقل أسئلة كبيرة ومتعددة , لماذا جرت الأمور بهذا الشكل وهل ما يطرحه الشارع العربي من شعارات خيالية لا يزكيها الواقع ومسارات الأحداث , يقف الإنسان وبإحساس عالي من المسؤولية أمام هذه الأسئلة , لينفض عن العقل نزعة التبرير لواقع الأمة الذي حكمه نهج التعاطي مع صراع العقل العربي , وعمق الصدمة الناجمة عن مستوى نهوض الأمة ليخطئ من يعتقد ان فقدان الإيمان بالشعب العربي هو ضد منطق التاريخ الذي صنعته شعوب الأمة العربية , وما شهدنه تونس بالأمس وما تشهده مصر اليوم هو انهيار لكل النزعات القطرية وضد إزاحة البعد القومي وجسر الهوة بين القطري والوطني , ليشمل تعزيز الانشداد للمصلحة القومية العليا باعتبارها الإطار الاشمل لتوحيد الجماهير العربية وقواها السياسية , بعد ان اجتهدت بعد النظم العربية في تحويل نقمتها إلى علاقات ارتهان بالكامل للاحتكارات الخارجية لتصبح رهينة للسياسات الاستعمارية وربط وجودها بمدى استجابتها لتلك المشاريع , وان الخطر الذي يتهدد تلك النظم هو داخلي وبان حليفها الطبيعي هو القوى الاستعمارية وحليفتها إسرائيل كقوة كابحة ورادعة للأهداف والطموحات والتمردات الشعبية

ثورة الشارع العربي في مصر , تعمق الإيمان العميق بإرادة الشعب العربي القادر على النهوض بممكنات الأمة ماديا وبشريا وكفاحيا وسياسيا , فمن غير المعقول أن يتم استنزافها ونهبها لخدمة المشروع المعادي وبما يتناقض مع ادني المصالح والحقوق والكرامة القومية .

اعتمد النظام الرسمي العربي منذ نشأته على مظاهر خاطئة , ارتبطت عضويا مع سيطرة الامبريالية العالمية الممثلة بنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين الذي يحشد كل مكونات قوته , ويوظفها في الصراع ضمن رؤية شاملة , جعلته منصة انطلاق لإجهاض أي تحول ونهوض في النظام السياسي العربي , تجلى ذلك في النظرة والمفهوم الخاطئ في تعامل النظام الرسمي العربي مع القضية الفلسطينية والقفز عن الدور الذي يمثله الشعب الفلسطيني في صراعه الوجودي مع الحركة الصهيونية , فالذهاب بعيدا بممارسات الأنظمة القامعة لشعوبها في إثارة التناقض الداخلي من خلال الترويج بان موجبات الصراع مع المشروع الصهيوني تتطلب عدم تلبية مصالح الجماهير العربية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ,بينما المنطق السليم يقول بان تعزيز البناء الداخلي في المجتمعات العربية يشكل احد الأعمدة المناعية لخوض الصراع

العجز الذي أظهره النظام الرسمي العربي في إدراك طبيعة وأبعاد تحرك الشارع العربي في تونس ومصر واليمن , تظهر هشاشة الوجود لتلك الانظمة التي وجدت باتصالاتها الساخنة مع واشنطن وحلفائها في المنطقة عامل اطمئنان خادع لها , بعد اختراق الثورة التونسية ووصولها الى مصر لتفتح أبواب التغيير وتمهد الطريق امام ممكنات نهوض الامة من جديد بعد عقود من الاستكانة الخادعة أيضاً لتلك النظم المستبدة , والتآكل المحزن لقرار الدعم الذي توفره القوى الاستعمارية للنظم المستبدة تهاوى سريعا امام حركة الجماهير العربية , التي أعادت صورا من إشكال نهوضها التاريخي ضد الاستعمار وضد الاستبداد أيضا , الذي شكل حائط صد بين النظم الرسمية والجماهير العربية

في المراحل السابقة تصرف النظام الرسمي العربي ,على أساس فرض القمع والإرهاب وتغييب الديمقراطية تحت حجة ان ذلك من شروط المواجهة مع العدو وأياً يكن هذا العدو طالما أن النظام العربي يستحضر مسمياته من واشنطن وتل أبيب , واليوم لم يعد لتلك التبريرات لسوء الأوضاع وبؤسها مكانا في قاموس الجماهير العربية المنتفضة على الغزو الاقتصادي والثقافي والسياسي المعلب بغطرسة أمنية عمادها الرئيسي حماية إسرائيل ورعاية مصالح الامبريالية الأمريكية

تظهر ثورة الشارع المصري حقيقة الإيمان بالشعوب أكثر من أي وقت مضى , على قدرتها على تخطي العجز والتناقض الوهمي الذي أصبغت به في محاولات التشويه والترويض والإخضاع وفق منطق الطرف الأقوى , لتظهر بصورة فاعلة ومتجذرة لم نشهدها من قبل وان أشياء كثيرة قد تغيرت مع بداية الألفية الثالثة ومفاعيل جديدة وهائلة أضيفت للوحة المجابهة لتسقط طرائق وأوهام عمل وشعارات انكشفت نقاط عجزها وضعفها , كذلك نقطة الانطلاق الرئيسية تتمثل في بناء حركة شعبية متجددة وتنوعه تنهي العجز والتآكل الذي وسمت به الأحزاب السياسية نفسها من بوابة الصراعات المدمرة والاحتراب الإيديولوجي المنهك والذي ابتعد عن تناقضه وصراعه الأساسي مع العدو القومي والقوى المرتبطة به في المنطقة العربية

نفضت الجمهور العربي بالمس في تونس واليوم في مصر ما خطط ورسم من متناقضات , وأعاد الثقة واليقين بان الأمة العربية والشعب الفلسطيني سيتخطيان المرحلة الأصعب والاهم وان قسوة الواقع تؤسس لبداية نهوض يمتلك ممكناتها الشارع العربي الذي سار على الطريق السليم في إدارة معركته ضد الاستبداد وضد الهيمنة الصهيونية الأمريكية عليه .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ