ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 05/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

العالم بعد العام 2010 : 

( إسقاطات جيوسياسية مستقبلية )

أ. محمد سعيد الفطيسي*

azzammohd@hotmail.com

         عندما ولد القرن العشرين - كتب زبغنيوبريجنسيكي في كتابه الفوضى , الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين – كان ثمة أمل يساور البشرية بوضع شبه مستقر في مختلف أرجاء العالم , فقد عاشت القوى الكبرى فترة طويلة نسبيا من السلام , ولم تعكر صفو الهدوء الذي خيم على العالم في أعقاب حرب فينا عام 1815م إلا حرب القرم  التي اندلعت في الفترة من عام 1853- 1856م , وكذلك الحرب الفرنسية البروسية في الفترة من 1870 -  1871م .

         وإذا كنا لا نختلف مع بريجنسيكي في ان العالم وقتها كان يتأمل من القرن التاسع عشر ان يكون قرنا للأمل والاستقرار والهدوء كما جاء في كتابه , إلا أننا نختلف معه كثيرا في مقولة أن البشرية في القرن التاسع عشر لم يعكر صفوها بعد حرب فينا عام 1815م سوى حربين فقط , هما حرب القرم  التي اندلعت في الفترة من عام 1853- 1856م , وكذلك الحرب الفرنسية البروسية في الفترة من 1870 -  1871م .

         والحقيقة أننا نستطيع ان نقول بان هناك ثمة أحداث أخرى شهدها القرن الـ 19 , كانت لا تقل شراسة وفوضوية عما تطرق إليه بريجنسيكي في كتابه سالف الذكر , وهي بالطبع جزء من كل ما شكل الصورة الحقيقة لصراع الأنظمة والقوى السياسية خلال تلك الفترة التاريخية التي لا يمكن أن ندعي بأنها مستقرة سياسيا , ومن أبرزها : النزاع بين روسيا والنمسا في الفترة من 1849 – 1850م , وتدخل الروس في المجر , هذا بالإضافة الى نزاع بولغراد ومقاطعات الدانوب , والحرب الايطالية ونسف تسوية فيينا في الفترة من 1858م – 1861م , والأزمة البولونية ونهاية الوفاق الفرنسي الروسي في الفترة من 1861 – 1863م , هذا بالإضافة الى عزل فرنسا أوروبيا ونهاية التفوق الفرنسي الذي أعقبه الحرب الفرنسية البروسية في الفترة من 1870 -  1871م .

         هذا بالإضافة الى الأزمة الشرقية الكبرى في الفترة من 1875 – 1878 م , والحرب الروسية – التركية وقيام عصبة الأباطرة الثلاثة , والاحتلال الألماني لشبه جزيرة كايو تشو , وانتفاضة البوكسر والحرب الصينية – اليابانية , والتدخل الأوربي ضد اليابان , والإعلان الفرنسي – الروسي حول الصين , والحرب الروسية – اليابانية , وربما كانت حرب البوير هي الأخيرة في حروب وصراعات ذلك القرن , حيث نشبت في أكتوبر من العام 1899م .

         كذلك ومما يجب عدم تغافله عربيا من أحداث جسام خلال تلك الفترة هو ما هز تونس والمغرب والتحكم الانجليزي – الفرنسي في مصر , ومن ثم التدخل البريطاني فيها , هذا بالإضافة الى الكثير من الأحداث السياسية والصراعات التي هزت أوربا خلال تلك الفترة التاريخية .

         وبالرجوع الى التاريخ فإننا نستطيع ان نؤكد بان جل الصراعات والحروب الكبرى كانت تدور على الخارطة الأوربية خلال القرنين الـ 18 و 19 مع ولوج مؤثر الى الخارطة الأسيوية بالطبع , إنما لا نستطيع ان نقول بان قارة أسيا كانت هي المحرك الأساسي للتاريخ السياسي حينها , كما ستكون لاحقا خلال القرنين العشرون والحادي والعشرين .

         المهم في الأمر بأنه ومع إطلالة اليوم الأول من العام 1900م – وكما يقول بريجنسيكي –  ( كان التفاؤل يسود اغلب العواصم الكبرى , فقد بدت البنية الكونية مستقرة , فيما كان الأمن والفكر خصلتين جليتين للإمبراطوريات المتواجدة آنئذ ) , والحقيقة أن ذلك لم يكن صحيحا الى حد كبير , فعهود الاستقرار كانت قد انتهت وولت الى غير رجعة مع العام الذي سبق بداية القرن العشرون , وإذا كانت هناك حروب أو صراعات أو تحالفات قارية يمكن ان تتشكل لترسم ملامح القرن الجديد , فان أكتوبر من العام 1899 بدأ هو الوقت المناسب لذلك – يقول ذلك أستاذ التاريخ الأوربي , أ.ج.ب.تايلور في كتابه الصراع على سيادة أوربا .

         وهو ما أكد عليه بريجنسيكي لاحقا بقوله : لقد أمسى القرن العشرون على نقيض ما تأمل منه , فقد أصبح القرن الأكثر دموية وكراهية في تاريخ الإنسانية , فالأبعاد الفريدة لإراقة الدماء في هذا القرن إنما هي نتاج نضالات وجودية مركزية هيمنت عليه وحددت هويته , وهي نضالات قد أفضت بدورها الى اشد انتهاكين جماعيين وأخلاقيين في عصرنا , نقلا قرن الأمل الى واحد ميزته الجنون المنتظم , فقد شمل الانتهاك الأول عن حرب طويلة ومدمرة , ليس فقط بضحاياها من العسكر , بل من المدنيين أيضا , إنها الحربان العالميتان , وما لا يقل عن ثلاثين حربا دولية كبرى أخرى أو أهلية ) .

         وبالرجوع لاستقراء ابرز واهم الشرارات التي أشعلت تلك الصراعات سالفة الذكر والتي أشار إليها بريجينسكي – وهي – الحربين العالميتين الأولى والثانية وثلاثين حربا أخرى , نستطيع ان نلخص أهما في التالي : الشراكة الفرنسية الألمانية التي أوقفت اليابان عند حدها في العام 1895م , وعصيان البوكسر في العام 1900م , وإقصاء ايطاليا من الحلف الثلاثي , والإعلان الفرنسي – الروسي حول الصين في 20 / 3 / 1902م , وإخفاق المفاوضات الفرنسية مع اسبانيا , وإخفاق بريطانيا في إحياء الوفاق المتوسطي – يمكن الرجوع لمزيد من الاطلاع على هذه الفترة الى المراجع التالية : بيبليوغرافيا التاريخ الأوربي لجي راغتز , والتواريخ العامة للعلاقات الدولية لدبيدور , وغيرها الكثير من الأبحاث والدراسات التي تتناول تلك الفترة التاريخية تحديدا .

         المهم في الأمر ان أول حروب القرن العشرون لم تتأخر كثيرا , حيث وقعت بعد 4 سنوات تقريبا – ونقصد - الحرب الروسية اليابانية في العام 1904 – 1905م , تلاها إخفاق التحالف الروسي الألماني , ثم الاتفاق الفرنسي الألماني حول المغرب , فالوفاق الانجليزي الروسي , كذلك ضم البوسنة والهرسك في 1908م , والدعم الألماني للنمسا والمجر , وهزيمة روسيا في الأزمة البوسنية , ثم الاحتلال الفرنسي لفأس , والأزمة الانجليزية الألمانية , كذلك الهجوم الايطالي على تركيا ثم حروب البلقان في الفترة من 1912 – 1914 , وهي الفترة والأحداث التي شكلت عوامل الحرب العالمية الأولى في أوربا في العام 1914م .

         ولو قمنا بمحاولة إسقاط التاريخ الى الأمام , أو الى الوراء , وتحديدا على العقد الأول من القرن الحادي والعشرين , فإننا سنشاهد تشابها بين صراعات وأحداث تلك الفترتين التاريخيتين 1900- 1910م والفترة من 2000م – 2010م , مع اختلاف اللاعبين والسيناريوهات بالطبع , إنما تبقى الحروب والصراعات والأطماع هي المرافق الدائم للتاريخ السياسي .

         فقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م وبدون الرجوع الى أسبابها السياسية والأيديولوجية الشرارة الرئيسية لأهم الأحداث السياسية التي شكلت ملامح العقد الأول من القرن الحادي والعشرين , وهي : غزو أفغانستان بعد تلك الأحداث مباشرة , ومن ثم غزو العراق في العام 2003م , والحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006م , وغزو روسيا لجورجيا في العام 2008م , والحرب التي شنتها اليمن والسعودية ضد الحوثيين في اليمن مع نهاية العام 2009م.

         هذا بالطبع بخلاف أحداث العنف والتفجيرات الدموية التي هزت العديد مدن أوربا واسيا , نتيجة استفحال ظاهرة الإرهاب وانتشار العنف والطائفية والقومية , كما لا يجب ان نتناسى بعض تلك الظواهر والأحداث التي برزت على مائدة الأحداث خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كعودة ظاهرة القرصنة البحرية , والانقلابات السياسية , ووصول سعر النفط الى أكثر من 100 دولار للبرميل , وانتخاب أول رئيس للولايات المتحدة الاميركية من أصل أفريقي .

         خلاصة الأمر وكما سلف وأكدنا , ان الحروب والصراعات هي المرافق الدائم للتاريخ السياسي والتحولات العالمية خلال اغلب القرون الماضية , وبالتالي فإننا لا نتصور – شخصيا – بان عقدا من العقود الإنسانية يمكن ان يمر بسلام دون ان تضع الحروب والصراعات بصمتها عليه , ومن هذا المنطلق وقياسا على هذا المبدأ فإننا سنحاول تشريح وتفكيك الملفات الساخنة التي يمكن ان تتسبب بإشعال فتيل الحروب والصراعات خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين .

         ومن ابرز الملفات العالمية الساخنة – وهي على المدى القريب - , والتي يمكن ان نقول بأنها قابلة للاشتعال خلال السنوات العشر القادمة هي :

( 1 ) الملف النووي الإيراني , والذي يمكن ان يتسبب بحرب عالمية في الشرق الأوسط , ويمكن ان تمتدا الى أوربا والولايات المتحدة الاميركية .

( 2 ) الملف الكوري الشمالي , والذي يمكن ان يتسبب بحرب عالمية في شبه الجزيرة الكورية , ولن تستثني منه الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا واليابان .

( 3 ) ملف الصراع على المياه في أفريقيا.

( 4 ) ملف الفراغ الاوراسي الممتد من القرم في البحر الأسود الى الشرق مباشرة على امتداد الحدود الجنوبية لروسيا وصولا الى مقاطعة زيانجينغ الصينية , هذا مع الاحتمال الكبير لعودة الصراع بين روسيا والدول المتمردة على البيت السوفيتي القديم .

( 5 ) ملف التدخلات الإنسانية ,  بدخول الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا في نزاعات لا يستبعد ان تدور رحاها في القارة الأفريقية وبحر قزوين على المصالح والهيمنة تحت مظلة التدخلات الإنسانية وحماية الديموقراطية .

         وبالطبع فان هناك ملفات إقليمية توشك ان تتسبب بإطلاق شرارات صراعات وحروب عالمية مفتوحة وموسعة  لا تقل مأساوية وفتك بالبشرية عن تلك الملفات سالفة الذكر , ومن أبرزها :

( 1 ) ملف تقسيم السودان وانعكاساته على المنطقة.

( 2 ) الحروب الطائفية والقومية والأثينية والأهلية والتي ستشكل ما يقارب من الـ 70 % على اقل تقدير من أسباب الصراعات والحروب التي ستشتعل خلال القرن الحادي والعشرين , وستنال أفريقيا نصيب الأسد منها , ولن تكون دول الخليج العربي والدول العربية بمعزل عنها تحديدا .

         وبتصوري - وكما ان العقد الثاني من القرن العشرون قد شهد حربا عالمية هي حرب العالمية الأولى والتي قامت في أوروبا ثم امتدت لباقي دول العالم خلال أعوام ما بين 1914 و1918م , فليس هناك من مستبعد ان يشهد العالم خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين حربه العالمية الخاصة , باعتبار ان الحروب الواقعة بين الحرب العالمية الثانية والعام 2010م لم تكن صراعات عالمية بالمعنى السياسي المتعارف عليه , كما انه لا يستبعد كذلك ان يشهد العالم حروبا قارية وإقليمية خلال هذه المرحلة , ومن المرجح من - وجهة نظري الشخصية – ان جل تلك الحروب ستدور رحاها فوق القارتين الأسيوية والأفريقية . 

         وبالرغم من ان الملامح السياسية والجيوسياسية الدولية التي سترافق العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لا تدفع نحو هذا التوجه والتوقع المأساوي الكارثي , - واقصد – حرب كونية ينقسم فيها العالم الى أكثر من قيادة مركزية أو حلف أو تكتل , إلا ان ذلك لا يعني قطعا دليلا على استمرارية ذلك , فمثل هذه الصراعات والحروب لا تحتاج لأكثر من عود كبريت ورجل مجنون ومقامرين دوليين لإشعال فتيلها الكوني , ولا اتقد ان عالمنا اليوم يخلوا من هذه الجوقة المريضة . 

ـــــــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية  – رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ