ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 29/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

القصاص من قتلة الشعوب.. حياة.

أ.د. ناصر احمد سنه/ كاتب وأكاديمي

Nasenna62@hotmail.com

يخرج المرء ملوحا بيديه، رافعا صوته، تعبيرا مستحقاً عما يجول في نفسه، فيعود مرفوعاً علي الأعناق.. لقد بلغ السيل الزبي.. يجب القصاص من هؤلاء القتلة لأناس عزل، فقدوا أثمن وأهم، بل كل ما لديهم.. حياتهم. بالأمس القريب قتل نحو مائة الشهداء في تونس الحرة، واليوم خمسة في مصر.

يخرج المرء يريد البوح بما اعتمل في نفسه.. من مشاعر غضب، وشعور بالظلم والقهر والعوز فيعود، غير ممتلئ الوجدان والبطن، بل ممتلئاُ بجروح يد البغي. جروح وإصابات قد تقعده بقيه عمره معاقا.. القصاص من هؤلاء البغاة.

نراهم، يرهبون الناس بكل الوسائل، ضربا وتعذيبا وسحلاً وقتلاً، ولا نشاهدهم في قفص العدالة.. يـُغض الطرف علي ما يفعلون، ليس من أجل الحفاظ علي أمن الناس وهذه مهمتهم، بل من أجل حفظ أمن أفراد النظام القائم.

يقول الله تعالي:" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (المائدة: 32). فما حجم القصاص ممن يبيد شعوباً إبادة جماعية، ويتسبب بجرائم بحق الإنسانية كما فعلت النازية والفاشستية والإمبريالية الأنجلو أمريكية في حروبهم "العالمية".. الأولي والثانية، والثالثة والرابعة وهلم جرا؟.

- "لماذا يقتلوننا؟".. يولد المرء علي ثري وطنه الطاهر الحبيب، يريد أن يعيش ويحيا ويعمر، فتغتاله عصابات الإجرام/ الإستخراب الصهيوأمريكية الآثمة.. قديمها كعصابات" شتيرن"، و"الهاجاناة" وغيرهما، وحديثها "كالموساد والشين بيت، والسي أي إيه، والبلاك وتر وغيرها". عصابات تنظم إبادة جماعية وتهجيراً وتشريداً للشعب الفلسطيني، والعراقي، واليمني، والصومالي، والأفغاني، والكشميري، والتركستاني، والشيشاني..الخ. آن أوان القصاص.. قصاص يردعهم عن الفخر بسجل اغتيالاتهم الإجرامي، وما أمر شهداء أسطول الحرية منا ببعيد.

- ليتهم يخرسون ويصمتون.. لسنا بحاجة إلي تصريحاتهم تلك التي تكيل بكل مكيال، والتي يحاولون أن يداروا بها عوراتهم المكشوفة تحت ستار من "حقوق الإنسان، وحرية التعبير". إن أنظمة الحكم في الغرب هو السبب الأساس في كل هذه المشاكل والمشكلات بدعمهم المستمر لأنظمة القمع والاستبداد والقهر التي تدعم وتيسر مطامعهم في أوطاننا.

 

- لمَ إكراه الناس في عقائدهم، واغتصاب عقولهم وأموالهم، وقتل نسلهم، وسلب أوطانهم؟؟. يجب القصاص من هؤلاء الذين يكرسون "حياة" لا تُحق الحقوق لأصحابها، ولا ينعم الناس فيها بما وهبهم الله تعالي من حيوات ونِعم وثروات.

- الحرية والكرامة استحقاق:"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (الإسراء: 70). الذين يعذبون الناس في مخافر الشرطة، ويقتلونهم دون محاكمات (لعل أشهرهم في مصر: خالد سعيد، وسيد بلال)، مجرمون آثمون ينتهجون "شرعة الغاب" بحاجة لقصاص عادل. لكن الجرم أكبر، والقصاص آكد وأشد للذين يقتلون كل الشعب ويصفعونه، ويذلونه، ويهينونه، ويركلونه بالأحذية .. ليل نهار.

"يلقون علينا قنابل غاز (أمريكية الصنع) تستخدم في التحكم في الخنازير..ولسنا خنازير".. شكي بها (26/1/2011) أحد المعلمين التونسيين المعتصمين لأجل رحيل كل رموز النظام البائد الذي فعل بهم ما فعل.

- يقول تعالي: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة:38-39). لعل بعضهم يصمت مشفقاً ـ لعموم البلوي ـ من كثرة الأياديٍ المقطوعة ـ بشروطها ـ في "ربع دينار". فأين سرقات الأوطان ونهب ثروات العباد؟. أين تطبيق قوله تعالي، الرادع الزاجر للنفوس الخبيثة، الحافظ للحقوق والأموال، العامة والخاصة علي السواء. إن يدا واحدة تُقطع لكفيلة بردع كل هؤلاء المفسدين السارقين الناهبين أموال الشعوب.

ما العمل بمن يسرق شعبا بل شعوباً؟. كان قد نشر خبر (إعدام الصين لمن استولي علي 18 مليون دولار..)، يعلق مذيع الخبر بقناة الجزيرة ـ ساخرًا يُنفّس عن المستمعين ـ "مبلغ صغير جدا إذا ما قورن بغيره من السرقات". الأمس واليوم وغدا نري "عصابات السراق" في العديد من الدول، سرقت ما سرقت، ونهبت ما نهبت،من أقوات الشعوب المطحونة المقهورة.

- "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم:41). الفساد طامة كبري، والسرقة جريمة، والرشوة ملعونة.. والجريمة الأكبر، التي تؤذن بالهلاك، كما هلك الذين من قبلنا:"كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". كما جاء في صحيح مسلم:" أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب فقال أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، وفي حديث بن رمح إنما هلك الذين من قبلكم" .

- لابد من القصاص من المحتكرين. الاحتكار جريمة، وتبقي الجريمة أكثر فداحة عندما تحتكر السلع الأساسية وأقوات الشعوب، وتمتص دمائهم.. غلاء للأسعار وبؤساً وفقراً ومرضاً، وتشردا دون مأوي، وبطالة وتبطلاً، وعنوسة وعزوبة دون أسرة، وقلقا تململاً دون استقرار. كل ذلك وغيره لحساب قله مما تسمي "برجال الأعمال" والرأسماليين الجشعين السائرين وفق منظومة أخطبوطية بشعة من سياسيات "العولمة الاقتصادية" الوجه المستحدث من الإمبريالية العالمية .. القاهرة للشعوب، المتحكمين فيها من أجل تحقيق مطامعهم.

- الكذب جريمة، والتزوير خيانة.. لكن عظم هاتين الجريمتين هائل يزداد بين أن يُكذب علي شخص، وتزور إرادته وبين من يُجرم، ذات الجرمين، بحق شعب. من حيث المفترض أن يصدقوهم القول، وأن يكونوا أمناءً علي إرادتهم، ومؤتمنين علي مصالحهم.. تراهم يكذبون ويزورون. إن في القصاص من هؤلاء.. حياة، وأي حياة؟!. 

- أين موقف حملة مباخر النظم وأبواقه ووعاظه من العمل بقوله تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 178-179). لمَ السكوت عن الحق مع معرفته، وعدم إبراز الحقائق عارية مجردة، لا مزيفة مُجِاملة، ولم إخفاء الآيات والبينات والهدي بعيدا عن سمع الناس وحسهم، لغرض من أغراض الدنيا الزائلة؟؟. لم لا يتم القصاص العادل ويكتفي برفع شعارات، وإنشاء منظمات "الشفافية والمساءلة" .. حيث لا شفافية ولا مساءلة حقيقة. أليس من المُضحك/ المبكي الذي يدلل علي ما نقول: إنشاء رجل أعمال سوداني لجائزة بخمسة ملايين دولار لمن يثبت أنه حكم حكماً رشيداً في أفريقيا، ولم تعط إلا لأثنين فقط مع كونها أعلنت منذ سنوات عدة.

جملة القول: ينبغي ويجب ويتحتم القصاص من كل من تورط في قتل وسرقة وإهانة وإذلال وإفقار الشعوب. القائمة طويلة، وقائمة الجرائم التي تحتاج للقصاص أطول.. المطالبات كثيرة بقصاص عادل، وبمحاكمات قانونية لهؤلاء وأولئك، لكن التحايل عليها أكبر والدائرة مفرغة خبيثة، لكن فيها الحياة كل الحياة للآخرين: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 179)

===========================

كنت مناضلاً: رسالة لحركة فتح

بقلم/ حسام الدجني

Hossam555@hotmail.com

وثائق كشف المستور هي صدمة أصابت حركة فتح قبل غيرها، ودفعت قيادات الحركة إلى الشعور بالاحباط والتوتر في كل مداخلاتهم عبر وسائل الاعلام المختلفة، والشارع الفلسطيني أصبح ينظر باشمئزاز لهم، فإدراة فتح للأزمة لم يكن موفقاً، ولم تستفيد حركة فتح من تجربتها إبان فضيحة تقرير غولدستون، حيث تبرأت حركة فتح من تلك الفضيحة وطالبت بفتح تحقيق، وامتصت غضب الشارع، ولكنها اليوم تصارع فضائية الجزيرة، وكأن الشعب الفلسطيني تعنيه الجزيرة أو غيرها من وسائل الإعلام المختلفة،  فكل ما يريده الشعب أن يرى قيادة أمينة وحكيمة تحفظ له ثوابته، وتحقق أحلامه وطموحاته.

 

للأسف لم تقرأ فتح الرسالة جيداً، وأصبحت تبكي على إرث الماضي، في اعتراف واضح وصريح بأن الأمة ترتفع هاماتها من خلال الكفاح المسلح والنضال ضد الإحتلال، فلم يوفق الناطق باسم فتح جمال نزال في الإجابة على تساؤلات إبراهيم الحمامي حول تبني فتح لكتائب شهداء الأقصى، ولسان حال المواطن الفلسطيني يقول هل أصبح شهداء كتائب الأقصى ثابت ثابت، وحسن المدهون، ومحمد أبو الهيجا والقائمة تطول، هم عار على جبين فتح، أم ماذا يا جمال نزال؟

لماذا انحرفت فتح كل هذا الإنحراف، ألم نتعلم من تجارب التاريخ في لبنان والجزائر وغيرها من المناطق، هل أصبحت الرواتب هي المحدد الرئيسي في مسيرة فتح، هل يتمتع رئيس حركة فتح محمود عباس بالقداسة، ولذلك يحرم علينا أن نخالفه في مواقفه من المقاومة ومن أداء الحكم.

إخواني في حركة فتح، لقد عجز اللسان على التكلم والمرافعة عن موقف الحركة، لأن المساس هنا بحقوقنا الفردية، فحق العودة لا يمتلكه المفاوض الفلسطيني، والقدس ليست ملكاً لأحمد قريع أو صائب عريقات، والتسيق الأمني يجب أن تلفظه فتح قبل غيرها، فينبغي أن لا تحيد فتح عن مسارها، فالتجارب علمتنا بأن من يحيد عن مساره الوطني يسقط في النفق المظلم، نفق العار والخيانة.

 

إخواني قادة فتح دعونا نجلد ذاتنا مرة أخرى ونعتذر لشعبنا ونفتح مرحلة جديدة تقوم على البناء والعطاء والنزول إلى القاعدة، فلربما نغسل ذنوبنا، فإسرائيل هي من قتلت أبرز قادتنا، ولا يمكن أن يأتي اليوم وتكون صديقة لنا، فهي صادرت أرضنا بالقوة، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

فالتعود فتح إلى خيار الكفاح المسلح، وليذهب من لا يريد ذلك إلى الجحيم...

==========================

أيها الحكام المستبدون: اعتدلوا وإلا فاعتزلوا!

الطاهر إبراهيم

كاتب سوري 

نجاح الحركة الوطنية الشعبية بالإطاحة بالرئيس التونسي المخلوع "زين العابدين بن علي"، وإرغامه على الهروب ليلا من تونس، فرض على الأنظمة الاستبدادية القمعية الخائفة في بعض البلاد العربية أجواءَ مستجدة، فاستدعت قادة أجهزتها القمعية وعقدت لقاءات استباقية مطولة، تدارس فيها الحكام مع معاونيهم الأمنيين الخططَ الكفيلة بإغلاق أبواب البلاد تحسبا من هبوب رياح التغيير على أنظمتهم فتقتلعهم مع كراسيهم التي ظنوا لوقت طويل أنها مثبتة ببراغي عصية على القلع، فإذا بالشعب التونسي يثبت لهؤلاء الحكام أنهم كانوا خاطئين، وأن كراسيهم وعروشهم كرتونية، بل أوهى من بيت العنكبوت.

رؤساء الأنظمة القمعية مرشحون ليقتفوا آثار"بن علي"، فقد استبدوا وقمعوا كما استبد وقمع. وشعوبهم ليست أقل جرأة من الشعب التونسي. ولأن هناك دائما "محمد البوعزيزي"، يعيش في مكان ما مع الشعب المضطهد، وليس بالضرورة أن يحرق نفسه، فهناك أكثر من طريقة يمكن أن يعبر بها عن إحباطه. فإذا شعر أن أدميته أهينت وكرامته انتقصت، ووصل الأمر إلى الحد الذي لم يعد يطيق معه العيش، لا يعود حريصا على حياته، مع أنها أغلى ما يملكه الإنسان، فيقرر أن يضحي بها عند أول مناسبة، فتلقى حركته هذه تجاوبا -كما لقيت حركة "البوعزيزي" في تونس- من أبناء حيه وأبناء بلدته، ثم من الشعب كله. على أن هذا ليس هو السيناريو الوحيد فكثرة الضغط تولد الانفجار. فالحكام -"ما شاء الله لا قوة إلا بالله"- عندهم من أساليب القمع والاستبداد الخلاقة ما يجعل الصخر يتفتت من دون متفجرات. 

كثير من الأنظمة العربية القمعية أصبح حكامها ينامون ويصحون على وقع المظاهرات التي تجوب شوارع مدن تونس ليلا نهارا. توج هذا الرعب فرار الرئيس التونسي المخلوع "زين العابدين بن علي" خارج البلاد. وليس هذا ما زاد في رعب الأنظمة القمعية فحسب، فإن "بن علي" لم يجد دولة تقبله لاجئا، ورفضت الدول الأوروبية هبوط طائرته في مطاراتها، فحط به الرحال في جدة كلاجئ عليه احترام آداب الضيافة.

غير أن "ثالثة الأثافي" التي "زادت الطين بلة" وأحبطت قادة الأنظمة القمعية هو أن الحكومة المؤقتة برئاسة "محمد الغنوشي" –وكان هذا أوثق أعوان بن علي- أصدرت مذكرة اعتقال بحقه للبوليس الدولي "الانتربول" تطلب فيها اعتقاله هو وزوجته وإعادتهما إلى تونس.

هذا الجو المكفهر المخوف انعكس قلقا على مراكز صنع القرار في عواصم عربية شمولية لا تتمتع نظمها بقبول من  شعبها. لا بل إنها مكروهة من الغالبية الساحقة من أفراد الشعب. فتداعى زعماء تلك الأنظمة القمعية إلى عقد لقاءات مطولة مع قادة الأجهزة الأمنية لوضع أجندة للتعامل وبسرعة مع أي طارئ إذا ما اندلعت الاضطرابات في بلدانهم تخوفا من أن  يحصل فيها ما حصل في تونس.

فهذا الرئيس المصري يعطي تعليماته لوزير الداخلية "حبيب العادلي"، الذي بدوره وجه قادة الأمن المركزي أن يكونوا أقل عنفاً مع الشعب المصري الذي انتفض يوم 25 كانون الثاني الجاري بمظاهرات صاخبة عمت معظم مدن مصر، ولسان حال المتظاهرين يقول: صبرنا طويلا على القمع الوحشي من الأجهزة الأمنية. فقد زورتم الانتخابات وسرقتم قوت الشعب وحول أرصدة دولارية في حسابات الفاسدين من زعماء الحزب الوطني، فإلى متى نصبر؟ 

أما في سورية فقد ذكر موقع "إنتلجنس أونلاين": (أن الرئيس السوري "بشار أسد" عقد اجتماعاً مع رؤساء أجهزة الأمن السورية في 16 كانون الثاني "يناير" الجاري. وقد تركزت الأجندة حول كيفية ضمان عدم تمدد موجة المعارضة التي تشهدها تونس والجزائر ومصر إلى الشوارع السورية).

استطرادا، فإن بعض المراقبين السياسيين الذين فوجئوا بتفجير الوضع في تونس تساءلوا: لماذا تونس قبل غيرها من البلدان العربية التي تحكمها أنظمة قمعية؟ ربما اعتقد هؤلاء أن أنظمة أخرى كانت مرشحة قبل تونس كي ينفجر فيها الوضع الأمني. العشوائية التي تحدد البلد الذي يثور فيه الشعب لا تمكن المراقبين من معرفة النظام الذي يبدأ قبل غيره بالثورة على حكامه، لكن المراقبين أصبحوا شبه متأكدين من أن الدور سيمر على الجميع.

إن الحكام الطغاة ما عادوا يستكينون إلى الاستقرار الظاهري في بلدانهم. فربما يكون الدور أقرب إليهم مما يظنون. لأن الثورة العارمة تتشكل تحت الأرض شيئا فشيئا في النفوس عند المضطهدة. فإذا ما ارتفع منسوب القهر حتى يجاوز الحد، والحاكم المستبد لاهٍ في غيه، فإنه سينفجر ويجرف في طريقه المستبد وأعوانه.

على أنه لا بد من وقفة جادة مع الوضع في سورية. فقد حرم الشعب السوري حريته على مدى خمسة عقود. وأقصيت الديمقراطية عن كل جوانب الحياة السياسية. واستفحل بطش، الأجهزة القمعية. وما يزال مئات الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية ومن غيرهم ممنوعين من العودة إلى وطنهم، مع أن وسطاء كثراً توسطوا لدى النظام السوري لوضع حد لمعاناة السوري المنفيين، لكن النظام لم يستجب. وفي مقال لي سابق أرسلت خطابا مفتوحا للرئيس بشار أسد قلت: "لعل وعسى". كما أن التيار الإسلامي الديمقراطي المستقل هو الآخر أرسل رسالة تدعو النظام  ليصطلح مع الشعب. وكان الإخوان المسلمون السوريون علقوا نشاطهم المعارض قبل أكثر من عامين. لكن كل ذلك لم يفلح في إقناع النظام بتغيير موقفه الطارد للآخر. نحن هنا لا نهدد ولا نخرج "العصا من تحت العبا"، لأنه ليس لدينا عباءة ولا عصا. لكنا نسأل الرئيس "بشار أسد": ألا تخشون أيه الرئيس، أن يلجأ الشعب السوري إلى الإقناع على الطريقة التونسية؟وهو الإقناع الذي لا تستطيع الأنظمة له دفعا ولا منعا،لأنها لا تعرف كيف يبدأ؟ ولا متى ينتهي؟  

يعتقد المهتمون بدراسة نفسيات الشعوب التي تتعرض للقهر والاستبداد، أن هذه الشعوب قد تصبر كمجموع يتحمل القهر والظلم خوفا من القمع والتعذيب في أقبية المخابرات، طالما استطاعت أن تعيش في الحد الأدنى من قوام الحياة، وربما يطول هذا التحمل.

لكن قد يتعرض جزء من الشعب -فرد أو مجموعة- لضغط فوق طاقته فينكسر، عندها قد يتفجر تباعا -كما يحصل في حقل ألغام- حتى يشكل ظاهرة شعبية ما عادت تخشى ما يفعل بها، كما حصل في تونس. عندها تنقلب الآية فنرى ذئاب الأمن تحولوا إلى ثعالب، فيهربون خارج الميدان، تاركين الزعيم لمصيره، وشعارهم في ذلك: "يا روح ما بعدك روح".

هؤلاء القادة المستبدون لا يتعظون من مصائر غيرهم من الزعماء الذين أصبحوا عبرة لمن يعتبر، كما حصل مع الطاغية "نيكولاي تشاوشسكو" الذي أطاحت به وبزوجته الزحوف التي لاحقته في رومانيا، حتى لم يجدا أحداً من أصدقائه يؤويه عنده من غضبة الجماهير، فاعتقل هو وزوجته في كانون أول عام 1989 وحوكما وأعدما معا. 

بعض القادة الطواغيت يحاول طمأنة نفسه بأن قصره محاط بحرس رئاسي خاص يسيطر عليه قائد من الحاشية: أخوه أو قريبه، وأن ضباط الحرس هم من أوثق أقربائه وعشيرته. ولو أنه تبصر قليلا، لعلم أن بعض هؤلاء قد ينقلب عليه، وأن هناك دائما "بروتس" قد يكون موجودا بين المقربين من حاشيته، ينضم إلى المتآمرين عليه.

يبقى أن هناك نصيحة نوجهها للقادة القمعيين الذين يصرون على قمع شعوبهم:وهي: "أيها الحكام المستبدون: اعتدلوا فاعتزلوا"!

أنا أسميها نصيحة وقد يسميها البعض تحذيرا. المهم أن عليهم أن يسمعوها وليسموها ما يشاؤون.

==========================

الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني

د. فايز أبو شمالة

من الذي أعطى منظمة التحرير الفلسطينية التمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ ومتى؟ وكيف؟ وما مقومات شرعيتها للشعب الفلسطيني البالغ تعداده عشرة ملايين موزعون بغالبيتهم على لبنان وسوريا والأردن، والضفة الغربية وقطاع غزة؟

يقول العارفون: إن الشرعية التي اكتسبتها منظمة التحرير الفلسطينية جاءت من فوهة الرشاش الذي لعلع في يد المقاتلين، عندما كان الآخرون يرقدون في الأسرّة مع نسائهم، والشرعية جاءت من دم الشهداء الذي سال على رأس الجبال في الوديان، عندما كان الآخرون يلهثون خلف الشهادات العلمية والوظائف، والشرعية جاءت من أنات الجرحى وعذابات الأسرى، عندما كان الآخرون يحضنون أطفالهم هانئين، والشرعية جاءت قبل هذا وذاك من البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، ومن ميثاقها الوطني الذي يقول: لا اعتراف بإسرائيل، ولا سلام مع مغتصب أرض فلسطين، ولا حل لقضية اللاجئين إلا بعودتهم لديارهم التي هجروا منها، والكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كل فلسطين.

نعم؛ ما سيق هو عين العقل، ولب الوطنية العربية، وكافر بفلسطين كل من يزاحم منظمة التحرير الفلسطينية شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني، طالما تمسكت بالمبادئ السابقة، وطالما ظلت نبض العودة لفلسطين الذي يدق في قلوب اللاجئين في الأردن، وسوريا، ولبنان، ولكن إن تخلت منظمة التحرير الفلسطينية عن البندقية، فإن اسمها يتغير، وإن اعترفت منظمة التحرير بإسرائيل، فإن اسمها يتغير، وإن وافقت على أن تقيم لها دكاناً لبيع الشعارات الوطنية في الضفة الغربية تحت رعاية الجندي الإسرائيلي، وبالتنسيق مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية، فإن اسمها سيتغير، ولن تعود الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإنما منظمة الاعتراف بإسرائيل اليهودية، ومنظمة التنسيق الأمني، ومنظمة تصفية المقاومة الفلسطينية، ومنظمة دق رايات إسرائيل على بوابات العواصم العربية.

لقد صارت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً لأنها رفضت أن يسبقها إلى تحرير فلسطين أحد، ولأنها رفضت أن تنزلق إلى مجتزأ الحلول السياسية، فصارت ممثلاً وحيداً يمثل نهج المقاومة الذي يغاير نهج المفاوضات. ولكن عندما انكفأ الممسكون برسن المنظمة عن الدرب الذي عبده الشهداء، ومع نكوص القادة الحاليين للمنظمة عن الشعار الذي رفعه القادة الأوائل، فإن إدعاء نفر من الفلسطينيين بأن منظمة التحرير الفلسطينية التي صار أمين سرها "ياسر عبد ربه" هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فهذا إدعاء باطل، ومسخرة سياسية، واستخفاف بطاقة الفلسطينيين وقدراتهم الإبداعية!.

===========================

مصر في صميم الدورة التاريخية

د. أكرم حجازي

إذا توقفنا عن لغة المراوغة والاستهتار والنفاق التي يروجها الكثير من سفهاء الأمة يمكن القول بوضوح لا لبس فيه أن العالم العربي لم يعد قادرا على السبات أكثر مما فعل. فالدول العربية اليوم بين توصيفين: دول ضعفت قبضتها الأمنية وانكشفت سوأة النظام فيها وغدت شعوبها تنتفض بشدة بين الحين والحين، ودول ذات قبضة ما زالت قوية لكن شعوبها تغلي من الداخل وتراقب بصمت مريع ما يحدث في محيطها، وتتهيأ لساعة الحسم.

 

هذه هي الحقيقة ولا شيء غيرها. ولا شك أن النظم العربية أدركت حجم الكارثة التي تسببت بها ثورة تونس. مع ذلك فقد سخّرت كل إمكانياتها الإعلامية والعلمية والدينية للتأكيد على أن ما حدث في تونس غير قابل للانتقال إلى غيرها بدعوى اختلاف الظروف فضلا عن ترديد اسطوانة حرمة الخروج على ولي الأمر. بل أن منسوب الحذر من المراهنة على التمدد التونسي ارتفع حتى عند خصوم الدول ولدى المعارضين. وهذه مغالطات كبرى لأكثر من سبب ليس الآتي منها إلا بعضها:

 

  إن الدول ذاتها سارعت للإعلان، بين الحين والحين، عن إجراءات طارئة لمنع خروج الثورة التونسية من مواقعها. أما لماذا فعلت ذلك؟ فلأنها أدركت أن الشعوب العربية باتت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار بدليل أن شرارة واحدة في تونس أحرقت بنيرانها واحدا من أشد الأنظمة العربية بطشا. والأسوأ أنها تسببت بانكشاف مذل لميزان القوى الحقيقي بين الشعب والنظام، أو بين قوى الدولة وأدواتها والمجتمع، ودون الحاجة لأية قوى سياسية أو شرعيات دينية تقليدية جرى تجاوزها كليا. وهذا أمر ليس له علاقة بأية ظروف أو أسباب موضوعية.

 

  كما أن الظروف تتشابه قلبا وقالبا أكثر مما تختلف. فالفشل واحد في كل الدول العربية بلا استثناء، وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية. فأوجاع المواطن واحدة، وشكاواه واحدة، وبؤسه واحد .. هذه التشابهات، وأمثالها كثير، حاضرة بدرجة تفوق كل الاختلافات والخصوصيات التي يجري الحديث عنها كموانع دون الانفجار. وبالتالي فإن أية حركة في أية الدولة ليس من الغريب أن تجد صداها في دولة أخرى. وهذا أمر، أيضا، لم يعد الإصلاح معه مقبولا خاصة وأن الحديث يجري عن تغيير جذري.

 

  الانهيار شبه التام للحريات عبر إحالة نمط الحياة والمعيش اليومي وحق العمل وحرية التعبير وكل المنظومات الأخلاقية والدينية والإنسانية إلى المنظومة الأمنية. ولا توجد دولة عربية واحدة تشذ عن هذا السياق حتى لو بدت في الظاهر متفاوتة. فالتفاوت واقع، لدى البعض، في إطار السياسات الساعية إلى السيطرة وتخفيف الاحتقان وليس في إطار المبادئ والحقوق. وهذا الأمر يمثل معطى بنيويا ثابتا في النظم السياسية العربية وليس متغيرا.

 

  إن الحرب الغربية المفتوحة على الإسلام والمسلمين باتت من ثوابت سياسات النظم العربية خاصة بعد 11 سبتمبر 2001 باستخدام شتى الوسائل السياسية والقانونية فضلا عن الإعلامية والثقافية وحتى الدينية. وفي هذا السياق فإن الترويج للفلسفات اللبرالية والعلمانية لم يكن اختيارا « نهضويا » ولن يكون بأي شكل أو محتوى بقدر ما هو واقع فقط في إطار التغريب والتحلل الاجتماعي والأخلاقي والحرب على الإسلام.

 

  قناعة العامة من الناس أن الذين يمتلكون السلطة هم أنفسهم الذين يحتكرون السياسة والأمن، وهم أنفسهم الذين يهيمنون على الاقتصاد والثروة والموارد. وهم أنفسهم المتنفذون في الجامعات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والاتصال، وهم أنفسهم الذين بيدهم سلطة القضاء والقانون والدستور، وهم أنفسهم المتهمون بالفساد والنهب، وهم أنفسهم المسؤولون عن إفقار الناس وتجويعهم وإهانتهم.

 

     كل الدلائل في مصر اليوم الأول تؤكد أن إرهاصات حركة اجتماعية شاملة تجري وقائعها في الغالبية الساحقة من المحافظات والأحياء الكبرى. ولما نقول حركة اجتماعية فلأنها ليست مظاهرة ولا انتفاضة ولا هبة ولا احتجاج. بل فعل اجتماعي لا ينحصر بفئة دون أخرى ولا بحزب سياسي دون آخر ولا بمنطقة دون غيرها. وفي مثل هذه الأحوال لا ينفع تغطية الشمس بالغربال والتكتم على ما يحدث حتى لو تذبذبت القنوات الرسمية بين هؤلاء أو هؤلاء، أو انحازت للنظام الحاكم، أو أغلقت الفضائيات العربية والدولية منابرها وصمّت آذانها، أو توقفت شركات الاتصال عن تقديم خدماتها، أو حجبت السلطات المصرية المواقع العالمية.

 

    إذ بخلاف المرات السابقة فالمظاهرات التي اندلعت في مصر لم تكن مجرد وقفات احتجاجية على أبواب المساجد أو انطلاقا منها، ولم تكن حبيسة محافظة أو منطقة بعينها، ولا هي حكرا على أحزاب أو تنظيمات سياسية من هنا وهناك. فالواضح أنها شملت الجميع .. القوى السياسية .. المواطنون .. بعض النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية .. الشرائح العمرية المختلفة .. الطبقات الاجتماعية .. أما الشعارات المرفوعة فقد تكاملت فيما بينها لتعبر عن حزمة الاحتياجات الشعبية بدء من الحقوق الاجتماعية والسياسية مرورا بالحقوق الاقتصادية وبحثا عن الحريات المصادرة ورفضا للاستعباد وانتهاء بالشعارات الإسلامية التي حضرت بقوة لافتة في الاحتجاجات فضلا عن الصلاة التي حافظ المتظاهرون على أدائها في وقتها في الميادين.

 

     كل تحليل مع اليوم الأول سابق لأوانه. لكن قيم التكافل الاجتماعي، والدعم اللوجستي التي بدأت تظهر من قبل المواطنين في التضامن مع الشارع أو مساندته عبر إمداده بما يحتاجه هي علامات تنذر بمواجهات واسعة النطاق ضد السلطة. وإذا استمرت على هذا النحو، وحافظت على شموليتها الجغرافية، فلا يمكن أن تفلت من صداها أية دولة عربية. وفي كل الأحوال فالمسألة باتت مسألة وقت. والأكيد أن وقائع الدورة التاريخية بدت، هذه المرة، أشد وقعا وتسارعا مما سبق.

========================

عرب يحتكمون الى الشارع

د. صالح بكر الطيار

 باتت التحركات الشعبية في عدة دول عربية مثل عود الثقاب إذ ما ان تشتعل احداها حتى تنقل العدوى مباشرة الى أخرى الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة عن خلفيات تزامن هذه التحركات ، وأسباب اندلاعها بهذه القوة ، وعن عناوين التغيير التي تحملها ، وعن قدرة الأنظمة على مواجهتها خاصة وأنها تبدأ تحت شعارات مطلبية معيشية ومن ثم تتطور الى دعوات لإسقاط حكام او لإستقالات حكومات . وهذه الأمور جديدة في القاموس السياسي العربي إذ لم يسبق ان حصلت انتفاضات شعبية كان من نتيجتها ازاحة انظمة ، بل ما كنا نسمعه دائمأ كان عن حركات انقلابية تتم غالباً على ايدي عسكريين يتولون الإمساك بزمام السلطة لفترة زمنية تمهيداً لإنتخابات "حرة " من اجل حياة اكثر " ديمقراطية " ومن ثم تتحول الفترة الإنتقالية الى فترة دائمة تمتلك كل مقومات التمديد لنفسها تحت شعار انها " مطلب شعبي " او " إستجابة لنداءات وطنية " او نزولاً عند رغبات " 99.9 في المائة " من كافة الشرائح الإجتماعية . ولكن اليوم لم تعد تحركات العسكريين تنفع ، وما عادت موضة دارجة إلا في بعض نواحي افريقيا، أما في العالم العربي فقد بات اللجوء الى الشارع من جيل الشباب هو القوة الفعلية التي تمتلك ادوات التغيير ، ولغة التعبير ، وتصور واضح عن تقرير المصير . والسبب ان جيل الشباب باتت نسبته مرتفعة في تعداد السكان ، إضافة الى ان جيل الشباب هو من المتعلمين والمثقفين وخريجي الجامعات من الذين لا يستكينوا بسهولة لنداءات قد يطلقها زعيم او لقرارات قد يتخذها مسؤول ما لم تكن هذه النداءات او القرارات مقنعة وقادرة على الإنسياب الى العقل ، وذات منفعة من حيث انعكاساتها الإقتصادية والإجتماعية والنفسية . جيل الشباب اليوم بات متابعاً بشكل دقيق لما يحصل في العالم من متغيرات وتحولات ، ومراقباً بشكل حثيث لكل التحديات التي تستهدفه أنياً على المدى القصير او استراتيجياً على المدى البعيد وذلك بفضل ثورة الإتصالات والمواصلات التي اتاحت لكل شعوب العالم تحصيل نفس القدر من المعرفة والطموح ومتطلبات الحياة الكريمة . ويبدو ان هذه المسائل كانت غائبة عن بال بعض الرؤساء العرب ممن وصل الى السلطة وبقي فكره اسير هذا التاريخ متناسياً او غافلاً عن ان الزمن في حال تغير دائم وأن العالم قد تجاوز العقد الأول من القرن الحادي والعشرين . اليست هذه هي حال " الثورة الطبية " التي قام بها زين العابدين بن علي ضد الحبيب بورقيبة منذ 23 سنة ، " وثورة الكتاب الأخضر " التي قام بها معمر القذافي منذ العام 1969 في ليبيا ، " وثورة العسكر " التي قام بها الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن عام 1978 ، " وثورة التحرير " التي ورثها عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر عام 1999 ، ووراثة السلطة من الرئيس انور السادت التي الت الى الرئيس حسني مبارك منذ العام 1981 . والنتيجة كانت شيوع البطالة ، وإستشراء الفساد ، وغلاء المعيشة ، ومحدودية الرواتب ، وإرتفاع المديونية ، وقلة الإنجازات ، وضعف النمو، وكثرة المتسلقين جدران السلطة التي لم تبخل عليهم بالمراكز والعطاءات والمناصب والتسهيلات . ولذا ليس مستغرباً ان نشهد اليوم ما نشهده في تونس والجزائر وليبيا واليمن ومصر . ألم يقل الصحابي ابو ذر الغفاري منذ اكثر من الف سنة : عجبت ممن لا يجد في بيته رغيف خبز كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه ..!!

رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

========================

"فوبيا" الثورة الشعبية

بقلم: إبراهيم قويدر

إن الانتفاضة الشعبية التونسية نورٌ حرك الأمل عند شعوب الأمة العربية، ورفعت همم المناضلين من أجل الحرية، نعم إن الانتفاضة في تونس شعبية مائة في المائة لم يصنعها العسكر، ولم تصنعها الأحزاب المعارضة في الداخل، ولا حركات المعارضة في الخارج، بل صنعتها إرادة أفراد الشعب المظلوم المغبون، هذا الشعب- أينما كان- هو جموع الناس البسطاء، الذين ليسوا من أعضاء الحزب الحاكم، ولا من أعضاء الحركات السياسية التابعة له، وأيضًا ليسوا من رجال الأمن الحامي النظام، ولا من رجال المخابرات. ففي أي مجتمع من المجتمعات لا تصل نسبة هؤلاء 30% من إجمالي أفراد أي مجتمع، في أكثر الدول بطشًا وتنكيلاً بشعوبها، وتظل نسبة الـ70% من السكان هم المواطنون الأغلبية، الذين يعانون الفقر والجهل والمرض، ويشاهدون بأمّ أعينهم نهب ثرواتهم وخيراتهم.

هؤلاء ليس لهم مصلحة سياسية، ولا يطمعون في الجلوس على كراسي السلطة، ولا يرغبون إلا في إحقاق الحق، وأن يعيشوا في وطنهم أحرارًا كرامًا؛ ينعمون بما يكفي حاجاتهم الأساسية من خيرات الوطن، وأن يتحقق لهم العدل والمساواة، فهم مع أي فرد أو جماعة تحرص على تنفيذ هذه الرؤى والأهداف الحقوقية النبيلة.

من ينظر إلى مكونات الانتفاضة الشعبية في تونس، يجد أنها كانت من هؤلاء، وبطبيعة الحال فقد كان للاتحاد التونسي للشغل وقياداته دور أساسي في تنظيم وتوجيه هذه الانتفاضة، باعتباره أقرب التنظيمات للشعب، وأكثرها إحساسًا بمعاناته، وأنا شخصيًّا أعرفهم معرفة جيدة، فكان دائمًا لهم رأيهم المستقل المنحاز للعمال والشغِّيلة ضد كل الممارسات الخاطئة التي يقوم بها أصحاب الأعمال- أو (الأعراف)، كما يسمونهم في تونس- حتى لو كانت هذه الممارسات وراءها وزير أو حكومة أو حزب حاكم، أو حتى قصر الرئاسة.

وأتذكر في أحد المؤتمرات العامة للاتحاد العام التونسي للشغل حضرتُ ضيفًا، وألقيت كلمة في الافتتاح، ووجهت في البداية التحية إلى رئيس تونس، وبمجرد أن بدأت بذكر الاسم عمَّ القاعة هتافٌ من قِبَل كل الأعضاء: "الاتحاد مستقل.. مستقل"، مما جعلني أستدرك الأمر، وأقول: "أنا احترم استقلالية الاتحاد، وأعلم أنكم مستقلون، وأنتم نموذج لاتحادات العمال العربية، ومعكم لبنان؛ ولكن واجبي الرسمي يحتم عليّ في خطاب مثل هذا أن أوجه في بدايته التحية لتونس رئيسًا وحكومة وشعبًا".

وشهادة للتاريخ، فإن الاتحاد العمالي الوحيد في الوطن العربي الذي كان- وما زال- يمثل إرادة عماله، وتنتخب قياداته بحرية وديمقراطية، ولا يتبع السلطة التشريعية، أو التنفيذية- هو الاتحاد العام للشغل في تونس، ثم يأتي بعده من حيث الاستقلالية الاتحاد العام للعمال في لبنان، غير أنه يقع في مطب التأثر بالوضع الطائفي في لبنان؛ وفقًا لانتماءات قياداته الطائفية والحزبية.

إذن، فالثورة الشعبية التي انطلقت في الرابع عشر من شهر يناير عام 2011م رفَع شُعلتَها كل المحتاجين: كل الناس البسطاء، وبالتالي فقد كان التخوُّف من أن تُسرق الثورة بعد انتصارها، عندما ظهرت الأحزاب المعارضة في وسائل الإعلام تريد أن تساهم في هذه الثورة، فمنهم من هو صادق، ومنهم من يريد أن يكون له موطئ قدم في العهد الجديد.

والتخوف الثاني هو: محاولات القيام بثورة مضادة، وهذا تخوف وارد؛ لكن الأيام بدأت تظهر لنا أن الشعب الذي خرج مازال جاهزًا ويراقب الوضع، ومازال على استعداد للخروج إلى الشارع للدفاع عن ثورته ضد أية محاولة لسرقتها.

ونصيحتي هنا للأحزاب المعارضة في الداخل والخارج: اتركوا الشعب يواصل مسيرته الثورية، ولكم يوم الفصل في الانتخابات الحرة أن تقدموا برامجكم وتوجهاتكم ومرشحيكم، وحتمًا فإن هذا الشعب الواعي سيختار الأفضل بعين بصيرة متأنية علمتها التجارب ما ينفعها وما يضرها، ولن يضحك عليها أي مستغل مرة أخرى تحت أي شعار من الشعارات المزيفة.

هذه المقدمة كان لا بد منها للوصول إلى لبّ الموضوع، وهو انعكاسات الثورة الشعبية في تونس على المنطقة، حيث ظهرت بوضوح "فوبيا الثورة الشعبية"، وبدأت أنظمتنا العربية في إعادة النظر في ارتفاع الأسعار، ودعم السلع التموينية، وتخفيض أسعار المواد الضرورية، وصدرت في كثير من الأنظمة تعليمات مشددة لرجال الأمن بحسن التعامل مع الناس وعدم استفزاز المواطنين، وبدأت على قدم وساق الاجتماعات الأمنية والاقتصادية من أجل حل مشاكل الناس، والشباب منهم خاصة، وتقديم التسهيلات والقروض وحل مشاكل البطالة.. وبلغت قمتها في القمة الاقتصادية  في الايام القليلة الماضية بشرم الشيخ ،التي أعلنت عن إنشاء صندوق لدعم وإقراض الشباب في المشروعات الصغيرة.

وأتذكر هنا واقعة- لابد لي أن أذكرها- أننا كنا في منظمة العمل العربية في عام 2002 قد وضعنا أيدينا على أن مشكلة البطالة في الوطن العربي تحتاج إلى تعاون كبير بين الدول العربية من أجل حلها، ولذلك وضعنا مشروعًا بعنوان "المشروع الفنى العربي لتشغيل الشباب"، وكان هذا المشروع يستهدف إنشاء شبكة معلومات في كل الدول العربية يتم ربطها بمقر المنظمة، ويتم من خلالها تقديم كافة البيانات المتعلقة بالباحثين عن العمل في الدول العربية، وكذلك احتياجات الدول العربية الأخرى المستوردة للعمالة والتنسيق في تشغيل الباحثين وفقًا لاحتياجات السوق العربي أو القيام بتدريبهم من قبل دولهم؛ لكي يكونوا قادرين على العمل في المهن المعروضة في الدول العربية التي تستورد العمالة من الخارج، وكانت موازنة هذا المشروع مليونًا وثمانمائة ألف دولار.

وقمت شخصيًّا بشرح المشروع ووضعت خطته، وسلمت ملفه لعدد من القادة العرب مباشر،ة كما أرسلته إلى الباقي منهم بالطرق الرسمية، كما أنه كان قد تم عرضه قبل ذلك على وزراء العمل العرب، وعلى لجنة تنسيق العمل العربي المشترك، وتمت الموافقة عليه. ورغم المتابعة الدائمة لإنجاح هذا المشروع، والتنبيه المستمر على أهميته وخطورته؛ إلا أنني خرجت من المنظمة في عام 2007م، ولم يصلنا دولارٌ واحد؛ لكن وصلنا ردٌّ واحدٌ من حكومة دولة الإمارات، أفادونا فيه أنهم يدرسون الموضوع!

بطبيعة الحال، فإن "فوبيا" الثورة الشعبية حولت بقدرة قادر المليون وثمانمائة ألف إلى مليارين.

ومع ذلك فأنا أتمنى أن تسند الجامعة العربية هذا الصندوق إلى يدٍ أمينة؛ لكي لا يحدث له ما حدث لبعض صناديق المشروعات التي سرقها من كُلف بإدارتها، الأمر جدُّ مهمّ؛ لأن هذا الصندوق يمكن له أن يمول الصناديق الوطنية في الدول الفقيرة بالوطن العربي المهتمة بقضايا إقراض الشباب.

وعمومًا، فإن "فوبيا" الثورة الشعبية حسنةٌ منَّ الله بها علينا، وسخر لنا شعب تونس الأبيّ لأن يكون الوسيلة؛ لأنني أعتقد أن الخوف من ثورة شعبية، جعلت- وستجعل- كل الأنظمة تراجع أنفسها، وتحارب الفساد وإهدار المال العام، والتوجه نحو الحريات وصون كرامة المواطن.

لكن هل ستنتقل العدوى؟!

كثير من المحللين والكتاب السياسيين يرون أنها بداية لانتفاضات شعبية ستحدث في الدول العربية، وحتى الأنظمة العربية أصبحت- كما أشرت- تقوم بالإجراءات الكفيلة بتطعيم نفسها وتخدير شعبها؛ لكي لا تنتقل العدوى.

ومن الناحية الموضوعية، فالمجتمعات العربية تختلف عن بعضها البعض من حيث البناء الاجتماعي، ومن حيث البناء والتنظيم الرسمي لكل بلد، والشكل السياسي، ومساحة الحريات الخاصة بالرأي تختلف- هي الأخرى- من دولة إلى أخرى، ولذلك فإن شكل الانتفاضة الشعبية حتمًا سيختلف محركوه من مكان إلى آخر، وما حدث في تونس- باعتباره نموذجًا للثورة الشعبية- ليس بالضرورة أن يحدث في أقطار أخرى بنفس شكل النموذج التونسي؛ لكن التغيير آتٍ لا محالة؛ لأن دأب الناس وديدنهم ينزعون إلى التغيير، ومن خلال التاريخ الإنساني فإن لكل طاغية نهاية.

على أية حال، إن إدراك الأنظمة الرسمية العربية أهميةَ القضايا الاجتماعية: البطالة، الزواج، السكن، ولقمة العيش. هي من الأساسيات التي تشعل فتيل الثورة الشعبية، وخاصة إذا التقت مع: إهمال مطالب الناس وعدم احترام آدميتهم، وانتشار الفساد ونهب الأموال، وظهور الغنى الفاحش، وانتشار الواسطة والمحسوبية، وقصر الرفاهية الاجتماعية على فئة بعينها أو قبيلة بعينها أو جهة بعينها. فمجموع هذه العوامل السياسية تحركها في الأساس وتفجرها العوامل الاجتماعية؛ لأن الإنسان من الممكن أن يتسامح  في خطأ حدث له، أو ظلم في المعاملة وقع عليه من رجال النظام؛ لكن الأمر عندما يصل إلى لقمة العيش والمساس بمستقبل الأبناء والأسرة وحياتها الكريمة من: مسكن لائق، وتعليم متطور، ورعاية صحية فاعلة، فإنه لن يسكت، ولن يتحمل، وسيخرج ثائرًا إلى الشارع ليضيء لنفسه شمعةً تطيح بعصور الظلام والاستبداد والقهر.

فعلى كل من يرتعدون الآن من "فوبيا" الثورة الشعبية أن يعوا جيدًا أنه لا جدوى من التقليل من خطورة هذه "الفوبيا"، إلا بإحقاق الحق وإلغاء التمييز، وأن يكون الناس سواسية في كافة الحقوق، وإشراك أفراد المجتمع في تقرير مصيرهم بحرية تامة ونزاهة تامة، وإلا فإن "الثورة الشعبيه" التي تخافون منها الآن ستلتهمكم نارها غدًا.

i_guider@hotmail.com

===========================

عبير الياسمين التونسي يهب على مصر

بوفلجة غيات

لقد كانت الانتفاضة الشعبية المباركة في تونس بداية لهبة قوية من طرف الشعوب المسلوبة الإدارة والحرية. وهكذا انتقلت عدوى الانتفاضة الشعبية من تونس إلى الجزائر من خلال محاولتين، الأولى كانت بسبب الغلاء، حيث تدخلت السلطات الرسمية بسرعة لمعالجة الوضع. في حين قام حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، بالسعي لإطلاق مظاهرات وسط الجزائر العاصمة متحديا منع السلطات العمومية، إلا أن هذا التجمع الحزبي فشل في الحصول على الإقبال المطلوب من طرف الجماهير الشعبية.

لذا انتقلت عدوى الانتفاضات إلى المشرق العربي، إلى كل من الأردن ومصر. وقد استمرّت الانتفاضة في الأردن، احتجاجا ضدّ الغلاء ومطالبة بالإطاحة برئيس الحكومة، فكانت النتائج الأولية لهذه الانتفاضات زيادات في رواتب الموظفين وتخفيض في أثمان  بعض المواد الاستهلاكية. مع ذلك بقيت الانتفاضات مستمرّة.

إلا أن أضخم المسيرات حدثت في مصر، التي دعت لها كثير من الجهات يوم 25 يناير 2011، ولقيت استجابة واسعة، وقد شارك فيها الآلاف من المواطنين من كل الأعمار من كل شرائح المجتمع من الجنسين، وقد شملت المدن الكبرى في مصر. كما اعترف الإعلام أن مصر لم تشهد مظاهرات بهذا الحجم منذ عقود.

وقد استمرّت الانتفاضة لليوم الثاني، وأن استمرارها وقدرتا على استقطابها الشباب وتوسعها عبر القطر المصري، هي عوامل تحدّد مدى نجاحها.

إن نجاح أو فشل أي انتفاضة مرتبط بحجم المشاكل والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها مواطنو تلك الدول.

وإذا نظرنا إلى الواقع المصري، نجد أن هناك مشاكل كثيرة ومعقدة، مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية. حيث ضغوط المعيشة ومعانات المواطنين وهيمنة الحزب المسيطر وتهميش المعارضة وخلود الرئيس في السلطة والسعي الحثيث للتوريث، وتهميش الطبقة المثقفة التواقة إلى الديمقراطية والحرية. وهو ما يجعل البيئة مناسبة لانتقال عدوى الانتفاضة الشعبية، واحتمال استجابة المواطنين بقوة من أجل إنجاحها، والحصول على نتائج لن تكون أقل مما حدث في تونس.

إلا أن هناك عدّة عوامل داخلية وخارجية تقف في وجه ذلك، وتدفع في الاتجاه المعاكس ضد الطموحات الشعبية في مصر، تتمثل أهمها فيما يلي:

1. أن مصر دولة عسكرية بسبب موقعا في منطقة ساخنة، إلى جانب إسرائيل وحروبها المتعددة معها، مما جعلها تملك جيشا قويا في المنطقة، بل هو أقواها من حيث العدد. كما أن الأجهزة الأمنية هي الحصن المنيع للنظام المصري، ذلك أن السلطة السياسية والأجهزة الأمنية كلاهما في خندق واحد، لذا فلا نتصور تخلي الجيش عن النظام مثلما حدث في تونس.

2. أن الغرب بعد أن أصيب بانتكاسة في تونس بعد طرد بن علي من السلطة، وتعثر في لبنان بعد تعيين ميقاتي لتشكيل الحكومة خلفا لرفيق الحريري، ونشر فضائح السلطة الفلسطينية تنازلها عن حقوق الفلسطينيين دون مقابل، وهي كلها ضربات للغرب، وسوف لن يقبل بسقوط أحد أعمدة التسلط على الشعوب والهيمنة الغربية في الوطن العربي. لذلك سنشاهد القبضة الحديدية لأجهزة الأمن المصرية ضد المتظاهرين، بتدعيم من القوى الغربية التي تسهر على المصالح الإسرائيلية من خلال الحفاظ على استقرار النظام المصري.

3. أن خوف الشعب المصري عميق، وقد تعود على التحمل، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير للتخلص من خوفه من النظام الأمني في مصر.

مع ذلك، فرغم بطش السلطة وجبروتها، فإن لانتفاضة الشعب المصري مجموعة من التداعيات، تتمثل أهمها في كون السلطة أصبحت تدرك قوّة الشعب وتحسب لها حساب، وستقوم بإجراءات لتجنب إثارة غصبها، وهي مضطرة إلى بذل جهد للتشغيل الشباب ومساعدة الفقراء وكبح جماح غلاء السلع والحاجات الأساسية للمواطنين.

إلى جانب ذلك نجد أن المسؤولين السياسيين مضطرون إلى الاستماع إلى نبضات الشارع، وأنه كلما تزايد ضغط الشارع، كلما تلاشى أمل الحكام في التوريث. فقوة المسيرات عبارة عن تحذير للمسئولين من التمادي في احتقار الشعوب والاستخفاف بقدراتها وما تستطيع إحداثه من تغيير من خلال الانتفاضات الشعبية.

من هنا يتبين أن عبير الياسمين بدأ يهب على كل المنطقة العربية، وليست أي دولة عربية في مأمن منه، وقد يبدأ كنسيم يلفح وجوه الحكام، إلا أنه قد يتطوّر إلى عاصفة تقتلع الأنظمة المتسلطة من جذورها كما حدث في تونس.

==========================

آن أوان ثورة الشعب الفلسطيني

 سوسن البرغوتي

مرة أخرى.. وبعد توالي فضائح سلطة انتهجت سياسة التفريط على مراحل، يبدو أنها وصلت إلى محطتها الأخيرة، كما يبدو أن وثائق الجزيرة، بمثابة إعلان موت السلطة ومؤسساتها، وليس المفاوضات وحسب، ولم يتبق إلا مراسم الدفن.

لا شيء مفاجئ على الإطلاق، فكأن المفضوح والمكشوف أساساً، سيجد حرجاً من أي إضافات وتفاصيل أخرى لإجرامه بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، باستمرار نهج تنازل عن 80 % من الأرض الفلسطينية، واعترف بالعدو، و"شرعيته" الباطلة على أرض عربية، لا تمت للغزاة بصلة...

فإسقاط حق العودة تم في توقيع وثيقة جنيف التي وقعها ياسر عبد ربه ويوسي بيلين عام 2003م، وفي حياة عرفات، ولم تُتخذ آنذاك أي إجراءات من قبل ما يُسمى اللجنة التنفيذية أو منظمة (الاتفاقيات)، البتة، كما أن الناعقين والدجالين، ما زالوا يفصلون فتح عن المنظمة، وأن فتح لم تعترف بالعدو، فيكفي أن يكون الحوار واللقاءات السرية منذ مطلع الثمانينات، على قاعدة التطبيع مع العدو، ناهيك عن التحكم بالقرار الفلسطيني، كان بيد عرفات رئيس حركة فتح والمنظمة والسلطة، والإعلان عن دولة ورقية، والاعتراف بالعدو بما يُسمى وثيقة "الاستقلال"، عصفت بها رياح  إستراتيجية ثابتة للكيان الصهيوني، وها هو سلفه يتبع نفس المدرسة، والسطو على المؤسسات الفلسطينية.

أما موضوعة القضاء على المقاومة، فنذكر المهرجين، أمثال جمال نزال الكذاب الأشر، أن أول من نسق أمنياً مع العدو، هو عرفات بدخوله مع (المناضلين العائدين) إلى الوطن المحتل، وبموافقة الاحتلال وإشرافه، ومن خلال رسالته إلى رابين قبيل اتفاقية أوسلو بتاريخ 9/ 9/ 1993، متعهداً بملاحقة "المتمردين" الفلسطينيين. وأن اختطاف أحمد سعدات وصحبه، تم بتنسيق التعاون بين السلطة والكيان الصهيوني، وبانسحاب القوات البريطانية والأمريكية قبل دك معتقل أريحا، وخروج فئران "القوات المشلحة" على مرأى من العالم بشكل مخزٍ. وكذلك اعتقال مروان البرغوثي - رغم أنه منهم وفيهم- كان بتنسيق الاحتلال مع "رفقاء النضال"، والقائمة تطول..

كذلك الأمر الذي لا يستطيعون إنكاره، ما صرح به "القائد الأعلى" عباس بالصوت والصورة ( اللي بشوف واحد حامل صاروخ يطخو)، وما تلاه من اغتيال المجاهدين بأوكار أجهزة الخيانة، واعتقالهم، ومن ثم إطلاق سراحهم، لتعيد القوات الصهيونية، اعتقالهم، فماذا يعني لهؤلاء التنسيق الأمني، غير ما يحدث من تبادل أدوار، بغية قتل المقاومة في الضفة، بعدما فشلوا وانهزموا بالقطاع؟!.

ملف القدس دائماً وأبداً، كان يؤجل إلى ما يدعونه بـ"الاتفاق النهائي"، والحقيقة، أن الجدار العازل وتهويد الأرض وطرد سكانها الأصليين، أُنجز بزمن (سلام الشجعان)، فالتنازل عن القدس، لحدود حائط البراق، وحي الشرف والأرمن، كلها مناطق من أرض فلسطين المحتلة عام 67، وهي جزء من القدس الواحدة فلا شرقية ولا غربية، كحيفا ويافا وصفد، ولا فرق بين غزة والنقب، ولا بين مدنية وقرية فلسطينية، على الرغم من أهمية مدينة القدس عربياً وإسلامياً، فمن العار والمعيب أن تصل القضية الفلسطينية إلى الحديث عن أمتار ومناطق تبادلية!.

 

الفضيحة الفاقعة، تكمن في قبول الشعب للسلطة، حتى تنهيها (إسرائيل) متى تشاء، ولأهداف المماطلة وكسب الوقت، حتى يستكمل الكيان التحكم بالشعب بعد تهويد الأرض، والتحضير لمسرحية مسخرة جديدة، تأتي بسياق ابتداع (حل) آخر للسلام المستحيل مع مشروع استعماري. أما مقولة أن عباس يعلم بالاعتداء على القطاع عام 2008- 2009، وأنه يساهم بالحصار، فلا جديد فيها على الإطلاق، لأنه يخدم أمن (إسرائيل)، وأمنها يقتضي محاصرة المقاومة والتضييق عليها، وإيجاد عملاء يتقاضون رواتبهم من رام الله، لإركاع الشعب ونبذ كل ما يمت بصلة للمقاومة، وهم قد راهنوا على ذلك، وخسروا الرهان...

إن هذه الجزم الذي اعتمد عليها عرفات نفسه، وهو القائل ( الله!.. فلسطين وسخة، عايزين استخدم جزم نظيفة؟)، تطورت إلى أداة قذرة حادة لضرب وقمع الشعب واضطهاده، وبدأت تزاحم بعضها البعض، لأجل امتيازات مالية وشكلية، ليس إلا.

كل ذلك وأكثر مما يُخفى حتى هذه اللحظة، يعرفه القاصي والداني، وسلطة أوسلو لم تخفِ حفلاتها السرية والعلنية، والإملاءات الأمرو- صهيونية، ولكنها فُجعت بأن الممنوح لها فقط، حدود مقاطعة رام الله لا أكثر ولا أقل، وبإطار متطور عن روابط القرى، وأن (إسرائيل) ليس لها شريك، بل عميل، عندما ينكشف، يستغنون عنه، ويستبدلونه بآخر، لا ولن يخرج عن طوع الاحتلال.

 

القضية أنها تمهيد لتغيير طاقم عباس والوجوه التي اُستهلكت بالكامل، وقد حصد الكيان الصهيوني مكاسب جمّة ما كان ليحصل عليها لولا عصابة رام الله، فقد أدرك عدم قدرته القضاء على المقاومة بالقطاع، رغم تفوقه عسكرياً، وآن أوان التخلص من عبء دمية قديمة أطلقوا عليها سلطة محلية، وفعلياً هي سلطة الاحتلال ولكن بوجوه "فلسطينيين جدد"، بغية انتهاء مهزلة "الدولة الفلسطينية"، وإلى الأبد.

فضلاً عن أن الوثائق، تبرز مستوى منحطاً ودنيئاً للتطبيع مع العدو، وليس رفض التطبيع والجلوس مع العدو والحوار معه، كمبدأ يلزم كل وطني مخلص، ومتمسك بالحق الفلسطيني كاملاً. فهل بيع معظم أرض فلسطين، يقل إجراماً عن بيع ما بقي منها، وهل شهيد عن آخر يختلف، وكلهم أبناء هذا الشعب الذي اُبتلي بعصابة قزمت قضيتنا إلى (قضية مفاوضات)؟!

وهنا يجب الانتباه إلى أن ما تقدمه الوثائق يتم بناء على أن المفاوضات والتنازلات التي قُدمت هي أمر طبيعي، ولكن الفضائح جاءت لأنها تجاوزت سقف التفريط، فلم تعد اللقاءات مع الصهاينة والتنازلات هي المعضلة، إنما الغدر والخيانة في التفريط عما حُدد سقفه سابقاً!!.

أما الحديث عن ماذا تنازلت وعن التبادل ونسبته والعمالة الأمنية، فهو ديكور منمق لنهاية هذه المهزلة، وعن الخوض فيما ذكره كبير النصابين وكبير المشعوذين، فكل ذلك لا يلغي توصيفات الخيانة للقضية الفلسطينية، ولا يكشف عراة وصلوا إلى حفر قبرهم بأيديهم، باستمراء التنازل لمجرد أن تلك المفاوضات يضمن بقاء هذه السلطة الشكلية.

 

لقد جن جنون الطاقم المنافق في محمية رام الله المحتلة، ليس لأنهم وُجهوا بالحقيقة الموثقة، ولا يخجلون منها، إنما لأنهم أدركوا أن نهاية السلطة قد بدأت تخط ملامحها بقوة، وأن الحليفين بصدد تغيير الوجوه التي تقبل بواقع الاحتلال كما هو، وأنهم ليسوا أكثر من أحذية ينتقلون بواسطتهم من مرحلة لأخرى، فلا دولة ولا حتى جيوب مبعثرة في الضفة، ولا أي نسبة ستُمنح لهم، بعيدة عن الارتباط العضوي مع المركز في "تل أبيب".

 

لندع ما يُنشر بصحائف الإعلام الصهيوني والقوى الاستعمارية بشكل عام جانباً، فكله موظف لغاياتهم، ودعونا من ردود الإمعات، فقد رُفع عنهم القلم، وإخفاقاتهم بالأمس هي نفسها إخفاقات وفشل اليوم وغداً، والوثائق بمثابة فضائح منهجية مدققة تُضاف إلى سابقاتها، سواء أتت من قناة الجزيرة أو من غيرها، فمن الواضح أن الحليفين يعدان مراسم دفن السلطة ومرحلة ما بعد السلطة وخطط أبعد من فلسطين، فماذا تجهز المقاومة لها بالمقابل؟.

 

قد تكون هذه الوثائق بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير، وحقاً آن الوقت لانتفاضة الكرامة والأرض والإنسان، وقت ثورة الجماهير التي ستحطم مسيرة التسوية من ألفها إلى يائها، وتحاسب الخونة والمعترفين بالعدو فرداً فرداً. وهذه الثورة سترفض أي اعتراف بالعدو الاستعماري ولا تتخلى عن ذرة رمل من أرض فلسطين كلها، وهي ستتبنى وتدعم المقاومة المسلحة طريقاً وحيداً للتحرير والعودة.

=========================

العرب في ظلال "التَوْنسة"

عريب الرنتاوي

ظاهرة "التَوْنسة" تجتاح العالم العربي، ويتردد صداها في جنبات الشوارع والميادين، لكن الظاهرة التي لم تصل خواتيمها بعد، في منشئها ووطنها الأول، لا يبدو أنها مرشحة – أقله في المدى القريب - للوصول إلى نهاياتها الظافرة في دول عربية أخرى، تعج شوارعها بالمتظاهرين والمعتصمين والمحتجين على الظلم والقمع والبطالة والفقر والجوع والفساد والاستبداد.

 

في تونس، نجحت الانتفاضة بالإطاحة بزين العابدين بن علي، وحولته من "زعيم مهاب"، تنتشر صوره في أربع أرجاء البلاد، إلى مطارد مطلوب للانتربول، وقد أثبت الشعب التونسي ونخبه السياسية والمدنية والفكرية، أنه أوعى وأذكى من أن يُضحك عليه، بإزاحة رأس النظام وإبقاء جثته، وها هو ينجح يوماً إثر آخر في التخلص من المزيد من أعضاء النظام وأطرافه المتهرئة، على أن التظام ما زال قائماً برموزه وأجهزته السابقة حتى الآن، ويبدو أن البعض من أركان النظام، وتحت شعار حماية الثورة، يريد أن يمتطي صهوة جواد الانتفاضة لتجديد حضوره ودوره، على أن الملف التونسي يظل مفتوحاً على شتى السيناريوهات والاحتمالات، فالثورة لم تنجز أهدافها بعد، الثورة ما زالت مستمرة.

 

في الجزائر وعمان والقاهرة وبيروت وصنعاء، ثمة أصداء "تونسية" تسمع في الشارع والنخب السياسية والأوساط الإعلامية، بل ويمكن القول، أن الأمر يكاد يلامس ضفاف "الانتفاضة" في بعض هذه الدول – القاهرة على سبيل المثال - على أن التغيير لم يقرع الأبواب بعد، ويبدو أن أوانه لم يحن، وأن شروطه لم تكتمل أو تنضج حتى اللحظة على الأقل.

 

والتغيير الذي نتحدث عنه، ينشطر إلى نوعين، الأول، تغيير في السياسات، كذاك الذي نشتهيه ونطالب به في عمان، وربما يبدو الحال كذلك في الجزائر وبيروت، وتغيير في الأنظمة كذلك الذي يطالب به المتظاهرون في شوارع القاهرة وصنعاء...فبعض الدول العربية يبدأ التغيير الجدي فيها بتغيير النظام، وبعض الدول العربية يكاد يتماهى فيها تغيير السياسات بتغيير النظام، فالمهمة واحدة، أقله من وجهة نظر الجماهير الغاضية وكثير من النخب السياسية والإعلامية والثقافية.

 

والدول التي تحركت فيها الشوارع، أو حركتها شوارعها، ليست وحدها الدول المدرجة على جدول أعمال التغيير، فالدول العربية، كل الدول العربية، ومن دون استثناء، بحاجة للتغيير، وتنتظر التغيير، وهو مطروحة على جدول أعمال التغيير، لكن الفارق في المشهد الراهن، بين عاصمة وأخرى، يتجلى في اختلاف الظروف وتباين شدة القبضة الأمنية وغلظتها...فثمة دول كتونس قبل الانتفاضة، سيتحول فيها غضب الشعب إلى انفجار عن أول انفراجة، لأن الكبت والقمع فيها بلغا حداً يفوق طاقة الشعب على الاحتمال، وثمة دول لديها هوامش وشقوق تتسلل منها وتتنفس فيها، حرية الرأي والتعبير، هذه الدول سيأخذ فيها التغيير طابعا سياسياً متدرجاً وسليماً.

 

ثمة دول عربية، افتقدت نظمها للمرونة، وبلغ تداخلها بـ"المؤسسة" و"الإدارة" حداً يصعب فكاكه، هذه الدول يبدو التغيير فيها أصعب وأعلى كلفة، حتى أن أحد قادتها تحدث ذات يوم لمثقفي بلاده بأنه وعائلته تولوا السلطة بالسيف، ومن يريد أن يتولاها من بعدهم، فليس له سوى السيف أيضاً، فالسيف عند هؤلاء أصدق أنباء من الكتب والصناديق الاقتراع وحرية الرأي والتعبير والمجتمع المدني وحقوق المرأة.

 

"التَوْنسة" تحوم في سماء العالم العربي، وتطوف في شوارعه وميادينه، في مدنه وقراه، بيد أنها لن تتنزّل على كل مجتمع عربي بذات الشكل والطريقة، ولن تتخذ ذات المسار ولن تنتهي إلى المصائر ذاتها، فالمجتمعات العربية مختلفة من حيث درجة تطورها وتمدنها، ومن حيث درجة توحدها وتجانسها، ومن حيث طبيعة أنظمتها وحكوماتها، وفي ضوء ذلك كله، فإن لكل بلده عربي "نموذجه التونسي" الخاص به.

 

لكن القاسم المشترك الأعظم، الذي لا تخطئه عين أو أذن، هو أن درس رفع منسوب الجرأة في النفوس والنصوص التغيرية العربية، رفع درجة حرارة الجدل الوطني حول الركود والتغيير، رفع مستوى القناعة عند رجل الشارع العربي بأنه قادر على إحداث فرق، بل وإحداث فارق جوهري.

 

تونس بعد انتفاضاتها لن تعود أبداً إلى ما كانت عليها قبلها، أياً كانت مآلات الثورة – الانتفاضة – أو مصائرها...والعالم العربي بعد انتفاضة تونس كذلك لن يعود كما كان، فلا الحكام سيحكمون بما اعتادوا عليه من وسائل وأساليب، ولا المحكومين سيكون بمقدورهم العودة إلى ممارسة طقوس الخنوع والذل والانكفاء على فقرهم وعوزهم وجوعهم.

 

لقد كنّا نظن قبل ستة أسابيع فقط، أننا نعيش "اللحظة التركية" في العالم العربي، فإذا بنا بعد انتفاضة تونس، نعيش "اللحظة التونسية"، ومن حسن حظنا أن كلتا اللحظتين تدفعان في الاتجاه ذاته، وتسيران بنا على الطريق ذاته، طريق الإصلاح والتغيير والتنمية والحرية والكرامة والكرامة وحقوق الانسان، فطوبى لتونس وشعبها وانتفاضتها، وطوبى لتركيا وشعبها وقيادتها.

============================

صندوق الطماطم الفاسد تونسياً وعربياً

بدرالدين حسن قربي

بعد ثلاثة وعشرين عاماً من سيطرة زين العابدين بن علي الرئيس التونسي السابق على نظام الحكم، وفي لحظة قدرية بدأت بإحراق الشاب بوعزيزي نفسه احتجاجاً على معاملة السلطة المحلية له، ومن بعدها خروج الجماهير الغاضبة التي فاض كيلها في تظاهراتها المتواصلة فيما عرفت بثورة الجائعين احتجاجاً على غلاء الأسعار، ورفضاً للقمع ومطالبة بالحريات وتأمين فرص عمل لمئات الألوف من الشباب البطّال. بعد كل هذه الفترة الطويلة ومع انفجارات ربع قرن من قهر وألم ومعاناة وجوع واضطهاد، وقد زلزلت تونس زلزالها، وأخرجت القلوب والأجساد أثقالها وأفاضت الشوارع والساحات غضبها، وقال الريس بن علي مالها، وقد أحس بالغرق يدركه فخاطب الجماهير الثائرة ينشد ودها: فهمتكم، فهمتكم، قال لها، فبعد فوات الأوان كُشف عن بصره وبصيرته فخاطبها: غلّطوني، أي ضحكوا عليّ، ضللوني، كأنه يعني أنه تعرض الى عملية تضليل من قبل بطانة سيئة حجبت عنه الحقائق كاملة وأبعدته عن الشعب، وكأنه أُوتي من الفهم مالم يُؤته من قبل، ولكن متأخراً جداً كعادة عتاولة الجبّارين في الأرض. فقال بن علي ماقال والجماهير قالت بلسان حالها: آلْآن ...! وقد كنتَ من الظالمين. ومن ثمّ فقد كان فصل الخطاب بين ماقالته الجماهير المسحوقة وماقاله الرئيس بن علي، هو هربه والبحث عن مأوى وقد ضاقت عليه وعلى أصهاره وأنسبائه الأرض بما رحبت.

وعلى وقع مشاهد الغضب، كانت جماهير الناس في منافيها وفي بلاد العرب، تمتلئ بالسرور قلوباً، وتفيض بالحبور وجوهاً وهي ترى رئيساً شمولياً ديكتاتورياً تُطيح به احتجاجات الشارع وبراكين الغضب، وتتمنى أن ليت ماكان لهم يكون لنا. وأما على وقع مشهد الهرب فقد تبدّى لاشك للعديد من الأنظمة الاستبدادية العربية ضعف سلطتهم التي يحاولون إظهارها على الدوام أنها مدعومة من الجيش وقوات الأمن والمخابرات ومحصنة ضد الغضب الشعبي، وأشاع هلعاً ما في أعماقها حاولت أن تخفيه، بل ذهب بعضها إلى حد تجاهل أخبار الأحداث التونسية غضباً وهرباً من أصلها استشعاراً لخطر يمكن أن يكون، لأن صندوق البندورة الفاسد هو هو نفسه عند الجميع، من حزب محنّط قائد للأمة والمجتمع، إلى عائلة مقدسة وقرابات من شفيطة ونهّابين مسنودين، فلا تجد شركةً ليس لهم فيها علاقة، ولا مصنعاً مهماً ليس لهم فيه دور، ولا مواصلات واتصالات إلا لهم فيها شأن وشأن، ولا إعلان ولا دعاية إلا وتصب في شركاتهم ومنتجاتهم، ولا استثماراً إلا وهم فيه شركاء، ولاصفقة إلا ولهم فيها ضبط وربط وحصة وقصة. بقدرة قادر ممتدون كأخطبوط، قدرتهم بلا حدود، وواصلون ومحظييون ونشاطاتهم وأعمالهم في كافة أنحاء السلطة مدعومة بلا قيود، لهم صور وجداريات وتماثيل منشورة في الشوارع والطرقات لتذكر المقهورين بعين الرقيب عليهم إلى الأبد، ومن قمع للحريات وقوانين طوارئ ومحاكم أمنية وعسكرية استثنائية وسجون مليئة بالمعارضين.

وعليه، ففي حال حصول التغيير حتى وإن اختلف شكله وأسلوبه، فيمكن أن يتكرر السيناريو نفسه أو قريباً مما حصل لصندوق الطماطم التونسي في الأيام الماضيات والذي تجلّى بمهاجمة العديد من مباني حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم وحرقها في عدد من المدن التونسية، تمزيق صور بن علي في الشوارع والميادين وعشرات الآلاف من الناس في الشوارع تصرخ نحن جائعون، مصادرة أموال ومجوهرات طائلة ترجع إلى الرئيس وعائلته داخل تونس. إطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجناء الرأي والفكر من المعتقلات وعودة المئات من منافيهم القسرية والطوعية، اعتقالات واسعة للكثير من أقارب وعقارب الرئيس التونسي للاشتباه بارتكابهم جرائم بحق الشعب التونسي ووضع اليد على ممتلكاتهم وثرواتهم الطائلة، واختفاء العديد منهم وهرب بعضهم. تشكيل لجان تحقيق واسعة وراء الممتلكات والثروات الطائلة المنهوبة والمسروقة من عرق الجماهير المعتّرة من قبل رجالات النظام. إعلان سويسرا تجميد الحسابات المصرفية لزين العابدين وزوجته، والتي لحقت بها فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي والتي أبدت جميعاً وبشكل غير مسبوق استعدادها لكشف هذه الأرصدة وقبولها بإعادتها إلى تونس. فتح السلطات التونسية الجديدة ملف الفساد ضد الرئيس الهارب وعائلته، وبدأت إجراءات قضائية ضدهم بتهم اختلاس أموال وممتلكات تخص الدولة. غياب الدعاء للرئيس بن علي عن صلاة الجمعة، وكذلك الرقابة الامنية المشددة التي كانت تواكب صلاة الجمعة في مختلف المناطق التونسية. ملاحقة أصهار الرئيس وقراباته وأشقاء زوجتة ممن سيطروا على من العديد الشركات العقارية والمصارف وشركات التصدير والاستيراد بما فيها وكالات السيارات وشركات الهواتف النقالة وفرضهم الكثير من الإتاوات والجبايات على الكثير من الشركات مما جعل لهم في معظم الشركات العاملة في تونس نصيباً مفروضاً.

 

أما إذا أردنا أن نعرف طبيعة هذا الصندوقة تعبئةً وترتيباً وعملاً، فإن فيما تسرّب من وثائق ويكيليكس عن هذا الشان رسالة كتبها السفير الأمريكي في تونس إلى إدارته في واشنطن اختصر بعض الوضع بعبارات بليغة، وكأنه يصف الحال في كل بلداننا ذات الأنظمة الشمولية والفاسدة بقوله: ينطبع في نفسي أن عائلة الرئيس بن علي مكروهة في بلدها، ومقطوعة عن كل ما يحدث فيه، وأنا أسمع عن عمق مشاركتها في الفساد وعن إمبراطورية الأعمال التي انشأتها بطرقٍ تُذكّر بالمافيا الإيطالية.

رسالة صندوق البندورة التونسي الخرِب الذي ظهرت عطور روائحه العفنة وفضائحُه على أهل الأرض من بعد ما فتحت ستائره وأبوابه ورفعت أغطيته، إلى كل صناديق الفساد والاستبداد: ادّاركوا أنفسكم ليوم لاريب فيه، قبل أن تُخسف بكم الأرض أو تطيروا في السماء. وما أمر تونس وابن علي عنكم ببعيد، فهل من مدّكر...!!؟

============================

حال الاتحاد الأميركي.. والانفصال العربي!

صبحي غندور*

يتميّز خطاب أي رئيس أميركي عن "حال الاتحاد الأميركي" مطلع كلّ عام بأنّه خطاب الأجندة أو الإستراتيجية التي سيعتمدها الرئيس وإدارته، لفترةٍ من الزمن، على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهو خطاب ينتهي عادةً بالتأكيد على "قوة الاتحاد" وعلى السعي لتعزيز هذه القوة. أي هو عملياً تطبيقٌ لمقولة: (في الاتحاد قوَّة).

وممّا يلفت الانتباه أنّ الدستور الأميركي يمنع الحكومة الاتحادية المركزية من التدخّل في صلاحيات الولايات الخمسين التي يتألف منها "الاتحاد الأميركي"، لكن هذا الدستور لا يمنع إطلاقاً الحكومة المركزية (الإدارة) من التدخّل في شؤون الدول الأخرى!.

إنّ "واشنطن" هي الآن طرَفٌ مباشر ومتدخّل في معظم القضايا والأزمات العربية الراهنة، فهي التي ألغت على سبيل المثال مرجعية الأمم المتحدة للصراع العربي/الإسرائيلي وجعلت من نفسها المرجعية والحَكم، في حين أنّها طرف مباشر داعم لإسرائيل في هذا الصراع.

و"واشنطن" أيضاً هي الآن قوة عسكرية محتلة في العراق، وهي طرف مباشر في تقرير مصيره الوطني والسياسي. وهي كذلك الآن في تقريرها لمصير السودان ووحدة أراضيه ومستقبل الأوضاع السياسية فيه. كما هي (واشنطن) طرف مباشر في ما حدث ويحدث في لبنان من تطورات سياسية وأمنية، وقد صل الأمر إلى حدّ تدخّل السفيرة الأميركية في بيروت في محاولة التأثير على بعض النواب من أجل دعم إعادة ترشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة بعدما أدّى التدخل الأميركي أصلاً إلى تعطيل المبادرة السعودية/السورية المشتركة.

"واشنطن" هي طرف أيضاً في الخلاف الفلسطيني/الفلسطيني، وهي عرّاب الاتفاقات والمعاهدات التي حصلت بين مصر والأردن ومنظمة التحرير مع إسرائيل، والضامن لاستمرار حكومات عربية تدعم هذه المعاهدات. وهي الآن في اليمن وأزماته السياسية والأمنية، كما هي في عموم القضايا العربية التي تتعلّق بالأمن وبالتحالفات الإقليمية، بل حتّى في أسعار النفط ونسَب تصديره!.

تُرى، هل يقبل حاكم أي ولاية أميركية بهذا المستوى من أنواع تدخّل "الحكومة الأميركية المركزية" في شؤون ولايته "الأميركية"؟!.

هذا التدخل الأميركي في شؤون البلدان العربية وقضاياها هو بمعظمه تدخل سلبي جلب ويجلب ردود فعل سلبية على السياسة الأميركية ومصالحها في المنطقة.

فما يحدث بالخفاء والعلن في المنطقة العربية، منذ مطلع هذا القرن، من تهيئةٍ سياسية وأمنية لإعادة خلط كيانات المنطقة وفرزها من جديد على أشكال مختلفة عمَّا هي عليه الآن نسبياً، هو أمرٌ معنيّةٌ به أولاً وأخيراً الإدارات الأميركية المتلاحقة.

وهذا الخلط السياسي والأمني، المنشود للمنطقة، يفسّر ما يحدث الآن فيها على جبهاتٍ عديدة ومع جهاتٍ مختلفة. فمن استفتاء حول جنوب السودان يعطي للجنوبيين حقَّ اختيار الانفصال عن الوطن، إلى مشاريع مطروحة حول مستقبل العراق وفق صيغ فيدرالية، مروراً بإثارة قضايا الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة، وصولاً لاستخدام العديد من الجماعات ذات الأسماء الدينية أسلوب العنف المسلّح بحيث لا يكون هناك وضوح وتمييز ما بين المقاومة المشروعة (والمطلوبة ضدّ الاحتلال)، وبين الإرهاب المنبوذ الذي يستبيح كلّ شيء عدا أصحابه ويؤدي إلى مزيدٍ من الفتن والصراعات الداخلية.

وقد تصاعدت، مع هذا الخلط السياسي والأمني في المنطقة، الطروحات الأميركية والغربية عموماً عن المسألة الديمقراطية (وهي دعوة حق) لكن بشكلٍ يتزامن مع أسلوبٍ باطل وهو إثارة مسألة "حقوق الأقليات" في الأوطان العربية، بحيث يصبح هذا الطرح مزيجاً من الدعوة للديمقراطية ولإقامة "تعدّدية الكيانات" في البلد الواحد، أي المطالبة بإقامة تعدّديةٍ سياسية لكن في إطار "صيغ فيدرالية" لها.

تُرى أيضاً، لِمَ هذا التناقض الأميركي بين السياسة الحالية وبين خلاصاتٍ هامّة من تاريخ التجربة الأميركية. فاستقلال أميركا عن التاج البريطاني كان حصيلة مقاومةٍ أميركية مسلحة قادها جورج واشنطن. كذلك، في التجربة الأميركية أنَّ أبراهام لنكولن قاد الجيش الاتحادي الشمالي ضدَّ انفصال الجنوب الأميركي، ولم يكن موقف واشنطن آنذاك قائماً على حقّ "الجنوب الأميركي" بتقرير مصيره !!

أيضاً في التجربة الأميركية، أنَّ قادة 13 ولاية اجتمعوا في فيلادلفيا عام 1787 لأشهر عديدة وهم يتحاورون حول كيفية تحقيق الاتحاد والتكامل بين هذه الولايات، عوضاً عن الشرذمة فيما بينها والصراعات التي عصفت بها عقب الاستقلال الأميركي.

فلِمَ تمنع واشنطن الآن أيّة محاولة لتطوير صيغ التكامل العربي، بل بالحدّ الأدنى التضامن العربي، وتشجّع على تجزئة الكيانات القائمة عوضاً عن الاتحاد فيما بينها؟

إنَّ النظام الاتحادي الفيدرالي الديمقراطي الذي حصل بين الولايات الأميركية لم يأتِ عن طريق تجزئة وتقسيم كل ولاية ثمَّ إعادة جمعها كقطع مبعثرة في لوحةٍ فيدراليةٍ واحدة ..

إنَّ العرب يريدون لأمَّتهم ما أراده الأميركيون للأمَّة الأميركية: وهذا يعني مقاومة ضدَّ الاحتلال من أجل التحرّر الوطني.

العرب يريدون لأمَّتهم حقّ اختيار البناء الدستوري السليم المتلائم مع طبيعة الأمَّة العربية وحضارتها، والذي يكفل أيضاً حرّيات المواطنين وحقوقهم في المشاركة بصنع القرار الوطني دون أيِّ تمييز.

العرب يريدون لأمَّتهم تكاملاً بين أوطان الأمَّة الواحدة وتطويرَ صيغ العمل العربي المشترك وصولاً إلى النموذج الاتحادي الأوروبي، إنْ تعذَّر الوصول الآن إلى النموذج الفيدرالي الأميركي.

العرب يريدون في أمَّتهم حقَّ رفض أيّة دعواتٍ انفصالية أو تقسيمية في كلِّ بلدٍ عربي، وتثبيت وحدة الكيانات ووحدة الأوطان ووحدة المواطنين.

 

هذه هي خلاصات التجربة الأميركية في مجالات المقاومة والتحرّر، والبناء الدستوري والتكامل الاتحادي، ورفض الحالات الانفصالية، فلِمَ لا تدعو واشنطن العالم كلّه للأخذ بهذه الخلاصات عوضاً عن الممارسة الأميركية لعكسها؟

ولِمَ لا تجعل واشنطن من تجربتها نموذجاً لشعوب العالم، فتكون أميركا فعلاً بمثابة (الحلم الأميركي) لا كما هي حال سياستها "الكابوسية" الآن القائمة على التدخّل السلبي في شؤون الدول الأخرى!.

لعلّ الإجابة طبعاً، هي خوف أميركا من أنَّ تعميم نموذجها يعني تعميم بناء الدول الكبرى وولادة منافسين دوليين لها، لكن هل حالت القنابل الأميركية النووية في اليابان من ولادة المنافس الاقتصادي الياباني؟ وهل منع وجود قواتٍ أميركية في معظم دول أوروبا الغربية من أن تتّجه هذه الدول نحو التكامل والاتحاد؟ وهل أنهى تقسيم ألمانيا واحتلالها عناصر القوة وروح الاستقلال وإرادة الوحدة في الأمَّة الألمانية؟

هذه أمثلة لأميركا علّها تتّعظ بها، وهي أيضاً نماذج للمنطقة العربية كي تتمثّل بها.

فالخوف من أن تنتقل هذه الأمَّة العربية من ممارسة ديكتاتوريةٍ "عربية" في الحكم وفي الدعوة للتوحيد، إلى ديمقراطيةٍ "غربية" في أشكال الحكم مع دعوة  لتقسيم الأوطان!.

وإذا كان "حال الاتحاد الأميركي" ما زال قوياً بفعل قوة الدستور الأميركي واستمرار "الاتحاد" بين الولايات الأميركية، فإنّ "الحال العربي" سيبقى ضعيفاً طالما أنّ الحياة الدستورية السليمة ما زالت مغيَّبَة والصراعات الداخلية والعربية هي السائدة!.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Sobhi@alhewar.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ