ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 24/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

أمّة حيّة رغم الشدائد والمحن

بوفلجة غيات

إن الأحداث التي تعرفها مختلف مناطق الوطن العربي، وعلى الأخص ما شاهدناه مع بداية يناير 2011 في تونس والجزائر، يوضح أن هذه الأمة لازالت حيّة رغم الصعوبات والمحن والضغوط والفقر والتسلط وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن أهم حدث وقع مع بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة ما وقع بتونس، مسقط رأس الشاعر العربي الكبير أبي القاسم الشابي الذي قال:

   إذا الشعب يوما أراد الحياة        فلا بـدّ أن يستجيب القـدر

    ولا بدّ لليـل أن ينـجـلي       ولا بـدّ للقيـد أن ينكسـر

لقد عرف الشعب التونسي منذ استقلاله ضغوطا كبيرة، وكبت للحريات الأساسية للمواطن، من حرية التعبير وحرية الصحافة، وحرية إنشاء الأحزاب والجمعيات المدنية، وكبت للحريات الدينية. وهو ما أمكن ملاحظته من خلال معاملة السلطة حزب النهضة الإسلامي التونسي واضطهاد أتباعه وحرمانهم من حقوقهم السياسية والمدنية. نفس البطش مورس على الحركات اليسارية والنقابية في تونس. وهو دليل على ما وصلت إليه الأمور من احتقان وضغط وتسلط القوة السياسية على رقاب المواطنين.

إنها الدولة الوحيدة التي نجد فيها أحزاب السلطة، سواء في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة أو في عهد الرئيس الحالي زين العابدين بن علي، يطالبون بدسترة بقاء الحكام على رأس هرم السلطة مدى الحياة.

وهكذا بقي الرئيس التونسي السابق رئيسا للجمهورية في السلطة، من الاستقلال إلى أن أصبح عاجزا عن القيام بأدواره المنوطة به كرئيس دولة. وهو ما أدى إلى الانقلاب عليه من طرف الرئيس الحالي زين العابدين بن علي، الذي استمرّ في رئاسة تونس منذ 1987، إلى اليوم، أي حوالي ربع قرن من الزمان. ولن يُزاح عن مكانه إلا بانقلاب جديد، أو باستمرار الشعب التونسي في الاحتجاج والمواجهة، مما سيؤدي دون شك إلى إفراز واقع جديد وقيادة جديدة.

فالشعب العربي التونسي الذي عانى طويلا من القهر والتسلط، وبعد أن اعتقد جلادوه أنه استكان إلى السكون والخنوع والجمود السياسي حيث تملّكه الخوف، ها هو يستيقظ كالمارد الجبار، مما جعل جلاديه من الداخل وأسيادهم من الخارج يندهشون لهذا الاستيقاظ المفاجئ.

وقد بدأت الشرارة الأولى للانتفاضة المباركة، من قمع وسوء معاملة أعوان الشرطة للمواطن التونسي "محمد بوعزيزي"، الذي واجه السلطة القمعية بتقديم نفسه قربانا للحرّية، عبارة عن فدية غالية لانعتاق الشعب التونسي من جبروت السلطة. فأمام مضايقة الأجهزة الأمنية، لم يبق له إلا أن أشعل النار في جسده قرب مقر ولاية "سيدي بوزيد" ليشهد السلطة المحلية والمواطنين التونسيين حجم المأساة التي يعانى منها مواطنون شرفاء مثله. وهي أكبر صورة للاحتجاج ضد الممارسات القمعية والتعسفية الظالمة للأنظمة الطاغية المتجبرة. فكانت النتيجة استيقاظ شعب، ظنوه قد استكان، والذي هبّ كالرجل الواحد في وجه الطغيان، فكانت الانتفاضة الشعبية المباركة على أرض تونس الطيبة، وهي جزء غال من الوطن العربي الحبيب.

إنها صورة تظهر حيوية هذه الأمة، التي بدأت تنفض الغبار عن وجهها، وتقدم دروسا في التضحيات والمواجهة، والثورة على الأنظمة الفاسدة. وهكذا بدأنا نشاهد تحركات اجتماعية شعبية للتعبير عن مطالبها في كثير من الدول العربية، وقد بدأت الأنظمة العربية المتسلطة وغير الديمقراطية ترى معالم مصيرها ودنوّ نهايتها.

إن الانتفاضة الاجتماعية في تونس، قهرت الخوف وأرجعت الأمل إلى التونسيين، وأظهرت قوتهم. بل أنها أرجعت الأمل في كل الأمة العربية والإسلامية، رغم ما تعاني منه شعوبها من اضطهاد وحرمان، وهي ترزح تحت وطأة الفقر والتخلف، بسبب الفساد المستشري في ربوع مختلف الأقطار العربية.

بقدر ما كانت انتفاضة الشعب التونسي فرحة للشعوب بقرب انجلاء الليل، وقرب سقوط سلطة عربية من أكثرها طغيانا وتجبرا، بقدر ما كان قلق الحكام العرب والطغاة عموما، وجزعهم وخوفهم من انتفاضة شعوبهم التي سترغمهم يوما على الرحيل.

إن أحداث تونس وانتفاضة شبابها، أجزعت وأقلقت الدول الغربية، التي وجدت في تونس مكانا للاستغلال ومخبرا لكبح الحريات وتقييد الممارسات الدينية والسياسية للشعب التونسي المسلم، بدعوى محاربة التطرف والإرهاب، وهي السياسة التي سعت القوى الغربية للتخطيط لها والتشجع على تنفيذها. وبذلك سقط النموذج الغربي في تونس، والذي طالما تغنى به الغرب، وجعله نموذجا طالب الشعوب العربية الأخرى بالاحتذاء به، من خلال حكم شعوبهم بالحديد والنار. ذلك أن تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي يزعج القوى الغربية المعادية لحرية الشعوب في اختيار حكامها، وسياساتها الاقتصادية. وهكذا فإن الكثير من الدول العربية التي تأتمر بأوامر الغرب تنتظر نفس المصير الذي عرفه حكام تونس.

إن أحداث تونس وانتفاضة شبابها ستكون لها تداعيات كبيرة على الشعب التونسي وعلى كثير من الأقطار العربية. فمع بداية الانتفاضة في تونس قامت الحكومة الأردنية بإجراءات لتخفيض أثمان السلع ذات الاستهلاك الواسع، وذلك لدرء قيام الشعب الأردني بانتفاضة مماثلة لما حدث في تونس. كما أن السلطات الجزائرية تحرّكت بسرعة عند بداية انتفاضة بسبب الغلاء، وأصدرت أوامر لخفض أثمان السكر وزيت المائدة. وهكذا فإن الأنظمة الرسمية العربية تخاف استيقاظ شعوبها، لأنها تيقنت أنه ليس بوسع الأساليب القمعية إيقاف الشعوب الغاضبة المحتجة.

رحم الله شهداء الحرية في تونس، وشهداء الكرامة في الوطن العربي وخارجه، فهي قرابين على مذبح الحرية والعزة والكرامة، لا يمكن أن تضيع سدى. إن انتفاضة الشعب التونسي هو دليل حيوية هذه الأمة عموما، وأنه لا يأس من رحمة الله، فهي أمة تبقى حيّة مقاومة رغم الشدائد والمكائد والمحن، ورغم أنف أعدائها وما يكنوه لها من عداء ويخططون له من دسائس ضدها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ