ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 31/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مصر.. الغرب يتخلّى عن الرئيس ويخشى على النظام

المطالبة بتغيير جزئي سريع خوفا من تغيير شامل مريع

نبيل شبيب

رصدت الدول الغربية أخطاء نفسها في التعامل مع ثورة تونس وتخلّفها عن الأحداث التي فاجأتها بحجمها ونوعيتها، وسعت بوضوح إلى محاولة تجنب تكرار ذلك مع "ثورة مصر"، أو ما تقدّر أن يتحوّل إلى ثورة ما لم يحدث تغيير سياسي سريع وواضح المعالم.

على أنّ الحرص الغربي على تجنّب الأخطاء في التعامل مع الحدث الشعبي الكبير في مصر، يعود إلى أسباب أخرى قطعا، في مقدّمتها الخشية من مفعول التغيير في مصر على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، والعلاقة المباشرة لذلك بمصير المشروع الصهيوني والوجود الغربي المهيمن نفسه في المنطقة.

من هنا أيضا ينبغي التأكيد أن "تصحيح الأخطاء" في الغرب لا يعني تغيير الرؤية السياسية المستقبلية، بمعنى الأهداف الغربية في المنطقة، بقدر ما يعني تجنّب مواقف وسياسات تساهم في وقوع تغييرٍ يجعل تحقيق هذه الرؤية والأهداف مستحيلا.

 

الأحداث بمنظور غربي

بالرجوع إلى مسلسل التصريحات الرسمية والمتابعات الإعلامية للحدث الكبير في مصر دون الإطالة بالتفاصيل التي سبق نشرها على نطاق واسع، يمكن تعداد عناوين أهمّ معالم النظرة الغربية للحدث والأسباب الكامنة وراء الاقتناع بضرورة التفاعل معه:

1- الاحتجاجات شعبية بامتياز، وعلى وجه التحديد من صنع جيل الشبيبة الذي لم يعرف سوى عهد رئيس واحد في بلده، وقد لحقت به الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، وبقي سقف مطالبها الرسمية "منخفضا" بالمقارنة مع سقف المطالب المشروعة للشبيبة المشاركة في صنع "الثورة".

2- التغيير المطلوب تغيير سياسي شامل، وليس مجرّد إصلاحات سياسية أو اجتماعية، وجميع المطالب المطروحة في نطاق التغيير السياسي الشامل مشروعة جملة وتفصيلا بمختلف المقاييس، بدءا بالحريات العامة، مرورا بإلغاء حالة الطوارئ والممارسات القمعية، انتهاء بالانتخابات الفعلية النزيهة.. وجميع ذلك مرتبط بطبيعة الحال بتفاصيل تشريعية كاستقلال القضاء، وفصل السلطات، واقتصادية كاستئصال الفساد وأولوية مستوى المعيشة الفردية، واجتماعية لا يكاد يُستثنى منها أيّ مجال، أو أي فئة سكانية.

3- زوال التوهّم الغربي المبدئي –نتيجة الساعات الأولى من يوم الغضب- بأن السلطات لن تستخدم العنف في قمع الاحتجاجات، واليقين بأنّ عنف السلطات الذي ظهر واستشرى سريعا، سيؤدي إلى مضاعفة سرعة الأحداث، وزيادة حدّة نتائجها، سواء بصورة فورية تحدث تغييرا لا يمكن ضبط توجّهاته من بعد بسهولة، أو عبر انفجار شعبي آخر، أكبر حجما ومفعولا وعنفا، في حال التمكّن من سيطرة القمع في الشوارع وحجم الاعتقالات على قطع مسلسل الأحداث الحالية مؤقتا.

4- اضمحلال مفعول ما كان يسمّى "فزّاعة الإسلاميين"، والخشية الغربية من تأثير عنف السلطات على هذا الصعيد تأثيرا معاكسا، بمعنى تقوية التيار الإسلامي وتمكينه من السلطة في نهاية المطاف.

5- عبثية محاولات السلطة في مواجهة مجرى التغيير المحتم بأساليب قديمة، وعلى وجه التحديد:

قبل الأحداث:

- ما كان في الانتخابات على الدوام من تزييف واحتكار للمقعد النيابي حزبيا..

- التشبّث دون جدوى بموقع السيطرة عبر منصب الرئاسة، بما في ذلك "التوريث"..

- التضييق المتصاعد على "القنوات" المحدودة الحجم أصلا، على صعيد الإعلام و"المجتمع المدني"..

أثناء الأحداث:

- استمرار تجاهل المطالب الشعبية المشروعة ومواصلة التمسّك بصورة "استقرار" لا وجود له..

- سوء تقدير ما يعنيه مفعول تطوّر وسائل التواصل الحديثة وتوهّم قابلية سدّ "ثغرات" لا يمكن سدّها..

- محاولة تحميل مسؤولية العنف في الأحداث للإخوان المسلمين، وهي محاولة أدركت الدول الغربية أنّها المستهدفة بها، ففي الداخل المصري لا يمكن تمرير هذه الصورة..

- الوصول باستخدام العنف في الشوارع وعبر الاعتقالات إلى درجة غير مسبوقة.. وغير مجدية.

6- الاقتناع الغربي بحتمية التغيير "القريب" في مصر على كل حال، والخشية من أن يؤدّي شغور مفاجئ في منصب الرئاسة إلى تطورات مفاجئة لا يمكن التنبؤ مسبقا باتجاهها.

 

الخشية من "انفلات" مسيرة التغيير

يمكن التأكيد أن ما يسود الغرب حاليا من اقتناع بحتمية التغيير في مصر، أصبح واسع النطاق، فلم يعد يقتصر على "فئة" من المفكرين والإعلاميين، بل أصبح هو السمة الغالبة على معظمهم مثلما وصل إلى الطبقة السياسية من المسؤولين، وهذا ما جعل التصريح الأمريكي –الشاذّ بالمقارنة مع سواه- على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية بأنّ "انطباعها" يقوم على أساس "استقرار الحكم القائم" مع المطالبة بمراعاة حق التعبير والاحتجاج –فقط- يجد تفسيره بأنه لا يزيد على أن يكون "أمنية" أو هدفا أمريكيا، وليس وصفا للواقع قائما على تقدير مختلف جوانبه بما في ذلك ما تعنيه الأحداث الجارية.

ويعني الاقتناع الغربي بحتمية التغيير على كل حال ازديادَ القلق من رؤية تطوّرات ضاعفت الأحداث الجارية من سرعتها وتثبيت اتجاهها، ومحور أسباب القلق:

1- لم يعد يمكن للنظام القائم ضمان أن يقع تغيير على أساس "استمرارية" ما يمثله من سياسات خارجية تهمّ الغرب، لا سيما ما يتعلق بقضية فلسطين، وداخلية، يهمّ الغربَ منها حجمُ تأثيرها على رسم معالم السياسات الخارجية وممارستها.

2- أسقطت الأحداث الأخيرة أي احتمال لتحقيق تلك "الاستمرارية" عبر نفق "التوريث العائلي"، أو عبر شخصيات سياسية من داخل نطاق النظام، يعتبرها الغرب من مرتكزاته في مصر، وتردّدت أسماؤها مرارا على سبيل "الثوريت السياسي".

3- الخشية من وقوع التغيير قسرا، أي تحت "ضغط الشارع"، سواء بقي تحريكه في أيدي جيل الشبيبة وما يمكن أن يخرج من صفوفهم من قيادات جديدة، أو في حالة تمكّن بعض الأحزاب والتنظيمات من الإمساك بزمام الأمور وفرض مفعول مجرى الأحداث على السلطة فرضا، فالتغيير القسري يعني القطيعة التلقائية مع كثير ممّا تريد الدول الغربية ألاّ يغيب في علاقاتها مع أي نظام مصري، سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

 

ورطة الغرب مع وضع متزعزع

صحيح أن الغرب ليس "قطعة واحدة متجانسة" في كثير من الميادين، وأن مواطن التناقض والتنافس بين دوله كثيرة لها مفعولها على سياساتها، إلا أن موقفه من مصر تخصيصا في نطاق رؤيته لمستقبل المنطقة العربية والإسلامية، ينطوي على نسبة عالية من التوافق والتجانس، أرسخها ما يراد الحفاظ عليه من دور مصري في قضية فلسطين وما يتبع لها إقليميا، بما لا يخرج بها من نفق كامب ديفيد.. بأي ثمن، ومنها رؤية مصر بوابةً تؤثّر أوضاعها الذاتية وسياساتها الرسمية ودرجة تقدّمها أو تخلّفها، على الدوائر الجغرافية المحيطة بها، عربيا وإفريقيا وإسلاميا، وبما يصل إلى دائرة الدول النامية والناهضة.

جميع ما يميّز سياسة دولة غربية عن أخرى تجاه مصر لا يتعدّى بعد ذلك التفاصيل، والتنافسَ حول مصالح مشروعة في العلاقات الدولية أو مطامع ذاتية لكل دولة على حدة.

من هنا تلتقي الرؤى الغربية في الوقت الحاضر على الخشية من وقوع تغيير ثوروي في مصر بتأثير أقوى وأعمق وأسرع بكثير من ثورة شعب تونس، على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، قد تصبح محطته الأولى قطع الطريق على ما وصلت إليه مراحل تصفية قضية فلسطين.

على أن اندلاع ثورة مصر على مستوى الشبيبة كان أسرع زمنيا من التقديرات الغربية –وغير الغربية- التي بدأت تضع ذلك في حسبانها على وقع مجرى الأحداث في تونس، بل باتت تقدّر أنّ في مقدمة النتائج المبدئية لما يجري في مصر أن يفرض الإخفاقَ على المساعي الحثيثة لاحتواء ثورة تونس والالتفاف على الإرادة الشعبية من ورائها. وليس مجهولا في التقديرات الغربية أنّه لا يكاد يوجد بلد عربي يأمن من تغيير ثوروي آجلا أو عاجلا، إذا بلغت ثورة شبيبة مصر غايتها.

"سرعة الشبيبة" فرضت في الغرب سرعة البحث عن وسيلة للتأثير على النظام القائم نفسه في المرحلة الحالية، أي أثناء الأحداث، للتعامل معها بأساليب أخرى، تُلغي العنف في الشوارع وعبر الاعتقالات وما يتبعها، وتطرح منافذ للتغيير الإصلاحي ولو جزئيا على أمل "امتصاص الغضب الشعبي".

ولكنّ الدول الغربية لم تصنع لهذا الغرض مبدئيا –في حدود المعلن- ما يتجاوز حدود التصريحات المباشرة والمطالب الملحّة تجاه المسؤولين في مصر، مع تسمية الأشياء بمسمياتها، كالحديث عن أنّ المطلوب هو التغيير السياسي، والانتخابات الحقيقية الحرة النزيهة، ووقف مختلف أشكال القمع.. وما شابه ذلك ممّا تطرحه المطالب الشعبية والسياسية في مصر نفسها.

ولكنّ هذا لا ينفي المحور الأساسي في الرؤية الغربية للحدث، أي السؤال: ما الذي ينبغي صنعه لِما بعد الوضع المتزعزع الراهن؟

إنّ محاولة التأثير على رأس النظام القائم، أن يتصرّف "الآن".. قبل فوات الأوان، تعبّر أوّل ما تعبّر عن الأمل في استبقاء "النظام" نفسه، وربط رحيل "معالم الاستبداد والفساد" برحيل أفراد عنه بطريقة ما، أمّا استبقاء النظام فيعني ضمان بقاء الأركان التي تقوم عليها السياسات المصرية منذ اتفاقية كامب ديفيد على الأقلّ حتى الآن.

ومن الأهمية بمكان التأكيد أن هذا هو الإطار الذي يحدّد نوعية البحث الغربي عمّن يمكن التعامل معه من "وجوه وزعامات"، تنطبق عليها المواصفات المطلوبة بالمنظور الغربي، سيّان هل هي من داخل أجهزة السلطة، وقد يسري عليها وصف "الخلايا الغربية النائمة"، أو تكون من الوجوه السياسية البديلة، من المعارضة و"المجتمع المدني"، شريطة أن تجمع وفق الرؤية الغربية بين:

- قابلية التعامل معها مع الحفاظ على أكبر قدر من المصالح الغربية، أو الوجود الغربي المهيمن في مصر والمنطقة من حولها..

- ونسبةٍ ما من القبول الشعبي بها، بحيث لا يثور الانطباع بالالتفاف على الإرادة الشعبية المتمثلة في الاحتجاجات الآن.

والسؤال –والحديث محصور في الرؤية الغربية فقط- هو: هل ينتظر مجرى الأحداث مثل ذلك الإعداد الغربي لِما بعد الوضع المتزعزع الراهن، أم أصبح المرجّح أن تبلغ الاحتجاجات المتواصلة مستوى "ثورة عارمة" في المستقبل المنظور.. ربّما خلال أيام، أو أكثر قليلا.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ