ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 11/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

أحداث العنف بالجزائر ومؤشرات فشل النظام الرسمي

بوفلجة غيات

إن أحداث العنف التي عرفتها الجزائر مع بداية سنة 2011، كانت مفاجئة للجميع في الداخل والخارج. فالجزائر تعرف نهضة اقتصادية حقيقية لا مجال لنكرانها، كما أن احتياطات الجزائر من العملة الصعبة فاقت 150 مليار دولار، وأن عائدات المحروقات لسنة 2010 فاقت 50 مليار دولار، وكلها مؤشرات لصحة الاقتصاد الجزائري.

كما أن هناك مشاريع كبيرة ذات بعد إستراتيجي في قيد الإنجاز’ كالطريق السيار شرق – غرب الذي يتجاوز طوله 1200 كلم، ومشاريع السكك الحديدية وكهربتها، وأكثر من مليون شقة للمواطنين، وشبكات " لخطوط الترام" في المدن الجزائرية الكبرى، ومصانع تحلية مياه البحر وإنتاج الكهرباء، وبناء السدود، وجهود فتح المؤسسات التربوية والجامعات والمستشفيات وخدماتها مجانية، وكلها مشاريع كبرى لا ينكرها إلا جاحد.

رغم كل ذلك، يبقى العجز كبيرا والحاجات متزايدة والمشاكل الاجتماعية كثيرة ومعقدة ومتشعبة، يختلط فيها الاقتصادي بالسياسي بالثقافي بالأمني بالاجتماعي، يصعب حلّها في فترة وجيزة. كما أن هناك تراكم للنقائص والحاجات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية لعقود خلت، وما مرّت به الجزائر من أزمات سياسية وأمنية، لا زالت مستمرّة إلى اليوم.

لقد تزامنت أحداث الشغب والاحتجاجات الأخيرة بإجراءات قانونية تهدف إلى إخراج المعاملات التجارية من الفوضى التي عرفتها الجزائر. إذ أن تفتح الجزائر على التجارة الخارجية، أدى إلى ظهور مافيا تجارية وصناعية، وطنية وأجنبية، تسعى إلى الربح الجشع على حساب مصالح الدولة والشعب على السواء. وهكذا تخلت الدولة عن احتكار التجارة الخارجية، ليظهر أناس آخرون ترعرعوا في أحضان السلطة ورضعوا من أحضانها، وكوّنوا ثروات بدؤوا يستغلونها بطرق جشعة، فشجعوا الفساد وساهموا في نشره.

من هؤلاء يعرف الجزائريون كلهم من يتحكم في صناعة وتجارة السكر وزيت المائدة، وهم أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، وهم الذين يرفعون أثمان السلع أو يخفضونها حسب أهوائهم، كما أنهم يتحركون عند صدور أي تشريعات وقوانين تقيد من أرباحهم. من ذلك ما قامت به الحكومة من إجراءات التجارة الخارجية والتعامل مع البنوك، والتضييق على عمليات تحويل العملة الصعبة، وصرامة مراقبة الجمارك على الموانئ والمطارات. كما ظهرت تشريعات جديدة لإرغام تجار الجملة على فوترة السلع التي يبيعونها، وفرض استعمال الصكوك البنكية في تعاملات الشركات التي تتجاوز 000 500 دينار جزائري، وهي إجراءات تقاومها مافيا الصناعات والتجارة الخارجية، التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية وتزايد نفوذها، وسلطتها السياسية. وليس بالغريب أن تحرّك هذه الجهات الشارع للضغط على الحكومة، حتى تتراجع عن إجراءاتها القانونية، والتي هي في مجملها لصالح الدولة وتعود فوائدها بطريقة غير مباشرة على المواطن.

ذلك أن الزيادات في أسعار الزيت والسكر لا يمكن أن تبرر كل هذه الاحتجاجات. كما أن أغلب الشباب المُحتج، كما أظهرته شاشات التلفزيون لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة، وهم لا يشترون لا سكر ولا زيت، بل أن غالبيتهم لا زالوا تحت مسؤولية أوليائهم. وهو ما يؤدي إلى الاعتقاد أن وراءهم جهات تحرك الأمور في الخفاء.

الحدث الثاني الذي ظهر في الفترة الأخيرة وهو بداية الصراع على السلطة، إذ بدأ الحديث عن الانتخابات الرئاسية القادمة. حيث أطلق عبد العزيز بلخادم ممثل رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أقوى حزب في السلطة، تصريحات تفيد باقتراح إعادة ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية أخرى. كما ظهرت أخبار وشائعات عن تأسيس أخ الرئيس، السعيد بوتفليقة لحزب سياسي مستقل، ذكرت "إشاعات" أنه حصل على الاعتماد الرسمي، وآخرون يعرضون عليه ترأس أحزاب مجهرية غير معترف بها، وإعداده للترشح لخلافة أخيه.

لذا ليس بغريب إيجاد أحداث من الشغب، وقد تكون مفتعلة من طرف جهات تسعى إلى الإعلان عن نفسها لاحقا، وإيجاد موقع قدم لها في إطار الصراع على السلطة. وقد تكون هذه الجهات هي التي أشعلت النار في حشيش الشباب الذي كان ينتظر الشرارة الأولى لكي ينفجر. 

مع ذلك فإن احتجاجات الشباب الأخيرة، تؤكد هشاشة الوضع السياسي وتفضح ما تعرفه الجزائر من نقائص وعجز على مختلف الأصعدة، وخاصة على مستوى إدارة الدولة.

أول عجز تعرفه الجزائر هو فشل الجهات الرسمية في كسب ثقة المواطنين، وفشلها في تلبية حاجاتهم المتعددة والاستماع إلى انشغالاتهم. لذا ظهرت الأحداث وتوسعت بسرعة وفشلت السلطات الرسمية في احتوائها. ولم يبق بيدها إلا الحلّ الأمني الذي اعتادت اللجوء إليها، دون تمكنها من استخلاص الدروس والعبر، والسعي إلى حل مشاكل الشباب من جذورها.

من أهم أسباب الفشل، قضاء السلطة السياسية على أي معارضة حقيقية، وغياب المجتمع المدني الفعال. ذلك أن كلّ الجمعيات السياسية والمدنية هي من صنع السلطة الرسمية، وتأتمر بأوامرها، وبالتالي فشلت في استقطاب الشباب البطال وفي كسب ثقة مواطني الجزائر العميقة. كما أن من أسباب التذمر الاجتماعي انتشار الرشوة وتوسعها، وتحميل أفراد فاشلين ومرتشين مسؤوليات في الدولة، في ظل ضعف هياكل المراقبة.

من الملفت للانتباه عند مقارنة الاضطرابات بين تونس والجزائر، حجم التخريب والعنف والخسارة المادية التي تركتها الأحداث في المدن الجزائرية، مقارنة مع ما حدث في تونس. وقد اختلطت عمليات الاحتجاج بمظاهر التخريب والسرقة والنهب، والتي طالت المؤسسات التربوية ومراكز العلاج ومراكز البريد وفروع البنوك، مما أدى بالمواطنين في كثير من الأحيان، إلى الوقوف إلى جانب رجال الأمن. وهي مظاهر توحي بأن وراء الشباب أياد خفية عملت على تحريكهم في الخفاء، أكثر مما هي ثورة على الأوضاع، وغلاء المعيشة كما يعتقد بعض المحللين، وخاصة من الذين يتابعون الأحداث من لندن وباريس.

مع ذلك، لا يمكن نكران خروج شباب محتجين عبر غالبية المدن الجزائرية، ولهم مطالب شرعية اعترفت بها الدولة في حدّ ذاتها. لقد اتسمت احتجاجات الشباب بالعنف والتخريب، وإن دلّ ذلك على شيء، إنما يدل عن فشل المنظومة التربوية في الجزائر، بكل مراحلها الأساسية والثانوية والجامعية. إذ أن المدارس ومراكز التكوين المهني، كانت مستهدفة، إلى جانب كثير من المؤسسات العمومية. وهو ما يؤكد أن المنظومة التربوية والتعليم والتكوين المهنيين وقطاع التعليم العالي قطاعات فاشلة، حيث أن بعض الطلبة دخلوا المنظومة التربوية وتدرجوا عبر كل مراحلها وتخرجوا منها، وهم لا يعرفون إلا وزيرا واحدا تربع على عرش المنظومة التربوية رغم ما أصابها من أزمات وكوارث في عهده. 

نفس مظاهر الفشل، نجدها في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية، بسبب ثقل البيروقراطية، وتهاون المسؤولين، وعدم الإستماع إلى انشغالات المواطنين. فبالأمس القريب عجزت مراكز البريد في توفير السيولة النقدية للمواطنين في فترة عيد الأضحى. كما نشاهد تعسف كثير من السلطات، وعمليات سحب رخص السياقة من أفراد هي وسيلة كسب أرزاقهم، وكلها ضغوط على المواطنين انتظرت وقت انفجارها، فكان الغلاء هو القطرة التي أفاضت الكأس.

إن الفشل في التعرف على الدوافع الحقيقية للشباب من خلال الالتجاء إلى الباحثين الاجتماعيين، وتهميش الكفاءات الحقيقية وإقصائها عن تحمل المسؤوليات، واعتماد الحلول الأمنية، وعدم الاستماع إلى انشغالات الشباب وأفراد المجتمع، وغياب الديمقراطية الحقة، هي العوامل الحقيقية التي تدفع إلى الاحتجاجات والاضطرابات الأمنية لأدنى الأسباب، وهو ما نشاهد اندلاعه اليوم بمجرّد ارتفاع أثمان السكر وزيت المائدة في الجزائر.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ