ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 17/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

"عصا سليمان"

الدكتور نبيل الكوفحي

العنوان اقتباس من قصة سيدنا سليمان عليه السلام حينما أدركه الموت، لخصها قوله تعالى في سورة سبأ: ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)

ما ينطبق على علوم الطبيعة ينطبق على الكثير من العلوم الاجتماعية، فللأجسام الطافية على الماء قسمان: احدهما ظاهر فوق الماء وهو صغير، والأخر مغمور تحت الماء وهو الأكبر، وقياسا عليه: تجد الدول والأنظمة تبدو في المع جبروتها وعنفوانها وكأنها خالدة لا تموت، لكن الحقيقة الكبرى أنها مفككة ومنهارة، قد تخر بلحظة أمام الآخرين.

هذا ما حصل في تونس، النظام البوليسي الأكثر قمعا ودموية وحربا على الإسلام وأهله، وهو النظام الوحيد في العالم الذي أوقف الحج في الموسم قبل السابق بحجة أنفلونزا الخنازير، ومنع الحجاب وراقب المساجد وزج بالدعاة والمخلصين من أبناء تونس في سجونها، وشرد مفكريها وأحرارها، ونال رضا الغرب وزعمائه ودوائر استخباراته في "حربه ضد الإرهاب".

لأيام خلت من كان يراقب حركات النظام التونسي من قمع للشعب وإهدار لكرامته ظنه خالدا أبدا، وقبيل ساعات من فراره يعلن عن عدم ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2014، وما درى انه لن يبقى لنهاية يوم 14-1-2011 ، وقبل هذا كان نظام الشاه في إيران الذي خر صعقاً وفر من ايران في 15-1-1979 الأعتى دموية، المُعتمَد الأول لأمريكا في المنطقة حينها، وقد رفضت أمريكا استقباله كما رفضت فرنسا استقبال بن علي أمس، وبعده كان نظام تشاوشيسكو في رومانيا، وغيرهم كثير! لماذا هذا الانهيار المفاجئ؟

إن الأنظمة الفاسدة والمستبدة تصنع حولها دوائر أمنية فاسدة أيضا، لا تدين لسادتها إلا بالنفاق والابتزاز، ولا تغني عنها إذا أزفت لحظة سقوطها، تعرف فساد سادتها ولا تقوم بحمايتها إلا بمقدار جشعها، شأنها في ذلك شأن الشيطان ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) وهي ليست على استعداد أن تبذل دمائها في سبيل حياة غيرها من الفاسدين،  وشواهد التاريخ أكثر من أن تعد  و ليست بحاجة لتحليل فهي واضحة كالشمس في رابعة النهار.

العدل أساس الحكم: هو أهم الدروس الكبيرة المستفادة مما حدث في تونس، وقديما أوصى رسول الله – ص- أن يهاجروا الى الحبشة، اذ " إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه "، فالعدل هو الركيزة الأساسية التي تحقق الأمن، وليس عدد الأجهزة الأمنية وتعداد عناصرها وضخامة تجهيزاتها، جاء وفد فارس إلى المدينة لمقابلة الخليفة عمر الفاروق – رضي- فدل عليه، فإذا هو أسفل شجرة وقت الظهيرة، وقد اخذ القيلولة فتعجب وقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر. ذلك عمر الذي كان يبكي لبغلة قد تعثر في ارض العراق فيخشى ان يسأله الله عنها يوم القيامة: لم لم تسو لها الطريق يا عمر.

 إن العامل الأهم في قوة الدول والأنظمة: في تمتعها بشرعية أخلاقية، تقوم أساسا على العدل: حدده رب العزة بقوله: (وإذا حكمتم بين الناس إن تحكموا بالعدل)، والحرية: وقد ضمنها الله تعالى لأكثر شيئين متباعدين بقوله: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وأكده الفاروق بمقولته المشهورة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، واحترام الإنسان: وقد قرره الخالق الحكيم للإنسان أيا كان هذا الإنسان بقوله: (ولقد كرمنا بني ادم).

إن كل الأنظمة الفاسدة والقمعية هي عبارة عن نمور من ورق، بحاجة كدودة الأرض لكي تكشف حقيقتها، بحاجة لتضحيات متواصلة: هي اقل بكثير من ضريبة الذل ( التي تدفعها الشعوب باستمرار)، وإصرار على الحق بالحياة الحرة الكريمة التي يستحقها المواطنين، وتعاون على البر والتقوى.

كتب سيد قطب – رحمه الله في تموز من عام 1952، تحت عنوان: ضريبة الذل اقتبس منه ما يلي: بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها... هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.... لقد شاهدتُ في عمري المحدود - ومازلت أشاهد - عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، تثقل كواهلهم، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم ...  فإلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، ... أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، ... بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ