ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 30/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

المشهـد الشياشي من الكويت إلى تونس !

حامد بن عبد الله العلي

صدمتان متزامنتان في المشهد السياسي على الخارطة العربية ، حولتاه إلى مشهد (شياشي) شوَّش الإيقـاع الرتيب للحراك السياسي في كلا البلدين .

إحداهما في الكويت ، والأخرى في تونس ، الأولى صدمة من ظهور مفاجىء للهراوات تهوي على رؤوس النخبة السياسية في الكويت ، حيث التعاطي السياسي الذي لم يعتد رؤية هذه المفاجأة من العيار الثقيل !

ولهذا فقـد انفجرت من تحت هذه المفاجأة الأليمـة ، مفاجـأة أخـرى عجيـبة ، وهـي

 ( ثورة الكرامة ) في الكويت ، وما لبثت حتى انتشرت إنتشار النار في الهشـيم ، وفي غضون عدة أيام انطلقت فضائيّتـان معارضتان ، واشتعلت المواقع الإلكترونية تضطرم بروح المعارضـة الحيـّة المصـرِّة على تحقيـق أهدافهـا ، وأقيمت عدة ندوات حاشدة ، مطالبة بإسقاط الحكومة برمِّتـها ، وإستبدالها بأخرى تحفظ كرامة المواطنين ، وتوسِّع دائرة الحريات ، وتطلق مشاريع إصلاح شاملـة.

ولا ريب إنـَّك لن ( تونس ) علاقة مباشرة بين ما جرى في الكويت ، والإنفجار المفاجىء أيضا في تونس ، حيث امتدت المظاهرات الإحتجاجية في عدة مدن تونسية ، وانطلقت مظاهرة حاشدة في العاصمة التونسية مرددة شعارات التحدِّي والتغييـر : " حريات حريات.. لا رئاسة مدى الحياة  " ، " شغل.. حرية.. كرامة وطنية " ،

ونددوا بلجوء الشرطة للقوة هاتفين " يا مواطن شـوف شـوف.. الإرهاب بالمكشوف " .

وتناقلت وكالات الأنباء : ( اعتصمت مجموعة من الصحفيين أمام مقر نقابة الصحفيين التونسيين ، يتزعمهم نقيب الصحفيين السابق ناجي البغوري للتعبير عن تضامنهم مع أهالي سيدي بوزيد ، وندد هؤلاء الصحفيون بما سموه الحصار المفروض من قبل السلطة على الإعلام للتعتيم على حقيقة ما يجري من اشتباكات عنيفة ، واعتقالات ، وإفراط في استخدام القوة ضدّ المتظاهرين ، وصـرح البغوري  " الإعلام التونسي هو الأسوأ في المنطقة . السلطة تفرض رقابة مشددة على الإعلام ، وتستخدم الصحف الموالية لها كبوق لتمرير لغتها الخشبية ودعايتها " .

 

ودخلت المظاهرات المساندة للتحركات الشعبية بسيدي بوزيد يومها العاشر ، بأعقاب إقدام شاب على محاولة الانتحار حرقـاً احتجاجا على الأوضاع المعيشية المتردّية وتفشي البطالة ، ويوم الأحد الماضي خرج نقابيون ،  وطلبة ، ونشطاء حقوقيون في مسيرات حاشدة ، بمحافظات صفاقس ، ومدنين ، والقيروان ، واشتكوا كذلك من تعرضهم للضرب بالعصي ، من قبل قوات الشرطة ،  وما تزال المظاهرات قائمة في العديد من المناطق بتونس .

 

لا علاقة مباشرة بين ما يجري في الكويت ، وتونس ، غير أنـَّه ثمة علاقة غير مباشرة بلا ريب ، إذ تتطابق الشعوب العربية في قواسم مشتركة من الهموم ، وإن اختلفت درجات المعاناة ، لتكون الكويت هـي الأقـلّ ، وتونس _ لعلها _ الأشـدّ ، حيث يمعن النظام التونسي في إفقـار الشعب التونسي ، وإضطهاده ، وفي القمع ، ومصادرة الحريـّات ، ومحاربة الهوية الإسلامية _ حتى حجاب المسلمة ، ومراقبة المصلّين ببطاقات ممغنطة !! _ وهـو غـارق في الفساد ، ويتمرَّغ فـي وحـل (الخيانة الوطنية ) في أبشع صورها .

والهموم المشتركة بين الشعوب العربية تندرج تحت ثلاثة :

أحدها : العدل الذي هـو الغائب الأكبر في المشهد السياسي ، فالظلم قـد بلغ به السيل الزبى ، وجاوز الحزام الطبيين ،

والظلم هو وضـع الشيء في غير موضعه ، وأشنعُه ، وأقبحُه أثـراً على الأمـّة ، هـو وضع أمانة قيادة الأمـة في غير موضعها ، وهـو الذي عبـّر عنـه الحديث الشريف : ( إذا وُسـدَ الأمرُ إلى غير أهله ) ، وهذا الظلم العظيم قـد غدا هو الأصل في بلادنا من شرقها إلى غربـها ، ففتح على الأمة الكوارث التي لا تحصى ،

ثم يأتي بعده ظلم الحقـوق ،

وسبحان الله ،، تأمَّلوا كيف أنَّ الله تعالى لخَّص رسالة نبيه الكريم شعيب عليه السلام بقوله : ( ويَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الكَيْلَ والْمِيزَانَ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ،

وإذا كان الله تعالى قد بعث هذا النبيِّ الكريم ، وكلَّفه أن يحذر النَّاس من إهدار الحقوق ، وهـو : بخس الناس أشياءهم ، ولا ريب أنَّ هذا يشمل ما للناس من حقوق معنوية ، وعلى رأسها حرياتهـم المشروعة ، بل هي أولى ، ثم أنزل بهم العذاب الأليم ، والعقاب العظيـم ، بسبب ما أضاعوه من الحقوق بينهـم ، فكيف بحالنا اليوم ، وقـد صار بخس الشعوب أشياءها كأنـه هو الوظيفة الأساسية للأنظمة العربية ؟!

 

والثانـي هـو الكرامة ، فالكرامة هي أشهـر غائـب بين الشعوب العربية ، وأي مهانة لكرامة الإنسـان ، أعـظم من أن تبقى النخب السياسيّة ، والثقافيـّة ، والإجتماعيـّة ، ورجال الفكر ، وقادة الرأي ، أسـرى لسلطة من هم أجهـل خلق الله تعالى وأحمـرهم ، يتسلط عليهم الرويبضة فيحقـر عقولهم ، ويكمِّم أفواهـمم ، ويجلدهـم بهراوات الشُّرَط ؟!!

وكم في المعتقـلات العربية من عقول تزن الجبال ، وأجساد بنفوس الأبطال ، لم يكن لها ذنب سوى أن قالت كلمة الحـقّ ، أو تاقت نفسها إلى الحرية ، يمـرّ عليها سجـَّان أميُّ جاهـل ، غــدوَّا ، وعشيـَّا ، فيلقي عليها تحية التهكُّـم ساخرا مستهزئا بحالهـم !

أما إذلال الشعوب في لقمة عيشهم ، وإهانتـهم بحرمانهم من حقوقهم في ثروات بلادهم ، ومن إستفادتهـم من خيراتها ، فحدِّث عن ذلك ما شئت .

فتُذلَّ الشعوب العربية التي تعيش على أغنى أرض الله تعالى ، في طوابير الخبـز ، وفي قوائـم الحصول على سكـن كريم ، وفـي إنتظـار حقِّ التعليـم ، وغيـرها من أدنـى الحقـوق ، بينـما تضخِّـم النخب الحاكمة أرصتها (المليارية ) في البنوك الأوربية ، لتبني إقتصـاد دول تطرد المهاجرين الجياع القادمين على قوارب الموت من بلادهم العربية الغنيـّة !!

والثالـث هـو الهويـّة والإنتمـاء ، فقد أضاعت الأنظمة العربية هويـَّة شعوبها ، فلم تعد تعرف إلى أي شيءٍ تنتمي سوى إلى (الحظائـر) التي تأوي إليها ، والتي يسمُّونهـا زورا وبهتانـا ( أوطانـا ) !! ، وإنما هي كالمعتقـلات الكبيرة التي تحيط بأسوارها العسكـر في ( مراكز الجوازات ) ، لا يكاد السجين أن يمـرّ منها إلاَّ بشقّ الأنفس ، ثم الملايين منهـم يخرجون ولا يعودون ، ويفضّلون الإغتـراب بعيدا عن أوطانهم حيث يغرّدون هنـاك في غربتـهم ألحان هويـّتهم !!

نعـم إنَّ الأنظـمة العربية تتشـدَّق بلسانها الممتلىء من قيح سرقة ثروات الوطـن ، عن ( الوطنية ) ! ولكـن أين هي هذه التي يتكلَّمـون عنها في واقع الناس!

وهـي تلقي الدروس عن (حقوق المواطنة ) كما تلقي زعماء المافيا محاضرات في المحافـل الإجتماعيـة في أوقات الضحى ، وهي تنظـِّم ليـلا الفسـاد الذي ينخـر في كلِّ القيم الإجتماعيــة !

لقد آن الأوان أن ينقلب المشهد السياسي ، إلى مشهد شياشي ، فـ ( تُشيَّش ) الشعـوب ، لتطـلق ثورتها :

ثورة العـدل ، و الكرامـة ، و الهويـّة .

وهي لن تنجـح إلاَّ على ركيزتيـن :

إحداهـما : تكوين سلطة ( الرأي العام )  ، وهي السلطة الحقيقية التي لا يمكن لأيّ سلطة في الأرض مقاومتها ، فهي حقا كما عرفها و.و. ويلي في كتابه المهم ( طبيعة الدولة ) : ( هي تلك القوّة التي تتدفـَّق من شعور وعاطفة المجتمع ، ولا يمكن مقاومتها ، والتي تظهر في كلِّ مكان ، وهي القوة التي تعطي معنى لنص القانون ، وروحه ، وبدونها لا يكون القانون المكتـوب سوى مجرد قشـرة ) .

وإذا أردتم صورة حيـَّة فهو ما يجري في الكويت ، وتونس ، هذه الأيام .

وهذه (السلطة) لا تؤتي أكلـها إلاَّ بالحشـد ، والعـزل ،

حشد الشعور التغييري إلى بعضـه ، وتحويله إلى سيل ثائـر يتجـَّه بقوة نحو أهدافه.

وعـزل الخطابات المزيفة ، الدينية ، والثقافية ، والسياسية التي تكلمنا عنها سابقا في مقال ( الهريـات ) ، ونقصـد بعزلها ، فضحها ، وكشف عوارها أمام الجماهيـر .

الركيـزة الثانيـة : تنظيـم ثورة التغييـر عبر قنوات تحفظ مسارها ، وتحميها من الإنفعالات العنفيـِّة غير المدروسة ، ومـن التشتُّت عن الأهداف الرئيسة ، ومـن مكائد السلطة الفاسـدة ، التي تستعمل أسلوب إجهاض التغيير من داخله .

 

وبعـد :

فإن ما يجري في شعوبنا من محاولات مقاومة للحالة المزريـة التي تعيشها أمتنا ، إرهاصـات مدهشـة ، تدل على ما ذكرناه سابقا في مواضع متعددة من تغيـير قادم لا محالة ، وسيسمح بإذن الله تعالى ، بإنفـراج كبيـر يبِّشـر بالخيـر إن شاء الله تعالـى .

والله المستعان ، وهو حسبـنا عليه توكلـنا ، وعليه فليتوكـل المتوكـلون . 

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ